الإمام.. والطاغية؛ جدلية الصراع بين الحق والباطل في سيرة الإمام الشهيد الصدر وسيرة العراق

د. رفعت سيد احمد[1]

كنا إذا ذُكرت بغداد في بلد   نهتزّ فخراً وبين الناس نختال
واليوم في عهد صدام إذا ذكرت   نغضّ حياءً ففي التذكر إذلال

الشاعر الكبير الراحل مهدي الجواهري

المقدمة

إن الحديث عن الإمام الشهيد آية الله العظمى السيد محمدباقر الصدر، وبعد عقدين على استشهاده يمثّل لكل المخلصين لراية الإسلام والجهاد والعزة، أياً كانت الاتجاهات الفكرية أو السياسية، مناسبة لا تتكرر للعمل الصحيح من أجل التغيير والنهضة المنشودة داخل البلدان الإسلامية مع تحديات القرن الواحد والعشرين الميلادي، والتي تمتد على مساحة كبيرة يحتلّ ضفتيها (الاستبداد السياسي الداخلي) ناحية و(العولمة الاستعمارية الخارجية) على الضفة الموازية، وبينهما عشرات القضايا والمشكلات التي تسير داخل مياه النهر الإسلامي الكبير، وتعدّ مناسبة الاحتفال بذكرى استشهاد السيد محمدباقر الصدر، هي أعظم المناسبات المواتية لتأمل هذه القضايا والوصول من خلال ذلك إلى أنسب سبل للعمل والتحرك.

إن الإمام الشهيد لم يكن أبداً _ بعلمه وجهاده _ ملكاً للعراق والعراقيين، ولكنه كان ولا شك ملكاً للأمة كلها، فلقد ضرب المثل فكراً وسلوكاً على كونه أبعد أثراً من حدود جغرافيا (العراق) ليصبح مؤثراً في (التاريخ) ذاته.

إن التمثل الصحيح لسيرة الإمام الشهيد يتطلب منا أن نؤكد بداية أنها كانت سيرة صراع بين الحق والباطل، حيث كان هو يمثّل بلا شك الحق خالصاً ثائراً، وكان صدام ونظام حكمه يمثل الباطل سادراً وقاتلاً لكل زهور الخير والعدل في بلاد الرافدين، سواء يوم ارتفاع (الصدر) إلى السماء شهيداً (8/4/1980) أو بعدها وحتى يومنا هذا (2000م).

إن الحديث عن حياة (الإمام الشهيد) وجهاده حديث متعدد الزوايا والأبعاد، ومن المؤكد أن العديد من العلماء والباحثين أثروا وسيثرون حياتنا السياسية والفكرية العربية والإسلامية بتناول جوانب هذه الحياة الثرية للشهيد العظيم، ومن هنا فإننا سوف نتناول (ملامح عامة) من حياته وجهاده وفكره، نستشرف منها _ عند مقارنتها بحياة صدام حسين وسلوكه تجاه القوى الإسلامية والوطنية بالعراق زمن الاستشهاد وما تلاه في السبعينات والثمانينات _ حقيقة الصراع بين الحق والباطل، متمثلة في واحدة من حلقات الصراع الممتد بين (الإمام) و(الطاغية)، وهي حلقات ما زالت دائمة الحضور في حياتنا السياسية والعقائدية على امتداد رقعة عالمنا المعاصر.

وقبل أن نذهب إلى هذه (الملامح) يهمنا أيضاً أن نشير في هذه المقدمة إلى تلك العلاقة المتميزة التي ربطت بين قلبي وعقلي الإمامين العظيمين: (الإمام الخميني) و(الإمام الصدر) وكيف أن هذه العلاقة قد كانت سبباً مباشراً في تلوّث أيدي صدام حسين بدم الشهيد الإمام محمدباقر الصدر من خلال قتله والعديد من أهل بيته، لقد كانت علاقة الإمامين العقائدية والسياسية والإنسانية بمنزلة الأرضية الصحيحة للتحول الكبير الذي كان لو قدّر له أن يتم بشكله الصحيح، لكانت جغرافية وتاريخ وحياة (العراق) بل والمشرق العربي قد تغيرت تماماً إلى الأفضل بالتأكيد، ولكن شاء الله أن يبتلي العراق والمجاهدون فيه وفي إيران وفي منطقتنا العربية بإجمال، بأن ينتصر الباطل في جولته الأولى، ويتم اغتيال الشهيد (محمدباقر الصدر) ليتوقف التاريخ مؤقتاً، وليتوحش (الباطل) وينتشر إلى أن يصل حاله الآن إلى (درجة عالية من البؤس) والحصار لم تحدث في تاريخ العراق من قبل، وكأنها لعنة دم الشهداء وعلى رأسهم الصدر الذين تلوّثت أيدي (صدام وجماعته) بها، وهي حتماً ستؤدي به؛ لأنها دماء مباركة سينتقم لها رب السماء _ ولا شك _ وفق حساباته هو وضوابطه الإلهية.

إن علاقة الإمام الصدر مع الإمام الخميني كانت واحدة من أعظم وأهم العلاقات في تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة، وهي تستحق تحليلاً موسّعاً وبحثاً معمّقاً لما تحتويه من دروس عظيمة للمجاهدين والمفكرين وثوّار عالمنا المعاصر.

وعلاقة الإماميين الصدر والخميني تمثّل واحدة من الأبعاد المهمة في حياة الصدر، وبقيت هناك عشرات الأبعاد المهمة في حياة هذا الشهيد.

ونحن في هذا البحث سوف نرصد أغلبها رصداً موجزاً علَّ ما نرصده يفيد في تصحيح أوضاعنا المعاصرة السياسية والاقتصادية والحضارية.

وفي سبيلنا لتلمس ملامح جهاد وفكر الإمام الشهيد (باقر الصدر) في نطاق صراعه مع صدام حسين ونظام حكمه، تمحور حديثنا حول المحاور التالية:

المحور الأول: الإمام؛ نموذج الحق

أولاً: الإمام الصدر؛ مدخل عام عن الميلاد والإنتاج الفكري.

ثانياً: ملامح من الرؤية السياسية للإمام الشهيد.

ثالثاً: نداءات الشهيد للشعب العراقي كنموذج للفعل القيادي الحقيقي.

المحور الثاني: الطاغية؛ نموذج الباطل

أولاً: ملامح من مسيرة استبداد صدام حسين.

ثانياً: ماذا فعل صدام بالإسلاميين في فترة الشهيد الصدر.

المحور الثالث: استشهاد الإمام باقر الصدر

أولاً: لحظة الاستشهاد؛ المعنى والرسالة.

ثانياً: الإمام يتنبأ بلحظة الاستشهاد.

ثالثاً: رأى الشهيد في الشهيد؛ تأبين الشهيد فتحي الشقاقي للشهيد الصدر.

رابعاً: الوثائق.

وفي تفصيل المحاور التالية يستبين ما يلي:

المحور الأول: الإمام؛ نموذج الحق

داخل هذا المحور ثمّة محطّات أساسية يهمنا تفصيلها، حيث من خلال تكاملها تتضح أمامنا صورة تقريبية عن نموذج الحق التي يجسّدها بحق الشهيد الإمام محمدباقر الصدر.

أولاً: الإمام الصدر؛ مدخل عام عن الميلاد والإنتاج الفكري

إن قصة حياة الشهيد السيد محمدباقر الصدر قصة ذات معان كبيرة ودلالات أكبر، سوف نوجز فيها لطبيعة المقام فقط، فالشهيد هو آية الله العظمى السيد محمدباقر بن السيد حيدر بن السيد إسماعيل الصدر الكاظمي الموسوي. ويكنى بأبي جعفر، باسم ابنه الأكبر.

ولد في مدينة الكاظمية في بغداد سنة 1353ق الموافق سنة 1935م وينتمي إلى عائلة الصدر المشهورة بالعلم والجهاد والتقوى، وقد هاجرت أسرة آل الصدر العربية العريقة من لبنان إلى العراق.

ومن عائلة الصدر نذكر السيد الهادي الصدر والسيد حسن الصدر وآية الله السيد إسماعيل الصدر أخا السيد باقر الصدر ابن السيد حيدر الصدر. ويصل نسب الأسرة إلى أسرة شرف الدين التي ينحدر منها العلامة المجاهد عبدالحسين شرف الدين مفتي جبل عامل في لبنان وصاحب مؤلفات: المراجعات والفصول المهمة في تأليف الأمة.

وأمّه كريمة الشيخ عبدالحسين آل ياسين أخت آية الله العظمى مرتضى آل ياسين والشيخ راضي، وأسرة آل ياسين من الأسر العربية العراقية المعروفة بالعلم والصلاح والفضيلة والتقوى.

وفي مدينة تضم مرقدي الإمامين الطاهرين موسى ابن جعفر الكاظم وحفيده الإمام محمد الجواد( حيث القباب والمآذن في مدينة الكاظمية ببغداد، وحيث يعيش علماء الدين وطلاب العلم، وفي أحد أحياء القسم القديم من هذه المدينة التي تبعد بضعة مئات من الأمتار عن نهر دجلة، وفي بيت متواضع جداً ولد الإمام وابتلاه مبكّراً باليتم كالأنبياء تماماً، فقد فقدَ الشهيد الصدر والده حيدر الصدر وعمره أربع سنوات، تاركاً ولدين هما: إسماعيل ومحمدباقر الصدر، وطفلة صغيرة تدعى آمنة (بنت الهدى) وقد تولى الإشراف عليهما أخوهما المجتهد المجاهد السيد إسماعيل الصدر. ولقد واصل الشهيد جهاده العلمي والفكري وخلّف لنا تراثاً عظيماً من الإسهامات الفكرية المميزة والمتنوعة، نذكر منها على سبيل المثال:

  1. غاية الفكر فيعلم أصول الفقه، ويتحدث عن أصول استنباط الحكم الشرعي وقواعده.
  2. بحوث فيشرح العروة الوثقى، وتتكون من أربعة مجلدات تبحث فيالفقه بأسلوب استدلالي عميق.

3 و4. الفتاوى الواضحة ومنهاج الصالحين.. وهما رسالتان عمليتان تعبّران عن آرائه الفقهية، وتحددان المجال العملي والسلوكي للفرد المسلم في ضوء الشريعة الإسلامية المقدسة.

  1. دروس فيعلم الأصول.. ويتحدث فيها أيضاً عن أصول استنباط الحكم الشرعي.. وتحدد قواعده ومناهجه بأسلوب أكثر عمقاً واستدلالاً من كتاب غاية الفكر.

6و7. مباحث الدليل اللفظي وكتاب تعارض الأدلة الشرعية.. وهما يبحثان في علم أصول الفقه.

  1. نظرة عامة فيالعبادات ويتحدث عن العبادة بما فيها من تزكية للنفس وعن أحكامها وشرائطها.
  2. أحكام الحج.. وهو بحث فقهي يحدد السلوك العملي للإنسان المسلم الذاهب لزيارة بيتالله الحرام.
  3. اقتصادنا، ويتحدث فيه عن الاقتصاد فيالنظرة الماركسية، وانتقد نظرية الديالكتيك بانتقادات وإشكالات لمتشهد النظرية مثيلاً لها.. نقد بعد ذلك الأفكار الرأسمالية، وفي محاولة منه لاكتشاف النظرية الاقتصادية في الإسلام وضع الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي. ثم أردف بها تطبيقات للاقتصاد الإسلامي.
  4. كتاب صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي.
  5. الخطوط التفصيلية عن الاقتصاد فيالمجتمع الإسلامي، يتحدث عن التطبيق الاقتصادي فيدولة الإسلام.

وكان كتاباه الرابع والخامس في الاقتصاد وهما الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية.. وماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي.. يرسمان صورة واضحة عن الاقتصاد.

  1. وكتابه فيالعقائد المعروف بـ(المرسل؛ الرسول؛ الرسالة) يعبّر عن عمق فكرته.. وسعة اطلاعه وقدرته على إيصال الفكر الإسلامي الصافيإلى الجماهير.. كما أن كتابيه (بحث حول المهدي) و(بحث حول الولاية) يتحدث فيهما عن أهم ناحيتين في العقيدة الإسلامية.
  2. وقد كتب عدة مؤلفات عن الحكومة الإسلامية تحت عنوان (منابع القدرة فيالدولة الإسلامية).
  3. وكذلك له مؤلفات تحت عنوان (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء).
  4. وفيالفلسفة الإسلامية المقارنة مع النظريات الفلسفية فيعالمنا المعاصر اليوم كان كتابه (فلسفتنا) بحثاً موفقاً في نقد النظريات الفلسفية وإعطاء الفلسفة الإسلامية حيويتها وروحها.

17.كما كان كتابه الأسس المنطقية للاستقراء محاولة لإثبات وجود الله عن طريق الاستقراء وحساب الاحتمالات.

  1. وكتابه البنك اللاربوي فيالإسلام.. أعطى أسساً حقيقية لبنك إسلامي لا يقوم على أساس الربا، بل على أساس الأحكام الإسلامية التي تنفيالربا من المعاملات التجارية.
  2. ومن كتبه التي تتعلق بالنظرية السياسية كتاب (الإسلام يقود الحياة) وكتاب (تصور عن دستور الجمهورية الإسلامية) وغيرها من الأعمال الهامة المتميزة.

ثانياً: ملامح من الرؤية السياسية للإمام الشهيد

يمكن إجمال ملامح النظرية والرؤية السياسية للإمام الشهيد السيد محمدباقر الصدر في مستويين: مستوى حركي، ومستوى نظري، وكلاهما مكملان لبعضهما البعض، فسلوكه الثوري ضد حزب البعث واستبداد صدام حسين يتكامل مع نظريته السياسية المعادية لأي خروج عن الإسلام والداعية للعدالة والحرية والثورة، وسوف نقدّم هنا مجرد قبسات من سلوك وفكر الشهيد للتأكيد على هذا المنحى.

