يقول سبحانه وتعالى:
(إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)
(سورة الرّعد / 11)
ويقول عزّ وجلّ:
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
(سورة الانبياء / 105)
لقد بات من الواضح ان الإسلام أساسه التفكير الدّائب في عملية التغير والانتقال للافضل، ايماناً بسنة التكامل الّتي يجب ان تكون مثالية متلاحقة وان مصادر الفكر الإسلامي المتمثلة، بكتاب الله العظيم والسّنة المطهرة تقوم أساساً في منهجها في التغيير والتكامل على الآيات الشّريفة والأحاديث النبوية الصّريحة بوجوب التحرك للتغيير والتطوير والاصلاح المتواصل..
يقول عزّ اسمه: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الارْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).
(سورة هود / 116)
ويروى عن الرّسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «يحمل هذا الدّين في كل قرن عدول ينفون عنه: تأويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد»[1].
وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إلا ان رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار إلاّ ان الكتاب والسّلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، إلاّ انه سيولي عليكم امراء يرضون لانفسهم ما لا يرضون لكم، فان اطعتموهم اذلوكم، وان عصيتموهم قتلوكم».
قالوا: ماذا نفعل يا رسول الله؟
قال: كونوا كأصحاب عيسى (عليه السلام)، نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، فوالّذي نفس محمد بيده، لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصية الله[2]. ومن خلال الآيات والاحاديث نتبين متبينات الفكر الإسلامي ومصادره لعمليات الاصلاح والتغيير والتامل كاستراتيجية إسلامية ثابتة.
وان النزوع للافضل منهجه الرّسالي الحكيم، الّذي طالما عشناه في رحاب القرآن والسّنة المطهرة في الدّفع للتي هي أحسن، وللتي هي أقوم…
ومن أبرز شواهد هذا المنهج مدح الله تعالى للمؤمنين الّذي يتابعون ويتحرون الافضل والأتم: (فبشر عباد الّذين يستمعون القول فيتبعون احسنه، اولئك الّذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب).
(سورة الزمر / 17 – 18)
ومعلوم ان تشخيص الافضل والسّعي لاختياره من أهم أهداف التغيير والمغيرّين.
وبذلك يكون التغيير من منظور اسلامي سنة من سنن الله تعالى التشريعية وفريضة يعتمدها الإسلام، ويدعو لها لتحقيق مجتمع الخير والسّعادة في الدّارين.
وهنا نلتقي مع الصّحوة الإسلامية المعاصرة:
وتواجهنا من خلال هذا التلاقي جملة عناوين ومحاور أشارت لها ندوة هذا العام، وتُرك للعلماء والمفكرين فرص الحديث عن جميع المحاور الّتي ترتبط بشكل أو باخر بمحاور البحث الرّئيسية. استنهض همم العلماء والمفكرين الإسلاميين ان لا يستهلكوا كل طاقاتهم الفكرية في المحاور الرّئيسية ويهملوا المحاور الاخرى.
فهناك من المحاور العناوين الّتي قل البحث والتعاطي فيها ما هي أهم بكثير من المحاور التقليدية. فمثلاً خلال الحديث عن الصّحوة الإسلامية ومنطلقات التغيير… تواجهنا عدة اسئلة واشكالات هامة، لا تستغني الصّحوة الإسلامية عن بحثها والخروج منها برأي موحد يساعد الكتاب والباحثين في التأسيس على هذه النقاط والانطلاق منها لمواضيع لاحقة أذكر منها على سبيل المثال:
1- تاريخ الصّحوة الإسلامية المعاصرة والّذي لا زال النقاش في تحديده وبداياته.
2- اسباب الصّحوة الإسلامية مبرراتها، وهل هي سقوط الدّولة العثمانية؟ أم أن الدّولة العثمانية نفسها هي من أهم أسباب بروز الصّحوة الإسلامية واشتداد الحاجة لها، باعتبار ان الدّولة العثمانية، هي امتداد لمناهج الانحراف الأموي والعباسي وامثالهما وامداداتهما عبر أكثر من عشرة قرون من مسيرة الإسلام ومعاناة المسلمين.
