قراءة في كتاب: (بحث حول المهدي(عج)) للسيد محمد باقر الصدر

أ. مصطفى خميس

قضية البحث

يبحث هذا الكتاب[1] في قضية الإمام المهدي(عج)؛ والبحث في هذه القضية يُعدّ من أهم البحوث التي حافظت على ثوريتها وتجددها وصحة مصدريتها. فهو؟س؟ صاحب العصر والزمان لأكثر من عشرة قرون مرّت على البشرية منذ عصر الرسالة. فمسألة وجوده حياً وكذلك انطلاقة حكومته هما من أهم القضايا العقدية والإصلاحية التي أقضّت مضاجع حكّام الجور والظلم على مدى هذه القرون العديدة، منذ وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري(ع) عام 260 للهجرة. لذلك نجد أن هذه القضية تبقى متجددة لأنها تدخل في حياتنا السياسية والمعرفية والنفسية والدينية، ونحن ننتظر يوم خلاص الأمة على يديه وإنقاذ البشرية المعذّبة كلها.

المؤلف

والكاتب هو الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر(رضوان الله علیه)، سليل الأعلام المجتهدين النجباء، بَدْءً بجده وأبيه وانتهاءً بقمة الهرم وسنام المجد.. عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع). ومن نفحات الإمام المنتظر وفيوضاته الربانية استلهم الكاتب بحثه، فجعل الإمام يتكلم من خلال كتابه: (بحث حول المهدي)، فينطق حضارة وحيوية ويتفجر ثورية وفداء، أجّجت ثورات محبيه وأتباعه في كل بقعة من المعمورة، منذ غيابه بعد وفاة والده في سامراء وحتى يومنا هذا، وهي ثورات تعبّر عن تحركات المعذّبين والمضطهدين، كما حدث في جنوب لبنان ضد المغتصبين الصهاينة وتستمد من إمام العصر الصبر والثورية وإباء الضيم، وتستلهم من الجذوة التي زرعها أبو الشهداء الحسين(ع) التي تفاعلت بها نفوس أبطال الطف فصدقوا بما عاهدوا الله عليه، حينما طلب منهم سيد الشهداء أن يتخذوا من الليل جملاً بعد أن حلّهم من بيعته قائلاً لهم:

(وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبونني..)[2]، لكن هؤلاء امتلكوا تلك الجذوة التي أنارت قلوبهم واختاروا الشهادة بين يدي سيدهم ومولاهم، في حين افتقدها عشرات الألوف ممن تكالبوا على قتل الحسين من أرستقراطية أموية ومنافقين وقاسطين ومارقين.

وبقي صوت الحسين مجلجلاً في أعماق التاريخ وبقيت دماؤه منارة للأجيال لترسي قواعد مدرسة رسول الله(ص)، التي حملها أمير المؤمنين على يديه وضحّى من أجلها سبطه الشهيد، فأنجبت عمالقة الفكر وأبطال الثورات في كل زمان من أمثال شهيدنا الزكي الذي كانت حياته وشهادته وتضحيته في سبيل الله، الإمام الذي تجسّدتْ فيه حقيقة الحسين وشخّص بذاته السامية دوره الرسالي.

كانت نهضة الحسين وإسلام أبي ذر وعمار والمقداد وسلمان هاجس الصدر الأول، كما كانت ثورة الحسين عشقَه الأبدي. كيف لا؟ وقد ورث قضية الأنبياء وطهر الأوصياء والأئمة في قوله تعالى: <ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا>.[3]

فتمثل هذا الهاجس وتلك الثورة في طول حياة الشهيد وعرضها في حركاته وسكناته وفي أحاديثه ومؤلفاته جميعها، حتى بلغ مرتبة الاجتهاد وهو في مرحلة مبكرة من السن.

وما كان إمامنا الشهيد ليكتفي بما تلقّاه في الحوزات العلمية من أكابر أساتذتها ومجتهديها الأعلام وإن كان فيها الكفاية، بل عمل مجاهداً ساعياً لمعرفة علوم عصره الإنسانية من سياسة وفلسفة وأخلاق وعلوم طبيعية ما أهّله للمشاركة فيها والإبداع في مختلف فنونها.

ولا يسعني أن أستوعب في هذه العجالة أبعاد عظمة شخصية هذا العالم الرباني ومعارفه الجمّة جميعها، وكيف لي أن ألج في سموّ ذاتٍ ورثت العلم والثورة وقيادة الجماهير كابراً عن كابر!؟

لقد اشتملت مدرسة هذا العبقري الفذّ على معالجة جوانب متعددة من شُعب المعرفة الإسلامية والإنسانية. فكان موسوعة تشمل علوم عصره وعلوم العصور السابقة. وتميزت كتبه وأبحاثه بالدقّة في البحث والتحليل وبالشمولية في المعالجة والتأليف، كما تمتّع بقدرة فائقة على التجديد وبخاصة في العلوم الإنسانية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تطبيقاته للمنهج الموضوعي في التفسير والتاريخ؛ فقد دعا إليه في حقول المعرفة جميعها كالاقتصاد والتفسير والسيرة.. سيما في بحوثه حول تاريخ الأئمة(ع) على أساس النظرة الكلية بدلاً من النظرة التجزيئية. فنظر إليهم بوصفهم كلاً مترابطاً يقومون بأدوار متعددة لأداء هدف واحد وهو الرسالية التي ورثوها عن جدهم الأعظم(ص).

وانطلاقاً من تطبيقات الإمام للمنهج الموضوعي والعقلاني في دراسة التاريخ والسير ومعالجة الأحداث فقد كان(ره) يتقصى الإشكالات والتساؤلات في عقول الناس وفي حواراتهم، ثم يشرع في توضيحها بأسلوبه الخاص ضمن إطار العقيدة الإسلامية على أسس من العقلانية والواقعية والبرهان، وهذا ما تميّز به الشهيد في كتابه (بحث حول المهدي(عج)) وهو موضوع بحثنا هذا الذي سأحاول من خلاله قراءة أفكار الإمام الثائر العبقري الرسالي حول هذه القضية التي صارت من أهم البحوث وأكثرها جدلية وبخاصة في هذه الأيام. ونحن ننتظر بقلوبنا وعيوننا تلك الطلعة البهية لقائم آل محمد لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن امتلأت ظلماً وجوراً، والمسلمون فيها بين مثبت ونافٍ، بين قائل بوجود الإمام الحجّة وهو حي منذ مئات السنين وبين قائل بأنه لم يولد بعد.

تعريف بالكتاب

هو (بحث حول المهدي(ع)) وعنوانه يدلّ على محتواه، فقد بحث فيه الشهيد قضية الإمام الحجة بحثاً عقلياً ومنطقياً اتبع فيه المنهج العقلي، والكتاب يُعدّ مقدمة لكتاب استدلالي موسّع هو كتاب (موسوعة الإمام المهدي) للسيد محمد الصدر(ره). لم يورد فيه السيد محمد باقر الصدر الروايات التي تثبت فكرته، لكنه اتبع فيه منهجاً علمياً جديداً يعتمد على طرح الحقائق التي تعارف عليها الناس بشكل سؤال وجواب، طبع الكتاب غير مرّة آخرها طبعة دار الغدير عام 1997م.

منهج المؤلف

اتّبع المؤلف في كتابه المنهج العقلي الذي عرّفه الباحثون بأنه (طريقة دراسة الأفكار والمبادى العقلانية)، ويقوم هذا المنهج على قواعد علم المنطق الأرسطي، وقد لخّصها الشيخ المظفر في كتابه (المنطق) بأنها:

إجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب.[4]

فلم يسلك الشهيد مسلك الرواة والأخباريين، لكنه طرح القضية وبحث كافة التساؤلات التي يمكن أن تثار حولها، ثم ناقشها بفكره العبقري استناداً إلى الدليل العقلي والمنطقي وإلى الدليل العلمي والحضاري المستند إلى العلوم العصرية.

