الشهيد الصدر مفجّر الثورة الإسلاميّة في العراق

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

“محاضرة سماحة آية اللَّه العظمى

السيّد كاظم الحسيني الحائري (دام ظله)

في الحفل التأبيني الذي اُقيم بمناسبة الذكرى السنويّة الحادية والعشرين لاستشهاد

آية اللَّه العظمى السيّد محمّدباقر الصدر واخته العلويّة بنت الهُدى”

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين

(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحلُلْ عُقْدَةً مِّنْ لِسَانِي، يَفْقَهُواْ قَوْلِي)

السلام عليكم أيّها الحفل المبارك الكريم ورحمة اللَّه وبركاته.

تكون كلمتي هذه حول ثلاث نقاط:

الاولى: انّ استاذنا الشهيد الصدر؛ الذي اجتمعنا في هذا الحفل لأجله، هو مفجّر الثورة الإسلاميّة في العراق.

والثانية: أنّه (رضوان اللَّه عليه) كان يواكب بالدّقّة العالم الإسلامي ومشاكله ومتطلّباته ولأجل وضع الحلول لها وكان يعمل جادّاً لحلّها ذلك بلحاظ كلّ العالم الإسلامي عموماً وبلحاظ العراق خصوصاً واستمرّت هذه الحالة معه إلى ان استشهد في سبيل هذا الأمر.

والثالثة: ما هي وظيفتنا؟ وهل أنّه باستشهاده سقط التكليف عنّا بفقدنا لقائدنا الفذّ، أو انّ التكليف لا زال يشغل كاهلنا، وماذا ينبغي أن نفعل؟

أمّا النقطة الاُولى: وهي أنّه(رضوان اللَّه عليه) يعتبر بحقّ مفجّراً للثورة الإسلاميّة في العراق.

فلا إشكال ولا ريب في أنّ إنفجار ثورة إسلاميّة مباركة يكون عادة على أساس توافر الظروف الموضوعيّة المناسبة التي هي كثيرة كتكوّن جوّ نفسي في الاُمّة أو امتلاك الاُمّة إذا كانت شيعيّة لمرجعيّة صالحة يساعد جوّها لذلك من قبيل مرجعيّة السيّد الحكيم (رضوان اللَّه عليه)، أو بروز ضغوط إرهابيّة من الظالم لا تتحمّلها الاُمّة إلى حدّ يبعث بالانفجار وما إلى ذلك، ولكن كلّ هذا لا ينافي أن يوجد ضمناً قائد إسلاميّ محنّك يعتبر هو المفجّر من دون أن يغمط حقّ الآخرين أو تنكر الظروف الموضوعيّة التي ساعدت على بروز الثورة وذلك تماماً من قبيل ما حدث في إيران الإسلام من تظافر ظروف من هذا القبيل وتكاتف عوامل من هذا النمط وفي نفس الوقت يعتبر مفجّر الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران عبارة عن قائدها الفذّ العظيم سماحة الإمام الخميني)رضوان اللَّه عليه(.

وعلى هذا الأساس نرى أنّ مفجّر الثورة الإسلاميّة في العراق هو قائدها العظيم سماحة آية اللَّه العظمى اُستاذنا الشهيد الصدر(ره).

ورغم أنّني لا أظن وجود خلاف بين اثنين حول هذا المدّعى في ضمن الإسلاميين العراقيين جميعاً ولم أسمع حتّى الآن خلافاً لهذا، لا بأس بتوضيح الأمر شيئاً مّا.

وقبل الدخول في صلب الحديث نقدّم مقدّمة وهي أنّ أعرافنا الشيعيّة اقتضت في الثورات الشيعيّة التي يُؤمل نجاحها ولو بعد حين أن الثورة الحقيقيّة لا تنجح إلّا باشتراك الحوزة العلميّة أو العلمآء فيها أو بقيادتهم لها، وها هو حزب اللَّه في لبنان لم يستطع أن يحقّق ما حقّقه في بلده من النجاح الباهر إلّا بسبب قيادة علمائيّة مباركة وبخضوع تلك القيادة لإرشادات وليّ أمر المسلمين في الوقت الحاضر وهو سماحة آية اللَّه العظمى السيّد الخامنئي(حفظه اللَّه)، وها هو اُستاذنا الشهيد الصدر(ره) سُئل ذات يوم في بيت المرحوم السيّد عبد الغني الأردبيلي (قدس سره) وكنتُ حاضر المجلس –  متى تقوم الحكومة الإسلاميّة في العراق؟ فأجاب؛: لا تقوم الحكومة الإسلاميّة في العراق إلّا إذا نضجت الحوزة العلميّة على مستوى الإشراف أو إدارة الحكومة الإسلاميّة.

وبعد تقديم هذه المقدّمة المختصرة، نقول: إنّنا كنّا ننتظر قيام الحكومة الإسلاميّة في العراق في وقتها لدى اكتمال عناصر ثلاثة:

أحدهما – وجود القائد المحنّك.

والثاني – تواجد حوزة علميّة واعية وعلى مستوى إستلام المسؤوليّة الحقيقيّة.

والثالث – بذل الدّم العظيم والدّم الكثير إلى حدّ ما يكفي لتحريك الاُمّة.

