ذكريات عن السيد الشهيد الإمام محمد باقر الصدر

السيد عامر الحلو _ النمسا

المقدمة

لما جاءتني الدعوة الكريمة من أستاذي العلامة حجة الإسلام السيد نورالدين الحسيني الإشكوري بالمشاركة في الكتابة عن المرجع الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر! تردّدت كثيراً في الإقدام على خوض هذا الميدان وفضّلت وآثرت الإحجام؛ لأنني تهيّبت الموقف، فمثلي لا يوفّي مثله، ثم بعد أخذ وتجاذب مع النفس واستجابة للدعوة الكريمة ووفاءً لصاحب الذكرى قرّرت أن أكتب ما علق بذهني من ذكريات عن السيد الشهيد، فقد تكون خافية عن البعض وقد يكون البعض مطّلعاً على أكثرها، وقد أكون بذلك وفّيت بعض حقوق السيد صاحب الذكرى! وسيكون الحديث منصبّاً على المحاور التالية:

1_ بدايات الذكريات.

2_ مواكبة التحرك الإسلامي.

3_ الدور الاجتماعي في صُعد مختلفة.

المحور الأول: بدايات الذكريات

السيد الشهيد الصدر ملء السمع والبصر، سمعنا به ونحن في دور الطفولة يتردد اسمه الشريف على ألسنة أهل العلم وسائر الناس في مجالسهم العامة والخاصة، وأتذكر أنني قرأت مجلساً حسينياً وأنا في الثالثة عشرة من عمري عند أحد العلماء اللبنانيين، وكان من حضّار المجلس جمع من أهل العلم من لبنان والعراق والخليج، وقد تحدثوا عن المرجعية بعد السيد الحكيم، فرشّح البعض السيد الشهيد لذلك.

وكنت شغوفاً أن أراه بعد سماعي به وكنت أسأل والدي كثيراً عنه، وكلما صادفت عالماً قلت له: هل هذا هو السيد الصدر؟ إلى أن جاءت المناسبة السعيدة وتكحلت عيناي برؤيته، وذلك بعد أن اصطحبني والدي مع مجموعة من الشباب المؤمن الذين كانوا يحضرون مجلساً حسينياً يقيمه جدي المرحوم المقدس السيد محمد الحلو في داره بالنجف ليالي شهر رمضان المبارك من كل عام، وكان يحضره جمع من العلماء أمثال المرحوم آية الله السيد محمد تقي بحرالعلوم والمرحوم آية الله الشيخ حسين مشكور وآية الله السيد محمد علي الحكيم والحجة السيد الصادق ياسين السعبري والمرحوم الحجة الشيخ نورالدين الجزائري والمرحوم العلامة السيد عبدالحميد الحبوبي والمرحوم العلامة الشيخ محمد صالح البحراني والمرحوم السيد رضي الكشميري والمرحوم العلامة السيد حسن الحلو وغيرهم من أهل العلم، ومجموعة من الكسبة والتجار وثلة من الشباب المؤمن أصدقاء الوالد.

وكان خطيب المجلس المرحوم السيد ياسين القزويني سنيناً عديدة؛ اصطحبني الوالد إلى المسجد الهندي في النجف لحضور محاضرات إسلامية بدأ المرحوم الشهيد العلامة السيد محمد مهدي الحكيم! بإلقائها في شهر رمضان المبارك من كل ليلة، وكان المسجد الهندي _ وهو أكبر مساجد النجف سعة _ يمتلئ بالناس ومن مختلف الطبقات وخصوصاً الطلبة والأساتذة الجامعيين والكسبة وخيار التجار وبعض أهل العلم. وقد حضر في ليلتين أو أكثر السيد الشهيد الصدر للتشجيع والتأييد والمباركة والدعم، وقد رأيته هناك وعرفت شخصه الكريم عن قرب بعد أن عشت فترة من الزمن وأنا أتلهف لرؤيته.

ولابد من الإشارة إلى أن هذه المحاضرات التي كان يلقيها المرحوم السيد مهدي كانت بالتنسيق مع والده المرحوم الإمام الحكيم والسيد الإمام الصدر، وهي تعتبر من نشاطات التحرك الإسلامي المبكر وهو في أوائل تحركه، وبعد انتقال الشهيد السيد مهدي الحكيم إلى بغداد استمرت المحاضرات في نفس المكان وبشكل أسبوعي، وكان يحييها رجال من أهل الفضل، أمثال العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي والعلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي والعلامة السيد طالب الرفاعي والعلامة السيد محمد باقر الحيكم والمرحوم الشهيد السيد محمد الصدر وغيرهم. وكنا حريصين على حضورها وباستمرار.