كما استخدم المؤلف المنهج التكاملي أحياناً، وهو المنهج الذي يستخدم عدة مناهج في البحث بحيث تتكامل في ما بينها لوضع مستلزمات البحث وتطبيقها، وهو أرقى المناهج وأكثرها استيعاباً للفكرة.

واستطاع كذلك أن يبحث موضوعه بطريقة التحليل لبحث الفكرة بحثاً شاملاً يستوعب الأطراف والشؤون جميعها، وعميقاً ينفذ إلى الزوايا جميعها ليكشف ما خفي عن الآخرين بعرض استدلالي لإقامة الدليل وإثبات المطلوب.

وقد تميّز الشهيد بموهبة فطرية أهّلته للبراعة والإبداع في كتاباته جميعها وبذهنية علمية متفتحة مكّنته من القدرة على التفكير تفكيراً علمياً رصيناً بمنهجية العارف بأصول مناهج البحث.

بحوث الكتاب

يتضمن الكتاب مقدمة وثمانية أبحاث أساسية، وهي ۔ كما يلاحظ ۔ تساؤلات يطرحها الشهيد وإثارات وإشكالات تدور في خلد جمهور المسلمين وتعيش في عقول الناس وفي حواراتهم اليومية. ولابد لنا من وقفة تأمّل وتحليل لكل بحث على حدة للتعرف إلى أفكار الشهيد السعيد حول إمام العصر والزمان، فإلى أهم أبحاث الكتاب بدءً من المقدمة.

مقدمة المؤلف

يعرض الشهيد(رضوان الله علیه) في مقدمته فكرة الإمام المهدي(ع) على أنها طموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها، وصياغةً لإلهام فطري بأن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تتحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها بعد عناء طويل، وحتى المادية الجدلية الرافضة للغيب آمنت بيوم موعود تُصفّى فيه جميع تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام.

ويبيّن الإمام(ره) أن فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، بقوله:

فإن معالمها التفصيلية التي حدّدها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي انشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني.

وبالفعل، فإن الفكرة وُجدت في أقدم الديانات واعتقاد الشعوب، ففي الأسطورة الفارسية القديمة أن أحد أحفاد (زرادشت) سيظهر مخلّصاً لقومه وينصرهم على بقية الشعوب، واليهود الموسويون يعتقدون بظهور مخلّص لهم وهم ينتظرونه، وفي ذلك يكمن سرّ تكذيبهم لأنبياء الله ورسله كعيسى بن مريم(ع) ونبينا الأعظم محمد(ص). وكذلك الأمر عند النصارى، فالمسيح هو المنقذ عندهم آخر الزمان. فالفكرة قائمة عند معظم الشعوب ويعلّلها علماء الاجتماع بأنها تعبير عن فكرة التعويض عن النقص لدى المغلوبين من الأمم والشعوب المستضعفة.

وفي عقيدتنا ۔ نحن المسلمين ۔ ما يؤيد ذلك في آيات كريمة عدة كقوله تعالى: <وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ>.[5] وعندما يتحدث المؤلف عن المهدي وفكرة وجوده تحس بأنك تراه وتشعر به وتطمئن إلى وجوده حقيقة، كأنه يعيش بين ظهرانينا، فهو كما يقول: (لم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آلامنا وآمالنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يده إلى كل مظلوم وكل محروم وكل بائس ويقطع دابر الظالمين). ويبيّن الفائدة من فكرة الإيمان بوجوده(ع) بوصفها تعبيراً عن إنسان حي محدّد يعيش فعلاً كما نعيش ويترقّب كما نترقب، بأنها فكرة الرفض المطلق تجسدت فعلاً في القائد الرافض للظلم، وهذا ما يميّز عقيدة أتباع أهل البيت عن غيرهم، من حيث وجوب عدم الركون إلى الظالمين ولزوم مقارعتهم ومنازلتهم في كل ساحة وعدم صحة الصلاة وراء كل برّ وفاجر على السواء، لكي يكون المؤمن بطبعه وتطبيعه ثورة دائمة على الظلم والفساد امتثالاً لقوله تعالى: <وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ>.[6]

فكيف الصلاة أو الطاعة في معصيته؟!

ويقول الشهيد:

يراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثّلها المهدي تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وأن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبةً له.

أما تساؤلات الشهيد الواردة في المقدمة فهي العناوين الرئيسية لبحوثه الثمانية والتي سنجيء على تفصيلها في محلها بعون الله، وهي:

1 ۔ كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل؟ 2 ۔ المعجزة والعمر الطويل. 3 ۔ لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره؟ 4 ۔ كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟ 5 ۔ كيف نؤمن بأن المهدي قد وُجد؟ 6 ۔ لماذا لم يظهر القائد إذن؟ 7 ۔ وهل للفرد كل هذا الدور؟ 8 ۔ ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل؟

تطرح قضية الإمام سؤالاً حول إمكانية أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ من العمر الشريف أكثر من أربعة عشر مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي. ويقسّم هذا الإمكان إلى ثلاثة بنود رئيسية هي:

أ ۔ الإمكان العملي: وهو أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لكل إنسان آخر أن يحقّقه، وبأنه لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يسوّغ رفض إمكان وقوعه وفقاً لظروف ووسائل خاصة.

ب ۔ الإمكان المنطقي والفلسفي: وهو أنه لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قَبلية ۔ أي سابقة على التجربة ۔ ما يسوّغ رفض الشيء أو الحكم باستحالته.

ويبيّن أن امتداد عمر الإنسان لآلاف السنين هو:

1 ۔ ممكن منطقياً، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية؛ لأن الحياة ۔ بوصفها مفهوماً ۔ لا تستبطن الموت السريع.

2 ۔ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً؛ لأن العلم ۔ بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة ۔ لا يستطيع أن يمدّد عمر الإنسان مئات السنين.

ج ۔ الإمكان العلمي: لا يوجد علمياً اليوم ما يسوّغ رفض ذلك من الناحية النظرية، وهذا بحث يتصل بنوعية التفسير (الفسلجي) لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان. ويقرّر الشهيد:

أن العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية، وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجّل فاعلية قانون الشيخوخة.

ولعله(رضوان الله علیه) أراد بذلك محاولات الدكتور (الكسيس كارل) الذي وُفّق لإبقاء دجاجة لمدة ثلاثين سنة، وذلك ضمن ظروف طبيعية معينة وغذاء ومحفّزات لاستمرار الخلايا بالتوليد والتجدد. ولابد لنا من وقفة عند نظرية الإمام في البند الثاني (ب) وهي: (إن هذا العمر ليس ممكناً إمكاناً عملياً) بسبب عجز العلم بوسائله عن تمديد عمر الإنسان، لكنّه يتنبأ لهذا الإمكان في موضع آخر بقوله: (إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل).

لقد كان ذلك في زمن حياة الشهيد، أما اليوم فإن هذا الإمكان أصبح شبه محقّق وتؤكّده الدراسات الحديثة، فقد أعلن باحثون أمريكيون أنهم شارفوا على اكتشاف (ينبوع الشباب) مع نجاحهم في استنساخ عجول صغيرة بخلايا شابّة، بعد تمكّنهم من إعادة عقارب عملية الشيخوخة إلى الوراء في الخلايا المستنسخة من خلايا مسنّة، فقد نجح فريق باحثي شركة (ادفانْسِدْسيل تكنولوجيز) ۔ أي التكنولوجيا المتقدمة للخلايا ۔ في استنساخ ست بقرات باستخدام خلايا مسنّة.

