الاسلام والمعاصرة في فكر السيد الشهيد الصدر (رض)

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

لعل من اكبر العقبات التي ادت الى احداث مرحلة الانحسار والتقوقع عن الاسلام، هي ظاهرة التكلس والاجترار، وطرح الاسلام بالطريقة الرتيبة التي التزمها القدماء، وعدم الخروج على مصطلحاتهم وادواتهم المعرفية لردح طويل من الزمن، ولقد تجذرت تلك الطريقة باستمرار، حيث نشأت معها حالة الابتعاد الواضحة عن الواقع الاسلامي، وحدثت حالة اغتراب حقيقية بين الأمة ورسالتها، التي حجبتها عنها ومصطلحات وطروحات التقليد والمحاكاة.

ولقد أدت تلك الظاهرة الى بروز صيحات متعددة تنادي بالاصلاح والتجديد منذ القرن التاسع عشر، مثلها الكاتب الاسلامي المعروف محمد إقبال وجملة من تلامذته ومريديه، في محاولة لكسر الطوق المطبق على الفكر الاسلامي، والانطلاق به نحو آفاق حديثة تواكب الحياة، وتقدّم الاسلام بلغة العصر ومصطلحه السائد.

ولقد كانت تلك الخطوة نقلة كبيرة في تاريخ الفكر الاسلامي الحديث باعتبار انها تمثل الحالة الطبيعية التي ينبغي ان يمارسها الطرح الاسلامي وفق متبنيات عصره، وعلى الرغم من اشتمالها على بعض نقاط الضعف والخلل, وقصورها عن تحقيق الطموح المطلوب، لكنها تظل المشروع الحيوي الكبير الذي نما وتكامل بمرور الزمن، حتى حقق اهدافه الكبيرة عندما لامسته طروحات عدة من المفكرين الاسلاميين في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي.

ويعتبر الامام الشهيد الصدر (رض) واحداً من اكبر الاتجاهات تأثيرا، في هذا الجانب، نظراً لما امتلكه من منهجية متميزة جديدة استطاعت ان تنتقل بالفكر الاسلامي الى آفاق رحبة، وفق مشروع فكري وظّف من خلاله معاني العصر وادواته المعرفية ومناهجه العلمية لطرح مفاهيم الاسلام ضمن تنظيرفكري وعملي حقق من خلاله للاسلام موقعا ً متقدما ً استطاع ان يعبر عن نفسه باعلى درجات القوة، الامر الذي نشأت بسببه حالة اسلامية متميزة، تمثلت بظاهرة الصحوة التي عمّت العديد من مناطق العالم.

لقد اعتمد الامام السيد الشهيد الصدر (قدس سره) مشروعا ً متكاملا ً لطرح الاسلام وفق رؤية معاصرة، بعد ان أحس بطبيعة المشكلة ومدى تأثيرها السلبي على عموم الحالة الاسلامية، ولم يكن احساس السيد الشهيد بالمشكلة احساسا ً عفويا،ً وانما تعمق في طبيعة الموضوع وحدد مستويات المعالجة بناءً على نظرته الثاقبة لواقع الاسلام.

لقد ميّز السيد الشهيد بين مفهومين أساسيين، وهو يتحدث عن مظاهر اخلاقية الانسان العامل إزاء نزعة التجديد في اساليب العمل، فقد ميّز بين النظرية والعمل، واشار الى ان النظرية يمثلها الاسلام بما هو نص الهي سماوي، وهذا النص لم يكن في يوم من الايام بحاجة الى تغيير او تحوير او تطوير «فالدين الاسلامي وهو اشرف رسالات السماء وخاتم تلك الاديان الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للانسان في كل مكان وفي كل زمان، ولهذا فإن الصيغة النظرية للرسالة صيغة ثابتة لا تتغير، ولا يمكن ان نؤمن فيها بالتجدد»[1].

ويبتني هذا القول على هيمنة النص الاسلامي على مفهوم المكان والزمان، او انه فوق مفهوم الزمان والمكان، ولهذا فإن النص الذي له هذه السمة لا يمكن ان يخضع لعوامل التغيير الزمانية والمكانية، فالاسلام ـ كما يقول السيد الشهيد ـ:«فوق الزمان والمكان؛ لانه من وضع الذي خلق الزمان والمكان. فقد قدّر لهذه الرسالة القدرة على الامتداد مهما امتد المكان والزمان»[2].