وتقدمت بنا الأيام وتوالت الأحداث حيث تعرفت على السيد الشهيد بشكل أكبر، وذلك حينما طُلب مني أن أكون خطيب المجلس الحسيني الذي يقيمه أستاذي حجة الإسلام السيد نورالدين الإشكوري في منزله بالنجف الأشرف مساء كل أربعاء؛ وبعد القراءة الحسينية والانتهاء منها يتحدث المرجع الشهيد ويلقي محاضرة على طلابه وغيرهم ممن تسمح الظروف بحضورهم، وأتذكر أن أول محاضرة ألقاها السيد صاحب الذكرى كانت في المقارنة بين الأزهر الشريف في القاهرة والحوزة العلمية في النجف. وأكد على الفرق الكبير في اختيار شيخ الأزهر هناك والذي يحمل لقب الإمام الأكبر والمرجع الأعلى في النجف، والذي يعيَّن الأول بقرار رئاسي والثاني يُختار اختياراً وبالطرق المعروفة والمتبعة بلا إعلام ولا دعاية ولا ضجيج.

وكان يحضر ذلك المجلس أغلب طلاب المرجع الشهيد أمثال العلامة الشيخ حسن طراد العاملي والشيخ عباس أخلاقي والمرحوم السيد عبدالغني الأردبيلي والعلامة السيد عبدالهادي الشاهرودي والمرحوم الشيخ مرتضى شريعتي وآية الله السيد محمود الهاشمي وآية الله السيد كاظم الحائري والشيخ نجيب سويدان العاملي والمرحوم المرجع الشهيد السيد محمد الصدر والسيد محمد باقر المهري والشيخ علي أكبر برهان والسيد محمد علي الباقري والسيد منير البعلبكي والسيد نجيب خلف.

واستمر ذلك المجلس المبارك فترة لابأس بها من الزمن، وكان السيد المقدس يمتّع سامعيه كل أسبوع بمحاضرة علمية قيمة من علمه الغزير.

المحور الثاني: مواكبة التحرك الإسلامي

قد لا أبتعد عن الحقيقة إذا قلت إن السيد الشهيد هو عقل وقلب وضمير ووجدان التحرك الإسلامي في العراق وخارجه، فقد عاش القسم الأول من القرن المنصرم بما فيه من أحداث وتحولات سياسية وفكرية واجتماعية وقد غزا العالم الإسلامي في بداية هذا القرن المد الشيوعي قادماً من موسكو بعد الانقلاب البلشفي الذي قاده لينين عام 1917م على حكم القياصرة في روسيا وما تبعه من ضم جمهوريات عديدة إلى ما عرف فيما بعد بالاتحاد السوفيتي، الذي كان مصدراً للإلحاد ومبعثاً للشيوعية وأفكارها، مما أدى إلى أن تبرز الرأسمالية بعنف وقوة إلى المسرح وتتصارع مع القطب الآخر، ليتقاسما السيطرة على العالم.

وقد شمّر المرحوم الشهيد الصدر عن ساعده في مقارعتهما معاً وبيان زيفهما ومفارقاتهما وبطلان نظرياتهما معاً، ونازلهما منازلة باهرة قال عنها السياسي الأردني أكرم زعيتر: (لم ينازلها فلسفياً منازل عربي أو مسلم عنيد حسب اطلاعي مثل محمد باقر الصدر) وذلك في تقييمه لكتاب فلسفتنا للسيد الشهيد الصدر. وقد قال عن الكتاب أيضاً المرحوم العالم الجليل الشيخ محمد جواد مغنية: (في عقيدتي أن كتاب فلسفتنا لو ترجم إلى اللغات الأجنبية لكان له شأن وأي شأن، ولقال أهل الشرق والغرب: إن جامعة النجف أقوى خصم عرفه الماديون على الإطلاق).

