الرد الكريم على السيد محمد باقر الحكيم

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

لم اكن ارغب ان اكتب رداً على ما كتبه اخونا سماحة السيد محمد باقر الحكيم في مجلة المنهاج الصادرة في ربيع عام/2000، لأنني اعتقد ان جهودنا لابد ان تصب دائماً في مصلحة المعارضة العراقية، بل في مصلحة شعبنا العراقي الممتحن في ظل مجرمي العراق الذين أدخلوا البؤس في كل بيت قتلاً وحبساً وتعذيباً وهتكاً للأعراض ومصادرة للأموال وحرباً للاسلام واخلاق الناس، بشكل لم يحدثنا التاريخ بمثله·

ولكن كثيراً من الأخوة كانوا يلحون علي في تبيان الحقيقة فيما كتبه الحكيم، وبقيت متردداً عدة اشهر·

فعلاقتي بالسيد محمد باقر الحكيم علاقة قديمة، ليست وليدة الهجرة الى ايران، ولا وليدة المعارضة، وانما ترقى الى علاقة الآباء والأجداد والأسرة والمصاهرة.

والنجف يوم كانت محاطة بسور، كانت قرية صغيرة تتشابك فيها العوائل والبيوتات.

ولعلي اتذكر من تلك العلاقات ما لا يتذكرها هو لكبر سني واندكاكي في جو النجف والحوزة وجو منتدى النشر قبل نشوئه هو.

و(البرانيات) كانت هي الأخرى تشدّ الاواصر وتمتن العلائق، فوالدي ووالده السيد محسن الحكيم رحمهما الله تعالى ذهبا كلاهما مع السيد محمد سيعد الحبوبي الى الجهاد عام 1914، وكانا زميلين لدى الميرزا حسين  النائيني.

ولقد كان والدي رحمه الله مع تسعة آخرين ضمن مجموعة يطلق عليها (الصفوة) التي كانت تمثل في ذلك الوقت خيرة العلماء في النجف ،والذين كانوا:

1ـ السيد ابراهيم شبر(والدي).

2ـ السيد علي بحر العلوم.

3ـ السيد موسى الجصاني.

4ـ الشيخ كاظم علي بيج.

5ـ الشيخ محمد جواد الحچامي.

6ـ الشيخ محمد حسين المظفر.

7ـ الشيخ محمد حسين الجواهري.

8ـ الشيخ حسين الحلي.

9ـ الشيخ عبد الحسين الحلي.

10ـ الحاج عبد الأمير القاموسي (وهو الوحيد الذي لم يكن من الحوزة العلمية).

وهذه (الصفوة) وان لم يكن فيها شخص من آل الحكيم الا ان نصف اعضائها كانت تربطهم مع الامام الحكيم صداقة اكيدة (شبر وبحر العلوم وعلي بيج والشيخ حسين الحلي والقاموسي).

وقد كان لهؤلاء (الصفوة) اثر كبير في مرجعية السيد الحكيم رحمه الله.

وتوارث الأبناء صداقة الآباء، فأخي السيد محمد وكيل الامام الحكيم وصديق حميم للسيد يوسف رحمهما الله وكذلك مع السيد محمد علي حفظه الله.

وانا والمرحوم السيد مهدي كنا في الأربعينات والخمسينات لا نكاد نفترق وكنا نفكر باساليب العمل وهموم الاسلام قبل نشوء حزب الدعوة.

وعلاقتي التي كانت معه الى يوم استتشهاده رحمه الله، كان أساسها تلك الايام، وإن كنا نختلف احياناً في الأيام الاخيرة.

اضافة الى ان الامام الحكيم رحمه الله كان يثق بي عندما أطرح عليه اموراً تخص الصالح العام والمرجعية.

اتذكر اني في حدود عام 1967 ذهبت الى السيد الحكيم رحمه الله وحدثته عن التخلف المذهبي في منطقة كركوك من العراق، وان بعض العشائر ليس فيها مصلٍ واحد، وان مسؤوليته ان يرسل لهم من يعلمهم امور دينهم.

ثم تطرقت بالحديث عن العلويين في تركيا والذين كانوا في الأصل من الشيعة ولكنهم وبسبب الترك والاغفال انحرفوا في عقائدهم. قال السيد رحمه الله: اذا اردت الواقع، فإن الشخص  الجيد لا يذهب من النجف الى الخارج وغير الجيد لا يفيد، وعلى رغم هذه العلاقة وقوة الصداقة، فان الأمانة في النقل والمسؤولية  الشرعية دفعتني لكتابة الحقيقة وتصحيح المواقف والمشاهد، فلربما كنت الشخص الوحيد ممن بقي من الذين عاصروا ظروف التأسيس والقادرين على الحديث والكتابة ضمن الظروف الامنية والسياسية المحيطة بهم.

فلقد ذكر في الصحيفة 227، في معرض حديثه عن الشهيد الصدر انه أسهم في تأسيس(حزب الدعوة الإسلامية) في اواخر صيف 1378هـ/1958م، ثم خروجه من الحزب في صيف عام 1380هـ/1960م.

وفي البداية اريد ان اقول شيئاً، هو أنني وإن لم اكن حاضراً في الجلسة التي تم فيها اداء القسم ، ولكنني كنت واحداً منهم ، وربما كانت منتعتني بعض الاعمال او السفر عن الحضور، نعم الشخص الوحيد الذي كان حاضراً ولم تكن لي به معرفة سابقة هو المرحوم الحاج صالح الاديب.

اما الآخرون فقد كانت لي مع بعضهم علاقة عمل اسلامي بل وحزبي.

فأنا وابو عصام وصادق القاموسي، كانت تجمعنا آصرة منتدى النشر منذ عام 1943، ثم شكلنا ثلاثتنا الحزب الجعفري عام 1952 الذي لم يدم اكثر من سنة عندما تحرك الظلاميون ونعتونا بشتى النعوت مما دعانا الى الغاء ذلك لننتقل الى اسلوب آخر.

ثم ان بداية معرفتي بالمرحوم السيد مهدي والعمل الموحد الذي كان بيننا بشأن الأمة والاسلام انما كانت في خلال تلك السنين، كما كانت لي لقاءات اخرى مع السيد طالب الرفاعي والسيد فضل وشمس الدين، كلها تنحو نفس المنحى.

ولذلك فلقد كنت من أوائل من تحمل هم الاسلام وهم حزب الدعوة الاسلامية في تلك الأيام.

والمرحوم السيد مهدي كان يتذكر تلك العلاقة ويجيب من يسأله عني، فيقول (سيد حسن شبر) من الاوائل[1].

ولقد وهبني الله سبحانه وتعالى ذاكرة جيدة تعود الى اواسط الثلاثينات والى يومنا هذا، وكأن تلك الأحداث تعرض امامي الآن.

وأيام التأسيس وما سبقها وما لحقها هي من الامور التي اتذكرها جيداً.

ولقد كانت لنا بعد ذلك (انا والمرحوم الحاج صالح الاديب) جلسات متعددة لتحديد ايام التأسيس، فكنا نقارن بعض الأحداث ببعضها الآخر، وان هذه القضية قبل تلك ، وبعد تلك ، توصلنا عندها الى ان الاجتماع كان في شهر ربيع الاول من عام 1377هـ وعام 1957م ويؤكد ذلك المرحوم السيد مهدي الحكيم اذ يقول ان التأسيس كان قبيل 17 تموز/ 1957 او بعيده[2].

وشيء آخر هو ان الاجتماع الذي تم فيه أداء القسم لم يكن هو الاجتماع الاول في التأسيس، فقد سبقته اجتماعات اخرى، بين عضوين او ثلاثة منهم، وقد كنت انا أحضر تلك الاجتماعات التي كانت تنعقد احياناً في بيتي او في بيت القاموسي في اكثر الاحيان.

علماً بأن اجتماع كربلاء كان فيه من يتعرف بعضهم على البعض الآخر لأول مرة.

ثم كان الاجتماع الذي تم فيه اداء القسم، ولا استطيع ان أسميه (الاجتماع التأسيسي) فالتأسيس سبق جلسة كربلاء بزمن ليس بالقصير.

نعم ان اطلاق اسم (حزب الدعوة) على تلك الاجتماعات جاء متأخراً، ربما كان في عام 1958.

ولعل ذلك هو الذي اثار الشبهة لدى الحكيم في تأريخ التأسيس.

الشبهة التي اثارها الحكيم

ليست شبهة في اصل العمل وفي ص 531 وما بعدها، ومن خلال السطور، يحاول الحكيم جاهداً وبكل اسلوب ان يثير شبهة لدى الشهيد الصدر وأنها دعته الى  ان يترك الحزب.

والحكيم يعلم تماماً أن آية الشورى انما تأتي في شكل الحكم، هل هو بناء على آية الشورى ام ولاية الفقيه أو شيء آخر؟ وليس في اصل تأسيس الحزب الذي هو امر بالمعروف ونهي عن المنكر.

حتى اذا كان الحزب يهدف الى تشكيل حكومة، فان مقدمة ذلك لابد ان تتم عن طريق تغيير الأمة بمفهومنا الاسلامي تطبيقاً لقوله تعالى «ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فالأمة التي تسيطر عليها الأوهام والجاهلية والافكار المنحرفة لا يمكن لها ان تتطلع الى الحكم الاسلامي.

والأمة العراقية بالذات، فان الحكيم ربما يتذكر كيف كان يتصرف بشؤونها المنحرفون عن الاسلام واعدؤه، فكيف تكون نظرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (لا تزال تشكل نقطة ضعف مهمة في هذه النظرية) حسب ادعاء الحكيم.

والأنكى من ذلك عندما يقول (ان التأريخ الذي يعرضه القرآن الكريم عن سيرة الانبياء واعمالهم لا توجد فيه أي اشارة الى منهج مثل المنهج الحزبي).

وهو أمر في غاية الغرابة عندما يشترط لمشروعية أي شيء أن يكون مثيله في عمل الأنبياء.

مع ان الحكيم نفسه يذكر في الصفحتين 229ـ230، «أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الاسلام والدين من أهم الواجبات الاسلامية، ولما لم تكن هناك طريقة محددة وإطار سياسي عام مشخص لهذه الدعوة، كان ممكناً انتهاج كل اسلوب مؤثر في هذا المجال يعطي للمسلمين القوة والقدرة على تحقيق هذا الهدف او القيام بهذا الواجب الاسلامي.

وحينئذٍ يمكن طرح اسلوب (التنظيم الحزبي) بوصفه افضل طريقة تجريبية توصل اليها الانسان في التحرك السياسي حيث انها الطريقة المتبعة والمعروفة الآن في المجتمعات الانسانية (الحضارة الغربية والشرقية) والتي اثبتت جدواها وتأثيرها من خلال التجربة.

كما ان هذه الطريقة هي التي يمكن ان تواجه هذا الاسلوب الجذاب في المجتمع الانساني الذي اعتمدته الايديولوجيات والنظريات الحديثة الوضعية».

كان هذا حديثاً للحكيم ولكنه يعلق عليه في الهامش السابع بأنه (مقالة منشورة في ادبيات حزب الدعوة الاسلامية منسوبة الى الشهيد الصدر ، يشير فيها الى هذه الفكر، على انه اعتمدنا بالأصل على ما يذكره (قده) في احاديثه حول هذا الموضوع). ولعل الحكيم يشير الى ما جاء في نشرة«حول الاسم والشكل التنظيمي» الذي جاء فيها: ان الرسول(ص) لو كان في عصرنا لاستعمل بمقتضى حكمته الاساليب الاعلامية والتبليغية المعاصرة والملائمة، والحق ان اسلوبه صلى الله عليه وآله في الدعوة، ما كان عن التنظيم الحلقي ببعيد.

واما مشروعيته، فلأن اسلوب الدعوة الى الاسلام انما هو الطريق التي يمكن بواسطتها ايصال الاسلام الى اكثر عدد من الناس وتربيتهم بثقافة الاسلام تربية مركزة تدفعهم للقيام بما فرض الله عليهم، وحيث جاز لنا شرعاً انتهاج اية طريقة نافعة في نشر مفاهيم الاسلام واحكامه وتغيير المجتمع ما دامت طريقة ل اتتضمن محرماً من المحرمات الشرعية.

فأية حرمة شرعية في ان تتشكل الأمة الداعية الى الخير والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر في هيئة وجهاز وتكون كياناً موحداً وفعالية منتجة في الدعوة الى الله عز وجل.

ان تجميع الجهود من اجل الاسلام وتنسيقها بحكمة واختيار الطريقة الأفضل لتنظيم ذلك ليس مجرد أمر جائز في عصرنا وحسب بل هو واجب ما دام تغيير المجتمع وتعبيده لله ومجابهة الكفر المنظم متوقفاً عليه.

ويأسفني كثيراً ان نتكلم الآن ونحن في عام 2000 بضرورة العمل الحزبي الاسلامي.

فالكلام في هذا الموضوع كان يجري قبل نصف قرن عندما كنا نتعرض للسخرية والاستهزاء والغمز واللمز والاتهام بمالم ينزل الله.

والحكيم يعلم تمام العلم ان العراق بلد حزبي عاش حزبياً ولا يزال حزبياً، ويعلم ان الطعن في مشروعية حزب الدعوة الاسلامية ماذا سوف يحدث في العراق؟

ومن الطريف ما يذكره احد تلامذة السيد الشهيد حين يقول:«ان السيد الشهيد نقل لي ان احد الاشخاص قال لاستاذي الخوئي ان السيد محمد باقر الصدر اسس حزباً اسلامياً فأجابه السيد الخوئي: لو أسس السيد محمد باقر الصدر حزباً فاني اول من اسجل اسمي فيه»[3].

ولنستمع الى رأي الامام الحكيم رحمه الله في ذلك:

بسم الله الرحمن الرحيم. ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة . والدعوة الى الاسلام ليس لها طريقة خاصة، فكلما يراه المبلغ أجدى وانفع يلزمه العمل به[4] .

ولا بأس ان نقتبس من الشيخ محمد رضا النعماني يسيراً، اذ يقول:«…وحتى تأسيس حزب الدعوة الاسلامية الذي جعله البعض حربة لطعنه او تشويه سمعته بين ابناء الامة، ما كان إلا من اجل حماية كيان الاسلام والامة الاسلامية.

ومن الغريب ان البعض كان يسمح لأبنائه بالانتماء الى حزب البعث الصليبي [5] ويحارب السيد الشهيد  لتأسيسه حزب الدعوة الاسلامية ، كان البعض ينتقد العلماء اثناء فترة الاحتلال الانجليزي للعراق فيقول: انهم حرموا على ابنائنا دخول المدارس الانجليزية في العراق ولم يفتحوا لهم مدارس اسلامية واليوم اسس لهم العلماء حزباً اسلامياً ليحصنهم من الانتماء الى حزب البعث او الحزب الشيوعي ومن الإلحاد عموماً فاذا بهم كالبنيان المرصوص ضده، ولو أنهم وقفوا عند حدود معقولة وناقشوا الامر بروح موضوعية وتعقلوا مدى صحة هذا الاسلوب او ذاك لكان امراً سائغاً ومنطقياً، اما ان يعتبروا ذلك انحرافاً ويجعلوه حربة يحملونها بيد وتحملها السلطة باليد الأخرى فتسفك بها الدماء وتهتك بها الأعراض وتستحل بها الحرمات فهو امر بمكان من الخطورة جعل قلب الشهيد يتفجر دماً وروحه حزناً والماً»[6].

والحكيم يعرف جيداً كم هو تأثير حزب الدعوة الاسلامية في العراق. كيف كان العراق قبل جيل الدعوة وكيف اصبح؟

واعيد أسفي الكبير ان نتكلم الآن واننا في اوج المعارضة وان نعود لذكر ضرورة الحزب وفاعليته في العراق بالذات.

وكما قيل (ان الفضل ما شهدت به الأعداء) فلنقرأ ما ذكره التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع لحزب البعث في العراق الذي جاء فيه:

«…لذلك بقيت في المجتمع الثوري نسبة معينة ولو كانت قلة من المواطنين ومن الشباب بوجه خاص خارج المسيرة الثورية فلم يعيشوا سخونة هذه المسيرة ولم يتأثروا بها بصورة مباشرة فوقفوا منها موقفاً سلبياً، وقد ركزت الاحزاب الدينية السياسية وبخاصة حزب الدعوة على هذه الفئة واصطادتها في فخاخها ووعدت الشباب منهم بالمعارك الساخنة والتحديات الملحمية. ولابد ان نشير الى ان اخطاءً قد ارتكبت في اساليب تنظيم الشباب والطلبة مما دفع قسماً من هؤلاء الى الوقوع في شرك حزب الدعوة والحركات الدينية السياسية الاخرى.. وعلينا ان نلاحظ ان نسبة من الشباب الطموح اذا لم يتمكن الحزب من استقطابها وتلبية مطامحها في اطار منزوع يمكن ان تبحث عن طموحات غير مشروعية ومنحرفة في اوساط القوى المعادية»[7].