وكلّ هذه العناصر الثلاثة ارتبطت باستاذنا الشهيد الصدر.

أمّا الأوّل: وهو قيادة العمل في سبيل تحطيم الطاغوت بخطّ إسلاميّ سليم، فلم يكن آنئذٍ في العراق ما يحوم حوله إحتمال أن يتسلّم القيادة بمعنى الكلمة إلاّ وجودان:

أحدهما: وجود مرجعيّة رشيدة ثوريّة إسلاميّة واعية وهذا قد تحقّق حينما استلم اُستاذنا الشهيد(قدس سره) أخيراً زمام المرجعيّة، فكان هو المرجع الثوريّ الواعي وعلى مستوى المسؤوليّة.

وكما قلنا لا ننكر فضل باقي العوامل الاُخرى من قبيل الأرضيّة الصالحة التي أوجدتها المرجعيّة الإصلاحيّة الصالحة المتمثّلة بشخص المرحوم آية اللَّه العظمى السيّد الحكيم؛.

وثانيهما: حزب إسلامي شيعيّ كان قد تكوّن على يد اُستاذنا الشهيد الصدر؛ باسم حزب الدعوة الاسلاميّة، فلو كان بالإمكان أن يتزعّم قيادة الساحة لكان فضل ذلك راجعاً أيضاً إلى اُستاذنا الشهيد(قده).

ولو راجعنا الهيئة المؤسِّسة الأوّليّة للحزب لرأيناها جميعاً من صالحي الحوزة العلميّة المباركة وهذا مصداق لما قلناه من أنّ الثورة الشيعيّة الحقيقيّة ترجع عادة في فضلها إلى الحوزة العلميّة.

وأمّا الثاني: وهو تواجد حوزة علميّة واعية وعلى مستوى المسؤوليّة، فقد بذل اُستاذنا الشهيد(قده) قصارى جهدٍ له في صنع هكذا حوزة في داخل الحوزة النجفيّة كي يقلب بذلك موازين الحوزة التي كانت كلاسيكيّة وقتئذٍ إلى موازين واعية وعلى مستوى المسؤوليّة وقد نجح في خلق حوزة فتيّة علميّة من هذا النمط وبدأت تؤتي ثمارها في داخل الاُمّة العراقيّة لو لا انّ حزب البعث أبادهم قتلاً وتشريداً وسجناً وتعذيباً.

وإليك بعض جهوده (رضوان اللَّه عليه) في صنع الحوزة العلميّة الواعية:

1ـ كانت للمرحوم آية اللَّه العظمى السيّد الحكيم (رضوان اللَّه عليه) مدرسة منظّمة للدروس التي تُسمّى بدروس السطح باسم مدرسة العلوم الإسلاميّة وكان المشرف عليها سماحة السيّد محمّدباقر الحكيم وكان قد أمر اُستاذنا الشهيد الصدر (رضوان اللَّه عليه) عينة طلّابه ومريديه بالتعاون والتعاضد في ما بينهم في تنمية المدرسة وتدريس طلّابها وتربيتهم وعياً وروحاً زائداً على تعليمهم العلوم الإسلاميّة الفقهيّة وغيرها وقد خدمت هذه المدرسة الاُمّة في العراق ردحاً من الزمن وأنتجت علمآء واعين عاملين إنتشر قسم منهم في أطراف العراق كوكلآء للمرجعيّة.

2ـ أمر أخيراً خيرة طلّابه بتبنّي مدرسة علميّة حوزويّة لا في بناية معيّنة أو داخل مدرسة مبنيّة بالجصّ والآجُر بل بتعيين أساتذة يدرّسون وطلّاب يدرسون وهيئة مشرفة مؤلّفة من عدد من طلّابه هو (رضوان اللَّه عليه) ولعلّه براتب خاصّ أيضاً يوزّع على كلّ من يتخذه للدرس في هذه المدرسة مع الإهتمام بتربيتهم وتوعيتهم حتّى تؤتي هذه المدرسة ثمارها ضمن الحوزة النجفيّة الاُمّ.

وكلّ ذلك كان تحت إشرافه (قدّس اللَّه نفسه الزكيّة).

3ـ ربّى هو في تدريسه العالي المسمّى في عرف الحوزة بدرس الخارج، ثلّة من الطلّاب الأصفياء الواعين العاملين المختارين من الحوزة العلميّة وكان آخرهم بقآءاً في حوزة النجف الأشرف سماحة آية اللَّه العظمى السيّد محمّد محمّدصادق الصدر (تغمّده اللَّه برحمته) الذي أوجد أخيراً في العراق ما أوجد من الحركة المباركة ضدّ الوضع الغاشم القائم في العراق واستمرّ في عمله التوعوي والإيماني والجهادي إلى أن خرّ صريحاً في سبيل الإسلام والمسلمين، فسلام اللَّه على الصدرين الاُستاذ والتلميذ حينما وُلدا وحينما استشهدا وحينما يُبعثان أحياء.

وأمّا الثالث: وهو بذل الدّم العظيم مع الدّم الكثير بمقدار يروّي أرض الإسلام كي تزدهر فيها بُستان الإسلام وتقوى أشجاره وتبرز أوراده وأوراقه، فالدّم العظيم كان دمه (رضوان اللَّه عليه) والدّم الكثير كان دم أصحابه ووكلائه وخلّص المؤمنين به وخيرة الاعزّاء من ضمن الاُمّة العراقيّة المؤمنة.

