مطالعة تقويمية نقدية في نظرية السيد الصدر
مقدمة
لا شك في تنوّع التفسير وتقسيمه من جهاتٍ عديدة على أساس تعدّد مناهجه واختلاف أساليبه وتفاوت اتجاهاته، إلا أنّ سماحة آية الله العظمى الإمام الشهيد الصدر، قد ركّز نظره على إبراز اتجاهين رئيسين لحركة تفسير القرآن، أعني الاتجاه التجزيئي والاتجاه التوحيدي، شارحاً أوجه اختلافهما ومبيّناً أهدافهما، و.. وسوف نحاول هنا دراسة نظريّته على هذا الصعيد.
وقبل بيان الفرق بين التفسير التجزيئي والتفسيري التوحيدي الموضوعي، من المناسب الحديث عن أقسام التفسير وأنواعه، وما يوجب التنوّع من تفسير القرآن.
1 ـ التفسير: الأنواع، الأقسام، والأشكال
1 ـ 1 ـ منطلقات التنوّع في التفسير القرآني
درس الباحثون في علوم القرآن ما يوجب تنوّع التفسير وتقسيمه، وكانت هناك ثلاثة عوامل، أدّى كلّ واحد منها إلى إبداء تقسيم للتفسير أو تنويعٍ له، وهي:
أ ـ المنهج
المنهج ـ لغةً ـ الطريق الواضح، كما في الصحاح وأساس البلاغة[1]، واصطلاحاً: الطريق الواضح في التعبير عن شيء أو في عمل أو في تعليم شيء طبقاً لمادة معينة ونظام معين، بغية الوصول إلى غاية معينة[2]، وعليه يكون المنهج التفسيري هو الطريقة التي يسلكها المفسّر وفق خطوات معينة منظمة، يسير عليها لأجل الوصول إلى تفسير القرآن، ويتشعّب التفسير في ضوء المنهج إلى تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة أو المأثور عن النبي والأئمة وأصحابهم، والتفسير الاجتهادي. ويعبّر عن الثاني بالتفسير الروائي والحديثي أو النقلي أيضاً، كما يعبّر عن الأخير بالتفسير الدرائي والعقلي[3].
ب ـ الاتجاه
المراد بالاتجاه تلك الميزات والخصائص الفكرية التي تميّزت بها تفاسير القرآن بعضها عن بعض، تبعاً لما يحمله المفسّر من نزعات وميول مسبقة تنطبع آثارها في تفسيره وتوجّهه اتجاهاً معيناً، بعبارة أخرى: إنّ الاتجاه مجموعةُ الأفكار التي يحملها المفسّر للكتاب العزيز، وغالباً ما تكون ذات طابع مذهبي خاص، أي أنّ المفسّر يخوض لجج التفسير وهو مسلّح بتلك الأفكار، ويتشعّب التفسير ـ من هذه الناحية ـ إلى التفسير اللغوي والتاريخي والفقهي والكلامي على اختلاف المذاهب، والعرفاني والحكمي والعلمي، وكذا التفاسير الرمزية والباطنية.
ج ـ الأسلوب
والمراد بالأسلوب كيفية تفسير القرآن، بمعنى أنّ المفسّر إذا انتخب منهجاً من تلك المناهج وكان ذا اتجاه فكري، فهو يدوّن تفسيره بأسلوبه الخاص، وهذا الأسلوب إما أن يكون على النحو الكلّي الموجب لتنوّع التفسير إلى التفسير الترتيبي[4] والتفسير الموضوعي، والتفسير الارتباطي، والتفسير الكلي[5]، أو يكون على النحو الجزئي، وهو الأسلوب المختصّ بالمفسّر في تنظيم مباحثه التفسيرية من الشرح المزجي أو التفكيكي وغير ذلك.
هذا ما وصلنا إليه في مراجعتنا الخاطفة للتفاسير السائدة والكتب المدوّنة في العلوم القرآنية.
2 ـ 1 ـ أنواع التفسير على أساس المنط
والذي ينتج عن هذه العناصر وتنويعها للبحث القرآني ظهور تفاسير عديدة:
ففي المنهج، هناك: 1 ـ تفسير القرآن بالقرآن. 2 ـ تفسير القرآن بالسنّة أو المأثور. 3 ـ تفسير القرآن بالعقل والاجتهاد.
وفي الاتجاه، هناك: 1 ـ التفسير التاريخي. 2 ـ التفسير الفقهي. 3 ـ التفسير الاجتماعي. 4 ـ التفسير الكلامي، ويتعدّد حسب تعدّد الفرق الكلامية، كالمعتزلة والأشاعرة والشيعة والزيدية والخوارج. 5 ـ التفسير العرفاني. 6 ـ التفسير العلمي. 7 ـ التفسير الرمزي التأويلي. 8 ـ التفسير اللغوي.
وفي الأسلوب، هناك: 1 ـ التفسير الترتيبي. 2 ـ التفسير الموضوعي. 3 ـ التفسير الارتباطي. 4 ـ التفسير الكلّي الشمولي.