ولقد أجاد السيد علي المؤمن حين قال: اما حزب الدعوة الاسلامية فانه برغم الاوضاع الصعبة السائدة في العهد القاسمي، فقد ساهم في تعبئة  الجماهير المؤمنة ضد المد الماركسي والتيارات الفكرية والسياسية الاخرى، وبذل جهداً كبيراً من اجل نشر الفكر الاسلامي وتحصين الامة بالثقافة العقائدية الدينية من خلال مختلف النشاطات كاصدار الكتب والمجلات واقامة الاحتفالات والندوات والدروس وغيرها من مظاهر التوعية الاسلامية، وذلك من خلال الواجهات الدينية المتعددة، التي توحي بانها تعمل بشكل مستقل وفردي. كما عمل الدعاة في اطار برامج الحوزة والمرجعية الدينية وساندوهما بمختلف الوسائل، فحين طرحت حكومة قاسم قانون الاحوال الشخصية ـ والقرارات الاخرى المنافية للشريعة الاسلامية، بادر الدعاة للمساهمة في استنفار الجماهير لمؤازرة المرجعية وطالبوا بتطبيق القانون الاسلامي بدلاً عن القانون المعلن»[8].

اما جريدة لواء الصدر وهي جريدة السيد الحكيم وحاملة افكاره ومنهجه ففي عام 1403هـ كانت تقول:

«وعاشت الجامعات العراقية افضل ايامها الاسلامية خلال السنوات العشر الاخيرة، فقد توسعت دائرة النشاط الاسلامي بجهود الصفوة المثقفة من الدعاة الى الله ونشطت ظاهرة الاستقطاب الشعبي الذي قادته الطليعة الرسالية المؤمنة بطريق ذات الشوكة والتفت حولها الجماهير باعتبارها القوة الاكثر تأثيراً وفاعلية على تحريك الساحة العراقية في الوسط الجامعي.. فصارت الجامعة مركزاً لانطلاقة اسلامية متصاعدة، وكان النشاط واضحاً جداً في جامعات بغداد والبصرة والموصل والسليمانية، مما اثار ثائرة السلطة الباغية واشعرها بأن هناك موجة اسلامية عارمة ستكتسح الساحة ان لم تواجه بقوة وعنف»[9].

وتأثير حزب الدعوة لم يقتصر على داخل العراق فقط، فان الصحوة الاسلامية التي نراها ونسمع بها اليوم في كثير من المناطق مدينة لحزب الدعوة الاسلامية الذي كان يحمل مشعل الشهيد الصدر.

فلنقرأ هذا الخبر:

يقول احد علماء فلسطين«إن فكره(أي فكر الشهيد الصدر) اشعل الثورة في  قلوبنا ونفوسنا وفجر الوعي في فكرنا وعقولنا في الوقت الذي كنا في جوع الى الفكر الاسلامي، بل ان بعض التنظيمات الاسلامية جعلت من كتبه منهاجاً لهم»[10].

ولعل خير من يصور الحالة التي سبقت حزب الدعوة الاسلامية والحالة التي تلت التأسيس هو آية الله العلامة السيد مرتضى العسكري الذي كان احد ركنين مهمين في تأسيس حزب الدعوة ، هو والشهيد الصدر، ويمتاز سيدنا العسكري عن غيره بأنه كان اكبر الاعضاء سناً واكثرهم تجربة، دقيقاً جداً في ملاحظاته ومتابعاته وتشخيص مواطن الخلل.

ولذلك نجد ان الشهيد الصدر عندما يتم الحديث معه في تشكيل الحزب يقول: اذا دخل السيد العسكري فانه معه، وعندما حان وقت اداء القسم، طلب الشهيد بإلحاح ان يكون السيد العسكري هو أول من يؤدي القسم، فكان السيد العسكري يقول: في تلك الحالة تصورت انني ارفع جبال العالم على رأسي، ثم حلف ومن بعده الشهيد الصدر ومن ثم السيد مهدي الحكيم[11].

فلنصغ اليه ماذا يقول:

«كان هناك انصراف عن التفكير في الحكم الاسلامي وهذا يعني انصرافاً عن التفكير في اجراء قسم كبير من الاحكام الاسلامية، القصاص، الديات..

كنا ندرس شرح اللمعة، والطلبة عندما بلغوا باب احياء الموات تركوا دراسة هذا الباب لأنه لا حاجة اليوم به، فلماذا نقرأه؟ هكذا كانت تتعطل الاحكام الاسلامية حكماً بعد حكم ونحن لا نحسُّ بذلك.

بعيد الحرب العالمية الثانية انتشرت الشيوعية في العراق وكذلك انتسبوا الى القومية الناصرية او البعثية.

ولم يكن أي صوت اسلامي ، كنت قد كتبت كتاباً سميته بـ(الأمراض الاجتماعية) قلت فيه ان هذا العملاق يعني المسلم خُدّر وهو يعيش في خدر لذيذ.

يقول الامام الصادق سلام الله عليه: ان الوجع نعمة ، سئل لماذا؟ قال: لأن المرض موجود فاذا لم يكن الانسان يحس بالوجع لا يداويه.

كان المرض موجوداً ولكن لا شعور ولا احساس ولا ادراك بوجود المرض.

الذي شاهدته انا بنفسي كان احد اولاد العلماء شيوعياً، التقى بي مساء يوم من ايام شهر رمضان، فأخذت اعاتبه وألومه وأنصحه: ماذا رأيت في الاسلام من نقص وقصور حتى تركت الاسلام وسجلت في الحزب الشيوعي؟

قال لي: انا مسلم وانا الآن صائم وانا اصلي وأعمل الاعمال التي بيني وبين الله ولكن البشر بحاجة الى حكومة، والاسلام ليس فيه حكومة ، وانا بين اثنين اما ان اقبل الحكم الشيوعي او الحكم الديمقراطي الرأسمالي، وانا ارى ان الحكم الشيوعي افضل.

بعد تأسيس الحركة الاسلامية (الدعوة) ذهبت الى مسجد الكوفة انا والشهيد الصدر ولا اذكر من كان معنا، وكان هناك (السيد…) معتكفاً وتحدثت مع الشهيد الصدر في مفاتحته بالحكومة الاسلامية ، فقال لي الشهيد الصدر: ل ايمكن ان يفاتح هذا الانسان بالحكومة الاسلامية.

قلت: انا افاتحه.

قال: لا تستطيع،

ذهبت اليه وقرأت له هذه الآية (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض..).

قال: هذه تفسيرها هو قيام الحجة.

فأخذت اناقشه وانه ألا يمكن ان يكون هذا الشيء يقام بجماعة من المسلمين يعملون في سبيل الله ويرثون الارض؟

قال: نعم يمكن.

قلت له: اذن يمكن ان نقيم حكماً اسلامياً بمفاد هذه الآية.

قال:نعم.

فالأمر كان الى هذا الحد، لا نستطيع ان نفاتح الناس بهذا الشيء، هذا ما أدركته بنفسي، رأيت الوضع هكذا ، اكثر ما كان المتدينون يطلبون من الحكومة ان تعمر العتبة المقدسة كربلاء المنارة مثلاً، او الاضاءة. واما العامة فاذا سمح لهم بأن يخرجوا موكب القامات، فالمتصرف متصرف جيد.

وتأسست الحركة (حزب الدعوة)، اذا شاء الله امراً هيأ أسبابه، هذه ليس من الحركة ولكن بتوفيق من الله سبحانه.

قبل هذه الحركة رأيت في الكاظمية مسجداً تسكنه الحيوانات السائبة. والمساجد لا يحضرها الا الشيبة وليس كل الشيبة.

لقد كان الجو ملائماً للحركة (للدعوة) كان العدد قليلاً، اولئك الذين يقررون شيئاً واحداً، فينطلق العراق كله بهذا الصدد.

اذكر مرة ان احد الاخوان من خارج القيادة ، اقترح على القيادة ان نقرأ في القنوت (اللهم انا نرغب…) فأصغيت في بعض العتبات، رأيت جماعة من الناس يقرأون هذا، ولم يكن هؤلاء من الحركة ، فلما كانت الحركة تتبناه كان المؤمنون المسلمون في كل مكان يتبنون، حتى بلغ الى حد ان المجتمع يفكر في الحكم الاسلامي بشكل وبآخر ويعتبر شيئاً مستساغاً.

على كلٍ تغير الواقع واصبحت المجالس الحسينية، من كان منظماً الى الحركة او غير منظم يتكلمون عن الاحكام الاسلامية وتنفيذها وانتشر الفكر الاسلامي بحيث اصبح شيئاً مستساغاً»[12].

ثم ماذا حدث في العراق بعدما كانت الأمة غافلة سادرة لا تجد من يوقظها من رقدتها ويبعث فيها امل الحياة في الاسلام، حتى قيض لهم الله الفئة المؤمنة من الدعاة الذين بعثوا فيهم الحياة من جديد.

واكرر أسفي لما آلت اليه حالتنا، بعد 44 سنة من العمل الحزبي التغييري في العراق والذي كان الحكيم شاهداً عليه، نراه يضطرنا الى ان نعيد الى الاذهان ما عمله حزب الدعوة الاسلامية. وتلك هي مأساة المعارضة، بل هي مأساة التناقض في المعارضة.

ثم نعود الى الحكيم في الصفحة233، اذ يتحدث عن والده الامام الحكيم رحمه الله في نظرته الى حزب الدعوة الاسلامية، فيقول: «…وإن كان يؤيد العمل الحزبي المنظم باعتباره مؤسسة ومفردة اسلامية يمكن ان يكون لها درو محدد في خدمة الاسلام، وكان يتعامل مع هذه المفردة(بتحفظ تام)».

وتعليقاً على هذا الكلام، اننا لم نر ولم نسمع ولم نقرأ مثل هذا الكلام، وعندما اقول اننا، فانما اقصد( نحن واخونا الحكيم) فانه لو رجع بذاكرته الى تلك الايام  وتجرد في نظرته اليها لوجد ان  هذا الكلام لا نصيب له من الصحة ، وهو في نفس الوقت تجنٍ على والده المرحوم.

فمتى كان المرحوم يتعامل بتحفظ مع حزب الدعوة ويتحفظ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

والنقطة الوحيدة التي من الممكن ان يستند اليها الحكيم هي ان الامام الحكيم عليه الرحمة والراضون ، طلب من الشهيد الصدر ومن نجله السيد مهدي ان ينسحبا من الحزب لئلا يحسب ذلك على  مرجعيته ، فالمرجع والقائد يجب ان يظهر للجميع بانه مرجع وقائد للجميع وليس لمجموعة من الناس او لفئة منهم، وهي نظرة صحيحة وصائبة (وسوف نتعرض باسهاب في موقع آخر الى موضوع الانسحاب ان شاء الله). فالحكيم لا يجد ما يتمسك به الا هذه النقطة وهي فيها كلام كثير.

واما عن ادعائه بان والده المرحوم كان يتعامل مع الحزب بتحفظ، فان التعامل اليومي للسيد الامام الحكيم وتعامله مع الاحداث الكثيرة، كان واضحاً جداً انه تعامل بدون تحفظ، بل انه تبنى الدعاة لأنه لم يجد غيرهم من العاملين النشطين الذين غيروا الساحة تغييراً شاملاً.

والامام الحكيم، عاش مع احداث العراق منذ كان شاباً. وعاصر الحالة البائسة التي كان يمر بها العراق والتي كانت تتردى يوماً بعد يوم، ولم يتنبه بل ولم يعمل من اجل انقاذ العراق الا هذه الفئة المؤمنة (الدعاة) وقليل غيرهم.

ولذلك فاننا اذا التفتنا كما التفت الامام الحكيم فسوف نجد ان كثيراً من وكلاء السيد الحكيم رحمه الله كانوا من الدعاة، بل ان الدعاة كانوا من خيرة وكلائه ويكفي ان فيهم اشخاصاً كالسيد العسكري والشيخ عارف البصري وغيرهم كثير.

ولا يقال ان السيد الحكيم كان لا يعرف انتساب اولئك للدعوة فان ذلك تجنٍ على السيد الحكيم الذي كان يتمتاز يذهنية استثنائية.

بل ان السيد الحكيم كان يولي السيد العسكري عناية خاصة لافكاره ومشاريعه، كما كان يولي الشهيد ابا عصام عناية، الذي كان مندكاً اندكاكاً حقيقياً في مرجعية السيد الحكيم وهو الذي كان يخطب في جموع المصلين عام 1963 عندما كان الامام الحكيم يؤم الجماهير في صحن الكاظمية.

ولا نريد ان نتوسع في هذه النقطة ولا نخال اخانا الحكيم ينكرها.

ولقد كان الامام الحكيم رحمه الله يعلم علم اليقين بأن الدعاة هم الذين يديرون مكتبات(آية الله الحكيم العامة) التي انتشرت في العراق والتي كانت فكرة حزبية بحته، ابتكرها الدعاة وكان لها اثر كبير على الوضع العراقي ونشر الوعي الاسلامي.

والامام الحكيم لا ينسى العمل الفدائي الذي قام به الدعاة، ففي احدى زيارات الامام السيد محسن الحكيم الى كربلاء في اوائل عام 1959 حاول الشيوعيون قتله قرب صحن الامام الحسين(ع) بعد ان هتفوا ضده، وضربوا سيارته، وحاولوا اخراجه من السيارة عنوة، ولكن ابناء الحركة الاسلامية تمكنوا من انقاذه بصعوبة.

وجماعة العلماء ايضاً كان السيد المرحوم يعلم ان اللولب المتحرك في ذلك هو الشهيد الصدر وان الدعاة هم الذين نشروا منشوراتهم، واوصلوا صوتهم الى كان مكان ودافعوا عنهم، ولولاهم لما استطاعت الجماعة ان تؤدي شيئاً.

والاحتفالات الضخمة التي كانت تقام باسم جماعة العلماء في النجف بمناسبة ولادة الامام الحسين عليه السلام وفي كربلاء  بمناسبة ولادة الامام علي عليه السلام، فان الحكيم يعلم ايضاً كم كان دور الدعاة في ذلك من تأييد واسناد ومشاركة وحضور وفاعلية، وهل كان بامكان الجماعة ان تقيمها لو لم يكن اولئك الجنود المجهولون؟

ثم نذكّره بالاجتماع الذي دعا اليه والده المرحوم في صحن النجف الأشرف بتاريخ14/ 7/64 لاستنكار الاشتراكية التي دعا اليها عبد السلام عارف من كتب البيان؟ ومن أنجح الاجتماع؟ ومن حشد تلك الحشود الضخمة؟

حتى ان كثيراً من الدعاة كانوا قد اعتقلوا نتيجة لتوزيعهم بيانات علماء بغداد والكاظمية استنكاراً للاشتراكية.

فهل يعقل ان يرى الامام الحكيم كل ذلك ثم ذلك يتعامل مع الدعاة بتحفظ ولسنا هنا نريد جواباً من اخينا وانما ننتظر ما يقوله القراء الكرام ونضيف الى ذلك مشروع زيارات طلبة الحوزة في النجف الى السيد الحكيم  عندما اعتزل في الكوفة بعد الهجمة الشرسة عام 1969 في اتهام نجله السيد مهدي بالجاسوسية.

والقصة مدونة لدينا بصورة مفصلة بشواهدها، ولا اتصور ان مجلة(المنهاج ) تتسع لها، ولكنني اجملها بان طلاب الحوزة من الدعاة الميامين استطاعوا في البداية ان يجمعوا حوالي خمسين طالباً من مختلف الجنسيات وذهبوا بالسيارات الى دار السيد الحكيم في الكوفة ولا شك ان هذا يعتبر تحدياً قوياً للسلطة التي ضربت حصاراً حول دار السيد.

وعند رجوعهم ووصولهم الى قرب المسجد تلاقفهم المجرمون ضرباً بالأيدي، والقوا القبض على الجميع واعتقلوهم في مركز الشرطة هناك حيث بقوا ليلتهم تلك ثم اطلق سراحهم في اليوم الثاني.

وازداد حماسة اولئك الطلاب من الدعاة وتضامن معهم عدد كبير يفوق العدد الاول وتوجهوا في اليوم الثاني لزيارة الامام في الكوفة ولكن السلطة علمت هذا اليوم بهذا التجمع في حين تفاجأت يوم امس، فقامت السلطة – عن طريق(نقابة السواق) بالامتناع عن نقل هذه الجموع.

ونختصر الحديث، تعرض اولئك الى الضرب بالايدي والعصي وقضبان الحديد من عملاء السلطة.

وتجمع الطلاب في اليوم الثالث بمسيرة على الاقدام، ولكن السيد محمد رضا فرج الله عنه ـ نجل السيد الحكيم اوصل اليهم خبراً بأن أباه يرفض ان يقوم الطلبة بعمل كهذا، وامتنع اولئك امتثالاً.

وفي هذه الحادثة بالذات، لا شك ان الامام الحكيم كان يعلم تمام العلم من كان صاحب الفكرة ومن الذي جمع طلاب الحوزة.

فهل من المعقول ان يتعامل مع هذه الفئة المؤمنة بتحفظ؟

ولقد تجسدت العلاقة العقائدية والميدانية بين حزب الدعوة الاسلامي وبين المرجعية الدينية، ليس في الواقع وحسب بل حتى في اذهان البعثيين انفسهم.

كان آية الله السيد محسن الحكيم يمثل حماية مرجعية للحركة الاسلامية والتي كانت متمثلة في الدعوة الاسلامية.

فقد دار حديث بين بعض البعثيين القياديين في بداية استيلائهم على الحكم وبين بعض الشخصيات حول المرجعية الدينية والحركة الاسلامية فكان المسؤول يؤكد: اننا نعرف وجود حركة اسلامية منظمة.. ولكننا لا نستطيع  ان نواجهها ونضربها الآن…

ولما سئل لماذا لا نستطيع مواجهتها الآن؟

قال: ما دام السيد الحكيم موجوداً، فليس بوسعنا مواجهتهم…

وكان يقول باللهجة الشعبية«خل يموت هذا وشوف شلون نعلّك كل واحد على عود من اعمدة الكهرباء في الشوارع».

