تتعدى القراءة[1] بتعدد القراءة فليست القراءة مجرد صدى للنص، انها احتمال من بين احتمالاته الكثيرة، والمختلفة وليس القارىء في قراءته كالمرآة لا دور له، الا ان يعكس الصور والمفاهيم والمعاني، التي رمى صاحب النص إلى قولها والتعبير عنها بحرفيتها وتمامها. فالاحرى القول ان النص مرآة يثمر أى فيه قارئه، على صورة من الصور.. من هنا تختلف قراءة النص الواحد مع كل قراءة، وبين قارىء وآخر. بل تختلف عند القارىء نفسه بحسب احواله واطواره[2] ويصبح النص المكتوب ذا القراءة الواحدة للكاتب ذا قراءات متعددة خارجة من يديه، فالنص ملك لصاحبه قبل النشر وبعدها يصبح ملكا للقراء، وبقدر ما يكون النص قويا والقارىء على درجة من الوعي يستطيع به محاكمة ومناقشة النص يستطيع ان يستخرج منه المكنونات والخطوط الخفية التي تكمن وراءه (النص). وذلك سواء على مستوى المنهج أو الموضوع أو المعالجة.. ونشر هذه الخطوط والتحليلات على الاخرين يعتبر الخطوة الاولى لتغلغل ونشر افكار المفكر الكاتب في ساحة وعي القارىء اولا، وعلى ساحة الفكر ثانياً. وإذا اخذنا بالتقسيم الثنائي لدرجة القراءة فان قراءة شخص ما لمفكر تعتبر قراءة من الدرجة الاولى وقراءة شخص ما لتلك القراءة تسمى قراءة من الدرجة الثانية ويطلق عليها (قراءة القراءة)[3] فيحق لنا حينئذ ان نتساءل وايمانا منا بفكر الشهيد الصدر (قدس) هل قرأنا الشهيد الصدر (قدس) قراءة من الدرجة الأولى؟ هذه القراءة الواعية والمحاكمة للنص والمستفزة للذهن والعقل في بعض الاحيان، وهل تركنا جانبا القراءة الإستلقائية و«التثناؤبية» والانبهارية في بعض الاحيان لكافة النصوص بشكل عام ولنصوص الشهيد الصدر بشكل خاص.
وبنظرة بسيطة إلى قائمة الاصدارات ستعطينا الجواب المؤسف للسؤال المطروح فكل ما كتب عنه لا يشكل سوى شيء ضئيل لما يحويه الشهيد الصدر (قدس) من فكر وفير وخصب، اما إلى نوعيتها فالاستاذ محمد الحسن يذكر في هذا الصدد ومن خلال نظرة سريعة إلى هذه الكتابات التي تمثل افضل ما طرح لحد الان يبدو ان معظمها ـ وان تناول بعضها جوانب علمية مهمة ـ تاريخياً اعلاميا اقرب منها إلى ان تكون علمية صرفة ولعل كتابات السيد عمار ابو رغيف هي وحدها التي نحت منحا علميا صرفا[4].
مما يتضح اننا نحتاج إلى قراءة واعية وجديدة لفكر الشهيد الصدر وما يشجعنا ويعطينا املا في جدوى واهمية هذه القراءة المجددة لفكره ـ فضلا عن ايماننا به ـ هو رواجه وانتشاره على اكثر الاوساط الإسلامية وعلى مستوى كلا القارتين الاسيوية والافريقية. مما يدل على حيويته ومعاصرته لقضايا الساحة وانّه موضع حاجة المثقفين، خاصة الاسلاميين منهم. بحيث اننا لا نبالغ بالقول إذا قلنا ان فكر السيد الشهيد الصدر قد خذ حيزاً لا باس به من تشكيلة الفكر الاسلامي المعاصر، وانّه احتوى وشكّل انساقاً معرفية رصينة وقوية في عقلية الفرد المسلم المثقف.
ويذكر الدكتور محمد عبد الباقي الهرماسي «استاذ الاجتماع والعميد المساعد في كلية الاداب والعلوم الإنسانيّة بالجامعة التونسية» وهو يتكلم عن المغرب العربي في هذا الصدد ومن بين الكتاب الذين هم اكثر رواجاً لدى الاسلاميين والذين وقع ذكرهم في هذا الشأن، نجد «محمد باقر الصدر»[5] و«سيد قطب» و«علي شريعتي» فبالنسبة إلى الطلبة الذين يبحثون عن قيادة ايديولوجية فانهم يجدون مبتغاهم في محمد باقر الصدر وعلي شريعتي اللذين يرشدان إلى المنهج الذي ينبغي انتاجه في مواجهة التيارات الكبرى للفكر المعاصر اما سيد قطب فانه يفتح الطريق إلى نزعة مناضلة ومشهودة في تاريخ الإسلام وهي نزعة الصرامة والاصولية والتمرد، ضد كل نظام حكم ليس اسلاميا على نحو ملائم ويكاد الاسلاميون يعتبرون الإسلام المناضل حصيلة فكر هؤلاء الثلاثة فقد اقاموا اسسه النظرية، ومن اجله قضى كل منهم نحبه شهيداً[6] ويورد د. الهرماسي بعد هذا دليلا على ما يقول وهو جدول احصائي لقراءات الاسلاميين للكتب فكانت النسب المئوية كما يلي:
(القرآن 73% محمد باقر الصدر 54%، سيد قطب 35%، علي شريعتي 31%، سيد شفيق 17%، راشد غنوشي 19%، حسن حنفي 13%، عماد الدين خليل 10%، حسن ترابي 8%، محمد قطب 9%، ابو الاعلى المودودي 6%، حسن البنا 4%)[7].