أـ المستوى الحركي

نستطيع الآن وبعد 20 عاماً على استشهاده أن نؤكد أن فكر الشهيد الصدر السياسي كان من أهم أسباب إعدامه؛ وذلك لصلاحية هذا الفكر لكل الأمة الإسلامية ولكل مكان وكل مجتمع؛ لأنه مستمد من الإسلام الصالح لكل زمن ومكان.

كما لم تكن أفكاره طائفية تقتصر على الشيعة فقط، ولكنها كانت لعامة المسلمين كما كان الشهيد الصدر مهتماً بكل شؤون المسلمين ويجاهد من أجلهم، ففي رسالة بخط يده أرسلها إلى أحد إخوانه العلماء سنة 1963 يتحدث في جزء منها عن الإمام الخميني وموقف النجف من الأحداث في إيران يقول:

وأما بالنسبة لإيران فلا يزال الوضع كما كان، وآقاي خميني مبعد في تركيا من قبل عملاء أمريكا في إيران، وقد استطاع آقاي خميني في هذه المرة أن يقطع لسان الشاه الذي كان يتهم المعارضة باستمرار بالرجعية والتأخر؛ لأن خوض معركة ضد إعطاء امتيازات جديدة للأمريكان المستعمرين لا يمكن لإنسان في العالم أن يصف ذلك بالرجعية والتأخر. وكتاب اقتصادنا صار الاتفاق على إرساله عن طريق مكتبة أميرالمؤمنين العامة في أول شحن تقوم به وسوف أكتب لكم عن ذلك إذا تحقق. وختاماً تقبّلوا إخلاصاً لا تحدّه إلا أبعاد وجودي، ودمتم ملاذاً وسنداً لمخلصكم، محمدباقر الصدر.

فجهاد الإمام الشهيد لم يكن مقصوراً على تعبئة الجماهير المسلمة بالعراق وقيادتها، بل تعدّى الحدود العراقية ليلتقي مع كل الحركات الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي؛ لأن الإسلام دين عالمي يمتد أثره ودوره إلى أرجاء العالم.

وقد برزت الممارسات الإسلامية الجماهيرية بشكل واضح ومنظم تحت قيادة الشهيد الصدر، الذي كان منظّراً وقائداً حركياً للجماهير أثناء فترة الحكم العارفي (عبدالسلام وعبدالرحمن عارف) تحت قيادة الإمام الحكيم (المرجع آنذاك).

ولكن قوى الهيمنة الغربية كانت تأبى على الحركة الإسلامية أن تنمو، فأرادت وأد الوليد الجديد قبل أن يستفحل خطره، خصوصاً وأنهم شخّصوا هذا الوليد الجديد منذ تحركه الحثيث قبل رحيلهم عن العراق سنة 1958 فباقر الصدر كان علامة بارزة في التحرك الإسلامي في مواجهة الاستعمارين: الإنجليزي والمدّ الشيوعي.

وعلى مستوى الأعمال والنشاطات السياسية، يمكن أن نذكر منها إسهامه في تأسيس (حزب الدعوة الإسلامية) في أواخر صيف 1378ق/1958م، ثم خروجه من الحزب في صيف عام 1380ق/1960م، وأيضاً إسهامه في تأسيس (جماعة العلماء في النجف الأشرف) وإسنادها، وكذلك إسناده لمرجعية آية الله العظمى المغفور له الإمام السيد الحكيم! ومشاركته في مجمل الأعمال السياسية التي كانت تتصدى لها هذه المرجعية، وكذلك رعايته للحركة الإسلامية في العراق بشكل عام، ثم تصوره لتطور المرجعية الدينية وطيّها للمراحل الأربع التي مرت بها والتي كانت آخرها مرحلة (القيادة)، ثم تأسيسه لبذرة شورى المرجعية في إطار مرجعيته الخاصة، وطرحه لمسألة فصل العمل المرجعي وجهازه عن العمل التنظيمي الخاص (الحزب) عملياً، ثم تطوّر ذلك إلى فكرة فصل الحوزة العلمية بشكل عام عن العمل التنظيمي الخاص (الحزب) وتصريحاته وفتاواه بهذا الصدد التي تعبّر عن موقف سياسي عملي ينطلق من جذور فكرية، ثم موقفه بعد ذلك من دور التنظيم الإسلامي في الحركة السياسية العامة والذي تجسّد بتعيين ممثّل له لدى بعض أطراف الحركة الإسلامية، ثم تسليم بعض الأطراف الأخرى لقيادته بعد انتصار الثورة الإسلامية، ومبادرته لتأسيس حركات ومكاتب إسلامية في الخارج وتعيين الممثّلين الوكلاء والعلماء في مختلف المناطق بعد تصدّيه للمرجعية الدينية قبل ذلك.[2]

كما التفت الشهيد إلى نقطة مهمة، وهي تعرّض المرجع للموت فقال عن هذه النقطة: (فلابد من ضمان نسبي لتسلسل المرجعية في الإنسان الصالح المؤمن بأهداف المرجعية الصالحة؛ لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية إلى من لا يؤمن بأهدافها الواعية، ولابد أيضاً من تهيئة المجال للمرجع الصالح الجديد، ليبدأ ممارسة مسئولياته من حيث انتهى المرجع العام السابق، بدلاً من أن يبدأ من الصفر ويتحمل مشاق هذه البداية وما تتطلبه من جهود جانبية، وبهذا يتاح للمرجعية الاحتفاظ بهذه الجهود للأهداف وممارسة ألوان من التخطيط الطويل المدى.

ويتم ذلك عن طريق شكل المرجعية الموضوعية؛ إذ في إطار المرجعية الموضوعية لا يوجد المرجع فقط بل يوجد المرجع (كذات) ويوجد (الموضع) وهو المجلس بما يضم من جهاز يمارس العمل المرجعي الرشيد وشخص المرجع الصالح في حالة خلو المركز. وللمجلس وللجهاز _ بحكم ممارسته للعمل المرجعي ونفوذه وصلاته وثقة الأمة به _ القدرة دائماً على إسناد مرشّحه وكسب ثقة الأمة إلى جانبه.

ولقد شدد البعثيون الضغط على السيد الشهيد لعلمهم أنه مصدر الخطر عليهم، فمارسوا ضده أعمالاً إرهابية وصلت إلى حد الاعتقال. وكان ذلك بعد سنة من تولّيه المرجعية سنة 1971 وقد حاول النظام الظالم اعتقاله، ولكن تدهور حالته الصحية جعلهم يدخلونه إلى المستشفى مقيد اليدين ومربوطاً بالسلاسل، ثم أفرجوا عنه خوفاً من نقمة الجماهير التي لم يستطيعوا أن يغيروا اتجاهها رغم بقائهم في الحكم سنتين.

وكان هذا الاعتقال الأول ما هو إلا جسّ لنبض الشارع الإسلامي وترهيب للإمام الشهيد الذي لم يزده الاعتقال إلا صلابة تجسّدت في لقائه لزيد حيدر الذي تم في عام 1972، عندما كانت الأوضاع في العراق تنذر بالانفجار بعد أن أثقل النظام الطاغوتي كاهل الشعب بالضرائب، وكمّم الأفواه بالحديد والنار، وصادر جميع الحريات بالقوة الغاشمة، وقبل كل ذلك كان الإرهاب الدموي ضد الدعاة قد أثار استنكار الشعب وغضبه، وكمحاولة من النظام الجائر لاستدراك وضعه المهزوم آنذاك، بعثوا بعضو القيادة القومية لحزب البعث المدعو زيد حيدر إلى الإمام الصدر لفتح صفحة جديدة معه ومطالبته بالتساهل مع الحكومة ومجاملتها، وذلك لتخفيف نقمة الجماهير على النظام، وربما كان النظام العفلقي يظن أن هذه الزيارة قد تليّن السيد الشهيد وتثنيه عن مواصلة الجهاد في سبيل الله.[3]

وفي لحظة التقاء مبعوث الحزب العميل (زيد حيدر) للسيد الصدر، كان المبعوث المذكور يبدي عنجهية طاغية، ظناً منه أن ذلك قد يدخل شيئاً من الرعب والخوف إلى قلب السيد الجليل، ناسياً أو متناسياً أن الصدر ابن الإسلام والقرآن ولا يخاف إلا الله.

وقد بدأ المبعوث حديثه مع المفكر الكبير عاتباً عليه عدم زيارته لمجلس قيادة الثورة ورئيسه أحمد حسن البكر، فردّ عليه السيد الصدر بقول رسول الله-: (إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا: نِعم العلماء ونِعم الملوك، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا: بئس العلماء وبئس الملوك). ثم وجه السيد الصدر لمبعوث الطغمة الظالمة قوله: (إذا كنت أنت وحكومتك لكم سلطان على أجساد الناس فإن لي سلطاناً على أرواحهم وضمائرهم، فعليكم أن تعرفوا من أنتم ومن أنا). ثم عرج بحديث طويل عن دور العلماء في الجهاد ضد الاستعمار والغزاة مخاطباً المبعوث البعثي بقوله: (إن رجل الدين في الإسلام غيره في أوروبا، فلا تختلط عليكم التصورات وكونوا على حذر). وضرب له أمثلة قريبة في هذا الصدد، فذكّره بالمجاهد عبدالحسين شرف الدين الموسوي، الذي حارب الفرنسيين، وبقائد ثورة العشرين الشيخ محمد تقي الشيرازي وغيرهما من المراجع الذين ضربوا أروع الأمثلة في ميادين الجهاد. ثم تحدّث الإمام عن المظالم التي يقترفها حزب البعث بحق الشعب العراقي وسوّد له نماذج منها، وأخيراً خرج زيد حيدر من بيت السيد الصدر وقد خاب ظنه بما كان يتوقعه من لقائه بالسيد المجاهد الجليل).

وتوالت بعد ذلك المحن على الحركة الإسلامية في العراق _ كما نرصد في المحور الثاني _ وتعرضت قياداتها للاغتيال مثل عبدالصاحب دخيل، والشيخ عارف البصري، عمادالدين التبريزي، السيد نوري طعمة، السيد عزالدين القبانجي والسيد حسين جلوخان.

وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران انتعشت النفوس وانبعثت الآمال من جديد. وقوي العزم في الحركة الإسلامية في العراق رغم كل محاولات التصفية التي مورست في حق أعضائها من منتسبي حزب الدعوة. فالشعب العراقي مرّ بصراع رهيب مع السلطة التكريتية وصلت إلى الصدام المسلح في انتفاضة الأربعين التي قادها الأبطال الحسينيون من أهل العراق يوم كان الإمام الخميني في أرض العراق يخطّط للثورة العارمة على دولة الشاه المقبور.

لذلك اتجهت الجماهير إلى قائدها السيد الصدر الذي عاش الحالة الحسينية وآفاقها الجهادية منذ بداية حياته، فقال كلمته وأعلن عن الموقف الذي يفرضه الإسلام على أبنائه وإن أدى إلى فقد الحياة، قالها دون تردد أو تفكير أو خوف مؤيداً الثورة الإسلامية في إيران، وأرسل برقية تهنئة إلى الإمام الخميني عند انتصار الثورة. في الوقت الذي يعلم فيه أن السلطات البعثية تعدّ عليه أنفاسه وتضيّق عليه الخناق؛ خشية تكرار الثورة الإسلامية في العراق بقيادة المرجعية الدينية.

وقد سألته السلطة عن موقفه هذا وكيف يرسل برقية للإمام الخميني قبل إعلان الموقف الرسمي للحكومة البعثية؟ فأجابهم ما مضمونه أنه يمارس دوره الشرعي وينطلق من حكم الإسلام في ذلك.. . إضافة إلى أنه غير خاضع لقرارات الحكومة، بل هو قائد للأمة يعبّر عن رأيها، الأمر الذي أدى إلى توتر الأوضاع بينه وبين النظام البعثي مما دفعهم لاغتياله في النهاية.

ب ـ على المستوى الفكري

هذا ولقد بدأ الشهيد الصدر رضوان الله علیه تصوره النظري للرؤية وللنظرية السياسية انطلاقاً من عدة نقاط فقهية وعملية نذكر منها:

  1. الاستفادة من آية الشورى <وَأَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ>[4] للدلالة على إمكان إقامة الحكم الإسلامي على قاعدة الشورى، باعتبار أن الحكم وإقامة الدولة يمثّل أمراً مهماً من أمور المسلمين، ولا يمكن تجاهله فيمجتمعهم؛ لأن التجاهل يؤدي إلى تهديد أصل الدين، بالإضافة إلى سيطرة الكفار وعقائدهم على المجتمع الإسلامي.

ولابد من الالتزام بحكم الأكثرية في الشورى؛ لأن الإجماع في الأمور الاجتماعية أمر نادر، وهذا يعني أن إقامة الحكم على أساس الشورى يعني الرجوع إلى الأكثرية وإلا تعطلت آية الشورى ولم يكن لها مدلول عملي.[5]

  1. أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام والدين من أهم الواجبات الإسلامية، ولما لمتكن هناك طريقة محدّدة وإطار سياسي عام مشخص لهذه الدعوة، كان ممكناً انتهاج كل أسلوب مؤثر فيهذا المجال يعطي للمسلمين القوة والقدرة على تحقيق هذا الهدف أو القيام بهذا الواجب الإسلامي وحينئذ يمكن طرح أسلوب (التنظيم الحزبي) بوصفه أفضل طريقة تجريبية توصّل إليها الإنسان في التحرك السياسي؛ حيث إنها الطريقة المتّبَعة والمعروفة الآن في المجتمعات الإنسانية (الحضارة الغربية والشرقية) والتي أثبتت جدواها وتأثيرها من خلال التجربة.

