فهيمة العيد
آراءه في التاريخ
نتلمس آراء السيد الصدر رضوان الله عليه في التاريخ من خلال كتاباته في أول ما خطته يداه وهو في عمر السابعة عشرة (فدك في التاريخ)، ورغم أنه رجل فقه بالدرجة الأولى وليس هو بالمؤرخ إلا أن آراءه في التاريخ لا تقل أهمية من آراء أي مؤرخ متبحر في علم التاريخ. فيقول إن هناك شروط أساسية لإقامة بناء تاريخي محكم. فيحددها بقوله:
إذا كان التحرر عن المرتكزات والأناة في الحكم والحرية في التفكير شروطاً للحياة الفكرية المنتجة، وللبراعة الفنية في كل دراسة عقلية مهما يكن نوعها ومهما يكن موضوعها فهي أهم الشروط الأساسية لإقامة بناء تاريخي محكم لقضايا أسلافنا.[1]
فالموضوعية إذن وعدم التسرع في إصدار الأحكام مع توفير جو من الحرية للفكر والابتعاد عن القيود هي ما يجب أن يتوفر للمؤرخ لكي يكون بناءه التاريخي محكم.
ولو طبّق الباحث تلك الشروط فسوف يحصل على فوائد كثيرة كما يشير إلى ذلك السيد الصدر بقوله:
ترتسم فيه خطوط حياتهم ۔ يقصد أسلافنا ۔ التي صارت ملكاً للتاريخ، ويصوّر عناصر شخصياتهم التي عرفوها في أنفسهم أو عرفها الناس يومئذ فيهم، ويتسع لتأملات شاملة لكل موضوع من موضوعات ذلك الزمن المنصرم يتعرف بها على لونه التاريخي والاجتماعي ووزنه في حساب الحياة العامة أو في حساب الحياة الخاصة، التي يُعنى بها الباحث وتكون مداراً لبحثه كالحياة الدينية والأخلاقية والسياسية.[2]
هذه الفوائد يمكن صياغتها كالتالي:
1) التعرف على خطوط حياة أجدادنا
2) الحصول على صور عناصر الشخصيات السابقة
3) التعرف على اللون التاريخي والاجتماعي للموضوع المطروح للدراسة بعد التأمل الشامل لذلك الموضوع، ووزنه في حساب الحياة العامة والخاصة. وهذه في رأينا من أهم الفوائد والتي تتواكب مع أهداف الدراسات والبحوث التاريخية الحديثة، والتي تركّز على دراسة التاريخ على أنه تاريخ حضارات وشعوب وليس تاريخ ملوك وحكام وربط الأحداث والمواضيع بالحياة العامة للناس.
ويكمل السيد الصدر ليضع لنا شروطاً نبني على أساسها تأملاتنا الخاصة بالموضوع المراد بحثه، فيقول على شرط أن تستمد هذه التأملات كيانها النظري من عالم الناس المنظور، لا من عالم تبتدعه العواطف والمرتكزات وينشئه التعبد والتقليد، لا من خيال مجنح يرتفع بالتوافه والسفاسف إلى الذروة ويبني عليها ما شاء من تحقيق ونتائج، لا من قيود لم يستطع الكاتب أن يتحرر عنها ليتأمل ويفكر كما تشاء له أساليب البحث العلمي النزيه.[3]
فتأملاتنا إذن يجب أن تنطلق من الواقع لا الخيال والعواطف حتى لا ننحرف عن أساليب البحث العلمي النزيه.
أما عن رأي السيد الصدر في الهدف من دراسة التاريخ، يقول:
وأما إذا جئت للتاريخ لا لنسجل واقع الأمر خيراً كان أو شراً، ولا لنحبس دراستنا في حدود من مناهج البحث العلمي الخالص، ولا لنجمع الاحتمالات والتقديرات التي يجوز افتراضها ليسقط على محك البحث ما يسقط ويبقى ما يليق بالتقدير والملاحظة، بل لنستلهم عواطفنا وموروثاتنا، ونستمد من وحيها الأخّاذ تاريخ أجيالنا السابقة، فليس ذلك تاريخاً لأولئك الأشخاص الذين عاشوا على وجه الأرض يوماً وكانوا بشراً تتنازعهم ضروب شتى من الشعور والأحاسيس وتختلج من ضمائرهم ألوان مختلفة من نوازع الخير ونزعات الشر، بل هو ترجمة لأشخاص عاشوا في أذهاننا وطارت بهم نفوسنا إلى الآفاق العالية من الخيال.[4]
فالهدف من دراسة التاريخ كما يراه السيد الصدر استلهام عواطفنا وموروثاتنا، وعلى أساس وحيها نستمد تاريخنا، فهو ترجمة لأشخاص عاشوا في أذهاننا، في خيالنا. هذا هو الهدف الصحيح في رأي السيد، وليس الهدف من دراسة التاريخ تسجيل وقائع أو جمع فروض وإسقاط أخرى أو اتباع منهج علمي، لا. هو يريد من المؤرخ كما فهمنا أن يعيش عصر موضوعه بروحه وإيحاءاته عاداته، أفكاره السائدة، عواطفه كي نتمكن من رسم الشخصيات أو الأحداث الرسم الصحيح الدقيق.
وحتى لا يتحول هذا المؤرخ إلى روائي يضع السيد الشهيد ضوابط لذلك، فيقول:
فإذا كنت تريد أن تكون حراً في تفكيرك ومؤرخاً لدنيا الناس لا روائياً يستوحي من ذهنه ما يكتب، فضع عواطفك جانباً واستثن من تفكيرك الذي تعالج البحث، فإنه لم يعد ملكك بعد أن اضطلعت بمسؤولية التاريخ، وأخذت على نفسك أن تكون أميناً، ليأتي البحث مستوفياً لشروطه قائماً على أسس صحيحة من التفكير والاستنتاج.[5]
فعلى المؤرخ إذن أن يُبعد عواطفه أثناء معالجة البحث، ويبعد تفكيره الخاص وأفكاره المتعلقة به أثناء معالجته، حتى يصل إلى استنتاجات سليمة.
كما يلفت السيد نظر المؤرخين إلى وجوب ربط انطباعاتهم عن الموضوع الخاص بالبحث بدنيا الناس ولا يربط الموضوع بانطباعاته، فيقول في هذا الشأن:
اعتاد المؤرخون أو أكثر المؤرخين بتعبير أصحّ أن يقتصروا على ضروب معينة من هندسة الحياة التي يؤرخونها، وأن يصوغوا التاريخ صياغة قد يظهر فيها الجمال الفني أحياناً حينما يتوسع الباحث في انطباعاته في الموضوع، ولكنها صورة باهتة في أكثر الأحايين، ليس فيها من دنيا الناس التي تصورهم من معاني الحياة وشؤونها المتدفقة بألوان النشاط والحركة والعمل.[6]
ويضرب السيد الشهيد مثالاً على ما يصبّه كثير من المؤرخين من انطباعات على مواضيعهم التي لا علاقة لها بدنيا الناس، وهو تقديس العصر الذهبي الأول ۔ ويقصد به عصر الرسالة ۔ إلى درجة يكون فيها العصر ورجالاته فوق النقد، ولا ينكر السيد الصدر أن عصر الرسالة مليء بالمفاخر والمثاليات الرفيعة، بل ويدعو للإعجاب والتقدير، لكنه أيضاً لا يجد ما يمنع من التعمق في دراسة موضوعاته والتمحيص التاريخي له.[7]
ومما طرحه السيد الصدر في هذا الموضوع وحرص على طرحه بشكل سؤال وهو: هل يمكن أن نقبل أن التفسير الوحيد للفتوحات المتصلة والحياة المتدفقة بمعاني الخير على أيام الخليفتين الأول والثاني هو وجودهما على كرسي الحكم؟
طبعاً من يحمل نظرة التقديس لذلك العصر ولكل من عاش في ذلك العصر يقبلون هذا التفسير، لكن السيد الصدر يأخذنا في دراسة مرفقة بالأدلة بعيداً عن هذه النظرة فيُجمل أسباب النجاح في الفتوح لخمس أسباب رئيسة بناها على أساس واقع المسلمين آنذاك ووضع الرسالة.
1) نجاح الفتوح يعود إلى كون المسلمين على أيام الخليفتين في أوج تحمسهم الديني.
2) وقوف رجالات الحزب المعأرض لحكم الخليفتين بالمرصاد للخلافة الحاكمة.
3) وكون شؤون الحرب كانت تتهيأ بعمل أشبه ما يكون بالعمل الجماعي من الأمة التي تعبّر عن شخصها.
4) وأن الفتوحات تعبّر عن قوة الكلمة النبوية التي وعدت بفتح بلاد كسرى والروم.
5) الصيت الحسن الذي نشره الرسول صل الله عليه و آله للإسلام في آفاق الدنيا كان أيضاً من مسببات نجاح الفتوح.[8]
بينما يتجه كثير من المؤرخين إلى نسب الفتوح للخليفتين لكونهم من العصر الذهبي الأول، فساروا خلف عواطفهم.
ومن أهم آراء السيد الصدر في التاريخ قوله: (إننا لا يمكننا أن نترقب من التاريخ شرح كل شيء شرحاً واضحاً جلياً).
وهذا يعنى أن يستخدم المؤرخ أو الباحث أدوات الربط والمقارنة والتحليل وغيرها من الأدوات المنهجية حتى يكشف ما لم يكشفه التاريخ ويشرح ما لم يشرحه التاريخ فلا نتوقع أن يذكر لنا التاريخ كل شيء، كل صغيرة وكبيرة، وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن ذهن المؤرخ لأهميتها.
ولقد طبّق السيد الصدر هذا الرأي عندما حلل السبب الذي بعث الصديقة الزهراء إلى البدء بمنازعتها حول فدك[9] على ذلك الوجه العنيف، وموقف الخليفة من هذه المطالبة.
فبدأ السيد الصدر يمسك بالخيوط الأولى ويربط بين حادثين ثورة فاطمة؟عها؟ على الخليفة الأول وثورة عائشة أم المؤمنين على الإمام علي عليه السلام حيث فشلت الثورتين، فشلت الزهراء بعد أن أبكت الخليفة الأول وفشلت عائشة حيث تمنت أن لو لم تخرج وتشق عصا الطاعة، ويغوص السيد في عمق الرواسب القديمة في التنافس على قلب النبي صل الله عليه و آله بين فاطمة وعائشة واتساع نطاق الصراع بين زوج النبي وفاطمة ليشمل علياً عندما نصح النبي بتطليقها بعد حادثة الإفك، وأضاف السيد الصدر إلى كل ذلك شعور الخليفة الأول بالخيبة بعد أن رده النبي صل الله عليه و آله عند خطبته لفاطمة؟عها؟ وقبوله لعلي عليه السلام ۔ ويكمل السيد الصدر حشده للأدلة النفسية والمنطقية والتي يعيشها البشر عادة ۔ وأبوبكر هو من بعثه النبي ليقرأ سورة التوبة على الكافرين ثم أرسل وراءه موفد ليستدعيه بعد أن بلغ منتصف الطريق ويعفيه عن مهمته ويضع أمامه مرة أخرى منافسه علي ليقوم هو بالمهمة، ولا شك أن مشاعره أيضاً كأب تجعله يراقب ابنته في مسابقتها للزهراء على الأولية لدى الرسول شأنه شأن الآباء مع الأبناء. فمن خلال هذه الأدلة نرى من المعقول جداً أن يقف شخص مرت به ظروف كالظروف الخاصة، التي أحاطت بالخليفة الأول من علي وفاطمة موقفه التاريخي المعروف، وإن امرأة تعاصر ما عاصرته الزهراء في أيام أبيها من منافسات حري بها أن لا تسكت إذا أراد المنافسون أن يستولوا على حقها الشرعي.[10]
ومن آراء السيد الصدر في التاريخ: أن للتاريخ سنن وضوابط وقوانين وأن القرآن الكريم عامر بتلك السنن التاريخية وأن القرآن بيّن هذه الحقيقة بأشكال مختلفة وأساليب متعددة.
ففي كثير من الآيات بينت السنن على مستوى إعطاء نفس المفهوم بالنحو الكلي كما في الآية <لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ فَلاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ>[11] كما تأتي السنن في سياق آخر على نحو تمتزج فيه النظرية مع التطبيق، يقول تعالى: <وَ لاٰ تَجِدُ لِسُنَّتِنٰا تَحْوِيلاً>. [12]
وفي آيات أخرى هناك الحث الأكيد على الاستفادة من الحوادث الماضية <وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلىٰ مٰا كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّٰى أَتٰاهُمْ نَصْرُنٰا وَ لاٰ مُبَدِّلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ وَ لَقَدْ جٰاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ>.[13]
وفي آيات أخرى هناك الحث على شحذ الهمم لإيجاد عملية استقراء للتاريخ لقوله تعالى: <أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهٰا أَوْ آذٰانٌ يَسْمَعُونَ بِهٰا فَإِنَّهٰا لاٰ تَعْمَى الْأَبْصٰارُ وَ لٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ>.[14]
وعملية الاستقراء للحوادث على حد تعبير السيد الصدر هي عملية علمية بطبيعتها، لأننا نبحث عن سنة أي قانون، ولا معنى للاستقراء دون افتراض سنة أو قانون.[15] وينتهي بنا السيد الصدر إلى أن السنن للتاريخ سنن كما للساحات الأخرى، وأن القرآن يرفض تفسير الأحداث على أساس الصدمة أو القضاء والقدر، بل لابد من التعرف على تلك السنن حتى نكون نحن المتحكمين وليس هي المتحكمة فينا. ويذكر السيد الصدر أن أولى محاولات فهم التاريخ فهماً عملياً قد تمت بعد نزول القرآن الكريم بثمانية قرون على أيدي المسلمين، حيث قام ابن خلدون بمحاولة دراسة التاريخ وكشف سننه وقوانينه، ثم بعد ذلك بأربعة قرون اتجه الفكر الأوروبي في بدايات عصر النهضة ليجسّد هذا المفهوم الذي صنعه المسلمون، فنشأت في أوروبا اتجاهات عديدة ومدارس كثيرة حول فهم التاريخ، منها: المثالية والمادية والمتوسطة.
وكل هذا الجهد البشري على رأي السيد الصدر هو استمرار لهذا التنبيه القرآني، وهو أول من طرح الفكرة على ساحة المعرفة البشرية.[16] ولا يختلف هنا السيد الصدر مع بقية المؤرخين على أن ابن خلدون أول من حاول وضع أسس علم التاريخ الصحيح وقوانين تطور المجتمعات وانحلالها ونشؤها، وأن أحداث التاريخ ليست وليدة مصادفة، بل إنها أحداث تجري على قوانين ثابتة يمكن اكتشافها وإدراكها.
ويقول ابن خلدون في هذا الشأن، فأنشأت في التاريخ كتاباً واخترعته من بين المناحي مذهباً عجيباً وطريقة مبتدعة وأسلوباً، وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوأرض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها. ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك.[17] فيتفق السيد الصدر وابن خلدون على أن للتاريخ سنن وإن اختلف الاثنان في منهجية الطرح، فابن خلدون يكتب التاريخ بطريقة الدول بينما يصطبغ منهج السيد الشهيد بالروحانية.
ويتشابه الاثنان في مآخذهما على المؤرخين في عملية التقليد، فلا نبني على أساسها تأملاتنا في الموضوع عند السيد الصدر حتى تكون نتائج البحث سليمة، وعند ابن خلدون نبذ التقليد واعتبره سبباً للإيقاع في الغلط، لقوله:
وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً وسميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط.[18]
ويتفق الاثنان على أن التاريخ ليس مجرد سرد أحداث ومعارك وملوك، وإنما يجب ربطه بما يحدث من تحول في الحياة الاجتماعية من أمور اقتصادية وعلمية، فالتاريخ تاريخ مجتمعات وحضارات، فيقول ابن خلدون:
إذن يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال.[19]
الشمولية والموسوعية
تتميز معالجات السيد الصدر رغم أنه رجل دين بالدرجة الأولى على عدم اقتصارها على علوم الشريعة الإسلامية من فقه وأصول، فكما كتب في الفقه (الفتاوى الواضحة) يضمّنها المسائل اليومية الحياتية التي يبتلي فيها المسلم في هذا العصر، كتب في (أصول الفقه) وطوّره وضمّنه نظريته الجديدة في تفسير الأحكام الظاهرية، وألف إلى جانب ذلك في العلوم القرآنية (التفسير الموضوعي للقرآن) فأسس اتجاهاً جديداً في تفسير القرآن الكريم وركز فيه على الاتجاه الموضوعي، لاستخلاص مواقف القرآن الكريم من مختلف المشكلات الاجتماعية، التي يعيشها الإنسان على شكل نظريات، كما ألف في الاقتصاد كتابه الشهير (اقتصادنا) ليقارن فيه بين الاقتصاد الأوروبي ۔ بكلا جناحيه الرأسمالي والاشتراكي ۔ والاقتصاد الإسلامي ليثبت أن الاقتصاد الإسلامي هو المنهج الوحيد القادر على الاستفادة من أخلاقية إنسان العالم الإسلامي وتحويلها إلى دافع وبناء.
