دور الزمان والمكان في الاجتهاد لدى الشهيد الصدر محمود زماني

محتويات إخفاء

الشيخ محمود زماني

ترجمة : الشيخ صفاء الخزرجي

مجلّة فقه أهل البيت (ع) / 46

من الفقهاء الذين عنوا بمسألة دور الزمان والمكان في الاجتهاد في تراثهم العلمي بشكل عام هو آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر . ويعتبر كتاب ( اقتصادنا ) من أكثر مؤلّفاته تعرّضاً للمسألة ، وذلك في سياق محاولته لاكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام .

وعلى الرغم من أنّ السمة الاقتصادية هي الغالبة في بحثه ، إلاّ أنّ من الواضح عدم تأطّر البحث بذلك ، وسريانه إلى أبواب الفقه كافّة ، وإن كانت بعضها أكثر حظّاً من غيرها .

أوّلاً ـ مراحل الاجتهاد ومسألة الزمان والمكان :

للاجتهاد مراحل ينبغي التعرّف على ما يقع منها مورداً لتأثير الزمان والمكان . ولا يساعد ذلك على توضيح عنوان البحث فحسب ، بل إنّه ينقّح محلّ النزاع أيضاً والمراحل التي تطويها عملية الاجتهاد للوصول إلى الحكم الشرعي ثلاثة :

المرحلة الاُولى : إعداد العناصر المشتركة

يقوم المجتهد في أُولى خطوات الاستنباط بإعداد العناصر المشتركة الكلّية التي تقع كبرى في قياس استنباط الحكم الشرعي ، أو قل هي ـ كما يعبّر السيد الشهيد ـ مرحلة اكتشاف العناصر المشتركة من أجل ضمّ العناصر الخاصّة إليها لاستنباط الحكم الشرعي . والعلم الذي تقع على

عاتقه هذه الوظيفة هو علم الأُصول ، ولذا يعرّفه السيد الشهيد بأنّه : « العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي »((دروس في علم الأُصول ( الحلقة الأُولى ) : 38; المعالم الجديد للأُصول : 8 .)).

المرحلة الثانية : تطبيق العناصر المشتركة

يفتّش الفقيه في هذه المرحلة عن العناصر الخاصّة ـ صغرى القياس ـ ليطبق عليها العناصر المشتركة والكلّية .

المرحلة الثالثة : تطبيق الحكم الشرعي

يقوم الفقيه هنا بتطبيق نتيجة القياس على الموارد والمصاديق آخذاً بنظر الاعتبار الأوضاع والظروف الاجتماعية والمصالح العامّة ، أي إنّ الفقيه ـ بعبارة ثانية ـ يطبّق في هذه المرحلة الحجّة الشرعية التي توصّل إليها على الموارد والحالات . وعلم الفقه هو المعني بهاتين المرحلتين الأخيرتين ، ولنأخذ مثالاً لتطبيق هذه المراحل عليه : يحاول الفقيه أولاً إثبات حجّية خبر الواحد وحجّية الظهور كقاعدتين عامتين . ثم يطبّق هاتين القاعدتين في المرحلة الثانية على صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه ‏السلام) التي ورد فيها : «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهي لهم»((الفروع من الكافي 5 : 279 ، كتاب المعيشة ـ باب في إحياء أرض الموات ، دار الأضواء ـ بيروت 1405هـ .))، وذلك بعد أن يبحث عن صحة سندها وجهتها ، فتقع هذه الرواية كعنصر خاص للقاعدتين المتقدّمتين باعتبار ظهورها ، وكونها خبراً واحداً ، فتكون بذلك حجّة شرعية لدى الفقيه كي يطبّقها في المرحلة الثالثة على موردها في زمانه وظروفه .

وحيث إنّ تطبيق هذه الحجّة الشرعية ( ملكية المحيي ) في السابق لا يلزم منها أيّ محذور باعتبار محدودية وسائل الإنتاج في الإعمار والإحياء ، فلا شك أنّه يفتي بجواز علمية الإحياء وملكية المحيي ، ولكنّه لا يستطيع في ذلك اليوم مع هذا التقدّم العلمي وتطوّر وسائل الإنتاج

للزوم اختلال النظام والعدالة الاجتماعية ، فيتعيّن عليه دراسة الظروف المحيطة بزمان تطبيق الحجّة الشرعية التي توصّل إليها في المرحلة الثانية .

فيتّضح من ذلك أنّ المراد عند من يقول بتأثير الزمان والمكان في الاجتهاد ، التأثير في المرحلة الثالثة من مراحل استنباط الحكم الشرعي . دون المرحلتين السابقتين ; لأنّ القواعد الكلّيّة والعناصر المشتركة لا تتأثّر بالزمان والمكان ، وكذلك مرحلة التطبيق .

وقد أشار السيد الشهيد في معرض بحثه عن ضرورة التغيير في الرسائل العملية إلى هذه النقطة فقال : « والأحكام الشرعية على الرغم من كونها ثابتة ، قد يختلف تطبيقها تبعاً للظروف من عصر إلى عصر ، فلابدّ لرسالة عمليةتعاصر تغيّراً كبيراً في كثير من الظروف أن تأخذ هذا التغيير بعين الاعتبار في تشخيص الحكم الشرعي »(( الفتاوى الواضحة : 97 .)).

وتنبغي الإشارة إلى عدم حصر القائلين بتأثير الزمان والمكان بمرحلة تطبيق الحكم على مصداقه ، بل يعتبرون ذلك أيضاً في وضع وتعيين الحكم الشرعي أيضاً .

تحرير محلّ النزاع:

قبل الدخول في دراسة الأقوال والأدلّة ينبغي تحرير محلّ البحث ، وإن كان قد عُلم ممّا تقدّم شيء من ذلك إلى حدّ ما ، ولكن ينبغي البحث في أطراف ذلك أكثر;

ليعرف مراد القائلين بتأثير الزمان والمكان في الاجتهاد .

تشترك في عملية الاستنباط جملة أُمور ، فالكتاب والسنّة هما مصدرا الاستنباط ، والقواعد الأُصولية تعين الفقيه ـ كما قلنا ـ على معرفة الحجّة الشرعية ، وتتكفّل طريقة الاستنباط كيفية تطبيق القواعد الأُصولية على مواردها ، ومن ثمّ تطبيق نتيجة ذلك على المصاديق . وهنا يجب التعرّف على أيّ هذه العناصر أكثر تأثّراً بالظروف والأوضاع والمتغيّرات الخارجية ، فالزمان والمكان لا يعدّان من مصادر الاستنباط ، ولا ممّا يؤثّر في عملية الاستنباط حتى لدى من يرى اختصاص الخطابات القرآنية بالحاضرين في مجلس الخطاب ; إذ لا يختلفون بينهم في اشتراك الأحكام بين الحاضرين والمعدومين . وعليه ، فإنّ الكتاب والسنّة مصدران ثابتان في عملية الاستنباط .