وبما أن هذه التقسيمات نتجت عن زوايا متعدّدة فليس بينها تباين كلّي، وعليه قد يتداخل بعضها مع بعض، مثل ما إذا كان التفسير اجتهادياً في المنهج، اجتماعياً في الاتجاه، وترتيبياً في الأسلوب، أو كان التفسير نقلياً في المنهج، فقهياً في الاتجاه، وموضوعياً في الأسلوب..
وهناك تفسيرٌ جامع، أي يسلك المفسر على ضوئه في المناهج كلّها مع الاتجاه الفكري الموسّع في مجموعة المعارف والعلوم، مستخدماً الأسلوب الترتيبي، مع اهتمام خاص بموضوعٍ واحد في بعض الأحيان.
3 ـ 1 ـ أقسام التفسير في نظريّة السيد الصدر
أشار الشهيد الصدر إلى عدّة أنواع للتفسير، دون إلفات إلى مقسمها ومنشئها، وهي:
1 ـ التفسير الذي يهتمّ بالجانب اللفظي والأدبي والبلاغي للنصّ القرآني.
2 ـ التفسير الذي يهتمّ بجانب المحتوى والمعنى والمضمون.
3 ـ التفسير الذي يركّز على الحديث، ويفسّر النص القرآني بالمأثور عنهم أو بالمأثور عن الصحابة والتابعين.
4 ـ التفسير الذي يتخذ العقل أداةً للتفسير وفهم كتاب الله.
5 ـ التفسير المتحيّز الذي يتّخذ مواقف مذهبية مسبقة، ويحاول تطبيقها على النصّ القرآني.
6 ـ التفسير غير المتحيّز، وهو الذي يحاول استنطاق القرآن، فيطبّق الرأي على القرآن، لا القرآن على الرأي.
7 ـ التفسير التجزيئي.
8 ـ التفسير الموضوعي[6].
وقفة نقديّة لطبيعة تنويع الصدر للتفاسير القرآنية
ويلاحظ على ما قاله الصدر في أقسام التفسير ما يلي:
أولاً: إنّ المباحث الأدبية والبلاغية ليست من تفسير القرآن في الحقيقة؛ إذ الباحث يهتمّ فيها بغير المعنى ـ أعني المباحث التصريفية والنحوية والبلاغية المرتبطة باللفظ ـ دون أن يركّز همّه على محتوى القرآن ومعناه؛ ولذلك فهو ليس قسيماً للتفسير اللغوي اللفظي، وسائر التفاسير.
ثانياً: إنّ النوع الثاني ممّا أشار إليه السيد الصدر ليس قسيماً لما بعده، بل هو مقسم له؛ لأنّ التفسير الذي يهتمّ بجانب المعنى والمضمون، إما يركّز على القرآن، أو على الرواية، أو العقل، أو غير ذلك..
ولا يمكن حمل كلام الصدر على بيان معاني نفس القرآن دون اهتمام بالخارج؛ إذ التفسير بهذا المعنى لم يكن معهوداً إلا في الترجمات اللفظية، أو ما كان معتمداً على الظهورات البدوية، وهذا بعيد عن ما قاله الصدر، نعم ثمة في محاضراته القرآنية تقسيم للتفسير إلى التفسير اللفظي، أي بيان المعنى اللغوي، وتفسير المعنى، أعني تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنى[7]، وهو غير ما ذكر.
ثالثاً: التفسير المتحيّز ليس قسماً على حدة، بل هو في نفسه مَقسَم للتفاسير المتنوّعة مع الاتجاهات الفكرية المسبقة، نعم، قوله في محاولة المفسّر في هذا التفسير تطويع النص القرآني على أساس مواقفة المذهبية ممّا قد ينتهي إلى التفسير بالرأي، متينٌ جداً.
رابعاً: التفسير غير المتحيز الذي يحاول المفسّر فيه استنطاق القرآن، ليس قسيماً ولا مقسماً لما قبله، بل هما كيفية توجد في كثير من الأحيان وفي أكثر التفاسير، ولا بأس بها.
خامساً: أما القسمان الأخيران، فهما من أساليب التفسير، وقد يجتمعان مع ما قبلهما، فليسا قسيمين لسائر التفاسير، وإن كان كل واحد منهما قسيماً للآخر.
وعليه، قد تختلط في كلام الصدر مناهج التفسير واتجاهاته وأساليبه، إلا أنّ ما يسهّل الخطب أنّه لم يكن بصدد تفكيك هذه المفاهيم والاصطلاحات، ولا في مقام تقسيم التفسير على أساس ذلك، وإنّما كان يهدف إلى ذكر السائد في عرف المفسرين والباحثين في علوم القرآن على الإجمال، مع قطع النظر عمّا سوى ذلك، كما يمكن أن يكون الصدر هنا غير هادف لبيان الأقسام على أساس التقسيم المنطقي، وإنّما على الأساس العرفي الخالي من التدقيقات المنطقية.