ولشرح ذلك بالمقدار المناسب لهذا الحفل المبارك اُشير إلى عدّة تخطيطات ثوريّة واستشهاديّة له (رضوان اللَّه عليه) منها ما تحقّق ومنها ما اختنق في مهد التخطيط:

1ـ حدّثني الاُستاذ الشهيد؛ ذات يوم فقال: إنّني أتصوّر أنّ الاُمّة مبتلاة اليوم بالمرض الذي كانت مبتلاة به في زمن الحسين 7وهو مرض فقدان الإرادة، فالاُمّة تعرف حزب البعث والرجال الحاكمين في العراق ولا تشكّ في فسقهم وفجورهم وطغيانهم وكفرهم وظلمهم للعباد، ولكنّها فقدت قوّة الإرادة التي بها يجب أن تصول وتجاهد في سبيل اللَّه إلى أن تسقط هذه الزمرة الكافرة عن منصب الحكم وترفع كابوس هذا الظلم عن نفسها، وعلينا أن نعالج هذا المرض كي تدبّ حياة الإرادة في عروق هذه الاُمّة الميّتة وذلك بما عالج به الإمام الحسين(عليه السلام) مرض فقدان الإرادة في نفوس الاُمّة وقتئذٍ وهو التضحية الكبيرة التي هزّ بها المشاعر وأعاد بها الحياة إلى الاُمّة الى أن انتهى الأمر بهذا السبب إلى سقوط دولة بني اُميّة، فعلينا أن نضحّي بنفوسنا في سبيل اللَّه وببذل دمآءنا بكلّ سخآء في سبيل نصرة الدين الحنيف، والخطّة التي أرى ضرورة تطبيقها اليوم هي أن أجمع ثلّة من طلّابي ومن صفوة أصحابي الذين يؤمنون بما أقول ويستعدّون للفدآء ونذهب جميعاً إلى الصحن الشريف متحالفين في ما بيننا على أن لا نخرج من الصحن أحيآء، وأنا أقوم خطيباً بينهم ضدّ الحكم القائم ويدعمني الثلّة الطيّبة الملتفّة من حولي ونثور بوجه الظلم والطغيان فسيجابهنا جمع من الزمرة الطاغية ونحن نعارضهم (ولعله قال: نحمل السلاح) إلى أن يضطرّوا الى قتلنا جميعاً في الصحن الشريف وسأستثني ثلّة من أصحابي عن الإشتراك في هذه المعركة كي يبقوا أحيآءً بعدي ويستثمروا الجوّ الذي سيحصل نتيجة لهذه التضحية والفدآء.

قال: إنّ هذا العمل مشروط في رأيي بشرطين:

الشرط الأوّل – أن يوجد في الحوزة العلميّة مستوى من التقبّل لعمل من هذا القبيل، أمّا لو أطبقت الحوزة العلميّة على بطلان هذا العمل وكونه عملاً جنونيّاً أو مخالفاً لتقيّة واجبة فسوف يفقد هذا العمل أثره في نفوس الاُمّة ولا يُؤتي ثماره المطلوبة.

والشرط الثاني – أن يوافق أحد المراجع الكبار مسبقاً على هذا العمل، كي يكتسب العمل في ذهن الاُمّة الشرعيّة الكاملة.

فلا بدّ من الفحص عن مدى تواجد هذين الشرطين:

أمّا عن الشرط الأوّل، فصمّم الاُستاذ(قده) على أن يبعث رسولاً الى أحد علمآء الحوزة العلميّة لجسّ النبض ليعرض عليه هذه الفكرة ويستفسره عن مدا صحّتها وبهذا الاُسلوب سيعرف رأي عالم من العلمآء كنموذج لرأي يتواجد في الحوزة العلميّة، وقد اختار؛ بهذا الصدد إرسال سماحة الشيخ محمّد مهدي الآصفي (حفظه اللَّه) إلى أحد العلمآء وأرسله بالفعل إلى أحدهم كي يعرض الفكرة عليه ويعرف رأيه، ثمّ عاد الشيخ إلى بيت اُستاذنا الشهيد وأخبر الاُستاذ بأنّه ذهب إلى ذاك العالِم في مجلسه لكنه لم يعرض عليه الفكرة وكان السبب في ذلك أنّه حينما دخل المجلس رآى أنّ هذا الشخص مع الملتفّين حوله قد سادهم جوّ من الرعب والانهيار الكامل نتيجة قيام الحكومة البعثيّة بتسفير طلبة الحوزة العلميّة ولا توجد أرضيّة لعرض مثل هذه الفكرة عليه إطلاقاً.