ولهذا تكون الصيغة النظرية للاسلام المتمثلة بالنص الآلهي صيغة ثابته فوق التغيير، وهي التي تتحكم بعوامل التغير والتجدد وليس العكس. ولعل في هذه النظرة يمكن التفسير الدقيق لمفهوم الخاتمية في الرسالة الاسلامية،فإن الخاتمية تقوم على اساس استيعاب الواقع وتخطيه الى استشراق المستقبل، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه الا من خلال فكر لا يخضع لعوامل التغير والتجدد، فلابد ان يكون فكرا ً متحكما ً بتلك العوامل لتحقيق مفهوم الامتداد الزماني والمكاني.

هذا كله على المستوى الاول، وهو المستوى النظري، أو النظرية في الاسلام.

اما المستوى الثاني الذي اشار اليه السيد الشهيد، فهو مستوى العمل، او قُل مستوى التطبيق وأدواته في ضوء الواقع الذي يمثل عملية التنفيذ والطرح.

ولقد اطلق السيد الشهيد علىهذا الجانب، مفهوم (اساليب العمل الخارجي) وان المشكلة كل المشكلة في رأيه تكمن في هذا الجانب الذي تحوّل الى نزعة استصحابية شكلت عائقا ً كبيرا ً في انطلاق الفكر الاسلامي، والتي مثلت حالة الركود والتخلف، والتي تعني الحفاظ على ما كان مألوفا ً، فليس بالامكان افضل مما كان.[3]

لقد دعا السيد الشهيد باصرار الى التحرر من تلك النزعة الاستصحابية، والتي قال عنها:«بانّها قد تبلغ القمة عند البعض، فلو اريد تغيير كتاب دراسي الى كتاب دراسي آخر ـ كما يقول ـ فانك تواجه الكثير من الاصوات الرافضة، وهي تتمسك بتلك النزعة التي تريد الثبات والاستقرارعلى ماهو مألوف وإن تجاوزه الواقع، لهذا تقف تلك النزعة في مواجهة التجديد، وتجعلنا نعيش مع أمة قد مضى وقتها، وانتهت بظروفها وملابساتها، وتلك الامة لم يبق منها احد، فقد انتهت وحدثت امة اخرى ذات افكار اخرى واتجاهات اخرى … وحينئذٍ لا نوفق في العمل لاننا نتعامل مع امة ماتت، والامة الحيّة لا تتعامل معها، فمهما يكن من تأثيرنا فسوف يكون هذا التأثير سلبيا؛ لأن موضوع العمل غير موجود في الخارج»[4].

وفي هذا النص تصوير دقيق لطبيعة النزعة التي يمثلها البعض في الجمود والتكلس على الاساليب الماضية، والتي لا يمكن تجاوزها، الامر الذي يؤدي الى إعاقة التأثير وحشر الاسلام في زاوية غريبة عن واقع الامة وتطلعات الانسان.

وقد مكّن هذا الاحساس السيد الشهيد الصدر من تبني منهجية سليمة تقوم على اساس اعادة النظر في كل مشاريع الاسلام العملية، واعادة طرحها وفق رؤية معاصرة تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الظرف الذي تمر به الامة، والاساليب المتعارفة في زمانها.

وقد أشار (رض) الى ان هذا المنحى ليس جديدا ً في عالم الطرح العملي للاسلام، فقد سبق الى ذلك المحاولة الجادة والشجاعة التي اقدم عليها الشهيد الاول) محمد بن الشيخ جمال الدين مكي العاملي ت 786هـ (والذي فكر في تنظيم شؤون المرجعية، حيث رتب هذا الكيان على شكل اجهزة من الوكلاء وعلماء الاطراف الذين يرتبطون بالمرجع من جهة، وبالقواعد الشعبية من جهة اخرى. وقام بتطبيقه في سوريا ولبنان، وبهذا يكون قد انشأ كيانا ً دينيا ً قويا ً للشيعة مترابطا ً لأول مرة في تاريخ العلماء[5].