وكتب في التاريخ من أشهرها (فدك في التاريخ) و(أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف) حيث ضمّنها آراءه التاريخية وضرورة ربط التاريخ ودراسة الأحداث من منظور الواقع وما عليه الناس وليس حسب اهتماماتنا.
كما كتب في السياسة المالية والمصرفية في كتابه (البنك اللاربوي في الإسلام) حيث وضع الأسس العامة لإنشاء بنك في المجتمع الإسلامي بالصورة التي يلعب بموجبها دوراً أساسياً في الاقتصاد الإسلامي مماثلاً للدور الذي تلعبه بنوك المجتمعات الرأسمالية في الاقتصاد الرأسمالي.[20]
بل وتطرّق السيد الصدر حتى إلى المسائل التربوية وطرق التدريس في كتابه (المدرسة الإسلامية) و(دروس في علم الأصول) حيث عمل على تغيير المناهج الدراسية في الحوزة وتطويرها بما يواكب روح العصر واهتمامه بكيفية وصول المعلومة سهلة ميسرة للطالب يتبين من خلال ما كتبه (إننا نريد أن نمكّن الطالب تدريجياً من الرجوع إلى الكتب العلمية الأصولية القائمة فعلاً وفهمها، وهذا لا يتأتى إلا إذا خاطبناه بعبارة قريبة من مفردات تلك الكتب).[21]
كما كتب السيد الشهيد في مناهج العمل السياسي وأنظمة الحكم، فكتب في مشروع دستور الجمهورية الإسلامية وحدد مصدر السلطات فيها ومصدر التشريع والسلطة التشريعية والتنفيذية، وأن المرجع هو المثل الأعلى للدولة والقائد الأعلى للجيش، وحدد العلاقات بين السلطات في سلسلة الإسلام يقود الحياة، في جزء منابع القدرة في الدولة الإسلامية.
إلى جانب هذه المؤلفات والتي تطرقت إلى سائر المعارف ولمست المواضيع الحساسة التي يحتاجها المجتمع الإسلامي والعربي، نجده يتطرق للمشكلات العالمية المطروحة، ففي كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) قام ببحث عقلي في دراسة الأساس المنطقي لتكوين العلم وأثبت فيه تهافت نظرية البرهان الأرسطية، كما عالج وبنبوغ أخطاء التفكير الغربي عن تفسيره لنظرية الاحتمال، فثار على أرسطو في بئية تقدس نظرية القياس الأرسطية.[22] وطرحه لمثل هذه القضايا أدت إلى شهرته في أوروبا والغرب. ومن القضايا التي تثبت شمولية[23] السيد الصدر وعالميته في نفس الوقت طرحه لنظرية المعرفة وهي من القضايا العالمية، فطرح قيمة المعرفة عند اليونان وعند ديكارت وعند جون لوك وعند المثالية الفلسفية والمثالية الفيزيائية والمثالية الفيزيولوجية وعند أنصار الشك، وخرج بأن المعرفة إنما يمكن التسليم لها بقيمة على أساس المنطق العقلي لا المنطق الديالكتيكي، الذي يعجز عن إيجاد قيمة صحيحة للمعرفة. وطرح كل ذلك في كتابه الشهير (فلسفتنا).[24]
والحقيقة التي يجب ذكرها أن الطرح الشامل والعميق والملبي لحاجات الشباب المسلم والمجتمع الإسلامي والعالمي بشكل عام، أدت إلى الإقبال الشديد على كتاباته ورواج أفكاره والتي تخطت حدود العراق تسري في أنحاء الوطن العربي، فيذكر الشيخ النعماني أن كتابه (الفتاوى الواضحة) قد نفدت طبعته في القاهرة بنفس السرعة التي نفدت فيها في العراق.[25]
بل وكانت تزوره وفود من دول عربية تستشيره في قضايا المسلمين الهامة، مثل المبعوث المصري الذي جاء من قبل الرئيس المصري ليبحث معه إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا العصر، رغم غنى مصر بالمفكرين.[26]
وسعى المفكرين لزيارته لإبداء إعجابهم بفكره والاستئناس برأيه أمثال د. محمد شوقي الفنجري ۔ مفكر مصري ۔ والمفكر الفرنسي غارودي. وقد حاول الرئيس العراقي أحمد البكر وضع اسمه على أحد مؤلفات السيد مما يدل على وهجه العلمي.[27]
وشمولية طرح السيد أدت إلى انتشار كتاباته في تونس وامتدت العدوى إلى المغرب، فيقول الكاتب التونسي نورالدين العويديدي بهذا الصدد:
كان لكتب العلامة الشهيد محمد باقر الصدر عليه رحمة الله حضور خاص، إذ أوليت عناية لا نظير لها، فقد كان فيضاً عظيماً ومدداً لا ينضب، وكان ذلك الماء العذب الذي صادف أرواحاً عطشى في صحراء قاحلة، فانتشرت بين أيدي الشباب كتب اقتصادنا وفلسفتنا والبنك اللاربوي وأسس المنطقية للاستقراء وغيرها، وكان لسلسلة المحاضرات التي حواها كتاب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم أهمية بالغة لا تقدر بثمن، في حين كان اقتصادنا وفلسفتنا يقدّمان نقداً صارماً للنظريات الفكرية والفلسفية الغربية البارزة، وهو ما كان يزوّد أولئك الشباب برصيد فكري كبير ويهديهم إلى كيفية الرد على نظرائهم من الشيوعيين والقوميين والليبراليين.[28]
ومما يدل على شهرته أيضاً عندما بعث جمع من علماء المسلمين في لبنان إلى المفكر الإسلامي السيد الصدر يسألونه عن معالم الدستور الإسلامي في رسالة من نصها:
المرجو من سماحتكم بحكم ما يعرفه العالم الإسلامي كله من تبحركم في الفقه وفي كل فروع المعرفة الإسلامية وقيمومتكم الرشيدة على أفكار العصر أن تنفعونا بما يلقي ضوءً في هذا المجال وتمدونا بانطباعات عما تقدرونه من التصورات الأساسية للشعب الإيراني المسلم بهذا الصدد.[29]
النظرة الكلية
منهج النظرة الكلية في كتابات السيد الصدر واضحاً، حيث يميل في دراساته التحليلية إلى الوصول إلى النظريات والكليات ونبذ النظرة الجزئية، ولقد وفق السيد الصدر في ذلك تماماً إذ نجده في دراسته لحياة الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام وبيان دورهم التاريخي في الإسلام يستبدل النظرة الجزئية، التي تتناول حياة كل إمام إلى أن ينظر إلى الأئمة عليهم السلام ككل مترابط ويُدرس هذا الكل ويكشف ملامحه العامة وأهدافه المشتركة.
فنجده يتناول دراسة أحوال الأئمة على مستويين:
الأول: من ناحية اختلاف وتناقض دور الأئمة، فالحسن عليه السلام هادن معاوية والحسين عليه السلام قاتل يزيد، وقيام حياة الإمام زين العابدين على الدعاء وحياة الإمام الباقر عليه السلام على الحديث والفقه.
أما المستوى الثاني: فهو يدور حول دراسة الخصائص العامة والأدوار المشتركة للأئمة بحيث تزول تلك الاختلافات والتناقضات. حيث انطلق السيد من نقطة أن إقصاء الأئمة عن الحكم لم يجعل دورهم سلبياً، بل تركز دورهم في الحفاظ على الرسالة، وتحصين التجربة الإسلامية ضد التردي إلى الهاوية، وإيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ولو عن طريق الاصطدام المسلح والشهادة كما فعل الحسين عليه السلام مع يزيد، وفي مجابهة المشاكل التي تهدر كرامة الدولة الإسلامية وتعجز الزعامات المنحرفة عن حلها، كالذي واجهه هشام بن عبدالملك من ملك الروم وعجزه عن الرد عليه فكان الإمام الباقر عليه السلام في مستوى الرد على هذا التحدي فخطط للاستقلال النقدي.[30]
ويكمل السيد الصدر لنا دور الأئمة الكلي في أنه أدى إلى الخروج بالإسلام على مستوى النظرية سليماً من الإنحراف، وقد أعطى مثالاً عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عندما حاول الخليفة إطلاق سراحه من سجنه الطويل على أن يزور الخليفة ويعتذر إليه ويبارك خطها، فيرفض الإمام الكاظم عليه السلام مباركة خط الزعامة المنحرفة حتى لا تنعكس معالم التشويه من التطبيق المنحرف على الرسالة نفسها، ثم يصل بنا السيد الصدر إلى شمولية دور الأئمة واتساعه من حيث مقاومة التيارات الفكرية التي تشكّل خطراً على الرسالة وضربها في بدايات تكوينها، كما فعل الإمام العسكري عليه السلام حينما أحبط محاولة الكندي ومدرسته وضع مشروع كتاب حول متناقضات القرآن وأقنعهم بأنهم على خطأ.[31]
ومثال آخر من كتابات الصدر وتشير إلى نظرته الكلية يتمثل في ما طرحه في التفسير الموضوعي للقرآن وتفضيله على التفسير التجزيئي للقرآن ووجوب تطبيقه على تفسير القرآن كما هو مطبّق في الفقه، فيرى السيد الصدر أن التفسير التجزيئي يؤدي إلى تناثر وتراكم عددي للأفكار دون اكتشاف أوجه ربط على عكس التفسير الموضوعي، الذي يحاول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة، فيؤدي بنا إلى أن نصل إلى نظريات مثلاً عن عقيدة التوحيد في القرآن، عقيدة النبوة في القرآن أو عن المذهب الاقتصادي في القرآن أو عن سنن التاريخ في القرآن وعن السماوات والأرض في القرآن. إذن كما يقول السيد الصدر الهدف من التفسير الموضوعي أو التوحيدي (تحديد موقف نظري للقرآن الكريم وبالتالي للرسالة الإسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة أو الكون).[32]
كما تتضح نظرته الكلية عندما حوّل النظرة الجزئية للعبادات إلى عناصر شمول لجوانب الحياة المتنوعة، فيقول:
فلم تختص العبادات بأشكال معينة من الشعائر ولم تقتصر على الأعمال التي تجسّد مظاهر التعظيم لله فقط كالركوع والسجود والذكر والدعاء، بل امتدت إلى كل قطاعات النشاط الإنساني، فالجهاد عبادة وهو نشاط اجتماعي والزكاة عبادة وهي نشاط اجتماعي مالي والخمس عبادة وهي نشاط اجتماعي مالي أيضاً، والصيام عبادة وهو نظام غذائي والوضوء والغسل عبادتان وهما لونان من تنظيف الجسد. والشمول في العبادة يعبّر عن اتجاه عام في التربية الإسلامية يستهدف من أن يُربط الإنسان في كل أعماله ونشاطاته بالله تعالى، ويحول كل ما يقوم به من جهد صالح إلى عبادة مهما كان حقله ونوعه. ومن أجل إيجاد الأساس الثابت لهذا الاتجاه وُزّعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة للنشاط الإنساني تمهيداً إلى تمرين الإنسان على أن يسبغ روح العبادة على كل نشاطاته الصالحة، وروح المسجد على مكان عمله في المزرعة أو المصنع أو المتجر أو المكتب ما دام يعمل عملاً صالحاً.[33]
وحدة الخط الفكري
في عموم مؤلفات السيد الصدر نلاحظ وحدة الخط الفكري، فما يعالجه في العبادات لا يتناقض مع ما يعالجه في تفسير القرآن، وما يعالجه في تفسير القرآن لا يتناقض مع ما يعالجه في التاريخ ولا المنطق، بل تسير أفكاره وفق نسق واحد يتبناها في جميع مؤلفاته، مثلاً يتكلم السيد الصدر ويطرح الفكرة بأن الإنسان الأوروبي ينظر دائماً إلى الأرض لا إلى السماء عكس نظرة المسلم، فيشير إلى هذه الفكرة في كتاب اقتصادنا بقوله:
إن الإنسان الأوروبي ينظر إلى الأرض دائماً لا إلى السماء حتى المسيحية بوصفها الدين الذي آمن به هذا الإنسان مئات السنين لم تستطع أن تتغلب على النزعة الأرضية في الإنسان الأوروبي، بل بدلاً عن أن ترفع نظره إلى السماء استطاع هو أن يستنزل إله المسيحية عن السماء إلى الأرض.[34]
ويبيّن أثر هذه النظرة وكيف أنها هيّأت الإنسان الأوروبي نفسياً وفكرياً إلى الإيمان بحقه في الحرية والشعور بالاستقلال والفردية الذي ترجم فيما بعد إلى اللغة الفلسفية بالوجودية، وربط هذه النظرة الأرضية للإنسان الأوروبي بالقيمة المادية والثروات وقيمة للتملك في كتاباته الاقتصادية، فنجدها في اقتصادنا ونجدها في سلسلة الإسلام يقود الحياة في كتيب منابع القدرة في الدولة الإسلامية فيقول:
إن هذه النظرة إلى الأرض أتاحت للإنسان الأوروبي أن ينشئ قيماً للمادة والثروة والتملك تنسجم مع تلك النظرة.[35]
وإن هذه القيم ترسخت وعبّرت عن نفسها في مذاهب اللذة والمنفعة التي اكتسحت التفكير الفلسفي الأخلاقي في أوروبا، فوجدنا صدى تلك النظرة الدنيوية في الفكر وعلى أساس نفس هذه النظرة نجد السيد الصدر يناقش مسألة التناقض علاقة الإنسان وأخيه الإنسان في كتابه التفسير الموضوعي، فيقول: (وبنفس الدرجة التي استطاعت النظرة إلى الأرض لدى الإنسان الأوروبي أن تفجّر طاقاته في البناء أدت أيضاً إلى ألوان من التنافس المحموم على الأرض وخيراتها ونشأت أشكال من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان)[36]. ويصل بنا السيد الصدر إلى أن التناقض في هذه العلاقة لا يعود إلى التناقض الطبقي كما يدعي ماركس من خلال صراع مرير بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة بل خلق التناقض بسبب استغلال القوي للضعيف.
كذلك عندما يطرح السيد الصدر موضوع الخلافة واستخلاف الله الإنسان على الأرض في التفسير الموضوعي للقرآن استخلص من الآية القرآنية عناصر المجتمع <وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قٰالُوا أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قٰالَ إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ>[37] وهذه العناصر هي الإنسان، الأرض والطبيعة. العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالأرض وتربط الإنسان بأخيه الإنسان وهي العلاقة التي سمّيت قرآنياً بالاستخلاف، فلا سيّد إلا الله والإنسان مستأمن على أمانة مؤدياً واجبه بهذه الخلافة.[38] وعلى نفس الخط يتكلم في الملكية في الجوانب الاقتصادية فيقول:
(وبعد أن قرر الإسلام مبدأ ملكية الله تعالى رتّب عليه أن دور الإنسان في الثروة هو دور الخليفه المستأمن من قبل الله تعالى على مصادر الثروة في الكون ليدبّر أمرها ويدير شأنها وفقاً للروح العامة لملكية الله تعالى <وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[39]>.[40]
ونجده يقيم نظرية حكم الناس لأنفسهم على أساس المفهوم الأساسي عن الخلافة في كراسه (الإنسان وشهادة الانبياء) حيث يقول:
ولما كانت الجماعة البشرية هي التي منحت وممثلة في آدم هذه الخلافة فهي إذن المكلفة برعاية الكون وتدبير أمر الإنسان والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية.[41]
إذن فالسيد الصدر يرى أن الله أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون اجتماعياً وطبيعياً وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم سننها بوصفها خليفة عن الله.
