الباحث في مسيرة شهيد الإسلام والمفكر العملاق السيد الشهيد محمد باقر الصدر حاله كحال المتطلع إلى الشمس يجهد عينيه يريد معرفتها فلا يلبث إلا أن يرتد بصره عاجزا عن أن يدرك من الشمس إلا أن يقول إنها شمس حيث يقف متحيرا من أين يبدأ إذ يجد نفسه أمام نواحي متعددة وجوانب كثيرة تتضمنها هذه الشخصية الفذة من دوره الجهادي وقيادته للصحوة الإسلامية في العراق وبروزه كعلم لامع من أعلام العلم والفكر والفقه إلى تصدر موكب أهل الفكر مدافعا بفكره الثاقب وعلمه الغزير واطروحاته القيمة واستنتاجاته الرصينة متحديا التيارات الفاسدة التي أريد لها أن تنخر في جسم الأمة وتضعف روحها ولقد كانت اطروحاته الفكرية معبرة أكمل تعبير عما في الإسلام من عظمة في التفكير والنظام والتناسق والانسجام مع معطيات الحياة الأمر الذي يعلن للبشرية انه لامناص من إتباع الحق ونبذ التيارات المنحرفة عن جادة المنهج السوي أينما وجدت.
وحسب هذا البحث محاولة متواضعة لاستكشاف دور العطاء الفكري للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس واستذكارا لرمز عظيم من رموز الفكر الإنساني والإسلامي على حد سواء بمناسبة ذكرى استشهاده فا لسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
1- الفكر الديني وموقعه من الفكر الانساني والعوامل المؤثرة
لكي تتضح أمامنا أهمية الانجازات الفكرية التي قدمها السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس لابد لنا أن نلقي نظرة على الفكر الديني وتأثره وتأثيره في الفكر الإنساني عموما وبصورة خاصة في العصر الحديث.
فمما هو معلوم إن التيارات الفكرية التي وفدت إلينا كانت وليدة الظروف التي أحاطت التي انطلقت منها هذه التيارات وهى ظروف تختلف عن ظروف بيئتنا فلو أردنا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى ظهور التيار المادي الدياليكتيكي الماركسي وهو في مقدمة التيارات التي تقف في معترك الصراع الفكري القائم بين الفكر الإسلامي وبين تلك التيارات لو بحثنا في أصول نشأةالتيار المادي تظهر لنا جملة من العوامل:
إن مواقف رجال الكنيسة في أوربا المناصرة للحكام في كل الأحوال رغم ما تعانيه الشعوب من ظلم وجور هؤلاء الحكام وهذه المواقف أفقدت رجال الكنيسة مصداقيتهم كرجال دين وصار العداء للحاكم الظالم يلازم العداء لرجال الكنيسة (وكان أكثر رجال الدين في أوربا يناصرون الطبقة الحاكمة والطبقة الثرية على الطبقة الكادحة ويعللون فقرها المدقع وما تلاقي من شقاء مزمن في حياتها بأنه من إرادة الخالق وقضاؤه)[1]
الاحتكار الذي فرضته الكنيسة ولقرون طويلة على ترجمة الكتب الدينية القديمة فبعد أن كشفت اهتمامات المفكرين الإنسانيين والمتعددة الجوانب الكنيسة ورجالها على حقيقتهم وكسر ذلك الاحتكار عندما ترجمت هذه الكتب حيث إن الكنيسة جعلت من الدين اداة لتحقيق مصالحها واهدافها.
ج- أدى تحقيق بعض المخطوطات القديمة إلى اكتشاف أخطاء كبيرة في ترجمة الكتاب المقدس بل اكتشاف وثائق مزورة مما ترك أثرا سلبيا على البابوية وقد ثبت بعد ذلك انه لا يحق للبابوات التمتع بأي سلطة دنيوية بل تجرأ بعضهم أن يقول عنهم أنهم (قد تحولوا من قساوسة إلى قطاع طرق وذئاب)[2]
د- وكرد فعل من الكنيسة فإنها وقفت موقفا سلبيا من الفكر الإنساني والمفكرين والاكتشافات العلمية مما أدى إلى أن يصطبغ الفكر الديني بالصبغة المناهضة للعلم الأمر الذي كان سببا رئيسيا في ظهورا لتيار المادي والذي يتوضح من خلال مقولة ماركس (الدين أفيون الشعوب).