2 ـ التفسير التجزيئي والتوحيدي، تفكيك وبيان
1 ـ 2 ـ تعريف التفسير التجزيئي
يقول الشهيد الصدر في تعريفه للتفسير التجزيئي: نعني بالاتجاه التجزيئي، المنهج الذي يتناول المفسّر ضمن إطاره القرآن الكريم آيةً فآية، وفقاً لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف[8].
لكنّ حصر التفسير التجزيئي بما يوافق تسلسل تدوين الآيات في المصحف مشكل؛ إذ لو أراد المفسّر تفسير عددٍ من آيات القرآن في السور المتعدّدة، هادفاً فهمها فقط، لكنّه ابتدأ بتفسير ما كان في وسط القرآن، ثم ما كان في أوله، ثم أخذ بتفسير ما كان في آخره، فإنّه يصدق على عمله التفسيرُ التجزيئي، مع عدم كونه موافقاً لتسلسل تدوين الآيات في المصحف، كما أنّ المفسّر إذا أراد تفسير آيات القرآن على ترتيب النزول، فلن يكون ـ على هذا ـ تفسيره تجزيئيّاً؛ لعدم موافقته لتسلسل المصحف، وحيث لم يكن تفسيره ـ من ناحية أخرى ـ متمحوراً حول موضوع واحد فلن يكون توحيديّاً موضوعيّاً أيضاً؛ إذاً، فيجب حذف قيد «وفقاً لتسلسل تدوين الآيات» أو تبديل اسم التجزيئي باسم الترتيبي، سواء كان من أول المصحف، أو أول السورة، وسواء كان حسب النزول، أو حسب المصحف.
2 ـ 2 ـ تعريف التفسير الموضوعي
ويقول الصدر في تعريف التفسير التوحيدي، [هو المنهج الذي] يتناول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية، فيبيّن ويبحث ويدرس[9].
وما قاله الصدر هنا لا بحث فيه؛ لانه تعريفٌ جامع للتفسير الموضوعي، لكنّه لم يكتف بهذا المقدار، فأخذ يبحث عن وظيفة هذا التفسير؛ حيث قال: إنما وظيفة التفسير الموضوعي دائماً في كلّ مرحلة وفي كل عصر، أن يحمل كلّ تراث البشرية الذي عاشه، يحمل أفكار عصره، يحمل المقولات في تجربته البشرية، ثم يضعها بين يدي القرآن، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليحكم على هذه الحصيلة بما يمكن لهذا المفسر أن يفهمه من خلال مجموعة آياته الشريفة[10].
ونتيجة هذا الكلام أنّ التفسير الموضوعي مرتبطٌ دائماً بالتجربة البشرية ومجموعة أفكارها، وعلى هذا، لو أراد المفسّر أن يدرس موضوعاً من الموضوعات القرآنية، مع قطع النظر عن التجارب البشرية وأفكارها، أو يبيّن موضوعاً ما ليس له في الفكر البشري أثر، فلن يكون تفسيره تفسيراً موضوعياً، مع أنه يصدق عليه التفسير الموضوعي والتوحيدي.
3 ـ 2 ـ ملاحظات في تعريف اتجاهي التفسير: التجزيئي والموضوعي
وهنا ملاحظات تتصل بتعريف الاتجاهين التفسيريين، وهي:
الملاحظة الأولى: وتتركّز حول مبرّر تسمية الموضوعي والتوحيدي، فقد أطلق على التفسير الذي يتناول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من الموضوعات، اسم الموضوعي؛ باعتبار أنّ المفسّر يختار فيه مجموعة من الآيات، تشترك في موضوع واحد، وبتعبير آخر سمّي بالموضوعي باعتبار وحدة موضوعه، ثم أطلق عليه اسم التوحيدي؛ لأنّه يوحّد بين هذه الآيات ومدلولاتها ضمن مركّب نظري واحد[11].
الملاحظة الثانية: وتتركّز حول المعنى المراد من الموضوعية، إذ للموضوعية معنيان: أحدهما عبارة عن الأمانة في البحث والاستقامة على جادّته، وهذا المعنى لا ينحصر بالتفسير الموضوعي المصطلح، بل هو مفترض في كلا الاتجاهين، وثانيهما أنه يبدأ من الموضوع الخارجي وينتهي إلى القرآن[12]، وهذا هو المراد في بحثنا هنا.
الملاحظة الثالثة: أمثلة للتفسير الموضوعي، فقد مثل الشهيد الصدر لهذا التفسير بعقيدة التوحيد في القرآن، وكذا النبوّة فيه، والمذهب الاقتصادي في القرآن، والسنن التاريخية في القرآن.. ومعنى ذلك أنّ المفسّر قد يجعل موضوع تفسيره، تبيينَ آيات القرآن كلّها أو قطعة قرآنية بما فيها من المعارف والعلوم، سواء كانت في العقائد، أو الأحكام، أو الأخلاق، أو غيرها، وقد يجعل موضوع تفسيره، تبيينَ مسألة من المسائل القرآنية، فيضيّق دائرة البحث؛ فيتكلّم عن جهة واحدة من الجهات المتعدّدة ـ كالتوحيد الذاتي، والنبوّة العامة من المباحث العقائدية، وكالطهارات الثلاث من الأحكام الفقهية، وكالتواضع من البحوث الأخلاقية، وكحقوق الزوجة من المسائل الاجتماعية و.. ـ بنظر تفصيلي جامع.