ونشاهد ان أعلى نسبة للكتب المقروءة بعد القرآن الكريم هي لكتب السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس)، بينما كانت نسبة كبار المفكرين والمعروفين على الساحة الفكرية الإسلامية في الوقت الراهن اقل بكثير مما حصل الشهيد الصدر.
وهذا الامر يزيد ويثقل عبء المسؤولية على عاتقنا ويدعونا إلى ان نطرح الشهيد الصدر بقوة جديدة وان نعيد قراءته بشكل اكثر تركيزاً واوسع تمثيلاً لما تتطلبه المرحلة الثقافية المعاصرة.
وطرح الشهيد الصدر على الساحة الإسلامية جميعها بل حتى العالمية ليس ادعاءاً بقدر ما هو تقييم حقيقي واقعي آمن به كبار المفكرين والعارفين للفكر بصورة عامة وللسيد الشهيد بصورة خاصة ولا يسع المجال لذكرهم هنا.
اسئلة تمهيدية لقراءات جديدة وما نبتغيه من هذا البحث؟
محاولتنا المتواضعة هو محاولة بسيطة لذكر نزر قليل من الجوانب والمواضيع التي يمكن من خلالها اعادة قراءة فكر الشهيد الصدر فهي ليست قراءة له بقدر ما هي اسئلة واستفسارات ممهدة لقراءات جديدة لفكره (قدس).
1ـ اسلمة العلوم
في قضية عامة ورئيسية هي الموقف من الغرب وعلومه وقضية النهضة، تفرّد اتجاه يدعو إلى اسلمة العلوم الإنسانيّة «الغربية» كعلم النفس والاجتماع والانتربولوجيا و..الخ، وعلى هذا يجب ارجاع كل هذه العلوم إلى اسس وجذور اسلامية، وإذا ما اصبحت كذلك فيمكن حينئذ فقط الالتزام بها والاعتماد ـ بنسبة ما ـ عليها وذلك لانها سوف تخضع إلى قيم وموازين اسلامية، واوقف اصحاب هذا الاتجاه نهضة الاُمّة الإسلامية على هذا الامر (اسلمة العلوم) واعتبروها الخطوة الاولى للنهوض.
وقد كثر الجدال والنقاش حول هذه القضية وتشعبت اطراف الحوار حول جدوى ودور اسلمة العلوم في نهضة الاُمّة فضلا عن صحة هذه الاسلمة وقد تعددت الاراء في ذلك الا انّه يمكن حصرها فيما يلي:
– لا يمكن ان يتأسلم العلم لانه مبنى على اسس علمانية وفي بعض الاحيان مؤطر بأيديولوجية لمذهب ما.
– ان اسلمة العلوم عملية بطيئة تستغرق عقوداً من الزمن يكون الغرب حينذاك قد سبقنا اضعاف ما هو عليه الان.
– انّه يجب ان نؤسلم العالم قبل اسلمة العلم ومصطلحاته.
– ان المفكرين الاسلاميين لم يجيبوا لحد الآن على اكثر الاسئلة العلمية المطروحة على مستوى المنهج مما يُشكل ارباكا منهجيا في عملية اسلمة العلوم.
– كما ان هؤلاء المفكرين لم يطرحوا الادوات المفاهيمية الكافية التي تستوعب العلوم وتؤطرها بأطارها المفاهيمي الخاص بها.
– اسلمة العلوم عملية متقدمة على النهضة ولا تشكل الخطوة الاولى للنهوض. هذه الاستفسارات والاراء اجاب الشهيد الصدر عليها باجمال حينا وبتفصيل حينا آخرا. كما انّه لم يكتف بالرد والاجابة فقط بل التزم اتجاها ورأيا خاصا به قد يخالف أو يوافق هذه الاراء، وفضلا عن كل هذا انّه تقدم خطوة كبيرة إلى الامام في هذا الشأن وذلك في كتابيه «فلسفتنا» و«اقتصادنا» اذ ان ضمير الجميع (نا) يعود على الإسلام. فالاسلام له فلسفة واقتصاد خاصان به، فكيف اجاب الشهيد الصدر على الاسئلة المطروحة سلفا؟. وكيف تجاوز العقبات الابستمولوجيه لبعضها؟
وكيف تمثلت مفاهيم العلم (كالفلسفة والاقتصاد) تحت يديه ليستطيع وضعها ومحاكمتها بأطر ومفاهيم معرفية اسلامية؟
واخيرا وليس اخرا ما مدى نجاح المشروع الذي بدأه السيد الشهيد ولا سيما وفي يدينا زمن يقارب ثلاثة عقود منذ صدور الطبعة الاولى لكتاب (فلسفتنا) وما هي العقبات ـ ان وجدت ـ التي تواجه نمو هذا المشروع؟.. وهل يمكن بلورتها وصياغتها فكرياً لتمليها ومناقشتها وبالتالي رفعها عن الطريق ولو على مستوى التنظير الفكري فقط؟
هذه الاسئلة وغيرها المتعلقة باسلمة العلوم يمكن استخلاصها من كتب الشهيد الصدر وخاصة فلسفتنا واقتصادنا وبعض المقدمات التي كتبها، وما نحتاجه لاجل ذلك هو القراءة الجديدة لافكاره رحمه الله.