كما أن هذه الطريقة هي التي يمكن أن تواجه هذا الأسلوب الجذاب في المجتمع الإنساني الذي اعتمدته الأيديولوجيات والنظريات الحديثة الوضعية.

  1. أن للفقهاء _ فيالنظرية الإسلامية وفيالتاريخ الإسلامي _ دوراً متميزاً. أما على مستوى النظرية، فنجد ذلك واضحاً في مجال استنباط الأحكام الشرعية وفي القضاء الإسلامي. أما على مستوى التاريخ الإسلامي فإن الأمة ارتبطت بالفقهاء عملياً وواقعياً، خصوصاً في أوساط أتباع أهل البيت(؛ إذ أصبحت تقدّسهم وتنقاد لهم وتنظر إليهم بوصفهم نوّاباً عن الإمام% وحكّاماً للناس والشريعة.

وهذه حقيقة عقدية وتاريخية لا يمكن تجاهلها في العمل السياسي، ولا يمكن التفكيك عملياً بين هذا الواقع العقدي والتحرك السياسي حتى لو انتهينا إلى التفكيك بين المرجعية في الفتوى والقيادة السياسية على المستوى النظري، ولذا لابد من منحهم هذا الدور في التصور النظري للتحرك السياسي.

  1. يرتبط بالمحاور السابقة التي أشار إليها السيد محمدباقر الحكيم نقاط أخرى مهمة تكمّل نظرية الشهيد الصدر سياسياً، ومن ذلك رؤية الشهيد للغرب، حيث كانت له رؤية ثابتة فينواحي الاختلاف بين الإسلام والغرب، وهو يرى فيهذا الصدد أن الذي يعلم جوهر الصراع بين الإسلام والغرب يدرك أن هذا الجوهر يشتمل على نظرة كلا الجانبين (للإنسان) وموقعه والجانب الروحي للإنسان وتأثيره. وهذا ما لم يفهمه طابور المبشرين والمشوّهين التاريخيين الذين يقع في ذيلهم (سلمان رشدي وآياته الشيطانية) على سبيل المثال وليس الحصر.

فإذا ما علمنا _ كما يقول الإمام باقر الصدر)[6] أن للإنسان جانبين: أحدهما مادي يتمثل في تركيبه العضوي، والآخر روحي _ لا مادي _ وهو مسرح النشاط الفكري والعقلي، فليس الإنسان مجرد مادة معقدة، وإنما هو مزدوج الشخصية من عنصر مادي وآخر لا مادي.

وهذا الازدواج يجعلنا نجابه موقفاً عسيراً في سبيل استكشاف نوعية العلاقة والصلة بين الجانبين: المادي والروحي من الإنسان، ونحن نعلم قبل كل شيء أن العلاقة بينهما وثيقة حتى أن أحدهما يؤثر في الآخر باستمرار، فإذا خيّل إلى شخص أنه يرى شبحاً في الظلام اعترته قشعريرة، وإذا كتب على شخص أن يخطب في حفل عام أخذ العرق يتصبب منه، وإذا بدأ أحدنا يفكّر حدث نشاط خاص في جهازه العصبي، فهذا أثر العقل أو الروح في الجسم، كما أن للجسم أثره في العقل، فإذا دبّت الشيخوخة في الجسد وهن النشاط العقلي، وإذا أفرط شارب الخمر في السكر قد يرى الشيء شيئين، فكيف يتاح للجسم والعقل أن يؤثر أحدهما في الآخر إذا كانا مختلفين لا يشتركان في صفة من الصفات، فالجسم قطعة من المادة له خصائصها من ثقل وكتلة وشكل وحجم، وهو يخضع لقوانين الفيزياء. وأما العقل _ أو الروح _ فهو موجود غير مادي ينتسب إلى عالم المادة، ومع هذه الهوّة الفاصلة يصعب تفسير التأثير المتبادل بينهما، فقطعة من الحجارة يمكن أن تسحق نبتة في الأرض؛ لأنهما معاً ماديان، وقطعتان من الحجر يمكن أن تصطكّا وتتفاعلا. وأما أن يحدث الاصطكاك والتفاعل بين موجودين من عالمين فهذا ما يحتاج إلى شيء من التفسير، وهو الذي عاق التفكير الأوروبي الحديث على الأغلب عن الأخذ بفكرة الازدواج بعد أن رفض التفسير الأفلاطوني القديم للعلاقة بين الروح والجسم بوصفها علاقة بين قائد وعربة يسوقها، فقد كان أفلاطون يتصور أن الروح جوهر قديم مجرد عن المادة يعيش في عالم وراء دنيا المادة ثم يهبط إلى البدن ليدبّره كما يهبط السائق من منزله ليدخل العربة ليسوقها ويدبّر أمرها.

وواضح أن هذه الثنائية الصريحة والهوّة الفاصلة بين الروح والجسم في تفسير أفلاطون لا تصلح لتفسير العلاقة الوثيقة بينهما التي تجعل كل إنسان يشعر بأنه كيان موحّد وليس شيئين من عالمين مستقلين التقيا على ميعاد.

وقد أدت المشاكل التي تنجم عن تفسير الإنسان على أساس الروح والجسد معاً إلى بلورة اتجاه حديث في التفكير الأوروبي، إلى تفسير الإنسان بعنصر واحد فنشأت المادية في علم النفس الفلسفي القائلة: إن الإنسان مجرد مادة وليس غير، كما تولّدت النزعة المثالية التي تجنح إلى تفسير الإنسان كله تفسيراً روحياً، هذا طبعاً بعكس الإسلام تماماً الذي ركّز على الروح والمادة معاً وبسمو فريد.

  1. الإسلام يقود الحياة السياسية والمجتمع إلى الأفضل

تلك نماذج من رؤى الإمام وأقواله التي وردت في كتابه (الإسلام يقود الحياة)، والتي تؤكد مجتمعة أركان نظريته السياسية الاجتماعية عن دور الإسلام السياسي في قيادة الأمة:

يقول السيد الشهيد:

فمن ناحية تكوّن الدولة ونشوئها تاريخياً، نرفض إسلامياً نظرية القوة والتغلب، ونظرية التفويض الإلهي الإجباري، ونظرية العقد الاجتماعي، ونظرية تطور الدولة عن العائلة، ونؤمن بأن الدولة ظاهرة نبوية، وهي تصعيد للعمل النبوي بدأت في مرحلة معينة من حياة البشرية.[7]

وحول ذات المعنى يقول الشهيد:

وما دام الله تعالى هو مصدر السلطات، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعي المحدد عن الله تعالى، فمن الطبيعي أن تحدّد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإسلامية.

إن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، بمعنى أنها هي المصدر الذي يستمد منه الدستور وتشرّع في ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية.

هذا ويميّز السيد الصدر هنا في كتابه المهم بين ثلاث حالات للشريعة، فيرى أن هناك أحكاماً ثابتة واضحة لا يمكن إلا الالتزام بها حرفياً، وهناك أحكام يختلف فيها الفقهاء، كما أن هناك حالات لم تُسْتَخرج أحكامها بعد، ولكل من هذه الحالات يحدّد السيد الشهيد موقفاً، فهو يرى:

أولاً: أن أحكام الشريعة الثابتة بوضوح فقهي مطلق تعدّ _ بقدر صلتها بالحياة الاجتماعية _ جزءاً ثابتاً في الدستور، سواء نصّ عليه نصاً صريحاً في وثيقة الدستور أم لا.

ثانياً: أن أيّ موقف للشريعة يحتوي على أكثر من اجتهاد، يعدّ في نطاق البدائل المتعددة من الاجتهاد المشروع دستورياً، ويظل اختيار البديل المعيّن من هذه البدائل موكولاً إلى السلطة التشريعية التي تمارسها الأمة في ضوء المصلحة العامة.

ثالثاً: في حالات عدم وجود موقف حاسم للشريعة، من تحريم أو إيجاب، يكون للسلطة التشريعية التي تمثّل الأمة أن تسنّ من القوانين ما تراه صالحاً.[8]

ومن ناحية وظيفة الدولة يقول الإمام في كتابه المهم:

نرفض إسلامياً المذهب الفردي أو مذهب عدم التدخل المطلق _ أصالة الفرد _ والمذهب الاشتراكي أو أصالة المجتمع، ونؤمن بأن وظيفتها تطبيق شريعة السماء التي وازنت بين الفرد والمجتمع وحمت المجتمع لا بوصفه وجوداً هيغلياً مقابلاً للفرد، بل بقدر ما يعبّر عن أفراد وما يضمّ من جماهير تتطلب الحماية والرعاية.[9]

وخلاصة الأمر هنا أنه يمكن أن نقول: إن تفكير السيد الشهيد كان منصبّاً _ في مسألة التنظير للحكم والدولة السياسية الإسلامية العادلة _ على ضرورة الكشف عن التكامل الذاتي والموضوعي القائم بين نظرية ولاية الفقيه، وبين نظرية الشورى. فقد كان الشهيد يرى أن للفقيه دوراً يتحرك في موقع الشهادة، وأن للأمة دوراً يتحرك في موقع الخلافة؛ لأن الشهادة والخلافة يجتمعان للمعصوم، ولكنهما لا يجتمعان للفقيه بهذا الشكل الشمولي الحاسم، لكن عدم اجتماعهما لا يمكن أن يؤدي إلى حدوث تسلط أو استبداد في الدولة؛ لأنه لا منافاة أبداً بين أن يتمثل الفقيه العادل دور القيادة للأمة والشهادة عليها، وبين أن تمارس الأمة دورها في المجال السياسي، وتتمتع بحقوقها المشروعة انطلاقاً من حاكمية الشريعة الإلهية التي تجسّد الغطاء الشرعي لأي فاعلية سياسية من قِبل الفقيه العادل أو من قبل الأمة التي بايعته على الاستقامة والثبات على طريق الحق.[10]

وتحت عنوان: (الخلافة العامة في القرآن الكريم) يدرج الشهيد الصدر الآيات الآتية في كتابه سالف الذكر، وهي تشكّل أركان نظرته العظيمة للدور القرآني والإسلامي في قيادة الحياة:

  1. <وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً قٰالُوا أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ اَلدِّمٰاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قٰالَ إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ * وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ * قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ * قٰالَ يٰا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ فَلَمّٰا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ قٰالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ مٰا تُبْدُونَ وَ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ>.[11]
  2. <إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ>.[12]
  3. <هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فيالأَرْضِ>.[13]
  4. <يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً فيالأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ>.[14]
  5. <إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً>.[15]

وتحت عنوان: (الشهادة في القرآن الكريم) يدرج الصدر الآيات الآتية:

  1. <فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِك عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً>.[16]
  2. <وَكَذَلِك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً>.[17]
  3. <وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيء شَهِيدٌ>.[18]
  4. <وَيَوْمَ نَبْعَثُ فيكُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئنَا بِك شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ>.[19]
  5. <هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفيهَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ>.[20]
  6. <إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْك الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ>.[21]
  7. <إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ>.[22]
  8. <وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِي بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لايُظْلَمُونَ>.[23]

هذه الآيات مجتمعة تؤكد من وجهة نظر الشهيد مفهومي الخلافة والشهادة وتؤسسان السياسية الإسلامية الصحيحة المرجوة.

ثالثاً: نداءات الشهيد للشعب العراقي كنموذج للفعل القيادي الحقيقي

كان أسلوب (النداء الثوري) من أساليب عمل وجهاد الإمام الشهيد السيد محمدباقر الصدر وهو قيد الأقامة الجبرية إبان حكم البعث، ومثّل ذلك أسلوباً لمواجهة استبداد الطاغية (صدام حسين) ولاستنفار الشعب العراقي ودفعه للثورة على هذا الاستبداد. وفيما يلي نماذج من نداءاته التاريخية الهامة التي تصلح لكل زمان ولكل مجتمع ابتلى بطغاة متجبرين، فماذا تقول البيانات (النداءات) ذات الدلالة التي ليست بحاجة إلى المزيد من التعليق؟ فهي تقدّم بنفسها نموذجاً للوعي الثوري الإسلامي.

نص النداء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.

أيها الشعب العراقي المسلم، إني أخاطبك أيها الشعب الحر الأبي الكريم، وأنا أشد الناس إيماناً بك وبروحك الكبيرة وبتاريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً لما طفحت به قلوب أبنائك البررة من مشاعر الحب والولاء والبنوّة للمرجعية؛ إذ تدفّقوا إلى أبيهم يؤكدون ولاءهم للإسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحمية والتقوى يطلبون مني أن أظل أواسيهم.

وإني أود أن أؤكد لك يا شعب آبائي وأجدادي أني معك وفي أعماقك، ولن أتخلى عنك في محنتك وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك. وأود أن أؤكد للمسؤولين أن هذا الحكم الذي فرض بقوة الحديد والنار على الشعب العراقي وحرمه من أبسط حقوقه وحرياته من ممارسة شعائره الدينية لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أن يعالج دائماً بالقوة والقمع، وأن القوة ما كانت علاجاً حاسماً دائماً إلا للفراعنة والجبابرة.