ومما تقدم يظهر لنا إن هناك صفة وصم بها الفكر الديني ظلما وهي أن الدين يناقض العلم وعلى أنقاض المعترك الذي دار بين رجال الكنيسة ورجال الفكر الإنساني عموما إبان عصر النهضة في أوروبا تولد التيار المادي ووفد إلينا مع الوافدين ومما لاشك فيه إن جمع كبير من أبناء جلدتنا قد أغرتهم الشعارات البراقة وقادهم تفكيرهم الأعمى إلى اعتناق هذه الافكار.
قد يبدو ما تقدم غريبا عن موضوع البحث ولكنه وثيق الصلة كون الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس وقف موقفا عقائديا ليس له مثيل في تفنيد تلك الأفكار الوافدة وهو ما سيأتي خلال البحث.
2- إن ظهور التيار المادي في ساحة الفكر العالمي وامتداده إلى بعض الأصقاع الإسلامية وضع علماء الإسلام ومفكريه أمام مسؤولية كبيرة وهي مقارعة هذه الأفكار الوافدة والتصدي لها ومن المعلوم إن الفكر لا يقارع إلا بالفكر ومن هنا انبرى السيد الشهيد قدس بما يحمل من فكر إسلامي أصيل وغزارة علم وسعة اطلاع وفهم لما يكتنف العالم من تجارب سياسية وفكرية واقتصادية الخ انبرى بكل ما أوتي من مقدرة للتصدي لتلك التيارات مفندا ما تطرحه من أفكار ومعالجات مشيرا في الوقت نفسه إلى ما في الفكر الإسلامي من حلول ناجحة لما تعاني منه الانسانية لذا فانه قدس يمثل أنموذجا فريدا للفكر الإسلامي استطاع أن يتحدى الفكر المادي وان يحفظ للهوية الإسلامية هيبتها لاسيما وان الفكر المادي وفد متعكزا على الاكتشافات العلمية والاختراعات العلمية والانجازات الصناعية التي هي في الحقيقة نتيجة طبيعية للبحث العلمي ونتيجة لحاجة الإنسان الباحثة عن حلول لكل المشاكل التي تصادفه في الحياة ولا علاقة للنظريات المادية بتلك الانجازات متهمين الدين بالجهل والخرافة
إن المتأمل في فكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس يصل إلى حقيقة مهمة وهي أصالة التجربة الفكرية الإسلامية إذ يكفي أن نعرف انه بلغ مرحلة الاجتهاد قبل أن يبلغ العشرين من عمره وهذا يعني انه قد الم الماماً واسعاً بالدائرة المعرفية الإسلامية في عمر مبكر وهذا الإلمام تفاعل بشكل مؤثر مع كل الجوانب المتعلقة بالفكر الإسلامي بروحية العالم المجتهد والمفكر الناقد والعارف الموقن والمجاهد الثائر وهو في كل ذلك ينطلق من تجربة أصيلة في محتواها غنية في تراثها عميقة في جذورها يقينية المصدر هي تجربة الدين الإسلامي العظيم وعظمة تفكيره قدس لاشك مستمدة من عظمة التجربة الاسلامية.
3- الحضور الفكري الإسلامي في ساحة الفكر العالمي من خلال العطاء الفكري للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس
ومما هو معلوم إن تاريخ الفكر الإنساني بكل مدارسه يشير إلى حقيقة مهمة وهي إن كيان أي اتجاه فكري يبرز إلى الوجود من خلال إسهامات أبنائه وحضور العطاء الفكري الممثل لذلك الاتجاه وأي مدرسة فكرية لا تجد من يعبر عن آراءها ويمثل صوتها فان هذه المدرسة لا تجد لها مكانا بين مدارس الفكر العالمي ولا تملك تأثيراً على مسرح الفكر وفاعلية في الآراء والأفكار المطروحة لحل إشكاليات جوانب الحياة المختلفة ومدرسة هذا شانها ستتلاشى بمرور الزمن ويخمد صوتها ويختفي ذكرها.
وليس بنا حاجة إلى القول إن الفكر الإسلامي الذي يستمد جذوره من.
