هناك أربعة مراحل مر بها تسيير التأريخ:
1ـ مرحلة من عدم الوضوح الى جانب عدم الاهتمام الجدي بها من قبل الفلاسفة والباحثين.
2ـ مرحلة من الاعتقاد بعدم وجود ترابط بين في سلسلة الحوادث التأريخية.
3ـ مرحلة بدأت بعصر النهضة وتزامنت مع الكشوفات العلمية نزعت إلى القول بالتناظر بين عموم الطبيعة والإنسان وبالتالي إمكان اكتشاف قوانين بخصوص التأريخ والمجتمع.
4ـ مرحلة عودة الاعتقاد بعدم وجود سنن تربط حوادث التأريخ.
هذه المراحل بالطبع لا تنطق على العلماء المسلمين، لان المسلمين يعتمدون على النص المقدس وتبقى رؤية الأحداث متأثرة بتفسير النص رغم تأثرها سلباً وإيجابا بالنتاج العلمي والفلسفي العالمي وخصوصاً بعد تحول الشرق المسلم إلى متلقٍّ أكثر من كونه منتجاً.
ولهذا فإننا نستطيع الإشارة إلى مرحلتين هما:
مرحلة طويلة الامتداد تأريخياً ساد الاعتقاد فيها بوجود السنن وفعلها دون التطرق إلى تفاصيلها وتم الاكتفاء بالحقيقة الكلية وخصوصاً بالنسبة للأمم التي تتمرد على أوامر الخالق.
وتأتي المرحلة الثانية التي سعى فيها علماء الأمة إلى البحث في تفاصيل السنن في إطار الرد على الهجمة التي تسعى إلى قلب المفاهيم والعقائد الإسلامية من خلال طرح مفاهيم مغايرة وخصوصاً في مسألة السنن التأريخية بناءاً على ما ورد من نصوص في الكتاب والسنة وتمثل المرحلة التي تناول فيها السيد الشهيد بمنهجه الخاص فترة مختلفة عما سواها سواء من ناحية عمق الهجمة أو من ناحية عمق الاهتمام بهذه المسألة ودقة التناول.
ولهذا فان السيد الشهيد حين حاول أن يجمع بين سعة ودقة التناول فانه لجأ إلى تناول القضية في إطار المنهج السابق أي منهج تفسير النص وانتزاع دلالة ومفاد معين إلاّ انه تفسير موضوعي وهنا تتضح ميزة تناول السيد الشهيد (قدس سره) للسنن.
فالتفسير الموضوعي الذي يمكننا أن نعزوه بالكامل للسيد الشهيد أو على الأقل كونه ابرز من مارسه من المعاصرين وهنا أيضا نلاحظ عملية تفسير تستند إلى كامل أدوات التفسير العلمية التي توارثتها أجيال العلماء وتتوفر فيها كامل الشروط الموضوعية المؤهلات اللازمة للممارس. إلا أنها اقتصرت على موضوع السنن ومن خلال تقنين مفاد النصوص وهنا تتجلى نقطة الافتراق في منهج السيد الشهيد أي محاولة انتزاع قضايا منطقية من من مفاد النص ولهذا فانه في محاضرته الأولى بهذا الخصوص يقول«حان الأوان لكي نتعرف على الصيغ المتنوعة التي تتخذها السنة التأريخية القرآنية كيف يتم التعبير موضوعياً عن القانون التأريخي في القرآن الكريم؟ هناك ثلاثة أشكال تتخذها السنة التأريخية في القرآن الكريم، لا بد من استعراضها و مكانيتها والتدقيق في أوجه الفرق بينها.
الشكل الأولى للسنة التأريخية في قضية شرطية وفي هذا الشكل تتمثل السنة التاريخية في قضية شرطية تربط بين حادثتين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التأريخية.
وهكذا يفرض منهج السيد الشهيد في دراسة التأريخ أعمال المنطقة في تكوين رؤية للتأريخ ولا تخرج عن ثلاثة أشكال سائدة من العلوم الطبيعية فالسنة الشرطية تعني ترتب الجزاء على الشرط. ولكن يمكننا أن نلاحظ على المثال الذي أورده السيد الشهيد وهو «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» مشيراً إلى ترتب كل الجزاء على كل الشرط، مع العلم أنه لا أحد يستطيع الحزم بإمكان هذا التراتب في عالم المجتمع، وأقصى ما يمكن القول به أن الشرط يشكل ملاكاً للجزاء ويقوي من احتمال الترتب بدون أي جزم، لان الآية ليس فيها مفاد الصرامة التي تفهم من القوانين الطبيعية.
إذن إن السيد الشهيد وهو يؤكد المسألة المسألة الشرطية يريد جر مفاد الآيات الى حالة تطابق القوانين الطبيعية مما يلفت النظر إلى جانب في منهجه العلمي من دراسة قوانين التأريخ.
ولو تأملنا في الشكل الثاني لوجدنا المحاولة نفسها عند السيد الشهيد فهو يقول «الشكل الثاني الذي تتخذه السنن التأريخية شكل القضية الناجزة الوجودية المحققة، وهذا الشكل أيضاً نجد له أمثلة وشواهد من القوانين الطبيعية والكونية.»
بينما أكد السيد أن الشكل الثالث ليس صارماً كالقوانين الطبيعية لأنه اتجاه، إذ يمكن تحديه لفترة لكن لا يمكن تحديه دائماً.
إذن نكتشف أن العنصر الأهم في منهجه بالنسبة للسنن التاريخية يمكن في محاولة صياغة قوانين صارمة تعمل في إطار التاريخ.
ولهذا العنصر نتائج أهمها إخراج القضية من إطار الوعظ المجرد إلى إطار الشرط والجزاء والتراتب بين المواقف، وإذا كان لابد من اتعاض فانه قائم على أساس إدراك الصرامة في ترتب النتائج على المقدمات أو على الشروط لكل ذلك فان المنهج الذي تبناه السيد الشهيد يعد خطوة متقدمة في عالم تناول السنن إسلامياً فضلاً عن السعي لتحويل هذا التناول إلى تناول علمي محض دون إغلاق باب الغيب كما أشار إلى ذلك في الشكل الثالث من أشكال السنن التأريخية.
عبد اللّه الفريجي