منهجية الشهيد الصدر (قدس سره) في دراسة ونقد النظرية الماركسية

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

امتازت الماركسية عن المذاهب المادية والنظريات غير الالهية، بتصورها الخاص وبوجهة نظرها اتجاه الكون والحياة والإنسان. وقد أنتشرت اراؤها وافكارها التي اتسمت بالطابع الثوري والسياسي في اعوام الجدب، حيث طالت ايدي المستكبرين الوطن الاسلامي وفرقته الى اوصال متناثرة عقيب الحرب العالمية الاولى والثانية، ولخلو الساحة الاسلامية من القادة المبدئيين او كادت ومع انحسار الاسلام عن المسرح السياسي للأمة، وانحراقها من قبل البلدان الغربية في وحل الجهل الفكري والثقافي ومع الغلبة العسكرية عملت سنة التقليد عملها في امتنا تخلفاً وتبعية وانقياداً للغالب، مما يسر للمد الأحمر طريقه الى الذهنية المتعبة التي اعياها واقعها المتردي، ولجهلها بمفاهيم اسلامها العظيم، ولبريق الشعارات والمفاهيم التي كانت تدغدغ مشاعر هذا الانسان الذي يعيش الفقر والجهل والتخلف، فاحتلت الماركسية مساحة واسعة من الذهن الواهي، فكان عام 1958 ناقوساً دوى ليوقض أبناء الاسلام ويعيدهم الى عقيدتهم التي لايجدون ولاينعمون بالخير إلا في ظلالها الوارفة. فقد انبرى ابن الاسلام البار الشهيد الصدر ((قدس سره)) ليهد البناء العقائدي للماركسية من تحته (فخر عليهم السقفُ من فوقِهم).

ان القارئ لكتب السيد الشهيد الصدر ((قدس سره)) يجد اسلوباً ادبياً متميزاً ومنهجية اتصفت (بالفرادة) في موضوعيتها ودقتها، وتماسك وتتابع استنتاجاته واستدلالاته المنطقية التي لايمكن النفوذ من خلالها للرد وترميم مااحدث قلمه الشريف من ثغرات متراصة.

ففي الوقت الذي تناول فيه نقد نظرية المعرفة وأدواتها وأثبت عجزها عن اعطاء قيمة للمعرفة البشرية، هدَّ بناءها الفوقي ـ (في كتاب اقتصادنا) ـ الذي يمثل وجه الماركسي المذهبي الذي ارتكزت فيه على العامل الاقتصادي كعامل اوحد في تفسير التاريخ وبين هذه وتلك لم تنجُ من فكره الثاقب نظريات أهل الحس والاستذكار وحتى بعض النظريات العقلية على مستوى المعرفة وقيمتها، كما نقد النظريات التاريخية الاخرى والمذاهب التي اعتمدت (الجنس او العامل الجغرافي، وأصحاب النظرة القومية)، انه بحق النموذج للشخصية الاسلامية التي تتصف بوضوح الرؤيا، والغائية في تعاملها مع الاحداث انطلاقاً وعودة من عقيدتها، لتعطي وجهة النظر الواقعية المشادة على اسس فكرية اسلامية بعيدة عن التهجين.

وان اهم ماامتازت به منهجية الشهيد ((قدس سره)) واختلف فيها عن غيره ممن نقدوا ودرسوا الماركسية :

هي«الفرادة».

ان المتتبع للدراسات الفكرية والثقافية يجد الكثير من الانتقادات التي وجهت للماركسية، ولكن الصفة الغالبة عليها الطعن على غير دليل أو الانكار على الماركسية الحادَها وعدم ايمانها بالغيب، غير ان الشهيد الصدر ((قدس سره)) ابى ان يسلك منهج السابقين فلم يعنِ (الجري) عنده شيئاً بل اسس منهجاً متفرداً بوسائله وادواته فقد ارتكز تحليل المفهوم الماركسي واسقاط قيمته ومعياريته للظواهر والاحداث وافقاده مداليله ومصاديقه مما تعذر على مفكري الماركسية الرد على منهجه ونقده. وتتضح لنا هذه (الفرادة) في منهجية الشهيد الصدر ((قدس سره)) في النقاط التالية : ـ

1ـ الموضوعية

وهي السمة الاولى والعنصر المقوم لمنهجية السيد الشهيد الصدر ((قدس سره)) في نقده للنظرية الماركسية، والتي وضعت الماركسية في الزاوية الحرجة، مما ابهت الماركسيين من اسلوب الشهيد ومنهجه، فلم يعتمد إلا النصوص التي استقاها من امهات الكتب الماركسية التي يتدارسها الماركسيون والتي تُعَدُّ المرجع والمرتكز لهم، فلا نجد الطعن او السب، بل نجد الرأي والفكرة التي تتضمنها الاقواس، والمصدر الذي اخذت منه وان نقل بعض الاراء عن غيره ممن انتقد الماركسية فلم يكتفِ به فيضع بصماته النورانية ليكمل او يتم الايضاح.

2ـ الهدفية

هو العنصر الثاني في منهجية الشهيد الصدر ((قدس سره)) والذي يوضح لنا بجلاء الوعي والفناء التام للسيد الشهيد ((قدس سره)) في عقيدته واسلامه، فكان أميناً وحاملاً وداعياً لرسالته، فلم يكن همه ان يظهر ابداعه وعبقريته من خلال نقده بقدر ماكان يهدف الى بيان موقف الاسلام من مشاكل الامة التي تعاني منها.

وهذا مايقرره ((قدس سره)) في مقدمة (فلسفتنا) بقوله : ـ

«وكان لابد للاسلام ان يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير وكان لابد ان تكون الكلمة قوية وعميقة صريحة، واضحة، كاملة شاملة، للكون والحياة والانسان، والمجتمع والدولة، والنظام ليتاح للأمة ان تعلن كلمة(اللّه) في المعترك وتنادي بها وتدعو اليها، كما فعلت في فجر تأريخها العظيم».الشمولية قلما نجد نقداً متكاملاً جامعاً لنظرية بما هي عامة، وبتفاصيلها فقد انطلق السيد الشهيد ((قدس سره)) في نقده بتناول نظرية المعرفة الماركسية، وإثبات عجزها عن اعطاء قيمة للمعرفة البشرية، وخطأ مقياسها المعرفي ثم شرع في نقد المادية التاريخية، مبتدئاً، بفائض القيمة الذي اسست عليه المادية التاريخية مذهبها في تفسير التاريخ وحركة المجتمع الذي عبرت عنه بالمقولة : ـ

(ان العمل اساس القيمة) ثم شرع في نقد المراحل التاريخية (الست) التي ارتكزت على العلاقة بين شكل الانتاج ووسائله، وما تحمل من تناقض يؤلف مركباً جديداً.

فحكم((قدس سره)) الماركسية بمقولاتها فضلاً عن تفكيك اسسها وترابطها باستدلالاته واستنتاجاته الخاصة التي تفرد له منهجاً متميزاً لم يطله الى يومنا نقد واع.

عبد الرزاق الصالحي