ينبغي للفكر الاسلامي والحركة الإسلامية ان يتوفرا على تصور معاصر لعملية ممارسة السلطة في الدولة الإسلامية، من حيث الهيئات المكونة، وتوزع المهام والمسؤوليات، والعلاقة بين الهيئات القائمة بهذه المهام والمسؤوليات، وما إلى ذلك.
وقد اخترنا في محاولتنا المتواضعة هذه ان نقرأ الافكار والرؤى التي طرحها الفكر الاسلامي الحركي في هذا المجال من خلال نموذجين فكريين حركيين هما الامام الشهيد محمد باقر الصدر والمرحوم ابو الاعلى المودودي، اللذان عملا طيلة حياتهما على تأسيس الدولة الإسلامية التي تقوم على اساس شريعة الله تبارك وتعالى، فتستمد احكامها واسسها وقواعدها وتشكيلاتها منها، وقد طرحا في هذا السبيل جملة من التصورات والآراء السديدة حول العديد من القضايا المتعلقة بشؤون الحكم وادارة الدولة.
وقد وقع اختيارنا على السيد الشهيد الصدر والمرحوم المودودي نموذجاً في هذا البحث لما طرحه كل منهما من تصورات وافكار من خلال تجربة اراد لها ان تبتني على اساس الإسلام. فالامام الشهيد الصدر قدم آراءه بوضوح وكتب سلسلة «الإسلام يقود الحياة»، وبخاصة «لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع الدستور في الجمهورية الإسلامية في ايران» و«خلافة الإنسان وشهادة الانبياء». اما المودودي فقد طرح تصورات كاطروحة قابلة للتطبيق لدى انشاء دولة باكستان، وقد جمعت هذه التصورات والافكار في كتاب «نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور».
(لقد صدر كلا الرجلين عن فهم واع لواقعهما المعاصر، وعن ايمان مطلق بوجوب قيام النظام الاسلامي) كما ان كليهما قد واكبا نمو وتطور الحركة الإسلامية. ان افكارهما لم تكن ابداً حكراً على العصر الذي عاشا فيه ولا الاقليم الذي انطلقا منه.
ان كلاً من الصدر والمودودي يمثلان في افكارهما الحركية حول الدولة الإسلامية تنظيراً بعيداً عن الترف الفكري والثقافي، وانما انطلقا من خلال تجربة معاصرة، ولم تبهرهما التجارب الإسلامية السابقة ليقفا عندها، كما لم يكبحهما الواقع المر الذي عمل الاستعمار على تكريسه بتغييب دور الإسلام في قيادة الحياة. لقد استوعبا الغايات التي جاء من اجلها الإسلام وادركا روحه واستشعرا قدرته على النهوض بالامة.
وبعد، فان الشهيد الصدر (رض) يمثل رؤى تتحرك في اطار مدرسة اهل البيت عليهم السلام فيما يمثل السيد ابو الاعلى المودودي (ره) تصورات منبثقة من مدرسة الصحابة، ومن خلال قراءة افكار وتصورات كل منهما سيمكننا ان نتوفر على شيء من الفهم الحركي لكل من هاتين المدرستين الاسلاميتين الكبيرتين حول اسلوب ادارة السلطة وتسيير شؤون الحكم في النظام الاسلامي.
مبادىء دستورية اساسية:
ان من مسلّمات الفقه الدستوري الاسلامي تركز السيادة وانحصارها واختصاصها بالله سبحانه وتعالى وحده، لا يشاركه فيها غيره. قال تعالى: (ان الحكم الا لله أمر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيّم). (يقول هل لنا من الامر من شيء قل ان الامر كله لله).
وحتى لو افترض اجماع تام للامة، فان ذلك لا يمكن ان يكون مصدراً للسيادة في النظام الاسلامي. ان السيادة لله تبارك وتعالى وهو مصدر جميع السلطات، وليس لاحد ـ حتى النبي المرسل من قبل الله تعالى ـ ان يمارس اية سلطة من دون ان تكون صادرة عن المصدر الاساسي للسلطات. قال تعالى: (ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).
ان حصر السيادة بالله سبحانه وتعالى تعني حرية الإنسان وعدم سيادة اي انسان أو طبقة أو جماعة عليه. وبذلك فلا ولاية بالاصل الا لله تعالى.
يقول الشهيد الصدر (رض) في لمحته الفقهية التمهيدية لمشروع دستور الجمهورية الإسلامية في ايران: (ان الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطات جميعاً. وهذه الحقيقة الكبرى تعتبر اعظم ثورة شنها الانبياء ومارسوها في معركتهم من اجل تحرير الإنسان من عبودية الإنسان».