3- من هم أهم رجالات الصّحوة الإسلامية وروادها الاوائل، بمنظور اسلامي بحت، بعيداً عن الاطر والمؤثرات القومية، والمذهبية، والاقليمية؟
4- ما هي أهم مدارس الصّحوة الإسلامية المعاصرة ومناهج روادها كمدرسة جمال الدّين الافغاني وتلميذه وشريكه محمد عبده، وما هو الجامع بينهما بشكل دقيق وكذلك المدارس اللاحقة لهما والمنبثقة خلال النصف الاول من القرن العشرين. كمدرسة محمد حسين كاشف الغطاء، والمظفر، وجماعة التقريب في مصر وايران ثم ماذا عن رجالات النصف الثاني من القرن العشرين، كالمودودي، وشلتوت والبرجودي والطّباطبائي، وموسى الصّدر، والزّنجاني، والشّهيد محمد باقر الصّدر والإمام الخميني وأمثالهم… ممن عاصرنا الكثير منهم. وكذلك لابد من وقفة عند أهم مدارس التغيير والصّحوة الإسلامية حيث تباينت هذه المدارس بنسب متفاوتة كبيرة.
ويمكن تقسيمها إلى عدة مدارس ومناهج، ويتضح هذا التقسيم واضحاً من خلال طرحها لفكرة التغيير والصّحوة الإسلامية، ومن تباين مناهجها وأعمالها الفكرية والسّياسية وكل ما يتبين على ذلك. وفي وقفة عجلى عند هذا المقطع يتبين أن ثلاث مدارس أو مناهج برزت في السّاحة الإسلامية خلال هذا القرن:
أولاً: الرّعيل الّذي تلقى التغيير الحاصل في العالم الغربي واثاره في حياة الشّعوب الغربية، وما انعكس عليهم من مظاهر النمو الصّناعي، والصّحي والاقتصادي والعسكري، وما انطبعت به أحوال الأمم الغربية من مظاهر الرّفاه والتمدن والعمران والتفوق السّياسي والعسكري وأمثال ذلك.
فانبهر بعض العلماء والكتاب من الشّرق الإسلامي إلى حد جعل هذا البعض يعمل على الترويج للمبادئ والاخلاق والسّياسات والمناهج الغربية دون تحفظ ودعا بكل صراحة وانفتاح للتوفيق بين الإسلام والغرب بود وتعانق شديدين مما سهل تمرير المشاريع الغربية الخفية وأهدافهم المشبوهة.
وتربت على هذا المنهج المنفتح بلا تحفظ أجيالاً من المتغربين الّذين انبهروا بالحضارة الغربية وانصهروا في مشاريعها الاستعمارية في الشّرق الإسلامي والعالم الثالث كقاسم امين وطه حسين وجرجي زيدان وسلامة موسى وأمثالهم على سبيل المثال لا الحصر وآخرون في القارة الهندية، دول شمال افريقيا وغيرها.
واصبح هذا الرّعيل يمثل مدرسة متميزة في التغرب والتبشير بالحضارة الغربية.
ثانياً: المدرسة الّتي حاول أصحابها الافادة من النهوض الغربي وتقدمه العلمي والتكنولوجي دون ان ينبهروا بالغرب وثقافته وحضارته، ومع شعور بمواطن الخطر في الانفتاح على الغرب، وتأشير منهم لبعض نوايا الغرب تجاه الشّعوب الاخرى وخاصة اتجاه العالم الإسلامي، كالسيد جمال الدّين الافغاني ومحمد عبده وشكيب ارسلان، ومالك بن نبي وامثالهم. واعتقدوا بأمكان التعايش بين الحضارات والمشاريع الغربية وبين الفكر الإسلامي وفلسفته واخلافه…
ثالثاً: واخيراً المدرسة الّتي شخص روادها الاوائل حاجة الأمة الإسلامية إلى الاصلاح والتغيير ولكن على اساس الاسلام وحده، وشخصوا من خلال هذا الطّرح مناطق الخطر في الفكر الغربي. وتيارات المتغربين في الوطن الإسلامي ومخاطر الغزو الفكري والسّياسي والعسكري الغربي، وما يشكله الغرب من فكر استعماري مصلحي.