ثم بدأوا بالهجوم على مرجعية السيد الحكيم وعملوا على اضعافها، تمهيداً لضرب الحركة الاسلامية، وخوفاً من رد الفعل الشعبي.

وحين رأى حزب الدعوة الاسلامية ان الموقف يتسم بالخطورة..

وان العفالقة ينوون شراً بالمرجعية ، اتجه وفد على مستوى قيادي من حزب الدعوة في9/6/1969 لزيارة السيد الحكيم وبحث معه الموقف. والقصة ندونها للتأريخ هكذا:

عندما جاء الامام الحكيم الى الكاظمية عام 1969 والتفت الجماهير حوله في الوفود والتجمعات والمواكب، بدأت السلطة تشعر بالخطر الجدي، فشنت حملة على المرجعية لاضعاف موقفها وتحجيم دورها، واخبرنا اخونا ابو حسن السبيتي حسب المعلومات التي وصلت اليه ان الحزب الحاكم ينوي شراً تجاه مرجعية الامام الحكيم بالذات من خلال نجله المرحوم السيد مهدي.

عندها اتجه وفد على مستوى قيادي من حزب الدعوة الاسلامية في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم9/6/1969 لزيارة السيد الحكيم في غرفته الخاصة بحضور نجله السيد مهدي، وبحث معه الموقف واعلن عن استعداد الحزب لتحمل مسؤولية المواجهة والوقوف بوجه السلطة كخط امامي لحركة المرجعية وان الحزب بامكانه ان يثير الشعب من الجنوب الى الوسط، العشائر والأهالي حتى اذا كان يقدم الحزب مائة شخص من كوادره بشرط موافقتكم على ذلك.

اما الامام الحكيم فبعد استماعه لتقرير الحزب، أجابهم بهذا النص «لا، لا اريد ذلك، ينبغي ان يكون حزبهم مكتوماً أي مخفياً».

وكان يشير بوضوح الى خوفه على الحركة من ان تكشف وتضرب. اما الوفد فقد كان مؤلفاً من (عبد الصاحب دخيل وابي حسن السبيتي والسيد داود العطار والسيد فخر الدين الموسوي الشوشتري والسيد حسن شبر) فكان هذا الموقف يعبر بجلاء ووضوح عن التفاعل الميداني والارتباط العضوي بين المرجعية الدينية وبين حزب الدعوة الاسلامية، كما ويعبر عن عناية المرجعية  بحزب الدعوةالاسلامية وخوفها عليه وحرصها الشديد على سلامته واستمرار حركته.

ولعل الامام الحكيم لو وافق على التحرك الذي اقترحه عليه حزب الدعوة الاسلامية لكانت الامور قد تغيرت، لأن حزب البعث في العراق لم يكن آنذاك بتلك القوة والناس لم يكن يتملكهم الخوف والارهاب والله اعلم.

وقد تنبه حزب الدعوة الاسلامية من بداية تأسيسه الى الخطة الاستعمارية الخبيثة الرامية الى فصل العلماء عن الامة وخصوصاً عن الطلائع الرسالية المثقفة وعزلهم عن مجال العمل السياسي، لذلك كرس حزب الدعوة جانباً كبيراً من نشاطه ومجال عمله لاحباط هذه الخطة الخبيثة..

فقد عمل حزب الدعوة الاسلامية على تأكيد التفاعل التام بين الحركة والعلماء العاملين.. وكان العلماء والطلبة العاملون في صفوفه يعملون على اتخاذ الوسائل والاساليب الضرورية لاذابة هذه الاثنينية ، وقد جسد هذا التفكير عملياً في عدة مجالات ، منها اسناده لمرجعية الفقيه الراحل السيد محسن الحكيم – اعلا الله مقامه- في الوسط الجماهيري ووقف معه ورفع اسمه كعنوان للمواجهة السياسية بوجه الحكام، وخصوصاً عام 1963، يوم واجه حزب البعث العفلقي الحاكم انذاك لتركيز قيادة المرجعية ودورها الرائد..

وتشهد مئآت الخطب والبيانات والاحتفالات والندوات الثقافية التي كان يقيمها الدعاة في انحاء مختلفة من العراق، وفي المناسبات الاسلامية الهامة، والتي لا يزال الكثير منها محفوظاً، مكتوباً او مسجلاً على شكل اشرطة او محفوظاً عن ظهر قلب، وينظم المسيرات والتظاهرات والوفود الى المرجعية لاسناد موقفها، وتحتفظ ذاكرة الشعب العراقي والعاملين في هذا المجال بالاحداث والاعمال.

كما تمتلئ ملفات دوائر الأمن العراقي بالتقارير والمعلومات التي قام بها الدعاة من تظاهرات ووفود ومواكب واحتفالات وتجمعات ونشاط وسط الرأي العام لتأييد ومساندة المرجعية الدينية..

كما وقف حزب الدعوة الاسلامية الى جانب المرجعية ايام الحكم العارفي بوجه خططه الاشتراكية وطائفيته المتحجرة، والروح العنصرية التي حاول هذا النظام بثها، فاعتقل عدد من الدعاة على اثر المواجهة وتوزيع المنشورات في محافظة البصرة ومناطق اخرى تندد بخططه وتوضح تعارضها مع المبادئ الاسلامية.

وتأكيداً على ايجاد تفاعل حي ومتماسك بين العلماء ووكلاء المراجع وبين جيل الشباب، وجهت الدعوة امراً الى دعاتها بالالتفاف حول العلماء وأئمة المساجد الواعين ووضع خطة لتحريك العلماء الذين لا يهمهم امر المشاركة في النشاط الاسلامي.

كل ذلك من اجل ايجاد حركة اسلامية تضم كل قادر على العمل والمساهمة.. فكان الدعاة في كل مسجد وحسينية وحول كل عالم يحضرون الجماعة ويقيمون الدروس والندوات الثقافية.

ولا ينسى احد الدور الفعال الذي قام به الدعاة لحمل فتاوى المراجع بكفر الشيوعية والحادها، في حين كان حملها وتوزيعها يكلف المرء حياته في تلك الفترة الحرجة من تاريخ العراق.

فهل يعتبر هذا كله مما يجعل السيد الحكيم رحمه الله يتحفظ على حزب الدعوة؟

انني ارجو مخلصاً ان لا يسيء الأحياء الى الأموات.

والى هنا اتصور انني قدمت دليلاً كافياً بل ادلة على عدم صحة الادعاء الذي نسب الى الامام الحكيم رحمه الله انه كان يتحفظ على حزب الدعوة الاسلامية، لننتقل الى نقطة اخرى اثارها الحكيم على حزب الدعوة الاسلامية.

فيذكر الحكيم في الصفحة233 عندما يعدد نقاط الاختلاف بين رؤية الامام الحكيم والشهيد الصدر، فيعدد اربع نقاط:

والنقطة الرابعة هي:

استقلالية المرجعية عن العمل المنظم الخاص(العمل الحزبي) واصالتها وضرورة بقائها على قدسيتها ونقائها، بعيداً عن الظنون او الشكوك او الاوهام التي قد تحيط بالعمل الحزبي.

لا كلام لنا في عدم انتساب المرجعية الى حزب او فئة او مجموعة ، لتبقى المرجعية فوق الجميع وترعى الجميع.

ولكن كلامنا في موضوع( القدسية) التي يجب ان لا تدنس بالحزبية التي قد تحيط بها الظنون…الخ.

فنقول: ان العاملين مطلقاً حتى الانبياء، فان الظنون والشكوك توجه اليهم، وتلك سنة بشرية لا يخلو منها زمان ومكان.

ماذا قالوا عن رسول الله(ص) وهو خاتم الانبياء وافضل البشر؟ قالوا عنه انه مجنون، كاهن، شاعر، معلم…الخ.

ثم ألم يفعل الأوباش ما فعلوا بالامام الحكيم نفسه يوم كانوا يرمون باب داره بالحجارة وينعتونه بانه عفلقي.

بل ان التهم في اشدها كانت توجه للسيد الحكيم مممن يحسبون على الحوزة والمرجعية ، بعيداً عن الحزبية وقبل الحزبية.

ففي عام1948 بعد الحرب الفلسطينية، كان قد حكم السيد الحكيم رحمه الله بهلال شوال وان عيد الفطر هو يوم السبت، فقال عنه المناوئون لمرجعيته انه حكم بالعيد يوم السبت ليوافق عيد اليهود…

واذا كان السيد محمد باقر الحكيم لا يتذكر ذلك لصغر سنه انذاك فانني اتذكره جيداً.

ثم نخاطب الحكيم من جديد:

ما هي دوافع الهجمة الشرسة على مرجعية والده السيد الحكيم رحمه الله عندما وجهوا تهمة الجاسوسية لنجله المرحوم السيد مهدي؟

هل كانت لظنون وشكوك حزبية؟

والنقطة الخامسة التي يثيرها الحكيم هي هذه التي يذكرها في الصفحة233، سنوردها للقارئ الكريم فانها لا تخلو من طرافة، يقول:

5-«السرية» حيث كان الامام  الحكيم يرى ان القيادة لا يصح ان تكون سرية في اطار الجماعة التي ترتبط بها، وان ذلك يؤدي الى احتمال وقوع القيادة في خطر الانحراف او التأثير عليها من الخارج من خلال ارتباطات مشبوهة او فاسدة، وقد لخص ذلك في جواب احد الاستفتاءات بقوله«اذا كانت القيادة سرية فلا يمكن الانقياد اليها، لأنها اذا كانت ذكية يخاف منها واذا لم تكن ذكية فيخاف عليها» وهذا التصور ينطلق من نقطة نظرية مبدئية ترتبط بالرواية المشهورة:« من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميته جاهلية» حيث يفهم من هذا الحديث ان«معرفة» المأمومين للامام قضية اساسية في النظرية الاسلامية…».

علماً بأن الفتوى لم يكن لها وجود يوم كنا في العراق، وانما سمعناها هنا في ايران بعد وفاة الحكيم باكثر من خمسة عشر عاماً، ولا نستبعد ان يكون للتزوير نصيب في ذلك.

ولقد ابتلي الامام الحكيم بتزوير خطه وهو في حياته، ويذكر نجله المرحوم السيد مهدي في مذكراته ان السيد يوسف الحلو قد زور رسالة ونسبها للسيد الحكيم رحمه الله وبعثها الى نوري السعيد لاطلاق سراح ابنه الشيوعي.

يتراءى لي ان السيد محمد باقر الحكيم اورد هذا الاشكال ولكنه وجده لا يقوم بالحجة، فأراد ان يسحبه من المجلة ولكن المجلة كانت قد صدرت.

فالاشكال عجيب جداً ان يصدر من مثله.

فكيف فسّر الرواية التي تلزم المسلمين بمعرفة امام زمانهم بالقائد السياسي (الفرد العادي من الناس).

واخشى ان يأتي يوم يقول فيه: ان هذا الحديث ينطبق على الشرطي الذي لا يعرف اسم مدير الشرطة العام، ولست اريد ان اتكلم في فحوى هذا الحديث، فهو واضح لمن له اقل ادراك.

ولكنني اخاطب الحكيم نفسه فأقول له: هل من العقل لحزب الدعوة الاسلامية الذي يريد ان يغير الامة في العراق فيجعلهم مسلمين عقائديين وملتزمين، بمعنى ان يرفضوا أي حكم آخر غيرالاسلام، هل يجوز لهم ان يعلنوا عن قيادتهم لتقطع رؤوسهم في اول يوم من اعلانهم؟

هل ترضى بذلك؟

ربما يقول انه كان يقصد ان تكون القيادة معروفة لدى المرجع العام.

نعم ان هذا صحيح، والمرجع الحكيم كان يعرفهم معرفة اجمالية وعندما انتقل الكادر الحزبي الى الجمهورية الاسلامية كان ذلك واضحاً جداً الى الامام الخميني رحمه الله وثم لدى آية الله العظمى السيد الخامنئي حفظه الله تعالى.

وقد تبنى الشهيد الصدر نفسه الطبيعية السرية لحزب الدعوة الاسلامية وضرورة التكتم على العمل الاسلامي واخفاء عناصره وعدم الكشف عن اسماء قياداته لئلا يكونوا عرضة للاحكام الجائرة والمطاردة المستمرة من قبل السلطات. فلنستمع الى الشهيد الصدر:

«الطريقة العامة في عمل الدعوة في هذه المرحلة هي السرية ، لأن الدعوة يجب ان لا تبرز الاّ في الوقت الذي تصبح فيه من الناحية الكمية والكيفية بدرجة من الاتساع والصلابة تجعل من العسير على اعدائها خنق انفاسها والقضاء عليها. والسرية التي نعينها في هذه المرحلة هي سرية تنظيم الدعوة وسرية الاعضاء والخطط والاجتماعات والتحركات التنظيمية ، فلا يجوز للداعية ان يكشف للناس وجود الدعوة او اسماء من يعرف من الدعاة حتى  لو تعرّض للأذى والضرر لأنه لا يجوز في الاسلام ايقاع الضرر بالغير حتى لدفعه عن النفس، مضافاً الى ان كشف الدعاة يوقع الضرر بمصلحة الدعوة.

واما الافكار والأهداف التي تتبناها الدعوة فليست سرية ولا داعي للتكتم بها…»[13].

شيء آخر نريد ان نهمس به في أذن السيد محمد باقر الحكيم، هل وجد في حزب الدعوة الاسلامية خلال اربعة واربعين عاماً منذ تأسيسه عام 1377هـ الى1421، هل وجد فيه ما كان يخشاه عندما يقول( احتمال وقوع القيادة في خطر الانحراف او التأثير عليها من الخارج من خلال ارتباطات مشبوهة او فاسدة)؟

هل ذهبنا الى اميركا؟ او كانت بيننا وبينهم وفود ورسائل؟

افتونا مأجورين. ثم المجالس بالأمانات.

ثم ننتقل الى الصفحة 234ـ 235 لنقرأ ما يقوله الحكيم، وهو تكرار لما قاله سابقاً ويعيده هنا ولعله يجد ان تكراره قد يؤثر في تحقيق الادعاء.

يقول:« وفي تطور آخر اصاب الشهيد الصدر(رض) الشك في دلالة آية الشورى على الحكم الاسلامية من خلال شبهة كنت قد أثرتها حول آية الشورى في بداية تكون النظرية، ولكنه اجاب عنها في حينه، ثم بدت له صحتها بعد ذلك، وقد دون هذه الملاحظات ضمن مجموعة من المراسلات.

وهذا الشك في دلالة آية الشورى انتهى به الى الشك في صحة العمل الحزبي بمعناه الواسع الذي لا معنى له ـ في نظر الشهيد الصدر آنذاك ـ الا اذا كان يتضمن تصوراً كاملاً عن نظرية الحكم الاسلامي وطريقة ممارسته ، فاذا لم تكن النظرية حول الحكم الاسلامي واطاره ومؤسساته واضحة، فكيف يمكن ايجاد تنظيم يسعى الى هذا الهدف من دون ان يكون الهدف نفسه واضح المعالم؟

وعلى هذا الاساس انسحب الشهيد الصدر من تنظيم حزب الدعوة ، بعد أن كان يمارس فيه دور القيادة الفكرية والاشراف العام».

ولقد أجبنا على هذا الادعاء قبل عدة صفحات وقلنا ان آية الشورى انما ترد في تشكيل الدولة بمعنى ان الدولة هل انها تتم بناء على آية الشورى او بناء على ولاية الفقية وليس في اصل تأسيس الحزب الذي يدعو الى تغيير الامة وتعبيدها لله تعالى، ولا اتصور ان هناك من يرتضي بقاء الامة على جهلها وانحرافها بدعوى انه لا يجوز تغيير الأمة بناء على آية الشورى.

وانا اعتقد ان الحكيم ايضاً لا يرتضي ذلك ، ولكنها هفوة القلم وكبوة الجواد.

وربما يقول السيد محمد باقر الحيكم : انه لا يمنع الأمر بالمعروف النهي عن المنكر وتعبيد الناس لله سبحانه وتعالى، ولكنه يقصد الحزب الذي يهدف الى تشكيل الحكم كما في كراس(حضارات) صفحة 154.

اذ يقول هناك:

«حيث كان يرى (الشهيد الصدر) انه ما لم يتم توجيه إقامة الحكم الاسلامي على اساس شرعي فلا معنى لتشكيل حزب هدفه إقامة الحكم الاسلامي حيث لا يكفي مبررات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك…».

فنقول له:

لنفترض ان حزب الدعوة الاسلامية الذي يهدف الى تشكيل الحكم وانه يتبنى آية الشورى، ثم ظهر الخلاف وكانت ولاية الفقية هي الطريقة الصحيحة، فهل يعتبر عملهم التغييري وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر عملاً باطلاً، ربما يحاسبهم الله عليه يوم القيامة ويلقي بهم في الدرك الأسفل من الجحيم؟

انه مجرد سؤال.

افتونا مأجورين.

ارجو من الحكيم ـ مخلصاً ـ ان يعيد نظرة فيما ادعاه وشكراً جزيلاً.

ويصر الحكيم على ان الشهيد الصدر انسحب من تنظيم حزب الدعوة بعد الشبهة التي عرضت له في مدلول آية الشورى كما في الصفحة 235 من المنهاج والصفحة153 من (حوارات).