الوحي الإلهي أسمى من غيره بما يحمل من حلول ناجحة لكل ما تعاني منه البشرية وبما لديه من إجابات دقيقة مقنعة على كل ما يمكن أن يصدر من الاتجاهات الفكرية المختلفة من نظريات يراد للبشرية أن تسير بموجب النظام الذي تدعو إليه تلك الاتجاهات وتشير إليه تلك النظريات والسيد الصدر (قدس) بما قدم من عطاء فكري سجل حضورا إسلاميا فاعلا مؤثرا في ساحة الفكر العالمي واثبت بكل جدارة إن الفكر الإسلامي أكثر مواكبة لروح العلم واكبر استيعابا وفهما لواقع الإنسانية واقدر من أي اتجاه آخر على صياغة النظام الذي يمكن أن تسير بموجبه البشرية نحو بلوغ سعادتها.
والمتأمل في فكره يجد فيه معايشة حقيقية لكل ما طرح على ساحة الفكر من تيارات واتجاهات في العصر الحديث وهذه المعايشة عكست هذا الفهم العميق لتلك التيارات وبما يتصل بها من آراء فهو في جميع أطروحاته يصدر عن نظرته التأملية لما يمكن أن يطرح من إجابات على الإشكاليات المطروحة كحلول مقترحة لهذه الإشكاليات أولا وسعة اطلاعه الفعلي على تجارب الفكر العالمي اطلاعا يصاحبه فهم مسبق للأرضية التي انطلقت منها تلك التجارب ثانيا بالإضافة إلى ما لديه من إمكانية معرفية إسلامية ثالثا.
4– الأسلوب العلمي في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)
إن أي قراءه في فكر السيد الشهيد (قدس سره) توقفنا على نظرتـــه العميقه النافذه، وتحليله الواعي الدقيق، ونقده العلمي النزيه ولا نغالي إذا قلنا إن السيد الشهيد من حيث هو مفكر، وباحث وفيلسوف يتجاوز الخصائص الذاتيه للشخصيه الاسلاميه، إلى الانطلاق من خصائص إنسانيه عامه، فهو عندما يطرح الفكره من أين كان مصدرها، ونوعها، واتجاهها، يطرحها على بساط البحث ويناقشها بأسلوب العالم المتمكن ويبين ملامحها ويجلو غوامضها، حتى تبدو تحت الضوء الكاشف بلا ستار، حتى إذا بدت كما هي، بدأ ببيان ما فيها من مواطن الضعف ومكامن العيوب، وما تتحمل في جنباتها من فشل، بمقاييس عقليه، وحقائق موضوعيه، واستنتاجات قائمه على حجج دامغه فالسيد الشهيد قدس هو بحق دائرة معارف واسعه ومنهل لمن يريد الاطلاع على ما طرح من قبل التيارات الفكريه المختلفه من نظريات – بل هو (قدس سره) اكبر من ذلك – فان شان دائرة المعارف أن تك مصدرا للمعلومات، وليس السيد الشهيد قدس كذلك فحسب، وإنما يضاف إليه التحليل الدقيق، والنقد الهادف، والرأي الراجح، والنظره الرصينه.
والنهج الأمثل عنده قدس في تناوله لمختلف النظريات، انه يتناولها بالعرض والتحليل والنقد، ثم ينتقل بصوره طبيعيه إلى الحالة المثاليه المنشوده، والتي لاتتجسد الا في النظريه الاسلاميه وانما غابت عن اذهان المفكرين والفلاسفه، من اصحاب الاتجاهات المختلفه، لان هؤلاء انصرفت اذهانهم إلى التفسيرات الماديه الصرفه، والميول النفسيه، دون ما يدعمها من هدي السماء، فضلت طريقها الى ايجاد حلول ناجحه للاشكاليات المطروحه، وهكذا اصبحت متخبطه في هذه النظريات.
وحيث ان السيد الشهيد قدس يعتمد اسلوب الدراسه المقارنه فبعد مايبين عيوب النظريات الفاسده ، يقدم الحل الاسلامي بأوضح صوره، كحل امثل ينبغي للبشريه ان تسلكه في طريق الخلاص من مشاكلها واشكالياتها.