وأمّا عن الشرط الثاني، فرآى اُستاذنا الشهيد؛ أنّ المرجع الوحيد الذي يترقّب بشأنه أن يوافق على فكرة من هذا القبيل هو الإمام الخميني؛ الذي كان يعيش وقتئذٍ في النجف الأشرف، فلا يصح أن يكون هذا العمل من دون إستشارته، فذهب هو»رضوان اللَّه عليه« إلى بيت السيّد الإمام وعرض عليه الفكرة مستفسراً عن مدا صحّتها، فبدا على وجه الإمام؛ التألّم وأجاب على السؤال بكلمة (لا أدري)، وكانت هذه الكلمة تعني أنّ السيّد الإمام؛ كان يحتمل أن تكون الخسارة التي ستوجّه إلى الاُمّة من جرّاء فقدان هذا الوجود العظيم أكبر ممّا قد تترتّب على هذا العمل من الفائدة.

وبهذا وذاك تبيّن أنّ الشرطين مفقودان، فعدل اُستاذنا الشهيد؛ عن فكرته.

2ـ إنّ اُستاذنا الشهيد؛ قد اقتنع بفكرة المواجهة المباشرة لحزب البعث في العراق قبل اقتناع حزب الدعوة الإسلاميّة بذلك بفترة طويلة من الزمن، وتوضيح الأمر أنّ اُستاذنا الشهيد قد ناقش وقبل هجرتي إلى إيران المرحليّة المعروفة لدى حزب الدعوة بشكلها الخاصّ الذي وضعه هو لهم في بداية تأسيسه للحزب.

وكان نقاشه كما ورد في ترجمتنا لحياته الشريفة في المجلّد الأوّل من تقريرنا لبحثه الاصولي وهو في مبحث القطع:

إنّ المرحلة الاولى لعمل حزب الدعوة الإسلاميّة عبارة عن تكوين الحزب وبناءه والتغيير الفكري للاُمّة والمرحلة الثانية عبارة عن مرحلة العمل السياسي التي يتمّ بضمنها جلب نظر الاُمّة إلى الاُطروحة الإسلاميّة للحزب ومواقفه السياسيّة وتبنّيها لتلك المواقف ودفاعها عنها. قال؛ بصدد النقاش في ذلك: إنّناحينما نعيش بلداً ديمقراطيّاً يؤمن باحترام الشعب وآرآئه ولا تجابههم السلطة بالتقتيل والتشريد بلا أيّ حساب وكتاب، يكون بالإمكان افتراض حزب مّا يبدأ عمله بتكوين بنية ذاتيّة بشكل سرّي ثمّ يبدأ في مرحلة سياسية علنيّة ومحاولة كسب الاُمّة إلى جانبها وجرّها إلى تبنّي تلك المواقف السياسيّة، ولكن الواقع في بلدٍ مثل العراق ليس هكذا، ففي أيّ لحظة تحسّ السلطة الظالمة بوجود حزب إسلاميّ منظّم يعمل وفق هذه المراحل لتحكيم الإسلام، تقتل وتشرّد وتسجن وتعذّب العاملين وتخنق العمل في تلك البلاد قبل تماميّة تعاطف الاُمّة معه وتحرّكها إلى جانبه.

أقول: وبقي الحزب مقتنعاً بطريقته الخاصّة التي كان واضعها الأوّل نفس اُستاذنا الشهيد؛ في بداية التأسيس، ومن هنا حينما قرّر اُستاذنا الشهيد (قده) المجابهة مع حزب البعث ولو بأن يؤدّي ذلك إلى بذل دمه؛ في سبيل الإسلام، لم يتجاوب معه الحزب وبقي مصرّاً على عدم صحّة ذلك لعدم توفّر شروط انتقالهم من المرحلة الاُولى إلى المرحلة الثانية حتّى أنّ المرحوم الحاج محمّد صالح الأديب؛ حدّثني أنّه في أيّام أزمة المرحوم السيّد مهدي الحكيم؛ وأزمة المرجع العظيم المرحوم السيّد محسن الحكيم(قده) إلتقى بيّ – أي بالحاج محمّد صالح الأديب – سماحة السيّد محمّدباقر الحكيم (حفظه اللَّه) وقال لي: وأيّ شي تنتظرون بعد وقوع ما وقع، أما آنت لكم أيّام المواجهة؟

فنقل المرحوم الحاج محمّد صالح هذا الرأي إلى قيادة الحزب، فلم يقتنعوا بهذا الكلام لأنّهم رأوا أنّ ذلك غير ممكن قبل الإنتقال إلى المرحلة الثانية ولم تحن بعدُ شروط الإنتقال.

أقول: وهذا هو السبب في أنّ الاُمّة إنتقلت تبعاً لقائدها الشهيد الصدر إلى المواجهة العلنيّة ومن ورآء ذلك انجرّ الحزب إنجراراً إلى الإعلان عن الإنتقال إلى المرحلة الثانية بعد نأيٍ من الزمن.

