اقتصادنا من وجهة نظر مختلفة رؤية غير إسلاميَّة

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

تمهيــد: كتاب «اقتصادنا»، بتعبير مؤلِّفه الشَّهيد السيِّد محمد باقر الصَّدر نفسه، محاولة بدائيَّة للغوص إلى أعماق الفكرة الاقتصادية في الإسلام، مهما أوتي من النَّجاح وعناصر الابتكار. وعندئذٍ يلزم أن يدرس ـ على حد تعبير الشَّهيد الصَّدر أيضاً ـ بوصفه بذرة بدائية لذلك الصَّرح.

غير أنَّ عناصر الابتكار والنجاح فرضت نفسها على حركة التفكير الإسلامي في هذا الحقل المعرفي، فاعترف المفكِّرون الإسلاميون وغيرهم بتفوُّق «اقتصادنا» وتألُّقه؛ وذلك لأنَّه ـ بتقييم المفكِّر الإسلامي محمد المبارك ـ أوَّل محاولة علميَّة فريدة من نوعها ينجزها فقيه، يتكرَّس في كتابه البعد العلمي للاقتصاد والفقهي للشَّريعة.

ولم يكن يُتصوَّر أن يكتسب «اقتصادنا» هذا الموقع المتميِّز، وقد مرَّ على كتابته ما يقرب من أربعة عقود، فبقي متألِّقاً وهّاجاً على الدَّوام. ولئلَّا يتَّخذ الوصف الإطراء والثناء، يمكن المقارنة بين «اقتصادنا» وبين ما تمَّ إنجازه إلى الآن في الإطار نفسه. وأزعم أنَّ معظم ما كتب، في هذا المجال، عيالٌ عليه ومدينٌ له في أهم الأفكار والرؤى الأساسية للاقتصاد الإسلامي.

غير أنَّ هذا الإطراء لا يعني سدَّ الباب أمام النَّقد والقراءة العلمية لـ «اقتصادنا»، بل على العكس تماماً، فإنَّ نقداً من هذا القبيل يُعبّر عن الاحترام الأكيد والشديد للمؤلَّف ـ بالفتح ـ والمؤلِّف ـ بالكسر ـ معاً. لكن وفقاً للمنهج العلمي والموضوعي. وبخاصَّة أنَّ الكتاب تاريخي، بمعنى أنه كتب في حقبةٍ زمنية، كانت لها أجواؤها الخاصة وطبيعتها أيضاً، فضلًا عن المستوى الفكري الذي كانت تطرح فيه يومذاك. ولذلك افترضه الشهيد الصدر بذرة. وأية بذرة!

ومهما يكن من أمر، فإنَّنا وعلى خلفية تفعيل النَّقد، حاولنا رصد بعض القراءات والدِّراسات النَّقدية، أو التي قيل عنها إنها كذلك، لكتاب «اقتصادنا». واقتصرنا على المهمِّ منها. ورأينا أنّها تتمثل في اتجاهين:

الأوَّل: ما كان يصدر منها عن موقفٍ مسبقٍ وقَبْليٍّ، فيقرأ «اقتصادنا» في غرفٍ مظلمة لا يبصر منه إلّا ما يريد أن يبصر.

وهنا لم يكن مستغرباً أن تتصدَّى الأقلام الماركسية لتسجيل بعض الملاحظات النقدية! على الأقل بداعي ردّ الاعتبار وحفظ ماء الوجه، وهي في معظمها كذلك، وبخاصة تلك التي كانت في معركة سافرة مع الاتجاه الإسلامي في العراق، والتي لم يكن متوقَّعاً منها قراءة نقديَّة منصفة، في ظلِّ الاحتراب والصِّراع المرير. وهذا ما تعبِّر، وإلى وقت متأخر، عنه كتابات هادي العلوي تحديداً[2]، وهو يخبط خبط عشواء ويحتطب في اللَّيل.

ولكن من المستغرب أن تتصدَّى بعض الأقلام الإسلامية لنقد «اقتصادنا» بالطَّريقة الماركسيَّة نفسها، على خلفيَّة الصِّراع المذهبي البغيض، في وقت مثَّل فيه هذا الكتاب صيغة إسلامية تجاوزت المذهبية نفسها، كما يشهد بذلك الأثر الذي تركه في المحافل الفكرية والثقافية على تنوُّعها المذهبي.

وعلى أية حال، فقد رصدنا في هذا الاتجاه تيَّارين، إن صحّ التعبير، الأوَّل: ويمثله الحسُّ المذهبي الضَّيق، وشاهده الوحيد، كتاب «الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وأهل السنَّة ـ قراءة نقدية في كتاب اقتصادنا». والثاني: وتمثِّله الأقلام الماركسية والاشتراكية، وقد أشرنا إلى ثلاثة نماذج: كتبها أحمد صادق سعد، وغسّان محمود إبراهيم، وفالح عبد الجبار.

والاتجاه الثاني: وهو، إلى حدٍّ ما، يصدر عن موقفٍ علمي وروح علمية، وإن كان يشكو من نقاط ضعفٍ كثيرة. وأشرنا إلى دراستين: الأولى: كتاب «أصول الاقتصاد الإسلامي» للدكتور رفيق المصري، والثانية: كتاب «تجديد الفقه الإسلامي ـ محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم» للدكتور شبلي الملّاط، ونأمل أن ننشر قراءتنا لهاتين الدّراستين في وقتٍ لاحق.

أمَّا، الآن، فسنتحدَّث عن التيَّار الثَّاني من تيَّاري الاتجاه الأوَّل، مستكملين ما بدأناه في دراسة سابقة.[3]

ويمثِّل هذا التيَّار الكتَّاب الماركسيون وذوو الميول الاشتراكية؛ وهم، وإن لم يكونوا في نقد «اقتصادنا» سواء، من حيث اللغة والمنهج والمحتوى، إلّا أنهم يشتركون في مواجهة المضمون الفكري لـ «اقتصادنا»، لجهة كونه النقيض العقدي والفكري لعقيدةٍ ارتضوها وفكرة اختاروا الدعاية والتَّرويج لها.

وعليه فليس من الغرابة توجيه سهام نقدهم لكتاب يستشعرون خطره على قواعدهم وجماهيرهم وشعاراتهم، أو ميدان عملهم الثقافي على أقل تقدير.

ويمكن الإشارة إلى نماذج ثلاثة في هذا التيَّار:

الأوَّل: كتاب «دراسات في المفاهيم الاقتصادية لدى المفكِّرين الإسلاميين ـ الفكر المعاصر» للكاتب أحمد صادق سعد[4].

الثَّاني: كتاب «الخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر ـ قراءة علمية» للدكتور غسان محمود إبراهيم[5].

الثالث: كتاب «المادية والفكر الدِّيني المعاصر ـ قراءة نقدية» للكاتب فالح عبد الجبَّار[6].

وقد اشتملت هذه الأبحاث ـ طيَّاً ـ على نقد «اقتصادنا» بوصفه إحدى الصِّيغ النَّظرية الفكريَّة، التي تمثِّل الفكر الاقتصادي الإسلامي، بل وأبرز ما قدَّمه المفكِّرون الإسلاميون في هذا الصَّدد وأنضجه.

في الكتاب الأوّل

وفي معرض الحديث عن أدبيَّات الاقتصاد الإسلامي والمعالجات النَّظرية التي صاغها المفكِّرون الإسلاميون يشدِّد أحمد صادق على أهمية كتاب «اقتصادنا»، وتقدُّمه على سائر الأعمال الفكرية في هذا الحقل المعرفي المهم.

فقد كتب صادق في صدد تقييم «اقتصادنا»: «وفي آخر الستِّينات أيضاً، أصدر الإمام الشِّيعي اللبناني محمد باقر الصَّدر كتابه الضخم المعنون اقتصادنا. والأهمية الكبيرة لهذا المؤلَّف تأتي من أن كاتبه قدَّم به عملًا مترابطاً متسقاً لأوَّل مرة، في هيكل نظري ذي منطق منسجم إلى درجة أكبر من الأعمال الأخرى التي تعالج الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى أن محمد باقر الصدر استقى معلوماته من شتى المصادر الفقهيَّة السنيَّة إلى جانب الشِّيعية، فإن استنتاجاته قد تصلح لكي يتبنَّاها أتباع الفريقين على السواء، إذا استبعدنا أجزاء قليلة تفصيلية»[7].

ولضخامة العمل الفكري الذي قدَّمه الشهيد الصدر، يعتذر صادق سعد عن متابعة أفكاره، ويكتفي بعرض مجموعة من الآراء الأساسيَّة التي يقدِّمها[8].

ويلاحظ على الكاتب سعد استغراقه في نقل نصوص عديدة ومن مواضع متفرِّقة من «اقتصادنا»؛ وهو، إذ يفعل ذلك، قلَّما يناقش هذه المضامين، وإن تعرَّض لها فإنه يقتصر على تعليقات لا تكتسب الصِّفة العلميَّة للمناقشات، وهي أقرب إلى تسجيل الانطباعات منها إلى المناقشات.

ففي وقتٍ يركّز فيه الشَّهيد الصَّدر على خصوصية المجتمع الإسلامي ودوره في إنجاح التَّنمية الاقتصادية في العالم، بما للظُّروف الموضوعية للأمَّة وتركيبها النَّفسي التَّاريخي من إسهام في عملية التنمية هذه وإنجاحها، وبما يتكفّل بتفادي الصُّعوبات التي تنجم عن الاقتصاد الحر، والمشاكل التي تواجهها التنمية الاقتصادية في ظله، وذلك بناء على المفهوم الإسلامي للرقابة غير المنظورة، ينقل صادق سعد عن «اقتصادنا» ما نصُّه: «تتجلَّى خلال البحوث… أصالة الاقتصاد الإسلامي ومناقضته للاشتراكية في موقفه من الملكية الخاصة واحترامه لها، واعترافه ـ في حدود مستمدَّة من نظريته العامة ـ بمشروعية الكسب الناتج عن ملكيَّة مصدر من مصادر الإنتاج غير العمل»، ويحرص من ثمَّ على التعليق فيكتب: «الاقتصاد الإسلامي في نظره إذن اقتصاد حر في أساسه»[9]، وبذلك ينسب إلى الشهيد الصدر تحديداً خاصاً لصورة الاقتصاد الإسلامي، وصفها سعد بأنها مناقضة للاشتراكية…

هذا التعليق لا يخلو من مغزى! لأن سعد، شأنه شأن الكتَّاب من أصحاب الميول الاشتراكية، يحرص على إضفاء الطابع الرأسمالي على التصوُّرات الإسلامية في المجال الاقتصادي، ولذلك لا يدّخر جهداً في التقاط بعض المفردات، مغفلًا مفردات أخرى، في سبيل تكريس هذه الصِّيغة.

ومهما يكن من أمر، فما هو مراد سعد من كون الاقتصاد الإسلامي اقتصاداً حرَّاً؟ هل يعني كونه رأسمالياً، أو كونه ينأى عن الاقتصاد الاشتراكي؟ فإذا كان يعني به إضفاء الصِّفة الرأسمالية، فهو افتئات على «اقتصادنا» على أقل تقدير، لأن كلام الشَّهيد الصَّدر ـ في ما نقله عنه سعد نفسه ـ خلوٌّ من ذلك، لأنَّ ما بصدده الشهيد الصدر هو بيان دور التحديد الداخلي والرقابة غير المنظورة وإسهامهما في تفادي المعوِّقات التي تنتاب التنمية الاقتصادية في ظل النظام الرأسمالي، وهذا لا يعني كون الاقتصاد الإسلامي حرَّاً بالدرجة نفسها في ظل الاقتصاد الرأسمالي، لأنَّ هناك عدداً غير قليل ـ في ما أوضحه الشَّهيد الصَّدر ـ من المسائل ممَّا يفترق بها الاقتصاد الإسلامي عن الرأسمالي، وقد ضمَّ «اقتصادنا» عدداً من المسائل التي كشف فيها الشهيد الصدر عن الحدود الفاصلة بين النظام الإسلامي والنظام الرأسمالي، فضلًا عن النظام الاشتراكي.

وإذا كان يعني بكونه اقتصاداً حرَّاً لجهة ابتعاده عن الاقتصاد الاشتراكي فهذا صحيح لأنه ليس اشتراكياً، بل هو اقتصاد ذو صبغة وطابع متميِّزين.

كتب الشَّهيد الصَّدر في هذا الصدد: «… وأولئك الذين اعتقدوا بأن الاقتصاد الإسلامي رأسمالي، يؤمن بالحرِّيات الرأسمالية، قد يكون لهم بعض العذر إذا كانوا قد استلهموا إحساسهم من خلال دراسة إنسان عصر التطبيق، والقدر الذي كان يشعر به من الحرِّية، ولكن هذا إحساس خادع، لأنَّ إلهام التَّطبيق لا يكفي بدلًا عن معطيات النصوص التشريعية والفقهية نفسها، التي تكشف عن مضمون رأسمالي. وفي الواقع: إن الاعتقاد بوجود مضمون لا رأسمالي للنَّظرية الاقتصادية في الإسلام على ضوء ما قدَّمناه.. ليس نتيجة تطوير أو تطعيم أو عطاء ذاتي جديد للنظرية كما يقول أولئك المؤمنون برأسمالية الاقتصاد الإسلامي، الذين يتَّهمون الاتجاه إلى تفسير الاقتصاد الإسلامي إتجاهاً لا رأسمالياً، ويقولون عنه: إنه اتجاه منافق، يحاول إدخال عناصر غريبة في الإسلام، تملُّقاً للمدّ الفكري الحديث، الذي شجب الرأسمالية في الحرية والملكية.. ونحن نملك الدَّليل التأريخي على تفنيد هذا الاتهام، وإثبات أمانة الاتجاه اللارأسمالي في تفسير الاقتصاد الإسلامي، وهذا الدليل هو النصوص التشريعية والفقهية، التي نجدها في مصادر قديمة، يرجع تاريخها إلى ما قبل مئات السنين، وقبل أن يوجد العالم الحديث والاشتراكية الحديثة، بكل مذاهبها وأفكارها. وحين نبرز الوجه اللارأسمالي للاقتصاد الإسلامي، الذي يعرضه هذا الكتاب، ونؤكد على المفارقات بينه وبين المذهب الرأسمالي في الاقتصاد.. لا نريد بذلك أن نمنح الاقتصاد الإسلامي طابعاً اشتراكياً، وندرجه في إطار المذاهب الاشتراكية، بوصفها النقيض للرأسمالية. لأن التناقض المستقطب القائم بين الرأسمالية والاشتراكية، يسمح بافتراض قطب ثالث في هذا التناقض، ويسمح للاقتصاد الإسلامي خاصة أن يحتل مركز القطب الثالث، إذا أثبت من الخصائص والملامح والسمات ما يؤهِّله لهذا الاستقطاب في معترك التناقض. وإنما يسمح التناقض بدخول قطب ثالث إلى الميدان، لأن الاشتراكية ليست مجرد نفي للرأسمالية، حتى يكفي لكي تكون اشتراكياً أن ترفض الرأسمالية، وإنما هي مذهب إيجابي له أفكاره ومفاهيمه ونظرياته. وليس من الحتم أن تكون هذه الأفكار والمفاهيم والنظريات صواباً إذا كانت الرأسمالية على خطأ، ولا أن يكون الإسلام اشتراكياً، إذا لم يكن رأسمالياً، فليس من الأصالة والاستقلال والموضوعية في البحث، ونحن نمارس عملية اكتشاف للاقتصاد الإسلامي.. أن نحصر هذه العملية ضمن نطاق التناقض الخاص بين الرأسمالية والاشتراكية، فنسرع إلى وصفه بالاشتراكية إذا لم يكن رأسمالياً، أو بالرأسمالية إذا لم يكن اشتراكياً»[10].