وقامت على أساس هذا الغرض فلسفات ومدارس وثورات كثورة ريف المغرب بقيادة عبد الكريم الخطابي، وثورة المجاهدين الليبيين بقيادة عمر المختار، وثورة الفلسطينيين بقيادة القسام وثورات الشّعيبة والعشرين في العراق بقيادة العلماء وبرز المهدي في السّودان من الثوار من خلال مشاريعه في مواجهة الغزو الفكري والسّياسي والاقتصادي المشبوه.
فتحرك أتباع هذه المدرسة، بحركة الوعي الإسلامي المعاصر، المتمثل بطرح الإسلام والافكار الإسلامية كبديل عالمي لحل مشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل البشرية المعذبة ووقفوا بحزم تجاه كل أنواع الغزو الغزبي ومشاريعه المشبوهة. كحسن البناء والإمام الشّهيد محمد باقر الصّدر، والإمام الثائر الخميني، والمفكر الإسلامي محمد حسين فضل الله والشّهيد سيد قطب، والشّهيد عبد العزيز البدري ومفكرين إسلاميين معاصرين أحياء وأموات نهجوا هذا المنهج وتبنوا هذه المدرسة. وهذا لا يعني انهم رفضوا العلم والتكنولوجيا والحداثة غير المدجنة والمسخرة للغزو الفكري والسّياسي والفكري الغربي.
ثم نعود لنأخذ مثلاً منهج ومدرسة الإمامين الرّاحلين الشّهيد محمد باقر الصّدر، والقائد الثائر روح الله الموسوي الخميني رضوان الله تعالى عليهما.
ورغم انهما متفقين في كثير من مسار مدرستيهما الثورية الإسلامية ومتبنياتهما في الصّحوة الإسلامية. وكان التوافق كبيراً وواضحاً في الأحداث خلال العقدين الّتي سبقت قيام الثورة الإسلامية في ايران في السّتينات والسّبعينات.
وحتى بعد قيام الثورة وقطعها أشواطاً مهمة في مجال الثورة وتسلم الحكم في ايران. إلاّ ان المفكر الدّقيق المتابع لا يعدم المؤشرات على اختلاف المدرستين في العمل الإسلامي لكل من الإمامين الرّاحلين وفي منهجية العمل واولوياته عند كل منهما.
كان الشّهيد الصّدر يُعد منهجاً متناسقاً في الاصلاح الاجتماعي معتمداً في ذلك بالمبادرة لبناء القيادة الإسلامية، لتعود سيرة التغيير والاصلاح باعتبار أن العلماء ورثة الانبياء مرتباً أولوياته على الشّكل التالي:
1- التخطيط لبناء المرجعية الدّينية الواعية، عبر مشاريعه المعروفة في المرجعية الدّينية الرّشيدة، والمرجعية الصّالحة. وهذا يتطلب كما يعتقد بناء هرمياً متناسقاً بدءاً من كوادر الحوزة العلمية وطريقة انتقاء المنتمين اليها، وتطعيمها بالطلاب الجامعيين حتّى العلميين منهم….
ثم العمل للاصلاح الشّامل لهذه الهيئة بجميع فقرات الاصلاح كمناهج الدّراسة وسنيها، وأنواع الدّراسات والتخصصات، والكتب الدّراسية… في عمل جاد دؤوب، دون التشاغل بالنقد وفتح محاور الصّراع الجانبية مع مقدسات الماضي من الكتب الدّراسية والعلماء الماضين حيث ورث الناس وكالعادة حالة التقديس دون وعي وتبصر لمستجدات الظّروف وحالة النضج والتنامي الّتي وصلتها الأمة في خطي سريعة متلاحقة وكان سيدنا الاستاذ الصّدر يرقب مشاريعه الاصلاحية بتخطيط وحذر بالغين تحاشياً من الانجرار للصراعات الّتي عادة ما يفتعلها الجهال والمشبوهون من داخل البيت الإسلامي، وهي صراعات ونقاشات غير مبررة قطعاً… وتستهلك الكثير من طاقات الأمة وفرصها.