أسقطوا الأذان الشريف من الإذاعة فصبرنا، أسقطوا صلاة الجمعة من الإذاعة فصبرنا، وطوّقوا شعائر الإمام الحسين، ومنعوا القسم الأعظم منها فصبرنا، وحاصروا المساجد وملؤوها أمناً وعيوناً فصبرنا، وقاموا بحملات الإكراه على الانتماء إلى حزبهم فصبرنا، وقالوا: إنها فترة انتقال يجب تجنيد الشعب فيها فصبرنا، ولكن إلى متى، إلى متى تستمر فترة الانتقال، إذا كانت فترة عشر سنين من الحكم لا تكفي لإيجاد الجو المناسب لكي يختار الشعب طريقه فأية فترة تنتظرون؟

وإذا كانت فترة عشر سنين من الحكم المطلق لم تتح لكم أيها المسؤولون إقناع الناس بالانتماء إلى حزبكم إلا عن طريق الإكراه فماذا تأملون؟ وإذا كانت السلطة تريد أن تعرف الوجه الحقيقي للشعب العراقي فلتجمّد أجهزتها القمعية أسبوعاً واحداً فقط ولتسمح للناس بأن يعبّروا خلال أسبوع واحد كما يريدون.

إنني أطالب باسمكم جميعاً، أطالب بإطلاق حرية الشعائر الدينية وشعائر الإمام أبي عبدالله الحسين%. كما وأطلب باسمكم بإعادة الأذان وصلاة الجمعة والشعائر الإسلامية إلى الإذاعة، وأطالب باسمكم جميعاً بإيقاف حملات الإكراه على الانتساب إلى حزب البعث على كل المستويات، وأطالب باسم كرامة الإنسان بالإفراج عن المعتقلين بصورة تعسّفية، وإيقاف الاعتقال الكيفي الذي يجري بصورة منفصلة عن القضاء، وأخيراً أطالب باسمكم جميعاً وباسم القوى التي تمثّلونها بفسح المجال للشعب ليمارس بصورة حقيقية حقه في توفير شؤون البلاد، وذلك عن طريق إجراء انتخاب حر ينبثق عنه مجلس حر يمثّل الأمة تمثيلاً صادقاً.

وإني أعلم أن هذه الطلبات سوف تكلّفني غالياً، وقد تكلّفني حياتي، ولكن هذه الطلبات ليست طلب فرد لتموت بموته، ولكن هذه الطلبات هي مشاعر أمة، وطلبات أمة وإرادة أمة، ولا يمكن أن تموت أمة تعيش في أعماقها روح محمد وعلي والصفوة من آل محمد وأصحابه، وإذا لم تستجب السلطة لهذه الطلبات فإني أدعو أبناء الشعب العراقي الأبي إلى المواصلة في هذه الطلبات مهما كلّفه ذلك من ثمن؛ لأن هذا دفاع عن النفس، دفاع عن الكرامة، دفاع عن الإسلام، رسالة الله الخالدة، والله ولي التوفيق.

محمدباقر الصدر

النجف الأشرف 20/ رجب/1399هـ

النداء الثاني

وكان هذا النداء بتاريخ 10 شعبان 1399ق وقد تضمّن مواساة الشعب العراقي على ما يلاقيه من محن وأذىً وإذلال وقتل وإرهاب، ويؤكد الشهيد في ندائه أن الجماهير هي الأقوى والنصر لها، وأن راية الإسلام هي العليا، كما تضمّن كذلك الإعلان للشعب العراقي أنه قد صمم على الشهادة، وهو آخر ما يسمعه شعبه منه. كما أفتى بوجوب العمل على إدانة الجهاز والنظام الحاكم في العراق، وعلى الجميع داخل وخارج العراق مقاومة هذا النظام ولو كلّف ذلك الحياة.. .

نص النداء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.

يا شعب العراق العزيز، يا جماهير العراق المسلمة التي غضبت لدينها، لكرامتها ولحريتها وعزتها ولكل ما آمنت به من قيم ومثل.

أيها الشعب العظيم، إنك تتعرض اليوم لمحنة هائلة على يد السفاكين والجزّارين الذين هالهم غضب الشعب وتململ الجماهير بعد أن قيّدوها بسلاسل من الحديد ومن الرعب، وخُيّل للسفاكين أنهم بذلك انتزعوا من الجماهير شعورها بالعزة والكرامة وجرّدوها من صلتها بعقيدتها وبدينها وبمجدها العظيم؛ لكي يحوّلوا هذه الملايين الشجاعة المؤمنة من أبناء العراق الأبي إلى دمىً وآلات يحرّكونها كيف يشاؤون ويزقّونها ولاء عفلق وأمثاله من عملاء التبشير والاستعمار بدلاً عن ولاء محمد وعلي (صلوات الله عليهما).

ولكن الجماهير دائماً هي الأقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة وقد تصبر ولكنها لا تستسلم.

وهكذا فوجئ الطغاة بأن الشعب لا يزال ينبض بالحياة وما تزال لديه القدرة على أن يقول كلمته. وهذا هو الذي جعلهم يبادرون إلى القيام بهذه الحملات الهائلة على عشرات الآلاف من المؤمنين والشرفاء من أبناء هذا البلد الكريم، حملات السجن والاعتقال والتعذيب والإعدام وفي طليعتهم العلماء والمجاهدون الذين يبلغني أنهم يستشهدون الواحد بعد الآخر تحت سياط التعذيب.

وإني في الوقت الذي أدرك عمق هذه المحنة التي تمر بك يا شعبي وشعب آبائي وأجدادي أؤمن بأن استشهاد هؤلاء العلماء واستشهاد خيرة شبابك الطاهرين وأبنائك الغيارى تحت سياط العفالقة لن يزيدك إلا صموداً وتصميماً على المضي في هذا الطريق حتى الشهادة أو النصر.

وأنا أعلن لكم يا أبنائي بأني صمّمت على الشهادة، ولعل هذا هو آخر ما تسمعونه مني، وأن أبواب الجنة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب الله لكم النصر، وما ألذّ الشهادة التي قال عنها رسول الله-: إنها حسنة لا تضرّ معها سيئة، والشهيد بشهادته يغسل كل ذنوبه مهما بلغت. فعلى كل مسلم في العراق وعلى كل عراقي في خارج العراق أن يعمل كل ما بوسعه ولو كلّفه ذلك حياته من أجل إدامة الجهاد والنضال لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب وتحريره من العصابة اللاإنسانية، وتوفير حكم صالح فذّ شريف طيب يقوم على أساس الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمدباقر الصدر، 10 شعبان/1399هـ

النداء الثالث والآخر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين.

يا شعبي العراقي العزيز.. أيها الشعب العظيم.. إني أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنّتك وشيعتك؛ لأن المحنة هي محنة كل الشعب العراقي، فيجب أن يكون الموقف الجهادي والرد البطولي والتلاحم النضالي هو واقع كل الشعب العراقي. وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل الدفاع عن العقيدة التي تهمّهم جميعاً ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع.

فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي، أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام وبقدر ما تحملون هذا المشعل العظيم لإنقاذ العراق من كابوس التسلط والاضطهاد.

إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنة أن المسألة مسألة شيعة وسنة، وليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضد العدو المشترك. وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم السني الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل حمل عليّ السيف للدفاع عنه؛ إذ حارب جندياً في حروب الردة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر، وكلنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي.

إن الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام، ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام. إن الحكم الواقع اليوم ليس حكماً سنياً وإن كانت الفئة المتسلطة تنتسب تأريخياً إلى التسنن، فإن الحكم السني لا يعني حكم شخص ولد من أبوين سنيين، بل يعني حكم أبي بكر وعمر الذي تحداه طواغيت الحكم في العراق اليوم في كل تصرفاتهم وهم ينتهكون حرمتهم للإسلام وحرمة علي وعمر معاً في كل يوم وفي كل خطوة من خطواتهم الإجرامية.

ألا ترون يا أولادي وأخواني أنهم أسقطوا الشعائر الدينية التي دافع عنها علي وعمر معاً؟ ألا ترون أنهم ملؤوا البلاد بالخمور وحقول الخنازير وكل وسائل المجون والفساد التي حاربها علي وعمر معاً؟ ألا ترون أنهم يمارسون أشد ألوان الظلم والطغيان تجاه كل فئات الشعب؟ ويزدادون يوماً بعد يوم حقداً على الشعب وتفنناً في امتهان كرامته والانفصال عنه والاعتصام ضده في قصورهم المحاطة بقوى الأمن والمخابرات، بينما كان علي وعمر يعيشان مع الناس وللناس وفي وسط الناس ومع آلامهم وآمالهم.

ألا ترون أن احتكار هؤلاء للسلطة احتكاراً عشائرياً يضفون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟ وسد هؤلاء أبواب التقدم أمام كل جماهير الشعب سوى أولئك الذين رضوا لأنفسهم الذل والخضوع وباعوا كرامتهم وتحوّلوا إلى عبيد أذلّاء.

إن هؤلاء المتسلطين قد امتهنوا حتى كرامة حزب البعث العربي الاشتراكي حيث عملوا من أجل تحويله من حزب عقائدي إلى عصابة تفرض الانضمام إليه والانتساب إليها بالقوة؟ إنهم أحسوا بالخوف حتى من الحزب نفسه الذي يدعون تمثيله، إنهم أحسوا بالخوف منه إذا بقي حزباً حقيقياً له قواعده التي تبنّاها؛ ولهذا أرادوا أن يهدموا قواعده بتحويله إلى تجمّع يقوم على أساس الإكراه والتعذيب ليفقد أي مضمون حقيقي له.

يا أخواني وأبنائي من أبناء الموصل والبصرة، من أبناء بغداد وكربلاء والنجف، من أبناء سامراء والكاظمية.. من أبناء العمارة والكوت والسليمانية.. من أبناء العراق في كل مكان: إني أعاهدكم بأني لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً وأنكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل، فلتتوحد كلمتكم ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء عراق حر كريم تحكمه عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم إخوة يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم وتحقيق مثلهم الإسلامية العليا المستمدة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمدباقر الصدر، النجف الأشرف

المحور الثاني: الطاغية نموذج الباطل

أولاً: ملامح من مسيرة استبداد صدام حسين

لقد دأب البعض من القادة العرب الذين عادوا صدام حسين بمناداته بـ(صدام حسين التكريتي). وكان البعض منا يتساءل لماذا يصرّ هؤلاء على مناداته بهذا الاسم الثلاثي؟ رغم أن اسمه ليس كذلك؟ ولماذا يصرون دائماً على إقران الاسم بالسخرية منه؟

ببساطة نجيب أن (التكريتي) نسبة إلى مدينة صغيرة تدعى (تكريت) كانت تتبع إدارياً لبغداد، وأصبحت اليوم مركزاً لمحافظة جديدة تدعى (صلاح الدين) وتتكون أساساً من مساحات اقتطعت من محافظة كركوك، وتضم تلك المدينة المدرسة العليا لسلاح الجو وقاعدة عسكرية كبيرة، ولقد حوّلها (صدام) فيما بعد إلى أجمل مدن العراق وأكثرها بذخاً، فضلاً عن أن هذه المدينة الصغيرة هي التي ولد بها (صدام حسين) من هنا جاءت تسمية البعض له بـ(التكريتي) وجاءت سخريتهم منه. وصدام حسين ولد يوم 28 أبريل 1937، في منزل خاله الحاج خير الله طلفاح، ويقال: أنه ولد بعد طلاق والديه إثر خلافات شديدة بين والده ووالدته.

وصدام لم يدخل المدرسة إلا في سن العاشرة (عام 1947) ولقد ساعده في ذلك أحد أصدقائه، وجاء دخوله المدرسة ومعرفته بالتعليم إثر هروبه من منزل خاله إلى حيث أعمامه بمدينة (الفتحة) _ تبعد عشرات الكيلومترات عن (تكريت)، وكان هروبه نتيجة إحساسه بالظلم، وبرغبته في التمرد على خاله بعد أن رفض الأخير التحاقه _ أي صدام _ بالتعليم. وما كان من أعمامه إلا أنهم أعادوه إلى خاله ثانية، ولكي يسترضوه أعطوه (مسدّساً) حقيقياً كهدية له.

وعاد الطفل (صدام) عاد ليتغير وعيه تدريجياً مرتبطاً بالمسدّس ذاته، فهو كان عاشقاً بحق للأسلحة.

فلقد عاد (صدام) ليبدأ رحلة التعليم بعد أن أقنع هروبه المبكّر خاله (خيرالله طلفاح) بضرورة أن يتعلم مثل أقرانه وأصحابه.

وتمر السنون، ويدخل (صدام) المدرسة الثانوية في(الكرخ) في عام 1958، وعندما كان في السنة الرابعة بالمدرسة الثانوية وتحديداً في العطلة الدراسية، ألقي القبض عليه _ في أول اتهام سياسي له _ بتهمة اغتيال شخصية سياسية معروفة هي (سعدون الناصري)، إلا أنه أطلق سراحه بعد سته أشهر من الاعتقال، وبعدها انتظم صدام حسين الشاب ذوالعشرين ربيعاً في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي.

وفي العام نفسه قام صدام حسين باغتيال أحد أعمامه المعروفين وقتذاك، وهو الحاج (سعدون التكريتي)؛ وذلك انتقاماً منه لوشايته عن ولي أمره آنذاك (الحاج خيرالله طلفاح) الذي كان قد عيّن وقتها مديراً للتعليم في بغداد، إلا أن أحد أقربائه (سعدون التكريتي) قد أثار حفيظة النظام الحاكم وقتذاك (نظام عبدالكريم قاسم) ضده بدعوى أنه (أي الحاج خيرالله طلفاح) كان عميلاً للمخابرات البريطانية، وكان يعمل لحسابهم إبان وقوع العراق تحت الاحتلال، فما كان من صدام إلا أن اغتال عمه الحاج سعدون التكريتي بثلاث رصاصات في القلب، انتقاماً لخاله، الذي كان قد أحيل للمعاش والفصل من وظيفته نظير وشاية العم.