وهذه الفقرة التي حرصنا على نقلها ـ على طولها ـ تحدِّد معالم النظام الإسلامي في حقل الاقتصاد وموقعه من التناقض القائم بين الأنظمة السائدة، وتحديداً النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، وتلقي الضوء على ما يستهدف الشَّهيد الصَّدر من التَّنظير لنظام متميِّز قائم بنفسه.

وعندئذٍ فلا موضوع لتعليق الكاتب صادق سعد ـ في ما نقلناه عنه ـ للإيحاء بطبيعة رأسمالية الاقتصاد الإسلامي، وتحديداً من وجهة نظر الشَّهيد الصَّدر، في ما أسماه بالاقتصاد الحر، وبخاصة أن تعليق صادق سعد ورد على جزء من الفقرة التي نقلنا معظمها في ما تقدم، والتي حدَّد فيها الشهيد الصدر طبيعة النظام الإسلامي وموقعه من الصراع القائم، وربما أغفل الكاتب سعد الإشارة إلى موقع الفقرة التي نقلها عن «اقتصادنا» وتحديد رقم الصفحة، خشية اكتشاف دوره في تقطيع الفقرات وتفسيرها تفسيراً تعسُّفيَّاً..

وفي صدد ما أسماه الشَّهيد الصَّدر «منطقة الفراغ» وأهميتها في تلبية حاجات المجتمع الإسلامي، كتب سعد: «ويرى الكاتب أن الأحكام الفقهية للسَّلف لا تستطيع أن تقدِّم حلولًا لجميع المشاكل الاقتصادية المعاصرة بكليتها، فإنّ هناك ما يسمِّيه منطقة الفراغ»[11].

هنا لم يشأ التَّعليق بأكثر ممَّا صدَّر به الفقرة التي نقلها عن الشَّهيد الصَّدر بخصوص تفسير «منطقة الفراغ» وفيما إذا كان يشكّل ذلك قصوراً في الشريعة أو يعبّر عن الطبيعة المتحرِّكة والمرنة للشريعة الإسلامية وقدرتها على الوفاء بمتطلبات كل عصر، ولا ندري ما هو مدى تفهُّمه لهذه الفقرة، وكأنه يوحي باعتراف الشَّهيد الصَّدر بعدم وفاء الأحكام الفقهية ـ التي نسبها إلى السلف ـ بمتطلبات الحياة وقدرتها على حل المشاكل الاقتصادية المعاصرة..

طبعاً الشَّهيد الصَّدر لم يقل ذلك، لأنَّ النصوص الشرعية ـ وليست الأحكام الفقهية المنسوبة إلى السلف على حد تعبير صادق سعد ـ قادرة بصيغها التشريعية الأصيلة على الوفاء بذلك، وهذا ما أوضحه الشهيد الصدر في الفقرة نفسها التي نقلها عنه سعد، إلّا أنه ـ الشهيد الصدر ـ افترض مجالًا لا يمكن أن يتخذ صيغة جامدة بسبب طبيعته المتحركة المتغيِّرة، فتركها المشرِّع للدولة، على أن تملأ بما لا يتعارض مع الصيغ التشريعية الأصيلة، بل إنها بعبارة أوضح، ليست أحكاماً، بقدر ما هي تدابير، وإن كانت تكتسب الصفة التشريعية الثانوية بلحاظ كونها صادرة عن الجهة المختصَّة.

ولا يغفل الكاتب سعد رأي الشهيد الصدر في تحديد مفهوم الاقتصاد الإسلامي ونفي الصفة العلمية عنه، وكونه المذهب والطريقة، على تفصيل وشرح مبسوط إلى حدٍ ما، وبما يدفع الالتباس أيضاً.

ولا يعلِّق الكاتب سعد على هذه المقولة، وربما لم يرد إغفالها على الرغم من ذلك لجهة أنه يوحي بنفي قيمة الاقتصاد الإسلامي وجدواه، كما هو رأي عدد من الكتَّاب والباحثين…

ولعلَّ الأهم في تعليقات صادق سعد ما أورده بخصوص رأي السَّيد الشَّهيد في العلاقة بين الإنتاج والتَّوزيع، والذي حاول فيه الشَّهيد الصَّدر نقض المقولات الماركسية، وهي تربط بينهما على نحو صارمٍ يؤول في النهاية إلى ما أُسمي بالشيوعية واختفاء مظاهر الاستغلال نهائياً.

كتب صادق سعد في هذا الصَّدد: «فهو ينفي أن نمط الإنتاج هو الذي يحدِّد السمات الأساسية للمجتمع واقتصاده، وبرهانه أن المجتمع الإسلامي خلال تاريخه عرف تطوُّراً في أساليب الإنتاج دون أن تتغير أساسياته الاجتماعية، وعليه فيقول: إن الذي يحدِّد تلك السمات الاجتماعية هو التوزيع وعلاقاته، وهو عنصر ثابت حسب رأيه في المجتمع الإسلامي. ويقول في هذا الموضوع، مميِّزاً ما يسمِّيه التوزيع قبل الإنتاج عن التوزيع بعده»[12].

ولا يخلو هذا التعليق من التبسيط الشديد، إذ عالج الشهيد الصدر ـ وهو بصدد نفي العلاقة الحتمية بين الإنتاج والتوزيع ـ المسألة من عدة زوايا، ابتداءً بمناقشة الأسس النظرية التي صاغتها الأقلام الماركسية[13]، ومدى نجاح هذه الأفكار على مستوى التطبيق تاريخياً[14]، وتحديداً بخصوص نجاح الثورات الاشتراكية في مكان وإخفاقها في آخر، وانتهاء بالتَّصوُّرات الإسلامية التي أسست لمقولاتٍ قانونية فصلت بين الإنتاج والتوزيع[15]، على نحو يمكن معه قيمومة هذه المقولات على حياة الإنسان، بعيداً عن الإطار الزمني الذي وجدت فيه..

على أن ما نسبه صادق سعد إلى السيد الشهيد من القول بثبات التوزيع غير صحيح على إطلاقه، وهو يشي بمدى تواضع قراءته لـ «اقتصادنا»، أو أنها على أقل تقدير قراءة التقاطية لم تستوعب المحتوى الفكري الذي اشتمل عليه الكتاب.

وعليه، فالأمر الذي يتحدَّث الشهيد الصدر عنه هو نفي الصلة الحتمية بين الإنتاج والتوزيع وبما روَّج له الماركسيون، وهو ليس بصدد إثبات أن التوزيع ثابت وأنه لا يعتوره أي تغيّر، بل أشار الشهيد الصدر، وبوضوح، إلى أنَّ النِّظام الاجتماعي الذي يحدِّد علاقات الناس بعضهم ببعض، وبما فيها علاقات التوزيع في تطوُّر وتحوُّل، وأنه لم يتخذ صيغة ثابتة في تاريخ الإنسان، بل اتخذ ألواناً مختلفة باختلاف الظُّروف وتغيُّرها[16].

وبكلمة أخرى: فإنَّ ما بصدده الشَّهيد الصَّدر هو نفي جدارة النظام الاشتراكي، باعتباره العلاج الضروري للمشكلة الاجتماعية في مرحلة تاريخية معينة، وفقاً للتصوُّرات الماركسية التي ربطت بين الإنتاج والتوزيع على نحوٍ صارمٍ وحتمي، وليس في وارد الحديث عن ثبات التوزيع، إلّا بقدر ثبات الحاجات الأساسية للإنسان التي لا تتغير مع تغيّر الزمان وتقادمه، وعندئذٍ يكون من المنطقي جداً تصوُّر ثبات قواعد التوزيع في إطار هذه الحاجات وتلبيتها وتحقيقها، مع تصور حاجات إنسانية متغيِّرة يتم تحقيقها عبر آليات متغيِّرة أيضاً[17].

ولذلك، لا يبقى ثمَّة مجال لتعجُّب صادق سعد وهو يعلِّق على ما تقدَّم من الفقرة التي نقلها عن الشَّهيد الصَّدر فيقول: «ولا يسعنا في هذه النقطة إلّا أن نتعجَّب من أن هذا الكاتب الكبير يسترسل بهذا الشكل في تأمُّلات، فيغمض عينيه عن الواقع التاريخي البديهي الذي يناقض رأيه إلى درجة كبيرة. فهذه مصر، مثلًا، وقد صاحب تحولها الصناعي والزراعي إلى الوسائل التقنية الإنتاجية الحديثة، مثل استعمال الآلات والري الدائم والكهرباء والمحرك البترولي، إختفاء أشكال معينة من العلاقات الاجتماعية الماضية مثل الرق والسبي والولاء القبائلي، وخفوت علاقات أخرى مثل العشائرية والقبائلية»[18].

ولا ينقضي تعجّبنا من تعجّب صادق سعد!! لأنَّ الشَّهيد الصَّدر، كما قدَّمنا، لم ينكر تغيُّراً من هذا القبيل، بل تحدَّث عن أنَّ هناك حاجاتٍ أساسيَّة للإنسان ثابتة لا تتغيَّر، كحاجته إلى الضمان المعيشي والتوالد والأمن وما إليها من الحاجات التي عولجت في أحكام توزيع الثروة[19]، وغير ذلك من الحاجات. وهذا لا يعني ثبات جميع حاجات الإنسان، وأنها ممَّا لا يطرأ عليه التغيُّر والتطوُّر. بل أشار الشهيد الصدر، وبوضوح أيضاً، إلى أنه ليس من المعقول أن تصاغ كليات الحياة وتفاصيلها في صيغ ثابتة، بل يجب أن يكون في النظام الاجتماعي جانب رئيسي ثابت، وجوانب مفتوحة للتطوُّر والتغيُّر، ما دام الأساس للحياة الاجتماعية (الحاجات الإنسانية) يحتوي على جوانب ثابتة وجوانب متغيرة، فتنعكس كل من جوانبه الثابتة والمتطورة في النظام الاجتماعي..[20] بل يمكن أن يُزوَّد الجانب الثابت من النظام بقواعد تشريعية ثابتة في صيغها القانونية، غير أنها تتكيف في تطبيقها بالظروف والملابسات، وبذلك تحدد الأسلوب الصحيح لإشباع الحاجات الثابتة التي تتنوع أساليب إشباعها بالرغم من ثباتها..[21] وليس من الحاجات الأساسية الثابتة ـ من وجهة نظر الشهيد الصدر ـ الرق والسبي والولاء القبلي. على أننا لا نفهم الفرق بين الولاء القبلي الذي اختفى في مصر، وبين العشائرية والقبائلية التي خفتت على حد تعبير الكاتب صادق سعد!

يبقى أن نشير إلى ملاحظة وصفها صادق سعد بالعابرة، إذ كتب على هامش رأي الشهيد الصدر السالف الذكر: «نلاحظ هنا، بشكل عابر، أن الكاتب لم يدرك مفهوم نمط الإنتاج الإدراك العلمي الصحيح، إذ اعتبره فقط مساوياً لأسلوب الإنتاج من الناحية التقنوية، وفي طريقة تنظيمه، مسقطاً منه علاقات الإنتاج أو علاقة الاستغلال»[22].

وَصْفُ ملاحظته هذه بالعابرة هو الأكثر صدقية فيها، لأنها تعبِّر عن قراءة سطحية ومبتسرة، ولو كان أتعب نفسه في قراءة «اقتصادنا» بأناةٍ وصبر علميَّين لعزف عن تسجيل ملاحظة من هذا القبيل تفتقر إلى أدنى درجات قراءة الآخر.. لأن الشَّهيد الصَّدر ـ وبكل تأكيد ـ يعي ويدرك هذا المفهوم تماماً، وهو ما شرحه في فصل «العامل الاقتصادي أو المادية التاريخية» [23]وسجّل ملاحظاته عليه.

ولعلَّ أكثر ملاحظات الكاتب صادق سعد طرافة إكتشافه ما أسماه بالتَّناقض في أفكار الشَّهيد الصَّدر، وتحديداً في مسألة استحقاق صاحب الآلة (مثل الجرار) الأجرة من الفلَّاح، في وقت يُعَدّ فيه العمل أساس الملكية، فكتب: «نلاحظ هنا نوعاً من التناقض، فإذا كان الفلَّاح مثلًا يدفع لصاحب الجرار أجرة مقابل استعماله، فإنَّ هذه الأجرة سوف تدخل بطبيعة الحال في قيمة المنتج، أليس هذا نوعاً من المشاركة من صاحب الجرَّار للفلَّاح في هذه القيمة؟ وقد نجد تفسيراً لهذا في قول الكاتب بعد ذلك، إنه يعدّ الجرّار عملًا مختزناً يعطي لصاحبه حقَّاً في مشاركة الفلَّاح على شكل الأجرة»[24].

ولا تخلو هذه الملاحظة من المماحكة، إذ أي تناقض مزعوم بعد الإجابة عليه نظرياً.. إن افتراض التَّناقض، إن صحَّ، فهو يصح لو غفل الشَّهيد الصَّدر عن الصُّورة النَّظرية التي تجيب عن هذا التساؤل، فإن أجاب فلا يبقى مجال لافتراض هذا التناقض.

