تَزْهُو وتنطفِئُ الأيامُ والحِقَبُ***يا شُعْلَةً في ضَميرِ الخُلدِ تَلْتهبُ
ياصَاعِداً وَضُرُوعُ الغيمِ تُمْطِرُه***لقد بذلْت بما أعْيَتْ به السحُبُ
وقد فتحت قِلاَعاً يُستَضاءُ بها***زَيْغُ الزّمان ويُجلى الشكُ والرِّيب
أنت الذي سِرت في أوداجها لهباً***وَمَاءَ عِزٍّ بهِ الأجيالُ قد شربوا
وفيضَ نور لَهُ الأفلاك قد عَطِشَت***وقد تغنّت على أنفاسِهِ الشُهُبُ
خاضت بوثبتِكَ الأحرارُ واقتحمتْ***تلكَ المعاقلَ فاهتزّت بها النُّوَبُ
وَصَرّحَ السيف لا ليلٌ يُكَدِّرُنا***فها هو الذلُّ أنَّى سار ينتحبُ
وانت تسلبُ ماكانت تُشَيِّدهُ***هذي الدّنا بعبيد دينُهمْ نَشَبُ
ثمّ استفاقوا وقد راحت مَخَالبُهُمْ***تستلُّ عَزْماً لَهُ العلياء ترتقبُ
حتى إذا أشعلوها في ضَغَائنِهمْ***وَشَمّرَ الحِقْدَ في أذيالِها الغضبُ
ذابت به نارهُ نشوى تعلِّلُهُ***وكم تمحّصَ في نيرانِهِ الذهب !!
تزهو وتحتضنُ الراياتِ أجْمعَها***وتستغيثُ بكَ الأقوامُ والعرَبُ
فلم تكن أبداً مُلكاً الى أحد***وَمَا ألِفْناك يوماً رحت تنتسبُ
قد صنتَ وِرْبكَ والافهامُ شاخصةً***لمن رَعَاها بجسم عودُهُ خَضِبُ
فلم تَحُدْ قدمٌ عن عهدها أبداً***ولم تَنَلْ بيد من دون ماتَهَبُ
تستقطب الناسَ ان كعّتْ مبادئُهُمْ***وتحتويهمْ اذا ألوى بهم نَصَبُ
كنت السبيلَ اذا خابت بهم سُنَنٌ***ومن نسيمكَ طبْعٌ ليس يضطربُ
وكنت في أُفقِهمْ قُطْباً إذا عَدَلوا***وكنت في كفِّهمْ سيفاً اذا ضربوا
وان تَطَاوَلَ غمٌّ في مقاصِدِهمْ***صيَّرْتَهُ من دِمَاءِ القلب يرتعبُ
فَتَمْتَطي الليلَ زأَّاراً بوحْشَتِهِ***وَتسْتَعْذِبُكَ الاجفانُ والهُدُبُ
فما «الشهيد» لقوم يحتفون به ***وما أرِيقَتْ دِمَاهُ .. ثمّ تُغْتَصَبُ
قد كانَ احرى اذا سرنا لمنهلِهِ***نشدو جميعاً ويَرْوى حَقلُنا الجَدِبُ
تزهو وَتَفْتَخِرُ الدّنيا برائِدِها***وتزدهي حَوْلَكَ الاقلامُ والكُتُبُ
فقد بنيت صروحاً لن يُفَتِّتَها***طولُ الزّمان ولن تحيابها الإِرَبُ
في كلِّ فكر رَفعْت الدينَ مزدهراً***أنّى التفتّ جَعَلْت النّورَ ينسكبُ
حتى وقفتَ وقد كلَّ العظامُ بها*** ترنو لجيل لقد أسرى به التعبُ
وَرُحت تَقْنُصُ من أفكارهِ عُقَداً***فراحَ يزهو على كثبانه العُشُبُ
مابالُ عَصْر تناسى طَلْعَةً بَهَرت***هذي الحقولَ ومن أفنانها القُضُبُ
شمسُ النهار تغذّينا وان حُجِبَتْ***فما تموتُ اذا مرّتْ بها الحُجُبُ