5– طروحات السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ودورها في مواجهة تحديات العصر الحديث
إن ما طرحه السيد الشهيد (قدس سره) من أفكار، جاء تلبيه لاحتياجات الواقع الإسلامي، وصد تحديات العصر الحديث، وأمواج الفكر المادي، وزخرفة التكنلوجيا التي يتعكز عليها هذا الفكر فهو يمثل ثوره الفكر من اجل تحريره، من تكبيل الماده للعقل، وانقياد المجتمع للغرائز، ومن اجل أن يكون الفكر قائدا لا منقادا متحررا من ضغوط النفعيه والماديه وسحب الخيالات المريضه وغواياتها المزيفه، والفكر ولا يكون كذلك إلا إذا كان مستنيرا بالنور الإلهي.
إن الحقائق التي كشفتها بحوث السيد الشهيد (قدس سره)، اثبتت بما لايقبل الشك، ان التيارات الوضعيه بكا انواعها غير صالحه لتنظيم حياة الانسان وانها تحوي اسباب فشلها في نظرياتها وهذا ما اكده الواقع فرغم عشرات السنين الطويلة التي مرت على هذه النظريات الا انها لم تستطع ان تقدم للانسانية مايصلح حالها ويقودها نحو شاطىء الامان والسعادة لان هذه النظريات انبثقت اساسا من اسباب مرحلية طارئة ودوافع نفعية جشعة ورؤية مادية جامدة فالحقائق التي كشف عنها السيد الشهيد قدس تمثل انتصار الحقيقة على الوهم والحق على الباطل واعلان للانسانية عامة ان لا سبيل لسلوك طريق الاستقرار والامان والطمأنينة بعيدا عن الاستغلال والاحتكار
الا باتباع الكلمة الفيصل في حل معاناة الشعوب – كلمة الدين– الصافية النقية.
والامر الذي ينبغي الالتفات اليه ان السيد الشهيد (قدس سره) اثبت بالواقع الملموس ان الفكر الاسلامي ليس فكرا منغلقا على نفسه بل لديه من المؤهلات.والقدرة على ان يتفاعل ويؤثر مع مختلف جوانب المعرفة وشتى الاتجاهات وماالاسهامات المتعددة والمتنوعة للسيد الشهيد قدس الا اكبر برهان على ذلك.وهو بهذا قد دحض بقوة افتراءات المفترين على الدين من كونه مرحلة سابقة مرت بها البشرية وتجاوزتها خلال مراحل التطور كما تدعي المدارس الوضعية
6- اثر فكر السيد الشهيد الصدر في تصحيح النظرة للفكر الاسلامي
لاجل ان نستحضر في اذهاننا ونحن نناقش دور العطاء الفكري للسيد الشهيد (قدس سره) ومفكري الاسلام بصوره عامه في تصحيح هذه النظره لابد ان نستحضر الخلفية التي ادت الى تلك النظره والعومل المسببة لها لذا اجد من الضروري ان نقف عند اهم هذه العوامل :
ا- عند النظر الى الواقع التاريخى
اولا- النتائج التي ترتبت على سيطرة السلطات الظالمة التي حكمت الامة باسم الاسلام وخالفت روحه وجوهره في التطبيق الامر الذي ادى الى ان تتكون نظرة غير صحيحة عن الرسالة الاسلامية من خلال الحكم على هذه التطبيقات الخاطئة كواقع خارجي.
ثانيا- ظهور الفرق الفكرية والعقائدية المختلفة واحتدام النزاع بين هذه الفرق على قضايا ليس لرسالة الدين فيها ناقة ولاجمل مما يعطي انطباعا بعدم وجود عقيدة اسلامية مستقرة.
ثالثا- جمود الفقهاء والمحدثين جمودا عزل الدين عن العقل مما اسبغ على الدين الاسلامي طابعا متخلفا
ب- اما في العهود المتاخرة والمعاصرة او لا الواقع المتخلف للبيئة الاسلامية ثقافة وعمرانا وصناعة ومستوى معيشة بسبب الاستعمار والحكومات الفاسدة وسلب الثروات الخ.
ج- تفوق العالم الصناعي تكنلوجيا وثقافيا وعلميا واتساع فارق التطور بينه وبين العالم الاسلامي.
د- كواقع حال فان احكام الاسلام في اغلب الاحوال مستبعدة عن التطبيق في المجتمعات الاسلامية.