على أنَّ هذا التفسير المقترح ـ افتراض العمل المختزن في الآلة ـ هو المائز بين التفسير الإسلامي وبين التفسير الاشتراكي من وجهة نظر السيد الشهيد، إذ عدّ التفسير الاشتراكي العمل المباشر الأساس الوحيد للملكية، في وقت يعدّ فيه التفسير الإسلامي العمل هو أساس الملكية سواء كان عملًا مباشراً أم مختزناً.

الكتاب الثَّاني

يحاول الدكتور غسان محمود إبراهيم، في هذا الكتاب، نقد المقولات الاقتصادية التي أرسى دعائمها الشهيد الصدر، وذلك في سياق نقده للخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر، ولكنه لا يتجاوز، في معظم هوامشه النقدية، التَّعليق المبتسر هنا أو المماحكة هناك. وإن سجَّل بعض الملاحظات، فهي ملاحظات تشي بالقراءة الناقصة أو غياب الدقَّة والأناة في قراءة هذه النصوص ومتابعتها.

إبتداء يورد إبراهيم ما ذكره الشَّهيد الصَّدر في صدد تحديد أركان الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي، القائم على مبدأ الملكية المزدوجة، ومبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود، ومبدأ العدالة الاجتماعية..

وهنا لا يختلف ابراهيم مع الشهيد الصدر، على حدّ تعبيره، حول طبيعة المبدأ الأوَّل، ولكنه يسجِّل ملاحظته بشأن ما أسماه تجاهل الشَّهيد الصَّدر، كما يدَّعي، للشكل المسيطر للملكية الاجتماعية، وإن سلَّم بوجود هذه الأشكال من الملكية: الخاصة، والعامة، وملكية الدولة..

كتب إبراهيم في هذا الصَّدد: «إنَّ جوهر المسألة الخلافيَّة لا يقتصر على وجود هذه الأشكال مجتمعة، أو وجود أحدها، وإنَّما بالضَّبط هو: في تحديد أيّها المسيطر على الأشكال الأخرى، هذا أوَّلًا، ما هي النتائج أو الآثار الإيجابية أو السلبية التي ستنجم عن تلك السيطرة، وهذا ثانياً. إنَّ الشكل المسيطر للملكية الاجتماعية لا تقرره الإرادة البشرية، أي لا يتحقق ذلك الشكل التاريخي للملكية بقرار سياسي اجتماعي، وإنما بفعل آلية التطور العفوي الطبيعي»[25]!

ولكنَّ نسبة فرض شكل الملكية بقرار سياسي لم يرد في عبارات الشَّهيد الصَّدر، فالشَّهيد الصَّدر يرى هذه الأشكال الثلاثة، من الملكية، تعبيراً عن حاجة الفرد والمجتمع معاً[26] وبعبارة أخرى: إنَّ الصفة الواقعية للاقتصاد الإسلامي هي التي فرضت هذا الاعتراف، والتسليم بالأشكال المتعدِّدة للملكية[27].

على أنَّ إبراهيم، وهو يكتب ملاحظاته، كان يكتبها برؤية مشبعة بالمفاهيم الاشتراكية، ولا ندري ما هو مفهوم آليَّة التطوُّر العفوي الطبيعي! هل يعني به التصوُّرات الماركسية التي رسمت قوانين محدَّدة، يتم وفقاً لها ظهور الطبقات الاجتماعية والنظم الاجتماعية وضمورها؟! لقد ناقش الشَّهيد الصَّدر في صدقيَّة هذه التصوُّرات وفرغ منها في مطلع كتابه «اقتصادنا»، فإن كان للكاتب ملاحظات نقدية بهذا الخصوص، فلم غفل عنها؟!

وعلاوة على ذلك، فقد غفل ـ أو تغافل ـ ابراهيم عن القرار السِّياسي الذي بموجبه تم تعطيل الملكية الخاصة أو تضييق دائرتها، وفرض الأنظمة الاشتراكية في بلدانٍ لم يكن من الممكن ـ نظريَّاً ـ نجاح النظام الاشتراكي أو قيامه فيها.

ويكتب ابراهيم في الاتجاه نفسه: «إنَّ طبيعة الملكية الاجتماعية المهيمنة على الأشكال التاريخية الأخرى لهذه الملكية هي التي تحدِّد فعلياً وقانونياً طبيعة المجتمع التاريخي المعني ـ بالطبع في التحليل الأخير، وإلى جانب محدّدات أخرى مساعدة ـ والباحث يتجنّب طرح المسألة بهذا الشكل، ولذلك يستعيض عن تلك الملكية المسيطرة بمبدأ توازن أشكال الملكية. إنه يقول بتوازن الطبقات الاجتماعية وانسجامها. إنَّ مبدأ توازن أشكال الملكية في الاقتصاد الإسلامي يعبّر عنه الباحث بـ «التَّنوُّع» في هذه الأشكال… ومع ذلك فإننا لا نعتقد أبداً بأنَّ الباحث يريد إقناعنا بأن أحد الأشكال المتنوِّعة للملكية الإسلامية لا يسيطر على الأشكال الأخرى، أو أنَّ هذه الأشكال تحقِّق وظائفها الاجتماعية والاقتصادية بالتساوي! فالملكية الاجتماعية هي تعبير عن علاقة اجتماعية فعلية وقانونية تتجسد في الأشياء وتغلّف حركتها الموضوعية، وليست هي هذه الأشياء الكمية بالذات وما يشابهها»[28].

ومع اعترافنا لابراهيم بلغةٍ شاعرية فذَّة! ـ هنا يتكرَّر المشهد الثقافي من وجهة النظر الماركسية، لأنه وهو يحاكم «اقتصادنا» مأسور بهذه الرؤية ـ فإنَّه لا يلتفت إلى الأسس النظرية التي يبني عليها الشَّهيد الصَّدر تصوُّره للاقتصاد الإسلامي، وإن التفت إليها فإنه يحاول تجنُّبها، وهو يقف على تأكيد الشَّهيد الصَّدر للأسس الفكرية التي يستند إليها المذهب الاقتصاد الإسلامي في شرعنة هذه الأشكال المتعددة من الملكية، وبما يناقض الأسس والقواعد التي قامت عليها الرأسمالية أو الاشتراكية[29].

على أنَّنا نستغرب دعاوى إبراهيم بشأن ما أسماه تَجنُّب الشَّهيد الصَّدر المُشكل في هذه المسألة، والذي حدَّده ابراهيم في طبيعة الملكية الاجتماعية المسيطرة والمهيمنة! لأنَّ ما ذكره كان موضع «نقد» الشَّهيد الصَّدر، إن على مستوى التفكير الرأسمالي أم على مستوى التفكير الاشتراكي، ودلَّل على نجاعة الحل الإسلامي بالتراجع العملي لكلا المعسكرين عمَّا أسمياه بالمبدأ الأساس، الملكية الخاصة في المعسكر الرأسمالي، أو الملكية الشعبية أو ملكية الدولة.[30] وهل يخفى على إبراهيم ما لحق النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي من تطوُّرٍ أدخل معه عليهما لمدة تعديلاتٍ خفَّفت ما أُسمي بالمبدأ العام وسيطرة النوع الواحد من الملكية؟!

ولعلَّ الأكثر غرابة، في ما يكتبه إبراهيم، تأكيده على أن «الأشكال الثلاثة للملكية موجودة في كل الاقتصاديات الحديثة والمعاصرة بغضِّ النَّظر عن أيِّها المسيطر أو المهيمن»[31]، لأنه غير صحيح، على المستوى النظري على أقل تقدير، وبالتحديد من وجهة نظر المذهب الماركسي، إذ «أن الاشتراكية تقطع كل صلةٍ نهائياً بالملكية الخاصة، وتزيل إلى الأبد الاستغلال وكل اضطهاد آخر»[32] و «أن التركيب الطبقي للمجتمع تبدَّل جذرياً ببناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، فقد أُزيلت نهائياً الملكية الخاصة على وسائل الإنتاج وأُلغي استغلال الإنسان للإنسان»[33]، بل إن العمل الحزبي الدؤوب لثوار البروليتاريا نجح في تغيير الإنسان، وبخاصة في الاتحاد السوفياتي، إذ «أن العمل الجماعي من أجل الوطن حطَّم عزلة الفلَّاح التي استمرت قروناً، وساعد على التغلُّب على نفسية الملكية الخاصة لديه»[34].

وإذا كان ثمة ملكيَّتان متآخيتان في ظل الاشتراكية، وهما ملكية الشعب بأسره، والملكية التعاونية الكولخوزيَّة، «ولكن في الشيوعية، بدلًا من شكلي الملكية الموجودين في الاشتراكية ـ ملكية الشعب بأسره ـ ملكية الدولة والملكية التعاونية ـ الكولخوزية، ستوجد الملكية الشيوعية الواحدة التي تعود لجميع أفراد المجتمع من دون استثناء»[35] وهذا ما عُبِّر عنه في البيان الشيوعي التاريخي لماركس وأنجلز إذ ورد فيه بوضوح: «وبهذا الصدد يستطيع الشيوعيون تلخيص نظريتهم في صيغة وحيدة: القضاء على الملكية الخاصة»[36].

وعليه فالنَّظرة إلى هذه الأشكال (الثلاثة) من الملكية من زاوية نظرية تختلف اختلافاً جوهرياً، من مذهب إلى آخر، وإذا كان قد تمَّ التسليم بها، فإنه لم يكن إلّا على وقع الأزمات التي اعترضت النظرية على الواقع، وهذا ما أشار إليه الشَّهيد الصَّدر أيضاً.

وأحسب أن إبراهيم قارىء متعب إلى حد كبير، ولا يتحلَّى بالصَّبر كما يبدولي، ولذلك يعجز عن استيعاب مشروع الشَّهيد الصَّدر بتمامه، أو يغض الطرف عنه قصداً، ولذلك فإنَّ تساؤله عن شكل أسلوب الإنتاج المسيطر والطبقات الاجتماعية التي وجدت على أساس هذا الإنتاج في مرحلة الاقتصاد الإسلامي، يعبِّر عن هذه الحال.

ويحاول ابراهيم تغطية عجزه بإثارة مجموعة من الأسئلة لا تختلف في جوهرها عن سابقاتها، أو أنها لا تتصل بوظيفة الباحث الاقتصادي على المستوى المذهبي/النظري. فقد كتب في هذا الاتجاه: «ثم إذا سلَّمنا مع الباحث بكل ما ذهب إليه بشأن مبدأ الملكية المزدوجة، فالحكاية كلها ليست هنا من الناحية الجوهرية، بل هي في الإجابة عن هذه الأسئلة التاريخية: ما هو أسلوب الإنتاج الذي كان مسيطراً في المجتمع العربي الإسلامي؟ ثم ما هي الطبقات الاجتماعية التي وجدت على أساس أسلوب الإنتاج ذاك؟ وكذلك ما هو الشكل الذي كان مسيطراً لقوة العمل الاجتماعية؟ ثم ما هو شكل المنتوج الذي كان مسيطراً آنذاك؟ كل ذلك يغفله الباحث دفعة واحدة كأنه لا يتعلَّق موضوعياً بطبيعة الملكية الاجتماعية، والسبب الجوهري لذلك هو: تحديده الذَّاتي لأشكال الملكية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي»[37].

حشد هذه الأسئلة محاولة لتأصيل ما ذكره سابقاً في صدد ما أسماه بالشكل الاجتماعي المهيمن من بين أشكال الملكية الثلاثة، مقدِّمةً لإثبات المقولة الماركسية في نشوء الأنظمة الاقتصادية التاريخية، والتي تبلغ الذّروة مع النظام الشيوعي، وإلّا فإنَّ أيَّ واحد من هذه الأسئلة لا يدخل في نطاق بحث الشَّهيد الصَّدر، لأنها تندرج في إطار البحث التاريخي المحض.

نعم بحث الشَّهيد الصَّدر في ما تحدَّث عنه ابراهيم، وهو العلاقة بين نمط الإنتاج وشكل الملكية الاجتماعية، والصيغة الاجتماعية للنظام السائد، وقد استوعب الشَّهيد الصَّدر هذا البحث بشكل تفصيلي، وتحديداً في مناقشاته المستفيضة للنظرية الماركسية[38].

وعلى هامش حديث الشَّهيد الصَّدر عن مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود، بوصفه ركناً من أركان الاقتصاد الإسلامي العامة، كتب إبراهيم: «أمّا في ما يتعلَّق بالمبدأ الثاني، فإننا نسارع إلى القول: إنَّه ليس هناك حرية مطلقة في المجتمع الرأسمالي ولا في المجتمع الاشتراكي، بل إن حرية اجتماعية كهذه لم توجد في التاريخ، ولم يكن مقدَّراً لها أن توجد، فالحرية بطبيعتها ذاتها تفترض التحديد… أم هل يتراءى للباحث أن الحرية غير محدودة في المجتمع الرأسمالي، لقيام هذا المجتمع على مبدأ الملكية الخاصة والحرية الفردية الناجمة عنها؟ لكننا نعرف الآن تماماً أن حقوق الإنسان المعاصر وحقوق المجتمع المدني هما حصراً من نتائج تلك الحرية الفردية الرأسمالية والناجمة عن الملكية الخاصة بالذات، أما على صعيد الحرية الاقتصادية فنعلم الآن أن الاحتكار، بوصفه قانوناً داخلياً للاقتصاد الرأسمالي، محظّر قانونياً في أعتى الدول الرأسمالية وأكثرها تقدُّماً وتطوُّراً وعلماً! ثم أليست الحرية مسألة نسبية أيضاً في الإسلام؟! أليست حدود هذه الحرية الاقتصادية هي: ممارستها بما لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتعاليمها؟»[39].

ونصُّ إبراهيم حافل بالتَّبسيط والتَّهويل في آنٍ واحد، لأن نفيه للحرية المطلقة في المجتمع الرأسمالي، وتأكيده على طبيعة الحرية المحدَّدة في ذاتها، وأن حرية مطلقة لم توجد ولن توجد على الإطلاق، لا يبتعد عن أسلوب التَّهويل الذي اعتاد عليه وهو يسجِّل ما يسميه بالملاحظات والنقد! إذ لم يكن الشَّهيد الصَّدر في وارد الحديث عن «الحرية» وطبيعتها وما إذا كانت تخضع للتَّحديد أم لا؟ بل هو في صدد بحث الأسس النظرية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي وقواعده العامة التي تشكّل المبدأ العام والأصيل، والذي لا يمنع ـ في هذه النقطة بالتحديد ـ قيام الدولة بتحديد الحرية والحدّ منها، فيما إذا كان ذلك متعلِّقاً بالمصلحة العامة[40]، بل إنَّ الشَّهيد الصَّدر رأى أنَّ الرأسمالية في صيغتها المذهبية الكاملة ليست إلّا مذهباً تاريخياً أكثر من كونه يعيش في واقع الحياة[41].