وقد تساءل السيد الشهيد (رض) بقوله: «ألم يكن بمقدور العلماء الذين جاءوا بعد الشهيد الاول ان يفكروا بتطوير اساليبه، وفي تحسينها، وفي تنقيتها وتطويرها بعد ان وضع القواعد الاساسية لهذه المرجعية، ولكن الواقع يشير الى غير ذلك، حيث بقيت تلك الاسس على ما هي عليه حتى اليوم»[6]، علما ً بان الفارق الزمني بين تلك المحاولة وعهد السيد الشهيد الصدر حوالي ستة قرون وربع القرن من الزمان.

وقد واصل السيد الشهيد (رض) تقويمه لطبيعة المنهج الذي يقوم على أساس تفعيل الأساليب باتجاه الواقع، واعتبر ذلك وظيفة أساسية لشريحة العلماء الذين تصدّوا للدرس العلمي، باعتباره جزءا ًمن الوظيفة العلمية، فالعلم يُدرَس من أجل العمل والتطبيق، وليس حالة لتكديس المعلومات وتجميدها في عقل العالم، وهو يرى ان العلماء يمثلون الامتداد الطبيعي لمهمة الانبياء «والانبياء عاملون قبل ان يكونوا علماء، هم علماء لكي يكونوا عاملين، وليسوا عالمين من دون عمل. فاذا كنا نحن ورثة الانبياء فيجب ان نفكر في اننا عالمون لكي نعمل، لا اننا عالمون لكي نعلم، فلابد ان نطرح على انفسنا واساتذتنا هذه الاسئلة : ماهو العمل؟ كيف نعمل؟ ماهي اساليب العمل؟ كيف يمكن تجديد اساليب العمل، بالشكل الذي ينسجم مع الامة اليوم»[7] .

فالهمّ الأساس الذي كان يحمله السيد الشهيد (رض) هو تجديد الأساليب العملية، بما ينسجم مع واقع الامة، وما تعارفت عليه من مظاهر وقيم ومعايير، لكي يتمكن العاملون من اداء مهمتهم الرسالية والتأثير في الوسط الذي يعيشون فيه، والا ّ فإن التقصير في اداء هذا الواجب سيؤدي حتما ً الى تراكم النتائج السلبية وانعدام التأثير العلمي، «وهذا ما جعل الحوزة العلمية معدومة التأثير، ثم يظهر افلاسها في نفس البلد الذي عاشت فيه مئات السنين»[8].

وفي ضوء هذه القراءة الواعية لطبيعة المنهج في تجديد اساليب العمل، انطلق السيد الشهيد لتأسيس مشروعه العملي بايجاد منطلقات في مختلف مجالات الفكر الاسلامي، تجاوز من خلالها كل الأساليب التقليدية التي أعاقت النهوض الاسلامي فترة طويلة من الزمن.

ولقد حرص السيد الشهيد (رض) على ان يطرح نفسه نموذجا ً عمليا ً لتدشين هذا التوجه، على مختلف المستويات الفكرية، ولقد شهدت الكتابات الاولى له تأكيدا ً لهذا المنحى، وخاصة في مجال؛ الاصول والفقه والبحوث التاريخية والقرآنية.

ان المتابع لفكر السيد الشهيد يلمس ـ بوضوح ـ طبيعة المنهج الذي مارسه، من أجل تحقيق ظاهرة المعاصرة في طروحاته المختلفة، لا سيما وانه عاصر فترة شهدت تحولات نوعية، تعرّض فيها الفكر الاسلامي الى العديد من التحديات الفكرية، خصوصا ً على المستوى الداخلي.

لقد عبّر السيد الشهيد عن ممارسته لأسلوب المعاصرة بطرق متعددة، استخدم مرة المنهج الاسلامي المتمثل بموضوع الاستنطاق، واخرى المناهج الحديثة المتمثلة بالاستدلال العلمي المبني على قوانين العقل والتجربة، الذي استخدمه للاستدلال على اثبات الصانع المدبّر لهذا الكون. كما عالج جملة من مفاهيمه الاسلامية في ضوء المنهج التوحيدي الموضوعي، وجميع هذه الاتجاهات تصب في هدف واحد التزمه الامام الشهيد الصدر من اجل التعبير عن المفهوم الاسلامي بالاداة المعاصرة لمواكبة الواقع الذي تعيشه الامة.