الصبغة الروحية في منهج السيد الصدر
يتميز منهج السيد الصدر بالصبغة الروحانية، فاعتزازه بدينه وهو الإسلام واقتناعه بأن هذا الدين لم يترك صغيرة ولا كبيرة وأنه هو القاعدة التي يجب اتخاذها والانطلاق فيها لسائر المعارف قد انعكس على كتاباته وعلى خطه الفكري فنجده حيناً يعدل العمل في سبيل الله بالعمل في سبيل الإنسانية جمعاء فيقول في (نظرة عامة في العبادات):
سبيل الله هو التعبير التجريدي لخدمة الإنسان؛ لأن كل عمل من أجل الله فإنما هو من أجل عباد الله، لأن الله هو الغني عن عباده، فلما كان الإله الحق المطلق فوق أي حد وتخصيص، لا قرابة له لفئة ولا تحيز له إلى جهة، كان سبيله دائماً يعادل من الوجهة العملية سبيل الإنسانية جمعاء، فالعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس جميعاً وتدريب نفسي وروحي مستمر على ذلك.[42]
بل يحيل السيد حالة القلق في العالم إلى التذبذب بين تيارات الرأسمالية والاشتراكية وأن الحل الوحيد هو الإسلام لإنقاذ العالم، فيقول في كتابه اقتصادنا:
إن معاناة العالمين ألوان من القلق والتذبذب بين تيارين عالميين ملغمين بقنابل الذرة والصواريخ ووسائل الدمار لن تجد لهما خلاصاً إلا على الباب الوحيد الذي بقي مفتوحاً من أبواب السماء وهو الإسلام.[43]
ويصف د.نزيه الحسن ذوبان المنهج الروحي في مؤلفات السيد الشهيد بقوله:
عندما يتناول الدليل الاستقرائي في مقدمته الفتاوى الواضحة يطبّقه على إثبات وجود الباري تبارك وتعالى، والرسول الأعظم صل الله عليه و آله ومواضيع الطبيعة التجريبية والعبادات التي يبحثها الصدر يربطها بالاستجابة المركوزة في النفس الإنسانية للجانب الغيبي الذي يوحّدها جميعاً رغم أن مدلولاتها المحسة، كما يبيّن اقتصادنا على المفهوم الإلهي للعالم الذي يقوده فلسفتنا.[44]
وأقوال السيد الصدر تدل على تشرّبه وتبنّيه الاتجاه الروحي وتخص أن يكون جزءً من تربية الفرد فيقول:
إن تربي الفرد على أن يكون سيداً للدنيا لا عبداً لها ومالكاً للطيبات لا مملوكاً لها ومتطلعاً إلى حياة أوسع وأغنى من حياة الأرض ومؤمناً بأي شيء على الأرض هي تحضير بالنسبة إلى تلك الحياة التي أعدها الله للمتقين.[45]
وحينما يتبنى السيد الصدر الاتجاه الروحي يرى فيه عملية بناء وثورة رشيدة وأن المسئول عن عملية تفريغ العقيدة من كونها عملية بناء وثورة هو عصور الانحراف التي مر بها والاستعمار ويتضح ذلك من خلال رأيه في إيمان إنسان العالم الإسلامي، فيقول: (لا شك أن إنسان العالم الإسلامي يؤمن بالإسلام بوصفه ديناً ورسالة من الله تعالى أنزلها على خاتم أنبيائه ووعد من اتبعها وأخلص لها بالجنة وتوعّد المتمردين عليها بالنار، وهذا الإيمان يعيش في الجزء الأعظم من المسلمين عقيدة باهتة فقدت عبر عصور الانحراف كثيراً من اتّقادها وشعلتها وبخاصة بعد أن دخل العالم الإسلامي عصر الاستعمار وعمل المستعمرون من أجل تذويب هذه العقيدة وتفريغها من محتواها الثوري الرشيد، ومن أجل ذلك لم يعد المسلمون تعبيراً عن الأمة الإسلامية التي جعلها الله أمة وسطاً لتتولى الشهادة على العالم وكانت خير أمة أخرجت للناس لأن الأمة الإسلامية ليست مجرد تجميع عددي للمسلمين وإنما تعني تحمّل هذا العدد لمسؤوليته الربانية على الأرض، فالأمة الإسلامية مسؤولة داخلياً بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وأن تحوّل عقيدتها إلى عملية بناء).[46] ودلّل على ذلك بالآية القرآنية: <كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ>.[47]
ومما يؤكد على الطابع الروحي لمنهجه كتاباته في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، فيقول بارتباط سنن التاريخ بالقرآن الكريم. فحينما يستشهد بالآية القرآنية: <لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ فَلاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ>[48] يشير إلى أن المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن بالأمة له أجل، له موت، له حركة كما الإنسان موته يخضع لأجل ولقانون وناموس كذلك الأمم.
ويربط بين الاستقامة وتطبيق أحكام الله سبحانه حينما يستشهد بالآية: <وَ أَنْ لَوِ اِسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً>.[49]
فيقول السيد إن القرآن هنا يؤكد أن المجتمع الذي تسوده العدالة في التوزيع لا يعاني من الضيق والفقر، بل لازداد الثراء فهذه سنة من سنن التاريخ التي تؤكد أن تطبيق شريعة السماء وتجسيد أحكامها في علاقات التوزيع تؤدي دائماً إلى زيادة الإنتاج وكثرة الثروة.[50]
ولا ننسى أن محيط الأسرة الديني إلى جانب ماضيه العريق والمتبحر في علوم الدين ودراسة السيد في الحوزة الدينية كان له أثر في اتخاذه المنهج الروحاني.
الأسلوب الذي استخدمه السيد الصدر
تميّز أسلوب السيد الصدر بالطابع الأدبي في بعض كتاباته التاريخية فاهتم بالصياغة الأدبية ليضع القارئ في موقع الملامسة مع الواقع، ففي كتابه فدك في التاريخ يصف لنا وضع الزهراء بعد وفاة أبيها صل الله عليه و آله وسحب بساط الخلافة من زوجها وحرمانها من فدك التي وهبها إياها أبوها في حياته. فيقول واصفاً ذلك:
أو بهذا وذاك خسرت الزهراء أقدس النبوات والأبوات وأخلد الرئاسات والزعامات بين عشية وضحاها فبعثتها نفسها المطوقة بآفاق من الحزن والأسف إلى المعركة ومجالاتها ومباشرة الثورة والاستمرار عليها.[51]
ويصف السيد الصدر مطالبة الزهراء بحقها على أنه ثورة ويصف تلك الثورة بأسلوب أدبي (صرخة باركتها الزهراء ورعتها السماء، فكانت عند اندلاعها محط الثقل الذي تركّز عنده الحق المذبوح، والمحاولة اليائسة التي شاعت حولها ابتسامات أمل استحالت بعد أبيها إلى عبوس مرير، وبأس ثابت واستسلام فرضته حياة الناس الواقعة آنذاك).[52]
كما تميّز أسلوبه بالبلاغة فعندما يصف يوم وفاة النبي صل الله عليه و آله يصفه بالتالي (كان يوم وفاة النبي بداية انحراف طويل ونهاية عهد سعيد تمثّل في 24 ألف نبي)[53] إلى جانب ذلك يتميز السيد الصدر بقدرته على توصيل العبارة والمفهوم المراد أيضاً حتى يقتنع القارئ.
وعندما يطرح فكرة فهو قادر على توصيلها، فيقول في كتابه (بحث حول الولاية): إن النبي صل الله عليه و آله لا يمكن أن يترك الساحة دون تخطيط لمستقبل دعوته في حين أنه كان يعلم منذ فترة قبل وفاته أن أجله قد دنا، بدليل أنه أعلن ذلك بوضوح في حجة الوداع.
فاستعرض لنا السيد الأخطار التي تحيق بالأمة والتي كان يعلم بها النبي صل الله عليه و آله ولا يمكن أن يتجاهلها: أولاً خطر ترك الأمة التي ستواجه لأول مرة مسئوولية التصرف بدون قائدها تجاه أخطر مشاكل الدعوة وسيكون ذلك في لحظة الصدمة بفقدها قائدها، تلك الصدمة التي ممكن أن تزعزع النفوس وهي التي جعلت صحابي معروف كعمر يعلن أن النبي لم يمت ولن يموت. ثانياً الخطر الثاني: التناقضات والتي ما زالت تعيش في زوايا نفوس المسلمين على أساس الانقسام بين مهاجرين وأنصار أو قريش وسائر العرب أو مكة والمدينة. وثالثاً هناك خطر المنافقين. رابعاً يضاف إلى ذلك العدد الكبير الذي أسلم بعد الفتح استسلاماً للأمر الواقع لا انفتاحاً على الحقيقة.
فكل تلك الأخطار لا يمكن أن تفوت على النبي صل الله عليه و آله في حين أن أبوبكر نفسه يعتذر في تسرعه قبول الحكم بخشيته على المسلمين من الافتتان، لأنهم حديثو عهد بالجاهلية، فيقول: (إن رسول الله قبض والناس حديثو عهد بالجاهلية فخشيت أن يفتتنوا وأن أصحابي حملونيها).[54]
كما أن أبابكر لم يترك الأمة من بعده بل اختار لها عمر، وبعد أن ضرب عمر هرع الناس خائفين من الفراغ الذي يخلفه الخليفة، قائلين (يا أميرالمؤمنين لو عهدت عهداً) ويوصي عمر إلى ستة تجاوباً مع شعور الآخرين بالخطر. فكيف بعد هذا نتصور ألا يكون رائد الدعوة أكثر شعوراً بخطر السلبية خاصة وأنه وعلى فراش الموت يحمل همّ معركة كان قد خطّط لها، فكان يخرج وهو معصب الرأس ويقول: (جهّزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة). والدليل الآخر على أن النبي كان يعيش همّ مستقبل الدعوة ويخطّط لسلامتها أنه لما حضرته الوفاة قال: (ايتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً).[55]
كما نلاحظ اعتماد السيد الصدر أسلوب المقارنة لإثبات صحة وجهة نظره فهو مثلاً لكي يثبت الأسباب التي أدت إلى أن يكون موقف معاوية أحسن وأثبت قدماً وأقدر على الاستمرار في خطه من إمام الإسلام علي عليه السلام، قارن الفوارق الموضوعية بين وضع الإمام علي بن أبي طالب السياسي والإداري ووضع معاوية السياسي والإداري. ويذكر السيد أن هذه الفوارق لم يصنعها الإمام علي عليه السلام وإنما كانت نتيجة تاريخ وهي:
أولاً: لم يكن للإمام علي عليه السلام رصيد في الشام، لأن الشام دخل الإسلام بعد وفاة النبي صل الله عليه و آله فعاش الشام الإسلام من منظار يزيد بن أبي سفيان، ثم شقيقه معاوية بن أبي سفيان، بينما كان لمعاوية رصيد في مجتمع الإمام لحمله شعار الخليفة المقتول عثمان.
ثانياً: كان موقف علي عليه السلام يتطلب ويفترض ويطرح قضية الهجوم على أناس لا يملكون ۔ في غالبيتهم ۔ الوعي لخطورة تراخيهم على قمع هذا الانحراف انطلاقاً من عدم استيعابهم لأبعاده. في حين أن معاوية كان يفكر في أن يحتفظ بثغر الشام إلى أن تتهيأ له الزعامة المطلقة على أرجاء العالم الإسلامي، لذا معاوية لم يكن ليقول للشامي اترك استقرارك واذهب إلى العراق وحارب؛ لأن هذا الشخص خارج عن طاعتي، بينما كان علي يقول هذا للعراقي؛ لأن علياً عليه السلام كان يحمل بيده مسؤولية الأمة.
ثالثاً: عند معاوية لا توجد في الشام زعامات سياسية طامحة للحكم، أما عند علي كان يواجه في المدينة الكثير ممن يرون أن من حقهم أن يساهموا في التخطيط وكان حكم الإمام بعد عشرين سنة، حيث فقد امتيازه الخاص الذي تمتع به في عهد الرسول صل الله عليه و آلهحيث كان كالنجم لا يطاول.
رابعاً: في مجتمع معاوية حالة استسلام، فالشام مسلم نتيجة لإسلامه هو وأخيه ولم يسمعوا القرآن إلا عن طريق معاوية. أما علي في المدينة حيث توجد الأطماع السياسية والأحزاب السياسية التي تكونت في عهد ابن الخطاب، فكان يفكر الإمام في مستقبلها وكيف يمكن أن يستفيد أكبر قدر ممكن من الفائدة في خضم هذا التناقض.
خامساً: الإمام على كان يتبنى قضية في صالح الأضعف من أفراد المجتمع، بينما معاوية كان يتبنى قضية هي في صالح الأقوى، فحينما يتبنى الإمام قضايا العدالة الاجتماعية التي يمثّلها النظام الاقتصادي للإسلام فهذه القضايا في صالح الأضعف وليس الأقوى، ومعاوية كان يمثّل الجاهلية بفوارقها وعنفوانها وطبقاتها، هذا لم يكن في صالح الأضعف بل في صالح الأقوى، خاصة أن الخلفاء الذين تزعموا المسلمين لم يذيبوا التنظيم القبلي. هذه الظروف لم يصنعها الإمام علي عليه السلام وإنما صنعت خلال التاريخ وأوجدت لمعاوية مركزاً قوياً ولولا براعة الإمام علي وكفاءته الشخصية لما استطاع أن يحقق ما حققه وما مر به من حروب داخلية خلال أربع سنوات.[56]
ومثال آخر على المقارنة في علاج المواضيع نجده يقارن بين الاتجاهين في التفسير القرآني التجزيئي والموضوعي، فيقول إن دور المفسر التجزيئي سلبي على الأغلب، فهو يبدأ أولاً بتناول النص القرآني المحدد آية مثلاً أو مقطعاً قرآنياً من دون أي افتراضات وأطروحات مسبقة ويحاول أن يحدّد المدلول القرآني على ضوء ما يسعفه اللفظ، وكأن دور النص فيها دور المتحدث ودور المفسر هو الإصغاء والتفهم وهو دور سلبي. أما المفسر التوحيدي فهو يبدأ عمله من النص بل من الواقع، واقع الحياة فيركّز نظره على موضوع من الموضوعات الحياتية العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول الموضوع من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ونقاط فراغ، ثم يبدأ مع النص القرآني حواراً بعد أن يطرح عليه موضوعه الجاهز، المفسر يسأل والقرآن يجيب فيكتشف بذلك موقف القرآن من الموضوع والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها من النص. واستشهد بقول الإمام علي وهو يتحدث عن القرآن: (ذلك القرآن فاستنطقوه).
فيصل بنا السيد إلى أفضلية التفسير الموضوعي؛ لأنه يبدأ من الواقع وينتهي بالقرآن ولا يبدأ منه القرآن وينتهي بالقرآن، فيكون عملية منعزلة عن الواقع، فغطاء القرآن لا ينفذ بينما التفسير اللغوي ينفذ؛ لأن اللغة لها طاقات محددة ومن هنا كان التفسير الموضوعي قادراً على التطور والنمو؛ لأن التجربة البشرية تثريه والدرس القرآني والتأمل القرآني على ضوء التجربة البشرية يجعل هذا الثراء محوّلاً إلى فهم إسلامي قرآني صحيح.[57]
ويتميز أسلوب السيد الصدر بالتسلسل في العرض وإرفاق الأدلة حتى يصل بالقارئ إلى المفهوم المقصود. فعندما يتحدث السيد الصدر عن دور الإنسان في الحركة التاريخية من زاوية مفهوم القرآن الكريم يسير إلى أن الإنسان هو الأساس لحركة التاريخ، وحركة التاريخ متطلعة للمستقبل والمستقبل هو المحرك لأي نشاط تاريخي والمستقبل يتمثّل في الوجود الذهني والوجود الذهني هو المحرك لحركة التاريخ وهذا الوجود الذهني يعبَّر عنه بجانب عن الفكر وفي جانب آخر منه عن الإرادة، والامتزاج بين الفكر والإرادة يتحقق فاعلية المستقبل ومحركيته للنشاط التاريخي على الساحة الاجتماعية، والفكر والإرادة هما المحتوى الداخلي للإنسان الذي يجسّد الأهداف ويصنع الغايات من خلال مزجه بين فكره وإرادته. والمحتوى الداخلي للإنسان هو القاعدة والأساس للبناء العلوي للحركة التاريخية بدليل قوله تعالى: <إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ>[58] وقد سمّى الإسلام عملية بناء المحتوى الداخلي إذا اتجهت اتجاهاً صالحاً بالجهاد الأكبر، وسمّى عملية البناء الخارجي إذا اتجهت اتجاهاً صالحاً بعملية الجهاد الأصغر وإذا فصل عن الجهاد الأكبر فقد محتواه ومضمونه بل فقد قدرته على التغيير الحقيقي على الساحة التاريخية والاجتماعية. وضرب السيد الصدر مثالاً من القرآن على هذا الانفصال، قال تعالى: <وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ يُشْهِدُ اللّٰهَ عَلىٰ مٰا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصٰامِ * وَ إِذٰا تَوَلّٰى سَعىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهٰا وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ الْفَسٰادَ>.[59] فالقرآن كما يشير الصدر يريد أن يقول إن الإنسان إذا لم ينفذ بعملية التغيير إلى قلبه وأعماق روحه، إذا لم يبنِ نفسه بناء صالحاً لا يمكنه أبداً أن يطرح الكلمات الصالحة التي يمكن أن تتحول إلى بناء صالح في المجتمع.[60]
فالتاريخ كما يراه الصدر يتحرك من خلال البناء الداخلي للإنسان الذي يصنع للإنسان غاياته، هذه الغايات تبنى على أساس المثل العليا ولكل مجتمع مثل أعلى ولكن مثل أعلى مسار ومسيرة، وهذا المثل الأعلى هو الذي يحدد معالم الطريق وقسّم تلك المثل إلى مثل أعلى هو الله ومثل عليا منخفضة، كاتباع الإنسان آباءه وما كانوا عليه، قال تعالى: <قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا أَلْفَيْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لاٰ يَهْتَدُونَ>[61] أو اتخاذ الإنسان عبادة الفراعنة نتيجة لتسلطهم، قال تعالى: <وَ قٰالَ فِرْعَوْنُ يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي>.[62] والأمم التي ستتبع هذه المثل العليا المنخفضة ستفقد ولاءها بالتدريج لهذه المثل <إِنْ هِيَ إِلاّٰ أَسْمٰاءٌ سَمَّيْتُمُوهٰا أَنْتُمْ وَ آبٰاؤُكُمْ>[63] وستصاب بالتمزق، يقول القرآن: <بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّٰى ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاٰ يَعْقِلُونَ>[64] عندها ستتحول الأمة إلى شبح، وأن التاريخ على حد قول السيد الصدر علمنا أن هنا ثلاث بدائل ممكن أن تنطبق على هذه الأمة:
أولاً: بأن تتداعى أمام غزو عسكري خارجي وهذا ما حصل للمسلمين بعد أن فقدوا مثلهم الأعلى ۔ وهو الله ۔ وفقدوا ولاءهم لهذا المثل فوقعوا فريسة غزو التتار.
