إنْ مَرَّ ذِكْرُ الصدرِ قُمْ إجلالا***وَدَعِ البُكاءَ عليهِ والإِعْوالا
فالخالدونَ لَفي غِنَىً عَنْ أدمع***حتى إذا سالَتْ لَهُمْ شلاّلا
والعبقريُّ متى اختفى عَنْ قَومِهِ***ألفَيْتَهُ بينَ النجومِ هِلالا (1)
فالصدرُ ليسَ بغائِب عَنْ أمّة***جَعَلَتْ لهُ بضميرِها تمثالا
هاكَ الحقيقةَ وأترُكِ العُذّالا***مِنْ أَنْ يَقولوا: شاعرٌ قَدْ غالى
الصدرُ سِفْرُ الثائرِينَ على المَدى***يَهَبُ الدروسَ لِيُرشِدَ الأَجيالا (2)
الصدرُ في سوحِ المعارِكِ ضَيْغَمٌ***هَرَبَ الطغاةُ أَمامَهُ أميالا
مازالَ فينا قائداً وَمُعلِّماً***حاشاهُ عنّا أنْ يَشُدَّ رِحالا
فمتى تَغَيَّبَ نورُهُ عَنْ أُفقِنا***وَضِياهُ في أرواحِنا يَتلالا
لِجْ في ذَواتِ الثائرينَ تَجِدْهُمُ***خيرَ الأَنامِ شَمائِلاً وَخِصالا (3)
واسْتَنْطِقِ التاريخَ عَنْ آثارِهمْ***هَلْ ضَمَّ مِثْلَ فِعالِهِمْ أَفعالا ؟
واسْتَقْرِئ الثوراتِ هَلْ صُنّاعُها***إلاّ الذينَ عَهدْتَهُمْ أَبطالا ؟
السائرينَ إلى العُلا بِشعوبِهِمْ***الرافضينَ الظُّلمَ والأغلالا
لايبتغونَ سوى الهُدى نهجاً لهُمْ***أبداً ولاغيرَ الخلودِ مآلا
إنَّ الشعوبَ إذا اقتفت آثارَهُمْ***لاترتضي إلاّ العَلاءَ مَنالا
ومتى نَأَتْ وتقاعَسَتْ عَنْ نَصْرِهِمْ***فَقَدِ ارتَدَتْ ثوبَ الاسى سِربالا
إنّي لأَصغرُ أنْ أُؤبِّنَ قائداً***يقفُ العِظامُ لِشَأْنِهِ إجلالا
فالصدرُ والمجدُ المُؤَثَّلُ تَوْأَمٌ***إذْ طابَقَتْ أفعالُهُ الأَقوالا (4)
فَغَداةَ سامَ المجرمونَ بِظُلْمِهِمْ***شعبَ العراقِ مذلّةً وَنَكالا (5)
وَتَجاوَزوا الطاغوتَ حتّى أَنَّهم***جَعَلوا المحرَّمَ في الكتابِ حَلالا
حتى إذا قُتِلَ الكرامُ وَشُرِّدوا***والبغيُ حيثُ اسْتَفْحَلَ اسْتِفحالا
فهناك أرسلها الشهيدُ (قذيفةً)***صَبَّتْ على رأسِ (الزنيمِ) وَبالا
أعْظِمْ بفتوى الصدرِ إذْ هِيَ قَوَّضَتْ***عَرْشَ الطغاةِ فَزُلزِلوا زِلزالا
ياصدْرَ أمتِنا وبدْرَ سَمائِها***تبقى بآفاقِ العُقولِ تَلالا (6)
لَوْ أدركوا ثَمَنَ الكرامةِ والعُلا***لَمَشَوْا وراءَكَ للِعُلا أرتالا
لكنّهم شَرِبوا الأُجاجَ وغادَروا***نَبْعاً بهِ تَسمو النفوسُ كَمالا (7)
لَيلُ العراقِ ظَلامُهُ لاينجلي***والغائلاتُ جَسيمَةً تَتَوالى
لَوْ أُخْبِرَتْ (روما) بأَنَّ عراقَنا***(نيرونُ) حَوَّلَ صَرْحَهُ أطلالا
وَبأنَّ مَنْ قَتَلَ (الكرامَ) و(مَرْقَصاً)***لازالَ حِقداً يَذبحُ الأَقيالا (8)
وَبأنَّ (بغدادَ) المُصانَ عَفافُها***هُتِكَتْ وأضحى عِزُّها مُغتالا
لَتَيَقَّنَتْ (روما) بأنَّ جِراحَها***مِنْ جُرْحِنا ماساوَتِ المِثقالا
مَنْ يَقْرَ أخبارَ الفراعِنِ لايجدْ***كَقريب (عفلَقَ) في الورى أمثالا
لمْ يَذكُرِ التاريخُ عِلْجاً قبلَهُ***قَتَلَ النساءَ وَجَزَّرَ الاطفالا
يأيُّها الصدرُ العظيمُ تحيّةً***مِمَّنْ عَقدتَ عَليِهمُ الآمالا
أكبَرتُ جُرحَكَ اِذْ تدفَّقَ دِيمَةً***سُكِبَتْ فأينَعَتِ النفوسُ نَوالا (9)
ماماتَ مَنْ قَصَدَ الأَبيُّ مَعينَهُ***لِيَذوقَ منهُ العَذْبَ والسَّلسالا (10)
ماماتَ مَنْ نَهجُ الحسينِ سَبيلُهُ***بَلْ قَدْ أماتَ الجَهلَ والجُهّالا
مولايَ حَسْبُكَ أنَّ ماقَدَّمْتَهُ***ماغابَ عَنْ عَيْنِ الإلهِ تَعالى
مولايَ حَسْبُكَ أنَّ ماخَلَّفْتَ مِنْ***علم تَضيقُ بهِ الطُّروسُ مَجالا (11)
فابْشِرْ بِمَنْ جَعلوكَ رَمزَ كفاحِهِمْ***حتّى يُزيلوا الكافِرَ الدَّجّالا
إنْ لمْ نُحَكِّمْ شَرْعَ آلِ محمد***لَسْنا اِذَنْ بينَ الرجالِ رِجالا
مابَيْنَنا والكُفرِ حربُ عَقيدة***تَبقى على مَرِّ السنينَ سِجالا
حتّى نُحَقِّقَ ماقُتِلْتَ لأِجلِهِ***ونرى لِلَيْلِ الظالمينَ زَوالا
الشاعر أبو أمل الربيعي