للتذكير نقول ان الشهيد الصدر (رض) يرى ان التغيير يتم عن طريق اقامة المجتمع الالهي وفق منظور اسلامي اصيل وشمولي سمته الواقعية والمعاصرة وفي نفس الوقت يرى للفرد دوراً متميزاً وخاصاً في بناء هذا المجتمع، وهو في هذا السبيل اعتمد على عدة قواعد ذكرنا القاعدة الاولى منها في حلقة سابقة، وفي هذه العجالة نتحدث عن القاعدة الثانية التي اعتمدها امامنا الشهيد في احداث عملية التغيير.
حاول الشهيد (رض) في كل كتاباته ومحاضراته وتوجهاته في الحقول العلمية المختلفة ان يصنع امة من الناس تقتنع وتُقنع المسلمين معها والعالم بأن الاسلام لم يعد كما صوّره اعداؤه دين عبادة طقوسية ونمطاً عقائدياً معيناً من التفكير، انما هو ايديولوجية تجمع بين المعتقد والعمل تستطيع انقاذ المجتمع البشري من ضياعه وتضعه على طريق الحرية الحقيقية وان تنهي الديكتاتورية الداخلية والاستكبار الخارجي وتضع عنه الاغلال التي قيدوه بها وتوصله الى الرحمة الحقيقية والعدل الحقيقي، وان ذلك كله لا يتحقق الاّ بفضل الاسلام والابتعاد عن كل النظريات البشرية الاخرى، ولذلك اكد (رض) على المزايا الشامخة للاسلام في اعتماده على العقل والبرهان والاستدلال الصحيح وأهمية الشخصية الانسانية وقابليتها للتكامل والنمو والابداع، وان الاسلام هو دين العلم والعمل والكدح، دين الجهاد والاصلاح والكفاح ضد الفساد، وهو دين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، دين العزّة ورفض الذلّة، دين المسؤولية والالتزام. والمسلم في طريق التزامه بدينه وسيره نحو ربه لايحتاج الى التقاط وانتقاء احكام ومتبنيات غريبة من هنا وهناك لانّ ما في الاسلام يكفي حاجاته ومستجدات عصره وان ربّه قد احاط بكل شيء علماً، وان البشر مهما بلغوا في مجالات نتاجاتهم غير قادرين على ادراك العلم المطلق الذي هو من اختصاصات الخالق المطلق وحده.
هذه هي القاعدة الثانية التي اعتمدها الشهيد الصدر (رض) لاعتماد عملية التغيير وخلاصتها الايمان بالاسلام قولاً وعملاً والاعتماد عليه اعتماداً تاماً.. هذا العلاج الناجع هو نتاج ايمان مخلص بدين الله سبحانه وتعالى.. فقد فتح الصدر (رض) عينيه ليرى قرآناً مهجوراً وامة تضيع في صحراء البؤس الحضاري مبهورة بفلسفة ملحدة او نظرية مادية غارقة بالتيه والخيلاء فغار في عمق العلم الالهي ليتخرج مجتهداً عالماً ربانياً اقلّ ما يقال فيه انه فلتة من فلتات الزمن.
ملامح النظرية التغييرية عند الامام الشهيد الصدر (رض)
4 ـ 4تحدثنا في الحلقات السابقة عن القاعدتين الاولى والثانية اللتين اعتمدهما الشهيد الصدر (رض) لأحداث عملية التغيير، وفي هذه الحلقة نتحدث عن القاعدتين الاخريين اللتين اعتمدها امامنا الشهيد في احداث عملية التغيير. فقد عرض امامنا الصدر (رض) النظرية الاسلامية الشاملة ذات الابعاد الحياتية المتعددة عرضاً متيناً وقوياً، مقارناً بما انتجته العقول الغربية والشرقية من نظريات، بما وفر للفرد المسلم وجوده وثقته بنفسه بعد ان كان يشعر بالدونية والصغار تجاه ابداعات المدارس المادية وسيطرتها السياسية على العالم، فشق له طريق تحرير نفسه من الداخل ليكون مقتدراً على امتشاق سيف الجهاد لتحرير امته ووطنه من دنس المستغلين المترفين.. ان طريقة عرض الشهيد الصدر (رض) للفكر الاسلامي بالطريقة التي ذكرناها من جهة وتبنيه مفهوم التغيير الانقلابي لشخصية الفرد المسلم من جهة اخرى ووضعه على طريق التحرير الحقيقي انتجت جيلاً مؤمناً من الناس همّهم خوض الكفاح ضد كل الوان الجبروت والطغيان بالفكر والسلاح تحقيقاً لارادة الله على الارض في تحكيم سننه ونظامه، كما الغت وبشكل واضح روح الانهزامية التي لازمت ابناء الامة تجاه الحضارة الغربية فترة غير قليلة من الزمن.
ومن ناحية اخرى لم يكتف الشهيد الصدر (رض) بالتنظير الفكري لنظريته التغييرية فقط، بل شمّر عن ساعد الجد والعمل فأوجد في الاوساط الاجتماعية روحاً عملية جديدة تعتمد التخطيط والحسابات المسبقة لمسيرة طويلة ذات هدف مقدس تستحق كل جهد المخلصين والقادرين وشحذ همم المؤمنين العاملين لتحقيق ذلك.
كما توجه (رض) الى مركز القيادة المرجعية في المجتمع الاسلامي ينظّر لها هيكلية موضوعية مستوفية لشروط استيعاب الانشطة التي يحتاج اليها المجتمع والدولة وتلبي احتياجات الافراد من الاحكام الشرعية العملية والانقياد لقيادة سياسية شرعية وقوية بعيدة عن سلبيات تعدد القادة وتشتت مراكز التوجه والقرار، فقدم (رض) للأمة اطروحته المتكاملة في المرجعية الصالحة والرشيدة المقتدرة على اكمال شوط الخلافة في الارض خلال عصر غيبة المعصوم (عج).
هذه بعض ملامح النظرية التغييرية السياسية عند الشهيد الصدر (رض) عرضناها على حلقات وبايجاز.. فسلام على شهيدنا الغالي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
الحلقة الثالثة و الرابعة
عماد حسن