ويؤكد الباحثون أن العجول الإناث المستنسخة ليست في صحة جيدة فحسب. وإنما لا تبدو عليها أي علامةٍ من علامات الشيخوخة التي لوحظت في النعجة (دولّي) التي استنسخها البريطاني (إبان ولموت) عام 1997م.

والأهم في هذه القضية ۔ وهو ما يهمّنا في هذا البحث ۔ ما أكده (روبرت لانزا) ۔ رئيس فريق البحث في دراسة نشرتها مجلة (ساينس) بتاريخ 28 نيسان عام 2000م ۔ أن التقنية الجديدة المستخدمة أعادت عمر الخلايا على ما يبدو إلى الوراء، حيث ظهرت أكثر شباباً حتى من خلايا البقرات العادية التي تقاربها سنّاً، وكانت عمليات الاستنساخ السابقة تنتهي إلى ولادة حيوانات خلاياها أقصر عمراً.

والذي أريد الخلوصَ إليه هنا ۔ بعد هذه الوقفة العلمية ۔ أن الطريف في تقرير هؤلاء العلماء: (أن الخلايا مبرمجة لتنقسم عدداً محدّداً من المرات، وهي تموت عندما لا تعود قادرة على الانقسام والتجدد)[7]. فمن الذي برمج هذه الخلايا وحدّد عدد انقساماتها؟!

أليس الذي أودعها سرّه في عدد الانقسامات ووضع فيها عدّاداً خاصاً بقادر على أن يطيل عمر هذا الجهاز (العدّاد) ويزيد في انقسامات الخلية لتستمر في وليه وحجته على خلقه؟ <بَلىٰ وَ هُوَ الْخَلاّٰقُ الْعَلِيمُ>.[8]

ثم إن هذا العدد من الانقسامات ما الذي يوقفه قبل توقف العدّاد، أليس هو الموت؟ فإذا تأخّر الموت مئات السنين فهي بلا شك ستستمر في الانقسام والتعويض، وإذا استطاع المخلوق أن يتحكم في شباب البقرات وهرمها وإطالة عمر الدجاجة فإن الخالق(عز) قادر على كل شيء، يمنح البقاء والخلود لأوليائه ولخلاياهم المقدسة، فهم الذين يمثّلون خلافة الله في الأرض، وحجته على عباده.

ويتساءل الشهيد مجدّداً: (كيف سبق الإسلام حركة العلم في مجال هذا التحويل؟)

ويجيب(رضوان الله علیه) بضرب أمثلة على ذلك الإمكان كإسراء النبي الأعظم(ص) ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فيقول:

وهذا الإسراء إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يُتح للعلم أن يحقّقه إلا بعد مئات السنين.

ولعله يشير بذلك إلى صعود الإنسان على سطح القمر وركوبه أجواز الفضاء واكتشافات العلم المذهلة. ويحاول الشهيد الرد على تساؤل يطرحه حول غرابة هذا العمر المديد للمنقذ، وأنه خارج عن حدود المألوف في حياة الناس وتجارب العلماء.

ويجيب عن ذلك بأن الدور التغييري الحاسم الذي أُعدّ له هذا المنقذ يبدو غريباً أيضاً في حدود المألوف في حياة الناس، وقد أنيط به تغيير العالم وإعادته إلى بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل.

وهنا تتبدى عبقرية الشهيد وخبرته في قيادة البحث وإدارة دفّته كما يشاء، فيستنتج بنظرته الثاقبة وخبرته المعهودة مقارنة بين المهدي(عج) وبين نوح(ع)، فيقول: (ولا أدري! هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة!)، ويبيّن أن الأول هو نبي الله نوح الذي نص القرآن على أنه دعا قومه تسعمائة وخمسين سنة في قوله تعالى: <فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّٰ خَمْسِينَ عٰاماً>[9] والآخر هو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

ثم يثبت الشهيد(رضوان الله علیه) برهانه عقلياً ومنطقياً عن طريق الاستفهام التقريري: (لماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟)

ولابد من القول إضافةً إلى ما أراده الشهيد السعيد:

كما غسل طوفان نوح عالم الخطيئة والظلم والفساد فلابد من طوفان آخر يغسل عالم الخطيئة والردّة والفساد زمن الإمام المهدي(ع)، ربما بحرب نووية ذرية هيدروجينية مدمّرة تشمل الكون كله، يذهب فيها ثلثا البشرية كما جاء في بعض الأخبار، فيكون هذا الطوفان مثل ذاك ليبني حجة الله عالماً نقياً عادلاً مؤمناً من جديد.

وهذا كله يؤكد الإمكان العملي الذي افترضه الشهيد ويدعمه التاريخ بشواهده وأعلامه المعمّرين على الرغم من عدم جدوى طول أعمار بعضهم على المستوى التبليغي والرسالي، كما هو عند المهدي(ع)، من أمثال:

1 ۔ السيد المسيح(ع)، ويعتقد المسلمون والمسيحيون على حد سواء أنه حي وأن الله رفعه إليه، وقد تجاوز عمره اليوم ألفي سنة.

2 ۔ الخضر(ع)، فإنه لا يدري أحدٌ كَم له من السنين، فهو من قبل ولادة موسى وهو الذي حاوره.

3 ۔ قال محمد بن إسحق: عاش عوج بن عناق ثلاثة آلاف سنة وستمائة، وقد وُلد في حجر آدم وقتله موسى بن عمران.

4 ۔ في التوراة: عاش ذو القرنين ثلاثة آلاف سنة، ويقول المسلمون ألفاً وخمسمائة فقط.

5 ۔ عاش الضحّاك ۔ وهو بيورسب ۔ ألف سنة وكذلك طهمورث. وعاش قينان تسعمائة سنة، وعاش نفيل بن عبدالله سبعمائة سنة، وعاش سطيح الكاهن ۔ واسمه ربيعة بن عمر ۔ ستمائة سنة، وخلق كثير غير هؤلاء عاشوا مئات السنين، ذكرهم ابن الجوزي في كتابه: (تذكرة الخواص) في باب ذكر المهدي(ع).

كما يؤكد القرآن الكريم أن نبي الله يونس(ع) عاش في بطن الحوت وهو حي يرزق ولو لم يكن يونس من المسبّحين لله(عز) والمستغفرين له لبقي في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، وربما امتدّ هذا البقاء آلاف السنين، وهو حي في بطن الحوت من دون أن يموت وفي وضع غير طبيعي تماماً، وذلك كما في قوله تعالى: <فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لاٰ أَنَّهُ كٰانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ>.[10] والآية تؤكد الإمكان العملي لطول العمر ولو في أقسى الظروف (بطن الحوت).

فلا غرابة إذن في طول العمر، وبذلك يتحصل الإمكان العملي لطول عمر المهدي(ع) بحكم المثل، والعلم يؤكده. ويمكن لنا القول: إن البقاء وطول العمر هما القاعدة وأن الموت هو الاستثناء، وهو الذي يصرم العمر ويوقف محرّكات الخلايا عن التوليد.

المعجزة والعمر الطويل

في هذا البحث يؤكد الإمام الشهيد(ره) إمكانية إطالة عمر أي إنسان علمياً، لكنه يتعارض مع قانون الهرم والشيخوخة، ويتساءل: ماذا تعني إطالة عمر (نوح والمهدي) قروناً متعددة، وهي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقرار الحديثة؟ ويؤكد أن هذه الحالة: (تصبح معجزة عطّلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء). إذن هذا هو السر في إطالة عمر كل منهما، وهو لعلة اقتضتها الحكمة الإلهية.

