خِطاباتُ الضَمان في رأي آية الله الشهيد الصدر “قدس سره”

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

خطاب الضمان:

هو تعهد من المصرف بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قِبَل المستفيد.

وخطابات الضمان ابتدائية ونهائية:

أما الابتدائية: فهي تعهدات توجه للمستفيد من هيئة حكومية أو غيرها لضمان دفع مبلغ من قيمة العملية التي يتنافس فيها طالب الضمان ويستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند رسو العملية عليه.

وأما النهائية: فهي تعهدات لضمان دفع مبلغ يعادل نسبة أكبر من قيمة العملية المستقرة على عهدة العمل، ويستحق الدفع عند تخلف العميل عن الوفاء ما عليه في العقد النهائي بين العميل والمستفيد.وهي تستعمل لطمأنة المستفيد. وتتم الطمأنة تارة بدفع مبلغ من النقود لتصبح من حق المستفيد أن لم يف الشخص بما رست عليه العملية.وأخرى بخطاب الضمان.

خطاب الضمان: يكون هناك عقد بين المستفيد والعميل مشروط بتملك المستفيد نسبة معينة من قيمة العملية عند تخلف العميل، وهو شرط ملزم عندما يقع في عقد صحيح كالإيجار، ويعتبر خطاب الضمان تعهداً بوفاء المقاول بالشرط تماماً كتعهد الدين من قبل ثالث، وحينئذ يرجع المستفيد على المصرف إذا لم ينفذ الشرط ويضمن المقاول المبلغ الذي خسره المصرف، لذلك فله مطالبته، وللمصرف أخذ عمولة على هذا التعهد، وهو عمل محترم يمكن فرض جعالة أو عمولة عليه من قبل الشخص.

حكم الخطاب الابتدائي

هذا الخطاب يجوز للمصرف إصداره، إلا أنه غير ملزم، لعدم وجود عقد يشترط فيه شيء ليمكن ضمانه. فالشروط الابتدائية غير ملزمة عند الكثيرين هناك من ألزم بها.

تعميق البحث في خطابات الضمان النهائية:

العقد بين المستفيد والمقاول مع شرط دفع مقدار عند التخلف صحيح إذا لم يؤد التخلف إلى بطلان أصل العقد.

ويتصور الشرط بأحد أنحاء:

أن يكون بنحو شرط النتيجة فتشترط الجهة أن تكون مالكة للمبلغ في ذمته عند التخلف.

أن يكون بنحو شرط الفعل فتشترط الجهة أن تملك المبلغ.

أن يكون بنحو شرط الفعل فتشترط الجهة أن يملكها ذلك.

والثمرة بين الثاني والثالث تظهر في أي مكان قيام شخص آخر دون أمر أو توكيل ذلك.

والشرط في الثاني مقدور لأنه يعني الجامع بين فعله وفعل غيره.

أما الصورة الأولى فلا تصح لأن اشتغال ذمة المقاول بذلك ليس في نفسه من المضامن المعاملية المشروعة.

فإذا قيل نثبت مشروعيته بدليل (المؤمنون عند شروطهم). يقال: إنه لا يشرع أصل المضمون في الشرط وإنما هو يتكفل صلاحية لأن تتشابه المضامين التي هي مشروعة في نفسها.

وإما النحوان الآخران فهما معقولان:

وحينئذ فما حكم خطابات الضمان؟

هذه الخطابات يمكن تخريجها على أساس الضمان – كما يقول السيد الصدر.

ولا يقصد هنا الضمان بالمعنى المشهور في الفقه الإمامي، لأنه ينتج نقل ذمة إلى ذمة، لا ضم ذمة إلى جانب أخرى. والمصرف لا يقصد نقل الدين إلى ذمته عند قبوله للكمبيالة، أو في حالتنا هذه ولا نقصد ضم ذمة إلى ذمة ليكون باطلاً وإنما نقصد التعهد بأن الدين سيؤدي فهو ضمان الأداء.

ولا يتوهم أنه يرجع إلى ضم ذمة إلى ذمة فإن هذا يعني كون الشخصين المدين والضامن مسؤولين عن المبلغ وكلتا المسؤوليتين منصبتان على المبلغ المحدد، ولكن في ضمان الأداء ذمة المدين هي المسؤولية، والضامن مسؤول عن الأداء، وخروج المدين من عهدة مسؤوليته، فليس للدائن أن يرجع ابتداء إلى الضامن وإنما يرجع إليه عند امتناع المدين، ولما كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية تلفت على الدائن فيصبح مضموناً على من كان متعهداً به، وتستغل ذمة الضامن حينئذ بقيمة الأداء، وهي قيمة الدين، وهذا المعنى للضمان صحيح شرعاً بحكم الارتكاز العقلائي أولاً. وبالتمسك بعموم (أوفوا بالعقود) ثانياً، بشرط أن نثبت عقديته عند العقلاء، أي كون إيجاده متوقفاً على التزام الطرفين، وتتم معرفة ذلك بملاحظة أنه هل جعل تحت سلطان شخص واحد أو شخصين.