ثانياً: الذوبان والانصهار في مثل أعلى أجنبي مستورد من الخارج وضرب أمثلة على جملة حكام البلاد الإسلامية مثل حكم أتاتورك في تركيا ورضاخان في إيران وكانوا مثلاً أعلى أوروبياً.
ثالثاً: أن ينشأ في أعماق الأمة بذور إعادة المثل الأعلى من جديد بمستوى العصر الذي تعيشه الأمة عندما أطلق روّاد الفكر الإسلامي جهودهم في سبيل إعادة الحياة إلى الإسلام.[65]
كما يتميز السيد الصدر بالقدرة على التعبير عن رأيه بأسلوب واضح مما يؤدي بنا إلى الوصول إلى نتائج جديدة والاقتناع برأيه. فهو حينما يصف الطريق الذي اجتازته الزهراء؟عها؟ للوصول إلى المسجد ۔ في كتاب فدك في التاريخ ۔ لمحاكمة الخليفة الأول يرجّح أنها سلكت الباب العام، رغم أن بيتها جار المسجد ولا يفصل بينهما سوى جدار، ولديها باب متصل بالمسجد، ويشرح لنا السيد الصدر أسباب ترجيحه دخولها من الباب العام:
1) أولاً أن دخولها من الباب الخاص لا يكلّفها سيراً في نفس المسجد ولا اجتياز لطريق بينه وبينها. فمن أين للراوي أن يصف مشيتها وينعته بأنه لا يخرم مشية رسول الله صل الله عليه و آله وهو لم يكن معها بالطبع.
2) لو تصورنا أنها سارت في نفس المسجد فلا ينتهي سيرها بالدخول على الخليفة وإنما يبتدئ بذلك لأن من دخل المسجد صدق عليه أنه دخل على من فيه وإن سار في ساحته.
ثم يذكر الصدر إلى أن اختيارها الباب العام وصحبتها لمجموعة من النسوة، أرادت من ذلك تنبيه الناس وكسب التفاتهم باجتيازها في الطريق مع تلك النسوة ليجتمعوا في المسجد ويتهافتوا حيث ينتهي بها السير وبهذا تكون المحاكمة علنية تعيها عامة المسلمين.[66]
وللسيد الصدر قدرة على تصوير الموقف التاريخي وتقريب الموضوع إلى الأذهان بصورة دقيقة محللة. ففي تحليله للرواية ۔ والتي من الممكن أن يمر عليها كثير من المؤرخين دون أن تلفت انتباههم والتي تنصّ على أن الزهراء؟عها؟ لم تكن لتخرم في مشيتها مشية أبيها صل الله عليه و آله[67] ۔ في أنه من المحتمل تعمد الزهراء؟عها؟ تقليد مشية أبيها وذلك لسبب لطيف يذكره السيد بقوله: فهي قد اعتادت تقليد أباها في سائر أفعاله وأقواله، ويحتمل أنها قد عمدت إلى تقليد أبيها في مشيته عن قصد لكي تستولي على المشاعر وإحساس الناس وعواطف الجمهور بهذا التقليد الباهر الذي يدفع بأفكارهم إلى سفر قصير وتجول لذيذ في الماضي القريب، حيث عهد النبوة المقدس والأيام الضواحك التي قضوها تحت ظلال نبيهم الأعظم صل الله عليه و آله، فيكون في إرهاف هذه الإحساسات وصقلها صقلاً عاطفياً ما يمهّد للزهراء الشروع في مقصودها ويوطّئ القلوب لتقبل دعوتها الصارخة واستجابة استنقاذها الحزين، ونجاح محاولتها اليائسة.[68]
كما يتميز أسلوب السيد الصدر بالتجديد والتغيير والإبداع سواء في طرح الآراء والنظريات وهو يدرك تماماً أن الإبداع في سائر العلوم يعتمد على ظاهرة التجديد، لذا نلمس تمتع السيد بهذه القدرة فيما يتناوله من علوم ونظريات ومن الطريقة والاستنتاج، لذا نراه قد طرق نواحي لم تكن مطروقة في آفاق المعرفة، وأسس مناهج لم تكن معروفة من قبل وستظل مدينة لهذا المفكر. ومما يدل على تنبيه لهذه الظاهرة قوله:
يجب أن نفتح أعيننا على العالم، يجب أن نعيش الخبرة والتجربة في العالم، يجب أن نفكر في أساليب العمل لا بالطريقة التي نفكر بها في علم الأصول، نغمض أعيننا ونجلس في الغرفة ونفكر في أن الترتيب مستحيل أو ممكن.[69]
لكن كيف كان يأتي السيد بالجديد؟ فكيف كان يتوصل إلى الأحكام والمفاهيم العامة الجديدة؟ يقول في هذا الصدد:
إننا نلتقي بتلك الأحكام والمفاهيم وجهاً لوجه وبصورة مباشرة في النصوص الإسلامية التي تشتمل على التشريع أو على وجهة نظر إسلامية معينة. فليس علينا إلا أن نستحضر نصوص القرآن الكريم والسنة بهذا الصدد، لنجمع العدد الكافي من الأحكام والمفاهيم التي نصل بها في نهاية الشوط إلى النظريات المذهبية العامة.[70]
لكن ينبّهنا السيد الشهيد في نفس الوقت إلى أن عملية الاجتهاد والاكتشاف والإتيان بالجديد تواجه خطراً يجب الحذر منه وهو تسرب الذاتية، فيقول: (وأما الخطر الذي يحفّ بعملية الاكتشاف القائمة على أساس الاجتهاد في فهم الأحكام والمفاهيم من النصوص فهو خطر العنصر الذاتي وتسرب الذاتية إلى عملية الاجتهاد)[71] والسيد الشهيد هنا عند تطرّقه لخطر الذاتية على عملية الاجتهاد والإتيان بجديد قد تناولها أساساً ليبيّن خطرها على اكتشاف الاقتصاد الإسلامي، وإنها تشكّل خطراً أكبر من عملية الاجتهاد في أحكام أخرى فردية، لكننا نرى في تلك الأخطار والتنبيهات منهجاً مفيداً للباحث مهما كان اختصاصه. كما يشير السيد إلى أن الموضوعية كلما توفّرت كانت عملية الاكتشاف أدق في تحقيق الهدف. أما إذا فهم النصوص شيئاً من ذاته وساهم في الغطاء، فإن البحث يفقد بذلك أمانته الموضوعية وطابعه الاكتشافي الحقيقي، ويشتدّ خطر الذاتية عندما تفصل بين الشخص الممارس للنصوص فواصل تاريخية وواقعية كبيرة، وحينما يعيش الممارس واقعاً مخالفاً كل المخالفة لطريقة النصوص في علاج تلك القضايا)[72] إذن منابع خطر الذاتية كما يشرحها السيد الصدر تتلخص في:
أ۔ تبرير الواقع ب ۔ دمج النص ضمن إطار خاص ج ۔ تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه د ۔ اتخاذ موقف معين بصورة مسبقة تجاه النص.
أـ عرّف تبرير الواقع: بأنه المحاولة التي يندفع فيها الممارس بقصد أو بدون قصد إلى تطوير النصوص وفهمها فهماً خاصاً يبرز الواقع الفاسد الذي يعيشه الممارس، ويعتبره ضرورة واقعة لا مناص عنها نظير ما قام به بعض المفكرين المسلمين من تأويل أدلة حرمة الربا والفائدة.
ب _ دمج النص ضمن إطار خاص: يقصد به الصدر دراسة النص في إطار فكري غير إسلامي، وهذا الإطار قد يكون منبثقاً عن الواقع المعاش وقد لا يكون فيحاول الممارس أن يفهم النص ضمن ذلك الإطار المعنى، فإذا وجده لا ينسجم مع إطاره الفكري أهمله واجتازه إلى نصوص أخرى تواكب إطاره أو لا تصطدم به على أقل تقدير. وضرب السيد الصدر مثالاً على ذلك هو إهمال البعض لنصوص تحدّ من سلطة المالك وتسمح أحياناً بانتزاع الأرض منه.
جـ _ تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه: وهي عملية تمديد للدليل دون مبرر، ويقول: إن هذه العملية كثيراً ما ترتكب باسم التقرير[73] وهذا النوع من الأدلة له أثر كبير على عملية الاجتهاد من الأحكام والمفاهيم التي تتصل بالمذهب الاقتصادي، لذا أبرز خطره الصدر.
د _ اتخاذ موقف معين بصورة مسبقة تجاه النص: يقصد بعد اتخاذ موقف معين تجاه النص أي الاتجاه النفسي الباحث وهذا الاتجاه له أثر كبير على عملية فهم النصوص وإخفاء بعض معالم التشريع ويؤدي أحيانا إلى التضليل في فهم النص التشريعي، بل والخطأ في استنباط الحكم الشرعي منه.[74]
رغم ذلك يؤكد السيد الصدر على ضرورة الذاتية أحيانا في مجال اختيار الصورة التي يراد أخذها مثلاً عن الاقتصاد في الإسلام من بين مجموع الصور التي تمثل مختلف الاجتهادات الفقهية المشروعة ويؤكد السيد الصدر أن ممارسة هذا المجال الذاتي ومنع الممارس حقاً في الاختيار ضمن الإطار العام للاجتهاد في الشريعة قد يكون أحياناً شرطاً ضرورياً من الناحية الفنية لعملية الاكتشاف وليس أمراً جائزاً فحسب.[75]
ومن الأسباب التي تجعل الصدر رضوان الله عليه مجدداً هو أنه يمزج ما حصله من علوم وشروط بروح العصر، فكما يقول د.عاصي في مقدمة السنن التاريخية واصفاً طريقة السيد:
إن أي مفسر يجب أن تتوفر فيه شروط عدّدها التفتازاني في خمسة عشر علماً: اللغة، النحو، التعريف، الاشتقاق، المعاني، البديع، القراءات، أصول الدين، الفقه، أسباب النزول، القصص، الناسخ والمنسوخ، الحديث إضافة إلى الموهبة والاستعداد الشخصي، أما عند الباقر فكما تفسيره كذلك هي شروط تفسيره مختلفة: أن يحمل المفسر كل تراث البشرية التي عاشه، يحمل أفكار عصره يحمل المقولات التي تعلمها في تجربته البشرية، ثم يصفها بين يدي القرآن ليحكم على هذه الحصيلة بما يمكن لهذا المفسر أن يفهمه، أن يستشفه ويستنطقه أن يتبينه من خلال مجموع آياته.[76]
ومن مظاهر هذا التحديد طرحه مثلاً للعصمة حيث يفرق بين العصمة عند ماركس وفي المقاييس الإسلامية، فيقول:
(أي اتجاه عقائدي في العالم يريد أن يبني الإنسان من جديد في إطاره ويريد أن ينشئ للإنسانية معالم جديدة فكرية وروحية واجتماعية يشترط لأن ينجح وأن يتنجز وأن يأخذ مجراه في خط التاريخ، يشترط أن يكون القائد الذي يمارس هذا الاتجاه معصوماً).