وأمّا القواعد الأُصولية فهي ـ كما أسلفنا ـ لا تختص بزمان معيّن ليطرأ عليها التغيير بمرور الوقت ، وكذلك منهج الاستنباط لم يتغيّر عمّا كان أوصى به أهل البيت (عليهم ‏السلام) أصحابهم وإن تطوّر أكثر ، فهذه الأُمور لم تتأثر بتغييرات الزمان والمكان بلا خلاف في ذلك . فلا يبقى سوى الحكم ، فقسم من الأحكام ثابتة لا تتغيّر ، باعتبار عدم تشريعها لمرحلة أو فترة معيّنة كي تنتهي بانتهائها . ولكن السؤال يقع عن موضوعات هذه الأحكام الثابتة ، هل هي ثابتة أيضاً أو يمكن عروض التغيير عليها ويتغيّر الحكم الثابت بتبعها؟ وسؤال آخر عن المساحة المتروكة لولي الأمر ، فهل ثمّة أحكام متروكة لولي الأمر لم يحدّدها الشارع ويحدّدها هو بحسب الأوضاع والظروف والمصالح العامة؟

هاتان نقطتان جديرتان بالدراسة والبحث ، الأُولى في تطبيق الأحكام الثابتة ، والثانية في الأحكام المخوّل فيها ولي الأمر .

ثانياً ـ الأحكام الثابتة والمتغيّرة :

ما تقدّم هو في بيان موضوع البحث والمبادئ التصورية له ، وقد حان لنا الدخول في صلب البحث ، فننقل رأي السيد الشهيد الصدر أوّلاً ثم نتعرّض للأدلّة التي أقامها على ذلك .

المستفاد من كلماته (قدس‏ سره) أنّه يرى للزمان والمكان تأثيراً كبيراً في الأحكام الشرعيّة وفي النظام الاقتصادي ، ولا يقتصر هذا الدور على تطبيق الأحكام ، بل يتعدّاه إلى الأحكام الولائية الخاصّة بولي الأمر .

ولنطرح البحث بصيغة أُخرى ، ثم نتوصّل إلى رأي السيد الشهيد : هل الأحكام الشرعية ثابتة بنحو لا تمسّها يد التغيير بسبب تغيّر الزمان والمكان؟ أو هل إنّها قد شُرِّعت لمقطع زماني خاص ، بحيث إذا تغيّر تغيّرت معه تلك الأحكام؟ أو إنّ بعض الأحكام ثابت وبعضها متغيّر؟

يختار الشهيد الصدر الاحتمال الثالث ويفترض خطوتين لإثباته :

الخطوة الأُولى : إقامة الدليل العقلي على ذلك مع قطع النظر عن الدليل النقلي .

الخطوة الثانية : إقامة الدليل النقلي .

وبعبارة علمية : الخطوة الأُولى في مقام الثبوت ، والثانية في مقام الإثبات .

الخطوة الأُولى:

ويتألّف الدليل الثبوتي الذي يقيمه في المقام الأول من ثلاث مقدّمات :

المقدّمة الأُولى: إنّ الحكم الشرعي هو عبارة عن التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الانسان((دروس في علم الأُصول ( الحلقة الأُولى ) : 65 ، والحلقة الثانية : 13 .)).

المقدّمة الثانية: إنّ الحياة الاجتماعية نابعة من الحاجات الإنسانية . وقد

استدلّ السيد الشهيد على ذلك بقوله : « خلق الإنسان مفطوراً على حبّ ذاته والسعي وراء حاجاته ، وبالتالي استخدام كلّ ما حوله في سبيل ذلك ، وكان من الطبيعي أن يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى استخدام الإنسان الآخر في هذا السبيل أيضاً; لأنّه لا يتمكّن من إشباع حاجاته إلاّ عن طريق التعاون مع الأفراد الآخرين ، فنشأت العلاقات الاجتماعية على أساس تلك الحاجات ، واتسعت تلك العلاقات ونمت باتساع تلك الحاجات ونموّها . . فالحياة الاجتماعية إذن ، وليدة الحاجات الإنسانية »((اقتصادنا : 338 .)).

المقدّمة الثالثة: إذا درسنا الحاجات الإنسانية ، وجدنا فيها جانباً رئيساً ثابتاً على مرّ الزمن ، وفيها جوانب تستجد وتتطوّر طبقاً للظروف والأحوال ، فهذا الثبات الذي نجده في تركيب الإنسان العضوي وقواه العامّة ، وما أُودع فيه من أجهزة للتغذية والتوليد وإمكانات للإدراك والإحساس ، يعني حتماً اشتراك الإنسانية كلّها في خصائص وحاجات وصفات عامّة . .

ومن ناحية أُخرى ، نجد أنّ عدداً كبيراً من الحاجات يدخل في نطاق الحياة الإنسانية بالتدريج ، وينمو من خلال تجارب الحياة وزيادة الخبرة بملابساتها ، وخصائصها . فالحاجات الرئيسة ثابتة إذن ، والحاجات الثانوية تستجد وتتطوّر وفقاً لنمو الخبرة بالحياة وتعقّداتها .

والنتيجة التي يخرج بها السيد الشهيد الصدر من هذه المقدّمات هي : إنّ النظام الاجتماعي الصالح للإنسانية ليس من الضروري ـ لكي يواكب نمو الحياة الاجتماعية ـ أن يتطوّر ويتغيّر بصورة عامّة ، كما أنّه ليس من المعقول أن يصوغ كلّيات الحياة وتفاصيلها في صيغ ثابتة ، بل يجب أن يكون في النظام الاجتماعي جانب رئيسي ثابت ، وجوانب مفتوحة للتطوّر والتغيّر ، ما دام الأساس للحياة الاجتماعية ( الحاجات الانسانية ) يحتوي على جوانب ثابتة

وجوانب متغيّرة ، فتنعكس كلّ من جوانبه الثابتة والمتطوّرة في النظام الاجتماعي الصالح(( المصدر السابق : 339 .)).

ولا يختص هذا الاستنتاج بالنظام الاجتماعي خاصّة وإن كان السيد الشهيد ذكره فيها ، بل إنّه يعمّ الأحكام الشرعية كافّة ، وقد استدلّ (قدس‏ سره) بنفس هذا الاستدلال في رسالته العملية لإثبات استجابة نظام العبادات في الإسلام لجميع الحاجات الإنسانية((الفتاوى الواضحة : 703 ـ 706 .)).