وهنا قد يدعى بأن الضمان بهذا المعنى ليس عقداً، باعتبار أنه لا يحتاج في قباله إلى التزام أكثر من التزام الضامن، وليس فيه تصرف في شؤون المضمون له.

ولكن يجاب بأن ملاك العقدية لا ينحصر بكونه تصرفاً في ذينك الشخصين بل قد يكون تصرفاً في أحدهما ولكنه يبقى تحت سلطان الشخصين كما في الهبة.

ولا يمكن الاستدلال بالروايات التي تبطل الضمان بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة ضد هذا الضمان لأنه هنا ضمان أداء.

فلنرجع إذن إلى خطاب الضمان النهائي. وهو يشبه ضمان الدين، غاية الأمر التعهد هنا بالقيام بالشرط.

أما كيف يقتضي استحقاق المطالبة من المصرف، فهذا يبين بوجهين:

الأول: أن هذا التعهد يجعل أداء الشرط في عهدة المصرف على حد كون العين المغصوبة في عهدة الغاصب وأن كان وقوعها في عهدته قهرية ووقوع التعهد في عهدة المصرف بسبب العقد، وإذا فقدت العين المغصوبة اشتغلت الذمة بالقيمة، فإذا تلف أداء الشرط تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال الذمة بقيمة فعل الشرط وهي لازم ذلك.

الثاني: أن يقال أن العهدة الجعلية (المعنى الثالث للضمان) هي عبارة عن تحمل تدارك الشيء بقيمته إذا تلف. وحينئذ يكون اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف هو مدلول هذا التعهد ابتداء. والفرق أنه على هذا الوجه ليس للمستفيد مطالبة المصرف بإقناع المقاول بالأداء، وإنما له تغريم المصرف، وأما على الوجه الأول فله ذلك.

وقد حاول بعض الأعلام إرجاع هذه الخطابات للكفالة ولكنها لا تؤدي إلى دفع القيمة.

ونحن لا داعي لنا في ذلك بعد أن أثبتنا هذا الضمان بالمعنى الثالث وهو بالذمة نظير ضمان الأعيان المغصوبة، وهو ما قال بصحته كثير من الفقهاء فإنها ليست نظير النقل من ذمة إلى ذمة فلا تشتغل الذمة ما دامت العين موجودة وإنما هو تعهد بالأداء وتشتغل الذمة عند التلف.

الإمام الخميني (ره) يقول في مسألة الكمبيالة:

مسألة3 ص 744، من تحرير الوسيلة:

“بعدما كان المتعارف في عمل المصارف ونحوها الرجوع إلى بائع الكمبيالة وإلى كل من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها لأجل القوانين الجارية عرفاً وكان هذا أمراً معهوداً عند جميعهم كان ذلك التزاماً ضمنياً منهم بعهدة الأداء عند المطالبة وهذا أيضاً شرط من ضمن القرار وهو لازم المراعاة، نعم مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديته لم يكن قراراً ولم يلزم بشيء “.

ويقول أيضاً عن خطاب الضمان ص 744: “من أعمال المصارف ونحوها الكفالة بأن يتعهد شخص لآخر بالقيام بعمل كبناء قنطرة مثلاً، ويتعهد المصرف وغيره للمتعهد له بكفالة الطرف، أي المتعهد، وضمانه بأن يدفع عنه مبلغاً لو فرض عدم قيامه بما تعهد للمتعهد له، ويتقاضى الكفيل ممن يكفله عمولة بازاء كفالته والظاهر صحة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهد بما تعهد وجواز أخذ العمولة بازاء كفالته أو بازاء أعمال أخرى من تسجيل الكفالة ونحوها إذا كانت الكفالة بأذن المتعهد جاز له الرجوع”. والسيد الخوئي يدخله في عقد الكفالة.

ويصح عقد الكفالة هذا والمصرف يدفع وبما تعهد المصرف وضمانه كأن يطلب من المتعهد والمقاول فهو ضامن لما يخسره المصرف، وللمصرف أن يأخذ عمولة على ذلك بنحو الجعالة وكذلك يمكن الإجارة.

مجلة التوحيد