2ـ التاريخ
التاريخ ليس مجرد تعاقب للاحداث ووصف لها يرويها المؤرخ بصيغة ما، وليس النص التاريخي نصا جامدا يصف الوقائع وتعاقب السنين بذاتها وانما تؤثر عدة عوامل نفسية وسياسية واجتماعية و.. على المؤرخ عندما يكتب لنا التاريخ، والقارىء للنص التاريخي يجب ان يعني هذه الامور قبل ان يحكم على قضية تاريخية بحكم ما. وكذا الحوادث التي هي اجزاء التاريخ لا تصدر بصورة عبثية ومن دون تحرك بل لها اسباب وعلل تنتج الحادثة ومن تتابع الحوادث يتكون التاريخ..
ولتفسير التاريخ عدة اتجاهات اهمها واشهرها:
– الاتجاه البطولي: ويرى ان السبب الرئيسي للتغيير في التاريخ هو بسالة العظماء الابطال والكهنة والملوك.
– الاتجاه الدوري: ويرى ان تاريخ العالم يجرى في دورات متتالية ومتشابهة، بحيث تعود الأحداث السابقة من جديد وبأشكال متقاربة وتترتب عليها بالتالي النتائج نفسها.
– الاتجاه الجغرافي: ويرى ان مصدر التغيير في الحوادث التاريخية يجب البحث عنه عن طريق ملاحظة تعاقب الاحوال الجغرافية والمناخية.
– الاتجاه العرقي: ويعتمد في تفسيره للتاريخ على اساس نظرية التفوق العرقي ـ العنصري.
– الاتجاه الديني[8]: وهو تقديم تفسيرات دينية لبعض البطولات التاريخية نتيجة لاعتقادهم بوجود قوى خارقة تهيمن وتسيطر على العالم وتوجهه سمّوها بالاله.- الاتجاه المادي: وهو تفسير للتاريخ على اساس تقرره المادة، اي ان السيطرة على وسائل الانتاج تقرر اية طبقة واية نماذج فكرية يمكن ان تسود في فترة ما ـ وهذه هي النظرية المادية للتاريخ لكارل ماركس.
الاتجاه المثالي: وهو يعتبر الفكر أو العقل اساس كل ما هو موجود[9].
وإذا كان الشهيد الصدر (قدس) لم يمهله الاجل في ان يؤيد احد الاتجاهات فان كتاباته التاريخية، القليلة العدد والكبيرة المحتوى لابد انها تنحى منحىً خاصاً في تفسير التاريخ وقد يتلائم مع احد الاتجاهات الستة المذكورة أو يتنافى معها، ولابد أيضاً انّه قد نظر إلى التاريخ نظرة معينة، فهل يمكن استخلاصها من كتاباته أو محاضراته ونستطيع ان نعرف رؤية السيد الشهيد الصدر في تفسير حركة التاريخ من خلال عرضه لبعض نظريات العامل الواحد التي كتبها في بداية كتاب اقتصادنا حيث اوضح وبشكل موجز ان رأيه يتلخص في التأكيد على دور الإنسان ذات الوعي والاختيار في التأثير على حركة التاريخ والتحكم في قوانينه العامة ومن خلال عومل متعددة ومتداخلة.
وإذا ما استخلصناها وخرجت إلى حيز الوجود الفكري فهل يمكن بلورتها وصياغتها صياغة محكمة تتلائم ومتطلبات المرحلة الفكرية الراهنة؟
3ـ المنهج:
ان اهم ما يميز حضارة عن اخرى ونجاح واحدة وسقوط اخرى هو المنهج،..
وربما كان اهم اكتشاف في فكر المشروع الثقافي الغربي الحديث هو فرز مشكلة المنهج ووعيها على حدة[10] والنهج هو الذي يلون طابع الحضارة والمجتمع بطابعه الخاص. وهكذا ترتبط مسألة المنهج بالموقف الفكري للانسانية.. فالصراع حول المنهج، ليس صراعا حول نظريات أو منظومات من الكلام ولكنه يحدد في الواقع هوية المجتمع، وان كان مرتبطا ارتباطا عضويا بالتاريخ أو يحيا على هامش من احداثه وتطوراته[11] وقضية المنهج لا تتعلق بالحضارة فقط وانما باي انتاج فكري على الخصوص فلكل كاتب منهج خاص في تأليف كتابه أو في طرحه للافكار الموجودة فيه أو في معالجتها ومناقشتها، وهو أيضاً ما يميز مفكرا عن اخر ونجاح هذا دون ذاك، ولهذا فالمنهج يمثل هوية المفكر في كتاباته أو محاضراته وإذا مثلنا الافكار بالجسد فان المنهج هو الروح الذي يحرك الجسد ويدفعه نحو تحقيق اهدافه وغاياته.. ومثلما يفضل جمال الروح عند الإنسان كذا الامر عند المفكر فان قوّة ما يطرح تأتي من قوّة وتماسك المنهج الذي يتبعه، والبعض تأتي قوته من منهجه اكثر مما تأتي من افكاره، ولعل اكثر من ينطبق عليه هذا القول هو السيد الشهيد الصدر فلقد امتاز بمنهج خلاق وفريد من نوعه، ويتسم بسمات عدة لا يسع المجال لذكرها، ومن منهجية تأتي قوّة ما كتبه اضافة لافكاره والا كيف نفسر صدور كتب عديدة قبل وبعد فلسفتنا تتناول فلسفة المعرفة الإنسانيّة ومع هذا لم يدم لها البقاء الا بطبعة أو طبعتين علما ان فلسفتنا طبع لحد الان ما يقارب ثمان عشرة طبعة، وربما تناولت تلك الاصدارات ذات المواضيع التي تناولها في فلسفتنا.. اي انها تحتوي على نفس الافكار ولكن الذي يميز الشهيد الصدر عنهم وخلّد اثاره هو منهجه الرصين في تناول الافكار..