ه- النظرة الضيقة الجامدة البعيدة عن العلم لبعض الحركات والاتجاهات المحسوبة على الدين.
لهذه الاسباب وغيرها اصبحت المدارس الوضعية والاتجاهات العلمانية تصف الدين بكونه مرحلة متخلفة عن ركب الحضارة وصيغة قديمة عفا عليها الزمن.
ومن هنا يبرز دور السيد الشهيد الصدر في الوقوف بوجه هذه الهجمات الوافدة متحديا لها بفكره المتالق وعندما تكون المواجهة بهذا المستوى فان ارباب هذه الهجمات سيرغمون بالتاكيد على التراجع واعادة النظر وهدم الاسس التي اقاموا عليها حججهم الواهية وهذا هو واقع الحال فقد استحوذت مؤلفاته على اهتمامات الفلاسفة والمفكرين في مختلف انحاء العالم واذهلت عقولهم لما فيها من مناقشة عقلانية وعلمية في النقد ووثوق من المباديء والافكار التي ينطلق منها التي مباديء الاسلام النقية.
واهم ما قدمه السيد الشهيد في هذا الجانب انه اوضح ان نظرة هذه المدارس والاتجاهات الخاطئة تكمن في انها تنظر الى النتائج المترتبة في الواقع الخارجي الذي ليس معبرا بالضرورة عن الفكرة الحقيقية فما هو مطبق تاريخيا او كواقع تعيشه الامة الاسلامية قد لايتوافق مع الفكر الاسلامي فليس من الصحيح الحكم عليه وانما الحكم الصائب يجب ان يتجه الى مباديء وافكار الاسلام كما هي بغض النظر عن من يطبقها لانه متى عرف الاسلام حق المعرفة عرفت براءته مما لحق به من نظرة عكسها الواقع الفاسد وماقدمه السيد الشهيد الصدر من عطاء فكري بالاضافة الى انه يكشف عما في الفكر الاسلامي من عمق في التفكير وقدرة في التاثير فانه يمتلك كل خصائص البحث العلمي المعاصر وقواعده المعروفة الامر الذي من شانه وضع قواسم فكرية مشتركة وحوارات ناجحة وفهم بين الفكر الاسلامي واتجاهات الفكر العالمي مما له كبير الاثر في ان تحتل النظرية الاسلامية مكانتها الطبيعية وتاثيرها في النظام العالمي.
7- الاسلوب النقدي عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس.
وعلى هذا الاساس تقدم السيد الشهيد الصدر لخوض الحوار العلمي العالمي مع مختلف التيارات المطروحة في ساحة الفكر وباتجاهين المناقشة العلمية الهادئة للنظريات الوضعية وتفسيراتها الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية الخ من تفسيرات للظواهر الطبيعية والانسانية والعلمية حتى اذا اصبحت هذه النظرية اوتلك واضحة لاطراف النقاش دون ان يحجبهم غموض او ضباب هوى عليها محللا وناقدا ومفندا الى ان تغدو قاعا صفصفا وهذا مانجده باجلى صورة عندما يناقش في معرض الاجابة عن السؤال (ماهو النظام الذي يصلح للانسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟)[3] فيتصدى لايضاح حقيقة النظام الراسمالي الديمقراطي والنظام الماركسي والمنطلقات النظرية لكل منهما ثم يثبت فشلهما في اسعاد الانسانية من خلال النقد العلمي النزيه.
ب- مناقشة النظام الاسلامي وابراز تفسيراته للكون والحياة والانسان كتفسيرات لايمكن للعقل الا ان يسلم بها ويعترف بصحتها0ثم تقديم النظرية الاسلامية كصيغة مقبولة ونظام اصلح لاسعاد الانسان ليس من منطلق ديني عقائدي بل من منطلق الاحكام العقلية التي يؤمن بها جميع البشر الا ان يعاند معاند فذلك شان السوفسطائية في كل زمان.
وفي كلا الاتجاهين تعرض السيد الشهيد الصدر لمناقشة الاراء والنظريات المتعلقة بالجوانب العلمية والفلسفية والاقتصادية الامر الذي جسد استيعاب مفكري الاسلام والسيد الشهيد في مقدمتهم لكل مايمكن ان يطرح في ساحة الفكر العالمي من افكار ونظريات وقدرة الفكر الاسلامي على تقييمها وتقويمها مما يؤكد بقوة ان هذا الفكر حاكما وليس محكوما لغيره من اتجاهات وقائدا وليس منقادا مهما تنوعت وتباينت التيارات.