الخطوة الثانية :

قد ثبت في الخطوة الأُولى اشتمال النظام الاجتماعي على جوانب ثابتة وأُخرى متغيّرة تبعاً لحاجات الإنسان . وفي هذه الخطوة نحاول إثبات ذلك بالدليل النقلي لنرى مدى صحة وقوع ما تعقّلناه في مرحلة الثبوت ، وهل إنّ الأحكام الشرعية التي بلّغها النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) والأئمة (عليهم ‏السلام) من بعده ثابتة ومتغيّرة أو لا ؟

إنّ إثبات هذا المطلب بمكان من الضرورة ، إذ ما لم يثبت ذلك من خلال النقل والنصوص فلا قيمة لما اثبتناه في الخطوة الأُولى . ومن هنا ، يقول السيد الشهيد (قدس‏ سره) : « وهذا هو الواقع في النظام الاجتماعي للإسلام تماماً »((اقتصادنا : 339 .)). فالأحكام ليست ثابتة مطلقاً ولا متغيّرة مطلقاً ، فالمعظم الذي يشكّل القسم الأساسي منها ثابت ، والباقي متغيّر بتغيّر الأوضاع والأحوال . فالأول : هو استجابة لحاجات الإنسان مثل : الضمان المعيشي ، والتوالد ، والأمن ، والزواج والطلاق ، والحدود ، والقصاص ، ونظام العبادات .

والثاني : هو استجابة لحاجات متغيّرة ، وهي الأحكام التي سمح فيها الإسلام لولي الأمر أن يجتهد فيها وفقاً للمصلحة والحاجة في ضوء الجانب الثابت في النظام .

فاتضح أنّ الأحكام الشرعية والنظام الاجتماعي في الإسلام يتكون من قسمين : ثابت ومتغيّر .

ثالثاً ـ دور الزمان والمكان في الأحكام المتغيّرة :

1 ـ دائرة الترخيص :

نحاول تحت هذا العنوان التفصيل أكثر فيما توصّلنا إليه قبل قليل ، من انقسام الأحكام والنظام الاجتماعي في الإسلام إلى ثابت ومتغيّر . والمتغيّر هو عبارة عن الأحكام الولائية المتروكة لتشخيص ولي الأمر ، فنقول : أصطلح السيد الشهيد على هذا القسم من النظام الاجتماعي بـ ( منطقة الفراغ ) أو قل ( منطقة الترخيص ) ، وهي التي يمنح فيها ولي الأمر الاجتهاد في ضوء ما تقتضيه المصلحة والأوضاع ، حتى إنّها قد تقتضي حكمين مختلفين في مجتمع واحد في زمانين مختلفين ، فضلاً عن مجتمعين .

2 ـ منطقة الفراغ ليست نقصاً :

قد يتبادر إلى الذهن سؤال عن أنّ التعبير بمنطقة الفراغ ألا يتعارض مع الأحاديث الدالّة على أنه : « ما من واقعة إلاّ ولها حكم » ؟ ! ثم ألا يستلزم هذا وجود نقص في التشريع ؟ !

والجواب هو : إنّه لا يقصد بالفراغ الفراغ من كلّ حكم ، بل الفراغ من الحكم الإلزامي ، أي عدم إصدار الشارع حكماً إلزامياً لجميع الأزمنة ، وإنّما أصدر حكماً بالإباحة . ولو كان ثمّة حكم بالوجوب أو الحرمة فهو ليس بنحو الدوام ، بل بمقتضى الظروف والأوضاع .

وبعبارة اُخرى ، إنّه ما من واقعة في الحياة إلاّ ولها حكمها الخاص من الأحكام الخمسة بما فيها الإباحة ، إلاّ أنّ الأُمور المحكومة بالإباحة قد يكون لها حكم ثانوي آخر فيما لو اقتضت المصلحة ذلك . ومن هنا ، يمكن أن يقال بأنّ الأحكام

الإلزامية التي تملأ منطقة الفراغ أو منطقة الترخيص إنّما هي أحكام ثانوية .

ومنه يُعرف الجواب عن السؤال الثاني ، فإنّه ما من واقعة إلاّ ولها حكم أصلي خاص بها ، فلا فراغ في الشريعة وعليه ، فلا نقص فيها .

إذن ، فمنطقة الفراغ ـ حسب السيد الشهيد ـ في الوقت الذي لا تُعدّ نقصاً أو عيباً في التشريع ، فإنّها تُعدّ كمالاً فيه ، قال (قدس‏ سره) : «ولا تدلّ منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعية ، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث ، بل تعبير عن استيعاب الصورة ، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة; لأنّ الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو إهمالاً ، وإنّما حدّدت للمنطقة أحكامها ، بمنح كلّ حادثة صفتها التشريعية الأصلية ، مع إعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف . فإحياء الفرد للأرض ـ مثلاً ـ عملية مباحة تشريعياً بطبيعتها ، ولولي الأمر حق المنع عن ممارستها وفقاً لمقتضيات الظروف»((المصدر السابق : 725 .)).

3 ـ ملء منطقة الفراغ من قِبل النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) :

حينما نقول : منطقة الفراغ ، فإنّما نعني ذلك بالنسبة إلى الشريعة ونصوصها ، لا بالنسبة إلى الواقع التطبيقي للإسلام الذي عاشته الأُمّة في عهد النبوة ، فإنّ النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) قد ملأ ذلك الفراغ بما كانت تتطلّبه أهداف الشريعة في المجال الاقتصادي . وعليه ، فما قام به (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) من تطبيق للأحكام يعبّر تارة عن أحكام ثانوية في دائرة الترخيص ، وأُخرى عن أحكام ثابتة خارج هذه المنطقة .

توضيح ذلك : إنّ للنبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) ـ كسائر الأنبياء ـ منصبين أو وصفين كما يعبّر السيد الشهيد : أحدهما وصف ( النبوة ) ، والثاني وصف ( ولاية الأمر ) .

فباعتباره نبياً ، يبلّغ الأحكام الواردة إليه عن طريق الوحي إلى الأُمّة .

وباعتباره وليّاً للأمر ، يصدر الأوامر بحسب اقتضاءات المصلحة العامة صوناً للنظام والعدالة الاجتماعية .

فالأحكام من السنخ الأوّل ، أحكام ثابتة للجميع ، ولا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان . والأحكام من السنخ الثاني ، قابلة للتغيير بتغيّر الظروف والأحوال . يقول السيد الشهيد الصدر حول السنخ الثاني : « إنّ نوعية التشريعات التي ملأ النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) بها منطقة الفراغ من المذهب بوصفه ولي الأمر ليست أحكاماً دائمية بطبيعتها; لأنّها لم تصدر من النبي بوصفه مبلّغاً للأحكام العامّة الثابتة ، بل باعتباره حاكماً ووليّاً للمسلمين . فهي إذن ، لا تعتبر جزءاً ثابتاً من المذهب الاقتصادي في الإسلام ، ولكنّها تلقي ضوءاً إلى حدّ كبير على عملية ملء الفراغ التي يجب أن تمارس في كلّ حين وفقاً للظروف »(( المصدر السابق : 401 .)).