وعليه، فإنَّ ما تحدَّث عنه الشَّهيد الصَّدر هو الأسس النَّظرية للاقتصاد الرأسمالي وموقع «الحرية» اقتصادياً، وليس ما إذا كانت «الحرية» بطبيعتها محدَّدة أولا؟! أو أنَّ «الحرية» في الإسلام نسبية وأنها محدودة بالتعاليم التشريعية الإسلامية؛ وهو ما أشار إليه «ابراهيم» دونما فائدة لهذه الإشارة، بعد افتراض أنها من تحصيل الحاصل، فضلًا عن إشارات الشهيد الصدر المبثوثة في الكتاب!

مضافاً إلى أنَّ وصف «الحرية» في الاقتصاد الإسلامي بالمحدودة أو المحدَّدة، لا يعني كونها ليست كذلك في إطار أي مذهب آخر.. فضلًا عن أن التَّحديد هذا ليس بالدَّرجة نفسها في هذا المذهب أو ذاك، لأنَّ التَّحديد، في الأساس، يعبِّر عن نظرةٍ قيمية، وهي تختلف من مذهب إلى آخر، فهل التَّحديد في النظام الرأسمالي هو نفسه في النظام الإسلامي؟! من وجهة نظر إبراهيم؟!

وقد كتب ابراهيم في تعليقه على ما أسماه الشَّهيد الصَّدر بـ «مبدأ العدالة الاجتماعية»، وهو المبدأ الثالث من الأركان العامَّة للاقتصاد الإسلامي: «أما بالنسبة للمبدأ الثالث.. فإذا كان مبدأ التكافل الاجتماعي يعني في جوهره توزيع الدخل والثروة بشكل عادل قدر الإمكان، فإنَّ هذا ما تحاوله كل المجتمعات البشرية الراهنة من رأسمالية واشتراكية معاً. ولكن المسألة لا تطرح هكذا، إن طرحها بشكل صحيح يعني ربطها بمجموعة من المسائل مثل: الملكية الاجتماعية، الطبقات الاجتماعية وموقفها في عملية الإنتاج الاجتماعي، طبيعة السلطة السياسية.. إلّا أن الباحث يتجنَّب هذا كله! ولذلك فإنَّ طرح مبدأ التكافل الاجتماعي يبقى طرحاً مثالياً أسطورياً. أمَّا مبدأ التوازن الاجتماعي ـ كنا قد ناقشنا هذا المبدأ بما فيه الكفاية في ما سبق من هذه الفقرة ـ فإذا كان يعني في جوهره تحقيق الانسجام بين أفراد الجماعة والأمَّة والتقارب الاجتماعي واستبعاد المنازعات والمشاحنات والتمايزات الطبقية، أي بكلمة: تحقيق التجانس الاجتماعي، فذلك ما أنجزته الرأسمالية، وتنجزه يومياً بشكل فعّال وإيجابي! أما الاشتراكية فلا تطرحه أصلًا، لأن مولّده الاجتماعي (الملكية الخاصة) غير موجودة في اقتصادها! إنّ مبدأ العدالة الاجتماعية بشقَّيه: التكافل والتوازن الاجتماعيين يجد مقابله الحديث والمعاصر في مبدأ: المساعدات والإعانات وتأسيس صناديق العمل، وإعادة توزيع الدخل والثروة واكتساب المزيد من الحقوق والحريات المدنية.. بشكل يلغي التفاوت الكبير بين أفراد المجتمع قدر الإمكان. إنَّ هذا المبدأ محقق بجزئه الأكبر في المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية. وإذن لماذا تستمر عمليَّة استبدال مقولات اقتصادية حديثة بمقولات اقتصادية إسلامية تعني الشيء نفسه؟! وهل هذه طريقة علمية للبرهان على سمات الاقتصاد الإسلامي أو أركانه..؟!»[42].

وكما يبدو فإنَّ إبراهيم يسوِّد صفحات كتابه «جزافاً» وبمزاجية مفرطة، وغالباً ما يسترسل في تعليقاته إلى درجة تصبح معها أقرب إلى «نصٍّ» إنشائي… لأن افتراض سعي المجتمعات الراهنة الرأسمالي منها والاشتراكي، إلى تحقيق هذا التكافل ـ كما يقول إبراهيم ـ لا يغيِّر من واقع المذهب الاقتصادي الإسلامي كما يعرضه الشَّهيد الصَّدر، لأنه في صدد توضيح الآليات التي يتم بها تحقيق ما أسماه بالعدالة الاجتماعية، ومن وجهة نظر الإسلام تحديداً، وهو ما شرحه السيد الشهيد بالتَّفصيل من الناحية النَّظرية[43].

وما ذكره ابراهيم من تجنّب الشَّهيد الصَّدر طرح المسألة في إطارها الصحيح، من حيث ربطها بالملكية الاجتماعية والطبقات الاجتماعية وموقعها في عملية الإنتاج، والسلطة السياسية، غير صحيح على الإطلاق، ولا يستند إلى مسوّغٍ علمي، لأن الشَّهيد الصَّدر، وهو في صدد توضيح مبدأ العدالة الاجتماعية والآليات التي يمكن بوساطتها تحقيق هذه العدالة، ربط بحث المسألة بالعامل النفسي الذاتي، وتأثيره في إنجاح مهمة إشاعة العدالة الاجتماعية، وبالعامل الموضوعي، من حيث تفعيل الآليات الذاتية وتحقيق الانسجام بين العاملين، في عملية متبادلة بين المجتمع المسلم والدَّولة الإسلامية[44].

كما أنَّ الشَّهيد الصَّدر لم يغفل ما أسماه إبراهيم طرح المسألة من زاوية علاقة تحقيق العدالة الاجتماعية بالملكية الاجتماعية، لأنه أشار، بوضوح، إلى الأساس القانوني والفقهي، بل والفكري، في التأسيس لما أسماه بالضمان الاجتماعي المرتكز على حق الجماعة في مصادر الثروة[45]. كما أنه ـ الشهيد الصدر ـ لم يغفل بحث المسألة من حيث علاقتها أو ارتباطها بالطبقات الاجتماعية، وتفسير هذا التناقض الاجتماعي، ودور الدولة في التخفيف منه، والآليات التي يمكن من خلالها الوصول إلى الأهداف المرجوّة[46].

ولعلَّ الأكثر طرافة في تعليقات إبراهيم النَّقدية! ما ذكره بخصوص التجانس الاجتماعي وموقعه في النظرية الاشتراكية، فقد أشار إلى خلو الاشتراكية منه، لأنَّ مولِّده الاجتماعي (الملكية الخاصة) غير موجود في اقتصادها[47]، متناسياً ما ذكره في فقرات سابقة، وهو يؤكد على وجود الملكية الخاصة في جميع الاقتصاديات الحديثة والمعاصرة[48].

على أننا لا نعرف سرَّ امتعاضه ممَّا أسماه استبدال مقولات اقتصادية حديثة بمقولات اقتصادية إسلامية! فلماذا لا يسوَّغ للمسلم الاستهداء برؤى إسلامية قادرة على حلّ مشكلاته وبآليات واقعية لم يعرفها الواقع البشري إلّا في زمنٍ متأخر، وإذا كان قد توصل المجتمع الرأسمالي إلى هذا المستوى الذي أشار إليه إبراهيم فما هو المسوِّغ لنشوء الاشتراكية، إذا كانت الاشتراكية تسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها التي تسعى إليها الرأسمالية، وإن اختلفت في الرؤى؟!

ويبدو لي أن ابراهيم غير قادر على التَّمييز بين البحث الوصفي والبحث البرهاني الاستدلالي، وهو ما يظهر من استغرابه ـ السابق الذكر ـ في صدد ما ذكره الشَّهيد الصَّدر بخصوص السِّمات العامة للاقتصاد الإسلامي، إذ لاحظ إبراهيم أنَّ تحديد هذه السِّمات لا يصلح للبرهنة على سمات الاقتصاد أو أركانه.

ولا ندري كيف استنتج أن الشَّهيد الصَّدر في هذا الصَّدد، وهو يشبع بحثه في كتاب «اقتصادنا» بالاستدلال تارة أو بالعلامات الفارقة بين الاقتصاد الإسلامي ونظيريه الرأسمالي والاشتراكي تارة أخرى، وتحديداً في مسألة السِّمات العامة التي حدَّدها الشهيد الصدر بالملكية المزدوجة والحرية في نطاقها المحدود والعدالة الاجتماعية، ومن شاء فليراجع كتاب «اقتصادنا» ليقف على حقيقة الملاحظات النقدية! التي يسطِّرها ابراهيم دونما قراءة متواصلة، فضلًا عن كونها واعية وفاحصة[49].

وفي مسألة تحديد هوية البحث الاقتصادي، من وجهة نظرٍ إسلاميَّة، ينفي الطَّابع العلمي عنها، ويحدّدها بالطابع المذهبي، على تفصيلٍ ذكره الشهيد الصدر، ووفق مسوِّغات علمية وتاريخية.

وهنا ينتهج إبراهيم نهج زملائه من ذوي الميول المناوئة ـ فكرياً ـ للاقتصاد الإسلامي، إنما يتميَّز منهم في تدنِّي مستوى إدراكه للتَّمييز بين المذهب الاقتصادي الإسلامي وبين علم الاقتصاد الإسلامي، ووفقاً للمعيار الذي ذكره الشَّهيد الصَّدر، إذ كتب تعليقاً على ما ذكره الشَّهيد الصَّدر في تعريف علم الاقتصاد وتعريف المذهب الاقتصادي: «وبغضِّ النَّظر عن عدم وجود أية رابطة ضرورية ومنطقية بين التَّعريفين»[50] … بلغةٍ لا تخلو من التبسيط، لأنه لم يدرك طبيعة العلاقة المنطقية بين التَّعريفين، وإن لم تكن ثمة علاقة على الإطلاق، فَلِمَ لَمْ يتصدَّ لتوضيح ما يبرهن به انعدام هذه العلاقة؟

ولعلَّ الأكثر دلالة على مستوى إدراكه لمقولات «اقتصادنا» ربطه اللامنطقي بين ما نبّه عليه السيد الشهيد في مقدمة «اقتصادنا» من كون التقسيمات التي اشتمل عليها الكتاب تقسيمات استنتاجية لم ترد ـ بصراحة ـ في النصوص الشرعية، وبين مسألة وجود علم الاقتصاد الإسلامي نفسه، فكتب: «.. وهذه المهمَّة يتحدَّد، بناء عليها، ما إذا كان هناك علم اقتصاد إسلامي، أو حتى اقتصاد إسلامي أم لا، ولكن للأسف، لا يدعنا الباحث، وغيره من المؤيدين لـ «الاقتصاد الإسلامي» لحظة واحدة نعيش ذلك البصيص من الأمل، بل يعود فيؤكد لنا أن تقسيماته تلك، ونضيف من جانبنا أن اجتهاده واجتهاد كل الناطقين بالخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر، لا تأخذ مصداقيتها التشريعية ولا تكتسب قيمتها العلمية إلّا من خلال شرط واحد لازم وكافٍ: هو مدى انطباق تلك الأحكام الشرعية عليها، أي مدى انطباق الشرعي/الديني على الاقتصادي!؟»[51].

وما يريده الشَّهيد الصَّدر هو التقسيمات والعناوين التي اشتمل عليها كتاب «اقتصادنا» من قبيل تقسيمات الملكية بأشكالها الثلاثة، أو الضرائب الثابت منها وغير الثابت… لأنها تعبيرات وعناوين مستحدثة لمضامين معهودة ومعروفة، ولذلك لم يشأ الشَّهيد الصَّدر أن يفرض على الفقه الإسلامي عناوين استحدثت بعد عصر التشريع، ولذلك يبقى صدقها متوقِّفاً على مدى انطباقها مع المضمون الحقيقي الذي تعبِّر عنه.

أمَّا ما ذكره إبراهيم من أن اجتهاد الناطقين بالخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر لا يأخذ مصداقيته وقيمته إلّا بقدر انطباق تلك الاجتهادات مع واقع الشريعة، فهو معنى صحيح، وليس جديداً على التفكير الإسلامي، وقد نبّه عليه الشَّهيد الصَّدر نفسه، وقد أخذه إبراهيم منه إلّا أنه لم يوفَّق في التَّعبير عنه، ولذلك أسقط عليه بعض المقولات التي ابتكرها من دون أن يعرف مداليلها إلّا هو، كما هو قوله في «مدى انطباق الشرعي/ الديني على الاقتصادي»!

وثمَّة استنتاجات غريبة جداً، وهي تلتقي بالملاحظة نفسها التي أشرنا إليها، فتعليقاً على ما ذكره الشَّهيد الصَّدر في «المقدمة» ـ أيضاً ـ بخصوص طبيعة لغة الكتاب ومنهجه في الاستدلال، وأنه يعرض مقولاته الفكرية مجرَّدة عن الاستدلال العلمي المعهود في الأوساط العلمية، كتب إبراهيم: «لندع جانباً مسألة ضرورة ممارسة البحث العلمي في ما يتَّصل بالجوانب الفقهية من الاقتصاد الإسلامي». ولنتابع عرض آراء الباحث حول درجة علمية الاقتصاد الإسلامي، إذ يقول: «وحين تسند تلك الآراء بمدارك إسلامية من آيات وروايات لا يقصد من ذلك الاستدلال على الحكم الشرعي بصورة علمية.. وإنما نرمي من وراء عرض تلك الآيات والروايات أحياناً إلى إيجاد خبرة عامة للقارى بالمدارك الإسلامية». وبكل موضوعية نقول: إنَّ هذا الفهم العلمي والتاريخي للنص الديني هو فهم يتميز به الباحث من مجمل أصحاب الخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر، ذلك أن إفحام الخصم الفكري لهؤلاء بالنص الديني أو الاستشهاد بهذا النص كقاعدة عامة فقهية راسخة لدى أولئك الأصحاب، ضد هذا الخصم لا يعني أبداً ـ من وجهة نظر الباحث بالطبع ـ البرهنة العلمية على وجود علم اقتصاد إسلامي بشكل خاص، أو على وجهة نظر هؤلاء الأصحاب في ما يتعلق بخطابهم الاقتصادي الإسلامي تحديداً. وفي هذا الإطار نؤكد على أن الاستشهاد بنص شرعي لتأييد فكرةٍ ما أو رفضها ليس برهاناً علمياً بحد ذاته، فالنص الديني ملك للجميع ومن حق الجميع الاستشهاد به، ولكن المشكلة ليست هنا، بقدر ما هي موجودة في شروط موضوعية أخرى منها على سبيل المثال: الطريقة العلمية المعتمدة في أن الباحث كما يبدو بعيد جداً عن عرض رأيه بشكل صريح حول مسائل الاقتصاد الإسلامي، وهذا ما نستدل عليه من نصِّه التالي: «توجد تقسيمات في الكتاب ـ كتابه «اقتصادنا» ـ: المؤلف ـ في بعض جوانب الاقتصاد الإسلامي، لم ترد بصراحة في نص شرعي، وإنما انتزعت من مجموع الأحكام الشرعية الواردة في المسألة، ولذلك فإن تلك التقسيمات تتبع في دقتها مدى انطباق تلك الأحكام الشرعية عليها»[52].