ويضيف (رض): «وهذه السيادة لله تعالى التي دعا اليها الانبياء تحت شعار (لا اله الا الله) تختلف اختلافاً اساسياً عن الحق الالهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة قروناً من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين، فان هؤلاء وضعوا السيادة اسمياً له لكي يحتكروها واقعياً وينصبوا من انفسهم خلفاء لله على الارض».
ويقول السيد المودودي في رسالته «نظرية الإسلام السياسية»: «ليس لفرد أو اسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية فان الحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده، والذين من دونه في هذه المعمورة انما هم رعايا في سلطانه العظيم» (نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، ص33).
ويقول (ره) ايضاً في رسالة «القانون الاسلامي وطرق تنفيذه في باكستان»: «ان الحاكمية في باكستان لله تعالى وحدة وما لحكومة باكستان شيء من الامر سوى ان تنجز امر مالكها الحقيقي في ارضه» (نظرية الإسلام وهديه، ص200).
وتأسيساً على هذا المبدأ تكون شريعة الله هي مصدر التشريع في الدولة الإسلامية، وهي التي تحدد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات، فيعود الدستور في مبادئه وقواعده واحكامه إلى هذه الشريعة ليستمد منها، وفي ضوئه تسن القوانين، ولا يمكن لاحد ان يضع قوانين للدولة الإسلامية بخلاف الشريعة الإسلامية.
يقول المودودي: «.. الاساس الذي ارتكزت عليه دعامة النظرية السياسية في الإسلام ان تنزع جميع سلطات الامر والتشريع من ايدي البشر منفردين ومجتمعين ولا يؤذن لاحد منهم ان ينفذ امره في بشر مثله فيطيعوه، أو ليسنّ قانوناً لهم فينقادوا له ويتبعوه فان ذلك امر مختص بالله وحده لا يشاركه فيه احد غيره» (نظرية الإسلام وهديه، ص31).
ويقول ايضاً: «ليس لأحد من دون الله شيء من امر التشريع، والمسلمون جميعاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لا يستطيعون ان يشرعوا قانوناً ولا يقدرون ان يغيروا شيئاً مما شرع الله لهم.
ان الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها الا على ذلك القانون المشرّع الذي جاء به النبي من عند ربه مهما تغيرت الظروف والاحوال. والحكومات التي بيدها زمام هذه الدولة لا تستحق طاعة الناس الا من حيث انها تحكم بما انزل الله وتنفذ امره تعالى في خالقه» (المصدر السابق، ص33).
ويقول كذلك: «وان القانون الاساسي للدولة هو الشريعة الالهية التي قد بلغتنا بواسطة سيد الرسل وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وسلم) ـ وان كل قانون من قوانين البلاد الجارية يلغى ويبطل ان كان معارضاً للشريعة الإسلامية، وانّه لا ينفذ في البلاد في المستقبل قانون يعارض الشريعة.
وان حكومة باكستان لا تتصرف في شؤون الدولة الا في ضمن الحدود المرسومة في الشريعة لوظيفتها» (المصدر السابق، ص200 وما بعدها).
اما الشهيد الصدر (رض) فيؤكد: «ان الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع بمعنى انها هي المصدر الذي يستمد منه الدستور وتشرّع على ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية» (الإسلام يقود الحياة، ص10).
ويفرّق الشهيد الصدر بين ثلاث حالات محتملة امام تطبيق احكام الشريعة الإسلامية:
الحالة الاولى: الاحكام الثابتة الواضحة فقهياً، وهذه تعتبر جزءاً ثابتاً من الدستور، ولا حاجة في تحكيمها لنص في الدستور، لانها بقدر صلتها بالحياة الاجتماعية يجب ان تطبق، نص عليها ام لم ينص.
الحالة الثانية: توفر بدائل اجتهادية متعددة، يكون اختيار اي منها موكولاً إلى السلطة التشريعية التي يمارسها الاُمّة على ضوء المصلحة العامة.
الحالة الثالثة: منطقة الفراغ تسنّ لها السلطة التشريعية التي تمثل الاُمّة قوانين صالحة شريطة التقيد بالدستور ووفقاً لما تقدره السلط التشريعية من المصالح العامة. (المصدر السابق، ص10 وما بعدها).
ممارسة السلطة.. من، وكيف؟
قال تعالى: (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق) (ص، 26). (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان انّه كان ظلوماً جهولاً) (الاحزاب، 72). (انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (المائدة، 44).
لقد كرّم الله سبحانه وتعالى البشر باستخلافهم في الارض وتحملهم امانة عظيمة، وتشمل عملية الاستخلاف كل ما للمستخلف من اشياء تعود إليه. «ومن هنا كانت الخلافة في القرآن اساساً للحكم، وكان الحكم بين الناس متفرعاً على جعل الخلافة ولما كانت الجماعة البشرية هي التي منحت ـ ممثلة في آدم ـ هذه الخلافة، فهي اذن المكلفة برعاية الكون وتدبير امر الإنسان والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية.