ثانيا- ظهور الفرق الفكرية والعقائدية المختلفة واحتدام النزاع بين هذه الفرق على قضايا ليس لرسالة الدين فيها ناقة ولاجمل مما يعطي انطباعا بعدم وجود عقيدة اسلامية مستقرة.
ثالثا- جمود الفقهاء والمحدثين جمودا عزل الدين عن العقل مما اسبغ على الدين الاسلامي طابعا متخلفا.
ب- اما في العهود المتاخرة والمعاصرة
اولا- الواقع المتخلف للبيئة الاسلامية ثقافة وعمرانا وصناعة ومستوى معيشة بسبب الاستعمار والحكومات الفاسدة وسلب الثروات الخ.
ج- تفوق العالم الصناعي تكنلوجيا وثقافيا وعلميا واتساع فارق التطور بينه وبين العالم الاسلامي.
د- كواقع حال فان احكام الاسلام في اغلب الاحوال مستبعدة عن التطبيق في المجتمعات الاسلامية.
8- ايقاظ فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) للصحوة الاسلامية
مما لا شك فيه ان الواقع الذي فرض لاسباب معروفه من تربع السلطات الجائرة على مقاليد الامور والتيارات الوافده وعوامل التخلف والجهل والمرض .. الخ جعل المجتمع الاسلامي في شغل شاغل عن ما يتوجب عليه من تفهم للارضية التي يجب ان يقف عليها والنهج الذي ينبغي ان يسير بموجبه والفكر الذي لابد ان يهتدي به فكان غياب الوعي الاسلامي من اقوى واعتى الاسباب التي ادت الى سيطرة ارباب الجهل والانانية على رقاب الناس وهذا الامر في مقدمة الاولويات التي شغلت فكر السيد الشهيد (قدس سره) حيث اندفع بكل ما اوتيه من قوه وحركه وامكانيه في الجهاد ونشر الوعي وتعبأت الجماهير لفضح نوايا من يحيكون للاسلام واهله المؤامرات والدسائس ويتربصون بكل شعلة فكر او نور علم فيحاربونها لاجل ان تبقى عروشهم .
وليس بنا حاجه الى التعريف بدور السيد الشهيد (قدس سره) الجهادي فهو غني عن التعريف ولكن جهوده ونشاطه الفكري كان له كبير الاثر في خلق اجيال من المفكرين المجاهدين الذين اخذوا عاتقهم مهمة ايقاض المجتمع الاسلامي من غفلته وسباته ونشر الصحة الاسلامية والوقوف بوجه كل التيارات الوافدة والسياسات المنحرفة مهما بلغ الثمن وهذا الارث الفكري العظيم الذي خلفه السيد الشهيد يشهد بذلك كما تشهد بة مواكب الشهداء الابرار الذين قدموا الارواح رخيصة في سبيل اعلاء كلمة الدين .
ان الاثر الذي تركه (قدس سره) في ابناء المجتمع الاسلامي لايمكن للكلمات ان ترقى اليه فان له معنىً خاصاً لا يدركه الا من حمل هموم الامه وتنفس بنفس هذا المجاهد العظيم .
ان مجرد اسمه كان يقظ مضاجع الظالمين لانه اسم ينذر وجودهم بالزوال ولذلك قام لعين العصر صدام بفعلته الشنيعه باعدام السيد الشهيد واخته الزكيه بنت الهدى وكان شانه (قدس سره) شان من سبقوه من مواكب المصلحين الرساليين وما استشهاده الا وجود يضاف الى وجود اما الظالمون فشانهم دائماً ان لا مكان الا مزبلة التاريخ .
اما انت ياسيدي ابا جعفر ستبقى خالداً في ضمائر الاحرار فالسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
بقلم: عبد الستار الاسماعيلي
[1] د.احمد حسين الرحيم . الفلسفة في التربية والحياة
[2] د.كمال مظهر احمد . النهضه , سلسلة الموسوعة الصغيرة(37)
[3] السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) . فلسفتنا