3 ـ خصائص اتجاهي: الموضوعية والتجزيئيّة في التفسير
ولكلّ من الاتجاهين الرئيسين في تفسير القرآن ميزات وخصائص، نشير إلى بعضها فيما يلي:
1 ـ 3 ـ الاختلاف الغائي، تعدّد الأهداف
يقول الصدر: فالهدف في كلّ خطوة من هذا التفسير [التجزيئي] فهم مدلول الآية التي يواجهها المفسر[13]، نعم الحصر في الهدف لا يوجب قطع النظر عن سائر الآيات لفهم تلك الآية، بل قد يستعين المفسّر بآيات أخرى، كما يستعين بالأحاديث، وذلك بقصد الكشف عن المدلول اللفظي الذي تحمله الآية المطروحة للبحث، وهذا على خلاف التفسير الموضوعي؛ فإنّ الهدف فيه لا ينحصر في فهم الآية التي يواجهها المفسّر، بل يمتدّ ليستوعب موقف القرآن من موضوع ما ممّا لا يمكن الوصول إليه إلا بفهم عددٍ كبير من الآيات.
2 ـ 3 ـ المدلولات القرآنية بين الوحدة والتعدّد
يحصل للمفسّر ـ في ضوء التفسير التجزيئي ـ عدد كبير من المعارف والمدلولات القرآنية، بخلاف التفسير الموضوعي الذي يستهدف تحديد نظرية من النظريات الأساسية؛ فيحصل فيه المفسّر على معرفة نظرية قرآنية واحدة.
وهذه الخاصية ـ أي تعدّد المعارف ـ توجب بطبعها أن لا يكتشف المفسّر أوجه الارتباط بين المعطيات التي توصّل إليها في سلسلة بحثه التجزيئي، وأن لا يكون أمامه بين المدلولات تركيبٌ عضوي لتلك الأفكار المتعدّدة التي حصل عليها من هذه الآية أو تلك، وإذا تمّ له ذلك أحياناً فليس هدفاً له بالذات، بخلاف المنهج الموضوعي فإنه يستهدف اكتشاف التركيب العضوي لمجموعة من الأفكار القرآنية، والتركيز على موضوع واحد[14].
3 ـ 3 ـ التفسير القرآني، عرض الفكرة أم تحديد النظريات؟
يبدو ـ بعد ما تقدّم ـ أنّ التفسير الموضوعي يستطيع أن يقدّم لنا النظر النهائيّ للقرآن والإسلام، بخلاف التفسير التجزيئي، فهو غير قادر على ذلك، إلا بعد تفسير القرآن كلّه من بدايته إلى نهايته أولاً، ثم تركيب النظرات المتفرّقة الحاصلة من الآيات والسور ثانياً.
هذا، وقد عدّ الصدر هذه الخاصية ـ مع سابقتها ـ من الفوارق الرئيسة بين الاتجاهين.
4 ـ 3 ـ سعة الموضوع وضيقه
إنّ موضوع التفسير التجزيئي هو القرآن كلّه، من ابتدائه إلى نهايته، وهذا ما يظهر من كلام السيد الصدر في وجه إيثاره التفسير الموضوعي على التجزيئي، وذلك بقوله: إنّ شوط التفسير التقليدي [التجزيئي] شوطٌ طويل جداً؛ لأنه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس([15])، كما يُشعرنا به ما مرّ من تعريف هذا الاتجاه، فهذا الشوط الطويل ـ أعني القرآن كلّه بآياته ومعارفها العديدة ـ هو الموضوع في الاتجاه التجزيئي، بخلاف التفسير الموضوعي؛ فإنّ موضوعه ليس سوى الموضوع المبحوث عنه.
هذا إذا اعتبرنا الآيات القرآنية كلّها مع سعتها وكثرتها، متجهة ناحية موضوع واحد بسيط من الموضوعات القرآنية، وأما إذا اعتبرنا الآيات كلّها موضوعاً واحداً للتفسير التجزيئي تجاه الموضوعات العديدة في التفسير الموضوعي لانعكس الأمر، بمعنى أنّ للتفسير التجزيئي موضوعاً واحداً وللتفسير الموضوعي موضوعات عديدة.
5 ـ 3 ـ ظهور التناقضات المذهبية وعدمه
جاء في كلام السيد الشهيد الصدر: قد أدّت حالة التناثر ونزعة الاتجاه التجزيئي إلى ظهور التناقضات المذهبية العديدة في الحياة الإسلامية، إذ كان يكفي أن يجد هذا المفسّر أو ذاك، آيةً تبرّر مذهبه لكي يعلن عنه ويجمع حوله الأنصار والأشياع، كما وقع في كثير من المسائل الكلامية، كمسألة الجبر والتفويض والإجبار[16]، والسرّ في ذلك هو التراكم العددي للمعلومات، والذي يختصّ به التفسير التجزيئي، خلافاً للموضوعي؛ لأنّ المفسّر لم يقتصر فيه على تجميع عددي، بل يتقدّم خطوةً على المفسّر التجزيئي، فيحاول تركيب مدلولات القرآن والمقارنة بينها.