وانه ليؤسفني ـ ويشهد الله على  ما اقول ـ ان اتفرغ لبعض الوقت لأرد على اخينا السيد محمد باقر الحكيم، في حين تصلنا اخبار اهلينا في العراق بانهم يمرون بحالة مأساوية منقطعة النظير.

اما كان الأجدى به ان يصرف جهده لما ينفع الناس وشعبنا المظلوم؟

ولكن هذه هي مأساتنا، وليست هي الأولى في دار الهجرة، فلها اخوات كثيرات  منذ يوم حططنا رحالنا وانا لله وانا اليه راجعون.

وهنا نستميح القارئ الكريم عذراً فنطلب ان يمعن النظر في عبارتين كلتاهما للحكيم:

احداهما هي التي ذكرتها لك فيما سبق حين يقول:

«وعلى هذا الاساس انسحب الشهيد الصدر من تنظيم حزب الدعوة» والثانية هي التي تقول:

«ولكنه(أي الشهيد الصدر) كان في الوقت يشعر بضرورة العمل السياسي الاسلامي المنظم(الحزب) واهميته».

فالمسألة تبدو لغزاً تحتاج الى من يفك رموزها، فالشهيد الصدر ينسحب من الحزب للشك في صحة العمل الحزبي في الوقت الذي يشعر فيه بضرورة العمل السياسي المنظم (الحزب) واهميته.

ثم نقول ان الشهيد الصدر لم يخرج من الحزب وانما خرج من القيادة. والقضية هكذا:

في عام 1962 كان قد توسع حزب الدعوة الاسلامية وانتشر في اوساط الحوزة العلمية في النجف اولاً ثم في الجامعات العراقية ومن ثم في ارجاء العراق.

وكان حزب البعث في العراق يخطط لانقلاب عسكري على عبد الكريم قاسم.

ولقطع السبل امام الحركة الاسلامية ومنعها من ان تقف ضد مخططهم المنشود، بعد ان تأكدت السلطات والدوائر الاستعمارية ان هذا الكيان الرسالي قد ولد ونما في احضان الحوزة العلمية وانه يحظى بتأييد ورعاية المرجعية الدينية، بذلت جهدها وركزت نشاطها لعزل الحركة وقطع الاواطر بينها وبين المرجعية الدينية.

فأوفدت (حسين الصافي) البعثي الذي يتزيا بزي رجال الدين للقيام بهذه المهمة الخبيثة ، وتوجه الى المرجع الديني الراحل الامام السيد محسن الحكيم رحمه الله، وراح يبدي اهتمامه بالحوزة وخوفه عليها من وجود حزب سياسي يقوده السيد محمد باقر الصدر، وراح يؤكد من خلال كلامه ان الحوزة العلمية في خطر وأن حرصه واهتمامه هو الذي دفعه الى عرض هذه القضية على المرجعية الدينية.

اما المرجع الراحل الحكيم، فقد كان يمتاز بخبرة اجتماعية ناضجة ومعرفة جيدة لأمثال هذه العناصر ودجلها، فكان يصغي له، وحين اتم كلامه… سأله هل بقي عندك شيء تقوله؟

وبنبرة تشعر بالانفعال وعدم الرضا.

ولم يكن حسين الصافي يتوقع مثل هذا الرد، فأجاب:

(العفو سيدنا… ليس لدي شيء آخر، وان حرصي هو الذي دفعني الى ان اقول لكم مثل هذه الكلمة).

اجابه السيد الحكيم رحمه الله: وانت تتصور انك أحرص من السيد محمد باقر الصدر على الحوزة العلمية؟

فخرج الصافي يجر اذياله.

لقد شعرت المرجعية ان خطة خبيثة تخطط للاجهاز على السيد الصدر وعلى حزب الدعوة الاسلامية ككل، فأرسل الامام الحكيم رسولاً هو نجله (السيد مهدي) الى السيد الشهيد الصدر يخبره بالحادثة ويؤكد له ان يكون اباً راعياً للحركة من خارجها، فهو افضل من ان يكون في داخلها.

وحين ابلغ السيد الشهيد بهذا النبأ اصبح في وضح حرج… كان يبدو عليه التألم الشديد والانفعال من الموقف المعادي الذي وقفه حسين الصافي ووجد نفسه امام محاولة واستهداف من دوائر الاستعمار، فالتقى أحَدَ عناصر القيادة هو المرحوم (الحاج صالح الاديب) وسلمه رسالة مكونة من صفحتين يشرح فيها الوضع ويعلمه بانه ينوي الانسحاب من التشكيل الهيكلي للحزب، وبمعنى اوضح ينسحب من قيادة الحزب وليس من الانتماء الفكري للحزب، على ان يبقى يواصل توجيهه ورعايته وابوته للحركة وان لم يكن في قيادتها.

وفعلاً فقد واضب على هذه العلاقة ـ رضوان الله عليه ـ ثم كُلف الشهيد ابو عصام بالقيام بمهمة عضوية الارتباط والتنسيق بينه وبين الحركة.

ثم بدا للشهيد الصدر ـ عليه الرحمة ـ ان يمارس دور المرجعية ومهام الحوزة العلمية يتفرغ  لها بعدما تفرغ من مهام قيادة الحزب وكان يتمنى ان يصل الى درجة فيصدر فتوى يكون نتيجتها دخول مليوني شخص الى حزب الدعوة الاسلامية.

هذا باختصار قصة انسحاب الشهيد الصدر من التشكيل التنظيمي وليس الانسحاب من الحزب.

اما موضوع الشبهة التي طرأت عليه من آية الشورى، فانما هو في شكل الحكومة وليس في اصل تأسيس الحزب،  وواضح لمن له ادنى معرفة ان آية الشورى تنصرف دلالتها الى مسألة تعيين شكل الحكومة لا مسألة اقامة الحكومة ، فان اقامتها  امر ضروري ، والمسألة واضحة جداً لا اريد ان اطيل فيها.

فالشهيد الصدر اذن تعرض لأمرين:

الاول ـ وهو الذي سعى اليه بعثيو العراق عندما احسّوا بوجود حزب اسلامي قوي منتشر في اوساط الحوزة بالذات، فتحرك حسين الصافي في القصة التي ذكرناها.

وعندها طلب السيد الحكيم من الشهيدين الصدر، ومهدي الحكيم ان ينسحبا من الحزب لأن ذلك يضر بمرجعيته.

الثاني ـ الشبهة في تشكيل الدولة هل هي وفق الشورى ام ولاية الفقيه وليس في اساس العمل الحزبي.

فالأمر الأول هو الذي دعاه ان يخرج من القيادة ليبقى عضواً في الدعوة، والثاني جعله يغير رأيه في الشورى الى ولاية الفقيه.

ويؤيد ذلك ما يقوله سيدنا آية الله العسكري:

«ان الشهيد الصدر خرج من الدعوة(ظاهرياً) بناء على طلب السيد الحكيم ولكنه بقي مع الدعوة الى آخر لحظة من عمره[14].

وتاريخ انسحاب الشهيد من القيادة سواءً كان في عام1960 او عام 1962، مسألة ليست لها اهمية كبيرة، ولكن اخانا الحكيم يصر على ان الشهيد الصدر وجد في آية الشورى اشكالاً شرعياً في بقائه بالحزب فخرج منه.

في حين اننا نؤكد بهذا الصدد ما يلي:

1- ان الشهيد الصدر انسحب من القيادة وليس من الحزب.

2- وان ذلك كان في عام 1962.

وصاحب الدار ادرى بالذي فيها.

ولنستمع الى الشهيد الصدر نفسه في جمادى الثانية من العام 1381هـ/1961 وهو يشكو شجونه فيما يقوله بعض الآخوندية بخصوص مجلة الاضواء وكلمة(رسالتنا).

(…ان الكلمة في بغداد متفقة على ان رسالتنا كتابة تجديد وابتكار تختص بمستواها الخاص عن بقية الاضواء).

فمن هم الجماعة في بغداد الذين اتفقت كلمتهم على ما يقول؟

اذا كنا منصفين لما وجدنا غير قيادة حزب الدعوة الاسلامية ، ولا يمكن ان يقال انه يقصد اخاه المرحوم السيد مهدي وآية الله السيد العسكري، فالسيد مهدي انّما انتقل الى بغداد اوائل عام 1964.

واذا اردنا ان نحاسب الحكيم بدقة لوجدنا انه وقع في تناقض.

لاحظوا معي رجاء.

ففي كتاب (حزب الدعوة الاسلامية حقائق ووثائق) يقول الحكيم: (وبعد ان تعذر على السيد الصدر حل الاشكال الفقهي الذي اعتراه حول دلالة آية الشورى قطع الشك باليقين وقرر الانسحاب من الحزب الذي كان له دور اساسي وشكل احد اعمدته الرئيسية[15].

اذن حسب هذا الكتاب خرج الشهيد الصدر من الحزب عام 1960 ولكنه في الصفحتين 116و 117 يقول:

وهذا لا يعني عدم وجود اختلاف واستقلال في الرأي، (أي بينه وبين السيد الصدر) وانما كان هذا الاختلاف جزئياً ومحدوداً وكنا نجد دائماً الطريق المناسب والسريع وبدون تكلف لمعالجته.

يمكن ان هذا الموضوع كان قائماً الى حد كبير ايضاً مع سماحة السيد العسكري وسماحة الشهيد السيد مهدي الحكيم وانما كانا يفترقان عنا ـ بعد انتقال السيد مهدي الى بغداد ـ انهما يعيشان في بغداد ويلتقيان باستمرار وتتكون لديهما الصورة من خلال مشاهداتهما وقربهما من مواقع الاحداث وبذلك كان يتكامل عملنا مع عملهما).

فخروج الشهيد الصدرـ والسيد مهدي من الحزب حسبما يقول السيد محمد باقر الحكيم كان في عام 1960، مع انه يقول ان السيد مهدي والسيد العسكري بقيا يعملان في بغداد مع العلم ان المرحوم السيد مهدي انتقل الى بغداد عام 1964 كما هو موجود في مقدمة مذكرات المرحوم السيد مهدي، ص 9.

فاذا كان المرحوم السيد مهدي قد خرج من الحزب عام 1960 فكيف بقي مستمراً على العمل حتى عام 1964.

ويتكرر التناقض في كراس( حوارات) بنفس الاسلوب والمعنى على شكل سؤال وجواب.

فلنستمع للسؤال اولاً:

سؤال: يقال ان دوركم في قيادة الدعوة ومواقفكم كانت تتطابق تماماً مع مواقف وآراء الامام الصدر في حين كان للسيد العسكري والسيد مهدي رحمه الله مواقف مستقلة، فما مدى صحة ذلك؟

جواب: لقد كان يجري البحث في جميع المواقف والنشاطات بشكل مفصل وباستمرار مع الشهيد الامام الصدر، لأني كنت اعيش بالقرب منه في ساحة العمل، حيث كان استاذي وصديقي في نفس الوقت، وكنت اقضي معه يومياً عدة ساعات وبالاضافة الى الانسجام الروحي والعاطفي بدرجة عالية. كل ذلك كان يهئ فرصة ، حقيقية لتطابق المواقف والآراء والاتفاق عليها في مرحلة العمل على الاقل. وهذا لا يعني عدم وجود اختلاف أو استقلال في الرأي، وانما كان هذا الاختلاف جزئياً ومحدوداً وكنا نجد دائماً الطريق المناسب والسريع وبدون تكلف لمعالجته.

ويمكن ان اقول: ان هذا الموضوع (أي الانسجام) كان قائماً الى حد كبير_ ايضاًـ مع سماحة السيد العسكري وسماحة الشهيد السيد مهدي الحكيم، وإن كانا يفترقان عنا، لأنهما يعيشان في بغداد ويلتقيان باستمرارـ ايضاًـ وتتكون لديهما الصورة من خلال مشاهداتهما وقربهما من مواقع بعض الاحداث، وبذلك كان يتكامل عملنا مع عمليهما[16].

فالتعارض يتوضح هنا:

ان السيد مهدي خرج من الحزب (طبعاً مع الشهيد الصدر) حسب قول اخينا الحكيم عام 1960.

وان السيد مهدي والسيد العسكري كان بينهما انسجام بالعمل من خلال مشاهدة الاحداث..

والسيد مهدي انما انتقل الى بغداد عام 1964.

فالحاصل من هذه المعادلة ماذا يكون؟

خرج السيد مهدي (مع الشهيد الصدر) عام 1960، ولكنه بقي مستمراً على العمل الدعوتي حتى عام 1964.

ولا يمكن تفسير الموضوع على انهما كانا يعملان عملاً عاماً غير حزبي ، لانه مردود بأمرين:

1ـ كلام اخينا الحكيم اذ يقول (ويمكن ان اقول ان هذا الموضوع ـ أي موضوع الانسجام ـ في عمل الدعوة) كان قائماً..

2ـ استدراك اخينا الحكيم حين يقول:

نعم كانت هناك نشاطات لهما في ساحة بغداد سياسية عامة بعد الخروج من الدعوة يتحملان مسؤوليتها وكانت في إطار الخط العام السياسي…[17].

فالتناقض واضح، وكان الاولى بالحكيم ان يقول الحقيقة والواقع (ان الشهيدين الصدر ومهدي الحكيم) خرجا من قيادة الحزب عام 1962 وبقيا يعملان في صفوف الحزب لينتظم كلامه ولا يقع في تناقض.

لقد اتعبنا هذا السيد واتعب نفسه.

مكتبات آية الله الحكيم والمساجد والحسينيات

يقول الحكيم: ان المرجع الحكيم قام بفتح ابواب المساجد والحسينيات والمكتبات لهذا الشباب الواعي[18].

من المناسب ابتداء ان ننقل هنا كلمات لشخص عاصر فترة حزب الدعوة والفترة التي سبقتها، ذلك هو آية الله العلامة السيد مرتضى العسكري ولقد كان حفظة الله ولا يزال دقيق الملاحظة، يدرس كل حادثة بإمعان ويقارنها بغيرها ويضع للمشاكل حلولاً، فلقد عاش حياة كلها تجارب واختبارات ودراسات.

فلنسمتع ماذا يقول عن المساجد والحسينيات ثم ننتقل بعدها الى المكتبات:

«قبل هذه الحركة (حزب الدعوة الاسلامية) رأيت في الكاظمية مسجداً  تسكنه الحيوانات السائبة.

والمساجد لا يحضرها الا الشيبة، وليس كل الشيبة.

بعد ورودي الكرادة، ذهبت في ليلة من ليالي شهر محرم الى  حسينية من الحسينيات، كانوا مشغولين (باللطم) فسألتهم هل عندكم قارئ؟ قالوا: لا.

ثم بعثت من يحصي لي مجالس العزاء في بغداد، فأحصوا لي خمسة وخمسين موكباً للعزاء ليس فيها قارئ واحد، يجتمعون فقط (للطم) وعصر العاشر ينتهي كل شيء[19].

ان الحكيم يعلم جيداً كيف كان حال تلك المساجد والحسينيات قبل جيل الدعوة.

ومرجعية السيد الحكيم كانت قبل نشوء الدعوة، فمن الذي أحياها؟ وليس الأمر مهماً، فالعمل في المساجد والحسينيات عمل مبرور، لا يهم كثيراً من كان الأسبق الى اعمارها؟

ولكن التاريخ يلح على ان يذكر الحقائق وان كانت بسيطة، واخونا الحكيم في مجلة المنهاج ينعى على الذين يتجاوزون على حقائق التاريخ ونحن نؤيده في ذلك، ويا حبذا لو كان الحكيم يعترض على الكراس المطبوع من مذكرات اخيه المرحوم السيد مهدي فانه يختلف عن المذكرات المسجلة وكلاهما موجود لدي.

ولذلك فاني ارجو ان يعاد النظر بها لئلا يساء الى الأموات لاشباع رغبات الاحياء.

وللعلم فإن لحزب الدعوة الاسلامية نشرة داخلية خاصة بعنوان (رسالة المسجد) تحث الدعاة على اعمار المسجد من جميع النواحي.

وأما المكتبات؟

فان الدعاة الميامين، ابتكروا عدة اساليب في عملهم المبارك، كان منها ان تبنّوا تأسيس مكتبة في كل مسجد يتواجدون فيه وسمّوا تلك المكتبة بـ« مكتبة آية الله الحكيم العامة فرع…» حيث كانت للسيد الحكيم رحمه الله مكتبة عامة كبرى في مسجد الهندي بالنجف.

وبدأ الدعاة يفتحون فروعاً لتلك المكتبة في جميع المناطق التي يتواجدون فيها.

ولقد أعانوا بفعلهم هذا المرجعية في نشر الاسلام في اغلب مدن العراق.

ثم ان تواجدهم في المساجد والحسينيات كصفوة مؤمنة متمسكين بالدين والاخلاق ونكران الذات، جعلهم محبوبين من قبل اهالي مناطقهم، كما وصلت أنباؤهم الحسنة الى السيد الحكيم حيث كان مرجع الأمة آنذاك، فبدأ السيد يتبناهم ويعضدهم ويستجيب لمطاليبهم، ويفرح بزايارتهم، كما اصبحت بين تلك الصفوة وبين المرجعية علاقة حسنة جداً وثقة متبادلة.

ولقد قلنا ان المساجد لم يكن يرتادها الا بعض الشيبة، اما الشباب فقد كانوا مغمورين بتوافه الحياة مما لايتلاءم والدين والاخلاق.