فاتضح أنّ المقصود من منطقة الفراغ في النظام الاجتماعي ، ما كان منها بحسب النصوص الشرعية ، لا ما طبّقه النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) في مجتمعه . كما اتضح أيضاً أنّ ما طبّقه (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)في منطقة الفراغ ، إنّما هي الأحكام المرنة وغير الثابتة .

4 ـ فلسفة منطقة الفراغ :

بعد اتضاح أنّ ما قام به النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)من عملية الملء ، إنمّا هو لسنخ الأحكام المتغيّرة ، فإنّ لسائل أن يقول : لماذا لم تملأ الشريعة منطقة الفراغ بالأحكام الثابتة ابتداءً؟ ولماذا تركت ذلك لولي الأمر؟

ويجيب السيد الشهيد على ذلك ، بأنّ الشريعة الإسلامية لمّا كانت غيرمقصورة على زمان دون زمان ، بل هي شاملة لكلّ الأعصار ، فلذا لم تقرّر مبادئ نظامها الاقتصادي بوصفها علاجاً مؤقتاً أو تنظيماً مرحلياً يجتازه التأريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم . وإنّما قدّمتها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور ، فكان لابدّ لإعطاء الصورة هذا العموم

والاستيعاب ، أن ينعكس تطوّر العصور فيها ضمن عنصر متحرك ، يمدّ الصورة بالقدرة على التكيّف وفقاً لظروف مختلفة((المصدر السابق : 722 .)).

فإذاً تكمن فلسفة تشريع ( منطقة الفراغ ) في النظام الاقتصادي والاجتماعي ، بمنحه قدرة المواكبة لركب المتغيّرات والتطوّرات في سائر العصور .

ـ أهميّة منطقة الفراغ :

قد ظهر ممّا تقدّم أهميّة منطقة الفراغ في النظام الاجتماعي في الإسلام ، فإنّ وجود العنصر المتحرّك كفيل باتصاف ذلك النظام بالشمولية والاستيعاب ; ليمنحه القابلية على مواكبة جميع المتغيّرات وأنماط التنمية الإنسانية والحياتية والاستجابة للمتطلّبات والحاجات المستجدة ، ولذا يقول السيد الشهيد في مطلع بحثه عن منطقة الفراغ وأهميتها في بناء النظام الاقتصادي : « وحيث جئنا على ذكر منطقة الفراغ في التشريع الاقتصادي ، يجب أن نعطي هذا الفراغ أهمية كبيرة خلال عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي ; لأنّه يمثل جانباً من المذهب الاقتصادي في الإسلام ; فإنّ المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين :

أحدهما : قد ملئ من قبل الإسلام بصورة منجزة ، لا تقبل التغيير والتبديل .

والآخر : يشكّل منطقة الفراغ في المذهب ، قد ترك الإسلام مهمّة ملئها إلى الدولة أو ( ولي الأمر ) ، يملؤها وفقاً لمتطلّبات الأهداف العامّة للاقتصاد الإسلامي ، ومقتضياتها في كلّ زمان »((المصدر السابق : 400 .)). ويقول في موضع آخر : « وأمّا إذا أهملنا منطقة الفراغ ودورها الخطير ، فإنّ معنى ذلك تجزئة إمكانيات الاقتصاد الإسلامي ، والنظر إلى العناصر الساكنة فيه دون العناصر الحركية »((المصدر السابق : 401 .)).

6 ـ دور الولي الفقيه في منطقة الفراغ :

ذكرنا أنّ النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)هو الذي يملأ ـ باعتباره ولي الأمر ـ منطقة الفراغ بالأحكام

الولائية ، في ضوء مقتضيات المصالح القائمة آنذاك ، كأحكام مرنة ومتغيّرة . ولكن السؤال عمّن يقوم بذلك من بعده ؟

والجواب هو من ينطبق عليه عنوان ولي الأمر ، وهم الأئمّة (عليهم ‏السلام) من بعده ، ثم الفقهاء في عصر الغيبة . ولا إشكال ولا خلاف في حقهم (عليهم ‏السلام) في التصدّي لذلك . ولكن الخلاف في ثبوته للفقهاء بعدهم ، وقد استدلّ السيد الشهيد على ذلك بدليلين :

أ ـ الدليل العقلي((المصدر السابق : 301 .)): وهو مركّب من ثلاث مقدّمات ، هي كالتالي :

المقدّمة الاُولى: قيام النظام الاقتصادي في الإسلام على أساس العدالة الاجتماعية ، وهذه المقدّمة واضحة جدّاً; لورود الآيات والروايات التي تدعو الإنسان إلى تحقيق العدالة .

المقدّمة الثانية: اختلاف مقتضيات العدالة الاجتماعية باختلاف الأوضاع الاقتصادية ، فقد يكون عمل ما في صالح المجتمع فترة من الفترات ، وقد يكون بضرره في فترة أُخرى . ومن هنا ، لا يمكن صياغة مفردات النظام الاقتصادي الجزئية صياغة ثابتة . وكمثال على ذلك ما أشرنا إليه سابقاً ، من أنّ مقتضى العدالة الاقتصادية كان يسمح للفرد بالإحياء من دون أن يحدّد مقدار ذلك ، باعتبار محدودية إمكانيات الفرد المحيي في ذلك الزمان ، إلاّ أنّ مقتضيات العدالة الاجتماعية اليوم مع هذا التطوّر العلمي الموجود لا تسمح بذلك بأن يحيي الفرد ما يشاء من الأراضي .

المقدّمة الثالثة: إنّ أفضل طريق لحفظ وتحقيق العدالة الاجتماعية هو إيكال ذلك إلى ولي الأمر . وأمّا إيكاله إلى أفراد المجتمع وآحادهم لتحقيق العدالة ، فإنّه وإن كان مطلوباً وضرورياً ، إلاّ أنّه غير كاف في نفسه; إذ يؤدّي إلى عكس المطلوب ، وإلى اختلال النظام .

فالمتعيّن إذن ، إرجاع ذلك إلى ولي الأمر ، ليملأ دائرة المباحات تحقيقاً للعدالة الاجتماعية ، بحسب مقتضيات الزمان والمكان .

ب ـ الدليل النقلي: وقد تمسّك السيد الشهيد بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ }(( سورة النساء : 59 .))بتقريب : « إنّ هذا النصّ دلّ بوضوح على وجوب إطاعة أُولي الأمر ، ولا خلاف بين المسلمين في أنّ أُولي الأمر هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع الإسلامي ، وإن اختلفوا في تعيينهم وتحديد شروطهم وصفاتهم . فللسلطة الإسلامية العليا إذاً حق الطاعة والتدخّل لحماية المجتمع ، وتحقيق التوازن الإسلامي فيه ، على أن يكون هذا التدخّل ضمن دائرة الشريعة المقدّسة »((اقتصادنا : 301 و725 .)).