3ـ ولكي يتبيّن أيضاً مدا إستعداد شهيدنا الصدر لبذل دمه المبارك، أقتطع شيئاً مختصراً من كلام سماحة الشيخ محمّدرضا النعماني»حفظه اللَّه« الذي كتبه لي‏أيّام ترجمتي لحياة الشهيد الصدر؛ وهو ما يلي:

»جآءت برقيّة إمام الاُمّة السيّد الخميني(قده) لتقطع الشك باليقين عن العلاقة بين الشهيد الصدر والإمام الخميني.0

إنّ السيّد الشهيد؛ لم يستلم البرقيّة التي بعثها الإمام الخميني، فقد إحتجزت ولم تسلّم للسيّد الشهيد(قده) ولكنّي كنت قد سجّلتها من إذاعة طهران وأسمعتها السيّد الشهيد بعد إذاعتها بدقائق وهذا نصّها:

سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الحاج السيّد محمّدباقر الصدر (دامت بركاته)

علمنا أنّ سماحتكم تعتزمون مغادرة العراق بسبب بعض الحوادث، إنّني لا أرى من الصالح مغادرتكم مدينة النجف الأشرف مركز العلوم الإسلاميّة، وإنّني قلق من هذا الأمر آمل إنشاء اللَّه إزالة قلق سماحتكم، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. روح اللَّه الموسوي الخميني

إنّ الكثيرين أصرّوا على السيّد الشهيد أن يتجنّب الدخول في صراع مع البعثيّين بهذا المستوى وكانت حجّتهم هي الطبيعة الدمويّة والعدوانيّة لهذه الزمرة، فهم لن يتردّدوا من إتخاذ أقسى الإجراءآت لأدنى معارضة أو موقف يشمّ منه ذلك، وفي هذا السياق رجّح البعض أن يكون جواب السيّد الشهيد؛ على برقيّة إمام الاُمّة بشكل لا يؤدّي إلى إثارة السلطة وتحفيزها على إتخاذ موقف جادّ.

إلاّ أنّ السيّد الشهيد(قده) رفض الإستماع إلى هذه النصائح وقرّر أن يكون الجواب بالشكل الذي يناسب وضع إمام الاُمّة ومقامه، وكذلك وضع المرحلة الجديدة من الصراع خاصّة بعد أن عرف الجميع مستوى العلاقة بين السيّد الشهيد والإمام الخميني 0وبالتدقيق في عبارات البرقيّة الجوابيّة ندرك حجم العلاقة ومستوى الوفآء والإخلاص والتفاني الذي يكنّه السيّد الشهيد؛ للثورة الإسلاميّة ولقائدها العظيم وهذا نصّ البرقيّة:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

سماحة آية اللَّه العظمى الإمام المجاهد السيّد روح اللَّه الخميني(دام ظله)

تلقّيت برقيتكم الكريمة التي جسّدت اُبوّتكم ورعايتكم الروحيّة للنجف الأشرف الذي لا يزال منذ فارقكم يعيش إنتصاراتكم العظيمة وإنّي أستمدّ من توجيهكم الشريف نفحة روحيّة كما أشعر بعمق المسؤوليّة في الحفاظ على الكيان العلمي للنجف الأشرف وأودّ أن اُعبّر لكم بهذه المناسبة عن تحيّات الملايين من المسلمين والمؤمنين في عراقنا العزيز الذي وجد في نور الإسلام الذي أشرق من جديد على يدكم ضوءاً هادياً للعالم كلّه وطاقة روحيّة لضرب المستعمر الكافر والإستعمار الإمريكي خاصّة ولتحرير العالم عن كلّ أشكاله الإجراميّة وفي مقدّمتها جريمة إغتصاب أرضنا المقدّسة فلسطين، ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يمتّعنا بدوام وجودكم الغالي، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

الخامس من رجب  1399هـ / النجف الأشرف

محمّد باقر الصدر

لقد أخبرني (رضوان اللَّه عليه) – يعني أخبر الشيخ النعماني – إنّ من النقاط التي ركزوا عليها أثنآء التحقيق في رجب (يعني لدى إعتقاله الثالث) كان بعض فقرات البرقيّة الجوابيّة التي بعثتها إلى الإمام الخميني وانصبّت الأسئلة على اُمور ثلاثة:

1ـ ما هو المقصود من رعاية الإمام الخميني للنجف؟ هل هناك مساعدات ماليّة أو عسكريّة وصلت من إيران لمساعدتك في التحرّك ضدّنا؟

2ـ من خوّلك نقل تحيّات ملايين العراقيّين إلى السيّد الخميني؟

3ـ ما معنى التوجيه الذي تتلقّاه من السيّد الخميني؟

يقول السيّد الشهيد: كنت قد أجبت على أسئلتهم بما يناسب حجم التحرّك وحجم الثورة الإسلاميّة فقد كنت مصمّماً على الإستشهاد في سبيل اللَّه ولذا كنت أتعمّد أن لا اُجيب على بعض الأسئلة بغرض إقلاقهم وإرعابهم ولكن ظلّ البرّاك يلحّ على إجابة محدّدة وبقيت أيضاً أتعمّد الغموض وكلّما إنتقل البرّاك إلى أسئلة اُخرى بعيدة عن موضوع البرقيّة عاد مرّة اُخرى إلى البرقيّة وكرّر الأسئلة بشكل وآخر.

إنتهى ما أردت إقتطاعه من كلام الشيخ النعماني(حفظه اللَّه)

وهنا اُنهي الحديث عن النقطة الاُولى وهي توضيح أنّ اُستاذنا الشهيد؛ هو المفجّر بحقّ للثورة الإسلاميّة في العراق.

وأمّا النقطة الثانية: وهي مواكبته بدقّة، العالم الإسلامي ومشاكله وتطلّباته، ووضع الحلول لها من حين نعومة أظفاره إلى حين إستشهاده؛.