وكان الشّهيد الصّدر يهدف بوضوح من منهجه الاصلاحي الشّامل للاعداد لافراز المرجع الصّالح المناسب، ولبناء كيان المرجعية الرّشيدة المناسبة معتبراً رحمه الله ان كل ذلك سيؤدي بالتالي لبناء المجتمع الإسلامي الواعي عبر المرجع والمرجعية الرّشيدة. واتجه رحمه الله وفق منهجه هذا ومدرسته الاصلاحية المتميزة لعدم الاهتمام الكبير بالعمل السّياسي المباشر، والاقلال من المشاريع السّياسية الّتي تتجه مباشرة لاستلام الحكم والادارة قبل أنهاض الأمة وبناء قواعدها ومؤسساتها، كما يعرف ذلك كل من عاش قريباً من الصّدر.
وبات الاصلاح الحوزوي والمرجعي والاجتماعي يستأثر بالكثير من جهوده واهتماماته رحمه الله.
وهذا لا يتعارض مع متبنيات الصّدر الفكرية التاريخية في تأسيسه للحركة الإسلامية ومواصلة رفدها وتأييدها..وكذلك لدعمه للمشاريع الإسلامية الثورية كمشروع الجمهورية الإسلامية في ايران وشعارات الإمام الخميني منذ السّتينات.
ومنهج مدرسة الإمام الخميني رحمه الله تعالى:
يعرف الجميع الإمام الرّاحل الثائر الخميني أعلى الله مقامه كان ينهج نهجاً اخر في الاصلاح والتغيير. وذلك عبر التوجه مباشرة للعمل السّياسي المكشوف، والتحرك الواضح لاسقاط نظام الحكم الملكي في ايران واقامة حكومة إسلامية بكل معنى الحكومة الإسلامية حيث كان يرى رحمه الله انه لا يتم الاصلاح إلاّ باستلام الحكومة أولاً، وبناء أسس القيادة الإسلامية ميدانياً، والانشغال عبر ذلك للاصلاحات الاخرى ولعله كان متأثراً بما لاقاه العلماء والثوار في ثورة الدّستور في ايران واخفاقاتها.
ورغم ان الإمام الخميني (رحمه الله) كان يتحدث بين الفينة والاخرى عن بعض مساوئ الحوزة العلمية وعن ممارسات بعض رجال الدّين والمؤسسات الحوزوية والمرجعية، وتخلف بعضهم عن النهوض بمهامهم….. مشيراً لبعض صور الاصلاح إلاّ انه كثيراً ما كان يتغاضى عن تلك الاخطاء، ويشير بالايجابيات التاريخية لحساب تجميع القوى، وتوجيهها صوب الهدف الاساسي وهو محاربة النظام الشّاهنشاهي المقبور أو الالحاح في تحميله كافة الاخطاء الفكرية والاخلاقية والسّياسية والادارية تمهيداً للدعوة لاسقاط الشّاه وتخليص البلاد والعباد منه ومن نظامه الفاسد.
وكان كثير من الحركيين الإسلاميين وحملة مشاعل الاصلاح والتغيير في العراق يستغربون منهجية الإمام الخميني واولوياته في التعامل مع مشاكل الأمة الاخرى.
ولست انسى التساؤلات الكبيرة الّتي تطرح على منهجية الإمام الخميني الّتي كان يسير عليها، ويتصرف على أساسها هو وجهازه المرجعي في النجف الاشرف خاصة في اواخر السّتينات حينما عادت حفنة عفالقة تكريت للحكم في العراق عام 1968 م وكان واضحاً هوية نظام بغداد الجديد هو استهداف الحركة الإسلامية العراقية، ومحاولة تحطيم كيان المرجعية الدّينية في اواخر ايام الإمام الرّاحل السّيد محسن الحكيم رحمة الله عليه ولجاجة النظام العفلقي المشبوه وممارسة العدوانية في تدمير الحوزة العلمية وتهجير مئات آلاف من العراق في حملة طائفية عدوانية مسعورة. وما تعرضت له آنذاك الحوزة العلمية معاهدها ومؤسساتها واساتذتها وطلابها المجتمعين تاريخياً من جميع أقطار العالم الإسلامي.