وهذا يعطي مفهوم الإسلام الاساسي عن الخلافة، وهو ان الله سبحانه وتعالى اناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون واعماره اجتماعياً وطبيعياً، وعلى هذا الاساس تقوم نظرية حكم الناس لانفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله» (الشهيد الصدر ـ الإسلام يقود الحياة، ص134).
والخلافة ـ بعد ـ استئمان ومسؤولية تعني إلى جانب حرية الإنسان واختياره الارتباط والتقيد، فالبشر غير مخوّلين ان يحكموا بهواهم أو اجتهادهم المنفصل عن التوجيه الالهي، وهذا ما يميز المفهوم الاسلامي للخلافة عن المفهوم الديمقراطي الغربي في حكم الشعب وسيادته.
والى جانب خط الخلافة وضع الله تعالى إلى خط الشهادة الذي يصون الاستخلاف من الانحراف ويقوم بعملية التوجيه والترشيد، ويتجسد هذا الخط المعبر عن التدخل الرباني في الانبياء واوصيائهم (الائمة) ثم المرجعية «التي تعتبر ـ كما يقول الشهيد الصدر (رض) ـ امتداداً رشيداً للنبي والامام في خط الشهادة» (المصدر السابق، ص144).
وتتحدد مهام الشهيد في الجوانب التالية التي يحددها السيد الصدر (رض):
1ـ المرجعية الايديولوجية في الفكر والتشريع.
2ـ الاشراف على المسيرة.
3ـ التدخل لمواجهة الانحراف تعديلاً أو اعادة إلى الطريق الصحيح. (راجع المصدر السابق، ص145).
والنبي والامام معيّنان من قبل الله تعالى تعييناً شخصياً، بينما حدد الإسلام الشروط العامة للمرجع معيّناً اياه تعييناً نوعياً يعود امر تشخيصه ضمن الشروط العامة إلى الاُمّة «ومن هنا كانت المرجعية كخط قراراً الهياً، والمرجعية كتجسيد في فرد معين قراراً من الاُمّة» (المصدر السابق، ص146).
اما النيابة العامة فهي للمجتهد المطلق العادل الكفوء، استناداً لقول امام العصر (ع)، «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله». و«الرجوع اليهم بما هم رواة احاديثهم وحملة الشريعة يعطيهم الولاية بمعنى القيمومة على تطبيق الشريعة وحق الاشراف الكامل من هذه الزاوية» (المصدر السابق، ص16).
ويرى ابو الاعلى المودودي ان الخلافة لا تتأتي بوجه صحيح الا من جهتين «اما ان يكون ذلك الخليفة رسولاً من الله، أو رجلاً يتبع الرسول فيما جاء به من الشرع والقانون من عند ربه» (نظرية الإسلام وهديه، ص78).
ويقول في ص49: «فالحاكم الحقيقي في الإسلام انما هو الله وحده كما تقدم الكلام عليه، فاذا نظرت إلى هذه النظرية الاساسية وبحثت عن موقف الذين يقومون بتنفيذ القانون الالهي في الارض، تبين لك انّه لا يكون موقفهم الا كموقف النواب عن الحاكم الحقيقي، فهذا هو موقف اولي الامر في الإسلام بعينه» (المصدر السابق، ص49).
ان المودودي لا يتعمق في بحث مسألتي الخلافة والشهادة كما بحثهما الشهيد الصدر، غير انّه عند قراءته للآية الكريمة: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم) (النور، 55)، يقرر ان خلافة الإنسان عن الله في الارض مشروطة بأن «لا يتولى الا ما ولاه المستخلف ـ اي الحاكم الاعلى ـ من املاكه وعبيده نيابة عنه»، وان هذه الخلافة عامة. (المصدر السابق، ص49 وما بعدها).
يقول المودودي ايضاً: «ومن حق كل فرد في هذا المجتمع سواء كان ذكراً أو انثى ـ إذا كان عاقلاً بالغاً ـ ان يكون له راي في مصير الدولة فالمسلمون سواسية في حق التصويت وابداء الرأي» (المصدر السابق، ص55).
ويوضح الشهيد الصدر (رض) ان السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مسندتان في ممارستهما إلى الاُمّة التي هي صاحبة الحق في الاستخلاف والرعاية طبقاً للدستور. ان ممارسة السلطة من قبل الاُمّة تعبر عن حق مصدره الله تعالى الذى هو مصدر السلطات الحقيقي، وقد كرّم الله الاُمّة بمنحه اياها هذا الحق كمسؤولية في حمل الامانة وادائها. (الإسلام يقود الحياة، ص11).
