الابداع والجمالية في فكر الشهيد الصدر (رض)

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

وانا اقلب اوراقي التي حملت ارهاصات لمجموعة من كتابنا الاعزاء وقعت يدي على موضوع كريم كان قد اتحفنا به الاخ العزيز الاستاذ عرفان الفهدي قبل الانتقال الى المكتب الجديد للصحيفة، وايماناً منا بأن ما يكتبه الاخوة الاعزاء عن مفكرنا وشهيدنا السعيد السيد محمد باقر الصدر (رض) هي لوحات جمالية آخاذة بالالباب خاصة وان محور الموضوع هو ذلك المفكر العملاق والمجتهد الكبير والمرجع المظلوم، لذلك سوف ننشر المقال كاملاً مع اعتذارنا لأخينا العزيز عرفان الفهدي على تأخير النشر، واليك اخي القارئ نص الموضوع:(المحرر)

الافكار والثقافة التي نظّم الشهيد الصدر علاقاتها وبناءها العام تتضمن قدرة فائقة على الابداع والتوالد، لا لأن كاتبها كان على تحصيل كبير من التجربة الابداعية وانه وأدواته في وعي ونضج متبادل، ذلك لأن الافكار والرؤى الصدريّة كانت تتجه وتنحاز الى وحدة متماسكة تحت غلاف الاسلوب وتقترح فكرة عامة تسمى «المشروع» واذن فان التعريف لرؤى ولجهودات الشهيد الصدر سوف يقود المبدع الآخر الى ما كان يعتمله (رض) ويدعو اليه من اخلاقية في العمل الابداعي والتزام في توجيه الصورة، وبمعنى ادق; انه كان يؤسس لتجربة اجتماعية وسط نوعين بارزين من عوامل التشجيع والتعطيل معاً. الابداع وهو يدعو الى اخلاقية والى تجربة اجتماعية لها مع تجربة العقيدة الاولى وحدةُ منبع، فانه والحالة هذه يقترح ان تنحلّ وتتوزع الرؤية ومصادر الاحساس الفني والابداعي في كل ابعاد وأقطار الصورة العامة واكتناه البعد اللاّمرأي وتركيز البؤرة ومعه الانتباه في المجال ومستوياته الاخرى، ومن الابداع الاسلامي تبرز قيمة الجمال في النص وفي المعطى وبكشل عام في الانتاج لأن الالتزام وهو موقف شرعي يلازم العطاء فتكون دلالات الجمال فيه هادفة من اجل احلال واشاعة ثقافة، هي ثقافة

التغيير.. ثقافة تتكامل مع مسيرة الكفاح البشري الواعي النبيل ضد معطلات التكامل والحرية والنزوع نحو آفاق النفس والكون.