فاستطاع الدعاة الميامين بهذه المكتبات ان يجمعوا اولئك الشباب في حلقات حزبية وثقافية وصلاة جماعة عبادية، وتغيرت الامور تغيراً كاملاً، فأصبحت المساجد عامرة بالشباب المتدين الذين اصبحوا يقبلون على الدين وتعاليم الاسلام بكل لهفة ، وكأنهم كانوا عطاشى منذ زمن بعيد فوجدوا الماء وارتووا.

وقد كان لاولئك الشباب من خلال تلك المكتبات دور مهم جداً في نشر بيانات ومنشورات جماعة العلماء وفتاوى المراجع بخصوص الشيوعية.

وحيث ان المرجعية قد  تبنتهم، وحيث ان عملهم لم يكن يمس السلطة في ظاهرة، فإن السلطة كانت بعيدة عنهم في البدايات وإن كانت ترصد هذا التحرك الجديد.

ويبقى الحكيم يطرق على حديد بارد، في محاولة لكي يثبت ان الشهيد الصدر، خرج من الحزب ليعمل في مرجعية والده رحمه الله.

ولعل الموضوع كله هذا الذي كتبه في المنهاج من خمس وستين صفحة والذي كتبه في كراس (حوارات) كل ذلك يدور حول نقطتين يحاول الحكيم ان يثبتهما:

النقطة الاولى _ ان الشهيد الصدر خرج من الحزب لعدم جواز بقائه فيه.

النقطة الثانية ـ وان الشهيد الصدر عمل بعد ذلك في مرجعية والده.

فلنستمع اليه ماذا يقول:

«في هذه المرحلة لم تكن تفاصيل اطار العمل السياسي وشكله واضحة ـ لدى الشهيد الصدر بعد ان اهتزت الصورة الشرعية للعمل السياسي (الخاص) الذي كان يستحسنه، ولكن في الوقت نفسه بدأت تتبلور صورة جديدة من خلال الممارسة العملية لمرجعية الامام الحكيم وقدرتها على التطور والتعبئة الجماهيرية…»[20].

فالكلام يدور حول تلكما النقطتين:

خرج الشهيد الصدر من الحزب.

ثم التحق بمرجعية السيد الحكيم.

ولقد كان الحكيم يغنيه ان يقول ان الشهيد الصدر عمل في مرجعية والده المرحوم، فلماذا هذا التعقيد؟

والشهيد الصدرـ رحمه الله ـ ما خرج يوماً من الخط المرجعي منذ ارتبط بالحوزة، فهو مع المرجعية ابداً، مع خاله الشيخ محمد رضا آل ياسين ثم مع المراجع الذين جاؤوا من بعده، ثم اصبح هو المرجع.

اما التركيز على خروج الشهيد من حزب الدعوة الاسلامية ما المقصود منه؟ هل انه لأجل تثبيت مفردة تاريخية؟ ام شيء آخر؟

ما أظن اخانا يريد التاريخ، وانما ليملأ اذن القارئ بأن الشهيد الصدر خرج  من الحزب بشبهة حدثت لديه، ثم ليتدرج بعد ذلك ليخاطب الناس فيقول لهم ان كل الاحزاب باطلة ومنها حزب الدعوة والا فما باله في الاساءة الى حزب الدعوة الاسلامية بين كل سطر وآخر في خمس وستين صفحة من المنهاج؟؟

ثم فلننتقل مع الحكيم اذ يقول ويكرر ويطرق على نفس الحديدة الباردة، ان الشهيد الصدر بعدما خرج من العمل الحزبي للشبهة التي طرأت عليه، اهتم بعدة امور:

1ـ العمل في اطار المرجعية (المقصودة بها مرجعية والده السيد الحكيم).

2ـ بناء الوضع المرجعي الخاص للشهيد نفسه.

3ـ رعاية العمل الاسلامي المنظم الخاص من خلال ترشيده بالنصائح والآراء وحل المشكلات ومعالجة الصراعات الداخلية…[21]

الكلام هنا:

لو كان الشهيد الصدر قد خرج من الحزب للشبهة المدعاة في (صحة العمل الحزبي) كما في نهاية الصفحة 234 واوائل الصفحة 235 التي يقول فيها اخونا الحكيم:

«وهذا الشك في دلالة آية الشورى انتهى به الى الشك في صحة العمل الحزبي… وعلى هذا الاساس انسحب الشهيد الصدر من تنظيم حزب الدعوة».

فما باله يرعى العمل الاسلامي وهو عمل باطل كما يدعيه اخونا الحكيم؟.

واستميح القارئ عذراً لأتوقف هنا قليلاً:

فنقول للحكيم: إننا لا نخالك تنكر ان السلطة الظالمة في العراق طلبت من شهيدنا العظيم السيد الصدر ان يفتي لهم بتحريم العمل بحزب الدعوة، وعندها سوف يرتفع الحجز عنه ويزوره صدام بنفسه ويقدم له سيارته الخاصة وتنفتح له الدنيا من جميع ابوابها.

ولكن الشهيد رفض كل ذلك رفضاً قاطعاً.

أصحيح هذا الذي أدعيه؟ ام  لك شك في ذلك؟

وهل صحيح ان السيد الصدر رحمه الله اقدم على الاعدام وأراق دمه الطاهر ولم يصدر فتوى ولم ينبس بكلمة تسيء الى أمله وأمل الأمة «حزب الدعوة الاسلامية».

ولعل الحكيم اصابه النسيان فأذكره بقوله هو:

«انني راجعت نفسي اكثر من مرة حول اعادة ارتباطي بحزب الدعوة الاسلامية فيما اذا اقتضت المصلحة الاسلامية» فلقد ذكرت هذا ـ يا سيدنا ـ امام الدكتور السيد ابي احمد الجعفري عندما كان في ايران، وبدوره هو فقد ذكرك بذلك يوم كنت في لندن وبحضور مجموعة لا تقل عن عشرين مؤمناً عادلاً.

فاذا كان العمل في حزب الدعوة الاسلامية باطلاً، فلماذا تراجع نفسك اكثر من مرة في عودتك لحزب الدعوة؟

لا اريد منك جواباً، فانه يكفيني ما أقرأه في نفسك وإنا لله وإنا اليه راجعون.

هل صحيح ان الدعاة لم يشتركوا في المواقف

السياسية المهمة في الساحة الاسلامية؟

هذا ما يقوله الحكيم، فهو ينعى على حزب الدعوة الاسلامية «عدم المشاركة عملياً في المواقف السياسية المهمة في الساحة الاسلامية، مثل الموقف ضد تشريع قانون الاحوال الشخصية وسياسة التمييز الطائفي وسياسة تأميم التجارة وتحويل النظام الاقتصادي الى «الاشتراكية» وغيرها، مع أن العمل المنظم الخاص لم يكن لديه موقف سياسي حركي تجاهها ولم يتناول في ادبياته الا على المستوى الفكري احياناً، بالرغم من ضخامة بعض الاحداث التي عاشتها الأمة في هذه المرحلة الزمنية.

ولعل العمل الحزبي في تلك المرحلة، كان يعتمد على تحرك المرجعية في هذه المجالات بشكل عام ويكتفي به الا انه يلاحظ عليه عدم التصدي المباشر حتى على مستوى البيانات العامة او الخاصة يفي داخل التنظيم»[22].

ان في كلام الحكيم الذي ذكرته للقارئ الكريم المنقول من الصفحة 252، تجنيّاً عظيماً وبخساً للجهود المضنية التي بذلها حزب الدعوة الاسلامية في ساحة العراق.

اما موقف الحزب من سياسية عبد السلام عارف الاشتراكية التي اعلنها في 14/ تموز/1964، فقد سبق أن تعرضنا لها قبل عدة صفحات وقلنا ان الحزب كان قد استنفر الدعاة وعموم الأمة في الحضور الذي دعا اليه السيد الحكيم رحمه الله.

وأضيف ان السيارات الحاشدة التي كان الحزب يرعاها من بغداد ، اضطرت سيارة  المرحوم آية الله السيد اسماعيل الصدر الى ان تنحرف عن الشارع وتنقلب، وكان فيها اضافة الى السيد اسماعيل نفسه احد انجاله، وكذلك الخطيب السيد علي الهاشمي وكان المرحوم السيد اسماعيل ينعى على جماعة الاحتفال انهم لم يفكروا بالسؤال عنه فضلاً عن زيارته والاطمئنان على صحته.

ولقد كنت انا والمرحوم عبد الصاحب دخيل في سيارة واحدة وفي مدخل مدينة النجف، دخلنا مع مناوئي الاحتفال من أفراد الأمن،دخلنا معهم في مشادة كلامية كادت ان تخلق فتنة ولكن وقانا الله شرها.

ولقد بذل الحزب جهوداً كبيراً لانجاح التجمع، خصوصاً وكان قد أعلن ان الامام الحكيم نفسه هو الذي سوف يخطب في الجموع.

ولكنهم اصيبوا بالخيبة عندما وجدوا ان نجله السيد مهدي هو الذي يخطب فيهم، علماً بان الخطاب كان قد اعده شهيدنا الصدر رحمه الله.

وعجيب امر هذا السيد، فهو لا يألو جهده في اتهام حزب الدعوة الاسلامية، فلقد اصبح ينكر حتى البديهيات.

هل كان بامكان المرجعية آنذاك ـ لو لم يكن حزب الدعوة الاسلامية ـ ان تقيم احتفالاً استنكارياً حاشداً ضد السلطة؟

ومن هم ادوات المرجعية؟ هل هم الوكلاء؟ وقد كانوا بين منتم للحزب او متعاطف او لا يستطيع مخالفة الافكار التي يتبناها الحزب، تلك الافكار اصبحت حالة مسيطرة على الساحة العراقية. خصوصاً وان ذلك الاجتماع كان يعتبر اجتماعاً سياسياً، وكان الوضع الشيعي في العراق آنذاك لا يسمح ان يتخذ احد او جهة موقفاً سياسياً لا يوافق عليه الحزب.

اتنكر ذلك؟

ففي الاحتفالات الاسلامية العامة، كما في كربلاء والنجف في ميلاد الامام امير المؤمنين وميلاد الحسين عليهما السلام، وكذلك في مناطق اخرى فأن الامة كانت تحضرها طواعية وان كان الحزب هو اللولب المحرك لها.

ولكن احتفالاً كالذي حدث في النجف وفي صحن الامام امير المؤمنين عليه السلام لاستنكار التوجه السياسي للحكومة الطائفية، فانه يستحيل ان ينجح إن لم يكن الحزب يتبناه ويسعى الى انجاحه، وهو الذي حدث.

فلماذا الاصرار على الانكار؟، والله يقول «ولا تبخسوا الناس اشياءهم»

واما قانون الاحوال  الشخصية ، فأنا اعتقد جازماً ان أخانا الحكيم يعلم جيداً ان الدعاة الميامين لم يكونوا أداة المرجعية الضاربة في موضوع قانون الاحوال الشخصية فقط وانما في كل التوجهات التي كانت تتبناها المرجعية، ولعله يعلم ان الدعوة كانت وراء توجهات الامام الحكيم رحمه الله في سفره الى بغداد عام 1963 وكذلك عام 1969.

والمجالس بالأمانات، فلست اريد ان أطيل الكلام في هذا، ولو كان المرحوم السيد مهدي حاضراً لأمن على حديثي، بل لو كان حاضراً لما وجدنا كلاماً كهذا ينشر في مجلة المنهاج او في كراس (حوارات).

والحكيم يعلم تمام العمل ايضاً كم كان يبذل الدعاة في انجاح (مدرسة العلوم الدينية للامام الحكيم).

والامام الحكيم رحمه الله لم يجد طلاباً جديين كأولئك حيث لم يكونوا يبعثرون اوقاتهم كما يفعل غيرهم، فقد وجدهم متدينين واعين ينهلون من مناهل العلم بكل لهفة وشوق ثم يهتبلون الفرص لينفروا الى اهليهم وامتهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

ولم يكن السيد الحكيم يعير اهتماماً عندما يجد نفسه يصرف الرواتب على الطلاب وهم يميلون في نفوسهم الى غيره (للسيد الصدر).

ولكنها بالأخير اغلقت ـ مع الاسف ـ فمن الذي اغلقها ولماذا؟

الحديث ذو شجون والمعلومات كثيرة والى الآن لم ينطلق اللسان.

فلماذا هذا التجني يا اخي؟

اما كان الأجدر ان تطرح فكرة للمعارضة، ليشتركوا واياك في الإطاحة بنظام المجرمين في العراق؟

اما كان الأجدر ان تفكر بيتامى العراق وأرامله واطفاله وشيوخه؟

اما كان الأجدر ان تفكر بمشاريع تخدم قضيتنا الكبرى في العراق؟

انا لا أشك انك تعلم مدى حرصي على وضعك وتصديك ولا تنسى جلساتي الخصوصية معك، وبيني وبينك فقط من اجلك ومن اجل سمعتك، ابتداء من العراق وسورية وايران.

فلماذا هذا الجفاء ونحن لا نزال اخوة؟

اشكو بثي وحزني الى الله فهو حسبي ونعم الوكيل.

قصة المنشور بعد اعتزال الامام الحكيم في الكوفة

وهنا اضطرنا الحكيم الى جولة اخرى معه اذ ينعى على حزب الدعوة الاسلامية انه لم يصدر منشوراً يشجب موقف السلطة من مرجعية السيد الحكيم عندما اتهموا نجله المرحوم السيد مهدي بالجاسوسية.

اذ يقول نصاً «ففي مثل هذا الظرف لم تكن القيادة في التنظيم الخاص(ويقصد حزب الدعوة الاسلامية) على استعداد لاصدار منشور يشجب هذا الموقف من السلطة تجاه الأمة والمرجعية، بل ولا لتوزيع منشور ابسط من ذلك»[23].

ثم يذكر اموراً بهذا الصدد في الهوامش المتعلقة بهذا الموضوع.

وفي كل ذلك تجني عظيم ونسيان للجميل، ولست استبعد ان أخانا لو رجع الى ذاكرة التاريخ التي يقول فيها في الصفحة228 من المنهاج نفسه «وقد كتبت هذه الاوراق ـ على الاكثر ـ اعتمادا على الذاكرة والمشاهدات».

نعم لو رجع الحكيم الى ذاكرته وأنصفنا في مشاهداته لكان له كلام آخر.

والآن فاني اذكر هذه القصة، فأنا الشخص الذي ذهبت من حزب الدعوة الى بيت الامام الحكيم رحمه الله، عندما كان في الكوفة بعد الحادثة الأليمة، ولقد كانت داره محاطة بعيون الأمن، ولكنني ذهبت الى الدار من الجهة الخلفية، من الأزقة، ودخلت الدار وخرجت منها دون ان يشعر احد بذلك.

وعرضت على نجله السيد محمد باقر فكرة المنشور والتي كانت بمبادرة من الحزب[24]، وذهب السيد الى غرفة اخرى (لعله شاور اباه المرحوم في ذلك) ثم اعطاني مائة دينار فقط لطبع وتوزيع المنشور في ارجاء العراق.

والمنشور طبع (بآلة الرونيو).

وبدأنا بتوزيعه، وكان اول ما وصل المنشور الى البصرة ، ثم جاءنا الأمر من الجهة التي استلمنا منها المائة دينار ان لا ننشر الاّ الدعاء المستل من دعاء الافتتاح (اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة…) وليس دعاء الفرج كما يقولون.

ويؤيد ذلك ما يقوله المرحوم السيد مهدي في مذكراته المسجلة وليست المطبوعة (فالمطبوعة تختلف كثيراً عن المسجلة) اذ جاء فيها« وهذا الدعاء ليس دعاء الفرج سيدنا، وأنا اذكر ان السيد قال خلي ينشرون (اللهم انا نرغب اليك…) هذا الذي قاله السيد».

ولكن الحزب لم يوزع  مثل هذا المنشور لاعتقاده بأنه لم يكن في مستوى الحدث والهجمة التي تعرض لها الامام الحكيم.

وأن المنشور الذي تضمن دعاءً فقط يعتبر موقفاً ضعيفاً تكون نتائجة سلبية اكثر مما كانوا يتوقعون.

اما المائة دينار فلم نرجعها، لأننا كنا قد صرفنا قسماً منها في الطبع، يضاف الى ان ارجاعها ربما يوقعنا في خطر.

ولعل ذلك هو الذي أغاض اخانا الحكيم.

هل صحيحة كانت هذه القصة يا اخي؟

ثم ألست انت الشاهد فيها؟

ثم يورد اخونا الحكيم اتهاماً آخر لحزب الدعوة الاسلامية في نفس الصفحة 253، اذ يقول:

«وانسحبت القيادة من تعهدها بالقيام بتظاهرات عندما يقوم البعثيون بالتحرش بالمرجعية».

عجيب امرك يا سيدنا. لماذا تتكلم على طريقة رمتني بدائها وانسلت؟

ألم نذهب الى والدك المرحوم السيد المرحوم وعرضنا عليه خدماتنا وامكاناتنا، ورفض؟

واخوك المرحوم السيد مهدي كان شاهدها ولكنه نسي ما دار فيها اذ يوجه احدهم سؤالاً:

«اكو شيء من قبيل ان وفد من الدعوة في بغداد في الفترة الاخيرة من حياة السيد (قدس سره) على اساس يطلعون مظاهرات او يجب ان تبقى الدعوة مستترة ولا يكشفون انفسهم؟».