والقائد في نظر الماركسية مثلاً بوصفها اتجاهاً عقائدياً يريد أن يبني ويصنع الإنسان ويبلوره في إطاره الخاص يشترط فيه أن يكون معصوماً. إلا أن مقاييس العصمة تختلف مع الاتجاه الماركسي يجب أن يكون القائد الذي يمارس تطبيقه معصوماً بمقاييس ماركسية، والقائد الذي يمارس زعامة التجربة الإسلامية يجب أن يكون معصوماً بمقاييس إسلامية، والعصمة في الحالتين بمفهوم واحد.[77]
وفي مجال إثبات أفضلية علي عليه السلام على أبي بكر ومكانته بين الناس ربطها بإحدى النظريات الطبيعية بقوله:
وأنا لا أدري كيف صار الازدواج بين الجاهلية والإسلام في حياة شخص واحد مجداً يمتاز به عمن خلصت حياته كلها لله. ولئن ظهرت للناس في البحوث الجديدة القوة الطبيعية التي تجعل الأجسام الدائرة حول المحور تسير في خط معين، فلقد ظهرت في علي قبل مئات السنين قوة مثلها، ولكنها ليست من حقائق الفيزياء بل من قوى السماء وهي التي جعلت من علي مناعة طبيعية للإسلام حفظت مقامه الأعلى ما دام الإمام حياً ومحوراً تدور عليه الحياة الإسلاميه لتستمد منه روحانيتها وثقافتها وروحها وجوهرها سواءً أكان على رأس الحكم أو لا).[78]
كما طرح أطروحته الجديدة في البنك اللاربوي لتنظيم علاقات البنك بالمودِعين والمستثمرين، فيقول:
والفكرة الأساسية التي أحاول عرضها لتطوير البنك على أساس إسلامي يصونه من التعاطي بالربا ترتكز على تصنيف الودائع التي يتسلمها إلى ودائع ثابتة وأخرى متحركة ۔ جارية ۔ ففي الودائع الثابتة ترفض الصياغة القانونية المستخدمة في البنوك العادية لعلاقة البنك بالمودعين والمستثمرين وتُعطى بدلاً عنها صياغة قانونية أخرى تنشأ بموجبها علاقة قانونية مباشرة بين المودعين والمستثمرين، ويمارس البنك ضمنها دوره كوسيط بين الطرفين، وبذلك تصبح الصياغة القانونية لعلاقة البنك بالمودعين والمستثمرين أكثر انطباقاً على واقع تلك العلاقه.[79]
وللسيد الصدر تطويراته الخاصة في علم أصول الفقه ومنها نظريته الجديدة في تفسير الأحكام الظاهرية، ونظرية التعويض. أما في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء فتناول فيه نظريته المسماة بنظرية الاحتمال[80].[81]
كما استخدم السيد الصدر نظرية (التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة) لحل مشكلة التناقض في علاقة الإنسان والطبيعة.[82]
يقول السيد الصدر:
إن لهذا التناقض حل مستمد من قانون موضوعي يمثّل سنة من سنن التاريخ الثابتة، وهذا القانون هو قانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة، ذلك لأن الإنسان كلما تضاءل جهله بالطبيعة وكلما ازدادت خبرته بلغتها وبقوانينها ازداد سيطرةً عليها وتمكّناً من تطويعها وتذليلها لحاجاته، وحيث أن كل خبرة تتولد في هذا الحقل عادة من الممارسة وكل ممارسة تولّد بدورها خبرة ولهذا كان قانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة قانوناً موضوعياً يكفل حل هذا التناقض، يقدّم الحل المستمر والمتنامي لهذا التناقض بين الإنسان والطبيعة.[83]
ويدلل السيد الصدر على هذه النظرية بالآية القرآنية <وَ آتٰاكُمْ مِنْ كُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّٰهِ لاٰ تُحْصُوهٰا>.[84] يقول السيد في شرح الآية:
تتكلم الآية عن الإنسانية ككل، عمن هو مؤمن او غير مؤمن بالله <وَ آتٰاكُمْ مِنْ كُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ> هنا إيتاء، استجابة فعلية بعطاء ما سئل عنه، فأكبر الظن أن هذا السؤال من الإنسانية ككل وعلى مر التاريخ وعبر الماضي والحاضر والمستقبل يتمثل في السؤال الفعلي والطلب التكويني الذي يحقق باستمرار التطبيقات التاريخية لقانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة، هذه هي المشكلة التي يواجهها الخط الأول من العلاقات وهذا هو الحل الذي يوضع لهذه المشكلة.[85]
وعند حديث السيد الصدر عن التفسير التجزيئي والتفسير الموضوعي قد لاحظ تركيزه على أفضلية التفسير الموضوعي؛ لأننا نتمكن من خلاله التوصل إلى نظريات عديدة، فنحن بحاجة إلى أن نعرف نظرية بشأن النبوة أن نفهم سنن التاريخ، فطرح السيد بنفسه هذا السؤال فقال: (قد يقال: ما الضرورة إلى تحصيل هذه النظريات الأساسية؟ فالنبي لم يعط هذه النظريات وإنما أعطى القرآن بهذا الترتيب للمسلمين، فما الضرورة إلى أن نتعب أنفسنا؟) ويجيب السيد الصدر بضرورة هذا الأمر بقوله:
الصحابه عاشوا في كنف الرسول الأعظم صل الله عليه و آله إذا كانوا لم يتلقوا النظريات بصيغ عامة تلقّوها تلقياً إجمالياً ارتكازياً انتقشت في أذهانهم وسرت في أفكارهم، كان المناخ العام، الإطار الاجتماعي والروحي والفكري الذي يعيشونه، كله كان إطاراً مساعداً على تفهم هذه النظريات ولو تفهماً إجمالياً، أما حيث لا يوجد ذلك المناخ، ذلك الإطار، إذن تكون الحاجة إلى دراسة النظريات القرآنية في الإسلام حاجة ملحة، خصوصاً مع بروز نظريات من خلال تفاعل إنسان العالم الإسلامي مع إنسان العالم الغربي بكل ما يملك من رصيد عظيم ومن ثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية. حينما وقع هذا التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي وجد الإنسان المسلم نفسه أمام نظريات كثيرة في مختلف مجالات الحياة، فكان لابد لكي يحدّد موقف الإسلام من هذه النظريات، كان لابد وأن يستنطق نصوص الإسلام، لابد وأن يتوغل في أعماق هذه النصوص لكي يصل إلى مواقف الإسلام الحقيقية سلباً وإيجاباً، لكي يكتشف نظريات الإسلام.[86]
إذن الضرورة إلى كشف النظريات في رأي السيد الصدر تدعوها عدم توفر ذلك المناخ الروحي والاجتماعي والفكري الذي كان على زمن الرسول في زمننا، ثم بروز النظريات الغربية دعت إلى كشف موقف الإسلام منها باستخلاصها من القرآن الكريم. وهناك أمثلة على نظريات استخلصها باستنطاق القرآن والخاصة بالسنن منها أن ارتباط السنن التاريخية ارتباط شديد بكتاب الله بوصفه كتاب هدى وإخراج للناس من الظلمات إلى النور، ومنها صفات السنن التاريخية كونها ربانية وذات طابع علمي وتتميز بالاضطراد.[87]
بل إن رغبة السيد الشهيد بالتجديد والتحديث كما ألمحنا سابقاً امتدت إلى المؤسسة الحوزوية فيقول:
(إني أعتقد أن على الحوزات العلمية أن تدخل للعصر؛ لأنني أزعم أنها لا تزال تعيش في قرون سابقة من خلال مضمون دراستها. وأننا ندرس ونكتب الفقه تحت عناوين الحاجات التي كانت موجودة قبل ألف سنة). وقد ضرب أمثلة على تلك الكتب مثل (معالم أصول الفقه) (وشرح اللمعه الدمشقيه).[88]
أما من ناحية استخدامه مصطلحات جديدة فلقد استخدم في عباراته ألفاظاً حديثة وطبّقها على أحداث ومفرزات قديمة. فهو حينما يصف تحول الحكم بعد وفاة النبي ونزعه من شكله الأول الذي يستمد قوته وسلطته من السماء إلى النظام الذي نتج عن السقيفة (بالشكل الجمهوري)، وتحوّل الحكم هذا سماه بـ(الانقلاب) استخدامه كلمة (تأميم) حينما قال الصدر في عبارته: (فالمطالبة بالميراث لابد أنها كانت صدى لما قام به الخليفة من تأميمه للتركة ۔ على ما نقول اليوم ۔ والاستيلاء عليها).[89]
وحينما ذكر أن هناك من الصحابة من لديه (طاقة حرارية) وهناك من يملك (الوعي) وذكر أن هناك فرقاً بينهم. فـ(الوعي) مفهوم فسره السيد عبارة عن الفهم الفعّال الإيجابي المحقق للإسلام في نفس الأمة، والذي يتأصل ويستأصل جذور المفاهيم الجاهلية السابقة استئصالاً كاملاً، ويحوّل تمام مرافق الإنسان من مرافق الفكر الجاهلي إلى مرافق الفكر الإسلامي والذوق الإسلامي. أما مصطلح الطاقة الحرارية فيشرحه السيد بقوله:
هي عبارة عن توهج عاطفي حارٍ مسعور قد يبلغ في مظاهره نفسَ ما يبلغه الوعي عن ظواهره بحيث يختلط الأمر؛ فلا يميَّز بين الأمة التي تحمل مثل هذه الطاقة الحرارية وبين أمة تتمتع بذلك الوعي الا بعد التبصر.[90]
كما كان يطلق على مطالبة الزهراء بحقها في إرثها فدك باسم (ثورة). كما استخدم لفظ (التشكيلات الحزبية)، فقال:
إن الزهراء هي أول من أعلنت ۔ إن لم يكن زوجها هو المعلن الأول ۔ عن التشكيلات الحزبية للجماعة الحاكمة، واتهمتها بالتآمر السياسي.[91]
وحينما يشير إلى مصطلح (العمل التاريخي) فيقول: (إن العمل التاريخي الذي تحكمه سنن التاريخ هو العمل الذي يكون حاملاً لعلاقة مع هدف وغاية، ويكون في نفس الوقت ذا أرضية أوسع من حدود الفرد، ذا موج يتخذ من المجتمع علة مادية له وبهذا يكون عمل المجتمع). كما استخدم لفظ (الساحة التاريخية) وهي (عبارة عن الساحة التي تحوي تلك الحوادث والقضايا التي يهتم بها المؤرخون). كما يستخدم مصطلح (الثائر النبوي) ويعرّفه بأنه (ذلك الإنسان الذي يؤمن بأن الإنسان يستمد قيمته من سعيه الحثيث نحو الله، واستيعابه لكل ما يعنيه هذا السعي من قيم إنسانية، ويشنّ حرباً لا هوادة فيها على الاستقلال). وحين يذكر مصطلح (النظرة الطريقية إلى الدنيا) فيقول: (لم يطرح الإسلام النظرة الطريقية إلى الدنيا بوصفها مجرد تصور ذهني بحت، بل ربط النظرة بالسلوك الذي يجسّدها).[92]
ونجد السيد الصدر بنفسه يهتم بأن تكون مصطلحات المستخدمة في طرح القضايا مفهومة، فنجده يركّز على تجديد هذه المصطلحات وشرحها وتخصيص أوراق خاصة لها، مثلما فعل في سلسلة الإسلام يقود الحياة رقم (3) عندما كتب عن الخطوط التفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، فقد أفرد الصفحات 20، 21، 22، 23 فقط لذكر مصطلحات اقتصادية وشرحها، مثل الملكية العامة، ملكية الدولة، ملكية الأمة، المباحثات العامة، الحمى، الإحياء، القطاع العام والخاص، الإنتاج الأولي والثانوي.[93]
كما نلاحظ أن كثيراً من مسمّيات مؤلفنا الصدر تنتهي بحرف الـ(نا) مثل (فلسفتنا)، (اقتصادنا)، (مجتمعنا[94])، ويفسر د. أحمد عاصي الـ(نا) أنها هي التي تحدّد الهوية والانتماء. الهوية: الإسلام، العقيدة والفكر. والانتماء: الحضارة والتراث.[95]
فالسيد الصدر يريد الرد على من يتحدى الإسلام ويتهمه بالقصور والتخلف ويجابههم بما لدى الإسلام من قدرة على فرض روحه وثقافته وحضارته ومواكبة الزمن وحركة التقدم.
التحرر المذهبي
يتميز السيد الصدر في كتاباته بعدم التحيز المذهبي رغم انتمائه للمذهب الشيعي، بل إنه يأخذ بآراء المذاهب الأخرى، فيقول د. الحسن:
على الرغم من أن السيد الصدر ينتمي إلى مذهب أهل البيت فقهياً المذهب الشيعي، فإننا لانجد هذا الانتماء عائقاً له أن يأخذ آراء المذاهب الفقهية الأخرى الشافعي والمالكي والحنبلي ۔ مذاهب السنة۔[96]
وفي معالجته (إن الحاجة إلى علم الأصول حاجة تاريخية) نجد ما يؤيد تحرر السيد المذهبي حيث يقول:
وعلى الضوء المتقدم الذي يقرر أن الحاجة إلى علم الأصول حاجة تاريخية نستطيع أن نفسر الفارق الزمني بين ازدهار علم الأصول في نطاق التفكير الفقهي السني وازدهاره في نطاق تفكيرنا الفقهي الإمامي، فإن التاريخ يشير إلى أن علم الأصول ترعرع وازدهر نسبياً في نطاق الفقه السني قبل ترعرعه وازدهاره في نطاقنا الفقهي الإمامي، حتى أنه يقال: إن علم الأصول على الصعيد السني دخل في دور التصنيف في أواخر القرن الثاني، إذ ألّف في الأصول كل من الشافعي ۔ ت 182ق ۔ ومحمد بن الحسن الشيباني ۔ ت 189 ۔ بينما لا نجد التصنيف الوارد في علم الأصول على الصعيد الشيعي إلا في أعقاب الغيبة الصغرى، أي في مطلع القرن الرابع بالرغم من وجود رسائل سابقة لبعض أصحاب الأئمة عليهم السلام في مواضيع أصولية متفرقة.[97]
كما استعان السيد الصدر بآراء كل من فقهاء أهل البيت والمالكية والأحناف في مسألة إحياء الأرض الموات؛ فقد أورد حديثاً لمالك في هذه المسألة:
وقال الإمام مالك: ولو أن رجلاً أحيا أرضاً مواتاً ثم أهملها بعدُ، حتى تهدمت آبارها وهلكت أشجارها وطال زمانها حتى عفت بحال ما وصفت لك وصارت إلى حالها الأول، ثم أحياها آخر بعده، لكانت لمن أحياها بمنزلة الذي أحياها أول مرة. ۔ من كتاب المدونة ۔ وقال بعض فقهاء الأحناف بهذا أيضاً، معللين ذلك بأن الأول ملك استغلال الأرض لا رقبتها، فإذا كان تركها كان الثاني أحق بها. ۔ من كتاب الهداية للمدغنياني ۔.[98]
كما يقول في كتاب اقتصادنا تلك العبارات والتي تدل على التحرر المذهبي:
ليس كل ما يُعرض من أحكام في هذا الكتاب ويتبنى ويُستدل عليه نتيجة لاجتهاد المؤلف شخصياً، بل قد يُعرض في بعض النقاط لما لا يتفق مع اجتهاده ما دام يعبر عن وجهة نظر اجتهادية أخرى تحمل الطابع الإسلامي والصفة الشرعية.[99]
ومن معرض تأييده للتحرر المذهبي والابتعاد عن التعصب كان يقول: (كان الأئمة عليهم السلام يفكرون في أن يقدموا الإسلام لمجموع الأمة الإسلامية.. كانوا يعملون على خطين، خط بناء المسلمين الشيعيين الصالحين وخط ضرب المثل الأعلى لمجموع المسلمين بقطع النظر عن كونهم شيعه أو سنة). ويورد الدليل على ذلك بقوله:
هناك علماء من كبار علماء السنة أفتوا بوجوب الجهاد وبوجوب القتال بين يدى ثوّار آل محمد صل الله عليه و آله: أبوحنيفة النعمان قبل أن ينحرف، قبل أن يرشيَه السلطان ويصبح من فقهاء عمّال السلطان، أبوحنيفة نفسه ۔ الذي كان من أعيان السنة ومن زعماء السنة هو نفسه ۔ خرج مقاتلاً ومجاهداً مع راية من رايات آل علي عليه السلام وأفتى بالجهاد مع راية من رايات آل علي عليه السلام مع راية تحمل شعار علي بن أبي طالب عليه السلام، كل هذا قبل أن يتعامل مع السلاطين.[100]
وكان السيد رضوان الله عليه حتى في خطاباته إلى الشعب العراقي كان يحرص على المساواة بين أبناء الشعب العراقي، فيقول في بيانه الثالث للشعب العراقي العبارة التالية:
يا شعبي العراقي العزيز.. يا أيها الشعب العظيم إني أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنتك وشيعتك؛ لأن المحنة لا تخص مذهباً دون آخر ولا قومية دون أخرى، كما أن المحنة هي محنة كل الشعب العراقي.[101]
وكان لتحرر السيد الصدر المذهبي أثراً في انتشار كتبه في العالم والعالم الإسلامي بشكل خاص حتى أصبح السني يسارع إلى كتبه كما كان الشيعي ويقول بهذا الشأن الصحفي التونسي نور الدين:
ولست أنس الآن حين أعود بالذاكرة ما يقرب من عشرين سنة إلى الوراء نفسي وأنا لم أكمل بعد السنة الرابعة عشرة من عمرى أكلف نفسي عناء العمل لدى أحد جيراننا مع ثلة من الرجال أكبر مني سناً وأقوى مني عضلات وسواعد لمدة ثلاثة أيام متتالية لكي أجمع مبلغاً يساوى سبع دولارات ونصف لأشتري بها كتاب اقتصادنا.[102]
ملكة النقد والتحقيق عند السيد الصدر رضوان الله عليه
انتقد السيد الصدر كثير من الآراء والأفكار المطروحة على الساحة، ومن أهم هذه الأفكار والاتجاهات ما يرتكبه كثير من الاقتصاديين الذين يدرسون اقتصاد البلاد المتخلفة وينقلون إليها المناهج الأوروبية للتنمية دون أن يأخذوا بعين الاعتبار درجة أفكاره، تفاعل شعوب تلك البلاد مع هذه المناهج ومدى قدرة هذه المناهج المنقولة على الالتحام مع الأمة.[103]
وينقد السيد الصدر نظرية العامل الواحد في التاريخ والمعروف أن كثيراً من المفكرين والكتّاب قد اتجهوا في تفسير المجتمع والتاريخ بعامل واحد هو المؤثر في دنيا الإنسان والمؤثر في عمليات التاريخ؛ أما العوامل الأخرى فهي جانبية تابعة للعامل الرئيس في تطورها واستمرارها. وقد عرض هذه الآراء فقال:
فمن ألوان هذا الاتجاه الرأي القائل بالجنس كسبب أعلى من المضمار الاجتماعي، ومنهم من يفسر التاريخ بالمفهوم الجغرافي والطبيعي كأساس لتاريخ الأمم والشعوب. وآخر هذه المحاولات التي ضجت لتفسير التاريخ والإنسان بعامل واحد وهي المادية التاريخية[104] التي بشّر بها ماركس والتي تقول بأن العامل الاقتصادي هو العامل الرئيسي في نشوء المجتمع وتطوره.