لكن يمكن أن يقال: إنّ هذا الأثر السلبي لم ينشأ من الاتجاه التجزيئي، وإلا لزم أن لا يكون له أثر في التفاسير الموضوعية المدوّنة لدى الفرق الكلامية، مع أنه موجود بعينه في الاتجاه الموضوعي هناك، فالسرّ في هذه التناقضات هو المواقف المذهبية المسبقة ومجموعة الأفكار التي يحمّلها المفسّر على القرآن، سواء كان في الاتجاه التجزيئي أو الموضوعي، كما أنه لو كان من اللازم في التفسير التجزيئي الاستعانة بسائر الآيات، لم يبق مجال للتناقض فيه أيضاً؛ إذاً فالفارق بين الاتجاهين إنّما هو في الإجمال والتفصيل، لا في التناقض وعدمه.
6 ـ 3 ـ الدور السلبي والدور الإيجابي
هذه الخاصية من الفوارق الرئيسية بين الاتجاهين، وقد صرّح الشهيد الصدر، حيث قال: إنّ المفسّر التجزيئي دوره في التفسير ـ على الأغلب ـ سلبي[17]، أما المفسّر الموضوعي فدوره إيجابي.
والمراد من الدور السلبي للمفسّر، أن يكون القرآن بمنزلة المتحدّث والناطق، ويكون المفسّر بمنزلة المستمع والمسجل، فالقرآن يعطي والمفسّر يأخذ، ومعنى ذلك أنّ المفسّر يبدأ في عملية التفسير التجزيئي بتناول النصّ القرآني المحدّد، دون أي افتراضات أو طروحات مسبقة، ويجلس بذهن مضيء وفكر صاف وروح محيطة بآداب اللغة وأساليبها بين يدي القرآن؛ ليستمع ويأخذ ما تحدّث به القرآن، فدور القرآن دور المتحدّث، ودور المفسّر هو الإصغاء والفهم، هذا هو الذي أطلق عليه الصدر اسم الدور السلبي للمفسّر.
والمراد بالدور الإيجابي للمفسّر أن يكون سائلاً والقرآن مجيباً، وبتعبير آخر: عملية التفسير الموضوعي عملية حوار مع القرآن واستنطاق له[18]، ومعنى ذلك أنّ المفسّر الموضوعي يبدأ عمله من واقع الحياة ويركّز نظره على موضوع من الموضوعات، ويجمع حصيلةً ترتبط بذلك الموضوع، فيصير موضوعاً جاهزاً مشرّباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية، ثم ينفصل عنها، ويأتي ويجلس بين يدي القرآن، ويبدأ معه حواراً ويستنطقه حول ذلك الموضوع، فالمفسّر يسأل والقرآن يجيب، ويستهدف المفسّر من ذلك اكتشاف موقف القرآن من الموضوع.
وفي ضوء هذا الفارق الرئيس تنبع فوارق أخرى.
أ ـ تتصل نتائج التفسير الموضوعي دائماً بالتجربة البشرية، أما التجزيئي فأجنبيّ عنها.
ب ـ يبدأ التفسير الموضوعي من الواقع الخارجي وينتهي بالقرآن، أما التفسير التجزيئي فيبدأ من القرآن وينتهي إليه.
ج ـ التفسير الموضوعي قادرٌ على العطاء المستجدّ وعلى الإبداع أيضاً، أمّا التجزيئي فهو عاجز عن ذلك؛ لأنّ هذا الاتجاه تفسيرٌ للفظ، وطاقاته متناهية، بحيث لو حصل تجدّد في المدلول اللغوي فلا معنى لتحكيمه على القرآن، وكذا لو ظهرت لغة أخرى بعد القرآن، فلا معنى لفهمه من خلالها[19].
وما قاله الصدر هنا في هذا كلّه، لا غبار عليه، إلا أن في بعض المواضع من كلامه نظر:
1 ـ إنّ عملية الحوار مع القرآن واستنطاقه تقابل ـ في الحقيقة ـ الآراء البشرية ومواقفها وحصيلة تجاربها مع القرآن، أو تمثل تطبيقاً لمجموعة الأفكار البشرية على المعارف القرآنية، مع أنّ تفسير القرآن ـ في كلا الاتجاهين ـ عبارة عن فهم مراده تعالى، سواء كان للبشر رأيٌ ونظر أو لا.
2 ـ لا تنحصر عملية الاستنطاق بالتفسير الموضوعي، بل يمكن تطبيقها في التفسير التجزيئي أيضاً، والدليل عليه إطلاق الخبر العلوي الذي سنشير إليه.
3 ـ إذا كان القرآن قد نزل بلغة العرب الرائجة في عصر النبي، فلابدّ في تفسيره من مراعاة تلك اللغة ومعانيها المستودعة فيها في ذاك الزمان، سواء في ذلك التفسير التجزيئي أو الموضوعي، فلا ينحصر ذاك التناهي ـ لو فرض ـ بالتفسير التجزيئي.