فهنا اُشير على الإختصار إلى عدّة بنود مأخوذة من حياته (رضوان اللَّه تعالى عليه).

أوّلاً: كتب لدى نعومة أظفاره رسالة وضّح فيها نقائص الحوزة العلميّة في النجف الأشرف ووضع حلولها وطريقة تنظيمها وترتيبها ومضت الأيّام والليالي إلى أن أصبح على أبواب المرجعيّة وعثر صدفة ضمن كتاب من كتبه أو في مكان آخر على تلك الرسالة وكان عدد من طلّابه -وأحدهم أنا – متشرّفين بخدمته في بيته في العمارة الذي كان ملكاً لسماحة الشيخ المامقاني(حفظه‏اللَّه) في الغرفة الفوقانيّة من قسم البرّاني الذي كان قد اعتاد على عقد جلساته الخاصّة هناك، فقرأ علينا تلك الرسالة وقال: إنّ قيمة هذه الرسالة عندي فعلاً قيمة تاريخيّة وكانت الرسالة حقّاً تجسّد همومه وآلامه وآماله وطريقة وضعه للحلول وفقاً للمشاكل منذ نعومة أظفاره.

وإنّي آسف على أنّني لا أمتلك نسخة من تلك الرسالة ولا علم لي بوجود نسخة منها لدى أحد من الإخوة أو عدمها.

ولكنّي أقول: انّه صدرت منه أخيراً – وأقصد في السنين الاُولى للثورة الإسلاميّة المباركة – صورة تنظيم للحوزة العلميّة، لا شكّ أنّها أنضج من تلك الصورة التي كان قد كتبها في أوائل أمره والقصّة مايلي:

حينما كنت اُدرّس في قم في المؤسّسة المسمّاة بـ (در راه حقّ) (في طريق الحقّ)، كتب المشرفون على المؤسّسة رسالة إلى الشهيد الصدر؛ طالبين منه أن يشرح لهم إقتراحه حول تنظيم حوزة علميّة نموذجيّة، وطلبوا منّي إرسال الرسالة إلى الشهيد الصدر(قده) فأرسلتها إليه فجائني الجواب في رسالة، كان في ضمنها مكتوبٌ بخط سماحة السيّد محمّدباقر الحكيم(حفظه اللَّه)، وكان مضمون رسالة الشهيد الصدر؛ أن ما تجده بخط السيّد محمّدباقر الحكيم هو رأيي في كيفية تنظيم الحوزة وترتيبها إلّا أنّه بقلم السيّد محمّدباقر، فأوصله إلى المؤسّسة التي طلبت ذلك.

وأيضاً إنّي آسف على عدم وجود نسخة من ذلك لديّ ولكنّني أقترح على الهيئة المشرفة اليوم على تجميع آثار شهيدنا الصدر؛ أن يراجعوا سماحة السيّد محمّدباقر الحكيم من ناحية ومؤسّسة (في طريق الحق) من ناحية اُخرى عساهم يجدون لدى أحدهما نسخة من ذلك.

ثانياً: محلّه مع جماعة العلمآء في النجف الأشرف، فرغم أنّه؛ لم يكن – لصغر سنّه آنئذٍ – عضواً في جماعة العلمآء في النجف الأشرف، كان المفكّر الحقيقي لهم وقد كتب لهم كثيراً من الأفكار الواردة في كتيّب (رسالتنا) وكثيراً ممّا ورد في إفتتاحيّة الأضواء وأخيراً كتب كتاب (فلسفتنا) وأراد طبعه باسمهم – وليس باسمه – لولا أنّهم كانت لديهم بعض المناقشات في مطالب هذا الكتاب فلم يستعدّوا لطبعه باسمهم إلا بإدخال تعديلات فيه وهو لم يكن يرتضي بتلك التعديلات ممّا جعل سيّدنا الاُستاذ مضطراً إلى طبعه باسم نفسه.

ثالثاً: مقارعة النظريّات الإقتصاديّة الكافرة الرأسماليّة والإشتراكيّة بكتبه لكتابه القيّم كتاب (إقتصادنا).

رابعاً: تنظيمه لحزب الدعوة الإسلاميّة بدافع مقابلة القوى الكافرة آنئذٍ.

خامساً: شرحه لفكرة المرجعيّة الموضوعيّة والمرجعيّة الصالحة.

سادساً: تنظيمه للكتب الحوزويّة ضمن الحلقات الثلاث المعروفة زائداً دراسته المعمّقة للاصول في بحث الخارج التي قرّرت من قبل بعض تلاميذه ولم يوفقّ لتكميل ما كان يريده من التجديد في الأبحاث الفقهيّة ولم يصدر منه عدا أربعة أجزاء في كتاب الطهارة وكان ما درّسه في بحثه المسمّى ببحث الخارج أكثر ممّا طبع وكان مصمّماً على إيجاد درس في كتاب المكاسب بشكل مقارن بالفقه الغربي إلا أنّه لم يوفّق لذلك بسبب قُصر عمره الشريف الذي إنتهى بالشهادة.

وهكذا كان يتابع المشاكل الإجتماعيّة ويضع لها الحول إلى أن صمّم على الشهادة فتابع ما سينجم من الفراغ في قيادة عمليّة التغيير الإجتماعي في العراق باستشهاده فوضع له حلّاً باسم القيادة النائبة ولكنّها لم‏تر النور في صفحة الوجود.

