سألتك يوماً: أما زلت تحيا..؟
فقلت نعم..
وتعطي البراعم خصباً وريَّا..؟
أجبت: نعم..!
وتهب الفوارس درعاً قوياً..؟
وقلت: نعم..!
فهل أنت من الهم الخيل فتحاً مبينا
وأنجب جيلاً من الفاتحينا
وروّي النخيل بدمع ودم
فأهمت على القوم رطباً جنيا..
وهل كان وجهك وجهاً نبيَّا
وهل كنت يوماً وصياً وليا..
وهل كنت روحاً تناهي إلينا
بصلب الأمم..؟!
أقول: نعم..
أقول: نعم..!
أراك حساماً بقبضة ((دجله))
وسيفاً صقيلاً بكف ((الفرات))
وسوطا يجلد ظهر ((يزيد))
ويقتص من ((راشد)) و((الرشيد))
وحربا على شرذمات البغاة
وزيتا … وشعله..
تضيء المنارات في ((كربلاء))
وتخطب في منبر ((الكاظمية))
وتفتح سرداب ((سامراء))
فتسقط فيه فلول ((أميه))
وتعطي لقبتنا في ((النجف))
لواء الشرف..
فتصبح قبله
يحج إليها ركب الدعاة
ويعقد في صحنها حلقات
تجلجل في الركن والروضتين
فنلمح فيها جهاراً ((عليّا))
ونسمع فيها صوت ((الحسين))
ما زال يأتي قليلاً أبيا
كباسق نخلة..!
يشن على القوم مليون حملة
فما أورعه..!
ونحن معه..
نصيح.. ونوغل في الموقعة..
لا.. لن نهون ولن نستكين
وهيهات منّا فرار وذله..!!
كأنك تاريخنا من قديم
وأنت تصلي في ((الكاظمين))
كأنك كنت بجنب ((علي))
تجهز ((جدك)) ((ص)) عند الرحيل
وقد بايعوا أول الشيخين..!
كأنك يا ((صدر)) كنت شهيداً
وقد حاربونا في ((صفين))..!
كأن بجيبك صلح ((الحسن))
وتحتك يصهل فرس ((الحسن))
كأنك كنت دماً مستباحاً
وهم قد أغاروا على الحرمين..!
كأنك فينا بُعثت رسولا
لتنسخ آيات شيطانهم
وقد أطبقوا فوقها دَفَّتَين..!!
خصفت النعال كمثل ((الأمير))
وجعت سنينا كما ((الحسنين))..!
وحين قُتلت، قتلت عزيزاً
فكنت كمن وُلدوا مرتين..!!
طلعت علينا كنسمة صيف
تداعب وجه ((العراق)) الحزين
كـ ((نيل)) جرى غلةً ومياهاً
للجائعين، وللظامئين..
جلبت لنا مصفحاً.. وسيوفاً
للخارجين.. وللقاعدين
وفي ليلة– لا ككل الليالي–
نزلت علينا كروح أمين..
فكنت أماناً، وكنت إماماً
للخائفين.. وللمتقين.
وقد كنت تدري بأنك حرب
على ((الحجاج))
وأن الولاة ولاة ((خراج))..!
وأن القصور يعربد فيها قطيع نعاج..!
وأنك– حتماً– ستقتل صَبْراً
وأن العصر غدا جاهلية!
ولكن وجهك كان نبيا
فظل مضيئاً.. وحادا كسيف
وأدى رسالته دون خوف
فعلمنا أحرف الأبجدية
وسلمنا جهرةً بندقية
وحذرنا من هوى ((عبد شمس))
ومن ((غبراء)) ومن ((قادسية))
يُدير رحاها عبيد القبائل والأدعياء
كأولاد ((هند)) وأبن ((سمية))
وحين رحلت بفصل الربيع
كما سوسنه..
ومرت سنه..!
أطلت علينا
عيونك يا سيدي في ((النجف))
تظللنا كاخضرار السعف..!
تعد القبور
وتحصى الجماجم..
وكانت حمائم..
تطير – تطير..
ف ((بغداد)) قد أحرقتها ((المغول))
و((جنكيز)) قائم..!
ليقطع كل الرؤوس الأبية
كما تقتضي سُنّة البربرية
ويُلقى عنها بقايا العمائم
فتخضر ((بغداد)) عشباً وكلاً
وترعى البهائم..!!
سأدفع كل إتاوات حُبّي
إذا ما اتهمت بحب ((العراق))
وأنت ((العراق))!
سأسلخ جلدي
وأصنع منه لباس حرير لعرس ((العراق))
إذا أحرقوا شرنقات ((العراق))..!
سأسرج خيلي
دماء الشهيد تسير أمامي
تحث قيامي وجثته ثورة وانطلاق
وقضبان سجني، إذا أحكموها،
سأصنع منها خيوط انعتاق.
أنا للمنية كلي اشتياق..!
أنا للشهادة كلي اشتياق..!
فعادتنا أن نموت لنحيا
وموت الكرامة حلو المذاق..!
وسدوا علينا طريق النجاة
فإن لنا في الملمات طاق..!
أبيحوا الدماء، وعيثوا فسادا
فجرح بجرحٍ
وعين بعين
وساق بساق..!
أديروا الكؤوس، وفيها دمائي،
بصحتكم يا عبيد النفاق..!
ولكن تروّوا، وخافوا دمائي
فإن دمائي دماء نبي
إذا ما جرت ذنبها لا يطاق.!
وأن سركم إنكم تقتلوني
فإنكم قد جعلتم عيوني
قبوراً لكم قبل أن تدفنوني
فأبقى طليقاً
وشهماً
وحيّاً
ويبقى ((العراق))..!
أتعلم يا سيدي أن داري
ودارك أصبحتا قنطره..
تمر عليها خيول ((الحسين))
لتنقذ قومي في ((الناصرة))!
أتعلم أن مخيم ((صابرا))
صحا في الصباح من المجزرة..؟!
وسن الحجارة رمحاً وسيفاً
وقام من ((القدس)) لـ ((السامره))..!
يقاتل من ذبحوه – وحيداً –
فلا ((عَبْس)) كرت، ولا ((عنتره))..!
أتعلم أن رصاص البنادق..
يخر صريعاً، وأن المشانق..
تخاف الحجارة..؟!
((فلسطين)) ثأر بأعوادها..!
ترد العقاب لجلادها..!
تقاتل تاره..
وتدعوك تاره..
لتنظر أبناءها الثائرين
((فلسطين)) في ((بئر سبع)) و((يافا))
وفي ((بيت لحم))
وفي ((جنّين))..
تقوم وتمشى بأصفادها..!
ورغم امتداد الظلام الرهيب
أرى الشمس تشرق من قيدها..!
أتعلم أن أخي في الجنوب
يخوض الحروب
باسم ((الإمام)) وباسمك أنت
وباسم ((أخيك)) الذي غّيبوه
ولكنه حاضر لا يغيب..؟!
أظنك تعلم..!
فهل كان وجهك وجهاً نبيّا
وهل كنت يوماً وصياً وليّا
وهل كنت روحا تناهى إلينا
بصلب الأمم..
فأعطى الفوارس درعاً قويّا..؟
أقول: نعم..
أقول: نعم
معروف عبد المجيد