وقد سمعت الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي يتحدث من قناة الجزيرة الفضائية في قطر _ يوم الأحد 2 شوال 1420ق الموافق 9/1/2000م _ يقول وهو يتحدث عن السيد الشهيد الصدر: (لقد قرأت كتابه فلسفتنا واقتصادنا فوجدته لا يبارى فيما كتب، خصوصاً وأنه ضمّن كتبه نظريات فلسفية. وكانت كتبه _ بحق _ الزاد الإسلامي الذي لا يستغني عنه كل مسلم، وقد أشاد بها ثلّة من أهل العلم والفكر، أمثال المفكر الإسلامي روجيه غارودي والدكتور الشيخ محمد المبارك والدكتور سليمان دنيا والدكتور زكي نجيب محمود والدكتور محمد شوقي الفنجري والشيخ محمد جواد مغنية والأستاذ أكرم زعيتر والدكتور أحمد عبدالستار الجواري وآية الله السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن والدكتور فتحي الدريني والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والشهيد الدكتور فتحى الشقاقي والدكتور علي الجندي وغيرهم).

وقد واكب التحرك الإسلامي في العراق خصوصاً ورافقه في بدايات تحركه، ومعروف دوره في جماعة العلماء التي أسستها المرجعية الدينية وأسمتها بذلك وباركت عملها أيام المرحوم المقدس السيد الحكيم!. وكتب المقالات الافتتاحية لمجلة الأضواء في السنة الأولى لصدورها. وكتاب (رسالتنا) الذي أصدرته جماعة العلماء في تلك المرحلة كان بقلم المرجع الشهيد الصدر. وأسهم كذلك في تأسيس حزب الدعوة وكتب برنامجه وأسُس تحركه بعد أن عرضت عليه الفكرة؛ فكرة تأسيس الحزب من قبل العلامة الشهيد السيد محمد مهدي الحكيم والعلامة السيد طالب الرفاعي، كما يقول ذلك الشهيد الحكيم في مذكّراته المطبوعة في طهران.

وكان داعماً للمرجعية الرشيدة للمرحوم السيد الحكيم ولمشاريعها الكثيرة والمختلفة وكان منسجماً كل الانسجام معها، ويعتبر هو المكمل لدورها فيما بعد في رعاية المكتبات وإرسال الوكلاء الواعين والعناية بالشباب المؤمن ودعم المشاريع الإسلامية، مثل مدارس الإمام الجواد وسائر الفروع التابعة لجمعية الصندوق الخيري الإسلامي في العراق وكلية أصول الدين ومجلتها رسالة الإسلام في بغداد، ومدرسة العلوم الإسلامية في النجف ومدارس البنات فيها أيضاً. والاهتمام بالحوزة العملية ورفدها بالطاقات الشابة من مؤيديه ومريديه، وتشجيع الاحتفالات الإسلامية في المناسبات المختلفة، ثم مواصلة الشوط بكل صبر وبسالة وخاص معركة الفداء والشرف بشموخ قلّ نظيره في تاريخ الفداء، حتى توّج حياته بنيل غاية المنى بالنسبة لأمثاله، وهو شرف الشهادة لاحقاً بركب البدريين وشهداء كربلاء المقدسة، في أشرس معركة يخوضها الحق ضد الباطل في هذا القرن، مردداً قول الحسين سيدالشهداء%: (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل) وقول زيد الشهيد: (إن قوماً كرهوا حر السيوف ذلّوا)، قال الشاعر:

ويموت الرسول جسماً ولكن  في الرسالات لن يموت الرسول
والدم الحرّ صرخة تنبئ الأحرار  والثائرين هذا السبيل
وصدى كل هادر وبليغ ليس مثل السيوف حين تقول
وسيبقى يرويك للدهر مجداً الدم الحر والحسام الصقيل

 

المحور الثالث: الدور الاجتماعي على صعد مختلفة

1_ كان السيد الشهيد الصدر يولي المجتمع كل اهتمامه، يتعايش معه ويحمل همومه وآماله، ويسعى لتحقيق ما يسعده في ظل رسالة السماء. ويوصي طلابه بالناس خيراً وأن يهتمّوا بهدايتهم وتوجيههم وأن يكونوا منهم ومعهم وينزلوا إلى مستوياتهم ويتحسسوا آلامهم. وفي محاضرته! التي ألقاها على طلابه في إحدى المناسبات والمشهورة بمحاضرة المحنة، نجد الكثير من هذه المبادئ والمفاهيم.