وأمّا النقطة الثالثة: وهي أنّه ما هي وظيفتنا في الوقت الحاضر؟

فكلّما سردناه حتّى الآن لم يكن إلا سرداً للتاريخ قضاءاً لقطرة من حقوق الاُستاذ علينا من ناحية واستلهاماً من نفحاته الربّانيّة من ناحية اُخرى، ولكنّ اللَّه تعالى يقول: (تِلْكَ اُمّة قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وقد وردت هذه الآية في موضعين من سورة البقرة الآية  134و 141 تشير في كلّ واحد منهما إلى ما قام به عدد من أنبيآء اللَّه العظام من أدآء ما كان عليهم من المهامّ العظمى.

ولا قائد أفضل من رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله) وقد قال اللَّه تعالى: (وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِه الرُسُل أفَإنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلى عَقِبيه فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزي اللَّه الشاكرين)

إنّ المسيرة التغييريّة التي بدأ بها اُستاذنا الشهيد الصدر؛ واستمرّت على يدّ أخينا الشهيد الصدر الثاني يجب الإستمرار فيها اليوم وإنّ بصيص النور الذي يبقى مشعّاً ما دامت مقارعة الكفر بالعراق باقية يجب إبقاءه وإن ضعفَ تارةً وقوي اُخرى حسب اختلاف الظروف وذلك لأنّ ظروف الإنتصار وأسبابها لا يُعلم متى تكتمل، ولكن لو قطع هذا الخيط المبارك من العمل الجهادي – لا سمح اللَّه – إنقطع الأمل، ولو إنطفأت الشعلة الوهّاجة لا يمكن إشعالها، في ظرف لو كانت باقية لنجحت الثورة.

وها هي أمامنا تجربة حزب اللَّه في لبنان، فقبل فترة من الزمن كان التفكير في إخراج إسرائيل من لبنان يعتبر أمراً مضحكاً، إلّا أن هذا أمرٌ أصبح اليوم حقيقة واقعة ولم يكن ذلك إلّا بسبب الإستمرار في العمل الجهادي الذي كان قد يضعف الأمل في إنتاجه وقد يقوى إلى أن سنحت الفرصة المناسبة واجتمعت ظروفٌ موضوعيّة ولو كانوا قد قعدوا عن الجهاد بحجّة عدم وجود الأمل في النجاح لما سنحت تلك الفرص أو لذهبت سُدى.

إذن فاليأس عن الإنتصار غير وارد عندنا وإنّما الوارد أنّ الإنتصار قد يتأخّر أو يتقدّم.

أمّا حديث التعاون مع أمريكا فقصّتها مايلي:

إنّ القوّة الإستكباريّة العالميّة تدّعي أنّها بصدد الإطاحة بنظام الحكومة العراقيّة ونحن ننظر إلى هذا الإدّعاء بنظر ريبة وشكّ، فإنّ أمريكا لا تتحرّك إلّا بدافع مصالحها الإستكباريّة وبدافع إبقآء سيطرتها على المنطقة، فلا يحتمل إقدامها على الإطاحة بنظام الحكومة العراقيّة إلّا إذا ضمنت لنفسها بقآء عراقنا الجريح تحت سلطته وسيطرته وعدم هيمنة الإسلام على العراق بعد سقوط صدّام، فإنّ أمريكا تعلم يقيناً أنّ عدوّها الحقيقي هو الإسلام وبعد سقوط المعسكر الشرقي السوفياتي لم يبق أمامها هاجس ممّا تخشى أن تزاحمها وتعارضها إلّا من الإسلام والإسلاميّين.

فلو كانت حقّاً بصدد الإطاحة بنظام الحكومة العراقيّة فإنّما يكون ذلك لأجل الخشية من تسبّب بقآء هذا الظلم الصارخ والواضح في العراق وغير القابل للتحمّل لانفجار الاُمّة في صالح الإسلام لأنّهم يرون فيه إنقاذهم الحقيقي من الظلم، فلو دار الأمر بين هيمنة الإسلام والمسلمين في العراق وبين تبديل نظام صدّام بنظام آخر، كان الثاني أولى له بلا شكّ، فإطاحتها بصدّام – لو كانت صادقة في ما تدّعي – تراها قنطرة لدفع الإسلام، ولو كانت كاذبة في دعوى تخطيطها للإطاحة به فأيضاً لا يوجد لها ما يدفعها إلى نشر هذا الكذب إلّا غرض تخدير الاُمّة عن تكاتفها في ما بينها ومع الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة ومع الإسلاميّين وعن إنفجارها بوجه الظلم والطغيان الذي قد يؤدّي إلى هيمنة الإسلام.

فالهدف الأوّل والأخير لأمريكا في كلتا حالتي الصدق والكذب في تبنّيها للإطاحة بصدّام هو التخلّص من إحتمال رجوع سلطان الإسلام إلى عراقنا الحبيب.

إلّا أنّ هذا الإدّعاء من قبل أمريكا إستهوى العلمانيّين المعارضين لصدّام، فيبرزون الإستعداد للتعاون مع أمريكا أو يستعينون بها بالفعل لغرض تغيير نظام الحكم في العراق.