هل التفسير التجزيئي هو الأفضل أم الموضوعي؟
يصرّح الصدر بأن التفسير الموضوعي أفضل اتجاهي التفسير؛ حيث يقول: «التفسير الموضوعي في المقام أفضل الاتجاهين في التفسير»[20]؛ وذلك للمبرّرات التالية:
أ ـ المبرّر العلمي: ثمّة حاجة كبيرة في عصرنا لعرض نظريات أساسية في الحياة العقائدية والكونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الموضوعات المهمّة؛ وهذا المنهج الموضوعي هو السبيل الوحيد لذلك؛ حيث يدلّنا على نظريات الإسلام والقرآن في هذا المجال أو ذاك، فالمفسّر الموضوعي يستطيع أن يحصل على الأجوبة من القرآن الكريم، الأمر الذي لا يمكن للتفسير التجزيئي.
ب ـ المبرّر العملي: بمعنى أنّ شوط التفسير التجزيئي شوطٌ طويل؛ إذ يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس، وهذا الشوط الطويل بحاجة ـ لإكماله ـ إلى فترة زمنية طويلة أيضاً، ولهذا لم يحظ من علماء الإسلام الأعلام إلا عدد محدود بهذا الشرف العظيم، شرف مرافقة الكتاب الكريم من بدايته إلى نهايته، ونحن نشعر أنّ هذه الأيام المحدودة المتبقية لا تفي بهذا الشوط الطويل، ولهذا كان من الأفضل، اختيار أشواط أقصر[21].
ج ـ المبرّر الروائي: استدلّ على فضل الاتجاه الموضوعي على الاتجاه التجزيئي، بما جاء في كلام علي بقوله: ذلك القرآن استنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه، ألا إنّ فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي..[22].
ووجه الاستدلال بهذا الحديث ما يقوله السيد الصدر: إنّ التعبير بالاستنطاق الذي جاء في كلام ابن القرآن أروع تعبير عن عملية التفسير الموضوعي بوصفها حواراً مع القرآن الكريم، وطرحاً للمشاكل الموضوعية عليه؛ بقصد الحصول على الإجابة القرآنية[23].
د ـ المبرّر العيني: والمقصود به المثل الأعلى للاتجاه الموضوعي، أعنى الاتجاه السائد في الفقه الإسلامي؛ ذلك أن الفقه يتقدّم خطوات على التفسير في النموّ والإبداع والتوسّع، وهذا الإنجاز الذي شهده إنّما هو لتفضيله الاتجاه الموضوعي على التجزيئي، بمعنى أنّ البحث الفقهي اتجه اتجاهاً موضوعياً بينما اتجه التفسير اتجاهاً تجزيئياً.
جاء في كلام الشهيد الصدر: إنّ الفقه هو ـ بمعنى من المعاني ـ تفسيرٌ للأحاديث الواردة عن النبي والأئمة، ونحن نعرف من البحث الفقهي، أنّ هناك كتباً فقهية شرحت الأحاديث حديثاً حديثاً؛ فتناولت كلّ حديث وشرحته، وتكلّمت عنه دلالة وسنداً ومتناً، غير أنّ القسم الأعظم من الكتب الفقهية والدراسات العلمية في هذا المجال لم يتجه هذا الاتجاه، بل صنّفت البحث إلى مسائل وفقاً لوقائع الحياة، وجعلت في إطار كل مسألةٍ الأحاديثَ التي تتصل بها، وفسّرتها بالقدر الذي يلقي ضوءاً على تلك المسائل، ويؤدّي إلى تحديد موقفٍ للإسلام في تلك الواقعة[24].
ثم مثّل الصدر لذلك بكتاب جواهر الكلام للمحقق النجفي، لأنه شرحٌ كامل لروايات الكتب الأربعة، لكنّه ليس شرحاً لها روايةً رواية، بل إنّه يصنّف رواياتها وفقاً لموضوعات الحياة، ككتاب البيع والجعالة والنكاح وغيرها، ثم يجمع تحت كلّ عنوان من العناوين، الروايات التي تتصل بذلك الموضوع ويشرحها ويقارن فيما بينها فيخرج بنظرية أساسية، ذلك أنّه لا يمكن ـ مع الحالة الفردية ـ الوصول إلى الحكم الشرعي، وإنما يكون عن طريق دراسة مجموعة من الروايات التي تحمل مسؤولية توضيح حكم واحد أو باب واحد، وهذا هو الاتجاه الموضوعي في شرح الأحاديث، والذي ساعد ـ بدرجة كبيرة ـ على تطوير الفكر الفقهي والإبداع والتوسّع في نطاق حركة الاجتهاد؛ إذاً فهذه التجربة تحكم علينا بضرورة الاهتمام بالاتجاه التوحيدي والموضوعي في التفسير أيضاً.
وقد اختار الصدر ـ في ضوء هذه الفكرة ـ بعض الموضوعات للبحث في تفسيرها الموضوعي، مثل السنن التاريخية في القرآن الكريم، وعناصر المجتمع في القرآن الكريم.