فالأحكام الثابتة هي فوق الزمان والمكان ، ولا تنتهي بانتهاء عصر النبوة ، بعكس الأحكام المتغيّرة التي تتبدّل بتبدّل الظروف والأحوال ، والمستند فيها هو الآية الشريفة المتقدّمة .

7 ـ حدود ولاية الأمر :

عرفنا أنّ مساحة الأحكام المتغيّرة متروكة لولاية الأمر ، والآن نريد معرفة دائرة هذه الولاية; لكي نعرف دائرة الأحكام الإلزامية الصادرة ضمنها .

والإباحة هي الحكم الأصلي ـ كما أسلفنا ـ لمنطقة الفراغ ، وهي قابلة لطروّ حكم آخر عليها ، وأمّا ما كان الحكم الأولي فيها غير الإباحة من الأحكام الأُخرى ، فهي خارجة عن منطقة الفراغ .

وعليه ، فصلاحيات ولي الأمر تتحدّد بحدود ما كان حكمه الأولي الإباحة دون ما لم يكن كذلك . ولذا فالسيد الشهيد ـ بعد الاستدلال بآية ( أُولى الأمر ) الشريفة المذكورة آنفاً ـ يقول : « وحدود منطقة الفراغ التي تتسع لها صلاحيات

أُولي الأمر ، تضمّ في ضوء هذا النصّ الكريم كلّ فعل مباح تشريعياً بطبيعته ، فأيّ نشاط وعمل لم يردّ نصّ تشريعي يدلّ على حرمته أو وجوبه يسمح لولي الأمر بإعطائه صفة ثانوية ، بالمنع عنه أو الأمر به . فإذا منع الإمام عن فعل مباح بطبيعته أصبح حراماً ، وإذا أمر به أصبح واجباً . وأمّا الأفعال التي ثبت تشريعياً تحريمها بشكل عام كالربا مثلاً فليس من حق ولي الأمر ، الأمر بها . كما أنّ الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه كإنفاق الزوج على زوجته لا يمكن لولي الأمر المنع عنه; لأنّ طاعة أُولي الأمر مفروضة في الحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله وأحكامه العامّة ، فألوان النشاط المباحة بطبيعتها في الحياة الاقتصادية هي التي تشكّل منطقة الفراغ »((المصدر السابق : 726 .)).

8 ـ نماذج من صلاحيات ولي الأمر :

وهي عبارة عن نماذج من النصوص لاستعمال ولي الأمر صلاحياته في حدود منطقة الفراغ ، وهذه النماذج ـ كما يقول السيد الشهيد ـ تلقي ضوءاً على طبيعة المنطقة ، وأهمية دورها

الإيجابي في تنظيم الحياة الاقتصادية . ثم ينقل أربعة نصوص في ذلك ، نوردها مع توضيح منه (قدس‏ سره) حولها(( المصدر السابق نفسه .)):

أ ـ ما ورد عنه (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)من النهي عن منع فضل الماء والكلاء ، فعن الإمام الصادق (عليه ‏السلام)أنّه قال : « قضى رسول الله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنّه لا يمنع فضل ماء وكلاء » ((الظاهر أن السيد الشهيد نقل مضمون الرواية ، والأصل فيها ما نقله في الصفحة 642 من اقتصادنا ، وهي كالتالي : « عن ابي عبدالله (عليه ‏السلام) قال : قضى رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء . وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء . وقال لا ضرر ولا ضرار» . فروع الكافي : ج 5 ، كتاب المعيشة ـ باب الضرار . ح 6 .)).

وهذا النهي نهي تحريم كما يقتضيه لفظ النهي عرفاً ، وإذا جمعنا إلى ذلك رأي جمهور الفقهاء القائل : بأنّ منع الإنسان غيره من فضل ما يملكه من ماء وكلاء ليس من المحرّمات الأصلية في الشريعة ، كمنع الزوجة نفقتها وشربالخمر ، أمكننا أن نستنتج أنّ النهي من النبي صدر عنه بوصفه ولي الأمر . فهو ممارسة لصلاحياته في ملء منطقة الفراغ حسب مقتضيات الظروف; لأنّ مجتمع

المدينة كان بحاجة إلى إنماء الثروة الزراعية والحيوانية ، فألزمت الدولة الأفراد ببذل ما يفضل من مائهم وكلائهم للآخرين تشجيعاً للثروات الزراعية والحيوانية . وهكذا نرى أنّ بذل فضل الماء والكلاء فعل مباح بطبيعته ، وقد ألزمت به الدولة إلزاماً تكليفياً تحقيقاً لمصلحة واجبة .

ب ـ ورد عن النبي (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)النهي عن بيع الثمرة قبل نضجها ، ففي الحديث عن الصادق (عليه ‏السلام): أنّه سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض ، فتهلك ثمرة تلك الأرض كلّها؟ فقال : «قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، فكانوا يذكرون ذلك . فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة ، نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ، ولم يحرّمه ، ولكنّه فعل ذلك من أجل خصومتهم » ((فروع الكافي 5 : 175 ، كتاب المعيشة ـ باب بيع الثمار وشرائها ح2 .)).

وفي حديث آخر : « أنّ رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)أحلّ ذلك فاختلفوا ، فقال : لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها »((المصدر السابق ح 4 .)).

فبيع الثمرة قبل بدو صلاحها عملية مباحة بطبيعتها ، وقد أباحتها الشريعة الإسلامية بصورة عامّة ، ولكن النبي نهى عن هذا البيع بوصفه ولي الأمر ، دفعاً لما يسفر عنه من مفاسد وتناقضات .

ج ـ ونقل الترمذي عن رافع بن خديج أنّه قال : نهانا رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)عن أمر كان لنا نافعاً ، إذا كانت لأحدنا أرض أن يعطيها ببعض خراجها أو بدراهم ، وقال : « إذا كانت لأحدكم أرض فليمنحها أخاه أو ليزرعها » ((سنن الترمذي 2 : 421 ، دار الفكر ـ بيروت 1403هـ .)).

ونحن حين نجمع بين قصّة هذا النهي واتفاق الفقهاء على عدم حرمة كراء الأرض في الشريعة بصورة عامّة ، ونضيف إلى ذلك نصوصاً كثيرة واردة عن الصحابة تدلّ على جواز اجارة الأرض ، نخرج بتفسير معين للنصّ الواردفي خبر رافع بن خديج ، وهو أنّ النهي كان صادراً من النبي بوصفه ولي الأمر ، وليس حكماً شرعياً عامّاً . فإجارة الأرض بوصفها عملاً من الأعمال المباحة

بطبيعتها ، يمكن للنبي المنع عنها ـ باعتباره ولي الأمر ـ منعاً تكليفياً وفقاً لمقتضيات الموقف .