وقضية المنهج وقوته عند الشهيد الصدر (قدس) بينة لكل من يطالع كتابا من كتبه وتتجلى له بوضوح منذ الفصول الاولى، وما يهمنا.. هو كيف نستخلص هذا المنهج من افكار الشهيد الصدر؟ وكي تحدث القطيعة الابيستمولجية بين منهجه وفكره؟.. ان صح التعبير.. اذ مما لا اشكال فيه ان المنهج يمكن عزله عن القالب اللغوي المتلبس فيه. فما هي اسس هذا المنهج؟.. وما هي ميزاته؟.. واين تكمن قوته؟
وهل يمكن صياغته وبلورته فكريا ليستفيد منه كل من اراد ان يتبع الشهيد الصدر في منهجه الفكري.. عندما نجيب على هذه الاسئلة نكون حينئذ قد نقلنا الشهيد الصدر من كونه مفكرا فقط، إلى صاحب مدرسة وتيار في الفلسفة والاقتصاد.. من كونه فيلسوفا إلى رائد الفلسفة. وحينئذ سوف لا نجد كتاب فلسفتنا واحدا يعيش لمدة ثلاثة عقود وانما سنرى عشرات الكتب من فلسفتنا ومجتمعنا و.. تنحى منحى الشهيد الصدر، تماما كما ابتغى من وراء اكثر كتبه.
4ـ القراءة من الدرجة الثانية لفكر الشهيد الصدر
قسمنا في مستهل البحث القراءة إلى درجتين، اولى وثانية، والنقاط السالفة الذكر، كانت اسئلة لقراءة من الدرجة الاولى لفكر الامام الشهيد الصدر. وفي هذه الفقرة نريد ان نسأل: هل يمكننا قراءته قراءة من الدرجة الثانية؟ بمعنى هل يمكن قراءة قراءاته؟.. ما هي انواع هذه القراءة ان كان الجواب بالايجاب؟
ومن الواضح ان السؤال السابق يتضمن اعترافا بان للسيد الشهيد قراءات لمفكرين أو لمدارس فقهية أو لتيارات عقائدية.. وهذا التظمين واضح الصحة، فالذي ينقد المدرسة الماركسية هو بالاحرى قارىء لها ولكبار مفكريها..
ويمكن ذكر نوعين من القراءات التي قرأها السيد الشهيد الصدر:
أ ـ النوع الاول: قراءة الإسلام:
من الامور البينة هي ان الشهيد الصدر قد قرأ الإسلام المتمثل بالكتاب والسنة قراءة تختلف عن الاخرين، اذ كما قلنا لكل قارىء قراءة خاصة.. وهذا الاختلاف هو سبب تميزه عن البقية من قرأوا الإسلام.. والذي يلفت النظر في هذه القراءة انها ربطت بين الإسلام والمشكلات والعلوم المعاصرة، فكل ما طرحه الشهيد الصدر تميز بخاصيتين هما الإسلام والمعاصرة فكان الاقتصاد (اقتصادنا) الذي كتبه اقتصادا اسلاميا ومعاصرا في آن واحد. وهذا ان دلّ على شيء فانما يدل على عمقه في فهم الإسلام وبالتالي يدل على امتلاكه قراءة خاصة للنصوص الإسلامية مكنته من اعطاء هذا الكم الكبير من الافكار الإسلامية المعاصرة ومن مرونة واضحة في فهم النصوص بحيث استطاع قولبتها في قالب اسلامي جديد يفي بمتطلبات المرحلة من دون ان يسيء إلى الاصول. اذن فالشهيد الصدر يتمتع بقراءة فريدة من نوعها.. فهل يمكننا كشف اسس هذه القراءة؟ وممن تتكون؟.. وما هي ميزاتها أو صفاتها؟ وهل لها حدود أو ثوابت لا تتجاوزها؟.. ام لا؟ ومن خلال القراءة الثانية للسيد الشهيد الصدر هل يمكن استخراج القارىء التي يوصي بها الإسلام؟.. فتصبح للاسلام على ضوء ذلك قراءة يختص ويتميز بها عن قراءات باقي المذاهب والتيارات الدينية منها والعلمانية.. ام ان الإسلام ترك العنان للقارىء..