فأجابهم المرحوم السيد مهدي:

«انا رأيت هذا الشيء ولكن ما عندي فكرة واقعاً ما عندي»[25] ولا يزال من الاحياء شاهد آخر هو سماحة الاستاذ السيد فخر الدين الموسوي الشوشتري، الذي يتذكر الجلسة بتفاصيلها.

فلماذا الاصرار على الانكار؟ وانت تكتب التاريخ!

اللهم عفوك عفوك.

وحيث وصلنا الى هنا وقد انجررنا الى الكلام ونحن غير راغبين فيه ولكن الحكيم هو الذي بادر الى ذلك ، فأصبحنا مجبورين ان نبين بعضاً من الحقائق على طريقة الدفاع عن النفس..

وننقل هنا ما كتبه الشاب المؤمن السيد علي المؤمن حفظه الله في كتابه ( سنوات الجمر) فلنستمع اليه ماذا يقول:

ان حالة الارهاب التي اوجدها النظام ادت الى نوع من الرعب غير الطبيعي في معظم اوساط المحيطين بالسيد الحكيم ، فلم تجرأ معظم قطاعات الجامعة العلمية على عمل شيء مؤثر من شأنه فك الحصار عن المرجع الأعلى.. او حتى زيارته في مقر اقامته ـ على الاقل ـ والذين زاروا السيد محسن الحكيم ـ وهو تحت الحصار ـ لم يتعدوا عدد الأصابع، من الذين باعوا انفسهم وتحدوا قرارات السلطة، كالامام الخميني وآية الله الخوئي والشيخ احمد الطرفي والسيد مصطفى الخميني[26].

وعزلة السيد الحكيم والضربات التي تعرض لها ـ كمرجع أعلى ـ تثير الكثير من التساؤلات حول الحالة التي وصلت اليها المرجعية في بدايات عهد البعثيين ، المرجعية التي كانت اذا غضبت يغضب معها عشرات الملايين من المسلمين الشيعة في انحاء العالم وتضخع لارادتها جميع القوى والاتجاهات الاسلامية السياسية والاجتماعية ، وقد يعتبر البعض ان ذلك مصداق واقعي لصواب منهج السيد الحكيم في التحرك .. ورأيه في الجماهير والشعب العراقي.

ولكن الصمت الذي ركنت اليه قطاعات واسعة من الامة، قابلته قطاعات  اخرى بموجة من الغضب العنيف.

ومدينة البصرة مصداق واضح لهذه الحقيقة، فتنظيم حزب الدعوة في البصرة ـ وهو من اقوى وأوسع تنظيمات الدعوة في العراق ـ اتخذ قراراً فورياً بالانتفاض[27]، فاشتعلت المدينة بالتظاهرات ثلاثة  ايام متوالية، وكان بين المتظاهرين آلاف المسلمين من ابناء العشائر وغيرهم، واعتبرت مدينة البصرة (ثاني مدن العراق) خارجة عن يد السلطة، حتى ان بعض قادة الجيش والشرطة في المنطقة كانوا يتصلون سراً بمن يتوقعون انه من قيادات الانتفاضة لترتيب موقف موحد واعلان استعدادهم لدعمها، فيما لو كان في نية الاسلاميين القيام بثورة شعبية مسلحة للاطاحة بالنظام، وكانت الجماهير تنتظر موقفاً من وكيل الامام الحكيم في البصرة لتأخذ الانتفاضة طابعاً آخر، الا انه اشار عليهم بالهدوء وضبط النفس«لعدم وجود اوامر من النجف» وكانت الانتفاضة مرشحة لتجتاح الجنوب والوسط، حيث خرجت بالفعل تظاهرات مسلحة كبيرة في مناطق متعددة من العراق، الأمر الذي شجع تنظيم( الدعوة) في البصرة لطرح فكرة عصيان مدني في كل العراق، الا ان الظروف العامة والامكانات لم تسمح لقيادة حزب الدعوة العليا بالاستجابة للفكرة وتنفيذها[28].

تهمة اخرى يوجهها الينا الحكيم

اننا اوقفنا مواكب الطلبة

والتجني الأكبر هو عندما يقول اخونا في نفس الصفحة 253 ما يلي:

«حيث تم ايقاف مواكب الطلبة في الجامعة والتي كان وراء تنظيمها «التنظيم الخاص» والتي كانت تحظى بتأييد متميز من المرجعية الدينية اذ تحولت بهذ الاسناد الى ثقل سياسي، حيث أخذت تشترك فيه عناصر ذات انتماءات عامة، الأمر الذي ادى بالتنظيم الى ان يوقف اخراج هذه المواكب تجنباً للمواجهة مع النظام…».

لو كان كلامي مع شخص غريب عن الموضوع لكان مستساغاً ولكنني اتكلم مع السيد محمد باقر الحكيم الذي كان يعيش الأحداث.

ألم تكن مواكب الطلبة من إعداد حزب الدعوة الاسلامية؟

اما كانوا يطلبون من المرحوم والدك ان يرسل معهم من يمثله تعبيراً عن الانسجام بين الحزب بين الحزب والمرجعية؟

وحيث أثار اخونا الحكيم قضية(مواكب الطلبة) فاني اوجزها كما يلي:

ان من النقاط الفاصلة في تاريخ الحركة الطلابية الاسلامية في العراق، بل من الظواهر المثيرة والمؤثرة في آن واحد، فكرة مواكب الطلبة في عاشور، وتقوم الفكرة على اساس حشد مئات الطلاب المؤمنين في مسيرة شعبية منتظمة، على شكل صفوف مرتبة بعناية فائقة، والجميع يرددون الأبيات الشعرية والتي تتحدث عن سمو الثورة الحسينية واهدافها السياسية والاجتماعية والفكرية النابعة من الاسلام، وتدعو في الأثناء الى تغيير الواقع الفاسد في ضوء الشريعة الاسلامية.

ان مواكب الطلبة التي كانت تضم اكثر من اربعة آلاف طالب وتقطع المسافات الطويلة قاصدة كربلاء ، ارض الدم والفداء، انه تعبر عن قفزة نوعية في الوعي السياسي للحركة الطلابية الاسلامية في العراق ، وقد وعت الدوائر الاستعمارية هذه الحقيقة، ولذا تثيب جريدة السياسة الكويتية في احد أعدادها الصادرة عن خلفيات الظاهرة الجديدة تحت عنوان (أخطر ظاهرة سياسية في العراق) كما ان صحيفة القبس الكويتية ايضاً تصدرها بعنوان كبير جاء فيه (ماذا بعد مواكب الطلبة؟) وهاتان الصحيفتان لا تتحدثان بمعزل عن هواجس الاستكبار العالمي وايحاءاته بصورة مباشرة وغير مباشرة ومن الادلة على ذلك ايضاً ان يواجه البعثيون في العراق هذه المواكب بشدة وقسوة، وكانت احدى (المواد) التي يحققون في صددها في (المواكب الطلابية) وانا واحد من اولئك حيث كانت مواكب الطلبة مادة من مواد التحقيق الذي جرى معي في سجن قصر النهاية عام 1971.

ألا تعتقد يا سيد بأن الانقلاب الذي حصل على عبد الرحمن عارف عام 1968 كان من دواعيه ايقاف مجمل التحرك الاسلامي الذي لف العراق من اقصاه الى اقصاه والذي كان من عمل حزب الدعوة الاسلامية؟

ألا تدري يا سيد بأن السلطة منعت تلك المظاهرات الطلابية الا باجازة منها ومدح السلطة؟

كما منعت المواكب الحسينية الاخرى التي كان يقوم بها سائر الناس

اذا كنت لا تدري فتلك مصيبة          وانت كنت تدري فالمصيبة اعظم

فلماذا اذن هذا التجني بأن التنظيم هو الذي اوقف اخراجها؟.

الحكيم يكرر الاتهام من جديد

واسمحوا لي ان انقل القراء الكرام الى صفحة الهوامش، فتعالوا معي الى الصفحة 283، في الهامش(33) اذ يقول:

«حيث طلبت من احد ابرز قادة التنظيم الخاص شخصياً إصدار منشور يتضمن على الأقل «دعاء الفرج» لإشعار الأمة بالمحنة ووعد بذلك ولكن لم ينفذ الوعد بسبب هذا الموقف ولعله كان يرى شخصياً صحة اصدار المنشور والله اعلم».

ولا أراني بحاجة الى ازعاج القراء في اعادة ما قلته عن هذه الناحية، حيث كنت انا الشخص الذي ذهب الى الامام الحكيم.

ثم نلاحظ الهامش رقم(34)وهو اكثر تجنباً اذ يقول الحكيم:

«والعجيب ان بعض الحزبيين حاول بعد وفاة الامام الحكيم تسويغ  هذا الموقف بأن الامام الحكيم طلب منهم عدم القيام بهذا العمل وعدم التحرك للاحتجاج، مع ان الامام الحكيم رحب في تلك الاحداث بتحرك طلاب العلوم الدينية الذين تظاهروا وتعرضوا للقمع[29] واستمر هذا الموقف تجاه تحرك العشائر حيث استقبل وفداً من عشائر العباسية ومندوباً من مدينة السماوة وتحدثت اليهم شخصياً، ومع ان سفر الامام الحكيم الى بغداد والكاظمية له بحد ذاته دلالات واضحة على تصديه المباشر والعلني الا ان الخوف لدى الناس من ناحية وعدم وجود جهاز منظم لتعبئة الناس وتوجيههم من ناحية اخرى وموقف قيادة الحزب من ناحية ثالثة والتخلف في الوعي لدى بعض الاوساط من ناحية رابعة كانت اسباباً في ظهور الامة بمظهر التخاذل»[30].

بل العجيب هذا الكلام يا سيد، بل نقول لماذا الاصرار على الانكار؟ حتى بدأت تقول(ان موقف قيادة الحزب كان سبباً في ظهور الامة بمظهر التخاذل)[31].

أليس الذي قلناه مراراً كافياً في الجواب؟

فهل تريد اكثر من هذا؟

اتريد ان نقول من كان المتخاذل؟

فلماذا هذا الاتهام الباطل؟

في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء.

اتمنى ان اشرب هذا الماء يوماً لينطلق لساني، وما أراه بعيداً اذا سارت الامور على هذه الشاكلة وكان العناد هو الذي يتكلم.

وغفر الله لك يا اخي ، لماذا اوصلتنا الى هذه الدرجة؟

اما كان الاولى بك ان تنقلنا الى التفكير في إسقاط النظام واغاثة الملهوفين؟

واطلب من القارئ الكريم مجدداً ان يقرأ السطر الاول من ص 254 اذ يقول: «وهذا الموقف( أي ايقاف مواكب الطلبة المزعوم بأنه بارادة من الحزب) من التنظيم الخاص كان بخلاف موقف الشهيد الصدر الذي كان يرى في وجود المواكب الحسينية واستمرارها ضرورة واهمية خاصة».

واعتبر هذا الكلام نوعاً من الايهام بأن شيئاً ما قد حصل، انه تماماً كالذي يقول لشخص آخر: ( لماذا تعرضت للهواء البارد فأصابتك الحمى؟).

في حين ان الشخص لم يتعرض للهواء البارد ولم تصبه الحمى، ولكنه اسلوب في سبيل اقناع الآخرين بالفكرة.

ولن اقول شيئاً الا اللهم اهد قومي…

واهدنا جميعاً الى الصراط المستقيم.

ولست اريد ان أبخس اخانا في موضوعه في (المنهاج) فانني اراه في الصفحة 254 يقول (وكان للتنظيم الخاص دور  في تأييد هذا التوجه واسناده بطبيعة الحال) ويقصد بهذا التوجه هو ما قام به الشهيد الصدر بالانفتاح على الاوساط الشعبية..

فجزاه الله خيراً حيث اصاب كبد الحقيقة.

ولكننا نراه في نفس الصفحة 254 يقول: (وقد كان التنظيم حريصاً في هذه المرحلة على ان يعرف الشهيد الصدر في اوساطه بطريقة الايحاء او التلميح بأنه قائده، بل كان بعضهم يجرؤ ويروّج ذلك صراحة كما اتضح  في ما بعد).

لاحظوا جيداً كلمة«يجرؤ» وفكروا فيها ملياً، ولكن لماذا لا نقلب الحديث فنقول: ان الحكيم يجرؤ على نفي ان الشهيد كان قائداً للدعاة سواء كان لا يزال في الهرم القيادي للدعوة ام لا…

ماذا دهاك يا اخي؟ أسفي عليك.

الحكيم يستمر في ظلمة وتشويهه لحزب الدعوة الاسلامية

فلننظر اليه ماذا يقول في الصفحة 258:

«وفي هذه الاثناء وبعد هذا التطور في التصدي، أي في اواخر سنة 1393هـ 1973م، قام الشهيد الصدر بطرح موضوع حساس ومهم حول العلاقة بين الحوزة العلمية والتنظيم الخاص الذي كان يوليه رعاية خاصة ، وكان هذا الطرح في المجلس الاستشاري الخاص به. وكانت تصورات الشهيد الصدر تقوم على اساس ان الحوزة بتشكيلاتها وتنظيماتها تمثل القيادة الاساسية للعمل الاسلامي، ولا بد لهذه الحوزة من ان تكون مستقلة عن العمل المنظم الخاص».

ان السيد محمد باقر الحكيم يعرف جيداً حقيقة رأي شهيدنا الصدر في ذلك ولكنه الآن يريد ان يبتر الكلام ويذكر منه القسم الذي يعينه على التشويه ويترك القسم الآخر، على طريقة من يريد ان يكفر شخصاً قال(لا إله الا الله)  فاخذ منها نصفها ووصمه بالكفر.

والأمانة في النقل تفترض ان ينقل الانسان الموضوع كله وظروفه.

والآن نحيل القراء الكرام الى ما كتبه آية الله السيد كاظم الحائري ففي ذلك تفصيل واضح، وهو كلام امين لتقرير الحالة التي مرت بالحوزة في تلك الأيام وبالشهيد الصدر بالذات.

يقول السيد الحائري:

«واما الثالث ـ وهو رأيه في مدى صحة اشتراك الحوزة العلمية في الاحزاب السياسية الاسلامية ، فقد  رسم ـ رضوان الله عليه ـ في تلك الابحاث  الاسبوعية خطوطاً ثلاثة، ذكر ان اثنين منها خطان ثابتان، وواحداً منها خط متحرك:

الخط الاول ـ ضرورة الفصل بين جهاز المرجعية الصالحة والعمل الحزبي والخط الثاني ـ عدم البأس باشتراك طلاب الحوزة العلمية غير المرتبطين بجهاز المرجعية الصالحة في العمل الحزبي.

وهذان خطان ثابتان.

والخط الثالث ـ وهو ما أسماه بالخط المتحرك ـ ان من كان عضواً في جهاز المرجعية الصالحة وهو في نفس الوقت عضو في حزب الدعوة الاسلامية ، ويكون انسحابه من صفوف الحزب مؤدياً  الى ارباك الوضع في داخل الحزب يبقى محتفظاً بارتباطه بالحزب الى حين ما يرى ان انفصاله لا يؤدي الى مثل هذا الا رتباك؟ فعندئذ ينفصل عن الحزب.

وكان تاريخ تحديده ـ رحمه الله ـ لهذه  الخطوط الثلاثة بحدود اوائل سنة 1393 الهجرية.

وبعد هذا حينما اعتقلت السلطة  الكافرة في العراق ثلة من العلماء الأعلام وثلة من المؤمنين الكرام، وكان بضمنهم الشهداء الخمسة الشيخ عارف وصحبه ، وكان بضمنهم ايضاً السيد الهاشمي، وكنت انا ـ وقتئذ ـ في ايران وافرجت السلطة بعد ذلك عن جماعة منهم السيد الهاشمي وبقي جماعة آخرون في الاحتجاز، اصدر الاستاذ الشهيد (رحمه الله) كلمته المعروفة التي ذكر فيها فصل الحوزة العلمية كاملة عن العمل الحزبي وكان هذا بتاريخ10 شعبان 1394هـ

وكتبت بعدئذ رسالة الى استاذنا الشهيد، استفسره فيها عما هو المقصود الواقعي عن هذه الكلمة، فذكرت له: ان المحتملات عندي اربعة:

1- ان يكون المقصود بهذه الكلمة لحاظ مصلحة في اصل ذكرها ونشرها كتقية (وعلى حد تعبير علماء الاصول تكون المصلحة في الجعل).

2- ان يكون المقصود بهذه الكلمة اولئك العلماء والطلاب المرتبطون بمرجعيتكم وان اقتضت المصلحة ابرازها على شكل العموم.

3- ان يكون المقصود بهذه الكلمة فصل طلاب الحوزة العلمية في العراق عن العمل الحزبي درأً للخطر البعثي الخبيث عنهم، الذي يؤدي الى إبادتهم.

4- ان يكون المقصود بها فصل الحوزات العلمية في كل زمان ومكان عن العمل الحزبي الاسلامي (وعلى حد تعبير الاصوليين تكون القضية قضية حقيقية وليست خارجية) وعلى الاحتمال الأخير يكون تعليقي على هذه الكلمة: ان هذا الاجراء سيؤدي في طول الخط الى انحراف الحركة الاسلامية الحزبية عن مسار الاسلام الصحيح نتيجة لابتعادهم في اجوائهم الحزبية عن العلماء الاعلام.