د ـ جاءت في عهد الإمام (عليه ‏السلام) إلى مالك الأشتر أوامر مؤكّدة بتحديد الأسعار وفقاً لمقتضيات العدالة ، فقد تحدّث الإمام إلى واليه عن التجّار وأوصاه بهم ، ثم عقّب ذلك قائلاً : « واعلم ـ مع ذلك ـ أنّ في كثير منهم ضيقاً فاحشاً ، وشحاً قبيحاً ، واحتكاراً للمنافع ، وتحكّماً في البياعات ، وذلك باب مضرّة للعامّة ، وعيب على الولاة . فامنع من الاحتكار; فإنّ رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) منع منه ، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع » ((نهج البلاغة : 140 الكتاب 53 ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ، الطعبة الرابعة 1415هـ .)).

ومن الواضح فقهياً : إنّ البائع يباح له البيع بأيّ سعر أحب ، ولا تمنع الشريعة منعاً عامّاً عن بيع المالك للسلعة بسعر مجحف ، فأمر الإمام بتحديد السعر ومنع التجار عن البيع بثمن أكبر صادر منه بوصفه ولي الأمر . فهو استعمال لصلاحياته في ملء منطقة الفراغ ، وفقاً لمقتضيات العدالة الاجتماعية التي يتبنّاها الإسلام((اقتصادنا : 728 .)).

رابعاً ـ دور الزمان والمكان في الأحكام الثابتة :

1 ـ الحاجات الثابتة :

عرفنا لحدّ الآن مدى تأثير عنصري الزمان والمكان في الأحكام المتغيّرة والمرنة في النظام الاجتماعي ، ونحاول فيما يلي من البحث معرفة مقدار تأثيرهما على الأحكام الثابتة ، ولكن نشير قبل ذلك إلى إشكال يتعلّق بتنويعنا الأحكام إلى ثابتة ومتغيّرة في ضوء ثبات أو تغيّر الحاجات الإنسانية ، فهل توجد لدينا حاجات ثابتة أساساً لتترتّب عليها أحكام ثابتة؟ ومعنى الثبات في هذه الحاجات ، هو وجودها من عصر التشريع الأول إلى عصرنا هذا ، ومن بعده إلى يوم القيامة .

قد يبدو لأول وهلة عدم وجود هكذا مفهوم للثبات ، وذلك نظراً إلى تغيّر

حاجات الإنسان المعاصر عمّا كانت عليه في عصر التشريع . وعليه ، فلا حكم ثابت بثبات الحاجات . وقد تعرّض السيد الشهيد الصدر ضمن إشارته لاعتبار العبادات من الحاجات الثابتة في حياة الإنسان إلى بيان وتحليل هذا التساؤل قائلاً : « ولئن كانت العبادات كالصلاة والوضوء والغسل والصيام مفيدة في مرحلة ما من حياة الإنسان البدوي ; لأنّها تساهم في تهذيب خلقه ، والتزامه العملي بتنظيف بدنه ، وصيانته من الافراط في الطعام والشراب ، فإنّ هذه الأهداف تحققها للإنسان الحديث اليوم طبيعة حياته المدنية وأُسلوب معيشته اجتماعياً . فلم تعد تلك العبادات حاجة ضرورية ، كما كانت في يوم من الأيام ، ولم يبق لها دور في بناء حضارة الإنسان أو حلّ مشاكله الحضارية » .

ويجيب السيد الشهيد على ذلك ضمن مقدّمتين :

المقدّمة الأُولى: إنّ للإنسان نمطين من العلاقة مع الأشياء : علاقته مع الطبيعة ، وعلاقته مع الله ومع أخيه الإنسان . فالتطور الاجتماعي في الوسائل والأدوات ، إنّما يفرض التغيّر في

علاقة الإنسان بالطبيعة ، وما تتخذه من أشكال مادية ، فكلّ ما يمثّل علاقة بين الإنسان والطبيعة ، كالزراعة التي تمثل علاقة بين الأرض والمزارع تتطور شكلاً ومضموناً من الناحية المادية تبعاً لذلك . فعلاقات الإنسان بالطبيعة أو الثروة تتطوّر عبر الزمن ، تبعاً للمشاكلّ المتجددة التي يواجهها الإنسان باستمرار وتتابع خلال ممارسته للطبيعة ، والحلول المتنوعة التي يتغلّب بها على تلك المشاكلّ ، وكلّما تطوّرت علاقاته بالطبيعة ازداد سيطرة عليها ، وقوّة في وسائله وأساليبه((المصدر السابق : 723 ؛ الفتاوى الواضحة : 704 .)).

المقدّمة الثانية: إنّ العبادات ليست علاقة بين الإنسان والطبيعة لتتأثر بعوامل هذا التطوّر ، وإنّما هي علاقة بين الإنسان وربّه ، ولهذه العلاقة دور روحي في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الانسان . وفي كلا هذين الجانبين نجد أنّ

الإنسانية على مسار التأريخ ، تعيش عدداً من الحاجات الثابتة التي يواجهها إنسان عصر الزيت وإنسان عصر الكهرباء على السواء .

ونظام العبادات في الإسلام علاج ثابت لحاجات ثابتة من هذا النوع ، ولمشاكلّ ليست ذات طبيعة مرحلية ، بل تواجه الإنسان في بنائه الفردي والاجتماعي والحضاري باستمرار . ولا يزال هذا العلاج الذي تعبّر عنه العبادات حيّاً في أهدافه حتى اليوم ، وشرطاً أساسياً في تغلّب الإنسان على مشاكله ، ونجاحه في ممارسته الحضارية((الفتاوى الواضحة : 706 .)).

ويقول(قدس‏ سره)حول الحاجات الثابتة التي تمثّل أساس الأحكام الثابتة غير العبادية : إنّ « كلّ جماعة تسيطر خلال علاقاتها بالطبيعة على ثروة ، تواجه مشكلة توزيعها ، وتحديد حقوق الأفراد والجماعة فيها ، سواء كان الإنتاج لدى الجماعة على مستوى البخار والكهرباء ، أم على مستوى الطاحونة اليدوية »((اقتصادنا : 723 .)).

إذن ، ثمّة حاجات في البعد العبادي من حياة الإنسان وفي البعد الاقتصادي يشترك فيها جميع البشر . وقد اتضح ـ إلى حدٍّ ما ـ من خلال النصّ المنقول عن السيد الشهيد ، المقصود بالحاجات في البعد الاقتصادي ، ولكن ماهي الحاجات الموجودة في البعد العبادي التي يمكن في ضوئها تشريع الأحكام المرتبطة بها ؟

يذكر (قدس‏ سره)ثلاثة أنواع من الحاجات والمشاكلّ التي يواجهها الإنسان على هذا الصعيد((الفتاوى الواضحة : 706 ـ 718 .)):

أ ـ الحاجة إلى الارتباط بالمطلق :

وهي حاجة ثابتة في وجود الإنسان ، والذي يشبع هذه الحاجة هو نظام العبادات . ويستدلّ السيد الشهيد على ذلك بدليل مركّب من ثلاث مقدّمات :

المقدّمة الاُولى: يعاني الإنسان في تحرّكه الحضاري من مشكلة رئيسة ذات

حدّين :

أحدهما : يتمثّل في الضياع واللاإنتماء ، وهذه هي مشكلة الإلحاد ، وهي الجانب السلبي من المشكلة .