وبناءً على هذا الحق فان افراد الاُمّة «جميعاً متساوون في هذا الحق امام القانون، ولكل منهم التعبير من خلال ممارسة هذا الحق عن آرائه وافكاره وممارسة العمل السياسي بمختلف أشكاله» (المصدر السابق، ص14).
ان الخلافة العامة في نظر السيد الشهيد الصدر (رض) تقوم على اساس قاعدة الشورى التي تمنح الاُمّة «حق ممارسة امورها بنفسها ضمن اطار الاشراف والرقابة الدستورية من نائب الامام» (المصدر السابق، ص15).
ويرى الشهيد الصدر (رض) ان فكرة اهل الحل والعقد ـ كتجربة شهدتها الحياة الإسلامية ـ قابلة بتطويرها بما ينسجم مع قاعدتي الشورى والاشراف الدستوري من قبل نائب الامام إلى ان تؤدي «الى افتراض مجلس يمثل الاُمّة وينبثق عنها بالانتخاب» (المصدر السابق، ص16).
وفي مرحلة المعصوم (ع) ـ نبياً وإماماً ـ يثبت الشهيد الصدر (رض) خلافة الاُمّة من الناحية النظرية، الا انّه يرى انها من الناحية الفعلية ليست موجودة بالمعنى الكامل لان المعصوم هو الخليفة الحقيقي فعلياً وهو المسؤول عن الارتفاع إلى مستوى دور الاُمّة في الخلافة، ويقوم من خلال عملية المشورة باشعار الاُمّة بمسؤولياتها في الخلافة كان أو للجماعة من اجل الخلافة وكتأكيد عملي عليها.
ومن هنا، فان البيعة تعبر عن تأكيد شخصية الاُمّة ودورها في الخلافة، فالامة «بالبيعة تحدد مصيرها وان الإنسان حينما يبايع يساهم في البناء ويكون مسؤولاً عن الحفاظ عليه» (المصدر السابق، ص162).
ان من المسلّم في الإسلام ان البيعة للقائد المعصوم واجبة لا يمكن التخلف عنها شرعاً، ولكن التأكيد الاسلامي عليها يوضح ان المسألة ترتبط بتركيز نفسي ونظري لمفهوم الخلافة العامة للامة. (المصدر السابق، ص162).
ويحيل الشهيد الصدر (رض) إلى التجربة النبوية الشريفة في جانبها التطبيقي ليبرز اصرار الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على ان تشارك الاُمّة في اعباء الحكم ومسؤوليات الخلافة «حتى انّه في جملة من الاحيان كان يأخذ بوجهة النظر الاكثر انصاراً مع اقتناعه شخصياً بعدم صلاحيتها، وذلك لسبب واحد وهو ان يشعر الجماعة بدورها الايجابي في التجربة والبناء» (المصدر السابق، ص163).
اما الاطار التشريعي لممارسة الاُمّة لدورها في الخلافة فانه ينطلق من الايتين الكريمتين: (وامرهم شورى بينهم) (الشورى، 38). و(المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة، 71).
يقول الشهيد الصدر (رض): «ان النص الاول يعطي للامة صلاحية ممارسة امورها عن طريق الشورى ما لم يرد نص خاص على خلاف ذلك، والنص الثاني يتحدث عن الولاية وان كل مؤمن وليّ الآخرين، ويريد بالولاية تولي اموره بقرينة تفريع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية.
وينتج عن ذلك الاخذ مبدأ الشورى وبرأي الاكثرية عند الاختلاف» (المصدر السابق، ص171).
ونستظهر ان رأي الشهيد الصدر (رض) هو جواز (ان لم يكن وجوب) الترشيح للفوز بمناصب الدولة من قبل من يرى في نفسه اهلية، وذلك من خلال نصه «الذين يتقدمون للفوز بمنصب…» (المصدر السابق، ص12).
اما المودودي فانه يرى عدم جواز الانتخاب لمن يرشح نفسه أو يسعى سعياً ما لاي منصب من مناصب المسؤولية استناداً إلى ما يروى عن رسول الله (ص) من انّه قال: «إنّا والله لا نولّي هذا العمل احداً سأله أو حرص عليه» (نظرية الإسلام وهديه، ص59 وكذلك ص290 وما بعدها، انظر الهامش ايضاً).
على انّه في نفس الوقت يعتبر طرق الانتخابات من الوسائل المباحة التي يجوز للمسلمين استخدامها مع مراعاة عدم استخدام الحيل والوسائل المرذولة. (المصدر السابق، ص290).