وما أشار إليه الشَّهيد الصَّدر، في «مقدمة اقتصادنا»، من عزوفه عن الاستدلال العلمي المعمَّق المعهود في الأوساط الفقهية المعروفة، لا علاقة له ـ على الإطلاق ـ بما ذكره ابراهيم من تاريخية النص الديني وعدم الاستدلال به في وجه الخصم، وهو ما يميّز الشهيد الصدر من وجهة نظر ابراهيم من مجمل أصحاب الخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر، ولا علاقة له ـ على الإطلاق أيضاً ـ بما ذكره من كون النص الديني ملكاً للجميع ومن حقهم الاستشهاد به.

كما أنَّ ما أشار إليه ابراهيم من كون الشَّهيد الصَّدر بعيداً عن عرض رأيه الصَّريح في المسائل الاقتصادية، واستنتجه من الفقرة التي ذكرها الشَّهيد الصَّدر بخصوص التقسيمات الواردة في الكتاب، غير صحيح في خصوص الاستدلال عليه بما ذكره الشَّهيد الصَّدر بخصوص التقسيمات المشار إليها، ولذلك كان على إبراهيم الاستدلال بما ذكره الشَّهيد الصَّدر في فقرة أخرى من أن «الآراء الفقهية التي تعرض في الكتاب لا يجب أن تكون مستنبطة من المؤلف نفسه، بل قد يعرض الكتاب لآراء تخالف من الناحية الفقهية إجتهاد الكاتب في المسألة..»[53] ، وهذا يعني أنه ليس من الضروري أن تكون جميع الآراء الفقهية في الكتاب نتيجة اجتهاد الكاتب نفسه، ولا يعني أنه لا يعبِّر عن آرائه في المسائل الفقهية كما يذكر ابراهيم. وهذا المعنى يتصل بعملية اكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي والمعوِّقات التي تعترض الفقيه في الوصول إلى نتائجه المتوخاة، وإمكانية التعويض ـ بآراء فقهية لفقهاء آخرين ـ في المواضع التي لا يوفق فيها الفقيه لبناء تصوُّرٍ نظري متكامل وفقاً لآرائه الخاصة[54].

ويمارس ابراهيم ـ علاوة على ما تقدَّم ـ قراءة مجتزأة قلَّ نظيرها في حقل القراءات النقدية، فعلى هامش قراءاته للمقدِّمة الثانية لكتاب اقتصادنا، والتي خصَّصها الشَّهيد الصَّدر لدراسة واقع التنمية في البلاد الإسلامية، كتب إبراهيم تعليقاً على بعض فقراتها: «في مقدمته للطبعة الثانية، ينبّه الباحث الصَّدر إلى أنه لا يهدف إلى المقارنة العلمية المجردة بين الاقتصاد الحديث والاقتصاد الإسلامي، بل بين الاقتصاد الأوروبي بكلا جناحيه الرأسمالي والاشتراكي والاقتصاد الإسلامي من ناحية قدرة كل منهما على المساهمة في معركة العالم الإسلامي ضد التخلُّف الاقتصادي ومدى قابلية كل واحد من هذه المناهج ليكون إطاراً لعملية التنمية. وهنا نتساءل: كيف سيجري الباحث عملية المقارنة تلك بين الاقتصاد الأوروبي والاقتصاد الإسلامي؟ وهل ستتم تلك المقارنة من خلال النظرية لكلا الاقتصادين أم من خلال التطبيق لهما أم من خلال الالتحام بين النظرية والتطبيق، أم من خلال مقارنة مختلفة جذرياً عن كل ما تقدَّم؟ وكيف سيوازن الباحث بين منهج الاقتصاد الأوروبي ومنهج الاقتصاد الإسلامي؟»[55].

إنَّ هذه الأسئلة النقدية! التي يثيرها إبراهيم جديرة بالتفكير حقَّاً، إلّا أنها ـ وبكل أسف ـ تكشف عن طبيعة قراءة إبراهيم لكتاب اقتصادنا إلى درجة يمكن الجزم معها بعدم قراءته فضلًا عن استيعابه وإدراك مقولاته الفكرية، لأن ما بصدده الشهيد الصدر ـ في المقدمة ـ وببساطة شديدة هو بيان قدرة الاقتصاد الإسلامي على إنجاح عملية التنمية في البلاد الإسلامية بالمقارنة مع الاقتصاد الأوروبي بكلا جناحيه، وليس في مقام نفي المقارنة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الأوروبي مطلقاً، وإلّا فلماذا تضخَّمت صفحات كتاب «اقتصادنا» وزادت على سبعمئة صفحة؟! هل خصّصها الشَّهيد الصَّدر لبحث الطلاسم أو التعاويذ!؟

إنَّ ما ورد نصَّاً في المقدِّمة هو الآتي: «وأنا لا أريد هنا أن أُقارن بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي من وجهة نظرٍ اقتصادية مذهبية، فإن هذا ما أتركه للكتاب نفسه، فقد قام كتاب اقتصادنا بدراسة مقارنة بهذا الصدد، وإنما أُريد أن أُقارن بين الاقتصاد الأوروبي بكلا جناحيه الرأسمالي والاشتراكي والاقتصاد الإسلامي من ناحية قدرة كل منهما على المساهمة في معركة العالم الإسلامي ضد التخلُّف الاقتصادي ومدى قابلية كل من هذه المناهج ليكون إطاراً لعملية التنمية الاقتصادية»[56].

وأحسب أن الاطّلاع المباشر على نصِّ الشَّهيد الصَّدر سيتيح للقارى تقييم قراءة إبراهيم وقدرته على تحليل الأفكار التي اشتمل عليها كتاب «اقتصادنا»، وبالتالي قدرته على تحديد موقف نقدي تجاه هذه الأفكار.

وتتأكَّد ملاحظتنا السَّابقة تجاه قراءات ابراهيم النقدية، وهو يسترسل في إثارة التساؤلات البريئة والساذجة في الآن نفسه، فكتب على هامش ما أشار إليه الشَّهيد الصَّدر بالظرف الموضوعي والتركيب النفسي والتاريخي للأمَّة كشرط لإنجاح عملية التنمية في العالم الإسلامي: «وكذلك لماذا هذا التركيز المثير للانتباه على الجانبين: النفسي والتاريخي وإهمال الجانبين: النظري والعملي للاقتصادين المذكورين؟»[57]، فقد مرّ نص الشهيد الصدر وأنه في صدد المقارنة على هذا المستوى، تاركاً المقارنة النظرية لأبحاث الكتاب نفسه، فكيف أهمل الشَّهيد الصَّدر ما أسماه بالجانب النظري؟!

على أن هذا الظَّرف الموضوعي والتركيب النفسي والتاريخي للأمة، مما يعترف إبراهيم بدوره وإسهامه، بما أسماه «الهمّ الاجتماعي» لدى أفراد المجتمع ورعايا الدولة[58].

وهناك تساؤلات أخرى أثارها إبراهيم على هامش دراسته للمقدِّمة الثانية التي كتبها الشَّهيد الصَّدر لتصدير الطبعة الثانية من «اقتصادنا»، وهي لا تقل عن سابقاتها من حيث البراءة والسذاجة.

فقد كتب ابراهيم: «.. وهنا نتساءل: هل يلعب الدِّين، أو هل يمكنه أن يلعب، بوصفه معتقداً روحياً، أيَّ دور في مسألة اختيار المنهج الاقتصادي الذي يجب اعتماده؟ لا يصرِّح الباحث بذلك وإن كان يشي به عندما يذهب إلى أن المنهج الصالح للأمة هو بالضبط ذلك الذي يستطيع أن يدمج المعتقد الروحي للأمة ضمنه»[59].

ويتملَّكنا العجب من ابراهيم، وهو ينفي أن يكون الشَّهيد الصَّدر قد صرَّح بدور الدين في مسألة اختيار المنهج الاقتصادي الذي يجب اعتماده، مع أنَّ موضوع المقدِّمة الثانية نفسها قد كُرِّس لتأكيد دور الدين في إنجاح عملية التنمية في العالم الإسلامي، كما أنه جرى على تأكيد ذلك في مواطن أخرى من كتابه «اقتصادنا» الذي لم يشأ ابراهيم تقليب صفحاته[60].

ولعلَّ أكثر تساؤلاته طرافة ما كتبه تعليقاً على المقدِّمة نفسها: «والسُّؤال الذي يطرح هنا، هو: ما هي تلك البلدان النامية التي نُقلت إليها مناهج اقتصادية أوروبية فأدَّت إلى فشل ذريع لتجارب التنمية الاقتصادية فيها؟ لا يجيب الباحث صراحة على هذا السؤال، وإن كان يمكن أن نستنتج ببساطة أن تلك الدول هي: دول إسلامية حصراً»[61].

ولا ندري ما هو سرُّ تساؤله هذا إذا كانت الإجابة عليه مما يمكن استنتاجه ببساطة على حد تعبيره!! غير أننا نأسف للجهد الذي بذله ابراهيم في الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج، لأنَّ الشَّهيد الصَّدر نفسه قد صرَّح بأن المقصود من ذلك هو العالم الإسلامي، وقد وردت لفظة «العالم الإسلامي» بما لا يقل عن ثماني مرات، فضلًا عن طبيعة الموضوع والأجواء المحيطة به، التي لا تترك مجالًا للشك في المقصود، فهل ثمة صراحة أوضح من هذه الصراحة؟!

ولا يقل عمّا تقدم ما كتبه تعليقاً على تأكيد الشَّهيد الصَّدر دور العقيدة الإسلامية وإسهامها في عملية التنمية، فكتب إبراهيم: «يُستنتج من هذا النص: أن العقيدة الإسلامية ـ في بلد إسلامي بالطبع ـ سبب لازم وكافٍ لإنجاح أية تنمية تعتمد على هذه العقيدة! وهنا نجد لزاماً علينا طرح السؤال التالي: ماذا لو اعتمدت التنمية الاقتصادية على العقيدة الإسلامية وأخذت في الوقت نفسه بالمذهب الاقتصادي الأوروبي؟ قد يجوز ذلك»[62].

ونصُّ إبراهيم يضجُّ بالمفارقات، فضلًا عن العبث الذي يمارسه في التفسير أو الاستنتاج، بل في النقل أيضاً. لأن الشَّهيد الصَّدر لم يدّع أن العقيدة الإسلامية سبب كافٍ ولازم كما يدّعي ابراهيم، بل ذكر إنَّ للعقيدة الدينية دوراً مهماً، ولو وضع النظام الإسلامي موضع التنفيذ سيجد في العقيدة الدينية سنداً كبيراً له وعاملًا مساعداً على إنجاح التنمية الموضوعة في إطاره، لأن أساس النظام الإسلامي أحكام الشريعة الإسلامية، وهي أحكام يؤمن المسلمون بقداستها..[63] وهذا ما نقله ابراهيم عن الشَّهيد الصَّدر، وفي النَّص إجابة شافية عن تساؤله البريء تجاه ما أسماه باعتماد المذهب الاقتصادي الأوروبي، مع أن الشهيد الصدر يشير ـ وبوضوح ـ إلى ضرورة أن يكون ذلك في إطار النظام الإسلامي وأحكامه وتشريعاته. وعليه، فالعقيدة الدِّينية ليست بديلًا من الصِّيغة القانونية والتشريعية[64]، بل أشار الشَّهيد الصَّدر إلى أنَّ الإسلامي «لا يقتصر ـ في مذهبه وتعاليمه ـ على تنظيم الوجه الخارجي للمجتمع، وإنما ينفذ إلى أعماقه الروحية والفكرية، ليوفِّق بين المحتوى الداخلي وما يرسمه من مخطَّط اقتصادي واجتماعي»[65].

الكتاب الثَّالث

يقف الكاتب الماركسي العراقي فالح عبد الجبَّار الموقف نفسه، ويتَّخذ الاتجاه عينه، في قراءته لنصوص «اقتصادنا» والتَّعاطي مع مقولاته الفكرية.

وكتابه ـ في الأصل ـ أُريد له تناول الفكر الدِّيني من زاوية مادِّية، وتحديداً الفكر الإسلامي في اتجاهاته المعاصرة في العراق، ومحاولة فهم مواقفها، من زاوية مادِّية محضةٍ، وبأدوات مادِّية أيضاً[66]، متأثراً بواقعٍ سياسي كان سائداً يومذاك إبّان اشتعال الحرب العراقية ـ الإيرانية، في ظل الصراع الذي كان قائماً ـ أيضاً ـ بين الاتجاه الماركسي والاتجاه الإسلامي، إن في إيران أم في العراق.

ولذلك وقع الكاتب تحت تأثير هذا الصِّراع، ما عكس على لغته الطَّابع الإعلامي في الاحتراب، المشحون بالاتهام والمعبَّأ بالتشكيك والمماحكة..

وليس من المصادفة أن يدخل فالح عبد الجبَّار في مماحكة نقديَّة لما أسماه بنقد فقه الصَّدر الاقتصادي، لأن ذلك يعود ـ في الأساس ـ إلى إخفاق الماركسيين في مواجهة فكر الشَّهيد الصَّدر، إن على المستوى الفلسفي أم على المستوى الاقتصادي، وطوال عدة عقود خلت. ولا يزال الماركسيون العراقيون يستذكرون الصِّراع المرير والاحتراب الشديد القائم بينهم وبين الإسلاميين في ما عُرف بحقبة المدّ الأحمر.