وينتقد السيد الصدر هذه الآراء بقوله:
إن كل هذه المحاولات لا تتفق مع الواقع ولا يقرّها الإسلام؛ لأن كل واحد منها قد حاول أن يستوعب بعامل واحد تفسير الحياة الإنسانية كلها، وأن يهب هذا العامل من أدوار التاريخ وفصول المجتمع ما ليس جديراً به لدى الحساب الشامل الدقيق.[105]
وفي معرض نقد السيد الصدر للدكتور عباس محمود العقاد في كتابه (فاطمة والفاطميون) نقل نصاً من هذا الكتاب والخاص بالقضية التي يطرحها السيد الصدر والخاصة بمطالبة الزهراء؟عها؟ بفدك، ثم بدأ يحلل هذا النص ليلقي الضوء على الأفكار الموجه إليها النقد، فيقول النص:
والحديث في مسألة فدك هو كذلك من الأحاديث التي لا تنتهي إلى مقطع للقول متفقٍ عليه، غير أن الصدق فيه: لا مراء أن الزهراء أجلّ من أن تطلب ما ليس لها بحق، وأن الصديق أجلّ من أن يسلبها حقها الذي تقوم به البينة عليه، ومن أسخف ما قيل إنه منعها فدك مخافة أن ينفق علي غلّتها على الدعوة إليه؛ فقد ولي الخلافة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي ولم يسمع أن أحداً بايعهم لمال أخذه منهم، ولم يرد ذكر شيء من هذا في إشاعة ولا في خبر يقين، وما نعلم تزكية لذمة الحكم من عهد الخليفة الأول أوضح بينة من حكمه في مسألة فدك، فقد كان يكسب برضا فاطمه، ويرضي الصحابة برضاها، وما أخذ من فدك شيئاً لنفسه فيما ادعاه عليه مدع، وإنما هو الحرج في ذمة الحكم بلغ أقصاه بهذه القضية بين هؤلاء الحضوم الصادقين المصدقين (رضوان الله عليهم أجمعين). وأبتر السيد الصدر نقده لنص العقاد من أول جملة حينما ذكر أن الحديث عن فدك من القضايا التي لا يمكن الوصول في دراستها إلى قرار ثم في نفس الوقت رأى أن في مسألة فدك حقيقتين لا نقاش فيها أن الزهراء أرفع من أن تنالها بكذب، والحقيقة الأخرى أن الصديق أجل من أن يسلبها حقها الذي ثبتته البينة، فيقول الصدر: (فإذا لم يكن في صحة موقف الخليفة واتفاقه مع القانون جدال ففيم الجدال الذي لا قرار له؟ ولِمَ لا تنتهي مسألة فدك إلى مقطع للقول متفق عليه؟![106]
وهنا ينتقد تناقض أقوال العقاد في ملاحظة لطيفة ويسترسل السيد الصدر استرسالاً نقدياً محللاً:
وأنا أفهم أن للكاتب الحرية في أن يسجل رأيه في الموضوع، أي موضوع كما يشاء، وكما يشاء له تفكيره بعد أن يرسم للقارئ مدارك ذلك الرأي، وبعد أن يدخل في تقديرات المسألة كلها في الحساب ليخرج منها بتقدير معين، ولكن لا أفهم أن يقول أن المسألة موضوع لبحث الباحثين ثم لا يأتي إلا برأي مجرد عن المدارك يحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح وإلى كثير من البحث والنظر. فإذا كانت الزهراء أرفع من كل تهمة فما حاجتها إلى البينة، وهل تمنع التشريعات القضائية في الإسلام عن أن يحكم العالم استناداً إلى علمه؟ وإذا كانت تمنع عن ذلك فهل معنى هذا أن يجوز في عرف الدين سلب الشيء من المالك؟ هذه الأسئلة ومعها أسئلة أخرى أيضاً في المسائل تتطلب جواباً علمياً.[107]
الأمانة العلمية
تميّز السيد الصدر بالأمانة العلمية ونقل فكرة الخصم بأفضل صورة وبدقة وبدون تحريف، وقد مر بنا نص العقاد الذي نقله بكل أمانة ودون تحريف من كتاب فاطمة والفاطميون.[108]
كما نقل بكل دقة وأمانة النص الخاص بستالين في كتاب اقتصادنا أثناء الكلام عن الدليل السيكولوجي على المادية التاريخية، فنقل النص كما يلى:
قال ستالين: يقال إن الأفكار تأتي في روح الإنسان قبل أن تعبّر عن نفسها في الحديث، وإنها تولَد دون أدوات اللغة، أي دون إطار اللغة، أو بعبارة أخرى تولد عارية، إلا أن هذا خطأ تماماً، فمهما كانت الأفكار التي تأتي في روح الإنسان فلا يمكن أن تولَد وتوجد إلا على أساس أدوات اللغة، أي على أساس الألفاظ والجمل اللغوية.
وعلق السيد الصدر بكل أمانة بقوله: (وهكذا ربط ستالين بين الفكر واللغة، واعتبر اللغة أساساً لوجود الفكر فلا يمكن الحديث عن أفكار عارية دون أدوات اللغة.
وأكمل السيد حديثه يقول وكتب بولتزير معلقاً على كلام ستالين الآنف الذكر:
ولقد لاقت مبادئ المادية الجدلية هذه تدعيماً باهراً في العلوم الطبيعية بفضل الأبحاث الفسيولوجية التي قام بها العالم العظيم بافلوف.. .
ثم علق السيد الصدر بالهامش حيث قال: ونودّ أن نشير بهذه المناسبة إلى أن هذا الكتاب ليس منه نتاج جورج بولتزير، وإنما قام بتأليفه كاتبان ماركسيان هما (جي ميس) (وموريس كافيج) ومنحا كتابهما اسم (بولتزير) ولأجل هذا نضيف ما في هذا الكتاب إليه.[109]
كما استعان في معرض حديثه عن عزوف الصحابة عن السؤال على أيام النبي في قول عمر بن الخطاب أخذه من سنن الدارمي ۔ 1/50 ۔: (وكان عمر يقول لا يحل لأحد أن يسأل عما لم يكن، أن الله قد قضى فيما هو كائن).[110]
وللتدليل على أن الصحابة أمسكوا عن تدوين آثار رسول الله صل الله عليه و آله فقد ذكر بدقة المصدر بقوله:
وقد أخرج الهروي في ذم الكلام عن طريق يحيى بن سعد عن عبدالله بن دينار، قال: .. إن الخليفة الثاني ظلّ يفكّر في الموقف الأفضل تجاه سنة الرسول واستمر به التفكير شهراً ثم أعلن منعه عن تسجيل شيء.[111]
وحينما يتكلم عن حياة الصديق وعمر أيام رسول الله صل الله عليه و آله يقول:
فهل تجد فيها إلا تخاذلاً وضعفاً في الحياة المبدئية والحياة العسكرية، يظهر تارة في التجائه إلى العريش، وأخرى في فراره يوم أحد وهزيمته في غزوة حنين.
واعتمد في ذلك على مصدر السيرة الحلبية ۔ ص3، ص123 ۔ ثم عقّب في الهامش بعد ذكر المصدر إذ حصر الثابتين:
وأما فرار الفاروق في ذلك اليوم فقد جاء ما يدل عليه في صحيح البخاري، إذ روى بإسناده عمن شهد يوم حنين أنه قال: وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. فإن هذا يوضّح أن عمر كان من بين المنهزمين.[112]
كما أنه في معرض تعليقه على خطبة الزهراء، نقل قبسات من خطبتها بكل أمانة وحرص على النقل بما يدل على المعنى المراد الوصول إليه مثال (ثم قبضه إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار، فمحمد صل الله عليه و آله عن تعب هذه الدار في راحة قد حُفّ بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار).[113]
كما كان السيد دقيقاً في ذكر المصادر والنقل، كذلك في ذكر الهوامش من نهاية الصفحات. فعندما قال:
كانت فتنة في رأي الزهراء ۔ على الأقل ۔ لأنها خروج على الحكومة الإسلامية الشرعية القائمة في شخص علي هارون النبي صل الله عليه و آله والأولى من المسلمين بأنفسهم.
فأشار في الهامش:
بعض حديث الغدير رواه 111 من الصحابة، و84 من التابعين بإحسان، و353 مؤلف من إخواننا السنة، كما يظهر بمراجعة كتاب الغدير للعلامة الأميني. وأحب أن ألاحظ هنا أن كثيراً من القرآن لم يروه من الصحابة عدد يبلغ مبلغ الرواة لحديث الغدير منهم، فالتشكيك فيه ينتهي بالمشكك إلى التشكيك في القرآن الكريم. وأما دلالة الحديث على خلافة علي وإمامته فهي أيضاً ترتفع عن التشكيك لوضوحها وبداهتها، وتعدد القرائن عليها. ولتراجع في ذلك مراجعات سيدنا سادن المذهب ۔ يقصد السيد عبدالحسين شرف الدين ۔.[114]
ويرجع في كثير من مصادره لإثبات قضايا مذهبية إلى مصادر سنية موثوقة مثل ابن الأثير في الكامل والعقد الفريد. فحينما يشير إلى الفتن التي ستشهدها الأمة بعد وفاة النبي، فيرجع إلى نص من تاريخ ابن الأثير، فيقول: (وخليق بنا أن نسأل عما عناه النبي صل الله عليه و آله بالفتن التي جاء ذكرها في مناجاته لقبور البقيع في أخريات أيامه، إذ يقول: ليهنكم ما أصبحتم فيه قد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم)[115] فهو يرجع إلى الكامل في التاريخ ويحدد الجزء والصفحة.
الخلق العلمي
إن أخلاقيات السيد الصدر والتي ذكرناها في سيرته الشخصية لنراها تنعكس على منهجه النقدي والعلمي، فتواضعه الشديد وزهده أدى إلى تنازل عن حقه حتى في ذكر الاسم على مؤلفه، ويجعله يتنازل أيضاً عن حقه الشخصي في النقد مع عدم غض الطرف عن الخطاء العلمي. فالسيد رضوان الله عليه يتدفق بمن ينتقدهم ولا يبخسهم حقهم وإجلالهم في نفس الوقت بل ويعطيهم جميلة عن اعتراضه الذي يمتزج فيها الأدب العلمي مع الإخلاص للحقيقة العلمية. فهو يورد مثلاً عبارة في (الفوائد الربوية) يقول: (إننا لا نتفق مع وجهة نظر بعض الأعلام دامت بركاته)، فقال أولاً (لا نتفق) ولم يقل أخطأ. ثم قال (بعض الأعلام) فوصف خصمه ببعض الأعلام. ثم أرفقه دامت بركاته: دعا لخصمه بدوام بركاته وهو في كل هذا لا يذهب مذهبه في الرأي.[116]
ولا يكتفي السيد الصدر بجعل الخصومة شريفة فحسب وإنما أخوية أيضاً. فها هو يثني على شخصية صدر الدين الشيرازي ويلّخص نظريته في حاشية لم يتسع لها بحثه رغم وجود اعتراض عليه. فيقول في معرض حديثه على حركة التطور ومجرى الحركة الفلسفية في كتاب فلسفتنا: (وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الإسلامية على يد الفيلسوف الإسلامي الكبير صدرالدين الشيرازى فوضع نظرية الحركة العامة)[117] فنعته هنا بالفيلسوف الكبير أيضاً رغم أنه لا يذهب مذهبه في الرأي.
وحينما نقد العقاد في كتابه (فاطمة والفاطميون) أورد العبارة التالية: (وأريد أن أكون حراً وإذن فإني أستميح الأستاذ أن ألاحظ أن تزكية موقف الخليفة والصديقة معاً أمر غير ممكن).[118] فهو يقول (أستميح) ويطلب السماح ويقول (وأن ألاحظ) ولم يُخطئ خصمه بكلمات غير مناسبة. ونجده في معرض حديثه عن النظرية المادية ودور ريكاردو لم يبخس ماركس حقه في كتاب اقتصادنا، فقال:
غير أن ريكاردو كان بحق هو الذي أعطى النظرية معنى الشمول والاستيعاب وآمن بأن العمل هو المصدر العام للقيمة التبادلية ثم جاء ماركس يسير في طريقه بأسلوبه الخاص.
وهذا لا يعني ۔ بطبيعة الحال ۔ أن ماركس لم يصنع شيئاً في حقل هذه النظرية سوى ترديد الصدى الذي تركه ريكاردو، بل إنه حين أخذ النظرية منه صاغها في إطاره الفكري الخاص، فأدخل على بعض جوانبها إيضاحات جديدة وضمّنها عناصر ماركسية، وقَبِل بعض جوانبها الأخرى كما تركها سلفه.[119]
اعتماد السيد الصدر الطريقة التحليلية (النفسية والمنطقية)
اعتمد السيد الصدر رضوان الله عليه في كتاباته التاريخية على التحليل بشتى أنواعه نفسياً ومنطقياً حتى يقنع القارئ. فنراه مثلاً حينما يذكر العوامل التي شكّلت الموانع التي منعت النبي صل الله عليه و آله من تزعّم علي عليه السلام للتجربة الإسلامية إلى أن جاء الأمر الإلهي بأن يبلغ وإلا فكأنما لم يبلغ الرسالة. فيسبر السيد غور هذا الموضوع ليقنعك تماماً بفكرته فيقول: (إن النبي صل الله عليه و آله نفسه كان يخشى من أن يعلن عن تشريع هذا الحكم، ليس عن تطبيقه بحسب الخارج بل عن تشريعه وإعلانه أمام المسلمين). فأعطى السيد الصدر في سبيل تفسير تلك الموانع تحليلاً نفسياً للأمة الإسلامية على أساس أولاً:
1) أن المسلمين المؤمنين بالله ورسوله حقاً لم يكونوا من الواعين بالرسالة بدرجة كبيرة، بل كانوا ممن عندهم طاقة حرارية وصلت إلى درجة الجهاد في سبيل الله أيام النبي ونفسهم هم من عارض الإمام علي بعد وفاة النبي صل الله عليه و آله أمثال سعد بن عبادة الخزرجي فلا يستبعد أن يقولوا إنه اختار ابن عمه لأجل أن يمثّل علي بن أبي طالب أمجاد أسرته وهذا التفكير منسجماً مع الوضع النفسي الذي يعيشه أكثر المسلمين كراسب جاهلي ودلل على كلامه موقف الأنصار حينما وزّع النبي صل الله عليه و آله غنائم حنين دونهم تصوروا النبي صل الله عليه و آله قائد الرسالة أنه آثر قبيلته بمال، فكيف لا يتصورونه يؤثر عشيرته بحكم.
2) العامل الثاني الذي أورده السيد أن هناك كثيراً ممن دخلوا الإسلام يهمهم استمرار الإسلام دون استمراره بنفس الصلابة، وقد دخل الكثير من الناس بهذه العقلية الإسلام ويدركون أن علياً عليه السلام هو الرجل الثاني والاستمرار الصلب العنيد للرسالة وقد عرض أبوسفيان على علي عليه السلام القيادة في أيام أبي بكر في سبيل أن يكون هو اليد اليمنى للدولة الإسلامية، لكن يأبى علي عليه السلام وهو مظلوم، ثم يذهب عمر وأبوبكر ويوليان أولاد أبي سفيان على بلاد المسلمين كي يضمنوا رضاه.
3) العامل الثالث مرتبط بمراحل نفسية خلقية: علي بن أبي طالب كان يمثّل باستمرار تحدياً بوجوده التكويني، يمثّل تحدياً للصادقين من الصحابة لا للمنحرفين، بجهاده، بصرامته، باستبساله، بشبابه، يقول معاوية في كتابه إلى محمد بن أبي بكر بأن علياً كان في أيام النبي صل الله عليه و آله (كالنجم لا يطاول). هؤلاء الأناس يفكرون أو كانوا يفكرون في أن هذا تحدّ واستفزاز لهم. كان رد الفعل لهذا مشاعر ضخمة جداً ضد علي عليه السلام. ويقول السيد رضوان الله عليه يكفي مثال واحد ليتضح الموقف: النبي صل الله عليه و آله يسافر من المدينة إلى غزوة من الغزوات فيخلف علياً أميراً على المدينة، فلم يتركه الناس بل أخذوا يشيعون بأنه صل الله عليه و آله ترك علياً لأنه لا يصلح للحرب؟ فلحق بالنبي صل الله عليه و آله ليسأله عن سبب تركه في المدينة، فيقول النبي كلمته المشهورة: إن علياً مني بمنزلة هارون من موسى، إنه لا ينبغي أن أخرج من المدينة إلا وأنت فيها إثباتاً لوجودي ولتحمي المدينة.[120]
وبهذا التحليل يرسم لنا السيد الصدر أهم الخطوط التي يجب أن يختطها المؤرخ وهو كما ذكرنا سابقاً ربط الموضوع بحياة الناس، كيف كانوا، حياتهم العامة، نفسياتهم، عواطفهم، والابتعاد عن النظرة المثالية وعواطف الباحث الخاصة.