فكتب لي (رضوان الله عليه) في الجواب: اني قصدت المعنى الاول والثاني والثالث، دون الرابع.

وكان هذا كله قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران.

اما بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، فقد عزم الاستاذ الشهيد ـ رحمه الله ـ على تصعيد معارضته لحكومة البعث في العراق ونزوله الى الميدان بشكل سافر نسبياً، وبهذا لم يبق مورد لمسألة الاهتمام بدرء الخطر البعثي الذي كان احد ملاكات تلك الكلمة (اعني فصل الحوزة العلمية عن العمل الحزبي) فان الحوزة العلمية الواعية ستقع لا محالة وجهاً لوجه امام السلطة الجائرة ، والخطر محدق على أي حال. وفي هذا التاريخ جاء السيد الهاشمي حفظه الله الى ايران، واخبرني بأن السيد الاستاذ بعث على احد الوجوه البارزة آنئذ لحزب الدعوة الاسلامية وقال له فيما قال: ان كلمتي التي اصدرتها حول انفصال الحوزة عن العمل الحزبي قد انتهى أمدها»[32].

هذا هو الكلام الصحيح المأخوذة من عين صافية، ينقله آية الله السيد الحائري كما هو. وهكذا يجب ان تكون امانة النقل وكتابة التاريخ.

لا يزال الحكيم في ادعاءاته

ولننظر واياكم الى الصفحة 260:

«وفي النهاية ، تم التوصل الى قرار عملي ـ مع التحفظ تجاهه من قبل بعض اعضاء الجلسة ايجابياً وسلبياً ـ وهو يتضمن النقاط التالية:

1- ان يتم الفصل كلياً على مستوى اجهزة المرجعية الخاصة والعناصر الادارية والاستثمارية لها، وبين العمل المنظم الخاص لتحقيق الاستقلال على هذا المستوى.

2- ان يتم الفصل بين الحوزة بشكل عام والعمل المنظم على مستوى دراسة السطح والخارج، بحيث يتم ابلاغ الطلبة المنظمين على هذا المستوى بشكل خاص بفك الارتباط العضوي مع التنظيم الخاص.

3- يسمح للطلبة ذوي الدراسات الاولية( المقدمات) بأن يرتبطوا بالتنظيم الخاص مؤقتاً من اجل تحقيق التوعية السياسية في هذا القطاع مؤقتاً.

4- يستثنى من البند الثاني الاشخاص المرتبطون بالتنظيم الخاص الذين يكون بوجودهم دورهم في ادارته وتثقيفه، بحيث يؤدي فك ارتباطهم منه الى ايجاد الاختلاف في الوضع التنظيمي الخاص على المستوى العملي والثقافي».

والقارئ الكريم يجد في هذا الكلام تجنياً عظيماً على الشهيد الصدر اولاً وعلى حزب الدعوة الاسلامية الذي عمل ولا يزال يعمل منذ اربعة واربعين عاماً وغير كثيراً من المفاهيم الخاطئة، وهو في نفس الوقت تجن على اخينا الحكيم نفسه، لأن كلام آية الله السيد الحائري لم يبق له حجة فيما يدعيه، ولعل جوابنا على النقطة السابقة تغنينا عن الجواب هنا.

مهما قال الحكيم، فان الأمة تعتقد بأن الشهيد الصدر لم ينسحب من التنظيم لنقرأ ما جاء في الصفحة 261، اذ يقول:

«ومن هنا كان بعض المخلصين من الأمة يقفون من مرجعيته (أي مرجعية الصدر) موقفاً سلبياً متردداً تشوبه الحيرة والارتياب ويطرحون هذا التساؤل: ما هو مدى علاقة الشهيد الصدر بالتنظيم الخاص؟ وما هي طبيعة هذه العلاقة؟

وعندما يجابون بنفي العلاقة يذكرون الشواهد والأرقام ذات المداليل الظنية الحدسية او شبه الحسية، ومنها هذه الشواهد وهي ان اكثر المرتبطين به خاصتهم يرتبطون عضوياً بالعمل الخاص»[33].

وتلك محاولة من المحاولات المتعددة في ان يبعد الشهيد الصدر عن الانتساب لحزب الدعوة الاسلامية بالمداليل الظنية.

وفي اعتقادي ان هؤلاء المخلصين كانوا صادقين في اعتقادهم في ارتباط الشهيد بالحزب لأنهم يمتلكون شواهد كثيرة، ولا شاهد على النفي.

ونعيد جوابنا لأخينا الحكيم، فنقول له: ان الفترة طويلة جداً تلك التي يدعيها في خروج الشهيد من الحزب (من عام1960 الى 1973) ثلاثة عشرة سنة، كانت تعمق العلاقة بالحزب. ولو كان المدعى صحيحاً لكانت هذه الفترة كافية في سلب الانتساب، وهو على مدعى الحكيم ان الشهيد الصدر لم ينتسب اكثر من سنتين.

ثم تبدر من الحكيم بادرة لمنفعة الحزب، لعله لم يقصدها ، ولكن الواقع فرضها على لسانه عندما يقول (ان هناك دوافع اخرى في توجيه التهم للشهيد الصدر لأنها ناشئة من التخلف في الرؤية السياسية ومرض القلب).

نعم مرض القلب وقانا الله منه.

الحكيم يقع في التناقض مرة اخرى

ولنقرأ هذه الكلمات:

«كل هذه الأمور جعلت الشهيد يفكر بشكل اعمق واكثر جدية بأن يتبنى عملياً ونظرياً الاتجاه الى بناء المرجعية والحوزة العلمية وجهازها واستقلالها، ويعطي ذلك الأولوية في الاهتمام، مع اهتمامه في الوقت نفسه برعاية العمل المنظم الخاص الذي يمكن أن يكون ذا أهمية في بعض المجالات والأعمال»[34].

فالكلام هذا في اواسط السبعينات، بعد وفاة الامام الحكيم، بل بعد 1974.

والسيد الشهيد لا يزال الى ذلك التاريخ يرعى حزب الدعوة الاسلامية، في حين ان الحكيم يدعي ويصر على ادعائه بأن الشهيد الصدر، خرج من الحزب عام 1960.

ألا نجد في هذا الكلام تناقضاً؟ والحكيم يقول في ص 234 ان الشهيد الصدر (انتهى به الشك في صحة العمل الحزبي) ويقول في ص 235: (وعلى هذا الاساس انسحب الشهيد الصدر من تنظيم حزب الدعوة).

وكان قد قال في الصحيفة 1227 ان الشهيد الصدر خرج من الحزب (في صيف عام 1380هـ/ 1960م).

اذن حسب جدولة الحكيم يكون التسلسل هكذا:

1- يخرج الشهيد الصدر من الحزب عام1960.

2- ويبقى يرعى الحزب الى عام 1974.

في حين ان المدعى ان خروج الشهيد كان للشك في صحة العمل الحزبي.

فالتناقض واضح. ثم من الناحية الشرعية، أليس في ذلك حرمة في عمل الشهيد، اذ انه يخرج من الحزب للشبهة الشرعية ولكنه يرعاه ويعاون عليه (انه حلال وحرام في آن واحد).

ثم أليس فيما يدعيه الحكيم اساءة بالغة للشهيد الصدر بعد موته كما اسيء اليه في مماته؟

أمن العدل والانصاف ان يساهم الشهيد الصدر في تشكيل حزب الدعوة الاسلامية ويرعاه تلك الدعاية الفائقة ثم تعرض له شبهة في العمل الحزبي، فينسحب وينجو بنفسه من حرمة هذا العمل ولا يأمر اخوانه ومن تورط بالحزب ان ينجو ايضاً؟

ولماذا لم يأمر بحل الحزب الذي بدا له بطلانه لئلا يقع الناس في الاشكال الشرعي الذي حرره الحكيم؟

وهناك كلام آخر في العبارة التي نقلناها من الصفحة 262 نرجئ الكلام عنها في الوقت الحاضر.

الاصدقاء والاعداء يقولون ان الشهيد الصدر كان بالتنظيم الا الحكيم

ارجو من القارئ الكريم ان يقرأ ما يلي:

«ان الفكرة العامة التي تم استنتاجها لدى النظام وكذلك لدى الاوساط العلمية في النجف هو: ان الشهيد الصدر مرتبط بالتنظيم باعتبار ان جميع هؤلاء الاخوة كان لهم ارتباط وثيق وقريب جداً به، بالرغم من ان اكثرهم حاول ان يدفع هذه الشبهة في داخل المعتقل من طريق الجواب عن سؤال: لمن ترجع بالتقليد؟ بأن مرجعهم هو آية الله السيد الخوئي»[35].

ثم يعقّب فيقول:

«وكان الشهيد الصدر يقول: ان هذا الاستنتاج طبيعي»[36] أي استنتاج ارتباطه بالتنظيم.

ويعقب مرة اخرى:

«ان هناك مجموعة من افراد التنظيم الخاص كانت تعتقد فعلاً ان الشهيد الصدر هو رأس التنظيم او المنظر له او الفقيه الذي يرجع اليه التنظيم»[37].

نعم ان هؤلاء جميعاً، المرتبطين بالشهيد الصدر من طلابه ومحبيه، وكذلك الذين كانوا يعادونه من سلطة ومرضى القلوب، كانوا يعتقدون بأن الشهيد الصدر لا يزال في الحزب.

ثم يعقّب الحكيم فيقول:

«ومن هنا نجد الشهيد الصدر يتخذ عدة اجراءات احترازية:

1- اصدار جواب لاستفتاء مكتوب ينص على انه كان قد أصدر حكماً بعدم جواز انتساب طلاب العلوم الدينية الى التنظيمات الخاصة.

2- منع بعض الوجوه المعروفة بانتمائها الى التنظيم الخاص، لا سيما من صدر منه الاعتراف بذلك عن التردد الى منزله من اجل تغيير الصورة الشكلية لحوزته واعطائها البعد الديني العام.

3- المنع من الحديث عن علاقته بالتنظيم الخاص، سواء على مستوى التاريخ او التأييد او الدعاية وكان يظهر انفعالاً شديداً من سماع ذلك»[38].

كل سطر في موضوعه الذي كتبه للمنهاج تراه يقطر ظلماً وتجنياً، فالحكيم يعلم ان اجراء الشهيد الصدر رحمه الله كان لدفع الشبهة عنه وعن طلابه الذين بدأوا يقعون بيد السلطة فتقضي عليهم بالاعدام او بالسجن والتعذيب، وكان اجراء طبيعياً تقتضيه المصلحة الأمنية، ولكنه بالأخير تنازل عن تلك الفتوى، وقد اخبرني الشهيد نفسه بذلك، فلماذا لا تصدق آية الله السيد الحائري الذي يفصل الموضوع بصورة واضحة جلية لكل انسان ولا يحتمل فيه الكذب والتزوير.

فلماذا هذا العناد؟

الحكيم ينتقد المرحلية في العمل السياسي التي تبناها الشهيد الصدر

لعل الحكيم آلى على نفسه الا ان يعمل جهده في الاساءة الى حزب الدعوة الاسلامية.

فالموضوع مكرس لهذ الغرض بصورة رئيسية ولغرض آخر هو أن الشهيد الصدر بعدما انسحب من الحزب وانفصل عنه اتجه الى العمل مع المرجعية، وحيث ان المرجعية في العقد السابع كانت لوالده، فمعنى هذا ان الشهيد اتجه الى مرجعية والده هذا كل ما في الأمر، يروح ويغدو على  هاتين النقطتين ويدور حولهما في مناقشات طويلة غير مقنعة، ولكنه يصر عليها منذ وطأت قدماه ارض الجمهورية الاسلامية وكأنه عقد عهداً مع نفسه ان لا يتراجع عنها.

والآن استمعوا اليه ماذا يقول:

«وقد توضحت للشهيد الصدر(رض) في هذه الآونة، مجموعة من القضايا الاستراتيجية في العمل السياسي، إضافة الى النقاط السابقة منها:

1- ان منهج العمل السياسي القائم على فكرة(المرحلية) وبمعنى ان يقوم التحرك السياسي على اساس الفصل الكامل بين طبيعة مرحلة ومرحلة اخرى.. غير سليم»[39].

فنقول:

ان الشهيد الصدر هو الذي تبنّى المرحلية في عمل الحزب وهو الذي كتب موضوع (المرحلة الاولى من علم الدعوة) فنحن وانت نعترف ان هذا الموضوع كتبه الشهيد الصدر رحمه الله وكان يتبناه.

اما اذا ادعيت ان الشهيد الصدر قد غير رأيه في ذلك فلم يثبت لدينا.

هذا اولاً، ثم نقول لأخينا الحكيم ان معلوماتك غير دقيقة في معنى المرحلية، فانت تتصور ان هناك فصلاً كاملاً بين طبيعة مرحلة ومرحلة اخرى..

ليس الأمر هكذا، فالمرحلة الاولى( التغييرية) تبقى مع جميع المراحل الاخرى، حتى لو تم استلام الحكم، فالانسان لابد ان يتغير من الظلمات الى النور ومن الجهل الى العلم ومن القعود الى الجهاد وهكذا…

وهذا التغيير لا تختص به مرحلة دون اخرى، وما لم يتغير الناس لا يستطيعون ان يحكموا مجتمعاً اسلامياً ثابتاً «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

ثم ان المرحلية في جهادنا شرط موضوعي تفرضه ضخامة هدف الدعوة وتواضع المكانياتها، فالعمل التغييري الهادف لا يمكن تحقيقه في الناس دون التمرس بعمل الدعوة في خطوات يتلو بعضها بعضاً.

والسبب في ذلك:

– ضرورة استكمال الفئة المغيرة للحد الأدنى من مقومات البناء الذاتي اللازم كماً ونوعاً.

– صعوبة تقبل المجتمع للتغيير دفعة واحدة.

– العقبات التي يحدثها اعداء التغيير والتي تستدعي زيادة طاقة الفاعلية والاستمرار لدى القوة المغيرة.

وتختلف المرحلية في التحول والتغيير الاجتماعي باختلاف الظروف الموضوعية الموجودة في المجتمع وباختلاف القدرات التي تملها الفئة المغيرة ، وطبيعة الأهداف التي تعمل لها وحجم القوى المعارضة التي تقف في طريقها والحقبة الزمنية التي تمر على المجتمع والفئة العاملة لتغييره.

ان ادنى نظرة الى جهاد الانبياء عليهم السلام ترينا كيف كانوا يتدرجون في عملهم لتحويل الناس وتغييرهم برسالة الله تعالى وكيف كانوا يتقيدون بالتدرج والمرحلية.

وقد التزم الرسول (ص) بهذه الحقيقة وطبقها جيداً حيث صدع بدعوته المباركة على ثلاث مراحل:

الاولى: بناء النواة الطليعية من المتغيرين بالاسلام والذين يتحملون أعباء المسيرة، وكان طابعها سرياً في اكثر اشخاص الدعوة، ودامت ثلاث سنوات.

الثانية: مرحلة التبليغ العام والتفاعل مع المجتمع في صراع المدينة وخوض الصراع الكامل مع اعداء الدعوة وتحرير أوسع بقعة ممكنة من المناطق المحيطة بالدولة وضمها اليها.

اتصور ان هذا كاف للتعرف على طبيعة المرحلية التي يتبناها حزب الدعوة الاسلامية.

وهناك هامش يحمل رقم(54) فيه تجنٍ كبير وتحامل شديد على حزب الدعوة الاسلامية، حيث يقول:

«… ان الشهيد الصدر ضغط على التنظيم الخاص لتأييد مرجعية الامام الحكيم تجاه حكومة البعث في بداية مجيئها الى السلطة وعند سفر الامام الحكيم الى بغداد، ولكنه لاحظ الموقف المتردد والمتحفظ من التنظيم الخاص…»[40].

مدعيات تحتاج الى اثبات ، ولم يذكر لنا اخونا الحكيم دليلاً على ما يدعيه.

ولكن الواضح لدينا ولدى كل المنصفين والمطلعين على تلك الأيام ان الأمر كان معكوساً.

فان مجيء البعثيين عام 1968 كان يستهدفنا بالذات، يستهدف الوعي الاسلامي الذي شمل الحوزة في النجف والجامعات والمساجد والشارع بفضل حزب الدعوة الاسلامية الذي بذل في ذلك جهوداً مضنية ومقاومة شديدة ، في حين سكت الآخرون ينتظرون ظهور الحجة( عجل الله تعالى فرجه) ليصلح الأمور.

والى قبل مجيء الامام الحكيم الى بغداد، لم يكن له موقف محدد من القوم، نعم ان سفره الى بغداد كان يعتبر عملاً سياسياً وتحدياً للسلطة.

وهنا نوجه الكلام لأخينا الذي اراد ان يكتب مذكراته بناء على ذاكرته ومشاهدته، فخانته الذاكرة وغفل عن المشاهدات.

من الذي أوفد الوفود الى السيد الحكيم رحمه الله؟

ومن الذي استنفر كل قواه من اجل تهيئة المواكب الضخمة التي كانت تزوره رحمه الله وتقرأ الشعر امامه وتقدم له الولاء والطاعة، وتنشد الهوسات؟

من الذي يستطيع ان يقوم بهذا الدور غير حزب الدعوة الاسلامية؟

تنكر ذلك يا اخي؟

واي تفاعل مع المرجعية اكثر من ان يذهب وفد من حزب الدعوة الاسلامية للسيد الحكيم رحمه الله، يعلن له عن وصول اخبار اكيدة له بأن السلطة الغاشمة في العراق تنوي ان توجه ضربة الى المرجعية، وان الحزب يستطيع ان يحرك الامة بطلابها واسواقها وعشائرها، وانه مستعد ان يخسر في ذلك مائة من كوادره الحزبية بشرط مكتوماً».