ويذكر أن قانون الطبيعة يعطّل أحياناً لمصلحة يراها خالق الطبيعة، ويضرب لهذا مثلاً: قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويا، وقد عُطّل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم(ع) حين أُلقي في النار، فكان حدوث المعجزة هو الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه: <قُلْنٰا يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ>.[11]

وكذلك فلق البحر لموسى(ع) وشبّه للرومان أنهم قبضوا على عيسى(ع) وخرج رسول الله(ص) من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربص به لتهجم عليه. فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم، وكانت هذه المعجزات جميعها لحكمة أرادها الله.

ولا شك في أن المعجزات لدى الأنبياء والمرسلين حصلت فعلاً، وهي برهان ولطف رباني على صدق المرسَل، وأن الله يجري على يديه الخوارق التي لا تتأتى لأمثاله من البشر من غير الأنبياء والرسل، وهذه الظاهرة يقرّ بها المسلمون كافة، وهي كثيرة نصّت عليها كتب الحديث والسير، كحادثة انشقاق القمر إلى نصفين، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة، وتكليمه الجذع، ورد الشمس بدعاء وصيه علي بن أبي طالب(ع)وغيرها. ويقرّ أصحاب الديانات السماوية بحصول المعجزات لدى أنبيائهم أيضاً.

وكدأب سيدنا الشهيد فإنه لا يترك مجالاً للتساؤل المفترض حول بحوثه إلا ويتصدى للإجابة عليه، فيطرح سؤالاً مفترضاً عند علماء الطبيعة ودارسيها وهو:

(كيف يمكن أن يتعطل القانون) وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ ويجيب بثقة العالم العارف بعلوم الطبيعة قائلاً: (إن العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي. فحين يطّرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى، يُستدلّ بهذا الاطّراد على قانون طبيعي، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابضة من صميم هذه الظاهرة وذاتها).

ويوضّح هذه الفكرة بشكل أوضح في كتابه (فلسفتنا) بقوله: (إن العلة الفاعلية للعالم غير علته المادية، أي أن سببه غير المادة الخام التي تشترك فيها الأشياء جميعاً)[12]. ذلك لأن التجارب الحسية والعلمية قد أثبتت أن جميع خصائص المادة الأصلية وتطوراتها ليست ذاتية وإنما هي عرضية كحركة السيارات الشمسية حول المركز، فكما أن دورانها حوله ليس ذاتياً لها بل هي تقتضي بطبيعتها الاتجاه المستقيم في الحركة طبقاً لمبدأ القصور الذاتي، وكما أن ذلك الدوران ۔ كما يقول السيد ۔ لما لم يكن ذاتياً أتاح لنا أن نبرهن على وجود قوة خارجية جاذبية.

إذن فالمعجزة ليست اختراقاً للقانون الطبيعي بمقدار ما هي تدخّل لتلك القوة الخارجية المنفصلة عن المادة بناءً على معطياتها وإرادتها، وهي قدرة الله(عز) الذي أوجد هذا القانون. ولحجة الإسلام الشهيد هاشمي نجاد رأي يوضّح الفكرة، حيث قسّم الأمور إلى ثلاثة أقسام:

1 ۔ الأمور التي يستحيل تحققها مثل اجتماع الظلمة والنور في مكان واحد.

2 ۔ الأمور التي يمكن تحققها وفق مجموعة من الأصول والأساليب العادية، وهي الأمور الطبيعية العادية.

3 ۔ أمور ممكنة الوقوع إلا أنها غير عادية وغير طبيعية، فهي خارقة للعادة الطبيعية لا أنها مستحيلة، مثل شفاء المريض بالتوسل بالله تعالى من دون استعمال الدواء أو سقوط إنسان من شاهق من دون أن يحدث فيه أي كسر أو نحوه.

ويتحدث الدكتور (الكسيس كارل) ۔ الحائز على جائزة نوبل ۔ عن الأمور الخارقة للطبيعة والمعجزات. فيقول: (هناك مرضى كانوا مصابين بأمراض مختلفة قد شُفوا تقريباً من أشد الأمراض خطورة بواسطة الدعاء).[13]

لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره الشريف؟

بملكة أدبية رائعة وبأسلوب أخّاذ يطرح السيد الشهيد القضية بشكل تساؤلات مفترضة كعادته، فيقول: (لماذا كل هذا الحرص من الله(عز) على هذا الإنسان بالذات، فتُعطّل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخض عنه المستقبل وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز على الساحة ويمارس دوره المنتظر؟) يثير الشهيد هنا قضيتين اثنتين هما:

أولاً: ما هي الفائدة من بقائه(ع) كل هذه المدة حياً غائباً؟ ولماذا يحرص الباري(عز) على ذلك على الرغم من تعطيل القوانين الطبيعية لأجله؟

ثانياً: لماذا لا يُستبدل القائد المنتظر بقائد يولد في اليوم الموعود؟

ولا يريد(ره) أن يركّز على الروايات المستفادة من مدة بقائه حياً والصحيحة المتواترة عند المسلمين جميعهم، ويترك أمرها لموسوعة الشهيد الصدر لكي يقوم بعرضها وتفصيلها، فلا يلزم المتلقي بأكثر من قوله: (نحن نؤمن بأن الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم).

وفي الحديث الشهير والمتواتر المعروف بحديث الثقلين أكبر دليل على ضرورة وجود إمام في كل زمان وهو حجة الله على خلقه وهو المحصّل من بقائه(ع) حياً كل هذه المدّة، ويؤكده قوله(ص): (ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)، فعدم التفرق يعني وجود الإمام مع القرآن إلى يوم القيامة وأن الأخذ بهما معاً عصمة من الضلال. قال(ص): (إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض) رواه مسلم والترمذي وأحمد وغيرهم.[14]

ثم يأتي الشهيد إلى التفسير الاجتماعي للمسألة على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود، واعتبار أن هذا العمر الطويل للقائد المدّخر عامل من عوامل إنجاحها، فيرى:

1 ۔ أن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أُعدّ للقضاء عليها وتحويلها حضارياً إلى عالم جديد.

2 ۔ لما كانت رسالة تغيير عالمي لعالم مليء بالظلم والجور فمن الطبيعي أن يكون في شعوره النفسي أكبر من ذلك العالم. ويركّز الشهيد على العامل النفسي في المعالجة، فيبيّن أن من ينشأ في ظل حضارة راسخة تعمر الدنيا بسلطانها يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها؛ لأنه ولد ونشأ وهي جبّارة، فلم يجد سوى أوجهها المختلفة، وخلاف ذلك هو القائد الذي توغّل في التاريخ وعاش أحداثه ورأى الحضارات الكبيرة وعايشها بعينه وكيانه ثم رأى حضارة ما قبل اليوم الموعود وهي صغيرة، حتى اتخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري، ثم عاصرها وهي تنمو وتزحف، تصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة أخرى. يقول الشهيد: (فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين، ينظر إلى هذا العملاق من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسّه لا في بطون كتب التاريخ فحسب).

ويضرب مثلاً للقائد الخائف بـ(جان جاك روسو) الذي يعدّ من كبار الدعاة فكرياً وفلسفياً إلى تطوير الوضع السياسي القائم زمنه في فرنسا، وأنه كان يرعبه مجرد أن يتصور فرنسا من دون ملك؛ لأنه نشأ في ظل الملكية وتنفّس من هوائها طوال حياته.

كما يضرب مثلاً للقائد الذي يقهر الخوف وينتصر عليه بأهل الكهف الذين قال الله تعالى عنهم: <وَ لَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاٰثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ اِزْدَادُوا تِسْعاً>.[15] كيف ضاقت نفوسهم ودبّ اليأس فيهم وكبر أن يظل الباطل يحكم ويظلم، فأنامهم الله ثلاثمائة سنة في الكهف ثم بعثهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة فوجدوا أن ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه قد تداعى وسقط، فرأوا بأعينهم انتهاء الباطل وتصاغر في نفوسهم. وهذا الشموخ النفسي الذي تحقّق لأهل الكهف نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد وهو يرى سقوط العمالقة وتهافت التيجان.