وتبدو ـ عندئذٍ ـ عملية النقد هذه أقرب ما تكون إلى تصفية حساب مع الشَّهيد الصَّدر بغية ردّ اعتبار للذات وإنقاذها من المأزق. ومن يقرأ نصوص الكاتب الماركسي هادي العلوي يقف على حقيقة العداء الماركسي المستحكم تجاه الشَّهيد الصَّدر، وإنْ أُطِّر في السنوات الأخيرة بطابع جديد، فكري تارة أو تاريخي تارة أخرى.

ومهما يكن من أمر، فإنّ ما سطَّره فالح عبد الجبار، في كتابه المشار إليه، ينتمي إلى هذا الاتجاه، وفيه يندرج، ولذلك لم ينتظر منه موقف الإنصاف أو الحوار الموضوعي، والنقد العلمي، وإن حاولت بعض أقلامهم ذلك، ومنهم هادي العلوي نفسه ـ أحياناً ـ وفالح عبد الجبار أيضاً، في محاولةٍ منه للظهور بمظهر النقد العلمي والموضوعي.

ولذلك سجّل في مطلع نقده! إنطباعات تبجيلية تجاه الشَّهيد الصَّدر وفكره الاقتصادي تحديداً، إذ كتب: «يشكل آية الله محمد باقر الصَّدر، نموذجاً متَّزناً في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فهو يسجِّل أفكاره وانتقاداته واستنتاجاته في صيغة مفاهيم ومقولات، ويعرضها في إطار نظري واحد. وبالرغم ممَّا قد يراه المرء من نواقص، فإنَّ آية الله الصدر مُلمٌّ بالمفاهيم الاقتصادية بصورة من الصور. ويُعتبر بنظر مقلِّديه أفضل ممثل للفكر الاقتصادي الإسلامي. والواقع أنه الأكثر إطلاعاً والأوسع نظرة من بين أقرانه»[67].

والنَّص، وإن لم يخلُ من لغةٍ يطغى عليها طابع الامتعاض ومحاولة الانتقاص من الشَّهيد الصَّدر، على الخلفيَّة التاريخية والسِّياسية التي أشرنا إليها، إلّا أنه لم يشأ تجاوز حقيقةٍ وإن بدت مرَّة.

وقبل الخوض في دراسة ما أسماه فالح عبد الجبار بنقد فقه الصَّدر الاقتصادي يحسن أن نشير إلى طبيعة قراءته لفكر الصدر الاقتصادي ـ حسب تعبيره ـ ومدى استيعابه لهذا الفكر.

وفي هذا الصَّدد كتب فالح عبد الجبار: «تركَّزت مناقشة الأعمال الاقتصادية للسيد الصدر على ملخصاته الاقتصادية الأخيرة التي وضعها في 10 ربيع الثاني 1399هـ في سلسلة كراريس بعنوان: الإسلام يقود الحياة، (2) صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، و(3) خطوط تفصيلية في اقتصاد المجتمع الإسلامي. وغنيٌّ عن البيان أن هذين الكرَّاسين أحدث عهداً من كتاب “اقتصادنا” الذي صدر قبل قرابة عقدين من صدور هذين. ويحتوي الكرَّاسان في الجوهر، على عرض مباشر للأفكار الواردة في “اقتصادنا”، ولكن ليس بنفس السعة بالطبع. فكتاب اقتصادنا مجلد ضخم يبلغ، في طبعته السادسة عشرة لعام 1982م، 783 صفحة. وقد تكرست أول 292 صفحة منه لنقد الماركسية والرأسمالية، من منطلق المساواة بين الاثنتين في الجوهر، وإلغائهما معاً عبر طريق ثالث يعترف بالملكية الخاصة في جانب، ويعترف بالملكية العامة في جانب. بعد ذلك يدرس الكتاب ما يسميه “اقتصادنا في معالمه الرئيسية”، أي ماهية الاقتصاد الإسلامي وحلوله التي تقتصر على مشكلات التوزيع. وهذا التوزيع ينقسم بصورة أوضح مما في الكراسين المذكورين أعلاه، إلى توزيع (المصدر الأصيل للإنتاج)، ص 436، وتوزيع ما بعد الإنتاج أي المنتوجات (ص 530 ـ 554). إن الكتاب ينطوي في جانبه الأول (نقد الماركسية والرأسمالية) على تفصيلات مسهبة تتطلب نقداً تفصيلياً بالمثل، أما الجانب الثاني منه، فلا يختلف عما أوردناه هنا، من خطوط عامة. وبوسعنا القول: إن الملاحظات النَّقدية المدرجة في الفصل الاقتصادي بخصوص أطروحات السَّيد الصَّدر، تنطبق على الموضوعات الأساسية الواردة في كتاب اقتصادنا. وإن نقد هذا الأخير مباشرة لن يغير شيئاً سوى حجم مادة النقد لا موضوعه، أي جانبه الكمي لا النوعي»[68].

هكذا يستريح عبد الجبار ويُريح، فهو لم يتعرَّض بالنقد للمقولات الفكرية الاقتصادية كما هي في اقتصادنا وبشكل مباشر، بل عدّها كما هي معروضة في ما أسماه بالكرَّاسين الأحدث تاريخاً، فينسحب عليها ما يرد من ملاحظات نقدية على ما ورد في الكرَّاسين.

ويُرى ـ هنا ـ مدى التَّبسيط الذي تشتمل عليه عبارات عبد الجبار، وهو يقتصر على قراءة نصوص مختصرة كتبها الشَّهيد الصَّدر رسالةً جوابية على رسالة بعثها إليه عدد من العلماء، ولذلك خلت من الإحالات والمراجع، أو التفصيل في نقد الاقتصاد الرأسمالي أو الماركسي، بل التفصيل في الاقتصاد الإسلامي نفسه.

وأنا شخصياً أشكُّ في إطّلاع عبد الجبار على كتاب «اقتصادنا» أو قراءته قراءة فاحصة، وسيأتي ما يدل على ذلك، بل أجده يغفل عنوان ما أسماه بالكرَّاسين أيضاً، لأن عنوان «الإسلام يقود الحياة» هو العنوان الرئيس الذي وضع لمجموع الموضوعات (الرسائل الجوابية) التي عالجها الشَّهيد الصَّدر، ومنها ثلاثة تتصل بالاقتصاد الإسلامي: «صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي» و «خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي» و «الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي».

وقراءة مجتزأة ـ من هذا القبيل ـ لا ينتظر منها أن تنجح، وسيكون نصيبها الإخفاق لا محالة، وأقل ما يقال عنها إنها منقوصة..

وربما يكون من المفيد تشخيص أهم الملاحظات النقدية التي سجّلها عبد الجبار على الشَّهيد الصَّدر. بغضِّ النَّظر عن التعليقات والتفسيرات المادِّية التي لا تلزم سوى عبد الجبار نفسه، هذه الملاحظات يمكن ـ تحديدها في ما يأتي:

أوَّلًا ـ في ما أسماه بمصادر معرفة الصَّدر الاقتصادية، كتب عبد الجبار: «بوسعنا إضافة حقل رابع يتعلَّق بمصادر معرفته الاقتصادية، وانتقاداته لماركس الذي يأخذ منه أمثلة وأفكاراً من جهة، وينسب له مقولات وقوانين لا وجود لها عنده. بيد أن هذه الأمور سترد في الحواشي أكثر مما في سياق النص»[69].

وفي هذا المجال بالذات لم يحدِّد عبد الجبار لا مصادره الاقتصادية بشكل عام، ولا في ما يتصل بانتقادات ماركس، وما ذكر أنه سيرد في الحواشي أكثر مما يرد في سياق النص لم يرد إلّا في حاشيتين، ولم نعثر على أكثر من ذلك، وهما ـ مع ذلك ـ موضع تساؤل أيضاً.

فقد كتب في الحاشية الأولى: «يقول آية الله الصدر: إن ماركس يريد تحرير وسيلة الإنتاج من علاقات التوزيع، ويقول في موضع آخر: إن ماركس يريد تحرير القوى المنتجة ووسائل الإنتاج من علاقات التوزيع، ويقول في موضع آخر: إن ماركس يريد تحرير القوى المنتجة ووسائل الإنتاج من علاقات التوزيع، بينما لا يوجد نص كهذا في طول مؤلفات ماركس وعرضها، فهو يتحدث عن تحطيم علاقات الإنتاج لا التوزيع التي تقيد القوى المنتجة التي تتألف من وسائل الإنتاج + قوة العمل»[70] وكتب عبد الجبار ـ أيضاً ـ في الحاشية نفسها: «ويقول أيضاً في كتاب خطوط تفصيلية…: إن ماركس اعتبر علاقات التوزيع بناء علوياً حتمياً لعلاقات الإنتاج. هل سمع أحد من قبل أن ماركس يرى علاقات الإنتاج قاعدة وعلاقات التوزيع بنية فوقية؟ إن علاقات الإنتاج تتضمن (1) علاقات الملكية (2) أشكال التداول (3) شكل التوزيع. هذه العناصر الثلاث تؤلِّف علاقات الإنتاج، وعلاقات الإنتاج زائداً القوى المنتجة تؤلف بمجموعها البنية التحتية الاقتصادية للمجتمع. ولا يقول لنا الفقيه من أين استمد هذا التعريف وغيره من عشرات التحديدات والمفاهيم غير المستندة إلى مصدره»[71].

وبالرُّجوع إلى المصدر الذي نقل عنه فالح عبد الجبار، وهو حسب إحالته كتاب «التركيب العقائدي للدولة الإسلامية»[72] لا نعثر على نصٍّ ينسبه الشَّهيد الصَّدر إلى ماركس، بل نجد الآتي: «ومن هنا واجهت المادية التاريخية مشكلة في ما يتصل بتصوُّراتها عن مسار التطور البشري وفقاً لقوانين الديالكتيك، وهي أن الهدف اللاواعي الذي تفترضه الماركسية لحركة التاريخ ومسيرة الإنسان هو إزالة العوائق الاجتماعية عن نمو القوى المنتجة ووسائل الإنتاج، وذلك بالقضاء على الملكية الخاصة وإقامة المجتمع الشيوعي، فإذا كان هذا هو هدف المسيرة فهذا يعني أنها ستتوقف، وأن التطور سيتجمد في اللحظة التي يقوم فيها المجتمع الشيوعي»[73].

والنَّص ـ كما يبدو ـ عبارة عن تلخيص شديد لما تفترضه الماركسية، ولم ينسبه الشَّهيد الصَّدر إلى ماركس، وما ذكره عبد الجبار عن الشهيد الصدر بقوله: «إن تحرير وسيلة الإنتاج من علاقات التوزيع المعيقة…» فهو نص استنتاجي ورد على هامش ما تفترضه الماركسية من الترابط بين شكل الإنتاج وشكل التوزيع، ووفقاً لقانونٍ صارم، يؤول في النهاية إلى المرحلة الشيوعية.

وبالرجوع إلى المصدر الذي أحال إليه عبد الجبار يتضح حال الفقرة الثانية، إذ لم ينسب الشَّهيد الصَّدر هذه الفقرة إلى ماركس، وقد مارس عبد الجبار تحويراً عليها للإيحاء ـ بشكل أو بآخر ـ للقارى بعدم دقة الشهيد الصدر في إحالته على كتاب ماركس. والنص ـ كما ورد ـ هو الآتي: «وقد ذهبت الماركسية خطأ إلى ربط أشكال التوزيع بأشكال الإنتاج، واعتبرت علاقات التوزيع بناءً علوياً حتمياً لعلاقات الإنتاج، فكل علاقة إنتاج ينشأ منها بالضرورة علاقة توزيع معينة، وهي العلاقة التي تنسجم مع الشكل السائد للإنتاج»[74].

والفقرة المشار إليها تلخيص شديد للمقولة الماركسية، والتي تعدُّ من مسلّمات الفكر الماركسي، ولم يتحدَّث الشَّهيد الصَّدر عن البنية الفوقية للمجتمع، ليقال له، كما يقول عبد الجبار: إن علاقات الإنتاج، بما تتضمَّنه، مع القوى المنتجة تؤلف البنية التحتية الاقتصادية للمجتمع، لأنَّه ليس في هذا الصدد، بل هو في صدد العلاقة بين أشكال الإنتاج وعلاقات التوزيع، على نحو تكون فيه علاقات التوزيع تبعاً لأشكال الإنتاج ونمطه.

ولعلَّ حرفيَّة عبد الجبار، في فهمه للفكر الماركسي، هي التي دعته لتسجيل مثل هذه الملاحظة، لأن اعتبار علاقات التوزيع بناءً علوياً ليس غريباً عن الفكر الماركسي، لأن البناء الفوقي هو عبارة عمّا يولد من القاعدة وما يرتبط بها وبشكل لا ينفصل عنها، وهنا يُعدّ شكل الإنتاج القاعدة التي ترتفع فوقها علاقة التوزيع، وذلك لارتباطها بالقاعدة وتأثرها بها.

أمَّا الحاشية الثَّانية فقد وردت في خصوص شرح الشَّهيد الصَّدر لعملية التبادل، وقد لاحظ عبد الجبار أنه مما استقاه الشَّهيد الصَّدر من ماركس من دون إشارة إلى المصدر[75]. وملاحظة من هذا القبيل لا تحتاج إلى تعليق، فعلاوة على ما أشرنا إليه من عدم دقَّة عبد الجبار في ملاحظاته، فإنَّ الشَّهيد الصَّدر وهو في صدد كتابة هذه الرسائل الجوابية الموجزة ـ كما نوّهنا إليه ـ لم يكن في وارد مناقشة الفكر الماركسي في تفصيلاته على المستوى الاقتصادي، بل لم يكن في وارد التفصيل على مستوى الاقتصاد الإسلامي أيضاً، ولذلك خلت هذه الرسائل الجوابية من الإحالات والإشارة إلى المصادر، وهو أمر طبيعي ومنطقي في كتابةٍ من هذا القبيل.

ثانياً: ويتعلَّق بمدى استيعاب الشَّهيد الصَّدر للمقولات والمفاهيم الاقتصادية، فقد سجّل عبد الجبار على الشَّهيد في موضعين من كتابه ما يوحي بأنَّ الشَّهيد الصَّدر لم يكن موفَّقاً في إدراك هذه المفاهيم واستيعابها.