واخيرا وليس اخراً، ما مدى امكانية تطوير أو استيعاب هذه القراءة بحيث يستطيع امتلاكها كل من يريد ان يقرا كقراءة السيد الشهيد للنصوص الإسلامية.
ب ـ النوع الثاني: قراءة الغرب:
يمثل كتابا فلسفتنا واقتصادنا وبعضا من فصول كتاب الاسس المنطقية للاستقراء اكثر قراءات الشهيد الصدر للفكر الغربي المعاصر وخاصة التيار الماركسي والرأسمالي، ولعل من احد الامور التي تصنف السيد الشهيد مع العباقرة والمبدعين هو هذا النوع من القراءة.. اذ انّه استوعب الفكر الغربي بادق خصائصه مع عدم معرفته لأية لغة اجنبية بحيث فاق في احاطته ورصانته اكثر المفكرين في هذا الجانب والذين يعرف البعض منهم عدة لغات اجنبية. بل ان قراءته للماركسية فاقت المنظرين للماركسية انفهسم بحيث توجه بعض الشيوعيين إلى قراءة فصول من كتاب السيد الشهيد ليسدوا الثغرات الفكرية التي ولدتها كتبهم الام، تاركين بقية الفصول حتى لا تزعزعهم وذلك جحوداً واعتزازاً بالتعصب.
وهذا الامر يدعونا إلى ان نتساءل عن خصائص هذه القراءة التي تمتع بها الشهيد الصدر عندما يقرأ النصوص الغربية، والاسئلة المطروحة في القراءة الاولى يمكن مساءلتها هنا أيضاً والجواب عن اسئلة هذه القراءة له اهمية كبيرة في وقتنا الراهن لتعرضنا لمدارس وتيارات فلسفية، كالبنيوية والوجودية الحديثة، والعقلانية..) والى مفاهيم (كالحداثة، والتنوير والوعي..) لا نستطيع الحكم عليها ومعرفة صدقها وكذبها الا بقراءة مشابهة لقراءة السيد الشهيد التي تمكننا من السيطرة المعرفية وارد عليها. وهذا الامر لا يتم الا عند استخراج اسس هذه القراءة، وبعد الاجابة على بقية الاسئلة المطروحة.
5ـ الابداع:
فهم الابداع وحقيقته عند السيد الشهيد الصدر من الامور المهمة في قراءة الشهيد الصدر سواء أكانت القراءة من الدرجة الاولى أو من الدرجة الثانية.
اذ ان ادخال كل ما يتمتع به السيد الشهيد من قوّة المنهج أو قراءة القراءات تحت عنوان الموهبة أو العبقرية ما هو الا انكار للجهد العظيم الذي بذله السيد الشهيد لكي يمتلك هذا المنهج وهذه القراءة. ومن جانب آخر يعتبر ذلك تبريراً لا واعياً ومبطنا لتقصيرنا وتكاسلنا عن قراءة السيد الشهيد قراءة واعية اولا، وتبريرا لعدم بذلنا جهدا موازيا لما بذله الشهيد الصدر في قراءاته وكتاباته وذلك عندما نقرأ أو نكتب موضوعا ما.
فحقيقة الابداع اذ كان موهبة فهو بنسبة عشرة بالمائة(10%) اما تسعون بالمائة(90%) الباقية بجهد ومثابرة حسب قول احد كبار العباقرة في العالم. كما ان الابداع اصبح مادة علمية يمكن دراستها وقد قدمت عشرات الدراسات حول ابداع بعض العباقرة، ونحن لا ننكر عبقرية السيد الشهيد وانما نريد ان نجعلها مادة للدراسة ولكي نعزل بين الجهد المبذول للفكرة المبدعة وبين اكتشافها الابداعي والفرق بين الاثنين واضح فاكتشاف الفكرة عمل ابداعي ولكن البحث عن اصول الفكرة واسسها الإسلامية يحتاج إلى جهد ومثابرة يتناسب مع عظمة وضخامة الفكرة وهنا يكمن الفرق بين المبدع الاسلامي وغيره من المبدعين فالمبدع الاسلامي لا يعلن عن كل فكرة يكتشفها أو يصل اليها عقله بطريقة من الطرق بل يحاول ان يوزنها ويقيمها ويبحث عن جذور صدقها عن الإسلام، فان صادق عليها اعلنها للملأ والا فانه يحاول ان يثقفها وينقدها اسلاميا وفي كلا الحالتين القبول والرفض اسلاميا، يحتاج إلى جهد كبير ليحكم عليها وعلى الجهد المبذول تعتمد قوّة الفكرة المقبولة أو المرفوضة. فبداية النظرية النسبية كانت فكرة بسيطة في عقل اينشتاين وبعد جهد وبحث عظيمين توصل إلى النظرية العامة، فاعلنها إلى الملأ.. وما يهمنا عند السيد الشهيد الصدر في هذا الجانب هو الجواب على الاسئلة التالية:
– ما هي الابداعات عند السيد الشهيد الصدر؟
– ما هو نوع الابداع الذي يمتلكه السيد الشهيد، فهل هو ابداع عام أم خاص؟.. وما تاثير كل منهما على نظرياته؟..