وسجن وأعدام أعداد غفيرة منهم تحت حجج وذرائع مرفوضة في كل الاعراف والقوانين. وكنا نلجأ كالعادة للمراجع ومكاتبهم للجأر بالشكوى والتفكير في الحلول والمصالحة إلاّ انه وكما يعرف الجميع ممن عاش تلك الأحداث والأيام السّود البغيضة فقد كان الإمام الخميني رحمه الله تعالى وجهازه المرجعي لا يبتدي الاهتمام والتحرك المطلوبين في فلسفة ومنهجية واضحة من عدم رغبته رحمة الله عليه في التعاطي مع تلك الاحداث باكثر مما كان يتعامل به معها.
ولم يستوعب الكثيرون تلك المنهجية، إلى أن نصر الله الثورة الإسلامية في ايران بقيادته (رحمه الله) في الشّهر الثاني من عام 1979 م وحينها عرف الجميع أبعاد مدرسة الإمام الخميني العظيم في التعامل مع أحداث العراق، وتجاوزات نظام البعث على الإسلام والمسلمين واتضحت أبعاد الخطة الحكيمة للإمام الخميني ومدرسته في التغيير، وبعد نظره في توحيد هدفه. وانه لو توسع في مشاريع التغيير والاصلاح وزج نفسه في أكثر من معركة وميدان، وخاصة بالنسبة لاحداث العراق في السّبعينات… لما استطاع الوصول لهدفه الكبير في اسقاط الشّاه وأقامة نظام الجمهورية الإسلامية لنشر الإسلام ومثله في العالم. وما ان انتصرت الثورة الإسلامية في ايران، حتّى تلاحمت الخطوط، والتقت المدرستان وتبددت الاشكالات والتساؤلات.
وكان الامام الشّهيد الصّدر سباقاً لاعلان إيمانه الكامل بالثورة وقائدها ودعا بكل صراحة ووضوح. والإمام بعد في منفاه في باريس لحشد كافة الامكانات والطّاقات الإسلامية لانجاح تجربة الثورة الإسلامية والتراصف التام مع القائد الخميني وأهدافه الواضحة.
وكان للموقف الرّسالي الواضح الصّريح الّذي وقفه الإمام الصّدر طيلة عام 1979 وما تبقي من عام 80 حتّى يوم شهادته دور كبير في اقامة وتثبيت صرح الجمهورية الإسلامية في ايران وتسديدها والدّفاع عنها… سواء في الدّعم المطلق للثورة وقائدها، وتحمله كافة المسؤوليات تجاه ذلك الموقف، وكان منه دمه الطّاهر ودماء خيرة تلامذته وأعوانه وقادة حركته الإسلامية، أم بالرفد الفكري، وحشد الطّاقات العلمية للوقوف مع الوليد المبارك وتقديم الاطروحات الفكرية والقانونية لتسديد مسيرة البناء والتقنين الإسلامي الجديد. أم بدعوة كافة كوادر الحركة الإسلامية العراقية والعالمية للنهوض بمسؤولياتها في حراسة الثورة الإسلامية والدّفاع عن وجودها المبارك من أعدائها الّذين تنادوا من كل صوب لوأد الثورة، أو حرف مسيرتها نحو أهداف وشواطي غير اسلامية. وهكذا تلتقي المدارس وتتلاشى الفوارق في عناق رسالي مخلص لتصنع هذا الصّرح العتيد من الصّحوة الإسلامية المعاصرة.
محمد باقر الناصري
[1] سميح عاطف الزّين، الثقافة والثقافة الاسلامية ص 406.
[2] نفس المصدر