ان الاُمّة تمارس حق الاستخلاف والرعاية ـ في رأي الشهيد الصدر (رض) ـ من خلال انتخاب رئيس السلطة التنفيذية، ولكن ترشيحه يكون اما من قبل المرجع أو ان يمضي المرجع ترشيحه، وبعد ذلك يقوم الفائز بالمنصب بتكوين اعضاء حكومته، اما ترشيح المرجعية أو امضاؤها فيعتبره السيد الشهيد «تأكيداً على انسجام تولي المرشح للرئاسة مع الدستور، وتوكيلاً له على تقدير فوزه في الانتخاب لاسباغ مزيد من القدسية والشرعية عليه كحاكم» (الإسلام يقود الحياة، ص11 وكذلك ص12).
كما تحقق الاُمّة الاستخلاف والرعاية من خلال انبثاق مجلس عنها بالانتخاب المباشر، وهو مجلس اهل الحل والعقد. (المصدر السابق، ص11).
وظائف مجلس اهل الحل والعقد:
ان انبثاق مجلس اهل الحل والعقد بالانتخاب المباشر من الاُمّة سيؤدي إلى انابة ممثلين ترتضيهم الاُمّة لممارسة المسؤوليات في ادارة شؤون السلطة والحكم، وتتحدد وظائفه ـ عند الشهيد الصدر (رض) ـ في الجانب التنفيذي عبر «اقرار اعضاء الحكومة التي يشكلها رئيس السلطة التنفيذية لمساعدته في ممارسة السلطة» وهذه الحكومة انما هي منبثقة عن الاُمّة ايضاً من خلال انتخاب الرئيس الذي عينها، مما يعني تخويله بادارة شؤون السلطة وممارسة الحكم نيابة عن الاُمّة وفي ذلك فان له الحق في الاستعانة بالطرق المشروعة «والمقررة في الدستور» في عملية ممارسته للسلطة، ومنها تعيين معاونين له واعضاء حكومة يوزع عليهم المهام فيها بما يتناسب واهلية كل منهم.
اما الوظيفة التشريعية لمجلس اهل الحل والعقد فهي في الحالتين الثانية والثالثة، اي: عند تعدد البدائل الاجتهادية المشروعة دستورياً، فيختار احداها مع لحاظ ما يحقق منها المصلحة العامة. وكذلك عن غياب الموقف الحاسم للشريعة من الحرمة أو الوجوب فيما يصطلح عليه بمنطقة الفراغ التي تمثل الحالات التي ترك فيها الخيار للمكلف، فيكون من حق المجلس ان يفرض عليه موقفاً معيناً منسجماً مع الدستور ومحققاً للمصلحة العامة.
كما ان المجلس يمارس دوراً رقابياً فيشرف على حسن سير تطبيق الدستور والقوانين من قبل الهيئة التنفيذية، وله حق مناقشتها في مختلف ممارساتها. (المصدر السابق، ص12).
ويرى المرحوم السيد ابو الاعلى المودودي ان المسلمين عليهم ان يقوموا بانتخاب مجلس اهل الحل والعقد، وباتفاقهم (اجماعاً أو باغلبية الآراء) يسنون القوانين، ولكن ليس لهم ان يضعوا قانوناً بخلاف كتاب الله وسنة رسوله (ص). ويستغرق المودودي في الحديث عما كان عليه اهل الحل والعقد في صدر الرسالة والخلافة الراشدة، وتوكل إلى المجلس التشريعي هذا مهمة وضع القواعد واللوائح لتنفيذ الاحكام الواضحة القاطعة عن الله ورسوله، ويعطيه ايضاً مهمة اختيار البديل المناسب من خلال ما هو اوفق للقانون من بين التأويلات المتعددة للامور التي تحتمل ذلك في احكام الله ورسوله.
وفي خصوص ما اصطلح عليه الشهيد الصدر من منطقة الفراغ فللمجلس ان يضع لها القوانين الجديدة ضمن المبادىء الدينية العامة أو ان يعود بها إلى الكتب الفقهية القديمة. ويفرّق في هذه المسألة بين ما له احكام في الشريعة، فيكون حكمه ما تقدم، وما لم يرد في شأنه قواعد اصولية فانه يخول المجلس فيه ان يضع القانون الانسب والاوفق لمصالح الناس بشرط عدم التعارض مع الاحكام والمبادىء الشرعية. (نظرية الإسلام وهديه، ص212، وكذلك ص284 وما بعدها، وكذلك ص262 وما بعدها).