لا يخال احد ان الشهيد الصدر (رض) كان في معزل عن هذا الهدف الجبار، فكل نقلاته الفكرية العملاقة تصبُّ في اعادة تشكيل الصورة الجمالية وتدعو الانسان الى اكتشاف موقعه الطبيعي في لوحة الجمال الكوني السيّال تماماً كما هو المعني من هدفية مقاصد التشريع العليا. الالتزام هو الذي حصّن النظرية الفنية والنقدية الاسلامية من الاضافات الاجنبية والناقصة، وجعلها تحيا مع اصالة الروح القرآنية وبيان النص المعجز. قد يعتبر الالتزام ـ وللوهلة الاولى ـ انه عنصر سلبي في الابداع او انه لا اقل من ان يقف ضد الانفتاح على المناهج والمدارس الادبية والمذهبية عند الآخر، الاّ ان هذا التصور والقناعة نتاج ثقافة ركزتها الموجهات الايدلوجية البعيدة والغريبة عن مزاج واصول الامة الاسلامية، ركزتها في عقلية بعض الكتّاب المسلمين، وهي امتداد لثقافة المستعمر، ومع لحاظ هذا، لك ان تتصور الطاقة المثالية في الانفتاح العلمي والأدبي عند الآخر في مشاريع ومؤلفات الشهيد الصدر (رض) حيث وظف الكثير من المفاهيم والخلاصات الفنية في سياق عطاءه الفكري ولكنه بروح نقدية توصي بالتعاطي والتفاعل، فمن الموازنة الاستراتيجية بين المحتوى والشكل الى الترميز والتوصيف الى كيفيات اشباع النص الواحد الى غربلة وابراز النكتة الى تمحيص الخامة والجملة البيانية الى نظم الشواظ واقصاء التظريف الى الترشيد الواعي لشآبيب الفكرة ومداخلها الى الاجتهاد في اقتطاف المفردة المثقلة بالثمرة الى هندسة الاداء ونظام الفواصل والهوامش وتصفية الشهيق والزفير بين ما يجب فيه الاحماء وبين ما لا يصح فيه الى الروحية العنيفة في اصطفاء المتون المنسجمة مع الاستعداد النفسي مروراً بما تقتضيه تجربة الوضوح التي اضفت على مؤلفاته وخطاباته تشبيباً وتقليماً وتخصيباً ووضع القارئ ـ وبأي مستوى بعد نصاب الفهم ـ على مقربة من محور الفكرة العامة، كل هذا يعبّر عن ان جلّ اساليب الجمال التي اكتشفها الغرب مؤخراً كانت حاضرة في كنانة الشهيد الصدر (رض) لكنه لم يستلمها استلاماً انما كان يعجنها مع الاطار. فرق كبير بين ان يكون الجمال آيدلوجية ذات سلطة سياسية في صناعة وتوجيه الثابت وبين ان يكون من آليات انتاج الوعي والتلقي لثابت ومفهوم العقيدة.

النظرية الجمالية في فكر الامام الشهيد الصدر (رض) كانت متضمنة في كيان طروحاته ومشاريعه فامتاز ومن موقع التصريحات الفكرية الاستراتيجية بخطاب جمالي بمعنى؛ ان استنباط الفكرة الجمالية لم تكن محددة بعنوان بارز كان تكون «جمالنا» او «نظريتنا النقدية» وعدم التوقف عند العنوان ايماءة لطيفة بدورها تعكس هماً جمالياً عظيماً، اذ الجمال ونظريته وتنويعاته له علاقة ازلية مع فيوضات الصورة الكونية الاصيلة ومع كمال وتطور تنامي المعطيات النفسية العامة، وهذا تحرير واضح لفكرة الجمال والفن من الصياغات المرحلية والمنهجية المحددة والمتحركة بضوء انسحاب الخصم او الضد والذي اصبح فيها الفن قد استقل عن المجتمع والحياة عبر تكريس مقولة الفن للفن مقابل الرؤية الثانية التي لا تقبل التعريف العلمي وانها متماهية لا حدّ فيها ولها والقائلة ان الفن هو الحياة والمجتمع. كلا الرؤيتين تعانيان من قلق باد لأنهما وِلدا من جفاء وجفاف ايدلوجي مع الانسان وفطرته وبقدر ما تنسحب الاولى نحو التغميض والذاتية للأداة المادية للفن وتحوله الى صنم وإله فان الثانية يتحول فيها الفن الى بديل للمعرفة وللبدهيات الحياتية وينتج ان ما يصبح ان يصحّ تطور موضوعي للحياة في تيار الوعي النقدي منفرطاً عن اي قاعدة واساس.

لقد عاش الشهيد الصدر في قلب المرحلة التي بلغت فيها ما صدرته الموجهات الابداعية لهاتين المقولتين اقصى درجة لها من الدعوة الصريحة. ولم نذع سراً اذا ما قلنا ان وراء المقولتين تكمن مقولات اخطر وانها اكتسبت في التعبير عنها لوناً اكثر شفافية من ذي قبل، هذا الواقع لم يستدرج الشهيد الصدر عن مصدر هذا التداعي والتثقيف المحموم الذي تموّنه الكوامن الخطيرة في قرار اساطين الثقافات، فاتجه (رض) الى تضمين الروح الجمالية الاسلامية وبالقدر المنسجم مع علمية الفكرة في هياكل مؤلفاته، فكان الفن والجمال ومن ثم شكل البيان والاثر بعداً داخلياً مهماً من ابعاد العمارة الفكرية، انما هو شكل يبتعد عن مفهوم السطح المباشر، ان حسيّة السطح كانت ما قبله قد احدثت اشكالات بين فريقين من دعاة الجمال الاسلامي او ما يعرف تاريخياً بأنصار المعنى وانصار اللفظ.

