(عبود الأحمد) وافاه الأجل أثر نوبة قلبية في الساعة الثالثة والنصف من نهار يوم الثلاثاء المصادف 15 ربيع الثاني 1418هـ ـ 19 / 8 / 1997 م .
شَفَتاكَ ترتيلٌ وقلبُكَ مَحفلُ***ورؤاكَ مِحرابٌ وذكرُكَ هيكلُ
ذِكراكَ تسبيحٌ وروحُكَ روحُهُ***بالحمْدِ في حُلَلِ التضرُّعِ ترفُلُ
وصَداكَ لحنٌ والمشاعرُ همسُهُ***فالوجدُ وصلٌ والقلوبُ تَوَصُّلُ
وربيعُكَ المِعطارُ فيضٌ للروى***حُلمٌ تغازلهُ النفوسُ وتَنهلُ
وشموسُ فكرِكَ مايشعُّ به المدى***تَهَبُ الضياءَ الى الدُّنا وتجلّلُ
ولأنتَ قافلةُ الضياءِ الى العلا***والمجدُ في أعطافِها مُتزمِّلُ
تحدو بها الآفاقُ نحو خُلُودِها***سَحَرٌ يعانقُ والاصيلُ يقبلُ
دوائر الحزن
هذه القصيدة ليست شتيمة للشعب العراقي الأبي شعبِ البطولات والتضحيات بقدر ماهي تعبيرٌ عن واقع حدث في زمن اغتيال الشهيد الصدر وتخص المتخاذلين والقاعدين وتستثني الشهيد الصدر وجميع شهداء الحركة الاسلامية وتستثني جميع المخلصين لهذه الحركة .
مهداة الى المتخاذلين منّا
هذي محاورُ حزنِنا..
سأقولُها بصراحة
حتى وانْ غضِبَ الذي تستّروا
خلف التبسمُلِ والتحوقُلِ
خلف أشياءَ أُخَرْ
حتى وإن عُرِّضتُ فيها للملامةِ والخطر
هذي دوائرُ همّنا المتروكِ
ما بين الملاجئِ والمنافي والحُفَرْ
هذي قوافِلُ تيهنا الأبديِّ
تسلمُها الصحارى للفراغ وللقدرْ
وتضيعُ في يمِّ الضياعِ
وما هُنالك من يقودُ لها الزمامْ
وسطَ الزحامْ
من يشتري شعباً وتاريخاً
تمزَّقَ في الخيام
من يشتري جوعَ الطفولةِ منهمُ
فيعودَ يُورقُ ثغرُها بالابتسامْ
مَنْ يشتري هذا الضياعَ جميعَهُ
فالعمرُ إمّا ان يكون توهجاً
أو ينطفي تحت الرُّكامْ
نحنُ الأُلى قتلوا الشهيدْ
عن أيّ شيء نعتذِرْ
نحنُ الأُلى
وأدوا البراءةَ والأَصالةَ
نحنُ التخاذُلُ والتراجعُ
والهزيمةُ والشهيدُ هو الظَفَرْ
وبخوفِنا قُتِلَ الشهيدْ
والخوفُ افيونُ البشرْ
الخوفُ مهزلةُ الفِكَرْ
الخوفُ مزبلةُ النفاياتِ الحقيرةِ
والوضَرْ
الخوفُ حجّاجُ العصورِ
وسيفُ هولاكو
وجنكيزُ التترْ
من هاهُنَا دخلَ الظلامْ
من تحتِ مئزرِنا عَبَرْ
نحنُ الأُلى مدّوا الجسورَ لخطوِه
نحنُ الركيزةُ تحتها والمستقرْ
فلِمَ البكاءُ ، لِمَ التراشقُ والملامْ
نَحنُ البقايا من رياحِ الانهزامْ
الخوفُ أخطرُ مازَرعْنا في الترابْ
الخوفُ بَذرَتُنا الحرامْ !