وفي 7/10/1959 عندما أصبح عمر صدام 21 عاماً جاءت ضربته السياسية الثالثة _ هذا إذا ما اعتبرنا اغتياله لعمه عملاً سياسياً بالمعنى السلبي _ وتمثّل ذلك في مشاركته لأربعة من رفاقه من حزب البعث في اغتيال (عبدالكريم قاسم) إلا أنهم أخفقوا نتيجة لاضطرابهم جميعاً وشعورهم بالرعب والتوتر الشديد (فالرفيق الأول) الذي كان مخططاً له أن يقطع الطريق بسيارته على موكب الرئيس لم يجد في اللحظة الحاسمة مفاتيح السيارة، أما الثاني فقد قام هو بالانطلاق بسيارته ناحية (الهدف) ولكنه لم يصل في الوقت المناسب، أما (الثالث) الذي كان مكلفاً بإلقاء قنبلة فما كان بوسعه إخراجها في اللحظة اللازمة. أما الرابع فقد قتل قبل أن يتحرك. لقد أخفق الرفاق الأربعة، وهم سمير عبدالعزيز النجم، أحمد طه عزّوز، عبدالكريم الشيخلي، عبدالوهاب الغريري الذي قتل أثناء تنفيذ العملية.

هذا ولقد كانت مهمة صدام هي تغطية رفاقه أثناء هروبهم، إلا أنه نسي هو الآخر الهدف، وأطلق وابلاً من الرصاص على موكب رئيس الدولة، وأدى هذا الأمر إلى مزيد من الفشل بالنسبة لعملية الاغتيال، وساهم في سرعة إلقاء القبض على رفاق صدام الآخرين الذين لم يجدوا من يغطّي انسحابهم، إذ أن رفيقهم صدام كان منهمكاً في ممارسة هوايته التاريخية التي ما زالت ملازمة له حتى اليوم وهي إطلاق الرصاص.

وبعد ذلك ينبئنا التاريخ أن صدام حسين أجبر سيارة على التوقف واحتجز سائقها كرهينة حتى يوصله إلى الحدود مع سوريا، ومن هناك انتقل إلى دمشق، ومنها وصل إلى القاهرة في يناير 1960 والتحق بمدرسة قصر النيل الثانوية الخاصة، وظل يعيش في فيلا خاصة، وكما تقول الروايات: ظل يتنقل في مصر وداخل القاهرة في رحلات ونزهات مختلفة، فضلاً عن ارتياده للمقاهي ولعبه للشطرنج، مع ملاحظة أنه كان مطارداً من قبل حكومة عبدالكريم قاسم، وهنا لغز لا ندري كيف نحلّه، إذ كيف يتمتع متّهم باغتيال بأوقاته وحياته، ورئيس دولة يطارده بعملائه ورجاله اللهم إلا إذا كان محمياً من قوى أخرى يقال: إنها كانت بريطانيا آنذاك؟ يؤكد البعض هذا المعنى أكثر بالقول: إن حياة صدام في الفترة من 1960_1963 ظلت لغزاً مجهولاً لا يستطيعون تفسيره، خاصة أنه كان يعيش خلال هذه الفترة بعض أوقاته في بيروت بعد تعلمه في معهد (شملان البريطاني) وذلك بفضل اتصالات خاله (الحاج خيرالله طلفاح الذي كان يتمتع بعلاقات طيبة مع البريطانيين)، ويقال: إن صدام قد ارتكب جريمة قتل لجار له بالقاهرة.

عموماً، وأياً ما كان التفسير، فلقد عاد صدام حسين إلى بغداد في نوفمبر 1963، بعد الإطاحة بحكم عبدالكريم قاسم في 8/2/1963، وخلال إقامته في بغداد وتحديداً في 18/11/1963 قام بالمساهمة في وضع خطة لاغتيال رئيس الدولة الجديد عبدالسلام عارف _ الذي كان صاحب اتجاهات قومية ناصرية _ إلا أن الخطة _ التي ساهم في وضعها بصفته عضواً قيادياً بحزب البعث وقتها _ أخفقت بسبب نقل الملازم ناجي مجيد، الذي كان مسؤولاً عن توصيل صدام ورفاقه _ المختصون بنسف الصالة المنعقد فيها اجتماع حكومة عبدالسلام عارف _ إلى حيث المكان الملائم لنسفها.

بعد هذه العملية رحل صدام إلى سوريا حيث يوجد مؤسس الحزب (ميشيل عفلق) وأقنعه بعمل انشقاق تاريخي في حزب البعث. ترتّب عليه أن صارت للحزب قيادتين قوميتين الأولى في(دمشق) والثانية في(بغداد) وكلاهما ترى في نفسها القيادة الأحق.

في هذه الأثناء صار (صدام) وبفضل مجهوداته في(الاغتيال) أميناً لسرّ الحزب عام 1964 ثم في أبريل عام 1966 تم انتخاب صدام حسين أميناً عاماً للقيادة القطرية لحزب البعث في العراق، وكان تحت رئاسته في هذه القيادة: عبدالخالق السامرائي، عبدالكريم الشيخلي، صالح مهدي عماش، طه الجزراوي، صلاح عمر العلي، عزت مصطفى وعبدالله سلّوم.

واستمر صدام في إعداد وتهيئة المسرح السياسي العراقي لقدوم الجناح البعثي إلى دست الحكم بعد إضعاف عبدالسلام عارف، ومن بعده أخيه عبدالرحمن عارف لهذا الجناح، وبالفعل أفرزت هذه التهيئة وصول الحزب مع تحالف عسكري للحكم في 17/7/1968، وكان أحمد حسن البكر وعبدالرازق النايف وإبراهيم الداود، وصدام حسين هم أبرز الحلفاء في الحكم.

إلا أنه حدثت صراعات شديدة بين هؤلاء _ وغيرهم _ وبين صدام حسين، ترتّب عليها التصفية الجسدية لأغلبهم وليس فقط مجرد الإبعاد عن الحكم، فمثلاً: عبدالرازق النايف الذي كان رئيساً للوزراء في 17/7/1968 أقصى من منصبه بعد 13 يوماً، أي في 30/7/1968 واغتيل في لندن عام 1979 وكذلك اغتيل إبراهيم الداود، أما أحمد حسن البكر فقط أرغم لأسباب قيل: إنها صحية ثم مات مسموماً في 4/10/1982. أما رفاق صدام حسين في القيادة القطرية لحزب البعث عام 1966 _ وهي القيادة التي أنيط بها تهيئة الأجواء لوصول الحزب إلى السلطة عام 1968 _ فلقد قوبلت بنفس المصير، فعبد الخالق السامرائي أعدم في 8/8/1979 أي بعد وصول صدام حسين للسلطة رسمياً يوم 16/7/1979 بثلاثة أسابيع فقط!!

عبدالكريم الشيخلي الذي كان وزيراً لخارجية العراق لسنوات، ثم سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة، فقد استدعي لبغداد في أول أبريل 1980، وفي منتصف الشهر أعلن عن إعدامه.

فؤاد الركابي والذي كان العقل المدبّر لمحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم عام 1959، قتل بشكل غامض في السجن عام 1973.

أما علي صالح السعدي فلقد تم نفيه إلى إسبانيا عام 1963 ثم مات مقتولاً عام 1979.

هناك العديد من الشخصيات التي تم إعدامها أو التخلص منها بطريقة دموية كانت في الغالب هي طريقة صدام حسين في التعامل مع المختلفين معه ومن هؤلاء من هو بعثي، بل وقيادي داخل حزب البعث مثل غانم عبدالجليل وزير التعليم العالي، محمد محجوب وزير التربية، محمد عايش وزير الصناعة وعدنان حسين الحمداني، وهؤلاء أعدموا في يوم واحد هو يوم 8/8/1979 أي بعد ثلاثة أسابيع من استلام صدام للسلطة بشكل رسمي من (قريبه) أحمد حسن البكر، هذا فضلاً عن إعدامه 56 بعثياً في نفس اليوم (8/8/1979).

أما غير البعثيين، وخاصة من الشيوعيين والناصريين والأكراد والإسلاميين _ خاصة أعضاء حزب الدعوة الإسلامي _ فلقد تجاوزوا الألوف، ونرفق فقط على سبيل المثال مجموعة من الوثائق المهمة التي تمثل صوراً ضوئية لأوامر المخابرات العراقية لمطاردة أعضاء حزب الدعوة الإسلامي وغيره من القوى المعارضة، وذلك في الوثائق أرقام 1_2_3_4 المرفقة في نهاية البحث، كذلك نرفق قائمة بأبرز القادة الإسلامين _ من السنة والشيعة _ الذين تم إعدامهم وتصفيتهم جسدياً بعد وصول (صدام حسين) للسلطة مباشرة، وهي مرفقة في الوثيقة رقم (5).

أما الوثيقة رقم (6) فتقدم قائمة بأبرز المساجد والحسينيات التي تم إزالتها أو إغلاقها أو تحويلها إلى مقاهٍ، وذلك بعد وصول صدام حسين للسلطة عام 1979، والذي تزامن تاريخياً مع اندلاع أكبر ثورات عالمنا المعاصر، وأكثرها إثارة للمشاعر الإسلامية الصادقة، الثورة الإسلامية بإيران.

إن صدام رأى أن إعدام القادة الدينيين لا قيمة له دونما اقتلاع (المكان) الذي منه يمتد وينمو المعين الفكري (الإسلامي) الذي استند إليه هؤلاء القادة تاريخياً (المسجد).. وقد كان!!

ولقد اتّبع (صدام) كل هذه الإجراءات، وأشعل حرباً ضروساً مع الجار الإسلامي إيران يوم 22/9/1980 والتي كان من نتيجتها تكبيد العراق 250 ألف قتيل و150 ألف أسير، ولقد دخل العراق الحرب ورصيده الاحتياطي 35 مليار دولار، وخرج من الحرب وديونه 58 مليار دولار، هذا وبعد انتهاء الحرب تم تصفية عدد من قادة الجيش العراقي جسدياً؛ خوفاً من قيامهم بانقلابات ضد صدام، ومنهم اللواء حردان التكريتي، ماهر عبدالرشيد وعدنان خيرالله، هذا فضلاً عن عشرات الألوف في السجون بالعراق.

وكانت آخر أعمال صدام حسين هو اجتياحه لدولة الكويت المجاورة يوم 2/8/1990، وذلك لتحقيق العديد من الأهداف، وأيضاً لأسباب عديدة، وهو عمل أثار انتباه العالم ووضع صدام حسين الرجل القوي ببغداد، الرجل الذي استطاع التغلب بقوة على كل خصومه بدءاً بعمه وانتهاءً بأسرة الصباح اللهم إلا إذا استثنينا من هذا (إيران) لأنه كان يحارب _ مع الأسف _ حرباً خاسرة، فلقد كان يحارب (ثورة)، و(إسلاماً) معاً، وليس قطعان من البعثيين أو الأمراء والشيوخ.

ثانياً: ماذا فعل صدام بالإسلاميين؛ شهادة ووقائع

وردت هذه الشهادة الخطيرة لإحدى المجاهدات عما قام به صدام تجاه الإسلاميين قبل اغتيال الشهيد باقر الصدر في مجلة المختار الإسلامي[24] ونحن ننشرها كاملة لخطورة وأهمية ما بها من معلومات:

في شهر أبريل 1980 وصلتُ إلى قراري الحاسم بترك عراق البعث الصدامي، هذا القرار الذي ظل يحاضرني عاماً بأكمله منذ انبثاق يثرب الجديدة على أرض سلمان الفارسي، الذي ولد الفرح العارم في قلوب من أراد الله أن يضلهم ويجعل صدورهم ضيّقة حرجة كأنما يصعّدون في السماء، كانت التراكمات كثيرة مكثّفة منهمرة كالمطر النجس، لكن الحدث المباشر كان إعدام الإمام الشهيد العلامة آية الله محمدباقر الصدر وشقيقته الأديبة المجاهدة الآنسة آمنة بنت الهدى، كان الحدث قد ردّدته الأفواه البغدادية في لمح البصر آخذاً أشكالاً عديدة من الروايات، فمن قائل: إن الإمام وشقيقته وأمه وأولاده تم إبادتهم جميعاً رمياً بالرصاص، إلى قائل بأن بيتهم بالنجف الأشرف قد حفر حوله خندق غائر لحصار المنزل حصاراً تاماً حيث تم نقلهم ليلاً إلى بغداد ومن ثم إلى حيث نفّذ الإعدام، ولكن الرواية التي تأكدت أن الإمام قد تم استدعاؤه لمقابلة صدام حسين الذي ساومه بين القتل أو إدانة الثورة الإسلامية، حيث لم يتردد الإمام في اختيار الموت الذي كان قد توضّأ استعداداً له قبل ترك بيته مصاحباً رجال الأمن وسأله صدام: أي أسلوب من القتل تريد؟

فقال الإمام: أن أذبح كما ذبح الحسين. ولكن صدام أمر بأن يموت رمياً بالرصاص، وخلع الإمام الجليل عمامته السوداء مجابهاً رصاص الجلاد المحترف، لكن يد الجلاد اهتزت ولم تستطع إطلاق الرصاص، فتم تكليف جلاد ثان، ولكن يده اهتزت كذلك.. مما اضطر صدام إلى أن ينهرهم ويقوم هو بنفسه بإطلاق الرصاص وقتل الإمام الشهيد، وبعد يومين استدعيت الآنسة آمنة بنت الهدى شقيقة الإمام الشهيد بحجة أن شقيقها يريدها، حيث تم تنفيذ حكم الإعدام بها بعد إجراءات تنكيل وحشية جعلتهم يترددون في تسليم جثتها بعد استشهادها.