والثاني : عبارة عن الغلو في الانتماء ، بتحويل الحقائق النسبية التي ينتمي إليها إلى مطلق ، وهذا هو الجانب الإيجابي في المشكلة . وأطلقت الشريعة على الجانب الأول : الإلحاد ، وعلى الثاني : الشرك والوثنية .

المقدّمة الثانية: تلتقي هاتان المشكلتان في نقطة واحدة ، هي إعاقة حركة الإنسان في تطوّره عن الاستمرار الخلاّق المبدع الصالح .

المقدّمة الثالثة: إنّ الإيمان كغريزة لا يكفي ضماناً لتحقيق الارتباط بالمطلق بصيغته الصالحة; لأنّ ذلك يرتبط بطريقة إشباع هذه الغريزة وأُسلوب الاستفادة منها ، كما هو الحال في كلّ غريزة . ومن هنا كان لابدّ للإيمان بالله والشعور العميق بالتطلّع نحو الغيب والانشداد إلى المطلق من توجيه يحدّد طريقة إشباع هذا الشعور ، ومن سلوك يعمّقه ، والعبادات هي التي تقوم بدور التعميق لذلك الشعور; لأنّها تعبير عملي وتطبيقي لغريزة الإيمان .

ب ـ الموضوعية في القصد وتجاوز الذات :

تتنوّع مصالح الإنسان إلى مصالح تعود مكاسبها إلى نفس الفرد ، وأُخرى تعود على غيره .

والنوع الأول : يضمن الدافع الذاتي لدى الفرد توفيره والعمل في سبيله . وهذا بعكسه في النوع الثاني فلا يكفي الدافع الذاتي لضمان تلك المصالح ; لأنها لا تخص الفرد العامل ، وكثيراً ما تكون نسبة ما يصيبه من جهة وعناء أكثر من نسبة ما يصيبه من تلك المصلحة الكبيرة ومن هنا كان الإنسان بحاجة إلی تربية على الموضوعية في القصد ، وتجاوز الذات في الدوافع . والعبادات تقوم بدور كبير في هذه التربية الضرورية; لأنها أعمال يقوم بها الإنسان من أجل الله سبحانه ، ولا تجوز إذا أدّاها الإنسان من أجل مصالحه الشخصية .

ج ـ الشعور الداخلي بالمسؤولية :

تتبع الإنسانية دوماً نظاماً معيّناً في توزيع الحقوق والواجبات ، وتحيطه بضمانات لالتزام الأفراد بهذا النظام . والضمانات منها ما هو موضوعي كقانون العقوبات ، ومنها ما هو ذاتي ينبثق عن الشعور بالمسؤولية . والأخير بحاجة إلى إيمان برقابة لا يعزب عن علمها مثقال ذرة ، وإلى مران عملي ينمو من خلاله هذا الشعور ، وهو يكون عن طريق الممارسات العبادية .

والنتيجة ، هي وجود حاجات ثابتة في حياة الإنسان ، يشترك فيها جميع الناس في العصور كافة ، وهي تتوزع ما بين الجانب الاقتصادي والجانب العبادي من حياة الإنسان ، وهي التي يقوم على أساسها النظام الاقتصادي ، ونظام العبادات على مستوى التشريع .

2 ـ الزمان والمكان والأحكام الثابتة :

ذكرنا أنّ لولي الأمر ملء منطقة المباحات ، والحكم فيها بحكم ثانوي إلزامي . وأمّا الأحكام الثابتة الأصلية فليس لولي الأمر تغييرها ، بأن يغيّر الواجب إلى محرّم أو بالعكس . فلا تأثير للزمان والمكان في هذه الدائرة من الأحكام ، ولذا يقول الشيهد الصدر (قدس‏ سره) : « وأمّا الأفعال التي ثبت تشريعيّاً تحريمها بشكل عام كالربا مثلاً فليس من حق ولي الأمر الأمر بها . كما أنّ الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه كإنفاق الزوج على زوجته لا يمكن لولي الأمر المنع عنه; لأنّ طاعة أُولي الأمر مفروضة في الحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله وأحكامه العامّة »((اقتصادنا : 726 .)).

نعم ، الزمان والمكان يؤثران بشكل آخر في نظر السيد الشهيد ، أي في مرحلة

تطبيق الحكم على موضوعه ، لا في مرحلة تعيين أصل الحكم . وقد أشار (قدس‏ سره) إلى ذلك في مقدّمة الفتاوى الواضحة ، فقال : « والأحكام الشرعية على الرغم من كونها ثابتة ، قد يختلف تطبيقها تبعاً للظروف من عصر إلى عصر ، فلابدّ لرسالة عملية تعاصر تغيّراً كبيراً في كثير من الظروف أن تأخذ هذا التغيير بعين الاعتبار في تشخيص الحكم الشرعي »((الفتاوى الواضحة : 97 .)).

قد يقال : إنّ الأحكام الثابتة لو كانت استجابة للحاجات الثابتة ، فلا مجال حينئذ للكلام عن التغيير .

فإنّه يقال : إنّ الأحكام وكذا الحاجات ، وإن كانت ثابتة لا تتغيّر ، إلاّ أنّ أُسلوب إشباع تلك الحاجات هو الذي يتغيّر . وقد أشار السيد الشهيد إلى ذلك بقوله : « زوّد الجانب الثابت من النظام بقواعد تشريعية ثابتة في صيغها القانونية ، غير أنّها تتكيّف في تطبيقها بالظروف والملابسات ، وبذلك تُحدِّد الأُسلوب الصحيح لإشباع الحاجات الثابتة التي تتنوع أساليب إشباعها بالرغم من ثباتها ، وذلك كقاعدة نفي الضرر في الإسلام ، ونفي الحرج في الدين »((اقتصادنا : 339 .)).

إنّ قاعدة نفي الضرر والحرج كصياغتين تشريعيتين ، وإن كانتا ثابتتين نظرياً ، لكنّهما تتأثّران في مقام التطبيق بالمؤثرات الزمانية والمكانية ، ومع ذلك لا يضرّ بثباتهما كحكمين عاميّن ، فكذلك الأحكام الثابتة تتنوّع في مقام التطبيق .