كبُرتْ وما أعطتْ سوى شجرِ العذابْ
وبكلِّ غصن من تفرُّعِها حِرابْ
والسيفُ يقتطعُ الرقَابْ
من هاهُنا عَبَرَ الظَلامْ
واغتالَ فجراً كان أوضحَ ماتراءى وانْتَشَرْ
والآن ترقدُ في محاجرِنا الندامةُ
ثِقلُها ثقلُ الحَجَرْ
ولاننا نحنُ الحجرْ
ها نحنُ نركضُ خلف أحلامِ السرابْ
ها نحنُ يسحقنا التمزقُ والسَهرْ
ها نحنُ نختزنُ الدموعَ
ونُغرِقُ الأيامَ في بحرِ الهمومْ
ها نحنُ نُحرِقُ كلَّ ماضينا
على حلمِ الرجوع
ونظل نعرى أو نجوعْ
ونظلُّ نَبحث في زوايا التُّرْبِ
عن ضوءِ النجومْ
ليطلَّ من أفلاكها شبحٌ يحومْ
وتصيحُ فينا منشداً
هذا هو الصدرُ المطلُّ على الورى
بحراً سواحلُه المدى
قمراً اشعتُه الفكرْ
هذا زمانُ الخائفينَ على التجارةِ والحريمْ
الهاربين من الجحيم إلى الجحيمْ
السائلينَ عن البعوضةِ حين يَلْحَقُها الضررْ
التاركينَ دمَ الحُسينِ بكربلاءْ
وهي الجريمةُ ذنبُها لايُغتَفرْ
المشترينَ
حياتَهم بالصمتِ في ظُلَمِ الزوايا والحُفرْ
إلاّ الشهيدَ الصَدْرَ يعلو للسماءْ
ويتركُ المتخاذلين إلى سقَرْ
وَجَعٌ على أشلائنا الحيرى
يعاودنا ويتركُنا هشيماً
للرياحِ على مواجعِنا الأُخَرْ
نصحو على دقاتِ ناقوسِ المخاوفِ
والغياهبِ والخطرْ
ها نحنُ ساحٌ للكوابيسِ الطليقةِ
راح يغرقنا الهَذَرْ
ونطلُّ اشلاءاً لصمت حائر
بين الكآبةِ والحذَرْ
شبحاً يطاردهُ التوحشُ والدناءةُ
عند تجارِ السياسةِ والمطامعِ والسَفَرْ
ماذا نقاومُ والفراغُ يَحوطُنا
لا لن يلوحَ لنا أثَرْ
يغدو بعيداً خلف أنفسنا هنا
إلاّ ضياءاً خافتاً
بين النوافذِ والجداراتِ الكئيبة
عند منحدرِ القَدَرْ
الضوءُ لايدري بأنَّ شعُاعَهُ
زيفٌ تراءى عند زيف وانهَمرْ
وبأننا قومٌ تحاوِرُهُم مَشاعِرُهُمْ
بأوهامِ الفكرْ
أنَّ النهايةَ حفرةٌ طُبعتْ على
أذهانهم منذُ الصِغَرْ
إنَّ النهايةَ فسحةُ الآلامِ والأوهامِ
في فكرِ البَشَرْ
إلاّ الشهيدَ فأنهُ عَرَف النهايةَ وحدَهُ
فهي البدايةُ والتألقُ والسموُّ المنُتَظرْ
هذي محاورُ حُزنِنا
هذي دوائرُ همِّنا
كلُّ الدوائرِ تنتهي يوماً
ويأخُذُها المدى
وتضيعُ في أفُق رحيبْ
لابدّ أن تَجدَ المقرْ
في مرفإ… في ملجإ
في أيِّ وكر فارغ يوماً تغيبْ
في لحظة غفلَ الزمانُ عن الترصُّدِ
أو بها ثَمِلَ الرقيبْ
إلاّ دوائرَ حُزنِنا المكبوت
في أعماقنا أبداً تدورْ
أبداً على مرِّ العصورْ
وتظلُّ تبحثُ عن مسارات أُخرْ
وتظلُّ تطردها المسافاتُ الأُخَر
ولأنّها دوماً على وشكِ السَفَرْ
ستعودُ في حزن جديدْ
لأن مِحوَرَها الشهيدْ
ذاك الذي رَكِبَ الشهادةَ نَحو عالَمِه الغريبْ
ومضى بعيداً عن دناءاتِ البَشَرْ
الشاعر أبو عمار النجفي