ومع الموازنة استطاع الشهيد الصدر (رض) ان يسجل للمضمون مصدرية طبيعية للشكل وهذا التسجيل كان نوعياً اذ ينبع ويرشح من قوة الفكرة العامة التي تجمع بين المضمون والشكل فعالج (رض) اللفظ فأنقذه من الانطباع الشكلي وحوله الى طرف عضوي ينبع بمعية المضمون من قوانين اعمق.

هذه الاشارات يمكن استنطاقها من سياق افكاره لأنه لم يكن يركز على النتائج بقدر ما كان يقود اشياءه وادواته نحو معطيات جامعة.. وبدهي ان موقع المعطيات حين يكون بهذه اللائقية فانه لا يفارق الهدف ويشتبك معه في القمة والمنعطف.

جمال هائل ثاو في تلافيف الانسياب الفكري للامام الشهيد الصدر وقد يوفق الناقد في وقفات تشي بالأخلاقية ان تتلامس مع دلالاته ورموزه فيما تتجذر اللوحة الجمالية الى واقع عقيدي كوني بها تتخلص من مثالية الاسطورة، ولعلنا نتلامس مع اهم دلالة جمالية تفجوء الحس الانساني في فكر وحياة الشهيد الصدر هي في تحويله الصراع الدموي في مرحلته التاريخية الى قيم حضارية تمتد الى خارج دائرة الاجتماع العراقي والعربي والاسلامي.. صراع يمكن ان يتمنهج به المختلفون ويستكنون العناصر الحرة في الفكر.

وزبدة التحويل هذا، ان الصراع الفكري لا يدور حول الصدق والكذب وليس بين الجميل والقبيح انما كما يركز الشهيد في معالم اتجاهه النقدي يدور بين الصحيح والخطأ في تجربة الحياة، وليس بالضرورة ان يكون احدهما صادقاً ضد آخر هو قبل التجربة كاذباً، بمعنى ان تحريك العقل الانساني نحو اكتشاف الصحيح والخطأ يتولد من تنمية ثقافية لتيار الوعي والذي سوف يؤسس لمرحلة التجربة والتجريب.

وقد بادر (رض) الى ان تنطلق التجربة على ثلاثية وجود المبدأ ومعرفته والايمان به ومن ثم العمل به ثالثاً فكان بحق رائد التجربة الابداعية من حيث تعميم المؤسسة الثقافية وذراعها الحركي وان يدور نشاطها عن ما هو الصحيح وعن ماهو الخطأ، بهذا تكون القيمة الجمالية مؤثرة حتى على التيار الخطأ فتكتسب العقيدة نجاحان ودوران في موقف واحد ودون التفريط بالآخر واقصاءه كاذباً خارج المشترك الانساني الصحيح اساساً.

سلام على الامام الشهيد الصدر مادام في الكون افق للتطلع وعلى رواد دربه واحبابه مادام في الافق موقع للتلاقي.

« النظرية الجمالية في فكر الامام الشهيد الصدر (رض) كانت متضمنة في كيان طروحاته ومشاريعه فامتازت ومن موقع التصريحات الفكرية الاستراتيجية بخطاب جمالي.»

«بادر (رض) الى ان تنطلق التجربة على ثلاثية وجود المبدأ ومعرفته والايمان به ومن ثم العمل به ثالثاً فكان بحق رائد التجربة الابداعية من حيث تعميم المؤسسة الثقافية وذراعها الحركي.»

عرفان الفهدي