الموضع الأوَّل: كتب عبد الجبار: «.. النَّقد عند السَّيد الصَّدر، كما عند الجميع تقريباً، هو إمَّا ورق اعتباطي سجَّلت عليه الدولة قيمة تداولية إلزامية، أو هو المعدن الثمين الذي اختير للتداول لمجرد أنه معدن ثمين بطبيعته. إنه لا يدرك منشأ النَّقد، ويستغرب ببراءة كاملة، استخدامه لغير أغراض التداول. إنه لا يدرك أن النقد سلعة شأن سائر السلع الأخرى، وأن قيمة النقد (السلعة النقدية = الذهب) تتحدد بزمن العمل الاجتماعي الضروري لإنتاجها، وأن النقد الورقي رمز يعبر عن النقد الحقيقي، وأن النقد ليس فقط وسيطاً للتداول، بل له وظائف أخرى، أبرزها كونه التجسيد الشامل للقيمة»[76].

في هذا المجال يعمد عبد الجبَّار إلى التبسيط، وهو يوحي للقارى بأنه يسجّل على الشَّهيد الصَّدر ملاحظة أساسية تتصل بعالم المقولات الاقتصادية ومدى استيعابه لها، في الوقت الذي نجد فيه بحثاً واسعاً بين الاقتصاديين أنفسهم في ماهية النقود ونشأتها، وحول مصدر قيمة النقود وحقيقتها، وتبعاً لذلك اختلفوا في وظائف النقد ودوره في الحياة الاقتصادية، «ويمكن القول بصفة عامة: إنَّ هناك نظريَّتين رئيسيَّتين تقتسمان الفكر الاقتصادي في هذا الموضوع، وإن تفرعت كل منهما إلى عدة شعب، واختلف الرأي بين أنصار كل منهما في كثير من الشؤون، فهناك النظرية السلعية للنقود.. ويرى أنصار هذه النظرية أن النقود سلعة مثل غيرها من السلع أهّلها للارتقاء إلى مرتبة النقود تواتر استعمالها كوسيط للمبادلة لصفات خاصة تتميَّز بها فتجعلها أوفر السلع صلاحية لهذا الاستعمال. ومن ثم، كانت للنقود قيمة مستمدَّة ممَّا لها من منفعة كسلعة شأنها في ذلك شأن سواها من السلع، كما تدخَّلت في تحديد هذه القيمة العوامل نفسها التي تتدخَّل في تحديد قيم سائر السلع. وهناك النظرية الرمزية للنقود… ويرى أنصارها بصفة عامة أن النقود ليست سوى بطاقة أو تذكرة تخوّل حاملها حقَّاً على رصيد الجماعة من السلع والخدمات، ومن ثم كانت للنقود قيمة نسبية تتمثَّل في قوتها الشِّرائية على سائر السِّلع والخدمات، وتدخَّلت في تحديد هذه القيمة عوامل خاصة تنفرد في التطبيق على قيمة النقود. وتعرف النظرية الأولى للنقود بأنها وسيط المبادلة، على حين تنظر النظرية الثانية للنقود كوحدة مجرَّدة»[77].

هذا مضافاً إلى أنَّ السَّيد الشَّهيد ليس في وارد شرح دور النقد ووظائفه أو نشوئه، وإنما هو في صدد بيان الموقف الإسلامي النظري من ظاهرة تنمية المال بالربا أو بالادّخار، ولذلك فهو يرصد حركة المال ودور النظرية الرأسمالية ورؤيتها لدور النقد،[78] وهذا نظير الموقف النَّظري الاشتراكي، الذي ينظر إلى دور النقد على نحو يختلف فيه مع وجهة النظر الرأسمالية، إلى درجة روّج معها بعض المفكرين الاشتراكيين، على إثر الثورة الروسية عام 1917، عدة خطط قصد بها الاستغناء عن الأثمان وعن التعامل بالنقود.[79]

ولا يفوتنا أن نسجّل على عبد الجبار تنكُّره لأصول النقد العلمي وقواعده، إن كان في ما يكتبه نقد! في إطار حملة من التزوير والتحريف، قُصد منها الإساءة إلى الشَّهيد الصَّدر، وإلّا فأين استغرب الشَّهيد الصَّدر، وببراءة كاملة، على حدِّ تعبيره، استخدام النقد لغير أغراض التَّداول؟!

الموضع الثَّاني: في موقف الشَّهيد الصَّدر من مقولة العرض والطلب، إذ كتب عبد الجبَّار: «يقول السيد الصدر مثلًا: (إن الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي لا يتحرَّك وفقاً لمؤشرات الطلب في السوق.. بل هو يتحرك.. لتوفير المواد الحيوية اللازمة لكل فرد مهما كانت ظروف السوق)، وينتقد (المجتمع الرأسمالي الذي يتحرك.. وفقاً للطلب والقدرة الشرائية للطالبين)، هذا نموذج من الحلول المطروحة. إن النص يحفل بالتناقضات، ويشي بعدم المعرفة، لا بالطَّلب ولا بالعرض، فلو كان الإنتاج الرأسمالي مثلًا يتحرَّك وفقاً للطلب، كما يقول الفقه لما شهد فيض إنتاج قط، ولما اضطر الرأسماليون، في أزمات معروفة، إلى حرق وإتلاف كميات هائلة من شتى المنتوجات لتقليص كميتها، أي لخفض العرض بصورة اضطرارية كي يصبح موازياً أو مقارباً للطلب. وتؤكد هذه الحقيقة وقائع الركود والكساد اللذين يتناوبان على الاقتصاد الرأسمالي كالوباء. إن القدرة الإنتاجية التي تقرر العرض والمقدرة الشرائية التي تقرر الطلب أمران مختلفان تماماً، إذ بينما تنمو الطاقة الإنتاجية بمتوالية هندسية تتسع الأسواق في أحسن الحالات بمتوالية حسابية. أما كيف يتحرك الإنتاج الإسلامي لتوفير المواد لكل فرد، دون أي اعتبار للطلب، ودون أي اعتبار للمقدرة الشرائية، وكيف يمكن إنتاج حاجة ما لا طلب عليها، وكيف يمكن إنتاج حاجة لا ندري إن كان لدى طالبها قدرة على شرائها أم لا، فتلك مسائل تظل في طي الغيب، لغزاً معمى. وما أكثر الألغاز!»[80].

وبغضِّ النَّظر عن طبيعة هذه التناقضات، فإن من المهم تحقيق ما إذا كان الشهيد الصدر مدركاً لمقولة العرض والطلب أو لا؟ وهي الملاحظة الأساسية التي سجّلها عبد الجبار، والتي تولَّدت عنها تساؤلات أخرى، لم يقف عبد الجبار على أجوبتها لدخولها في طي الغيب أو عالم الألغاز كما يقول!

ولسوء حظِّ عبد الجبار سينكشف هذا اللغز المعمّى، وترتفع الحجب عن عالم الغيب هذا الذي حُجب عنه!! وسيُصاب القارى بالغثيان وهو يقف على منجزات هذا الكاتب، ودوره في تحريف عبارات الشَّهيد الصَّدر وتمزيقها، وعرضها للقارى أشلاء متناثرة، لتكون طيِّعة لنقده، وتسهِّل عملية دحضها كمقولات إسلاميّة، لا تستحق الاحترام…

هنا مارس عبد الجبار التَّقطيع المتعمَّد لعبارة الشَّهيد الصَّدر، فحذف منها ما لا يروق له، وما يحزنه رؤيته منها، وعبارة الشَّهيد الصَّدر كما هي في المصدر الذي نقل عنه عبد الجبار كما يأتي: «إن الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي لا يتحرَّك وفقاً لمؤشرات الطلب في السوق فحسب كما هي الحالة في المجتمع الرأسمالي، بل هو يتحرَّك قبل كل شيء ـ إيجاباً ـ لتوفير المواد الحيوية اللَّازمة لكل فرد مهما كانت ظروف الطلب في السوق، ويعتبر ذلك في المجتمع الإسلامي فريضة يمارسها أفراده كما يمارسون واجباتهم الشرعية وعباداتهم التي يتقرَّبون بها إلى الله تعالى، ويتحرك الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي ـ سلباً ـ لشجب كل قطاعات الإنتاج التي تخصَّص لتوفير سلع الترف والبذخ التي يتعاطاها المترفون والمسرفون، وهكذا يُبْنى الإنتاج في المجتمع الإسلامي على أن يوفر للأفراد حياة تتوفر فيها كل مقومات المعيشة الصالحة، وتنعدم منها كل مظاهر البذخ والاستهتار، خلافاً للمجتمع الرأسمالي تماماً الذي يتحرك فيه الإنتاج وفقاً للطلب والقدرة الشرائية للطالبين، فيؤدي ذلك إلى اتجاه الإنتاج نحو توفير سلع الترف وأدوات التسلية وفنون التجميل، لأن طلبها يعتمد على القدرة الشرائية للأغنياء المترفين، وتقاعس الإنتاج وانكماشه عن توفير السلع الحيوية بالقدر الكافي»[81].

والنَّص الذي نقلناه عن الشَّهيد الصَّدر، ومن مصدره مباشرة، ودونما تعديل من عبد الجبار، لا ينفي دور الطلب والعرض في عملية الإنتاج، ولذلك جاءت عبارته دقيقة إلى حدٍّ كبير، ولكن شاء عبد الجبار أن يحذف منها كلمة «فحسب»، فبدت مع مجموعة من الأسئلة التي أثارها تشي بعدم إدراك العرض أو الطلب كما يقول.

والسَّيد الشَّهيد في صدد شرح الموقف الإسلامي لعملية الإنتاج ونظرته إلى هذه العملية، وهي بالتأكيد تختلف اختلافاً جذرياً عن الفهم الرأسمالي، ولذلك ميَّز بين الطَّلب الحقيقي والطَّلب الصُّوري الذي يعبِّر عن حالة نقدية أكثر مما يعبّر عن حاجة المستهلك، وهذا ما أكَّده عبد الجبار، وهو يتحدَّث عن إتلاف المنتوجات وإحراقها، وذلك لخفض العرض بصورة اضطرارية.

وعليه فإنَّ ما يذكره الشَّهيد الصَّدر عبارة عن الموقف النَّظري للاقتصاد الإسلامي تجاه عملية الإنتاج ومحاولة توجيهها وترشيدها على نحو يحقِّق الحياة الكريمة للإنسانية بعيداً عن القيم المادية، وليس في صدد نفي تأثير العرض أو الطلب على عملية الإنتاج.

على أنَّ هناك إشكالًا منهجياً يرد على عبد الجبار لأنه لا يعي الوظيفة التي يؤدِّيها البحث الاقتصادي في «اقتصادنا» و «الإسلام يقود الحياة»، لأن الشَّهيد الصَّدر، وهو يقدِّم هذه التصورات، افترض أنها في صدد تغيير الواقع لا تفسيره ممَّا ترك إلى علم الاقتصاد نفسه، الذي يرصد المقولات التي يمكن أن تظهر في ضوء السياسات الاقتصادية القائمة على رؤية اقتصادية ما[82].

وبما تقدّم يتبدَّد تساؤل عبد الجبار، وهو يقدِّمه ببراءة كاملة ـ على حدِّ تعبيره ـ عن كيفية تحرك الإنتاج الإسلامي لتوفير المواد لكل فرد من دون أي اعتبار للطلب.. وذلك لأنّ مثل هذا التساؤل افتراضي نشأ من سوء فهم على أقل تقدير، إن لم يكن نشأ بداعي التَّحريف، وهو يقص بمقصه عبارات الشَّهيد الصَّدر ويقطع أوصالها بساطوره النقدي!

ثالثاً: وفي مدى قدرة الشَّهيد الصَّدر على بناء اقتصادٍ نظري إسلامي قادر على النهوض بالمجتمع بعيداً عن النظم الاقتصادية السائدة، سجّل عبد الجبار على الشَّهيد الصَّدر أنه يحاكي النظام الرأسمالي بلغةٍ سريّة يؤطرها بإطار إسلامي. وهذا ما نستنتجه من ملاحظتين سجّلهما، وهما:

الأولى: سجّل فيها عبد الجبار على الشَّهيد الصَّدر أنه يتبنَّى، في بحث ملكية الثروة الطبيعية، رأياً أقرب ما يكون إلى الرأسمالية، وذلك بعناوين فقهية، من قبيل الحيازة، الإحياء، حق الأولويَّة. ثم يكتشف تناقضاً في هذا الصدد فيكتب: «يتبنى السَّيد الصَّدر رأيين متناقضين بهذا الصدد.. يقول في كتابه صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي»: إن الإسلام يسمح بالملكية الخاصة لرقبة المال في مصادر الثروة الطبيعية. أما في كتابه الآخر فيقول العكس. لا يؤذن إسلامياً بنشوء ملكية خاصة لرقبة المال.. بل إن رقبة المال تظل ملكاً للدولة»[83].

وبغضِّ النَّظر عن مدى صحة صدق الطابع الرأسمالي على الاقتصاد الإسلامي فإننا يمكن أن نشير إلى أن هذا التناقض المزعوم لا واقع له. وما كان للكاتب عبد الجبار أن يقع في مثل هذا الاستنتاج لولا قراءته المستعجلة أو نيَّته السَّيئة، وهو ما يكفي للتدليل على ثقافته المتواضعة في حقل ثقافي لم يتعرَّف إليه ولم يوفَّق لقراءته بشكل يؤهله لتسجيل ملاحظاته التي يسميها نقدية!

ما ذكره عن التَّناقض كان وليد خطأ مطبعي ورَّطه في استنتاجٍ من هذا القبيل، والصحيح في الفقرة الأولى: «لا يسمح الإسلام بالملكية الخاصة لرقبة المال في مصادر الثروة الطبيعية»[84]، وقد ورد في سياق حديث الشَّهيد الصَّدر عن المؤشرات العامة للتشريع الإسلامي.

وما ورد في الفقرة الثالثة من الكتاب نفسه الذي أشار إليه عبد الجبار يؤكد سقوط «لا» من الفقرة الأولى، إذ ورد فيها: «إذا تلاشى العمل المنفق في مصدر طبيعي وعاد إلى حالته الأولى، كان من حق أي فرد آخر غير العامل الأوَّل أن يستثمر المصدر من جديد ويوظفه توظيفاً صالحاً»[85]، وكذلك ما ورد في الفقرة الرابعة، إذ ورد فيها: «العمل المنفق في إحياء مصدر طبيعي كالأرض، أو في استثماره، لا ينقل ملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وإنما يؤكد للعامل حق الأولوية في ما أحياه على أساس العمل»[86] وهذه الفقرات جميعها تؤكد حقيقة واحدة هي عدم إمكانية تملك رقبة المال على نحو يجعلها ملكية خاصة.