3 ۔ أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود.

4 ۔ أن عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة الإسلام، ولابد من أن تكون شخصيته قد بنيت بناء كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة، ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته.

هذه هي النقاط الأساسية التي أثارها الشهيد حول الفائدة من هذه الغيبة الطويلة ولماذا لا تكون القيادة لرجل يولد من جديد، وذلك من الناحية الاجتماعية والنفسية وبالتحليل العقلاني والمنطقي، وإن كان القائد المنتظر مسدّداً ومنصوراً بأمر الله؛ فإن التجربة من الناحية العملية تضيف زخماً ودفعاً كبيرين على الأقل في نظرنا كأتباع مؤمنين بضرورة وجود المنقذ.

وإذا ولد هذا القائد اليوم فعلى أي مذهب سيكون؟ وكيف يتسنّى له أن يعيد الدين غضّاً طرياً إذا كان لا يحمل علم رسول الله(ص) وعلم أهل بيته منذ عصر الأئمة؟ ولا يتحقق ذلك إلا بالحجة المولود سنة 255 للهجرة الذي عاصر تلك المتغيرات جميعها، وبقي الدين لديه كما كان زمن جده(ص) بالتواتر الصحيح.

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

يطرح الشهيد السؤال الآتي: (كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلا خمس سنوات تقريباً؟ وهي مرحلة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد. فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟) ويختصر(رضوان الله علیه) الجواب ويجمله في جملتين اثنتين أغنتا الفكرة التي أراد التعبير عنها بعبقريته قائلاً: (إن المهدي(ع) خلّف أباه في إمامة المسلمين وهذا يعني أنه كان إماماً بكل ما في الإمامة من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة).

ويبيّن أن الإمامة المبكرة سبقت زمن المهدي(ع) وتمثلت من قبله بالإمام محمد بن علي الجواد(ع) الذي تولّى الإمامة وهو ابن ثماني سنين، والإمام علي الهادي وهو ابن تسع سنين، والإمام الحسن العسكري وهو في الثانية والعشرين من عمره.

وكانت هذه الإمامة بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي(ع) وكما يعبّر الشهيد:

تشكّل مدلولاً حسياً عملياً عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل أو بآخر وهي تجربة أمة.

وقد عالج هذه الظاهرة في ست نقاط أساسية ليدلّ من خلالها على أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية، يبرز الإمام وهو صغير على المسرح، فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع، فلابد من أن يمتاز بغزارة العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد. ويمكن إجمال هذه النقاط بما يأتي:

1 ۔ لم تكن إمامة أهل البيت مركزاً سلطوياً تفرضها الخلافة أو منصباً وراثياً تنتقل من الأب إلى الابن، وإنما كانت تُكتسب بالولاء والإقناع الفكري من قبل القواعد الشعبية على أسس روحية وفكرية.

2 ۔ ازدهار القواعد الشعبية ۔ وبخاصة زمن الإمامين الباقر والصادق ۔ واتساع المدرسة التي صارت تشكّل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي يضمّ المئات من الفقهاء والمفسرين والعلماء.

3 ۔ مدرسة أهل البيت وقواعدها الشعبية وضعت شروطاً شديدة في تعيين الإمام (لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان أعلم علماء عصره).

4 ۔ كان الاعتقاد بإمامة أهل البيت يكلّف شيعتهم غالياً (ولم يكن له من الإغراءات سوى ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى)، وقدّمت هذه المدرسة تضحيات كبيرة وشهداء عدة للثبات على مبدأ الإمامة، وبخاصة أنها كانت تشكّل خطراً في نظر الخلافة المعاصرة. فما الداعي إلى اتّباع إمام غير مكتمل الشروط والتعرض للقتل والأذى بسبب الاعتقاد بإمامته؟!

5 ۔ التفاعل المستمر بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم من خلال مكاتبات الإمام وأسفاره وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف الأرجاء وما اعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم.

6 ۔ قيام حملات الاعتقال والمطاردة ضد الأئمة من الخلافة المعاصرة وظهورها بمظاهر القسوة والطغيان، وذلك لأن الخلافة كانت تنظر إلى الأئمة(ع) وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها.

ومن خلال هذه النقاط الست يدرك قارئ الكتاب حقيقة الأئمة(ع) وعمق العقيدة بالولاء لهم وأجر الشهادة والتضحية بين أيديهم، فلو كانت المسألة لا تعدو عن فكرة الوراثة أو التقليد الأعمى لكان الانتصار لأعدائهم ولكانت القواعد الشعبية المؤمنة بهم قد فرزتهم وتركت مدرستهم، فالناس عبيد الدنيا كما قال الإمام الحسين(ع): (الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون).[16]

فلو لم يتمتع الأئمة ۔ صغار السن كانوا أم كباراً ۔ بمؤهّلات وعبقريات وقابليات اختصّهم الله بها وميّزهم من غيرهم لما استمات المؤمنون في اتّباع خطهم ولما ضحّوا في سبيلهم ولكانوا لجأوا إلى موائد السلطان ومغرياته الدنيوية.

والبرهان الأخير الذي يطلقه الشهيد هو: لماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل على كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات يومئذ؟ ثم قال: (إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً). ولم يحدّثنا التاريخ عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

ثم يخلّص الشهيد إلى أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض: (كما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربانية).

ويكتفي بمثال واحد لهذه الظاهرة هو يحيى بن زكريا(ع) في قوله تعالى: <يٰا يَحْيىٰ خُذِ الْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً>[17] ليثبت من ذلك كله أن إمامة المهدي وخلافته لأبيه ۔ وهو صغير ۔ هي ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت وفي تراث السماء.

كيف نؤمن بأن المهدي قد وُجد؟

تعدّ هذه المسألة من أهم المسائل التي عالجها الشهيد الصدر(رضوان الله علیه)، لما فيها من إثارات واقعية وحقائق تترجح بين مؤمن بها وجاحد، فهو بعد أن برهن على إمكانية بقاء الإمام الحجة حياً مئات السنين وعلى حقيقة الإمامة المبكرة واقتناع القواعد الشعبية بها، عالج بعبقريته الفذّة وأدبه الجمّ وعلمه الغزير ما يمكن أن يدور في عقول الناس من أفكار منها: (كيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟) ويجيب الشهيد: (إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم(ص) عموماً وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك). وذكر أنها بلغت أربعمائة حديث عن النبي(ص) من طرق السنة، وبلغ مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنّة أكثر من ستة آلاف رواية، ويأتي الشهيد(ره) إلى تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر من خلال دليلين أساسيين: أحدهما إسلامي برهن فيه على وجود القائد المنتظر، والثاني علمي برهن فيه على أن المهدي هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.

  1. الدليل الإسلامي

يتمثل هذا الدليل كما يقول الشهيد: (في مئات الروايات الواردة عن رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)، والتي تدلّ على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت ومن ولد فاطمة ومن ذرية الحسين وأنه التاسع من ولد الحسين وأن الخلفاء اثنا عشر). ويترك لعمه الحجة الصدر قضية توثيق الروايات؛ لأنه ۔ كما أسلفت ۔ قدّم بهذا البحث لكتاب الحجة الصدر: (موسوعة الإمام المهدي).

وركّز الشهيد(رضوان الله علیه) على حديث رسول الله(ص) الذي يقول فيه: (الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش) وأنه مذكور في أشهر الكتب، بما في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ومسند أحمد والمستدرك على الصحيحين.