أيُطْفِئونَ بريقاً ؟!.. لا.. فَقد جهِلوا***من وعْيهِ بات هذا الجيل يحتلبُ
ومادَرَوا أنّ فكْرَ الصّدر غايَتُهُ***في كلِّ بارقه رأيٌ له خَصِبُ
عجائبٌ زعموا أن ليس يُوصلُنا***حَرْفٌ على وَهَج من نبضه لحِبُ
هيهات لن توقفَ الاغراضُ نهضتَهُ***آراؤُهُ من شآبيب النُهى قُشُبُ
تزهو وينهزمُ «الطاغوتُ» منكسِراً***لا الليلُ يحمي مخازيَهُ ولا الهربُ
فسوف تصحو به الاضغاثُ حاقدةً***وتستفيقُ به الآلامُ والنَدَبُ
ماكان «نيسان» الاّ جُذوةً عَلِقتْ***في ثغرهِ فتشهى قَلْبُه الجَرِبُ
فكم تمنى عليه الشرُّ مفترساً***وكم تمادى لديه الذبح والشَغَبُ
يظنّ في قتلِهِ قد نال مَطْلَبَهُ***وأنّهُ في ظُبَاهُ النّورُ ينجذبُ
كلا فمثلُكَ لا تُرجى سَلاَمَتُهُ***ولن تطولَ به الايّامُ واللَّعِبُ
عُمْرُ الطُّغاةِ قصيرٌ أنت تُدْرِكُهُ***وَلَيلُهم من سليلِ العارِ ينتسبُ
اين الملوك وماكانت تُزَيِّنُهم ***سَبَائِكُ الذهب الغالي ومانَهبوا
اين الجبابرةُ الافذاذُ مالبثوا***وقتاً عليها فَسيقُوا مثلما نُصِبوا
تحوّلَ التاجُ أفعىً في رقابِهمُ***ونابُهُ عن كؤوس الحتف ينتخِبُ
وأنت تحفر قبراً كي تصيرَ بهِ***لو كان يبقى على آثارهِ كُثُبُ
لقْد رَكَزْتَ بكفّيكَ اللواء فما*** زالت طلائعُهُ تسمو وتَقتربُ
واليومَ قد حانَ أن نُنْهي براثنَ من***عاثت بأمجادِنا حيناً.. وَنَقْتَضِبُ
تزهو وتلتهب الثاراتُ عاصِفةً***ويعتلي في ذُرَاها الدَّمُ والغضبُ
وَيَمْطرُ الثأرُ من أجوائهِ حِمَماً***وتنهض الارضُ والآفاق والهِضَبُ
وسوف تعصفُ أيّامٌ مُجَلْجِلَةٌ***ويثأر النّخل والشطآن والقصبُ
وحدَّثَتْنا مواعيدٌ مطهّرَةٌ***أن سوف يُمزَج في ارواحِنا اللهبُ
بالأمسِ غنّى لنا «شعبان» أُغْنيةً***ووزّعَ اللحن في أحلامِهِ «رجبُ»
فهل رأى مثلَنا جلاّدُنا ؟!.. أبداً***انّ الصّدور حرابٌ حين تحتربُ
انّا اذا عاقَنا دَمْعٌ وأتْعَبَنا***حُزْنٌ وَحَطّ على أوزارنا الكَرَبُ
غنّت دِمانا وفي ذرّاتها ظَمأٌ***بأن تلبّي ويُمْحى فوقَها العتبُ
حتى ملكنا ذُرى العلياء وانسحقت***تلك المفاخرُ ثمّ انهالت الرُّتبُ
خُضنا الجحيمَ وقد سالت لنا مُهَجٌ***ان مَرّفيها الردى يحدو بها الطربُ
عشرون يوماً حملناها مُوَسَّمَةً***ماكلّ عزمٌ بنا أو راحَ ينسحبُ
ان كان «صدّام» ما أودى فلا عَجَبٌ***ان تحتمي فأرةٌ والسَّبْعُ مُغْترِبُ
فسوف يأتي ربيعٌ يقتني أمَلاً***وفي يديه القصيدُ الحرّ والأدبُ
السيد مهند جمال الدين