وعلى نفس الطريقة يسير السيد الصدر في عرضه التحليلي ليثبت أن العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ليست ذات محتوى غيبي فقط، وإنها تشكّل سنة من سنن التاريخ، ومؤداها أنه كلما جسّدت علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان العدالة وابتعد عن ألوان الظلم والاستغلال لأخيه الإنسان، كلما ازدهرت علاقات الإنسان مع الطبيعة وتفتحت كنوزها ودلل بقوله تعالى: <وَ أَنْ لَوِ اِسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً>.[121]
فكلما ازدهرت علاقة الإنسان مع أخيه ازدهرت علاقة الإنسان بالطبيعة والعكس، وهذه العلاقة تشكّل سنة حسب مفهوم القرآن وليست ذات محتوى غيبي؛ لأن مجتمع الظلم ۔ ويطلق عليه السيد الصدر اسم مجتمع الفراعنة (أو المثل العليا المنخفضة) ۔ مجتمع مشتت لا يمكّن الأفراد من السيطرة على الطبيعة، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاٰ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهٰا شِيَعاً).[122] أما المثل الأعلى الحق وهو التوحيد، هو الذي يوجد الجامعة البشرية ويلغي الفوارق، فدلل بقوله تعالى: <إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ>.[123]
ثم يبيّن السيد الصدر بطريقته التحليلية كيف تجزئ الفرعونية المجتمع. فقسّم المجتمع إلى أولاً ظالمين مستضعفين بدليل قوله تعالى، هم من يقول للمستكبرين لولاكم لكنا مؤمنين ويحشرون مع الظالمين وهم ظالمون ثانويون (أعوان الظلمة) يشكّلون حماية للظلمة وسنداً لفرعون، قال تعالى <إِذِ الظّٰالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لَوْ لاٰ أَنْتُمْ لَكُنّٰا مُؤْمِنِينَ>.[124]
ثانياً: ظالمين يشكّلون حاشية يصححون مسلك فرعون بدليل قوله تعالى: <وَ قٰالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسىٰ وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قٰالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنٰاءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِسٰاءَهُمْ وَ إِنّٰا فَوْقَهُمْ قٰاهِرُونَ>.[125]
ثالثاً: الهمج الرعاع[126] هم مجرد آلات مستسلمة للظلم ولا تدرك أنها مظلومة، قال تعالى: <وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ>.[127]
رابعاً: أولئك الذين يستنكرون الظلم ولكن يهادنونه (ظالمي أنفسهم)، بدليل قوله تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قٰالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا>.[128]
خامساً: الطائفة التي تتهرب من مسرح الحياة وتترهب، وهم نوعان رهبانية تفرّ بنفسها يشجبها الإسلام لقوله: <رَهْبٰانِيَّةً اِبْتَدَعُوهٰا> ورهبانية مفتعلة للسطو على الناس روحياً بدليل قوله تعالى: <إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبٰارِ وَ الرُّهْبٰانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ النّٰاسِ بِالْبٰاطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ>.[129]
سادساً: المستضعفين وهم الذين أذلّهم فرعون وهي الطائفة التي يتوسم فيها التحرك بدليل قوله تعالى: <وَ إِذْ نَجَّيْنٰاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذٰابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسٰاءَكُمْ وَ فِي ذٰلِكُمْ بَلاٰءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ>.[130]
ويستخلص لنا السيد الصدر سنة من سنن التاريخ في القرآن وهي أن موقع أي طائفة من المجتمع الفرعوني الظالم بعد انحسار الظلم تتناسب عكسياً ويدلل على ذلك بقوله تعالى: <وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ[131]>.[132]
التسلسل والتنسيق ونظافة البناء
يتميز السيد الصدر بالترتيب الفني للبحث والتسلسل فتراه يفرز الجهات والجوانب المتداخلة والمتشابكة في كلمات الآخرين خصوصاً في المسائل المعقدة والتي تعسر على الفهم ويكثر فيها الالتباس والخلط ويوضّح الفكرة وينظّمها ويحلّلها بشكل موضوعي وعلمي لا يجده الباحث المختص في نظيره من بحوث الآخرين.
يتميز السيد الصدر بطرح المشكلة ثم ترتيب الحلول لها، وقد يبدأ الطرح بسؤال ثم يرتّب الحلول ويصوغها بطريقة مفهومة ويرفقها بأدلة شرعية ومنطقية وتحليلية.
كما تميز السيد الصدر في كتاباته بتحديد المشكلة المطروحة، فهو مثلاً عندما يتناول المادية التاريخية يوضح لنا كيف سيدرسها فيقول:
وفيما يلي سنتناول المادية التاريخية بصفتها طريقة عامة في فهم التاريخ وتفسيره وندرسها: أولاً على ضوء الأسس الفلسفية والمنطقية التي يتكون منها مفهوم الماركسية العام عن الكون. وثانياً بما هي نظرية عامة تحاول استيعاب التاريخ الإنساني. وثالثاً بتفاصيلها التي تحدّد مراحل التاريخ البشري والقفزات الاجتماعية على رأس كل مرحلة.[133]
وفي موضوع آخر ولكي يصل بنا السيد الصدر إلى نتيجة ملخّصها أن نظام الحكم الذي تشكّل بعد وفاة النبي صل الله عليه و آله وتبلور في السقيفة وأطلق على نفسه حكم الشورى لم يكن هو النظام الصحيح، ولكي يثبت السيد هذا الشيء بدأ بتصنيف اتجاهات الجيل الطليعي من المهاجرين والأنصار، فقسّمها إلى قسمين:
1۔ الاتجاه الذي يتزعمه أهل البيت.
2۔ الاتجاه الذي تمثّله السقيفة والخلافة التي قامت فعلاً بعد وفاة النبي.
الاتجاه الأول يؤمن بالوصاية والإمامة ولم ينعكس منه الإيمان بفكرة الشورى. أما الاتجاه الثاني فكل الشواهد في حياته وتطبيقه العملي تدل على أنه لم يكن يؤمن بالشورى ولم يبني ذلك في ممارساته، ودلل على ذلك أن أبابكر قرب وفاته عهد إلى عمر كما أن عمر حين حضرته الوفاة لم يفكر بعقلية الشورى، ورأى أن من حقه فرض خليفة فحصرها في ستة، ودلل على ذلك برواية في طبقات ابن سعد، ويدلل السيد على عدم تطبيق الاتجاه الثاني للشورى أيضاً بقوله: (إن الروح العامة التي سادت على الجناحين المتنافسين من الجيل الطليعي ۔ المهاجرين والأنصار ۔ يوم السقيفة والاتجاه الواضح الذي بدا لدى المهاجرين نحو تقرير مبدأ انحصار السلطة بهم وعدم مشاركة الأنصار في الحكم). ويورد السيد دليلاً آخر على أن نظام الشورى ليس هو بالنظام الأصح. فلو كان هو النظام المفروض لمارس النبي عملية توعية على نظام الشورى تشريعياً وفكرياً وأعد جيل المهاجرين والأنصار لتسلّم قيادة الدعوة بعده على أساس هذا النظام. ثم يقوم السيد بتلخيص تلك العوامل على شكل نقاط.[134]
۔ أيضاً مما يلفت النظر في منهجية السيد الصدر هو تلخيص النتائج، مثلاً في كتاب فدك في التاريخ نجده بعد التعريف بالمشكلة وتسلسل الأحداث التي أدت بالخليفة الأول بمنع إعطاء فدك للزهراء يلخّص لنا النتائج بقوله: (ونخرج من البحث نتيجة وهي أن تأميم الصديق لفدك يمكن تفسيره:
1۔ بأن الظرف الاقتصادي دعا إلى ذلك.
2۔ بأن أبابكر خشي أن يصرف علي ثروة قرينته في سبيل التوصل إلى السلطان. وإن موقفه من دعاوى الزهراء بعد ذلك واستبساله في رفضها قد يكون مرده إلى هذين السببين:
أ ۔ إلى مشاعر عاطفية كانت تنطوي عليها نفس الخليفة.
ب ۔ وحدة سياسية عامة بنى عليها الصديق سيرته مع الهاشميين.[135]
ويستمر معنا أسلوب السيد الصدر ومنهجه في طرح التساؤل لاستثارة الذهن وهذه المرة ليلفت نظرنا إلى ظاهرة يجب أن تسترعي انتباهنا على حد قول السيد رضوان الله عليه.
فيطرح من كتابه (أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف) السؤال التالي: لماذا لم يقبل الإمام علي عليه السلام حينما تولى الخلافة بأنصاف الحلول؟ ويقصد بأنصاف الحلول هنا عندما اقترح على الإمام علي شخص في أن يُبقي معاوية والياً على الشام برهة من الزمن حتى يبايع ثم بإمكان الإمام علي بعدها أن يستبدله بعد أن تتم البيعة له والطاعة في أرجاء العالم الإسلامي.[136]
يقول السيد في بداية حديثه أن هذه ظاهرة يجب أن تسترعي انتباهنا من ناحيتين:
أ ۔ سياسية: قيل لو قبل لحقق مكاسب سياسية.
ب ۔ فقهياً: فهي من ناحية التزاحم ويقول الفقه: إنه إذا توقف واجب أهم على مقدمة محرمة فلابد من الحفاظ على ذلك الواجب الأهم، وفي سبيل حرمه المقدمة، لا يجوز تبرير ترك الواجب الأهم. ضرب السيد مثالاً من عهد رسول الله صل الله عليه و آله: حينما كان النبي في إحدى غزواته مضطراً لأن يمرّ جيشيه عن طريق معين وكان في هذا الطريق مزرعة لأحد الصحابة وكان من الطبيعي تلف المزرعة، فاشتكى صاحب المزرعة إلى رسول الله، فلم يجبه النبي، بل أصدر أوامره ومشى الجيش في المزرعة، لأن النتيجة كانت أهم من المقدمة، كان هذا الجيش يسير لأجل أن يغيّر وجه الدنيا. السؤال: فلماذا لم يطبّق الإمام علي القاعدة الفقهية ويبق معاوية في الشام لفترة؟[137] الجواب: لم يكن بمقدور الإمام لو أخذنا بالاعتبار النقاط التالية.
1۔ إنه كان بحاجة إلى إنشاء جيش عقائدي في دولته الجديدة وهو لم يكن موجوداً ويحتاج هذا الجيش جواً كفاحياً رسالياً لا جو المساومات وأنصاف الحلول.
2۔ إن الإمام تسلّم الحكم من لحظة ثورة لا من لحظة اعتيادية، فلابد من اغتنام هذه اللحظة بما فيها من زخم عاطفي نفسي فكري.
3۔ إن الشك لم يكن يملك في سيرة الإمام أي مبرر موضوعي فكيف لو أضيف إليه مبررات موضوعية، إذن لكان الشك أسرع إلى الانتشار.
4۔ أن الحلول المساومة كانت تعني اشتراكاً في المؤامرة على وجود الأمة.
5۔ لابد أن يمارس الإمام علي عملية التغيير الحقيقي ولن تتم إلا بإزالة أجهزة الحكم الفاسدة.
6۔ حصول الإمام على نقطة قوة بإبقاء معاوية، في مقابله يحصل معاوية على نقطة قوة بأنه عامل قدير على تسيير مهام الدولة وحماية مصالح المسلمين، فمعاوية حصل على صلاحيات منذ عهد عمر وترسخت في عهد عثمان أن أصبح شبه مستقل بولاية الشام، فلو حصل على بيعة علي ثم عزله الإمام فبإمكان معاوية أن يثير الشبهات على المستوى التشريعي والإسلامي، فيقول لماذا تعزلني بعدما اعترفت بأني حاكم عادل؟ فكان لابد من عزله من البداية.
7۔ وجود مؤامرة طويلة الأمد على الإسلام فلم يكن عصيان معاوية لعلي لأجل عزله عن الولاية (الدليل حديث أبي سفيان) وكانت مرحلتها الأولى ترسيخ الأخوين في الشام: يزيد ثم معاوية. وتلكّأ معاوية في الدفاع عن عثمان ثم يتسلح بمقتل عثمان والسقيفة التي كان في مظهرها اعتراف بوجود الأمة لكن الممفهوم بحد ذاته ينكر وجود الأمة وعمر الذي كان يرى اختيار أبي بكر بتلك الطريقة فلتة يجب عدم العودة إليها، وإنما يجب أن يعين الشخص من أعلى. وكان اختياره سنة بداية المؤامرة التي اتضحت في دور عثمان حيث أصبحت العشيرة هي التي تحكم وتقول المال مالنا والخراج خراجنا، لكن تلك المؤامرة لم تنجح إلى أن ثارت الأمة فقتلت عثمان واتجهت لعلي ليعيد إليها كرامتها. فالظروف تشير إلى وجود أمل لتصفية عملية الانحراف في الإسلام، لكن الانعكاسات الجانبية مثل مسألة التحكيم لقضى علي على معاوية لذا لم يكن هناك مجوز لارتكاب أنصاف الحلول والمساومات.[138]
وأخيراً إن النزعة المنطقية والبرهانية للسيد الصدر في الطرح والتفكير واحتواءها على درجة كبيرة من قوة الاقناع بالفكرة جعل آراءه ذات صبغة علمية ومنطقية تجعل من المتعذر توجيه نقد إليها بسهولة.
الخاتمه
إن منهج السيد الصدر رضوان الله عليه هو منهج قائم بذاته لا نجد له شبيهاً في المؤلفات المكتوبة في حقول المعرفة التي ألف السيد الصدر فيها، فله رأيه المتميز في الفقه وأصوله والذي يختلف أحياناً مع آراء الأعلام الكبار، وله رأى مختلف في تفسير القرآن، وله طرح عملي مختلف في الاقتصاد، وكذا في الفلسفه وكذلك في التاريخ ويعود ذلك إلى مزج ما تعلمه وقرأه بروح العصر.
ومن خلال تناولنا لكتابات السيد الصدر التاريخية مثل (فدك في التاريخ)، (بحث في الولاية)، (التفسير الموضوعي للقرآن)، (أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف) لاحظنا اهتمام المؤرخ المتخصص في المواضيع التاريخية رغم كونه رجل فقه بالدرجة الأولى، فدقته تضاهي أدق المؤرخين ولعل أهم آراءه التاريخية التي حضرناها هي:
1۔ أن هناك شروطاً أساسية لإقامة أي بناء تاريخي محكم عبارة عن: الالتزام بالموضوعية، التأني في الحكم، توفير حرية التفكير حتى يتعرف الباحث من خلال تطبيق تلك الشروط على اللون التاريخي والاجتماعي للموضوع.
2۔ حدد السيد الصدر الهدف من دراسة التاريخ وهي استلهام عواطفنا من التاريخ وموروثاتنا واستمداد تاريخ أجيالنا السابقة من وحيه.
3۔ استخلصنا من السيد الصدر المحذورات التي يجب أن يتفاداها الباحث أو المؤرخ وهي:
أ ۔ العواطف وأهمية إبعادها أثناء معالجة البحث.
ب ۔ التفكير الخاص بالباحث وأثره السلبي في معالجة البحث.
ج ۔ خطر الذاتية، وركّز عليه السيد الصدر خاصة في مجال الخروج بأحكام جديدة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وبيّن وحدّد منابعها والتي نلخّصها بتبرير الواقع، ودمج النص ضمن إطار خاص، اتخاذ موقف معين تجاه النص بصورة مسبقة، وتجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه.
4۔ ومن أهم آراءه التي توصلنا إليها (أن التاريخ لا يشرح كل شيء شرحاً واضحاً جلياً)، لذا على المؤرخ أن يستخدم جميع أدواته المنهجية ليتوصل إلى شرح التاريخ.
5۔ وهو يتفق مع سائر المؤرخين القائلين بأن ابن خلدون هو أول من حاول دراسة التاريخ وكشف سننه من المسلمين، لكن أول من طرحها كان القرآن الكريم وتوصلنا إلى أن السيد الصدر وابن خلدون يتفقان على أن للتاريخ سنناً يجب الكشف عنها. كما يتفقان في ضرورة أن ينبذ المؤرخين عملية التقليد، وأن التاريخ ليس مجرد أحداث ومعارك وملوك، وإنما يجب ربطه بواقع الناس وظروفهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وإن اختلف الاثنان في المنهج.
6۔ ومن مميزات منهج السيد الصدر رضوان الله عليه هو الشمولية والموسوعية فقد ألف في سائر علوم المعرفة ولطرحه قضايا عالمية أمكن وصفه بالمفكر العالمي، وذلك لطرحه قضايا عالمية كقضية المعرفة. ولعل هذه الشمولية هي التي أدت مع غيرها من الأسباب إلى شهرته الإسلامية والعالمية.