والذي يثير الانتباه هنا أن البخاري الذي نقل الحديث في صحيحه[18] كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري وفي ذلك مغزىً كبير؛ لأنه يبرهن على أن هذا الحديث قد سجّل عن النبي(ص) قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الاثني عشر فعلاً. وذلك لأنه لم تكتمل سلسلة الأئمة، فالإمام الجواد هو التاسع والهادي العاشر والعسكري الحادي عشر، فدلّ تدوين هذا الحديث في وقت مبكر على اكتمال الاثني عشر على أنه: (تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى).

ويؤكد السيد(ره) أن هذا الحديث الصحيح والمتواتر والمتّفق على صحته بين المسلمين جميعهم، لم يتحقق مضمونه إلا عند الأئمة من أهل البيت(ع) ابتداء من الإمام علي(ع) وانتهاء بالإمام الحجة(عج)، فهو كما قال: (ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث الشريف).

وبالفعل فإن غير علماء الإمامية لم يتفق أي منهم على مدلول الحديث وعلى أسماء هؤلاء الأئمة، ولم يبحث في ذلك تجاوزاً على بعض الخلفاء أو إلغاءً لرموز حاكميتهم ونقضاً لشرعيتها، على الرغم مما لهذا الحديث المتواتر والصحيح من خطورة وأهمية في عقيدة المسلمين وأخذ الدين كاملاً من مصدره الصحيح بعد رسول الله(ص)؛ لأن عدم معرفة أسماء الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر ما هو إلا هدم للدين وضياع للسنة النبوية المطهرة ومعصية لله(عز) في قوله تعالى: <وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا>.[19]

ويؤكده حديث رسول الله(ص) الذي رواه ابن ماجة والترمذي وهو: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ)[20]، وفي الحديث السابق: (الخلفاء من بعدي اثنا عشر)، فهل كتم رسول الله(ص) شيئاً من الدين عن الأمة، وبخاصة ما فيه هدايتها أو أنه مأمور بتبليغ كل ما أراده الله؟ والله تعالى يقول: <وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ>[21] وقال(عز): <إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ في الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّٰعِنُونَ>[22] أو أن رسول الله(ص) بلّغ الرسالة ولم يكتم منها شيئاً وبيّن سبيل النجاة من بعده، فسمّى الخلفاء الاثني عشر من بعده لكن الناس اختاروا لأنفسهم شيئاً آخر؟!

ثم أليس من الحكمة والمنطق أن يقوم واحد من الصحابة ممن سمع الحديثين المذكورين ويدرك خطورتهما فيسأله: يا رسول الله سمّهم لنا لنأخذ الدين منهم بعد رحيلك ونتّبع سبيلهم، مع أنه من الواجب أن يسمّيهم النبي ولو لم يطلب منه ذلك.

نعم والله لقد فعل وسمّاهم بأسمائهم بدءً من علي بن أبي طالب(ع) وانتهاء بالحجة المهدي(ع) لكن السياسة وحب الدنيا استحوذا على الناس فأداروا لهم ظهورهم.

وقد عالج بعض مفكري أهل السنة وعلمائها ۔ مثل الإمام السيوطي في تاريخه والقاضي عياض وابن حجر ۔ هذا الحديث وحاولوا تثبيت بعض الأسماء ولكن من دون جدوى. قال السيوطي في تاريخه بعد إيراده لحديث: (الخلفاء من بعدي اثنا عشر..) وذكر أسانيده من الصحاح الستة معترفاً بصحة إسناده وقوته: قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري (مختصراً): كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث: (والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية ثم يزيد ثم عبد الملك بن مروان ثم أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك).[23]

فعلى رأي القاضي عياض وابن حجر معاً: (كلهم اجتمع عليه الناس)، فقد اجتمع الناس على أكثر من هذا العدد بكثير.

ثم هل أوصى النبي(ص) أن نأخذ سنته من هؤلاء وفيهم معاوية الذي حارب وصي رسول الله وخليفته ببيعة صحيحة لا أحد يقدح بصحتها، والنبي يقول في علي وفاطمة والحسن والحسين: (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)[24]. وفيهم يزيد بن معاوية الذي أجمعت الأمة على تفسيقه وقد كفّره أحمد بن حنبل، وقتل هو وأبوه معاوية ريحانتي رسول الله(ص) الحسن والحسين(ع)، فأية سنّة ترتجى منهما؟!

والثاني عشر ۔ بخاصة ۔ هو الوليد بن يزيد الذي قال عنه السيوطي في تاريخه:

وكان فاسقاً شرّيباً للخمر منتهكاً حرمات الله، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه وخرجوا عليه وقالوا له: ننقم عليك انتهاك ما حرّم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله. ولما قتل وقطع رأسه نظر إليه أخوه سليمان فقال: بُعداً له، أشهدُ أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً ولقد راودني على نفسي. قال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوّط.[25]

وفي رأي الذهبي: الخمر والتلوّط أهون من الكفر، فهل تؤخذ السنة ۔ ويأمر النبي(ص) بها ۔ من صاحب هذه الصفات الخمرية اللوطية؟ ويدخل في حَفَظة الدين ورواة السنة؟ حاشا وكلاً!!

أما السيوطي نفسه فقد اختار عشرة أسماء فقط اختارها برأيه من غير تسلسل، لكن لم يتحقق معه الحديث، قال: وبقي اثنان أحدهما المهدي وهو من أهل البيت.

  1. الدليل العلمي

يتلخص الدليل العلمي لدى الشهيد الإمام بتجربة الأمة وإيمانها بصدق التجربة، فهو يتكوّن ۔ كما عبّر عنه ۔ من: (تجربة عاشتها أمة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغرى).

وهذه الغيبة تعدّ بحق المرحلة الأولى من إمامة الحجة(ع) امتدت سبعين عاماً، ثم تلتها المرحلة الثانية وهي الغيبة الكبرى. حُدّد النواب بأربعة في الغيبة الصغرى، أما في الكبرى فقد أرجع الأمة إلى المجتهدين والعلماء الثقاة. وبيّن الشهيد العلة من الغيبتين على التدريج بأن القواعد قد اعتادت الاتصال مع الإمام في كل عصر والتفاعل معه والرجوع إليه، فلو ظهر وغاب فجأة لسبّبت هذه الغيبة المفاجئة كما يقول: (الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كله ويشتّت شمله، فكان لابد من تمهيد لهذه الغيبة لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج). فكانت الغيبة الصغرى تمهيداً للكبرى وقد كان الإمام(ع) خلال غيبته الصغرى دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوّابه والثقاة من أصحابه، وهؤلاء يشكّلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي الرسالي، فشكّل هذا الأمر نصف انقطاع عن القواعد.

والنواب الأربعة هم: عثمان بن سعيد العمري ومحمد بن عثمان بن سعيد وأبو القاسم الحسين بن روح وأبو الحسن علي بن محمد السمّري. وقد شهدت القواعد بتقواهم وورعهم ونزاهتهم وقاموا بدور النيابة على الترتيب المذكور.

والذي يدعم الموقف ويصدّق النواب أن جميع التوقيعات والرسائل التي كانت ترد عن طريقهم من الإمام الحجة هي بخط واحد وسليقة واحدة، ما يقطع الشك بأنها بخط الإمام وتوقيعه.

وهذه الغيبة هيّأت الشيعة بالتدريج لتقبّل الغيبة الكبرى التي ابتدأت بموت السمّري. يقول الشهيد(ره):

وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين إلى خط عام. وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحول الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.