الا يكفي هذا يا سيد؟

ولكيلا نبخس اخانا الحكيم كلماته التي تصيب كبد الحقيقة احياناً فاننا نراه موضوعياً عندما يتكلم عن خطة العمل في المرحلة الجهادية التي تبناها الشهيد الصدر اذ يقول:

«وقد بدأ الشهيد الصدر( رض) عملية فحص وإحصاء وتقييم للمرحلة ومستلزماتها ومتطلباتها لتحقيق الاهداف الآنفة فقام بالخطوات الآتية.

2- مطالبة الأمة بطرد علماء السوء او الادعياء منهم وكشفهم وملاحقتهم وقد وقعت حوادث حاصرت فيها الأمة هؤلاء الادعياء واخرجتهم من مواقعهم»[41].

احسنت  احسنت، ان علماء السوء اساءوا الى الشهيد والى القضية بصورة عامة اساءة بالغة، وقانا الله شرهم آمين آمين.

إدّعاء تخالفه الوقائع

يقول الحكيم ما يلي:

«قام (الشهيد الصدر) في الوقت نفسه، بالتنسيق مع بعض قيادات العمل المنظم الخاص في التحرك للمواجهة الجهادية من خلال وجهة نظره لموقع المرجعية والعمل المنظم الخاص، حيث تمت الموافقة على أن يسلم المنظم الخاص على مستوى العراق على الأقل بقيادة المرجعية ويرتبط بقرارها السياسي»[42].

فنقول:

نعم، نسق الشهيد الصدر معنا( حزب الدعوة الاسلامية) في التحرك للمواجهة الجهادية، اما موضوع تسليم العمل للمرجعية فلم يجر حديث به، لأن الأمر واضح، فان كان المقصود بالمرجعية هو نفسه بالذات فالقضية منتهية، لأنه معنا بالحزب يتشاور معنا ونتشاور معه ونتفاهم حول العمل دائماً.

واما اذا كان المقصود غيره، فلم يكن بالعراق حينذاك من يتصدى للعمل الجهادي من المواجع، خصوصاً وان اخانا الحكيم يقول (العمل الجهادي على مستوى العراق).

وشيء آخر نقوله للحكيم:

انني كنت الشخص الوحيد من حزب الدعوة الاسلامية الذي يتصل بالشهيد الصدر في اواخر احتجازه رحمه الله.

والحكيم كان مسحوباً من (الحزب) منذ عام1960، وهذه القضية ـ التي يشير اليها ـ لابد ان تكون في عام 1979، حيث يقول (انها بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران وبعد استشهاد آية الله الشيخ المطهري رحمه الله).

وكان آخر لقاء لي مع السيد الشهيد قبل احتجازه بثلاثة اسابيع، اذ كنت في بيته الشريف ليلة21ـ 22/5/79 ولم يجر بيننا حديث كهذا.

واحتجز الشهيد الصدر رحمه الله في يوم الثلاثاء 13/6/79، فيكون بين آخر لقاء معي الى حين احتجازه ثلاثة اسابيع وليس اكثر.

وعندما احتجز عليه الرحمة بقي يتصل بالدعوة عن طريقي فقط بواسطة الشخص الوحيد الذي كان يزوره والذي كان ينقل الينا توجيهات الشهيد وينقل اليه توجهاتنا، وقد ذكرت ذلك مفصلاً فيما سبق، ولم يجر بيننا هذا الذي يدعيه اخونا الحكيم الى ان خرجت من العراق مساء يوم25/3/1980.

علماً ان الحصار على الشهيد كان ابتداء من يوم 17 رجب/1399هـ الى يوم اعتقاله في4/4/1980 وهو الذي يحدده سماحة الشيخ محمد رضا النعماني، وهو الشخص الوفي الذي بقي مع الشهيد الصدر في بيته الى حين استشهاده، فلنستمع اليه، اذ يقول:

«كان هدف السلطة من اعتقال السيد الشهيد رحمه الله في يوم (17) رجب هو تنفيذ حكم الاعدام فيه، ولما فشلت في تحقيق ذلك اضطرت الى اتخاذ اجراء آخر تمثل بفرض الاقامة الجبرية (الحجز) عليه، فبعد ساعات قليلة من عودة السيد الشهيد الى النجف، اتصل مدير الامن العام ومدير الشعبة الخامسة المعروف بـ (زهير) ـ ابو اسماء ـ ليبلغ بقرار الحجز، وقال: لا يحق للسيد الصدر الخروج من المنزل ولا يحق لأحد الدخول عليه.

ثم طوقت اجهزة الأمن منزل السيد الشهيد من كل الجهات ومنعت الناس من المرور من الزقاق الذي يقع فيه، وضيقوا الخناق على المنطقة  كلها، كما وضعوا جهازاً للمراقبة فوق بناية مطلة على منزل السيد الشهيد والمنطقة لتصوير ما قد يحدث، وكانت تعمل ليل نهار.

وهكذا بدأ الحجز الذي استمر تسعة اشهر، وانتهى بالشهادة»[43].

نعم انقطعت العلاقة غير المباشرة بيننا لتسعة ايام فقط، أي ما بين 25/3/1980ـ4/4/1980 وهو يوم اعتقاله رحمه الله، وجيء بجثمانه في 9/4/1980.

هذا الحساب واضح وبسيط2+2=4 وليس فيه جبر ومعادلة ولوغاريتمات،

اذن متى جرى هذا الذي يدعيه الحكيم؟ ولا يمكنه ان يقول ان ذلك يتم بينه وبين الشيد الصدر، لأنه في تلك الفترة لم يكن ممكناً ان يدخل عليه احد.

وكانت تحصل بين الحكيم والشهيد الصدر اشارات من فوق السطوح بالكتابة على (الصينية) وقطعاً لم يكن كلام الحكيم هذه الاشارات، لأنه يقول في الهامش رقم(58) «كما اخبرني( رضوان الله عليه) بذلك شخصياً»[44].

فالقضية هذه التي يدعيها الحكيم مرفوضة بناء على هذا الحساب الذي لا يحتاج الى تعقيد في فهمه وحل رموزه.

حدث يغيّر ادعاءً

يقول اخونا الحكيم ما يلي:

ان الشهيد الصدر«قام في الوقت نفسه بالتخطيط للتحرك الاعلامي والسياسي في الخارج، وكتب رسالة في هذا المجال»[45].

لا تعليق لنا على الرسالة، فربما تكون صحيحة ولكن الكلام من نوع آخر.

فان اخانا الحكيم يكتب في الهامش(59) ما يلي:

«لقد كلفني الشهيد الصدر بكتابة هذه الرسالة ، وقد دونتها ثم عرضتها عليه، وبعد اقرارها من قبله، تم ارسالها الى الخارج باسمه بعد ان استنسخها بخط يده، واطلعت على نشرها ـ بعد ذلك ـ في صوت الدعوة ، وهي النشر السرية الخاصة لحزب الدعوة الاسلامية»[46].

نقول:

اذا كان الشهيد الصدر قد خرج من الحزب منذ عام 1960 كما يدعي الحكيم، (وهذه الرسالة تنسجم مع تاريخ1979 أي بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران، أي بعد خروجه من الحزب كما يدعي الحكيم بتسعة عشر عاماً والتي نشرت في النشرة المركزية لحزب الدعوة الاسلامية).

فكيف ينسجم هذا الكلام مع ما يدعيه الحكيم ان الشهيد كان في خلال تلك الفترة يحاول جاهداً ان لا يبدو أي شيء في علاقته بحزب الدعوة؟

حزب الدعوة الاسلامية هو الذي حرك الوفود لبيعة الامام الصدر

يقول الحكيم:

«ان حزب الدعوة الاسلامية تجاوب مع وفود البيعة التي كانت تبايع الشهيد الصدر»[47].

فنقول، بل الصحيح ان وفود البيعة هي التي تجاوبت مع حزب الدعوة وان الوفود كانت بتخطيط من حزب الدعوة، والدعوة هي التي حركت الامة والجماهير بتخطيط بيننا وبين الشهيد الصدر.

وعندما طلب الشهيد ايقافها ، ابلغ الحزب مجاميعه في كل مكان بالتوقف.

قضية القيادة النائبة

يشير السيد محمد باقر الحكيم الى قضية (القيادة النائبة) ثم يبعد عنها، وكان الأفضل له ذكرها بصورة مفصلة.

والقضية كلها تدور حول اسمه (أي اسم الحكيم نفسه) ورفضه لطلب الشهيد الصدر.

والشيخ محمد رضا النعماني حفظه الله يذكر قصة القيادة النائبة بصورة مفصلة لأنه كان يعيشها مع الشهيد الصدر، فيقول: «… وعلى هذا الأساس عرض (أي الشهيد الصدر رضوان الله عليه) فكرة مشروع القيادة النائبة على احدهم ، وبعد نقاش للمشروع وشكل اشتراكه فيه اعتذر  عن الاشتراك.

وفشل مشروع القيادة النائبة، واصابت السيد الشهيد رحمه الله خيبة امل قاتلة وهم دائم، فتدهورت صحته واصيب بانهيار صحي وضعف بدني حتى كان لا يقوى على صعود السلم الا بالا ستعانة بي وظهرت علامات وحالات لا اعرف كيف اعبر عنها»[48].

من أفشل مشروع القيادة  النائبة؟

ومن اساء الى الشهيد الصدر وجعله لا يقوى على صعود السلم؟

واصيب على اثرها بانهيار صحي؟

ألست انت ذلك الشخص؟

الأجوبة جاهزة وغيرها كثير ولكننا نؤجلها لمصلحة آنية وننتظر ردود الفعل على مقالنا ليكون لنا مبرر فإعلان الحقائق.

لا تقولوا دعوة وإنما قولوا دعاة!

ان الحكيم يفرق بين الدعاة والدعوة [49]، وهو كلام ما زال يكرره في ان الشهيد الصدر اوصى بالدعاة وليس بالدعوة، حينما قال «اوصيكم بالدعوة خيراً فانها امل الأمة».

ان التفريق بين الدعاة والدعوة كلام يدعو للسخرية حقاً، فالدعاة انما اصبحوا دعاة لأنهم آمنوا بالدعوة، فهل يمكن ان يكون الدعاة رجالاً صالحين ولكن دعوتهم باطلة؟

اضافة الى ذلك فان السيد محمد باقر نفسه كان في السنين الاولى من تواجده في ايران يكرر ان الشهيد الصدر أوصى بالدعوة خيراً امام الكثيرين وهم لا يزالون على قيد الحياة وعلى ما كان يقول الحكيم شهود.

الى هنا تنتهي ملاحظاتي على اخينا الحكيم فيما نشره في مجلة المنهاج، ولقد نوهت  ببعض الأمور واغفلت البعض الآخر تقديراً لأخينا الحكيم وللمصلحة العامة.

السيد حسن شبر

[1]. مذكرات السيد مهدي الحكيم، ص 17.

[2]. مذكرات السيد مهدي الحكيم المسجلة، ص 19.

[3]. من حديث للشيخ ابراهيم الانصاري في مجلس التأبين الذي اقامته جماعة العلماء في قم المقدسة ليلة الخميس 9 شعبان / 1407= 8 نيسان 1987.

[4]. الفقه السياسي في الاسلام ، محمد صالح جعفر الظالمي، ص 156.

[5]. لقد كان بعض ابناء العلماء في النجف ينتسبون الى احزاب تعادي الاسلام، فلقد كان فيهم الشيوعي والقومي كما كان فيهم من يتعاون مع حزب البعث، ولا اجدي بحاجة الى ذكر  اولئك فالمجالس بالأمانات.

[6]. سنوات المحنة ، ص 175.

[7]. التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، ص 295ـ296.

[8]. سنوات الجمر، ص 50.

[9]. جريدة لواء الصدر بتاريخ 25 ربيع الثاني 1403هـ.

[10]. من حديث للشيخ عبد العزيز عوده امام مسجد الشيخ عز الدين قسام في غزة بفلسطين في جريدة الجهاد، العدد 342 في 4 شوال 1408هـ.

[11]. حديث لآية الله العسكري في 15/10/1999.

[12]. حديث مع آية السيد العسكري في 15/ 12/ 89.

[13]. نشرة داخلية لحزب الدعوة الاسلامية كتبها الشهيد الصدر بخط يده الشريفة حول المرحلة الاولى من عمل الدعوة.

[14]. حديث مع السيد العسكري في 2/ 6/ 2000.

[15]. صلاح الخرسان، ص 115.

[16]. حوارات، ص 151ـ 152.

[17]. حوارات ، ص 152.

[18]. المنهاج، ص 247.

[19]. حديث مع آية الله السيد العسكري في 15/ 12/89.

[20]. المنهاج ، ص 248.

[21]. المنهاج ، ص 249ـ 250.

[22]. المنهاج، ص 252.

[23] المنهاج ، ص 253.

[24]. فان حزب الدعوة الاسلامية بعد أن اقترح على الامام الحكيم في 9/6/69. ان يقوم بتحرك كبير لتثوير الشعب العراقي بجميع فئاته بشرط موافقة الامام الحكيم نفسه.

نعم بعد ان اقترح عليه ذلك ورفض الاقتراح من قبل الامام عليه الرحمه، قرر الحزب ان يصدر منشوراً شديد اللهجة يعمم على الشعب العراقي، يشرح ابعاد تلك الهجمة الظالمة، وبشرط موافقة الامام الحكيم ايضاً.

[25]. مذكرات السيد مهدي الحكيم المسجلة.

[26]. وبخصوص زيارة السيد مصطفى  للسيد الحكيم ينقلها صاحب (سنوات الجمر) من كتاب نهضت امام  خميني.

[27] بعد وصول المنشور الذي اشرنا اليه قبل قليل.

[28] – سنوات الجمر ، ص 100 – 101 .

[29]. ذكرنا فيما سبق ان السيد محمد رضا نجل الامام الحكيم هو الذي طلب عدم مجيء طلاب الحوزة في النجف الى الكوفة بعد حصول المعركة بينهم وبين جلاوزة السلطة.

[30]. المنهاج ، ص 283ـ 284.

[31]. اما موضوع ظهور الامة بمظهر التخاذل، فنقول ان الأمة المرحومة لم تكن متخاذلة، بل كان المتخاذل غيرهم.

وأحيل القارئ الكريم الى الصفحة 58 من كتاب (العمل السياسي في العراق) لمؤلفه عادل رؤوف، اذ يقول بهذا الصدد ما يلي:

عندما اتهم النظام السيد مهدي الحكيم بالعمالة، وتم بعدها مضايقة مرجعية السيد الحكيم.. تحركت عشائر محافظة السماوة وأعلنت الاستنفار وأشعلت النيران كدلالة على تحدي السلطة واستعدت للهجوم على مراكز الدولة تضامناً مع المرجعية واستعداداً للمواجهة استمر هذا الاستنفار ثلاثة ايام متتالية، فأرسلت السلطة مندوباً من قبلها مسؤولاً حزبياً متقدماً، ذهب الى زعماء قبيلة (الظوالم) وهم مجتمعون في مضيف( السيد راجوح السيد مطلب الياسري)…… ودار حوار بين مندوب السلطة وبين الشيوخ والوجهاء ، ولقد سألهم المندوب عن مطالبهم الخدمية وقال لهم« نحن قادمون جدد الى السلطة ومستعدون لتنفيذ كل طلباتكم، فقولوا لنا ماذا تريدون، ولقد رفض الشيوخ والوجهاء ذلك الطرح وقالوا له« سمعنا بانكم اتهمتم السيد مهدي الحكيم بالعمالة وتقومون الآن بمضايقة آية الله السيد محسن الحكيم، نفى المندوب(المضايقة)  وعندها قالوا يجب ان نرسل وفداً الى آية الله السيد محسن الحكيم  لنتأكد من ذلك، وفعلاً ارسل الوفد، والتقوا آية الله السيد محسن الحكيم  ودار حوار وابلغوه  استعدادهم لأي امر تصدره المرجعية، الا ان السيد الحكيم شكرهم على موقفهم فقط دون ان يطلب منهم القيام بأي عمل.

[32]. مباحث الاصول/ آية الله السيد كاظم الحائري، ص 100/ 102. ولقد كنت انا ذلك الشخص الذي دعاني الشهيد الصدر لأن ألتقيه في ليلة 21ـ 22/5/1979. وهو آخر لقاء به رضوان الله عليه، وأبلغني بأنه رفع العمل بفتواه حول انفصال الحوزة عن العمل الحزبي.

[33]. المنهاج، ص 261.

[34]. المنهاج ، ص 262.

[35]. المنهاج، ص 264ـ 265.

[36]. المنهاج، ص 264ـ265.

[37]. المنهاج، ص 264ـ 265.

[38]. المنهاج ، ص 265.

[39]. المنهاج  ص 266.

[40]. المنهاج ص 288.

[41]. المنهاج ص 269.

[42]. المنهاج ص 270.

[43]. سنوات المحنة للشيخ محمد رضا النعماني، ص278ـ 279.

[44]. المنهاج ص 289.

[45]. المنهاج ص 270.

[46]. المنهاج ص 289.

[47]. المنهاج ص 271.

[48]. سنوات المحنة، ص 310.

[49]. المنهاج ص 274.