هذا جزء من شهادة طويلة قدمت للمختار الإسلامي، الذي يحتفظ حالياً بأصلها، من مصدر خاص به.

وقد بات واضحاً _ رغم التعتيم الإعلامي في كل أنحاء العالم _ أن بحراً من الدم يسيل في شوارع العراق حتى اضطر صدام نفسه إلى الاعتراف مؤخراً _ لمجلة المستقبل _ بأن هناك عمليات إعدام تجري لبعض مئات من الخونة!! وذلك لحماية الثورة!!

ونظام البعث الحاكم في العراق كان يدرك طبيعة المرحلة التي يمر بها، يدرك أنه جزء لا يتجزأ من بدائل الإسلام التي فرضت على أمتنا ضمن عملية تفاعلات تاريخية وسياسية وفكرية جرت على أرض الوطن الإسلامي منذ قرن وحتى الآن. وهو يستشعر كما يستشعر الآخرون من أمثاله أن فشلهم المتواصل في الحفاظ على استقلال الوطن ونهضة الأمة لن يؤدي إلا إلى تدافع الجماهير نحو دينها وانتمائها الحقيقي من أجل تغيير ثوري كامل للأنظمة الطاغوتية التي تسيطر على مقدّراتها. وهكذا ومن أجل إجهاض حركة الجماهير مارس النظام الصدامي الطاغوتي أقسى وأشرس أنواع التسلط ضد الأمة.

في عام 1972 تم اعتقال المئات من الدعاة المسلمين، وقُدّموا إلى محاكم السلطة بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، وقبلهم بقليل اعتقل النظام عدداً من علماء الدين من السنة.

في عام 73 تم إعدام الداعية المجاهد الشهيد (أبي عصام) تحت التعذيب.

في عام 74 اعتقل 75 داعية من المسلمين ثم أصدرت محكمة البعث المجرم حكماً بالإعدام على خمسة منهم على رأسهم الشيخ عارف البصري.

في عام 75 عادت موجات الاعتقال بين المسلمين مرة أخرى.

بعد انتفاضة رجب عام 1399ق (1979) اعتقل ما يقارب من ثمانية آلاف من الدعاة وآلاف أخرى من الشباب المؤمن وصدرت أحكام بحق 1200 منهم بالسجن، أعدم منهم 86 شهيداً. ثم توالت الإعدامات والاعتقالات.. .

وفي نيسان أبريل 1980 أصدرت سلطة صدام قانوناً ينزل عقوبة الإعدام بكل من انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية أو روّج أفكاره أو سهّل مهمته، وقد ترتّب على إصدار القانون إعدام أكثر من 500 مجاهد ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية.

تقول الشهادة التي وصلت لـ(المختار الإسلامي) عن العامين الأخيرين في العراق قبل اغتيال الصدر: (في 8/8/79 تساقطت 21 رأساً تضمنت كل الرؤوس اللامعة في الحكم والحزب من شركاء وأصدقاء صدام حسين السابقين، وقال شاه العراق بعدها: والله لو وقفت زوجتي وأبنائي في طريق ما أريد لأذبتهم في حامض الكبريت).

وبداية من ذلك التاريخ سيطر صدام على كل مفاتيح السلطة في الحكم والحزب، لم يحزن الشعب العراقي على قتلى 8/8/79 لكنه توتّر، كان لسان حاله هو: أن الله قد جعل بأسهم بينهم، وأن القاتل ليس بأفضل من المقتول والمقتول ليس بأفضل من القاتل، ولكن التوتر كان ناشئاً من الإحساس بأن الدم قد عاد والمجازر قد بدأت تتسع من جديد.

وانتشرت في شوارع بغداد ظاهرة ثياب الحداد الأسود، وتزايدت متصاعدة مع الشهور التالية عقب أغسطس، حتى وصلت المذابح ذروتها اللامعقولة في أبريل 1980 الذي تم فيه إعدام الإمام الصدر وشقيقته. كنت _ والقول لصاحبة الشهادة المنشورة بالمختار الإسلامي _ طيلة تلك الشهور قبل أبريل أسمع عن الإعدامات الجماعية التي كان يساق لها الشباب المسلم 300 _ 400 شاب يومياً. وكنت أسير في بغداد أكاد أشم الدم وأحس مذاقه في حلقي وأنا أبتلع ريقي، وعندما كلّت أجهزة الإعدام وجدوا طريقة أوفر لهم في الجهد، وهي دسّ نوع من السم البطيء في مشروب من اللبن يتناوله العراقيون، وكل من يتم اعتقاله بتهمة الإسلام أو التعاطف مع الثورة الإسلامية يجبر على شرب اللبن المسموم ثم يطلق سراحه ويعود إلى أهله يموت في اليوم الثالث، وتقع مسؤولية دفنه على أهله. وكان الشعب العراقي يعرف أن الإعدامات الجماعية هذه صارت شيئاً اعتيادياً وروتينياً تندهش لو عاد سليماً؛ لأنها تحتسبه عند الله تعالى لحظة أن يذهب مع رجال الأمن.

وعلى غير ما توقّع صدام أذكت الإعدامات المتواصلة التأجّج الثوري في صدور الشباب المسلم.

وفي كلية العلوم بجامعة المستنصرية كان ثلة من الطلاب ينتظر لاستقبال الوزير طارق عزيز ومجموعة من زمرة صدام حسين، وعندما تهيأ الوزير للنزول من سيارته ألقى الطالب سمير نور عليه قنبلة قاصداً قتل الوزير انتقاماً للمجازر اليومية، لكن الوزير لم يصب إلا بإصابات طفيفة وأصابه الهلع الذي جعله يجري في طرقات الجامعة لا يلوي على شيء. تولّى الحرس إطلاق الرصاص على الطالب فأردي شهيداً لفوره، ولما علم صدام بالخبر أصدر أوامره فوراً لفرقة من عسكره بالتوجه إلى بيت الطالب في شارع فلسطين القريب من الجامعة لنسفه بمن فيه من أهله وضيوفه وحيواناته ودواجنه!

الذين يعرفون سمير نور قالوا عنه: كان شاباً رسالياً، وكان ملتزماً بقيام الليل وتلاوة القرآن والأدعية.. . ترك وصية تقول: إخوتي وإخواني في الجهاد، أنا في انتظاركم بجوار سيد الشهداء وأبي الأحرار الحسين، فكونوا في خطاي كي تلحقوا بقافلة الشهادة.

(وقبل فترة قصيرة من إعلان صدام الحرب على الجمهورية الإسلامية في إيران سبتمبر 1980 بدأت في العراق أغرب عملية تفتيش يمكن أن تتم في دنيا الربع الأخير من القرن العشرين، فقد أصدر صدام أمراً إلى الشعب العراقي يطلب فيه أن يثبت أنه عراقي. وعلى ذلك طردت عشرات الألوف من العائلات العراقية العربية المسلمة خارج العراق، فكيف حدث هذا؟

من المعروف أن قانون الجنسية العراقي قد صدر عام 1932م ليحل محل ما كان يسمى (رعية عثمانية) و(تبعية إيرانية) من أبناء الشعب العراقي الذين فضّل بعضهم قبل زوال الدولة العثمانية أن يختار التبعية الإيرانية، ربما خوفاً من تجنيد أبنائه، وعندما جاء قانون الجنسية العراقية دخل تحته الجميع من (رعية عثمانية) أو (تبعية إيرانية) على حد سواء. وبعد هذه السنوات الطويلة والتي مات فيها أصلاً من فضّل التبعية الإيرانية أو الرعية العثمانية وبعد أن ولد أكثر من جيل لا يحمل ولا يعرف إلا الجنسية العراقية يجيء صدام ويعلن حرباً على الشعب العراقي لا هوادة فيها يتمها بطرد كل من يثبت أنه عراقي الجنسية من تبعية إيرانية، يخرجه من داره بالقوة هو وعائلته من الجد حتى الحفيد ويتم شحنهم في سيارات مكشوفة في ظلمة الليالي الباردة ثم يرمي بهم خارج الحدود في العراء بلا غطاء أو طعام أو نقود.

وهكذا وجد الشعب العراقي نفسه تحت وابل من إجراءات إعدام جديدة لا تطاح فيها الرؤوس إلى الموت، ولكن يطاح فيها البيت والعمل والمال وحق المواطنة والكيان الإنساني بأكمله، يطاح إلى خارج حدود الوطن، وصدام أثناء هذه كله كان يطلّ علينا من التلفزيون يضحك ضحك دراكولا مصّاص الدماء).

انتهت الشهادة.. . المأساة ولا تعليق!!

المحور الثالث: استشهاد الإمام باقر الصدر

أولاً: لحظة الاستشهاد؛ المعنى والرسالة

تذكر الوقائع التاريخية المتاحة أن ثمة كلمات أخيرة، وحوار أخير جرى بين (الإمام) وأتباع الطاغية، وأن هذه الكلمات كانت أبلغ رسالة وأعظم معنى من الممكن أن يقال لكل طغاة العالم المعاصرين: إن الإمام قال بعد أن قرروا قتله: (إنني صمّمت على الشهادة..) آخر كلمات الإمام الشهيد باقر الصدر، وهو ملطّخ بالدماء الزكية، مكبّل بالأغلال الحديدية، في مواجهة النظام البعثي. وقف الإمام متحدياً شامخاً مبتسماً واثقاً أمام جيش الكفرة المهتز والمرتعش خوفاً.. ورغم أهوال التعذيب فقد ازداد إشراقاً ونوراً في دياجي الظلم والطغيان البعثي.. وقف شامخاً في مواجهة الأقزام المأجورين الذين يحاولون مساومته بالتراجع عن مواقفه للإفراج عنه، ووضع ما يريد تحت تصرفه، إضافة إلى أنه سيكون موضع اهتمام الدولة ورعايتها.

ولكن الإمام الصدر يبتسم ساخراً.. فيصرخون في هستيريا: فلتتبرأ إذن من الإمام الخميني. فيردّ واثقاً: (بل ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام) وتزداد صرخاتهم: فلتصدر فتوى بتحريم الانضمام إلى حزب الدعوة. فيردّ (بل إن حزب الدعوة هو أمل الأمة). وفي هياج غريب يقولون للإمام: حياتك معلقة الآن بكلمة وهي رفع الفتوى التي أصدرتها بتحريم الانتماء لحزب البعث. وبشجاعة نادرة وإباء وبكلمات واضحة المقاطع واثقة المخارج يعلن الإمام: (من ينضمّ لحزب البعث كافر.. كافر.. كافر.. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. اللهم إني رضيت بك رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً) فيصرخ صدام في جنوده: أطلقوا عليه الرصاص.. مزّقوا كلماته فيحمل أحد العسكر المسدّس ويصوّبه إلى وجه الإمام المنير المشرق والذي لم يهتزّ بل ازداد ثقة هزّة المسدس في يد الجلاد، فركله صدام، وصرخ في آخر فلم يستطع إطلاق الرصاص، فأطلق عليهما صدام الرصاص وقتلهما. وأمر ثالث فارتعشت يداه فقتله صدام أيضاً. وصرخ في الجلاد الرابع: اقتله و إلا قتلتك.. فقال الإمام الصدر للجلاد: لا تتردّد يا بني.. فسقط الجلاد من الهلع. وعند هذا الحد من الخوف أخرج صدام مسدسه وأطلق عدة مجموعات من الرصاص على وجه الإمام الصدر المبارك، أي أن (الطاغية) قد قتل بنفسه (الإمام) ولكن معاني استشهاده لم تقتل أبداً.

هذا وتذكر وقائع التاريخ أنه في منتصف ليلة الأحد 20 جمادى الأولى عام 1400ق الموافق 5 أبريل 1980 قامت قوات البعث المسلحة بمداهمة بيت الشهيد الصدر وطلبوا منه أن يحضر معهم لأمر هام.. وكانت الشهيدة المجاهدة (بنت الهدى) أخت الإمام واقفة عند أخيها وقد أصابها إحساس بأن أخاها لن يعود بعد الآن.. وما إن خرجوا حتى جاء أحد الزبانية ليخبرها بأن السيد أبا جعفر يريد أن يراها وقال لها: (تفضلي معنا).. .

وعند ذلك تأملت وتمعّنت كثيراً في معنى استدعائها.. فالأمر إذن مدروس.. وستخرج ولن تعود.. فلتودّع بيتها ومحرابها ومدرستها.. .

وكان سبب استدعاء بنت الهدى واضحاً ومعروفاً، فالسلطات البعثية لم تنس يوم انتفاضة رجب، عندما تم اعتقال الإمام محمدباقر الصدر عند إطلالة فجر السادس عشر من شهر رجب 1399ق فقد طوقت سلطات الأمن منطقة (العمارة) _ وهي الحارة التي يقع فيها دار الإمام بالنجف _ ودخل البيت أكثر من مائتي عنصر من عناصر الأمن والمخابرات، وعندما وقفوا أمام الباب تحيروا كيف يطرقون الباب وما هو عذرهم، ودقّ مدير الأمن (أبوسعد) باب الدار فخرج لهم سماحة الشهيد قائلاً: ماذا تبغون؟ وما الذي جاء بك إلينا في هذا الوقت يا أباسعد؟

فأجاب في رهبة: نريدك يا أباجعفر وستعود بعد فترة قصيرة، فردّت بنت الهدى من خلف الباب: جئتنا في هذا الفجر، حسبت أن أهل النجف نائمون؟؟ لا يا أبا سعد إنك على خطأ كبير.. وماذا يريد هذا الجيش من الرجال، يكفي أن تأتي ومعك شخص أو شخصين لتأخذوا أخي، ماذا يخيفكم؟؟ وماذا وجدتم في بيتنا؟؟ هل وجدتم أسلحة ومتفجرات؟

ولم يستطع أبوسعد أن يردّ، واصطحب الإمام الشهيد إلى خارج الدار، فتبعته أخته بنت الهدى وزوجته، فالتفت مدير الأمن إليهن قائلاً: ارجعي نحن نريد أباجعفر فقط.. فوقف الشهيد الصدر وقال لأخته: ارجعي يا أختاه، فأجابته: لا أريد أن أعود يا أخي، أريد أن أرافقك كما رافقت زينب الإمام الحسين.