لقد تحدث السيد الشهيد عن ظاهرة الاستنطاق في بحوثه القرآنية. واشار الى كيفية معالجة الواقع في ضوء النص الاسلامي، فذهب الى ان القرآن الكريم الممثل للنص الاسلامي، يكون بمثابة الاطار الذي تعرض عليه وقائع الحياة، ليقول رأيه، ويبدي تفسيره، فهناك اذن نص سماوي, وهناك واقع يختزن التجربة البشرية بكل ابعادها. ولايمكن الفصل بين هذين الواقعين (النص والتجربة البشرية).

ان التعاطي بين هذين المفهومين هو الذي ينتج تفسيرا ً مقبولا ً وحقيقيا ً لطبيعة النظرية التي تفسر مظاهر الحياة، وهذا اللون من الآلية المنهجية هي التي نعتها السيد الشهيد بالمنهج التوحيدي، وهو المنهج الذي يوحد بين التجربة الانسانية والنص القرآني، ليخرج من خلالهما مركّب نظري يتكفل التفسير الصحيح لظاهر الحياة وفق رؤية اسلامية صحيحة، ولابد ان نقف هنا امام مفهوم التجربة البشرية، والتي تعني الفهم الدقيق لمداخلاتها، وما تزخر به من نشاط ومواقف، مع الغوص في كل تفاصيلها ومستجداتها، وهذا يعني تجاوز الرتابة والسكون، والتي تعيق أي لون من الوان الفهم الاجتماعي للواقع المعاش.

ومن هنا فإن الاحاطة بالتجربة البشرية تعني وعي طرفي الماضي والحاضر، ومعرفة حالة التواصل بينهما، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكّن الباحث من ايجاد التعليل الصحيح للظاهرة، وطرح المركب النظري القادر على تفسير الحياة من خلال محاكمته في ضوء النص القرآني.

وهذا المنهج هو الذي عالج السيد الشهيد، من خلاله، جملة من المفاهيم الاسلامية في حقول علمية عديدة، لهذا نجد اشارات واضحة في معظم كتبه الى تبني هذا اللون من المعالجة، كما اشار مثلا ً الى ذلك، وهو في معرض التعريف بكتاب (فلسفتنا) ذلك السفر الخالد بقوله: «فليس الكتاب رواية ولا أدبا ً، أو ترفا ً عقليا ً، وانما هو في الصميم من مشاكل الانسانية المفكر[9]

ولقد حقق السيد الشهيد ما اراد من عبارته الآنفة, فحين عالج مفاهيم الكون والحياة الفلسفية وحلل مضامينها وربط بين دلالاتها، فانك تجده ذلك الباحث الذي غار في عمق الحالة الاجتماعية، وكأنه يعيش مظاهرها متمثلا ً لاحدث ما آلت اليه الحالة الانسانية سواء على صعيد الحالة الاسلامية او الحالة الاوربية بقسميها الغربي والشرقي.

وحين عالج نظريته في عموم الاستدلال الفقهي، اشار الى منهجه في طريقة الاستنباط بقوله: « لابد ان يتوغل هذا الاتجاه الموضوعي في الفقه، لابد وان يتوغل، لابد وان ينفذ عموديا ً، لابد وان نصل الى النظريات الاساسية، لابد وان لا يكتفى بالبناءات العلوية وبالتشريعات التفصيلية، لابد وان ينفذ من خلال هذه البناءات العلوية الى النظريات الاساسية التي تمثل وجهة نظر الاسلام ».

ويعلق الاستاذ الشيخ الرفاعي على هذا النص بقوله: «وبهذا يكون الشهيد الصدر اول فقيه من مدرسة اهل البيت (ع) يتخطى الفهم الحرفي للنصوص، وينتقل الى المنحى المقاصدي واستجلاء روح الشريعة، فقد شُقّت على يديه مرحلة مثلت ولادة جديدة للفقه الذي يستجيب لمتطلبات العصر»[10]..

وحين قدم لرسالته العملية بموضوع عقائدي حول اصول الدين، قارن بين اسلوبين من اساليب البحث، وقد حدد خيارين لطريقة الكتابة؛ تميز احدهما بمواكبة الفكر الحديث وتداول ادواته، اما الآخر فهو الاستدلال المبسط الذي يعيش بعيدا ً عن مسارات الفكر الحديث، فاختار الاسلوب الاول لما له من مساس بالواقع المعاش[11].