رئاسة الدولة
من حيث السلطة التنفيذية، يرجع الشهيد الصدر (رض) إلى الاُمّة حق انتخاب الرئيس ـ كما مر آنفاً ـ اما من حيث التمثيل الاعلى للدولة فانه يعتبر المرجع هو النائب العام عن الامام من الناحية الشرعية، ويتولى المرجع جملة من الامور تعبر عن مهامه المتمثلة بالمرجعية الايديولوجية في الفكر والتشريع والاشراف على المسيرة والتدخل لمواجهة الانحراف. وهذه الامور تنسجم مع كونه ممثلاً لخط الشهادة فهو الممثل الاعلى للدولة، والقائد الاعلى للجيش، لان بين حق اعلان الحرب والصلح والهدنة والتفاوض وما إلى ذلك من خلال موقعه الفقهي الشرعي والنيابة عن الامام (ع).
ان المرجع هو الذي يرشح أو يمضي ترشيح المتقدمين للفوز بمنصب رئاسة السلطة التنفيذية، وذلك تأكيداً على دستورية الاجراء، وتوكيلاً ـ في حالة الفوز ـ من اجل اسباغ المزيد من القدسية والشرعية على الفائز كحاكم. وان كنا نرى عدم وضوح عبارة «المزيد من القدسية والشرعية» فاننا نعتقد ان المقصود هو انابة المرجع لرئيس السلطة التنفيذية في استخدام الصلاحيات التي يمتلكها المرجع في هذا الحقل، وخصوصاً بلحاظ الموقع الشرعي للمرجع والقدسية التي تتعامل بها الاُمّة معه.
ودستورياً، فان المرجع يقوم بمهمة تعيين الموقف الدستوري للشريعة الإسلامية، والرقابة على دستورية القوانين واللوائح والانظمة التي يصدرها مجلس اهل الحل والعقد، ومدى انسجامها مع الشريعة الإسلامية والدستورية، واجلى مظاهر هذه الرقابة الدستوية تكون بانطاق ممارسة المجلس لمهمة ملء منطقة الفراغ. والمرجع بذلك يمارس مهمته الايديولوجية في الفكر والتشريع، وكذلك مهمته الاشرافية والتوجيهية على المسيرة.
اما من حيث ضمان عدم الانحراف، فان المرجع ينشىء محكمة عليا للمحاسبة وديواناً للمظالم. (الإسلام يقود الحياة، ص12 وما بعدها).
ويرى الامام الشهيد الصدر (رض) ان المرجع ينبغي له ان يقوم بتأليف مجلس يضم مائة من المثقفين الروحانيين من افاضل العلماء في الحوزة والعلماء الوكلاء والخطباء والمؤلفين والمفكرين الاسلاميين على ان يضم ما لا يقل عن عشرة من المجتهدين لتمارس المرجعية اعمالها من خلال هذا المجلس. (المصدر السابق، ص13).
ونعتقد ان العدد المذكور ينظر إلى حاجة المرحلة، وان المهام التي عددها الشهيد الصدر (رض) لم ترد على سبيل الحصر. للاستزادة: حول «نظرية الدولة عند الامام الشهيد الصدر» (مجلة الفكر الجديد ـ العدد السادس ص176).
ويوضح المودودي انّه بما ان لكل فرد من افراد الاُمّة من صفة الخليفة ـ بناء على نظرية الخلافة العامة ـ فانه لا يجوز لطائفة أو فرد من افرادها ان ينتزع حق الخلافة من جمهور المسلمين لينصب نفسه مسيطراً عليهم، وانما جمهور المسلمين (الخلفاء العموميون) قد فوضوا بالانتخاب خلافتهم إلى رجل منهم، وجعلوها مركزة في ذاته لتنفيذ الاحكام وتسيير دفة الامور بسهولة، وذلك برضاهم واتفاق كلمتهم، وهذا الرئيس المنتخب المفوض إليه امر المسلمين مسؤول امام الله تعالى وامام عامة الخلفاء، اي: المسلمين الذين فوضوا إليه امر الخلافة. (نظرية الإسلام وهديه، ص53).
ان المودودي بعد ان يثبت مفهوم الحاكمية الالهية والسيادة المطلقة لله تعالى يوضح ان ممثلي هذه الحاكمية هم الانبياء والرسل (عليهم السلام)، ولهذا وجبت اطاعتهم والامتثال لهم. قال تعالى (ومن يطع الرسول فقد اطاع الله) (النساء، 80).
ان النيابة التي يتحدث عنها المودودي لا تعني ما عرف من ظل الله أو البابوية أو حقوق الملوك الالهية، لانها حق الهي «لجميع من يسلّمون بحاكمية الله ويؤمنون بعلو القانون الالهي الذي جاءهم من عند الله بواسطة انبيائه ورسله» (المصدر السابق، ص257 وما بعدها).