– ما هي الدوافع التي دفعت السيد الشهيد الصدر في كل ابداع من ابداعاته؟
– كيف تنقدح الفكرة الابداعية عند الشهيد الصدر؟، ما هي بداياتها؟.. والى اين تصل؟.. وخاصة ونحن نرى ان معظم افكاره تستند على احاديث نبوية وآيات قرآنية شريفة مما يدعونا إلى التساؤل:
هل الحديث أو الاية هو الذي ينير الطريق للسيد الشهيد الصدر نحو الفكرة الابداعية؟! أم ان حاجة المرحلة هي التي تدعو السيد الشهيد إلى اكتشاف فكرة ابداعية ومن ثم عندما يجد لها جذور اسلامية يسندها بالاحاديث والآيات المؤيدة لها.
فاذا كان الجواب هو الاول فانه يدل على عمق قراءته، وان كان الثاني فهو يدل على عمق تفكيره، وربما أيضاً الجوابان الاول والثاني فيكون بذلك قد امتلك الخاصيتين معاً.
6 ـ الافكار المتفرقة:
حوت بعض كتب الشهيد الصدر ومحاضراته المطبوعة على افكار متفرقة ولكنها لموضوع واحد وما نحتاجه هو فقط اعادة صياغة بعض فقراته وترتيب نقاطه واقسامه وفق هيكلية خاصة لتنظيم الموضوع وفي بعض الاحيان يحتاج إلى اضافات لكي تبلور وتنسق الموضوع لتخرج الافكار المتفرقة في النهاية في موضوع واحد متناسق ومتكامل وسنشير إلى اثنين من هذه الافكار باختصار:
أ ـ رسالتنا:
يحتوي الجزء الاكبر من كتاب رسالتنا على مواضيع حول الإسلام كايديولوجيا، حيث تناوله السيد الشهيد من جوانب متعددة مثل (المعالم الرئيسية للرسالة، رسالتنا انسانية عالمية، رسالتنا ومعالمها الرئيسية للرسالة، رسالتنا خالدة متطورة..). وبترتيب هذه المواضيع مع بعض الاضافات وبالاستعانة بكتب السيد الشهيد الاخرى كالتي في «الإسلام يقود الحياة» على سبيل المثال لا الحصر يمكن في النهاية اخراج كتاب حول الإسلام له من القوة والمتانة في المنهج مثلما لكتب الشهيد الصدر من قوّة ومتانة منهجية.
ب ـ مجتمعنا:
كتب السيد الشهيد حول المجتمع في اكثر من موضع وتناوله من جوانب متعددة ذكر اكثرها في التفسير الموضوعي، فاذا ما جمعت هذه المواضيع وبوبت تبويباً جديدا وجيدا لخرجنا بكتاب يحتوي اسس النظرية الاجتماعية في الإسلام، وعن المجتمع في الإسلام، وقد تفضل سماحة السيد محمد جعفر شمس الدين بصياغة كتاب التفسير الموضوعي (المدرسة القرآنية) بصياغة جديدة فخرج بحلة جديدة واسلوب قوي وافاد المسلمين منه ايما فائدة.
7ـ المقارنة:
من الامور التي تساعد في قراءة جديدة لافكار السيد الشهيد هي مقارنته مع بعض المفكرين، فعندما نوجد اوجه الشبه والاختلاف بينه وبين بعض المفكرين تتضح وتتجلى اكثر الصفات والميزات التي يتمتع بها منهج السيد الشهيد وقراءاته وابداعه.. الخ
ومن المفكرين الذين يمكن مقارنتهم مع السيد الشهيد (على مستوى الفكر) هم الشهيد مرتضى مطهري والمفكر مالك بن نبي وسنذكر احدى المقارنات ـ بين السيد الشهيد الصدر والمفكر الجزائري مالك بن نبي وطلبا للايجاز سنأخذ مفردة واحدة للمقارنة تاركين بقية المفردات والمفاهيم إلى مجال آخر. وسنورد هذه المقارنة في ختام البحث.
هذه النقاط السبعة ما هي ـ كما قلنا ـ الا مجرد اسئلة واستفسارات ممهدة لقراءة جديدة لفكره (رضوان الله عليه) وتبقى في نهاية الامر عرضة للصواب والخطأ.. للنقد وللتطوير،..
والاسئلة حول فكره، مهما يكن نوعها تعتبر الخطوة الاولى لطريق وعر وصعب لسبر انوار فكره (رضوان الله عليه) ونحن بأمس الحاجة إلى طرح المزيد من الاسئلة والى بذل مضاعف من الجهد للاجابة عليه وعسى الله ان يوفقنا للعودة إلى الموضوع مرة ثانية وثالثة.
انّه نعم المولى ونعم النصير.