وفي الحقيقة تعدّ مدرسة الأئمة من أهل البيت(ع) متواترة، نقلت لنا الفقه والعلم والتفسير نقلاً صحيحاً، إماماً عن إمام حتى الثاني عشر، وتعدّ بحق مدرسة الرسول الأعظم(ص) وصلتنا بالتواتر عن طريق أئمة أهل البيت(ع) مدة مائتين وستين سنة، وامتدت سبعين عاماً مدة النواب الأربعة التي تعدّ مدة حضور الحجة والأخذ عنه في أي منهم، وقد أفرد لهم كثير من الأخباريين كتباً وفصولاً تحكي سيرتهم العطرة وعلمهم الغزير وصدقهم وتقواهم، كابن حجر والجويني الشافعي وسبط ابن الجوزي وغيرهم.

وبعد عصر الغيبة الصغرى جاء دور المؤسسات الدينية والحوزات العلمية، فنقل الدين عن طريقها بالتواتر والنقل الصحيح. ولا شك في أن العمل المؤسساتي أضمن وأصدق من العمل الفردي، فلا يمكن أن يتواطأ عشرات الآلاف من علماء الأمة على الخطأ، وبخاصة أن المرجعية لا تتحكم فيها السياسات الوضعية. وبذلك وصَلَنا علم رسول الله(ص) والدين كاملاً صحيحاً متواتراً عن طريق الأئمة طوال الثلاثة قرون الأولى تلقت الأمة عن الأئمة مباشرة، وهي مدة كفيلة بتحقق صدق الدعوة وانتشارها في الآفاق سيما وأنها وصلتنا مكتوبة ومحفوظة عن طريق الأئمة(ع). ولا مجال للبحث في مسألة الاحتمال في أن تكون فكرة المهدي مشكوك فيها، وهي حقيقة موجودة كل هذه المدة وضمن تلك العلاقات والروابط الوشيجة بين الإمام وجماهيره جميعها. وقد اكتسبت ثقة من حولها جميعهم.

ويمكن أن نضيف إلى ما أورده الشهيد: من الضرورات العلمية والعقدية النقلية وجود إمام في كل زمان حتى لو كان محتجباً عن الناس؛ لأنه كالشمس إذا احتجبت لمدة فإن أثرها ونورها باقيان، قال الرسول الأعظم(ص): (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم ينتفعون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب).

وقال أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة: (اللهم بلى! لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته).

وقد تواتر حديث رسول الله(ص): (من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية)[26].

وقد جعل الله(عز) الإمامة في كل عصر وزمان ولكل أمة في زمانها. قال تعالى: <يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ>[27] وقال في آية أخرى: <وَ يَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنٰا بِكَ شَهِيداً عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ>.[28] والغاية من ذلك بيّنها(عز) بقوله: <لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ>[29] وقوله: <وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً>.[30]

فمن هم الحجج بعد الرسل لئلا يكون للناس حجة على الله؟ ويجب أن يوجد الحجة في كل زمان يشهد على أهل زمانه ما بلّغه عن رسول الله(ص)، والرسول يشهد عليه أنه قد بلّغه رسالة الله. وهؤلاء الحجج هم من العترة الطاهرة الذين بيّنهم الرسول الأعظم(ص) وسمّاهم بأسمائهم وذكر أنهم اثنا عشر، ولم يتحقق ذلك إلا في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)والسبطين الحسن والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين(ع) وآخرهم المهدي المنتظر(عج).

لماذا لم يظهر القائد إذن؟

يطرح الشهيد ۔ كعادته ۔ القضية مجدّداً بصيغة تساؤل، يثير فينا الفضول ويستحثّ عقولنا للبحث عن الإجابة الصحيحة الموفقة. فهو بعد أن أثبت إمكانية طول عمر الحجة(ع) وإمكانية ذلك علمياً ومنطقياً وعملياً والإعجاز السماوي وإرادة الله في ذلك يأتي إلى ذكر الأدلة في مسوّغات وجود المهدي وتجسيد الفكرة في أذهان الجماهير. وهنا يأتي تساؤله الأهم: (لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟!)

ما الذي منعه من الظهور على المسرح في الغيبة الصغرى أو الكبرى، ولم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي، أي أن ظروف العمل في زمانه كانت أبسط وأيسر؟

ويعالج(رضوان الله علیه) هذه القضية بتحليل ظروف عملية التغيير الاجتماعي ومعطياتها؛ وهي العملية التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال توافر هذه الظروف والمعطيات، ويميّز بحسّه المرهف وعبقريته الفذّة بين إرادة السماء ۔ التي تفجّر التغيير الاجتماعي على الأرض بغض النظر عن الظروف الموضوعية؛ لأن عملية التغيير من صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية ۔ وبين جانبها التنفيذي الذي يعتمد الظروف الموضوعية لتوقيت إنجاحها؛ أي أن السماء تريد وتهيّئ الرسالة وتنتظر الظروف الموضوعية، ويضرب مثلاً لذلك رسالة الإسلام، فهي لم تأت إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن؛ لأن القضية ۔ كما عبّر عنها ۔ تتمثل في ما يأتي: (لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية).

وذلك على الرغم من إقرارنا بقدرة الله(عز) على تذليل جميع العقبات التي تقف في وجه تحقيق الرسالة الربانية، ولو شاء لخلق المناخ المناسب لها ولو بالإعجاز، لكنه(عز) اختار أن يكون هناك قانون سماوي يربط الأسباب بمسبباتها والنتائج بمقدماتها وهو لو شاء فعل.

ومن هنا يدرس الإمام الراحل موقف الإمام المهدي، حيث أن عملية التغيير التي أعدّ لها هذا القائد: (ترتبط من حيث التنفيذ بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها). إضافة إلى أن إعداد القائد لم يكن مخصصاً لجزء صغير من العالم أو لبلد بعينه، بل إن إرادة الله أعدّته وادّخرته لتغيير العالم كله وإخراج البشرية كلها من الظلمات إلى النور، مصداقاً لحديث رسول الله(ص): (فيملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً). وهذا التغيير الشامل يتطلب برأيه مناخاً عالمياً مناسباً وجوّاً عاماً مساعداً يحقّق جميع الظروف لعملية التغيير العالمية.

وهذه الظروف المساعدة على التغيير يحدّدها في ناحيتين أساسيتين هما:

1 ۔ من الناحية البشرية: يتطلب إعداد الإنسان نفسياً لتقبّل رسالة العدل الجديدة، وذلك من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي انهارت وهي مثقلة بسلبياتها، فصار الإنسان يتطلع إلى المنقذ ملتفتاً إلى الغيب وإلى المجهول منتظراً يوم الخلاص.

2 ۔ من الناحية المادية: فالحياة الحديثة أقدر من الحياة في عصر الغيبتين على ما يحقّق إنجاز الرسالة على صعيد العالم كله، بسبب: (تقريب المسافات والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم). وقد شُبّهت الكرة الأرضية اليوم بقرية كبيرة سهلة المواصلات، بل صارت كالبيت تنال فيه كل ما تريده، سيما بعد دخولنا عصر الإنترنت والستلايت والأقمار الصناعية.

ويجيب(رضوان الله علیه) عن تنامي القوى والأدوات العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أُجّل ظهوره، بأن نموّ الشكل المادي لا ينفع للقوة (مع الهزيمة النفسية من الداخل وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى والأدوات).

وما يدرينا فلعل جزءً كبيراً من هذه القوى والأدوات العسكرية سيكون في مصلحة القائد الحجة في اليوم المأمول، ولنا كبير الأمل بالثوة الإسلامية في إيران وما تهيّئه، وهي تبني نفسها لتكون قوة ضاربة وأرضية مهيّئة لتقبّل فكرة المهدي(ع) وحماية دولته ونصرتها، فهي حتى الآن قد أرعبت قوى الاستكبار العالمي وذلك بقوة عقيدتها الإيمانية بقضية المهدي وولاية الفقيه في غيبته، إضافة إلى قوة الجمهورية الإسلامية اليوم وإنتاجها للأسلحة المتطورة. وقد تفاجئنا هذه الجمهورية العظيمة بتقنيات أعلى واستعدادات أعظم تعدّ المجتمع القائد نفسياً ومادياً وعسكرياً، فتكون من ضمن الظروف الموضوعية لمرحلة التغيير العالمية بقيادة حجة الله المهدي(عج).