ولو كان عبد الجبار يدرك المضامين الفكرية لهذه المؤشرات/ الفقرات التي وردت في هذا الكتاب، وفي سياق الفقرة الأولى التي نقلها، لاكتشف التناقض بين الفقرة الأولى ـ مع افتراض سقوط لا ـ وبين الفقرة الثالثة والرابعة التي لا يفصلها فاصل عن الفقرة الأولى، وسيكون في غنى عن الإشارة إلى التناقض بينها وبين ما ورد في الكتاب الثاني.

على أنَّ ما في «اقتصادنا» من شرح تفصيلي كفيل بتوضيح ما ذكره الشَّهيد الصَّدر، وهو تأكيد عدم تملك الثروات الطبيعية ملكية خاصة[87].

أمَّا ما ذكره من غلبة الطابع الرأسمالي على المقولات الاقتصادية الإسلامية تحت عناوين فقهية من قبيل: الإحياء، حق الأولوية..، فإنَّه إن دلّ على شيء فهو يدل على المنهج الالتقاطي والانتقائي في قراءة عبد الجبار، إذ لم يكلف نفسه الاطلاع على المقولات الفقهية هذه التي وجد فيها الطريق الموصلة إلى الرأسمالية بعناوين فقهية، لأنَّ لهذه العناوين الفقهية شرائط لا تؤدِّي إلى الرأسمالية، وهو ما أشار إليه الشَّهيد الصَّدر وبوضوح أيضاً[88].

الثانية: وقد سجّل فيها عبد الجبار على الشَّهيد الصَّدر أنه، وإن كان قد نظَّر إلى كون العمل أساس الكسب وذلك بغية استئصال الكسب من دون عمل، إلّا أنه نظَّر في الوقت نفسه إلى طريقة تتمّ وفقاً لها سرقة قوة العمل تحت عنوان آخر، وذلك بما أسماه أجرة أدوات العمل التي يدفعها الرأسمالي إلى العامل، وذلك تحت ستار العمل المتراكم والمختزن، إذ كتب عبد الجبار: «.. فتحت ستار العمل المتراكم الذي يعمل بالنيابة عن الرأسمالي، ينشأ لهذا الأخير «حق» في «مكسب» في أجرة، دون تحديد لمقدار هذه الأجرة. إنَّ الأجرة هي الاسم السري الذي يعطيه الاقتصاد الإسلامي لفائض القيمة الرأسمالي. وبالطبع فإنَّ العلاقة الرأسمالية، لا يهمُّها بشيء أن يتغيَّر الاسم، بل ستكون سعيدة في أن تجدد رداءها، ودفتر نفوسها!»[89].

وبغضِّ النظر عن الفوارق النظرية الأساسية بين النَّظرية الإسلامية وما بين النظام الرأسمالي، وكذلك الاشتراكي والشيوعي، وهو ما تكفل بشرحه السيد الشَّهيد في كتابه «اقتصادنا»، فإنه يمكن أن نشير إلى ما وُفِّق له عبد الجبار ـ أيما توفيق ـ وهو يفترض افتراضات ينسبها إلى الشَّهيد الصَّدر ثم يُصدّقها، بل ويحاول إقناع غيره بتصديقها، وهي لا تتجاوز مخيَّلته العظيمة المفعمة بالحيوية! لأنَّ ما تساءل عنه عبد الجبار، وتحديداً في مقدار الأجرة هذه، والتي عدّها الاسم السري لفائض القيمة الرأسمالي، يجيب عنه الشهيد الصدر بمنتهى الوضوح، وفي الصفحات نفسها التي نقل عنها عبد الجبار بعض الفقرات عن كتاب الشَّهيد الصَّدر.

فقد كتب الشَّهيد الصَّدر: «بأن العامل إذا كان قد استخدم أدوات ووسائل يملكها الآخرون فلهم عليه أجرة المثل لقاء ما تفتت من عملهم المختزن..»[90] و «أما أدوات الإنتاج ووسائله التي تتدخل في عملية الإنتاج الثانوي… [فـ]لا نصيب لها من السلعة المنتجة.. فلها عليه الأجر المناسب.. وإذا كانت أجور رؤوس المال العينية من أدوات ووسائل وغيرها مرتفعة جداً في المجتمعات الرأسمالية فهذه نتيجة للنُّدرة الطبيعية التي يخلقها الاحتكار الرأسمالي.. ولا بدَّ للدولة الإسلامية… أن تتجه إلى إلغاء هذه الندرة كعامل لتحديد أجرة تلك الأدوات والوسائل… وفي هذا المجال يجب على الدولة أن تتدخل لمقاومة هذا الاحتكار وتحديد الأسعار بصورة لا يتدخل فيها الاحتكار[91].

وكأن الشَّهيد الصَّدر يستشرف المستقبل، إذ سيأتي قوم من الكتَّاب تثقل عليهم القراءة المتواصلة، فكتب ملخِّصاً ذلك بقاعدة أعطاها رقماً بارزاً جاء فيها: «تحدَّد أجور أدوات الإنتاج وأجور العمل من قبل الدَّولة مع الاتجاه إلى إلغاء النُّدرة المصطنعة التي يخلقها الاحتكار»[92].

أ. محمد الحسيني[1]

 

[1]. مجلّة المنهاج 23.

[2]. ممَّا كتبه العلوي: «.. ولكن بعد ثورة 14 تموز، تحرَّك السيد محسن الحكيم الذي آلت إليه المرجعية في الخمسينيات لمناهضة عبد الكريم قاسم والقوى الديمقراطية التي نشطت بعد الثورة. والحكيم هو الذي أوعز للسيد محمد باقر الصدر بالتصدِّي للفكر الماركسي، فألف كتابيه: فلسفتنا واقتصادنا..». و «كان الصدر هو المريد المباشر لمحسن الحكيم، ولكن مع تفاوت في مستوى المعرفة ومحتواها، فالحكيم كان فقيهاً فقط، أما الصدر فقد تمتع بمعرفة واسعة.. وهو يرقى في كتابه: «الأسس المنطقية للاستقراء» إلى مرتبة فيلسوف.. رغم أنه كتابه الوحيد الذي يحتوي على معرفة حقيقية. فالأعمال الأساسية التي يعول عليها هو كما يعول اتباعه هي التي ردَّ فيها على الماركسيين مثل فلسفتنا واقتصادنا التي تشير عنونتها إلى الغرض منها، وهو الدعاية والمماحكة..». «ويمكن أن نذكر هنا موسى الصَّدر، مؤسس حركة أمل في لبنان،.. ولديَّ معلومات شخصية عن اتصاله بالسفارة الأمريكية هناك؛ حيث تم ترتيب الانتقال إلى جبل عامل في مشروع لتجميع الشيعة اللبنانيين..». «في مصائر الإسلام المعاصر»، المنشور في مجلة النهج، عدد 17 لعام 1987، راجع على التوالي الصفحات: ص22 و25 و42. ومما كتبه العلوي، أيضاً: «وكان لمؤلفات السلفيين السنَّة كالمودودي وسيد قطب دور هام في تثقيف كوادر من الثوار الإيرانيين. ويتجارى مع هؤلاء لاهوتي شيعي كبير هو محمد باقر الصدر نبغ في العراق مع اشتداد حركة مكافحة الشيوعية التي قادها المرجع الديني محسن الحكيم، وكتب مؤلفات استمدها من أفكار المودودي والأخوان ردّ فيها على الشيوعيين، وهو الوحيد الذي كتب في هذه الأمور من بين فقهاء الشيعة العراقيين… وقد أعلن الخميني في وقتٍ لاحق يرجع إلى السنين الأخيرة أن محمد باقر الصدر هو معلمه. ويكرس هذا الإعلان خروج الخميني على خط لاهوت التحرير الشيعي وتمسكه بمبدأ الحكم الديني البحت»، راجع: «فصول من تاريخ الإسلام السياسي، ص 441 وما بعدها، ط أولى، 1995، نشر مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي.

[3]. المنهاج، بيروت، العدد 17، الخاص بذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر.

[4]. أحمد صادق سعد، دراسات في المفاهيم الاقتصادية لدى المفكرين الإسلاميين ـ الفكر المعاصر، بيروت: دار الفارابي، ط1، 1990م.

[5]. د. غسان محمود ابراهيم، الخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر ـ قراءة علمية، دمشق: دار الجندي، ط1، 1993م.

[6]. فالح عبد الجبار، المادية والفكر الديني المعاصر ـ قراءة نقدية، مركز الدِّراسات والأبحاث الاشتراكية، العالم العربي، ط1، 1985.

[7]. سعد، أحمد صادق، دراسات في المفاهيم الاقتصادية لدى المفكرين الإسلاميين، ص 196.

[8]. سعد، المرجع نفسه، ص 196.

[9]. سعد، المرجع نفسه، ص 198.

[10]. الصَّدر، محمد باقر، اقتصادنا، ط20، بيروت: دار التعارف، 1987، ص 404 وما بعدها.

[11]. سعد، م.س.، ص 199.

[12]. المرجع نفسه، ص 206.

[13]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 41، وما بعدها.

[14]. المرجع نفسه، ص 90 وما بعدها.

[15]. المرجع نفسه، ص 316 وما بعدها.

[16]. المرجع نفسه، ص 316.

[17]. المرجع نفسه، ص 317 و318.

[18]. سعد، م.س، ص 208.

[19]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 319.

[20]. المرجع نفسه.

[21]. المرجع نفسه، ص 320.

[22]. سعد، م.س، ص 206.

[23]. الصدر، م.س، ص 41 وما بعدها.

[24]. سعد، م.س، ص 211.

[25]. ابراهيم، غسان محمود، الخطاب الاقتصادي الإسلامي المعاصر، م.س، ص 77.

[26]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 334، والإسلام يقود الحياة، ط بيروت: دار التعارف، 1990.

[27]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 288.

[28]. ابراهيم، المرجع السابق، ص 77 و78.

[29]. الصدر، اقتصادنا، ص 280 و281.

[30]. المصدر نفسه.

[31]. ابراهيم، م.س، ص 77.

[32]. أفانا سييف، أسس الفلسفة الماركسية، ترجمة عبد الرزاق الصافي، ط الرابعة 1984، بيروت: دار الفارابي، ص 179 وما بعدها.

[33]. المرجع نفسه، ص 235.

[34]. المرجع نفسه، ص 236.

[35]. المرجع نفسه، ص 190 وما بعدها.

[36]. ماركس ـ أنجلز، البيان الشيوعي، ترجمة العفيف الأخضر، ط أولى، بيروت: دار ابن خلدون، 1985، ص 94.

[37]. ابراهيم، م.س، ص 78.

[38]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 147، 320 وما بعدها.

[39]. ابراهيم، م.س، ص 78 و79.

[40]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 241، بل هي محدودة بحرية الآخر، ص 18 وما بعدها.

[41]. المرجع نفسه، ص 259.

[42]. ابراهيم، المرجع السابق، ص 79.

[43]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 659 وما بعدها.

[44]. المرجع نفسه، ص 289 وما بعدها، وص 660 وما بعدها.

[45]. المرجع نفسه، ص 662 ـ 665.

[46]. المرجع نفسه، ص 667 ـ 672.

[47]. ابراهيم، م.س، ص 80.

[48]. المرجع نفسه، ص 77.

[49]. راجع: المرجع نفسه، ص 95.

[50]. المرجع نفسه، ص 92.

[51]. المرجع نفسه، ص 95.

[52]. المرجع نفسه، ص 93 وما بعدها.

[53]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 31.

[54]. المرجع نفسه، ص 395 وما بعدها.

[55]. ابراهيم، م.س، ص 96.

[56]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 11.

[57]. ابراهيم، م.س، ص 97.

[58]. المرجع نفسه، ص 98.

[59]. ابراهيم، م.س، ص 99.

[60]. راجع: اقتصادنا، م.س، الصفحات: 16، 19، 253، 282، 294، 306، 310.

[61]. ابراهيم، م.س، ص 100.

[62]. المرجع نفسه، ص 104.

[63]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 16.

[64]. المرجع نفسه، ص 21.

[65]. المرجع نفسه، ص 290. وراجع فصل «الاقتصاد الإسلامي جزء من كل» ص 291 وما بعدها، وفيه تفصيل لأوجه الترابط بين النواحي المختلفة للنظام الإسلامي.

[66]. عبد الجبار، فالح، المادية والفكر الديني المعاصر، ص9، ص 32، ص 12.

[67]. عبد الجبار، م.س، ص 96.

[68]. المصدر نفسه، ص 119.

[69]. المرجع نفسه، ص 96.

[70]. المصدر نفسه.

[71]. المصدر نفسه، ص 97.

[72]. العنوان الذي أحال عليه عبد الجبار هو في الحقيقة عنوان فرعي من الكتاب الذي يحمل عنوان: «منابع القدرة في الدولة الإسلامية».

[73]. الصدر، الإسلام يقود الحياة، ص 161 و162.

[74]. المصدر نفسه، ص 66.

[75]. عبد الجبار، م.س، ص 110.

[76]. المصدر نفسه، ص 100.

[77]. د. شافعي، محمد زكي، مقدمة في النقود والبنوك، ط7 بيروت: دار النهضة العربية، ص 26.

[78]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 349 ـ 350، ص 624 وما بعدها، والإسلام يقود الحياة: ص 54، ص 102.

[79]. د. شافعي، م.س، ص 29 وما بعدها.

[80]. عبد الجبار، م.س، ص 112 و113.

[81]. الصدر، الإسلام يقود الحياة، م.س، ص 88، وراجع: اقتصادنا، م.س، ص 652.

[82]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 312 و250.

[83]. عبد الجبار، م.س، ص 102.

[84]. الصدر، الإسلام يقود الحياة، م.س، ص 45.

[85]. المصدر نفسه، ص 45.

[86]. المصدر نفسه.

[87]. الصدر، اقتصادنا، م.س، ص 470 وما بعدها، ص 479، ص 494.

[88]. المصدر نفسه، ص 402 وما بعدها، وراجع: الإسلام يقود الحياة، ص 80.

[89]. عبد الجبار، م.س، ص 107.

[90]. الصدر، الإسلام يقود الحياة، ص 90.

[91]. المصدر نفسه، ص 96 و97.

[92]. المصدر نفسه، ص 97، القاعدة رقم (7).