النهضة عن السيد الشهيد ومالك بن نبي[12]
النهضة عند السيد الشهيد:
تشكل النهضة هاجسا مؤرقا عن السيد الشهيد فهو يبتدأ في تصدير العدد الاول من مجلة الاضواء بالشرط الاساسي لنهضة الاُمّة مما يدل على انها قد شغلت مكانا لا بأس به من تفكير الشهيد السعيد فهو يحصر النهضة ـ لاي امة كانت ـ بشرط واحد هو توفر (المبدأ الصالح الذي يحدد لها اهدافها وغاياتها ويضع لها مثلها العليا ويرسم اتجاهها في الحياة[13] والشهيد إذا ما حصر النهضة بهذا الشرط الوحيد فهو لا يكتفي بعموميته بل يتعمق إلى خصوصياته فيضع له ثلاثة شروط لكي يسري مفعوله في جسد الاُمّة وهي:
1ـ وجود المبدأ الصالح والصحيح.
2ـ فهم الاُمّة له.
3ـ ايمانها به.
والاُمّة عندما تستجمع هذه العناصر الثلاثة يكون بامكانها ان تحقق لنفسها نهضة حقيقية.. وعند هذا التبيان في شروط النهضة ينتقل الشهيد إلى واقع والاُمّة ليرى الخلل وفق العناصر الثلاثة، ومنه أيضاً ينتقل من العام إلى الخاص، فبعد ان وضع شرط النهوض لاية امة كانت. يخصص الان الاُمّة الإسلامية دون بقية الامم فيقرر ابتداءاً وجود المبدأ الصحيح المتمثل في (دينها الاسلامي العظيم الذي لا يزال وسيبقى ابدا الدهر اقوى ما يكون على تحمل اعباء القيادة المبدئية وتوجيه الاُمّة بوجهتها المثلى والارتفاع بها من نكستها إلى مركزها الوسطي من امم الارض جميعا كما شاء الله لها[14].
فاذا ما توفر المبدأ في الاُمّة فلا بد ان الخلل في توفر العنصرين الآخرين ولكن الاُمّة الإسلامية مجمعة على الايمان بهذا المبدأ وتقديسه دينا وعقيدة، فلابد ان يكون النقص اذن في العنصر الثالث (فالامة تؤمن بالمبدأ الاسلامي ايمانا اجماعيا ولكنها لا تفهمه فهما اجماعيا وهي لا تعرف من مفاهيمه واحكامه وحقائقه الا نزرا يسيرا، ولكن هذا الواقع الذي تعيشه الاُمّة منذ ان منيت بالمؤامرات الدنيئة المستمرة تارة والسافرة اخرى من ابناء الصليبيين المستعمرين اعداء الإسلام التاريخيين[15].
فعدم فهم الاُمّة للاسلام يصبح السبب الرئيسي لتخلف الاُمّة الإسلامية وعدم نهوضها، فلابد من الرجوع إلى الإسلام الحنيف لفهمه بالصورة الصحيحة المنزلة من السماء لا كما تصوره اجهزة الاعلام المدعومة من قبل الاستعمار، وإذا ما عرفنا الخلل فالسيد الشهيد يدعو الاُمّة إلى (ان تقبل على تفهّم اسلامها ووعي حقائقه واستجلاء كنوزه ليملأ الإسلام كيان الاُمّة وافكارها ويكون محركا حقيقيا لها وقائدا امينا إلى نهضة حقيقية شاملة. فالفهم العام للمبدأ الإسلامي اذن هو ضرورة للامة بالفعل لكي تستكمل به الشرط الاساسي لنهضتها)[16].
مالك بن نبي:
ليس هناك خط فاصل ودقيق بين مفهوم النهضة والحضارة عند مالك بن نبي ولعل احد اسباب ذلك هو عدم انفصالهما في ذلك الوقت، اذ ان الطبعة الاولى لشروط النهضة صدرت عام 1948.. الا انّه مع هذا فانه يبتكر مصطلحاً اقرب ما يكون إلى النهضة وهو بادرة الحضارة وهي نقطة الانتقال من اللاحضارة، ولهذا فالعالم الاسلامي لكي ينتقل إلى الحضارة لابد ان يجمع اجزاءها لتنتج بعد ذلك مركب الحضارة (فاذ سلكنا هنا هذا المسلك قررنا ان كل ناتج حضاري تنطبق عليه الصيغة التحليلية الاتية: ناتج حضاري = انسان + تراب[17] + وقت. ففي المصباح مثلا يوجد الإنسان خلف العملية العلمية والصناعية التي يعتبر المصابيح ثمرتها، والتراب في عناصره من موصل وعازل هو يتدخل بعنصره الاول في نشأة الإنسان العضوية، والوقت (مناط) يبرز في جميع العمليات البيلوجية والتكنولوجية، وهو ينتج المصابيح بمساعدة العنصرين الاولين: الإنسان والتراب[18].
وإذا ما جمعنا نتاجات الحضارة كانت المعادلة هي:
حضارة = انسان + تراب + وقت
ومن هذه المعادلة تنحل مشكلة الحضارة إلى ثلاث مشكلات اولية:
مشكلة التراب، ومشكلة الوقت ومشكلة الانسان[19] فلكي تتكون الحضارة يجب ان تعالج هذه المشاكل في عالمنا الاسلامي.
ولكن هل يكفي تجميع اجزاء الحضارة لكي ينتج المركب؟.. يجيب بن نبي بان وجود الهيدروجين والاوكسجين وحدهما تلقائيا لا يكوّنان (الماء).. وكذا الامر في اجزاء الحضارة فلابد من «مركبّ الحضارة» اي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض.. (ونجد ان هذا المركب موجود فعلا وهو الفكرة الدينية التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ[20].