ويستنتج المودودي من الطرق التي تبوأ فيها الخلفاء الراشدون منصب الخلافة والامامة ورئاسة الدولة الإسلامية ان انتخاب الرئيس متوقف على رضا عامة المسلمين، وانّه لا اختصاص في هذا المنصب لاسرة أو طبقة خاصة ومن دون عنف أو تدليس، ويبين المودودي ان احراز رضا عامة المسلمين لم يضع له الإسلام طريقاً محدداً وانما ترك ذلك ليختار المسلمون له مختلف الطرق والمناهج على حسب احوال المسلمين وحاجاتهم. الا ان ذلك مشروطاً بان يتمكن المسلمون بهذه الطرق من معرفة الذين يحوزون ثقة جمهور الاُمّة وعطفاً على ما تقدم منه من مشروعية الانتخابات، فيمكن القول بان المودودي لا يرى بأساً لاحراز تعيين الرئيس الحائز على ثقة جمهور الاُمّة ورضاها عبر الانتخاب.
السلطة القضائية في الدولة الاسلامية
لم يشر الشهيد الصدر (رض) إلى السلطة القضائية في النظام الاسلامي مكتفياً بما اورده من انشاء المحكمة العليا التي تراقب المخالفات التشريعية وديوان المظالم، وهما امران موكلان إلى المرجع القائد، ولعل مرد ذلك ان اهلية القضاء تنحصر شرعاً بمن له اهلية الاجتهاد وهم الفقهاء، وبذلك يترتب ان المرجع هو صاحب السلطة القضائية، وبخاصة ان ينوب عن الامام «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيه إلى رواة احاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله». قال تعالى: (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (النساء، 65). وعلى ذلك فان القضاء من مختصات الفقيه العادل لانه صاحب الاهلية في استنباط الاحكام.
اما ابو الاعلى المودودي فانه يعين دائرة عمل السلط القضائية من خلال مبدأ حاكمية الله القانونية، ويوضح ان الانبياء والرسل هم الذين كانوا يقومون بهذه المهمة، اي: الحكم بين الناس بما انزل الله اليهم من الشريعة. يقول المودودي: «فالذين يبوؤن منصب الامر والحكم في الدولة الإسلامية ويقومون بمهمة الانبياء في هذا الشأن لا سبيل لهم إلاّ ان يجعلوا اساس احكامهم ذلك القانون الذي جاءهم من الله ورسوله (ص)» (نظرية الإسلام وهديه، ص267 وما بعدها).
خضوع الدولة للقانون (مبدأ المشروعية):
يقرر فقهاء القانون الدستوري ان الدولة هي في الواقع سلطة بالدرجة الاولى، وكل سلطة تميل إلى ان تكون مطلقة، وان الدولة تمارس السلطة بواسطة افراد غالباً ما يكونون «ثملين حتى الاشباع بالسلطة التي يمثلون»، وقد كان السائد سابقاً ان يكون لرجل السلطة «الامير» فوق القانون بحيث يكون متحرراً من الالتزام بالقوانين ويستطيع ان يقوم وفق هواه بتحرير آخرين من هذا الالتزام، الا ان هذا الفهم تطور بحيث اصبحت الدولة تعتبر في مجمل نشاطها محدودة بالقانون، الا ان هذا التحديد يتميز بكونه ذاتياً، فلا تخضع له الدولة الا بما ترتضيه مما تصنعه هي نفسها. وفي هذا الصدد تتعدد النظريات حول شرعية الدولة مما لا مجال لذكره هنا.
ان الفقه الدستوري الغربي لم يفهم من الشرعية الا جانبها الشكلي حيث يراعي توافر شروط معينة للقيام باعمال السلطة، وليس هنالك اي اهتمام بالمضمون الاجتماعي لهذه الاعمال. ان الدولة القانونية حسب التصور البرجوازي تعني خضوع الدولة للقانون والتزام الحكام بالقانون. والوسيلة المستخدمة في هذا الصدد لضمان الشرعية الشكلية هي مراقبة دستورية القوانين ومراقبة اعمال الاداريين. (راجع: اندريه هوريو ـ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ـ الجزء الاول ـ تعريب: علي مقلد وشفيق حداد وعبد الحسن سعد، ص146 وما بعدها، وكذلك الدكتور علي غالب خضير العاني والدكتور نوري لطيّف ـ القانون الدستوري ـ الجزء الاول (ملازم بالرونيو)، ص26 وما بعدها).
يقول الامام الشهيد محمد باقر الصدر (رض): «ومن ناحية شكل الحكومة، تعتبر الحكومة قانونية، اي: تتقيد بالقانون على اروع وجه، لان الشريعة تسيطر على الحاكم والمحكومين على السواء» (الإسلام يقود الحياة، ص17).