وجوه أفضلية التفسير الموضوعي تحت مجهر التقويم ـــــــ
بعد الإذعان بأنّ تحديد النظريات الأساسية للقرآن ضرورة من الضرورات غير قابلة للإنكار، لكنّ ذلك غير منحصر بزماننا، كما لا ينحصر بالاتجاه الموضوعي:
أ ـ أما قضية طول الشوط وعدم الاستطاعة على إكماله، فهي وإن كانت أمراً مسلماً في بعض الأحيان، لكنها لا توجب ـ على الحتم ـ إيثار الاتجاه الموضوعي على التجزيئي؛ إذ لو اختار المفسّر سورةً من سور القرآن التي ركّزت على موضوع واحد ـ مع ما فيها من المعارف العديدة الأخرى ـ كسورة لقمان أو الحجرات أو الطلاق أو غيرها ـ ثم استعان في تفسيرها بآيات أخرى، لأمكنه إكمال عدد من المواضيع المهمّة، وبهذا يجمع بين الاتجاهين في التفسير.
ب ـ أما الاستدلال بكلام علي×، فمحلّ نظر؛ إذ تعبير الاستنطاق يشمل كلا الاتجاهين في تفسير القرآن، فلو كان هذا التعبير دالاً على التفسير الموضوعي فقط، ولا علاقة له بالتفسير التجزيئي، لانحصر تفسير القرآن بالتفسير الموضوعي لا محالة، فلا يكون معنى للتفسير التجزيئي رأساً، ولا معنى لكون القرآن متحدّثاً، والمفسّر التجزيئي مستمعاً ومسجِّلاً، كما لا معنى لكون القرآن معطياً والمفسّر آخذاً؛ إذ تعبيره الآخر: (لن ينطق)، ينفي قول الصدر في الدور السلبي للتفسير التجزيئي والدور الإيجابي للقرآن[25]؛ لأن إصغاء المفسّر واستماعه إنما هو فيما إذا كان القرآن ناطقاً ومتحدثاً، والقرآن لن ينطق!
كما أنّ علياً فيما أخبر به عن القرآن لم يصل إليه بالتفسير الموضوعي، ولا أنّ ما فسّره من القرآن ينحصر به؛ فالقرآن ـ إذاً ـ ناطق، لأنه ينطق بعضه بعضاً[26]، وبما أنه لن ينطق مستنطق، فالنطق والاستنطاق مرحلتان لفهم القرآن، وهما يجريان في كلا اتجاهي التفسير.
ج ـ أما التجربة الحاصلة من توحيدية الفقه وموضوعيّته، فهي قيّمة، لكنّ الفرق بين الفقه والقرآن واضح؛ إذ الأحاديث لا تكوّن أمراً واحداً مدوّناً من قبل النبي’ والأئمة، وليست ذات اتصال واحد، لأنها صدرت في طيات الزمان وفق حاجة المسلمين وسؤالهم، خلافاً للقرآن؛ إذ ـ مع نزوله في أكثر من عشرين سنة ـ يشكّل أمراً واحداً منسجماً ذا أجزاء متصلة، لا سيما إذا قلنا بأنّ تدوينه كان في عهد النبي؛ ولذا لا يجوز تغيير ترتيب القرآن، لا من حيث ترتيب الآيات، ولا من حيث ترتيب سوره، مع أنّ تغيير تدوين الأحاديث، بل وتغيير حجمها أمر ممكن، وبعبارة أخرى: قياس القرآن على الأحاديث في غير محلّه.
والمراد بالأفضلية هنا تقديم أحدهما على الآخر إذا لم يسع الوقت لتفسير القرآن كلّه أو تبيين المواضيع كلّها، فيدور أمر المفسّر بين تفسير قطعات من القرآن، وشرح موضوع من موضوعاته، وعلى ما قاله الشهيد الصدر، يكون التفسير الموضوعي التوحيدي هو الأفضل، أمّا على ما قلناه، فلعلّ تفسير قطعات القرآن أو على ما هو عليه الآن من بداية القرآن إلى نهايته أفضل، ويؤيّده سيرة النبي والأئمة في تفسير القرآن، إلا أن نشاهد فيها طريقةً أخرى.
الشروط اللازمة للتفسير الموضوعي
يجب على المفسّر التوحيدي الموضوعي مراعاة عدّة أمور لم يتعرّض الشهيد الصدر لها، إلا أنّ بعض كلامه يُشعر ببعضها، ونحن نشير إلى ما قاله أولاً، ثم نتمّ البحث ببيان سائر الشروط.
قال الشهيد الصدر ـ بعد ردّ فكرة طرح التفسير التجزيئي ـ : إنّ التفسير الموضوعي ليس إلا خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى التفسير التجزيئي، ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي باتجاه الموضوعي، إذاً فالمسألة هنا ليست مسألة استبدال، وإنما هي مسألة ضمّ الاتجاه الموضوعي في التفسير إلى الاتجاه التجزيئي في التفسير، يعني افتراض خطوتين: خطوة هي التفسير التجزيئي، وخطوة أخرى هي التفسير الموضوعي[27].