ولقد كان لهذا المنحى العلمي ـ في تحليله لابعاد العقيدة الاسلامية في ضوء المنهج العلمي الاستدلالي ـ ابعد الاثر في الخروج بتصور يفعّل العقيدة الاسلامية، ويحررها من رتابة البحث العقلي النظري، الذي طالما جعل ذلك البحث ركاماً من الاستدلالات النظرية التي لا تتجاوز آفاق العقل، ونقلها الى منطقة الوجدان والقلب لتتفاعل معهما، وتحول الايمان الى شعلة متقدة تدفع الفرد باتجاه البناء والعطاء دون حدود.

ولم يتوقف السيد الشهيد (رض) عند هذا الحد، عن ممارسة المصطلح المعاصر وتوظيف ادواته العلمية، بل لامس آخر تطورات مفاهيم حساب الاحتمال، وحاول استثمارها في اعقد مشكلة مستعصية، وهي المشكلة التي يستبطنها القانون العلمي القائم على اساس التجربة والاستقراء، واستطاع بعد محاولة علمية عميقة ان يحل تلك الاشكالية الكبيرة التي يحملها القانون العلمي، ويحوله من قانون يقوم على اساس الاحتمال الى قانون يقيني بعد إفنائه لدرجة الاحتمال فيه الى مقدار الصفر، من خلال عملية منطقية تجاوز من خلالها كل الطروحات المقدمة لعلاج تلك المشكلة، بعد ان ظفر بالتفسير الحقيقي لنظرية المعرفة التي اقامها على اساس «المذهب الذاتي في المعرفة» وبذلك يكون السيد الشهيد، المفكر الاسلامي الوحيد الذي استطاع ان يحسم مشكلة المعرفة، وهي المشكلة التي بقيت تراوح منذ عهد ارسطو الفيلسوف اليوناني المعروف وحتى عصر السيد الشهيد.

ومن خلال هذه الجولة المختصرة التي ظهر من خلالها دور توظيف المفردة المعاصرة في البحث العلمي، يتبين بوضوح اهمية الدور الكبير الذي مثله الامام الشهيد الصدر (رض) في تاريخ مدرسة اهل البيت (ع) المعاصرة، وبذلك يكون قد وضع البحث العلمي على اعتاب مرحلة متميزة، استطاعت ان ترفد الواقع الاسلامي بلون جديد من الفكر الاسلامي، ولقد حقق ذلك الفكر نقلة نوعية في حياة امتنا في التاريخ المعاصر.

وهكذا استطاعت المدرسة الصدرية ان تفرض نفسها باقتدار، وان تحقق انتصارا ً للاسلام في مواجهة التحديات الفكرية التي لعبت دورا ً كبيرا ً في تخلف الامة وانحسارها, ولهذا استطاع السيد الشهيد ان يخط مسارا ً جديدا ً سجل بداية حقيقية لصحوة اسلامية، خلقت جيلا ً متميزا ً بفكره وسلوكه ومواقفه، الامر الذي حفّز الدوائر الاستكبارية لأن تحسب لهذا التوجه الف حساب، فبادرت الى رسم مخطط مضاد يستهدف تغييب هذا العلم الفكري عن ساحة الصراع، فكانت الفجيعة الكبرى حين اقدمت يد الإثم والاجرام في العراق على تصفية السيد الصدر (رض) جسديا ً ، ولكنها ما استطاعت أن تغتال فكره وخطه ومدرسته، فمتى كانت القوة تقوى على اغتيال الفكر الواعي او تغييبه، فبقي ذلك الفكر يعلن عن نفسه بقوة واصرار؛ وما زال التيار الفريد الذي يمزق حجب التخلف التي تحاول العودة بالامة الى الوراء.

د. عبد الزهراء البندر*

*  استاذ جامعي ـ مقيم في لندن.

[1] احاديث في المحنة، المحاضرة الثانية.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر نفسه، المحاضرة الاولى.

[6] المصدر السابق، المحاضرة الثانية.

[7] المصدر السابق، المحاضرة الثانية.

[8] المصدر السابق.

[9] كتاب فلسفتنا، ط المجمع، ص 9.

[10] موجز اصول الحديث، ص 51 ـ 52.

[11] موجز اصول الحديث، ط لبنان، ص 6 ـ 7.