وبديهي ان الحاكمية والسيادة ما دامت لله تعالى وان الشريعة الإسلامية الالهية ما دامت هي الحاكمة. وان المعيّن من قبل الله تعالى (بالشخص ـ كالمعصوم (ع) ـ أو بالصفات ـ كالمرجع)، فان تقيد الحكومة بالقانون الالهي سيكون في اروع الصور، علماً ان الرقابة والاشراف التي تمارسها المرجعية، والرقابة التي يمارسها مجلس اهل الحل والعقد تعتبر من انجح وسائل ضمان التقيد بالقانون، فضلاً عن الجانب الروحي الذي يرى في اعمال السلطة وسائل مقربة إلى الله تعالى والتكامل نحو المطلق.
ويتحدث ابو الاعلى المودودي (ره) عن الرقابة الجماهيرية للامة على الخليفة (رئيس الدولة الإسلامية)، فيقول: «وما كان الخليفة بمسؤول امام البرلمان فحسب، بل كان مسؤولاً كذلك امام جمهور الاُمّة حتى امور حياته الشخصية. كان يخالط الجمهور ويقابلهم عندما يحضر إلى المسجد للصلاة خمس مرات كل يوم ويخطبهم يوم الجمعة. بل كان الناس يجدونه يمشي بينهم في الاسواق، ويؤاخذونه ان وجدوا فيه شيئاً يؤاخذ عليه، وكان لكل رجل ان يطالبه بحقه متى شاء ويسأله عن اعماله في الاندية الحافلة.
ان مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المتفرّع عن ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، يشكل احد اهم الفرائض الإسلامية التي من خلالها تجري المراقبة والتقويم، وسيّان في ذلك الحاكم والمحكوم.
العلاقة بين اركان الدولة:
من وسائل القانون الوضعي لضمان تقيد السلطة بالقانون مبدأ الفصل بين السلطات، ويعتبر الفقه الدستوري الغربي هذا المبدأ من اهم مظاهر الدولة القانونية.
يقول الشهيد الصدر (رض): «ومن ناحية تحديد العلاقات بين السلطات تقترب الدولة الإسلامية من النظام الرئاسي، ولكن مع فوارق كبيرة عن الانظمة الرئاسية في الدولة الرأسمالية الديمقراطية التي تقوم على اساس الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية» (الإسلام يقود الحياة، ص18).
ولم يتطرق (رض) إلى تفاصيل الفرق بين تنظيم السلطات وتحديد علاقاتها الا انّه يشير إلى ان التطبيق العملي في التجربة الإسلامية كان يفترض دائماً دولة ممثلة في رئيس، وشرعية هذا الرئيس مستمدة اما من النص الشرعي الدستوري أو من الاُمّة مباشرة بواسطة الانتخاب المباشر، أو من كلا الامرين. كما لم يتطرق السيد الشهيد (رض) إلى الوظيفة القضائية.
اما المرحوم المودودي فانه ـ ومن خلال التجربتين النبوية والراشدة ـ يستنبط ان رئيس الدولة كان رئيساً لاركان الدولة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وبغض النظر عن مسألة الرئاسة، فان المودودي يرى ان وظيفة اهل الحل والعقد كانت مشورتهم تدبّر شؤون البلاد الادارية وكانت لهم ايضاً مهمة تشريعية. اما القائمون بالحكم والادارة فقد كانوا لا يتدخلون في التشريع وتنحصر وظيفتهم بالجانب الاداري وهم من غير اهل الحل والعقد. بينما كان القضاة آخرين غير هؤلاء واولئك ووظيفتهم غير وظائفهم، فقد كانت وظيفتهم تتمثل في الفصل في القضايا المعروضة على القضاء، والقضاة وان كان الخليفة هو الذي يتولى تعيينهم الا انّه لم يكن من حقه إذا عيّن القاضي وولاّه منصبه ان يحاول التدخل في قضائه. بل اذ كان لرجل من الرجال دعوى على الخليفة من حيث منزلته الشخصية أو باعتباره رئيساً للهيئة التنفيذية، لم يكن يجد ـ اي: الخليفة ـ بدّاً من الحضور امام القاضي كعامة المواطنين» (نظرية الإسلام وهديه، ص268 وما بعدها).
ويجوّز المودودي في رسالته «تدوين الدستور الاسلامي» الاتيان ببعض التعديلات في تفاصيل تلك الصورة حسب الظروف والمقتضيات منها تحديد بعض الصلاحيات الادارية والقضائية لرئيس الدولة، ومنها وضع طرق انتخاب اهل الحل والعقد وقواعد مجلسهم بمقتضى الاحوال والحاجات، ومنها جعل المحاكم على درجات مختلفة. (المصدر السابق، ص270 وما بعدها).
عقيل سعيد