3 ـ نماذج من تأثير الزمان والمكان في الأحكام المتغيّرة :

توضيحاً لما ذكرنا نستعرض بعض الأمثلة الواردة في كلام السيد الشهيد(قدس‏ سره):

أ ـ الشرط الضمني: قال : « الشرط الضمني واجب ونافذ ، وهو كلّ شرط دلّ عليه العرف العام ، وإن لم يصرّح به في العقد ، ولكن نوع هذه الشروط ـ لمّا كان العرف هو الذي يحدّدها ـ تختلف ، فقد يكون شيء ما شرطاً ضمنياً مع العقد في عصر دون عصر »((الفتاوى الواضحة : 97 .)).

ب ـ أسرى الحرب: للإمام أن يختار في أسرى الحرب التي تكون بإذنه العفو أو أخذ الفدية وإطلاقهم أو الاسترقاق ، قال (قدس‏ سره) : « إنّ ولي الأمر مسؤول عن تطبيق أصلح الحالات الثلاث على الأسير ، وأوفقها بالمصلحة العامة; فإنّ الاسترقاق قد يكون أحياناً أصلح من العفو والفداء معاً ، وذلك فيما إذا كان العدو يتبع مع أسراه طريقة الاسترقاق ، ففي مثل هذه الحالة يصبح من الضروري أن يعامل العدو بالمثل »((أُنظر اقتصادنا : 315 .)).

ج ـ مصرف الزكاة للفقراء: من الأحكام الثابتة في الإسلام جواز دفع الزكاة للفقراء ، ولكن الإسلام لم يعط للفقر مفهوماً مطلقاً ، ومضموناً ثابتاً في كلّ الظروف والأحوال ، وإنّما أعطاه مفهوماً نسبياً ، من قبيل عدم الالتحاق في المعيشة بمستوى معيشة الناس ، وبقدر ما يرتفع مستوى المعيشة يتسع المدلول الواقعي للفقر ، فيتسع هذا المفهوم حتى لغير الواجد للحاجات الرفاهية والكمالية ، وإن كان غنيّاً بالنسبة للضروريات; لأنّه دون متوسّط المعيشة لدى عامّة الناس ، فإذا اعتاد الناس مثلاً على استقلال كلّ عائلة بدار نتيجة لاتساع العمران في البلاد ، أصبح عدم حصول عائلة على دار مستقلّة لوناً من الفقر ، بينما لم يكن فقراً حينما لم تكن البلاد قد وصلت إلى هذا المستوى من اليسر والرخاء .

فيُستنتج من ذلك كلّه ، إمكانية انعكاس تأثيرات الزمان والمكان حتى على الأحكام الثابتة التي هي خارج إطار منطقة المباحات ، حيث يكون التأثير في مقام التطبيق ، ولا يختص هذا الكلام بالأحكام غير العبادية ، بل يشمل العبادات أيضاً ، كما لاحظنا ذلك في النموذج الثالث الأخير الذي ذكرنا .

4 ـ تغيير الأحكام الثابتة من خلال تغيير الموضوع :

من خلال النماذج المشار إليها في دائرة الأحكام الثابتة ، فإنّه يمكن استنتاج ما يلي : إنّ التأثير الزماني والمكاني إنّما يطرأ في الأحكام الثابتة على الموضوع ، وهذا بعكس الأحكام المتغيّرة ، فإنّ التغيّر فيها يطرأ على نفس الحكم . فوجوب الزكاة حكم شرعي دائمي إلاّ أنّ التغيير يقع في ناحية الموضوع وهو الفقير ، حيث تختلف النظرة العرفية لمن يعيش الحالة المعاشية المتوسطة باختلاف الظروف المعيشية ، ولذا يقول السيد الشهيد : «وليس غريباً إعطاء مفهوم مرن لمدلول تعلّق به حكم شرعي ، كالفقر الذي ربطت به الزكاة . ولا يعني هذا تغيّر الحكم الشرعي ، بل هو حكم ثابت لمفهوم خاص ، والتغيّر إنّما هو في واقع هذا المفهوم تبعاً للظروف »((اقتصادنا : 716 .)).

وينظّر (قدس‏ سره) للمقام أيضاً بمثال آخر وهو مفهوم ( الطب ) ، ويقول : « إنّ الشرع حكم بوجوب تعلّم الطب كفاية على المسلمين ، وهذا الوجوب حكم ثابت تعلّق بمفهوم خاص وهو ( الطب ) . ولكن ما هو مفهوم الطب؟ وما يعني تعلّم الطب؟ إنّ تعلّم الطب هو دراسة المعلومات الخاصّة التي تتوفّر في ظرف ما عن الأمراض وطريقة علاجها ، وهذه المعلومات الخاصة تنمو على مرّ الزمن ، فما هي معلومات خاصة بالأمس لا تعتبر معلومات خاصة اليوم ، ولا يكفي في طبيب اليوم أن يتقن ما كان يعرفه الأطباء الحاذقون في عصر النبوة; ليكون ممتثلاً لحكم الله في تعلّم الطب ، فالمرونة في المفهوم إذاً غير التغيّر في الحكم الشرعي ، وإذا كان طبيب اليوم غير طبيب عصر النبوة ، فمن المعقول أن يكون فقير اليوم في مفهوم الإسلام غير فقير عصر النبوة أيضاً »((المصدر السابق .)).

نتائج البحث: يُستخلص ممّا تقدّم النتائج التالية :

1 ـ إنقسام الحاجات الإنسانية إلى ثابتة ومتغيّرة .

2 ـ إنقسام الأحكام الشرعية وصياغات النظام الاجتماعي والاقتصادي ـ باعتبارها تمثّل التلبية التشريعية لتلك الحاجات ـ إلى ثابتة ومتغيّرة ، ويطلق على الجانب المتغيّر في الإطار الاجتماعي ( منطقة الفراغ ) .

3 ـ ينحصر نظام العبادات بتلبية الحاجات الثابتة فقط .

4 ـ تخلو منطقة الفراغ من الحكم الالزامي الأوليّ ، والحكم الأوليّ لها هو الاباحة .

5 ـ إنّ أمر ملء منطقة الفراغ اُوكل الى وليّ الأمر والدولة الاسلامية .

6 ـ للزمان والمكان تأثير كبير في ملء منطقة المباحات أو منطقة الفراغ .

7 ـ يقوم الولي الفقيه بملء منطقة فراغ بحسب مقتضيات الزمان والمكان والمصالح العامّة .

8 ـ تتحدد دائرة الفراغ بالمباحات الشرعية ، ويترتّب على ذلك تأطّر دائرة الصلاحيات التنفيذية للولي الفقيه بحدود المباحات أيضاً .

9 ـ بالرغم من عدم تأثير الزمان والمكان في الأحكام الثابتة نفسها ، ولكنّهما يؤثّران في مقام التطبيق .

10 ـ وقوع التغيير في دائرة الأحكام المتغيّرة في نفس الحكم ، بعكس الأحكام الثابتة فإنّ التغيير يقع في طرف الموضوع .