والى هنا يتلخص موقف بن نبي في ان الفكرة الدينية هو المركّب الذي يجمع اجزاء الحضارة (الإنسان، التراب، الوقت) وعند الجمع تتكون الحضارة أو بعبارة ادق تتساوى مع الحضارة حسب ما يظهر من المعادلة.
السيد الشهيد ومالك بن نبي
عند نقطة الفكرة الدينية يقترب مالك بن نبي من الشهيد الصدر (المبدأ الصالح) فكل منهما لديهما اساس واحد لنهضته (الفكرة الدينية أو المبدأ الصالح) اللذان يتساويان بقليل من التجاوز من حيث المعنى.
ولكن ما يؤخذ على بن نبي هو ان توفر الفكرة الدينية وحلها للمشكلات الثلاث يجب ان ينتج حضارة، فلماذا مع توفر الفكرة الدينية في العالم الاسلامي لم تولد بادرة حضارة؟. وقد يكون الجواب بسيطا لان الاُمّة لم تأخذ من الدين ما تحل به مشكلاتها الثلاث. وهنا يتضح المأخذ على بن نبي اذ ان توفر الفكرة الدينية وحده لا يكفي ليكون المركّب لاجزاء الحضارة في جميع الاحيان، فلابد اذن من وجود شروط تخضع لها الفكرة الدينية لكي تولد حضارة.
والشهيد الصدر يتميز عن بن نبي في هذه الشروط التي يحددها بشرطين هما ايمان الاُمّة وفهمها له.. اذن يتقدم السيد الشهيد خطوة على مالك بن نبي، والشهيد الصدر كذلك يضع الشروط الملائمة للفكرة الدينية حتى تنتج نهضة وتولد حضارة ومن ثم تحل جميع المشكلات ومن ضمنها المشكلات الثلاث، وهنا يتقدم تعريف السيد الشهيد خطوة ثانية إلى الامام فبينما حصر بن نبي المشكلات الحضارية في ثلاث وهذا ما يحتاج ردحا من الزمن لاثباته حيث قد نضطر في حينها لاضافة مشكلة رابعة أو خامسة فيختل بذلك التعريف وبينما نرى ان السيد الشهيد في تعريفه يضع الاساس لجميع المشكلات سواء مشكلة التراب أو الوقت أو الإنسان أو اي مشكلة اخرى تستحدث، فعندما تؤمن الاُمّة وتفهم اسلامها فانها تقبل على حلول الإسلام وتعبرها هي الاساس القوي لكل مشاكلها فتلتزم بها من منطلق ايمانها باسلامها وفهمها له ثم لتنحل بذلك جميع مشاكلها.
ومن هذه المقارنة البسيطة والموجزة تتضح لنا دقة الشهيد الصدر في طرحه وتشخيصه للخلل الموجود في الاُمّة وهو نقص في فهم اسلامها الحنيف، وهذا بالاضافة ان تشخيصه دعوة منه إلى القادمين على العطاء الفكري للاسلام في ان يبذلوا اقصى ما يمكن لنشر وتفهيم الإسلام إلى الاُمّة الإسلامية.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
محمد الطيار
[1] المقصود بكلمة القراءة هنا هو قراءة النصوص.
[2] علي حرب: قراءة ما لم يقرأ مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 60 – 61 ص 41 «بتصرف».
[3] سعيد بن سعيد: الايديولوجيا والحداثة ص 51 «بتصرف».
[4] محمد الحسن: نحن والشهيد الصدر، جريدة الموقف العدد 9/4/1991.
[5] المزدوجات ليست من عندنا.
[6] د. محمد عبدالباقي الصرماسي: الإسلام الاحتجاجي في تونس وهي الفصل السابع من كتاب «الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي» ص 257 الطبعة الثانية 1989 اصدار مركز دراسات الوحدة العربية.
[7] المصدر السابق ص 258 «بتصرف».
[8] هذه التسمية، تسمية غربية ولا تمثل بالضرورة تفسير الدين للتاريخ.
[9] د. محمود احمد دوّاه. الاتجاهات المختلفة في تفسير التاريخ، مجلة الفكر العربي العدد 58 ص 48 – 53 «بتصرّف واختصار».
[10] مطاع صفدي: العقلانية وأيديولوجيا التقنية في المشروع الثقافي الغربي، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 16 ص 4.
[11] المصدر السابق ص 5 «بتصرف».
[12] نشرت هذه المقارنة في احد جرائد المعارضة العراقية في ذكرى السيد الشهيد «جريدة الرافدين» في تاريخ 6/2/1993.
[13] الشهيد محمد باقر الصدر، رسالتنا ص 18. نشر توحيد.
[14] المصدر السابق ص 18.
[15] المصدر السابق ص 18.
[16] المصدر السابق ص 18.
[17] يقصد بن نبي بالتراب هو الارض وما عليها من مواد «مادة» للتفصيل، يراجع الهامش الموجود في ص 44 من كتاب شروط النهضة.
[18] مالك بن نبي: شروط النهضة، الطبعة الثانية، دار الفكر ص 44.
[19] للتفصيل يراجع المصدر السابق.
[20] المصدر السابق ص 46.