وعادت الشهيدة بنت الهدى وهي تصيح في الشارع مكبّرة: الله أكبر.. الله أكبر.. وتصرخ بوجوه بقايا الأمن قائلة: أما راجعتم أنفسكم؟ ووقفتم مع أعمالكم؟ متى تستيقظ ضمائركم؟؟ لماذا هذا الذل الذي تعيشون؟ أفيقوا من سباتكم.!! كفاكم استجابة للطواغيت والكفرة!

ثم اتجهت إلى الحرم العلوي الشريف صائحة: الله أكبر.. الله أكبر، أين أنتم يا أهل النجف.. انهضوا.. أفيقوا يا رجال علي. انهضوا أيها الغيارى.. يا أبناء علي.. يا أبناء الإسلام.. لقد أخذ مرجعكم لقد أخذ السيد الصدر.. .

وما إن وصلت إلى حرم جدها أميرالمؤمنين علي حتى استنجدت قائلة: (يا جداه، يا أباالحسن.. إليك نشكوا مصابنا من هؤلاء الكفرة.. الذين هتكوا الحرمات وها هم قد اعتدوا على إمام الأمة).. وقامت تحرّض الناس الذين اهتزوا لندائها وكلامها وأخذت تثيرهم وتحمّسهم للعمل على استنكار الأعمال الإجرامية للسلطة الكافرة.. وعندئذ خرجت جماهير النجف في مظاهرات صاخبة وتعطّلت الأسواق والمصالح، ثم سرت نداءات بنت الهدى إلى باقي مدن العراق، فخرجت الجماهير في مظاهرات عارمة تطالب بالإفراج عن الإمام.. مما اضطر السلطات البعثية أن تطلق سراحه.

إن طلب قوات الأمن لبنت الهدى كان مخططاً ومدروساً لمعرفتهم بشجاعتها وقوتها وبلاغتها في تحريك الجماهير؛ لذلك أرادوا أن يسكتوا اللسان الطاهر الرطب بذكر الله حتى لا يثير عليهم جماهير الشعب العراقي، خصوصاً وأن النية متجهة لقتل الإمام الصدر تلبية لأوامر عليا داخلية وخارجية كانت تعلم طبيعة علاقة الإمام بالثورة الإسلامية في إيران.

وفي الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الأربعاء 23 جمادى الأولى جاء رجال الأمن في ثلاث سيارات إلى دار أحد العلماء البارزين من أسرة الصدر وأخذوه معهم إلى مقبرة دارالسلام؛ وفي الطريق وبعد إطلاق التهديدات أبلغوه أن جثمان الشهيد الصدر وشقيقته بنت الهدى معهم في السيارة.

وفي المقبرة جيء بأحد الحفارين حيث أجروا بعد ذلك مراسم الدفن، وقد عرف بعد ذلك من أحد العاملين في المقبرة أن آثار تعذيب ودماء كثيرة واضحة كانت بادية على جسد الشهيد والشهيدة بنت الهدى، وأن لحيته الكريمة كانت محترقة وتبدو آثار الحرق واضحة على شعر رأس الشهيدة، وأن معاصمهما وأقدامهما كانت دامية.. .

وقد دفن الشهيد الصدر ملطّخاً بدمائه بلا تشييع في ليل مظلم في مقبرة وادي السلام يحمل قيده الحديدي معه إلى قبره.[25]

وبعد: لقد رحل الإمام الشهيد بجسده، ولكن رسالته لا زالت باقية، باقية في جهاده ضد رمز الباطل مهما ضلّلنا بأكاذيبه وادّعاءاته عن الحصار الظالم على الشعب، وليس عليه هو بل هو الذي تسبّب فيه ولا يزال، فهذا الطاغية هو الوجه الآخر للطاغية الأميركي والذي يحاصر ويقتل أبناء العراق وكلاهما مجرم، لقد كان الشهيد الإمام ضدهما معاً، واليوم ينبغي أن نكون نحن أيضاً ضدهما معاً، ففي هذا إحياء حقيقي لرسالة الإمام ولجهاده.

ثانياً: الإمام يتنبأ بلحظة الاستشهاد

كأن الإمام الصدر يشعر بموعد لقاء ربه، ففي آخر درس ألقاه يوم الأربعاء 5 رجب 1399ق وفي وضع جماهيري متأجج وحكومي إرهابي تنبأ السيد الشهيد في آخر محاضرة له بدنوّ أجله فقال: (أبي لم يعش في الحياة أكثر مما عشت حتى الآن. أخي لم يعش في الحياة أكثر مما عشت حتى الآن، أنا الآن استوفيتُ هذا العمر، من المعقول جداً أن أموت في السن التي مات فيها أبي، من المعقول جداً أن أموت في السن التي مات فيها أخي..).

وأمام هذه التحديات أقدمت سلطات البعث على اعتقال الإمام الشهيد في حزيران سنة 1979/ رجب 1399 إلا أن المظاهرات التي خرجت من كل أنحاء العراق وقادتها من النجف الشهيدة بنت الهدى، والتي كانت تردد على مسمع من جلاوزة صدام: (بالروح وبالدم نفديك يا إمام) ولم يفلح الرصاص في إسكات الجماهير، ولم تستطع المعتقلات التي التهمت الآلاف إسكاتهم، مما دفع السلطات البعثية إلى إطلاق سراح الإمام للتفكير في خطة أخرى للقضاء عليه.

وبعد الإفراج عن الإمام الشهيد ثار جدل بين محبيه وطلابه ومؤيديه؛ لأنهم شعروا أن النظام يدبّر أمراً في ليل ضد إمامهم، فاقترح البعض مغادرة الإمام الشهيد للنجف والإقامة في مكان بعيد لقيادة الثورة أسوة بالإمام الخميني، وذلك للمحافظة على القيادة، ووصلت هذه الأخبار إلى إيران فأرسل الإمام الخميني برقية إلى الشهيد الصدر يطالبه فيها بعدم الهجرة من العراق لحاجة الحوزة العلمية والأمة الإسلامية إليه هناك. وهذا نص البرقية:

سماحة حجة الإسلام والمسلمين الحاج السيد محمدباقر الصدر دامت بركاته: علمنا أن سماحتكم تعتزمون مغادرة العراق بسبب بعض الحوادث. إنني لا أرى من الصالح مغادرتكم مدينة النجف الأشرف مركز العلوم الإسلامية، وإنني قلق من هذا الأمر، آمل إن شاء الله إزالة قلق سماحتكم.[26]

وقد كان رد السيد الشهيد على الإمام القائد هو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى الإمام المجاهد السيد روح الله الخميني: تلقّيت برقيتكم الكريمة التي جسّدت أبوّتكم ورعايتكم الروحية للنجف الأشرف الذي لا يزال منذ فارقكم يعيش انتصاراتكم العظيمة. وإني أستمد من توجيهكم الشريف نفحة روحية كما أشعر بعمق المسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي للنجف الأشرف، وأودّ أن أعبّر لكم بهذه المناسبة عن تحيات الملايين من المسلمين والمؤمنين في عراقنا العزيز الذي وجد في نور الإسلام الذي أشرق من جديد على يدكم ضوءاً هادياً للعالم كله وطاقة روحية لضرب المستعمر الكافر والاستعمار الأميركي خاصة، ولتحرير العالم من كل أشكاله الإجرامية وفي مقدمتها جريمة اغتصاب أرضنا المقدسة فلسطين. ونسأل المولى أن يمتّعنا بدوام وجودكم الغالي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخامس من رجب 1399هـ _ النجف الأشرف محمدباقر الصدر.[27]

ثالثاً: رأى الشهيد في الشهيد؛ تأبين الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي للشهيد الصدر

لم نجد لنختم هذا البحث أبلغ من كلمات أخانا وشهيدنا المعلم الدكتور فتحي الشقاقي _ المؤسس والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين _ التي نعى فيها استشهاد الإمام الراحل الشهيد السيد محمدباقر الصدر، وهي كلمات كتبها (الشقاقي) في العدد رقم 12 من مجلة المختار الإسلامي التي كانت ولا تزال تصدر في مصر، كتبها بتاريخ يونيو 1980 بعد استشهاد (الصدر) بشهرين فقط، وكان الشقاقي لحظتها يكتب افتتاحيات (المختار الإسلامي) والعديد من الدراسات بها ويوقّعها باسم حركي هو عزالدين الفارس، وكان لصاحب هذه المجلة المجاهد الحاج حسين عاشور _ أطال الله في عمره وبارك فيه _ الفضل الكبير على (فتحي الشقاقي) ورفاقه من أبناء فلسطين الذين كانوا يدرسون أيامها في جامعات مصر، حين سمح لهم بأن تكون (المختار الإسلامي) هي منبرهم الحر الثائر للتعبير عن إسلامهم ومواقفهم المجاهدة.

إن الشقاقي الذي استشهد يوم 26/10/1995 غريباً في (مالطا) على أيدي الموساد بعد أن قضّ مضاجع اليهود وأسس واحدة من أنبل وأعظم حركاتنا الإسلامية المعاصرة ينعى في هذه السطور الشهيد الصدر، وكأنه ينعى نفسه.. فماذا يقول الشهيد عن الشهيد:

وداعاً باقر الصدر

ما أصعب الكتابة عنك.. ما أصعب أن يكتب البشر الفانون من أمثالي عن الشهداء الخالدين.. ما أصعب أن أكتب عنك يا سيدي، لا أدري أأرثيك.. أرثي لنفسي.. أم أرثي هؤلاء القتلة الطغاة من ثوريّي هذا الزمان وخصيانه في قصور بغداد الحزينة.

في يوم ما، دلّني تعبي عليك.. وجدت كتابيك العظيمين: (اقتصادنا)، (فلسفتنا).. كان تعب جيل بأكمله.. التهمتهما امتلأت ثقة.. طال ظلك.. طالت قامتي.. تعانقنا كما التلميذ في حضرة أستاذ عظيم.. والآن وفي هذه الساعة المتأخرة من هذا الليل يجيء نعيك.. العالم يغطّ في النوم.. بينما أنت تترجّل عبر الأفق يا سيدي فارساً جميلاً وكوكباً تزفّه النجوم.

الأرض ترتعش الآن.. ينهمر الرصاص.. وهذا الأزرق يشتعل.. ودمك الممتد يضيء.. يصبح محراثاً.. منشوراً سرياً.. قنبلة وناراً.

الآن تذهب يا سيدي ليشتعل الحرف بعدك أكثر.. ويتضح الشيء أكثر.. تذهب الآن.. للأرض تعبر.. للبحر تصعد.. تكسر القيد وللحلم تمضي، تدخل في الأزقّة والعروق.. تمتد في جروحي.. امتد في جرحك.. تشتعل الشمس.. تبدأ، نتوحد الآن.. تقترب جمهرة الفقراء.. ونصعد للقدس.. للقمح والماء.. نصعد للمستحيل.

تذهب الآن.. لست وحدك.. تزفّك الأناشيد.. البراكين.. السيدات.. صهيل الخيول.. تزفّك عيون الأطفال واليتامى.. وفي مهرجان استشهادك يجيء الشهداء ويمشي المستضعفون.

والليلة باسمك تنادي الأمة وتغنّي.. ولتلمس يدك يدي ولنمض معاً. آه ما أجمل هذا الموت، ما أبدع هذا الخيار للموت، آه ما أصدقه تعبيراً تراجيدياً تعلن به انتماءك للمستضعفين وللحياة! ما أثقل على القلب سماع نعيك! ولكننا لن نبكي.. لن نبكي بعد اليوم سوى من فرح وعندما يلوح مع الأفق تباشير فجر جديد.. وها هو الفجر قادم.. يزغرد فوق زخّات الرصاص التي اخترقت جسدك الطاهر.. يزغرد ويضيء.

أما أنتم.. أيها الجالسون فوق رقاب أمة الإسلام في بغداد.. أيها القتلة والحمقى وبقايا زمان ولّى.

أيها المسكونون بالعار.. أيها المدجّجون بالسلاح.. الساعات القادمة لي.. أنا المدجّج بالغضب والانفجار.. المسكون بجدل المرحلة.. بالفرح والشهادة.. .

تلك كانت آخر كلمات (الشهيد) عن (الشهيد) كلمات سيد شهداء الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي عن سيد شهداء الجهاد الإسلامي في العراق الشهيد السيد محمدباقر الصدر، وهي في تقديرنا أبلغ من أن يعقّب عليها أو أن يضاف إليها.

رحمهما الله رحمة واسعة ونفعنا بعلمهما وجهادهما.

الوثائق[28]

الوثيقة الأولى

صورة أصلية لأمر سري للمخابرات العراقية بشأن مطاردة شقيق أحد الضباط العراقيين المنتسبين لحزب الدعوة الإسلامية المعارض:

بسم الله الرحمن الرحيم

سري للغاية

مقر

جحفل لواء المشاة الحادي والتسعين الاستخبارات

الرقم/اس/2/386

التاريخ 17/3/1983

إلى القائمة (ب..)

الموضوع/ بيان انتساب

كتاب مديرية الاستخبارات العسكرية العامه السري للغاية م2/ش4/ق2/26310 في 6 آذار/ 1983 المبلغ بكتاب قيادة الفيلق الأول السري للغاية 1171 في 9 آذار 1983 والمبلَّغ إلينا بكتاب قيادة قاطع أربيل السري للغاية 2350 في آذار 1983.