والواقع أنّ الذي يحاول التعاون مع أمريكا أو يدعو إلى ذلك في سبيل تبديل النظام إن لم يكن هو رجلاً عميلاً لها، فهو لا يخلو عن إحدى حالات:

الأوّل: أن يُفترض مخلصاً لوطنه حقّاً، ولكنّه رجل علماني وغير إسلامي وهو يفكّر أنّ الإطاحة بصدّام ولو عن طريق أمريكا تنجّي ببلده عن الظلم والطغيان الصدّاميّين اللذين هما فوق طاقة كلّ أحد، أمّا عدم الوصول إلى حكم إسلاميّ عادل، فلا يهمّة لأنّه علمانيّ الهوى أو علمانيّ التفكير فلا يرى في ذلك عيباً.

والثانية: أن يفترض مخلصاً للإسلام وأن يهدف إلى إقامة حكم الإسلام في العراق لكنّه يرى أنّ إقامة الحكم الإسلامي في العراق في الوقت الحاضر غير عمليّة فلا معنى للتخطيط لها ولكن لئن عجزنا عن تحكيم الإسلام في العراق لا ينبغي أن نقصّر – على الأقل – في العمل في سبيل إسقاط صدّام ولو بالتعاون مع أمريكا، لأنّ ذلك ينجي العراق – على الأقل – من هذه المأساة الإستثنائيّة النادرة ومن نير هذا الظالم الإستثنائي الذي لا نظير له في العالم فإنّ الميسور – كما قالوا – لا يسقط بالمعسور.

ولكنّنا قلنا: إنّ العمل الإسلاميّ الخالص، بعنوان العمل لإقامة حكم اللَّه وغير الملوّث – لدى الرأي العام- بالتعاون مع أمريكا، يجب أن يستمرّ ولو تأخّر الإنتصار عشرات أو مئآت السنين لا سمح اللَّه، لأنّه لا يدرى متى تتوفّر شروط الإنتصار ومتى تحين الفرصة لتحقيق الإنتصار، وقطع هذا الخيط من العمل يُميت هكذا عمل، فلا يُبقي مجالاً لإنتهاز الفُرص التي كنّا نصادفها لو كنّا مستمرّين في العمل الإسلاميّ الخالص.

والثالثة: أن يفترض إسلاميّاً ومخلصاً للإسلام ويهدف إلى إقامة حكم الإسلام في العراق، إلّا أنه يرى أن إحدى مقدّمات الهدف التي توجد في طريقنا هو إسقاط صدّام وحكومة البعث ولو عن طريق أمريكا، فصحيح انّ أمريكا لا تريد الإسلام ولكن لو تعاضدنا معها في إسقاط صدّام وإيجاد أجواء ديمقراطيّة ولو نسبيّة في العراق. أصبح العمل للإسلام بعد ذلك في تلك الأجواء أسهل وأكثر معقوليّة من الآن.

وسوآءٌ صحّت هذه الفكرة أو لم تصح فاستمرار خطّ إسلاميّ نيّر وصافٍ ومشعشعٍ وغير مكدّرٍ بكدورة العمل الأمريكي شرط في بقاء أمل الإنتصار الحقيقي، أمّا تلويث كلّ الخطوط الإسلاميّة أو أشدّها صفآءاً ونقآءاً أو أقواها وجوداً بتلطيخه بالتعاون مع أمريكا فإنّه يقطع خيط الأمل ويسدّ باب العمل، فعليكم باليقظة الكاملة والإهتمام البالغ بالموضوع.

وختاماً اُوجّه النصح أيضاً إلى بعض القيادات التي تعوّدت على خلق التهم الكاذبة مع الحالة الغوغائيّة والتشهير العجيبين؛ على كلّ من خالفهم في الرؤى، اُوجّه لهم نصحاً أبويّاً من موقع الحبّ ومراعاةً لمصالحهم إلى صفّ مصالح الإسلام؛ أن يتركوا هذه الحالة الوسخة والمحرّمة، أما آن لهم أن يعتبروا بالإنتكاسات المتتالية التي لحقتهم؟! ولماذا لا يتعلّمون التديّن والإلتزام الخُلقي وصفآء الروح من قواعدهم السالمة ورفيعةِ الإيمان؟! وكيف جرأ أحدهم أن يلقّب شهيدنا الاُستاذ الصدر(قده) بلقب (إبن الدعوة العاقّ) من دون أن يخشى فصلهم إيّاه من القيادة إلى أن حصلت القدرة لفقيههم بعد سنين وبجهد جهيد على تقسيم القيادة وشقّها.

فيا من يتولّى في الحال الحاضر قيادتهم أنصحكم – من موقع الحرص على دنياكم وآخرتكم ومن موقع الحرص على وجودكم – بترك أخلاقية التهجّم والتشهير ونشر الإتّهامات الكاذبة على كلّ من تختلف رؤيته عن رُؤاكم.

نعوذ باللَّه من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين.

هذه هي مجموعة النقاط التي يجب على العاملين التركيز عليها اليوم.

(وقل اعملوا فسيرى اللَّه عملكم ورسوله والمؤمنون)

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته

26 / محرم الحرام / 1422هـ