7۔ كما تميز طرح السيد الصدر بملامسته حاجات المجتمع وقضايا الوطن العربي والإسلامي وتحديه التيارات الفكرية والاقتصادية المعاصرة كالرأسمالية والاشتراكية وإبرازه الفكر الإسلامي كتيار بديل بل ومتفوق على جميع التيارات ينعكس بذلك منهجه الروحي الذي يتبناه، والذي نجد بصماته في سائر مؤلفاته.
8 ۔ ومن مميزات منهج السيد الصدر التزامه النظرة الكلية ونبذه النظرة الجزئية في كتاباته للخروج بنظريات وكليات.
9۔ كما نلاحظ وحدة الخط الفكري لدى السيد الصدر في معالجاته، فما يعالجه في التفسير لا يتناقض مع ما يعالجه في الفقه ولا يتناقض مع ما يطرحه في التاريخ ولا المنطق بل نسق فكرى واحد.
10۔ كما يتميز أسلوب السيد الصدر بالبلاغة الأدبية ودقة التصوير للمواقف التاريخية والقدرة على توصيل العبارة وطرحه لمصطلحات جديدة وتطبيقها على مواقف وأحداث قديمة وبث الروح فيها.
كما تميّز أسلوبه رضوان الله عليه بالوضوح والبساطة في موقعها واعتماد البراهين والأدلة مما يؤدي بنا إلى الوصول إلى نتائج جديدة لم تكن معروفة من ذي قبل، مثل نظريات في التاريخ والمنطق والتفسير والاقتصاد والفقه.
11۔ ومن أهم مميزاته المنهجية والتي كانت أحد أسباب شهرته وانتشار كتبه تحرره المذهبي رغم انتمائه للمذهب الشيعي.
12۔ كما تميز المنهج الصدري بالأمانة العلمية في نقل فكرة الخصم ونقل النصوص بكل دقة وأحسن صورة دون تشويه أو تحريف مع عدم غض الطرف عن الخطاء، وامتزجت ملكة النقد لديه بالخلق العلمي الرفيع، فلا يبخس خصومه حقهم وإجلالهم عند نقدهم فهو يمزج بين الأدب العلمي والإخلاص للحقيقة العلمية.
13۔ كما توصلنا إلى اعتماد السيد الصدر في الطرح على الطريقة التحليلية (النفسية والمنطقية) والتسلسل ونظافة البناء حتى يصل القارئ إلى قناعة بما يطرح، ولدقة العرض والعمق في الدراسة يجد القارئ والباحث صعوبة في الوقوف على أخطاء المنهج الصدري، رغم إيماننا العميق بأن عملاً غير معصوم لا يخلو من نقص.
ولقد نشر في مجلة شؤون إسلامية ما يُعد في نظرنا تقديراً بسيطاً جداً لهذا المفكر الإسلامي الفذ خبر يفيد بأنه (سيعقد في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أبريل عام 2000 مؤتمر عالمي في الذكرى العشرين لاستشهاد المفكر الإسلامي الكبير والمرجع الديني الإمام السيد محمد باقر الصدر).[139]
قائمة المراجع والمصادر
1۔ الفتاوى الواضحة، محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط8، 1403ق، 1983م.
2۔ ماوراء الفقه، محمد صادق الصدر، ط1، 1413ق، 1993م، دارالأضواء، بيروت، لبنان.
3۔ غاية الفكر في أصول الفقه (مباحث الاشتغال)، السيد محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت 1408ق، 1988م.
4۔ دروس في علم الأصول، محمد باقر الصدر، الحلقة الأولى، دارالكتاب اللبناني، دارالكتاب المصري، ط1، 1978م.
5۔ السنن التاريخية في القرآن، السيد محمد باقر الصدر، أعاد صياغته وترتيب أفكاره الشيخ محمدجعفر شمس الدين، دارالتعارف للمطبوعات، 1409ق/1989م.
6۔ الأسس المنطقية للاستقراء، محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط5، 1406ق، 1986م.
7۔ بحث حول الولاية، محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان 1397ق/1977م.
8۔ مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، السيد محمد باقر الصدر، دارالتوجيه الإسلامي، بيروت، كويت، 1980م، 1400ق.
9۔ نظرة عامة في العبادات، محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت 1405ق، 1985م، ط4.
10۔ المدرسة الإسلامية، محمد باقر الصدر، دارالزهراء، بيروت، لبنان 1393ق، 1973م.
11۔ بحث حول المهدى، محمد باقر الصدر، مطابع صوت الخليج، الكويت، (لا يوجد سنة طبعه).
12۔ المرسل، الرسول، الرساله، محمد باقر الصدر، دارالتعارف للمطبوعات، 1398ق/1978م، بيروت لبنان.
13۔ (دراسة في المنهج) السيد محمد باقر الصدر، د.نزيه الحسن، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان 1413ق، 1992م.
14۔ اقتصادنا، محمد باقر الصدر، ط4، 1401ق، 1981م، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان.
15۔ فلسفتنا، محمد باقر الصدر، ط12، 1402ق، 1982م، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان.
16۔ سلسلة كتيبات (الإسلام يقود الحياة)، دارالتعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1979م 1399ق.
كراس (1) لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية (2) صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي (3) خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي (4) خلافة الإنسان وشهادة الانبياء (5) منابع القدرة في الدولة الإسلامية (6) الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي
17۔ الشهيد الصدر، سنوات المحنة وأيام الحصار، الشيخ محمدرضا النعماني، مؤسسة الفجر، لندن، 1997م، 1417ق.
18۔ الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمة المؤرخين، مختار الأسدي، ط2، 1419ق 1998م، دارالهادي للطباعة والنشر بيروت، لبنان.
19۔ فدك في التاريخ، محمد باقر الصدر، 1983م، 1403ق، دارالتعارف للمطبوعات بيروت، لبنان.
20۔ أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، السيد محمد باقر الصدر، لا يوجد طبعه ولم يذكر الدار.
21۔ فلسفة الحج، السيد محمد باقر الصدر، دار الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1405، 1985م.
22۔ البنك اللاربوي في الإسلام، محمد باقر الصدر، ط6، 1400ق، 1980م، دارالتعارف للمطبوعات بيروت لبنان.
23۔ مقدمة ابن خلدون، ج1، عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، دارالجيل، بيروت، لا يوجد سنة للطبعة.
24۔ مجلة شؤون إسلامية، العدد9، ذوالحجة 1419ق، السنة الأولى نيسان أبريل 1999م، النشر والتوزيع مؤسسة لوك اكسترا، يصدرها المركز الإسلامي في إنجلترا.
25۔ مجلة شؤون إسلامية، العدد 8، ذوالقعدة 1419ق، السنة الأولى، آذار، 1999م، النشر والتوزيع مؤسسة لوك اكسترا، يصدرها المركز الإسلامي في إنجلترا.
26۔ مجلة العالم، العدد 660 السنة 15، 3 أبريل نيسان 1999م، 16 ذوالحجة 1419ق، مجلة أسبوعية تصدر في لندن.
[1]. فدك في التاريخ، السيد محمد باقر الصدر، ص34.
[2]. م. ن.
[3]. م. ن، ص34.
[4]. م. ن، ص35.
[5]. م. ن، ص5.
[6]. م. ن، ص35.
[7]. م. ن، ص36۔37.
[8]. م. ن، ص38۔39.
[9]. فدك: واحة في الحجاز سكنها اليهود وصالحهم الرسول في السنة السابعة على نصف أملاكهم وأجلاهم الخليفة عمر. (المعجم العربي، ص922، لاروس: أحمد العابد، داوود عبده، أحمد مختار، د.صالح)
[10]. فدك في التاريخ، ص45.
[11]. يونس: 49.
[12]. الإسراء: 77.
[13]. الأنعام: 34.
[14]. الحج: 46.
[15]. التفسير الموضوعي للقرآن، السيد محمد باقر الصدر، ص43.
[16]. مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، السيد محمد باقر الصدر، ص59.
[17]. مقدمة ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، دار الجيل بيروت، ج1، ص6.
[18]. م. ن، ص10.
[19]. م. ن، ص31.
[20]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، رقم (6) الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي، السيد محمد باقر الصدر، ص24.
[21]. دروس في علم الأصول، السيد محمد باقر الصدر، ص26.
[22]. مجلة شؤون إسلامية، يصدرها المركز الإسلامي في لندن إنجلترا، فاضل عبدالأمير، عدد9۔ 1419هـ 1999م ص3.
[23]. شمولية السيد الصدر جعلتنا نتطرق إلى كتبه الغير تاريخية.
[24]. فلسفتنا، السيد محمد باقر الصدر، ص7۔8.
[25]. الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، الشيخ محمدرضا النعماني، ص63.
[26]. م. ن، ص63.
[27]. م. ن، ص71.
[28]. مجلة العالم، نورالدين العويديدي، ص45.
[29]. الإسلام يقود الحياة، رقم (1) لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية، ص9.
[30]. يقصد السيد الصدر قصة القماش الذي كان يُحاك في مصر تقليداً للروم عليه مكتوب شعار الأب، الابن، روح القدس، فكان هذا العمل سبباً لاعتراض المسلمين، فطلب المسلمون من عبدالملك أن يغير الشعار إلى التوحيد، ووصل الخبر إلى إمبراطور الروم الذي رفض تغيير الشعار، بل هدّد بضرب سكة نقدية فيها إساءة لنبي الإسلام وكانت السكة الرائجة تضرب في بلاد الروم. فطلب الخليفة النجدة من الإمام، فطرح الإمام فكرة الاستقلال الاقتصادي والاستغناء عن السكك الرومية وأشار بأن تضرب على أحد وجهيها (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وعلى الوجه الآخر جملة (محمد رسول الله). (جعفر السبحاني، حياة الأئمة، ص43، ط1، دار الهادي)
[31]. السيد محمد باقر الصدر، أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص145.
[32]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص20.
[33]. السيد محمد باقر الصدر، نظرة عامة في العبادات، ص57.
[34]. السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص19.
[35]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، منابع القدرة في الدولة الإسلامية، ص39.
[36]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص168.
[37]. البقرة: 30.
[38]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص103.
[39]. الحديد: 7.
[40]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، (2) صوره عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، ص14.
[41]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، (3) خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، ص14.
[42]. نظرة عامة في العبادات، ص39.
[43]. اقتصادنا، ص8.
[44]. السيد محمد باقر الصدر دراسة في المنهج، د.نزيه الحسن، ص302.
[45]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، (5) منابع القدرة في الدولة الإسلاميه، ص15.
[46]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، (5) منابع القدرة في الدولة الإسلامية، ص57.
[47]. آلعمران: 110.
[48]. يونس: 49.
[49]. الجن: 16.
[50]. التفسير الموضوعي، ص56.
[51]. فدك في التاريخ، ص23.
[52]. م. ن، ص23.
[53]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص121.
[54]. بحث حول الولاية، السيد محمد باقر الصدر، ص21.
[55]. م. ن، ص20۔23.
[56]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص104۔108.
[57]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص18۔22.
[58]. الرعد: 11.
[59]. البقرة: 204۔205.
[60]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص115۔119.
[61]. البقرة: 170.
[62]. القصص: 38.
[63]. النجم: 23.
[64]. الحشر: 14.
[65]. التفسير الموضوعي، ص148۔167.
[66]. فدك في التاريخ، ص22.
[67]. وردت الرواية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، حققه حسن تميم، دار مكتبة الحياة بيروت، لا توجد طبعته، ص825، الجزء4.
[68]. فدك في التاريخ، ص22.
[69]. الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمة المؤرخين، مختار الأسدي، ص104.
[70]. اقتصادنا، ص402.
[71]. م. ن، ص403.
[72]. م. ن، ص404.
[73]. التقرير: هو نوع خاص من الأدلة الشرعية ويطلق عليها فقهياً هذا الاسم، وهي مظهر من مظاهر السنة الشريفة والمقصود سكوت النبي أو الإمام المعصوم عن عمل معين يقع على مرأى منه ومسمع، سكوتاً يكشف عن سماحه وجوازه في الإسلام (اقتصادنا، ص409).
[74]. اقتصادنا، ص404۔409.
[75]. م. ن، ص409.
[76]. السنن القرآنية، السيد محمد باقر الصدر، أعاد صياغتها الشيخ محمد جعفر شمس الدين، مقدمة د. عاصي، ص6. دارالتعارف للمطبوعات، 1409ق/1989م.
[77]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص72۔74.
[78]. فدك في التاريخ، ص75.
[79]. السيد محمد باقر الصدر، البنك اللاربوي، ص22.
[80]. لم نتناول بعض النظريات بالشرح لصعوبتها وابتعادها عن الطبيعة التاريخية.
[81]. عبدالامير فاضل، مجلة شؤون إسلامية، ص3.
[82]. مشكلة التناقض بين الإنسان والطبيعة تعني تمرّد الطبيعة وتعصّيها عن الاستجابة للطلب الإنساني وللحاجة الإنسانية من خلال التفاعل ما بينهما. (التفسير الموضوعي للقرآن، ص169)
[83]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص69۔70.
[84]. إبراهيم: 34.
[85]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص171.
[86]. م. ن، ص26.
[87]. م. ن، ص60۔67.
[88]. الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمة المؤرخين، ص105.
[89]. فدك في التاريخ، ص52.
[90]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص88.
[91]. فدك في التاريخ، ص100.
[92]. سلسلة الإسلام يقود الحياة، (2) صورة عن حياة المجتمع الاقتصادي الإسلامي، ص14۔17.
[93]. سلسلة الإسلام يقود الحياة. خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي ص20۔23.
[94]. مجتمعنا مؤلف لم ير النور وقد أشار إليه المؤلف في مقدمة كتاب اقتصادنا.
[95]. السنن القرآنية، أعاد صياغته محمد جعفر شمس الدين، ص6.
[96]. السيد محمد باقر الصدر دراسة في المنهج، ص254.
[97]. دروس في علم الأصول، ص60.
[98]. اقتصادنا، ص479.
[99]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص71.
[100]. م. ن، ص71.
[101]. الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، ص305.
[102]. مجلة العالم، ص45.
[103]. اقتصادنا، ص14.
[104]. المادية التاريخية: هي الوجه العلمي للماركسية والهيكل المنظم لقوانين الاقتصاد والتاريخ والتي تملي في زعم الماركسية على المجتمع مذهبه الاقتصادي وتضع له نظامه في الحياة طبقاً لمرحلته التاريخية وشروطه المادية الخاصة). (اقتصادنا، ص110)
[105]. اقتصادنا، ص43.
[106]. فدك في التاريخ، ص40.
[107]. م. ن، ص45.
[108]. تحققنا من نقل النص فكان دقيقاً دون تغير واختصار أو تشويه (انظر: فاطمة الزهراء والفاطميون، عباس محمود العقاد، ط2، 1967، ص60 دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
[109]. اقتصادنا، ص78.
[110]. بحث حول الولاية، ص42.
[111]. م. ن، ص44.
[112]. فدك في التاريخ، ص97.
[113]. م. ن، ص97.
[114]. م. ن، ص102.
[115]. م. ن، ص103.
[116]. السيد محمد باقر الصدر دراسة في المنهج، ص46.
[117]. فلسفتنا، ص233.
[118]. فدك في التاريخ، ص42.
[119]. اقتصادنا، ص187.
[120]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص84، 88.
[121]. الجن: 16.
[122]. القصص: 4.
[123]. الأنبياء: 92.
[124]. سبأ: 31.
[125]. الأعراف: 127.
[126]. الهمج الرعاع: نسبة إلى قول الإمام علي عليه السلام الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق.
[127]. الأحزاب: 67.
[128]. النساء: 97.
[129]. التوبة: 34.
[130]. البقرة: 49.
[131]. القصص: 5.
[132]. التفسير الموضوعي للقرآن، ص189، 196.
[133]. اقتصادنا، ص56.
[134]. بحث حول الولاية، ص29.
[135]. فدك في التاريخ، ص72۔73.
[136]. أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، ص6۔7.
[137]. م. ن، ص19.
[138]. م. ن، ص19۔30.
[139]. مجلة شؤون إسلامية، مجلة شهرية صادرة عن المركز الإسلامي في لندن، إنجلترا، العدد 8، ذوالقعدة، 1999م.