ولا يعزب عن بالنا ما صنعه الأبطال المؤمنون في حزب الله في جنوب لبنان، حيث استطاعوا هزيمة إسرائيل ودحرها بكل خزي وعار وتمكنوا من تحرير أراضيهم ورفع راية الإسلام خفّاقة عزيزة، ذلك كله بفضل ثباتهم على المبدأ المهدوي الرسالي الحسيني، فانتصر الدم على السيف والكاتيوشا على ترسانة الأسلحة النووية.

هل للفرد هذا الدور كله؟

يتحدث الشهيد(ره) عن دور القائد في التغيير التاريخي، فيوضّح هذا الموقف من خلال أمرين: الإنسان والقوى المحيطة به، وهما عاملان متكاملان.

فكما أن القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعة تؤثر في الإنسان كذلك فإن الإنسان يؤثر في ما حوله من قوى وظروف، فالإنسان والمادة يتفاعلان على مر الزمن، يقول الشهيد:

وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين نُدخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء، فهذه الصلة تدخل حينئذ كقوة موجّهة لحركة التاريخ.

وأن النبي محمد(ص) بحكم صلته بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحركة التاريخية:

وما أمكن أن يقع على يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع على يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشّر به ونوّه عن دوره العظيم.

ويؤكد علماء الاجتماع والتاريخ على دور القائد في صنع التاريخ قديماً وحديثاً، فالتاريخ لا تصنعه المصادفة ۔ كما يقال ۔ وهناك أسماء تعج بها كتب التاريخ، تحكي قصة أبطال غيّروا وجه التاريخ بجهودهم الفردية وقابلياتهم المتميزة، فتضحية الحسين(ع) مع قلة من أهل بيته وأصحابه في مقابل جيش بلغ عشرات الآلاف، انتصر فيه الحق على الباطل وصنع فيه الحسين تاريخاً ورسم دروباً للأحرار على مر التاريخ. وفي عصرنا الراهن تصدّر الإمام الخميني الراحل(رضوان الله علیه) قائمة العظماء وتسنّم ذروة المجد بنجاحه في صنع معجزة القرن العشرين، متحدياً جميع الظروف معتمداً على الله وعلى عقيدته الحسينية الثائرة دائماً في وجه الطغيان، فاستطاع تقويض كيان رعاه الشيطان الأكبر، وقد راهن العدو والصديق على نجاح ثورته ووقف العالم مذهولاً أمام الصدور التي واجهت سلاح الطغاة، تلك الجماهير التي تلقت الرصاص من دون أن تحمل السلاح، فانتصر مرة أخرى الدم على السيف وتجسدت عظمة القائد في صنع التاريخ وحقيقة القضية في شخص الخميني العظيم وأحياء ثورة الحسين.

ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

كيف سيتمّ ۔ على يد ذلك القائد ۔ انتصار العدل والقضاء على الظلم وكياناته المواجهة له؟

هذا السؤال هو استراحة الشهيد السعيد وأمنيته في أن يكون في صفوف هذا القائد العظيم. ويجيب بنفسه: (ما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود). ويترك افتراضاً أساسياً واحداً استناداً إلى الأحاديث التي أشارت إلى ظهور القائد الحجة، وهي كثيرة وموزّعة في كتب متعددة، إضافة إلى عمليات التغيير الكبرى في التاريخ، فيفترض ظهور المهدي(ع) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة أو أزمة حضارية خانقة.

هذا الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تتحقق، ويأتي هذا الفراغ حسب رأيه (نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله(عز)، التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر).

وفي معترك هذه الصراعات وفي الفراغ الذي يحدثه إخفاق الأنظمة الوضعية من إيجاد الحلول؛ لأنها لم تكن منبثقة عن السماء، وهذا ما أوضحه الشهيد في كتابه (فلسفتنا)، وبعد الطوفان الثاني للأرض والذي ربما يكون كما قلنا: طوفاناً ذرياً مدمّراً يبرز النور وتنطفئ نار الشرّ والحقد والجور، ويقيم القائم حكومة الله على الأرض، فيتحقق أمر الله في عودة الإنسان خليفة له في الأرض، وذلك بعد تطهيرها وإعدادها، ليرثها عباد الله المتقون. قال تعالى: <وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ>[31] وقال(عز): <وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ>.

الخاتمة

ونهاية المطاف مع استراحة الشهيد، ونحن نتطلع بقلوبنا وأرواحنا إلى ذلك اليوم الموعود الذي نتشرف فيه برؤية تلك الطلعة البهية والنور المحمدي الساطع، شبيه رسول الله(ص) ينصره الله(عز) بأمره كما نصر جده الرسول الأعظم(ص)، يخرج من بين الركن والمقام، يحمل ميراث النبيين، يدعو إلى الله ويعيد الدين غضّاً طريّاً كما كان زمن رسول الله(ص) يفتح الله على يديه، ينتقم من الظالمين، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ينزل المسيح(ع) ويصلّي خلف المهدي، تكرمة الله لهذه الأمة، كما روى البخاري بسنده عن رسول الله(ص): (كيف بكم إذا نزل المسيح عيسى بن مريم وإمامكم يومئذ منكم).[32]

اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه وعجّل فرجنا به وأرنا طلعته البهية واجعلنا من جنوده والمستشهدين بين يديه. والحمد لله رب العالمين.

[1]. السيد محمد باقر الصدر، بحث حول المهدي، بيروت: مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1997م.

[2]. مناقب ابن شهرآشوب، ج 3، ص 248، ط. النجف، وخطب الإمام الحسين(ع) للبيب بيضون، ص 186.

[3]. فاطر: 32.

[4]. أصول البحث للدكتور عبد الهادي الفضلي، ص 35.

[5]. القصص:5.

[6]. هود: 113.

[7]. صحيفة البعث، العدد 11189 تاريخ 2/5/2000، والفضائية السورية بتاريخ 1/5/2000.

[8]. يس: 81.

[9]. العنكبوت: 14.

[10]. الصافات: 144.

[11]. الأنبياء: 69.

[12]. كتاب فلسفتنا للشهيد الصدر، ص 295.

[13]. صحيفة كيهان العربي، عدد قديم.

[14]. صحيح مسلم، 7/122، وسنن الترمذي، 5/329، وصحيح سنن الترمذي بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني، 3/226 ط. الرياض، ومسند أحمد بن حنبل، ج3، ص 14 و17 و26 و59.

[15]. الكهف: 25.

[16]. مقتل الخوارزمي، 1/237.

[17]. مريم: 12.

[18]. صحيح البخاري، 2/256، كتاب بدء الخلق.

[19]. البقرة: 189.

[20]. سنن ابن ماجة، 1/15 وسنن الترمذي، 4/149.

[21]. النحل: 44.

[22]. البقرة: 159.

[23]. تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، ص 11.

[24]. سنن ابن ماجة، 1/52، وسنن الترمذي، 5/323، والمستدرك على الصحيحين، 3/149، ومسند أحمد بن حنبل، 2/442.

[25]. تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، ص 250 و251.

[26]. صحيح مسلم، 6/22 كتاب الإمارة. وقريباً منه عند الكليني في الكافي، 1/376، كتاب الحجّة.

[27]. الإسراء: 71.

[28]. النحل: 89.

[29]. النساء: 165.

[30]. الإسراء: 15.

[31]. القصص: 5.

[32]. صحيح البخاري، 2/256.