وما قاله الصدر مشعرٌ بأنّ الخطوة الثانية في التفسير، أعني الاتجاه الموضوعي، إنما تقع بعد الخطوة الأولى، أعني الاتجاه التجزيئي، بحيث لا يمكن الوصول إلى الخطوة الثانية إلا بعد الأولى؛ إذاً فالأولى كالشرط للثانية، وبعبارة أخرى: يجب على المفسّر الموضوعي ـ قبل وروده البحث التفسيري ـ أن يطالع القرآن كلّه تفسيراً تجزيئياً، فيطّلع على المواضيع والمواقف إجمالاً، ثم يدخل في بحثه الموضوعي تفصيلاً.
أما الشروط الأخرى:
1 ـ ملاحظة الآيات الدالّة على الموضوع، سواء كانت صريحةً فيه أم لم تكن، وعليه لا يكفي لاستقصاء الآيات، أمثال المعاجم والكمبيوتر، بل يحتاج المفسّر إلى هيمنة كاملة على الآيات، وإن كان يمكن الاستعانة بالتفاسير التي جاءت وفقاً للمنهج القرآني، أعني تفسير القرآن بالقرآن.
2 ـ البحث عن الآيات المستخرجة كلّها، آيةً فآية.
3 ـ البحث عن الآيات المنتخبة مع القرائن المتصلة والمنفصلة.
4 ـ استنطاق القرآن ومحاورته، وأخذ الأجوبة منه.
5 ـ تركيب المباحث وتبويبها بشكل جامع، أو توحيد المدلولات القرآنية.
6 ـ استنتاج النظرية من القرآن وعرضها للآخرين.
هذا إذا أراد الوقوف على نظرية قرآنية، أما إذا أراد الوقوف على موقف الإسلام، فيجب عليه ـ أيضاً ـ البحث في الأحاديث الواردة التي تتصل بالموضوع، ثم يوحّد بين الموقف القرآني والموقف الروائي؛ حتى يستخرج المفهوم الإسلامي.
خاتمة واستخلاص
عرّف الشهيد الصدر في مباحثه القرآنية، التفسيرين: الترتيبي والموضوعي، تعريفاً بديعاً، مطلقاً على الأول اسم التفسير التجزيئي؛ إذ هو تفسير قطعات القرآن تدريجياً، وعلى الثاني اسم التفسير التوحيدي، نظراً لتوحيده بين الآيات، ثم أخذ ببيان خصائص كلّ من الاتجاهين وأوجه اختلافهما، من اختلافهما في الهدف، وتفاوت مدلولاتهما، وقدرة أحدهما ـ وهو التفسير الموضوعي ـ على إبراز الموقف القرآني وعجز الآخر عنه، وفي ضوء تلك الخصائص آثر الصدر الاتجاه الموضوعي على قسيمه الآخر، واستدلّ لإيثاره بمبرّرات عملية وعلمية وروائية وعينية، مختاراً ـ بعد ذلك ـ بعض الموضوعات لممارسة تفسير موضوعي فيها.
الشيخ محمّد فاكر الميبدي*
* باحث في الحوزة العلمية، ورئيس المركز التخصّصي للتفسير وعلوم القرآن.
[1] صحاح اللغة للجوهري وأساس البلاغة للزمخشري.
[2] على ما نقلته هدى جاسم في كتابها: المنهج الأثري في تفسير القرآن الكريم: 23.
[3] لا يخفى أنّ المنهج الاجتهادي، يشمل من جهة، تفسير القرآن بالقرآن؛ إذ المفسر قد يجتهد في تفسير القرآن ويردف الآيات العديدة، ثم يقول: هذه الآية أو الآيات تفسيرٌ لتلك، ومن جهة أخرى يشمل التفسير العقلي المحض الذي يركّز في تفسير القرآن على العقليات فقط.
[4] التفسير الترتيبي إما أن يكون على ترتيب المصحف، كأكثر التفاسير الموجودة، أو على ترتيب النزول، كما فعل عبد القادر ملاحويش في تفسيره المسمّى بيان المعاني على حسب ترتيب النـزول.
[5] أشار إلى النوعين الأخيرين، الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الموضوعي المسمّى (بيام قرآن)، وعنى بالأول تفسير الآيات في الموضوعات المختلفة المتصلة المتسلسلة، فيما أراد بالثاني تفسير كتاب التدوين إلى جانب كتاب التكوين، فانظر: بيام قرآن 1: 19.
[6] محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية: 8.
[7] محمد باقر الحكيم، علوم القرآن: 69.
[8] المدرسة القرآنية: 9.
[10] المصدر نفسه: 22.
[12] المصدر نفسه: 29.
[13] المصدر نفسه: 11.
[14] المصدر نفسه.
[16] المصدر نفسه: 12.
[18] المصدر نفسه: 21.
[20] المصدر نفسه: 37، 33.
[22] نهج البلاغة، الخطبة: 158.
[24] المصدر نفسه: 15.
[26] نهج البلاغة، الخطبة: 133.