  1. توفرت لدينا معلومات عن حـ .م أياد عبدالقادر لديه شقيق المدعو غسان عبدالقادر مانع كباشي أحد عناصر حزب الدعوة الإسلامية العميل.
  2. نرجو بيان انتسابه لوحداتكم وفيحالة انتسابه وضعه تحت المراقبة السرية لحين موعد تسريحه.
  3. تزويدنا والمديرية أعلاه بتقارير دورية وإعلامنا.

المقدم الركن

علي عباس فليح

ع/آمر جحفل لواء المشاة

الحادي والتسعين.

سري للغاية.

الوثيقة الثانية

صورة أصلية لمعاقبة أهالي المعاقبين حزبياً رغم أن الأهالي لا ذنب لهم في جريرة أبناءهم، هذا مع افتراض أن لهم جريرة:

حزب البعث العربي الاشتراكي أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة

المكتب العسكري

الرقم/ع/78/77551

التاريخ/14/8/1981

قررت القيادة القطرية بجلستها المنعقدة بتاريخ 11/8/1981 اعتماد الضوابط التالية بشأن التعامل مع ذوي المعاقبين حزبيا وقانونياً _

أولاً / هناك عناصر تعاقب أو عوقبت سابقاً وهم ليسوا حزبيين في حزب البعث العربي الاشتراكي، وهناك عناصر تعاقب أو سبق معاقبتها وهي كانت ضمن تنظيمات الحزب أو من غير الحزبيين هي/

أ _ غير الحزبيين/

  1. العناصر التي عوقبت أو ستعاقب فيالمستقبل بسبب تجسس لصالح جهة أجنبية.
  2. العناصر التي عوقبت أو التي ستعاقب بسبب التآمر على سلامة الثورة والحزب.

ب _ الحزبيون/

  1. العناصر التي عوقبت وفصلت من الحزب والتي ستعاقب مستقبلاً بسبب التجسس لصالح جهة أجنبية أو الاندساس لصالح حركة سياسية معادية.
  2. العناصر التي فصلت أو ستفصل مستقبلاً بسبب فعل تآمري على الحزب والثورة.
  3. العناصر التي فصلت والتي ستفصل بسبب نشاط تكتلي ذو طابع تخريبي وانشقاقي.
  4. العناصر المنشقّة عن الحزب أي العناصر التي لا زالت تعمل ضمن تنظيم منشقّ عن الحزب ومضاد له رغم صدور قرار بفصلها سواء كانوا سابقاً ضمن تنظيمات الحزب أو لميكونوا أصلاً ضمن تنظيمات الحزب.

ثانياً / الإجراءات القانونية أو الحزبية والإدارية وإلى درجة من القوس يشمل بمهمة ذوي المعاقبين الواردة في أولاً وفصل المرتبطون بالحزب منهم.

أ_ إخوة المعاقبين.

ب _ أخوات المعاقبين.

جـ _ أبناء المعاقب (بنين وبنات).

د _ أبناء الأخ.

هـ _ زوجة المعاقب.

و _ نساء المحكومين بالإعدام وأبناء الأخت أو الأعمام أو الخوال يتخذون كمؤثر لتقرير الحالة والتأثير التبادلي من المحكوم والمعدومين وفق ما تقدره.

ز _ إذا أومأت المنظمة الراسية بالمحافظة إجراء باستثناء من الحالات الوارده من أولى داخل فعليها أن تقدم تقريراً خطياً إلى القيادة تبيّن مبرراتها باستثناء الحالة.

ثالثاً الممنوع لذوي المعاقبين/ الوارد مستوى ارتباطهم (العائلي) في ثانياً أعلاه هي/

أ_ يمنع تنظيمهم في الحزب وفصل المرتبطون منهم بالحزب حالياً.

ب _ عدم قبولهم في الكليات والمعاهد والمدارس ذات العلاقة بالقوات المسلحة بما في ذلك المخابرات و أجهزة الأمن الداخلي.

جـ _ عدم قبولهم في الكليات والمعاهد المقرر غلقها للحزب والحزبيين فقط.

د _ الزمالات والدراسات العليا خارج القطر.

هـ _ عدم توظيفهم في المراكز الحساسة وإبعاد الموجودين منهم حالياً وهي:

  1. المؤسسة الإعلامية الثقافية.
  2. الطيارين ومؤسسة الطيران.
  3. وظائف أمانة سر القطر وأمانة مجلس قيادة الثورة والمكاتب التابعة لمجلس قيادة الثورة برئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء.

و _ عدم توظيفهم في النقابات العراقية خارج القطر.

الوثيقة الثالثة

صورة أصلية من أمر رسمي موجه لاتحاد الطلبة العراقي بالخارج بهدف العمل في التجسس وجمع المعلومات عن كل معارضي حزب البعث في الخارج سواء من الشيوعيين أو من حزب الدعوة أو الحركة الكردية

الاتحاد الوطني لطلبة العراق

National Union of Iraqi Students

الرقم: 21/1

التاريخ: 22/8/1983

الوحدة:

إلى / كافة الوحدات الاتحادية

نهديكم أطيب تحياتنا:

نطلب منكم القيام بإعداد قوائم بأسماء الطلاب العراقيين المتواجدين بالمدن البريطانية.

غازي ياسين ناصر

رئيس الهيئة الإدارية

نسخة/

سلسلة الكتب الصادرة

مسؤولي المناطق/ للمتابعة لطفاً

الوثيقة الرابعة

قرار رسمي بمطاردة أهالي المعتقلين من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية

نص الأمر الوزاري

تنفيذاً لقرار مجلس قيادة الثورة المرقم (1664) والمؤرخ في 1/12/1979 تقرر فصل المدرّسات المدرجة أسماؤهن وعناوين وظائفهن أدناه من الخدمة لمدة سنتين اعتباراً من تاريخه أعلاه _

الاسم العنوان الوظيفي
١. أحمد علي مدرسة إعداد المأمون للبنات/ المديرية العامة _ لتربية محافظة بغداد/ الكرخ.
٢. نجية خضر جدوع مدرسة إعدادية المأمون للبنات/المديرية العامة _ لتربية محافظة بغداد/الكرخ.
٣. فوزية عبدالرزاق حسن مدرسة إعدادية المأمون للبنات/ المديرية العامة _ لتربية محافظة بغداد/ الكرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمهورية العراقية

المديرية العامة العربية محافظة كربلاء

الشعبة: ذاتية الإدارة                                                                  (العلم غنى والجهل فقر)

العدد: 11/1/26212

التاريخ: 19/12/1979

إلى/ إدارات المدارس في المحافظة كافة

م/فصل مدرسات

ننقل لكم أعلاه في الأمر الوزاري الصادر عن المديرية العامة للتعليم الثانوي _ الشؤون الإدارية _ لذاتية الثانوي _ الرقم (73212 في 8/12/1979) والمتضمن فصل مدرسات بسبب زيارتهن لمُدَرسة في المدرسة نفسها للقيام بتعزيتها بعد إعدام ولديها القائمين بأعمال تخريبية ضد أمن الدولة راجين إطلاع منتسبيكم على مضمونه لطفاً.

عبدالكريم أحمد حسن

م/المدير العام

نسخة منه -/-/-/

شعب المديرية كافة/ لنفس الغرض أعلاه لطفاً.

ذاتية الإدارة.

لجنة المتابعة.

الملف الدوّار.

محمد سوادي 18_12

الوثيقة الخامسة

قائمة بأسماء بعض علماء الدين المسلمين الذين أعدموا في العراق

الاسم واللقب تاريخ الإعدام
محمدباقر الصدر 8 نيسان 1980
قاسم شبر العالم 2 تموز 1979
محمد طاهر الحيدري 6 تموز 1970
مهدي السماوي 6 تموز 1979
عارف البصري 6 تموز 1979
حسين معن المجاهد 17 آذار 1980
قاسم المبرقع 1979
عبدالجبار البصري 1 تموز 1979
عزالدين القبانجي 1 تموز 1979
عبدالرحمن الياسري 29 آذار 1980
عمادالدين الطباطبائي  
خزعل السوداني 4 تموز 1979
عبدالجليل مال الله 2 آذار 1980
عبدالعزيز البدري  
محمد علي مسلم الجابري أب 1979
عباس حسين طاهر الشوكي 28 حزيران 1979
جاسم محمود المبرقع 21 تموز 1979
عبدالجبار الموسوي 1979
عبدالخالق صالح العوادي 4 تموز 1979
عباس فاضل التركماني 5 إيلول 1979
إبراهيم حمودي قنبر 1979
صلاح الرفاعي  
قاسم هادي ضياف 2 آذار 1980
عبدالأمير الساعدي 5 تموز 1980
محمود حسن الكعبي 12 كانون الأول 1979
فرحان علي البغدادي 1980
ناصر مزهر الغازي 17 كانون الأول 1980
زيد الموسوي  
نجاح حبيب الموسوي 1 تموز 1979
صادق الكربلائي  
طاهر أبو رغيف  
حسن الشيرازي 1980
عبدالصاحب محسن الحكيم حزيران 1983
علاءالدين محسن الحكيم حزيران 1983
محمد حسين محسن الحكيم حزيران 1983
كامل يوسف الحكيم حزيران 1983
عبدالوهاب يوسف الحكيم حزيران 1983
بنت الهدى الصدر 8 نيسان 1980
محمد تقي جلالي 1981
شريف صخر الجابري 1980
حسوني عبدالمنعم  
صالح هادي الحسناوي 21 شباط 1980
صادق حسن اليعقوبي  
سالم البغدادي  
أحمد فرج البغدادي  
حسين مشكور الحلو 1980
محمد سجاد اليوسفي 1981
عباس الحلو 1983

الوثيقة السادسة

قائمة بأسماء بعض المساجد التي أغلقها النظام العراقي

المكان اسم المسجد
النجف الجزائري
البراك
الجواهري
كُمَيل
الكرامة
بغداد الإمام الباقر
سيد الرسل
الإمام الحسين
العسكريين
الهادي
حسينية الهادي
حسينية الزهراء
حسينية التميمي
حسينية المباركة
حسينية الزوية
الرسول
براثا
حسينية الكريمات
حسينية الرسول
حسينية الإسكان
حسينية حي السلام
حسينية الإمام الباقر
ذي قار الرسول _ المسجد الكبير
الغرّاف
ديالى جديدة الشط
المقدادية
حسينية الخويش
بعقوبة
البصرة الفقير
الرحمة
السوق الكبيرة
الكبير
السماوة
بابل الرحمة
الرحمة الهاشمية
القاسم
حسينية الكفل الكبير

 

[1]. كاتب وباحث مصري، مدير مركز (يافا) للدراسات والأبحاث بالقاهرة، نشر له 27 مؤلفاً في قضايا الإسلام والصراع الإسلامي الصهيوني حول فلسطين.

[2]. نظرية العمل السياسي عند الشهيد السيد محمدباقر الصدر، آية الله السيد محمدباقر الحكيم، ص 228_230، مجلة المنهاج ، بيروت ، العدد17، ربيع 1421ق / 2000م.

[3]. البعد الدولي لاغتيال الإمام محمدباقر الصدر، محمد العباسي، ص21 وما بعدها، دار البداية للنشر، القاهرة، 1987.

[4]. الشورى: 38.

[5]. نظرية العمل السياسي عند الشهيد السيد محمدباقر الصدر، ص229.

[6]. فلسفتنا، محمدباقر الصدر، ص334_335، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، طبعة 12، 1982.

[7]. الإسلام يقود الحياة ، محمدباقر الصدر، ص23، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت،1990.

[8]. م. ن، ص18.

[9]. م. ن،  ص23.

[10]. الفكر السياسي والدستوري عند الشهيد السيد محمدباقر الصدر، د. محمد طي، ص357، مجلة المنهاج، بيروت، العدد 17، ربيع 1429ق / 2000م، وكذلك الإسلام يقود الحياة ، محمدباقر الصدر، ص152.

[11]. البقرة: 30_33.

[12]. الأعراف: 69.

[13]. فاطر: 39.

[14]. ص: 26.

[15]. الأحزاب: 72.

[16]. النساء: 41.

[17]. البقرة: 143.

[18]. المائدة: 117.

[19]. النحل: 89.

[20]. الحج: 78.

[21]. آل عمران: 140.

[22]. المائدة: 44.

[23]. الزمر: 69.

[24]. وردت هذه الرواية والشهادة في الدراسة الهامة التي أعدها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي في مجلة المختار الإسلامي ونشرت تحت عنوان (في العراق الإسلام في مواجهة عسكر البعث) في عدد يونيو 1980 ونشرت باسم (عزالدين الفارس وأحمد صادق) وهما اسمان حركيان للشهيد فتحي الشقاقي، عندما كان يدرس في مصر ولأحد أبرز رفاقه الذي لا يزال يعيش بيننا مجاهداً وأستاذاً وعالماً.

[25]. البعد الدولي لاغتيال الإمام باقر الصدر، محمد العباسي، ص10_11، دار البداية، القاهرة، 1987.

[26]. سنوات المحنة وأيام الحصار، الشيخ النعماني، ص 265.

[27]. م. ن.

[28]. هذه الوثائق نقلاً عن أحد كتبنا التي صدرت بعد الغزو العراقي للكويت (1990) وهو كتاب احتوى على عشرات الوثائق التي تدين النظام العراقي في مجال انتهاك حقوق الإنسان، والتي ساعدنا في الحصول عليها بعض قادة المعارضة العراقية والكاتب هو د. رفعت سيد أحمد الجنرال _ دارالكتاب العربي، دمشق، القاهرة، 1992.