2_ يبرز دور السيد الصدر في المشاركة ببعض المناسبات العامة والتي يحضرها الكثير من أبناء المجتمع، مثل مشاركته في إرسال كلمات أو بحوث إلى بعض الاحتفالات الإسلامية التي تقام في مدن مختلفة من العراق، أو مواسم ثقافية كالتي كانت تحييها كل عام جمعية الرابطة العلمية الأدبية في النجف الأشرف، وكانت تلك الكلمات والبحوث تلقى نيابة عنه رغم مشاركته فيها شخصياً في بعض الأحيان.

3_ المشاركة في بعض مراسيم تشييع بعض الكبار من العلماء ورجال الفكر وأهل الخير من التجار، وقد رأيته مثلاً مشاركاً في تشييع المرحوم الحاج حسن الدجيلي، وهو من كبار تجار النجف وكان من أهل الخير والصلاح والتقوى، وهذا هو الذي دعا السيد لحضور تشييع جنازته وكانت الناس بالمئات خلف الجنازة، وقد حضرها وزير العدل العراقي السابق حسين الصافي، ولما رأى اندفاع الناس للسلام على السيد الشهيد الصدر وتقبيل يديه سأل بعض الحاضرين معه عنه، وكأنه لا يعرفه وهو يعرفه جيداً، فقد قيل: إنه حرّض المرحوم السيد الحكيم عليه وإنه خطر على الحوزة العلمية في النجف؛ لأنه يترأس حزباً، وقد قيل في وقتها إن السيد الحكيم نهره وزجره وقال له: أنت لست أكثر حرصاً على الحوزة من السيد الصدر.

والمساهمة في مجالس الفاتحة التي تقام على أرواح العلماء وأهل الفضل والمؤمنين، مشاركة منه في مواساة الناس وتحمّل همومهم. ولا أنسى أنه! شاركنا أحزاننا وهمومنا بفقدنا لأخي الأكبر المرحوم المهندس السيد ناصر الحلو بحضوره شخصياً مجلس الفاتحة المقام على روحه في مسجد الشيخ الطوسي سنة 1978م في الليلة الأخيرة، وقد خرجت مودّعاً له طالباً من سماحته الدعاء لي بالتوفيق؛ لأني عازم على السفر تلك الليلة إلى سلطنة عمان لإحياء ذكرى أبي عبدالله الحسين% هناك، ولما علم دعا لي وحمّلني تحياته إلى سماحة السيد عبدالكريم القزويني عالم مسقط الديني آنذاك والوجهاء فيها أمثال المرحوم الحاج قمر سلطان وأخيه الحاج علي سلطان والحاج أمين مال الله والحاج علي أحمد، وكان يعرفهم واحداً واحداً ولم يكن المرجع الأعلى في ذلك الوقت، وكانوا يرجعون بالتقليد للسيد الخوئي، ولكنهم كانوا على معرفة به وهو يعرفهم جيداً.

4_ إحياء مجالس أهل البيت( في داره بالنجف الأشرف. كان منزل السيد الشهيد الصدر أول الأمر خلف متوسطة الخورنق في شارع الخورنق المشهور، والذي فيه أغلب الأطباء المشهورين في النجف، وكان البيت للمرحوم العلامة الشيخ نصرالله الخلخالي رحمه الله وفيه زرنا الإمام السيد موسى الصدر لما زار النجف الأشرف لسنة 1966 لالقاء محاضرة في الموسم الثقافي الذي أقامته الرابطة الأدبية، وكانت بعنوان (مشاكلنا) وفي سنة 1967م زار النجف للمرة الثانية وساهم في الموسم بإلقاء محاضرة بعنوان (الإسلام في غرب أفريقيا) وهو يتحدث عن زيارته لبلدان غرب أفريقيا مثل نيجيريا وساحل العاج وسيراليون والسنغال وغيرها، وفي محاضرته تلك ذكر أنه زار مكتبة لاغوس العاصمة النيجيرية آنذاك، فلم يجد فيها إلا كتاباً شيعياً واحداً وهو الجزء الخامس من تفسير الميزان للسيد الطباطبائي!. وكان الإمام السيد موسى الصدر ينزل في دار السيد الشهيد ضيفاً، فهو ابن عمه وزوج أخته، وفيها كنا نزوره فرّج الله عنه، وبعد هجرة العلامة الشيخ محي الدين المامقاني من النجف إلى قم سكن السيد الشهيد في داره التي فيها مقبرة والده الشيخ عبدالله المامقاني العالم الرجالي المعروف صاحب كتاب (تنقيح المقال).

وكان السيد الشهيد يقيم مجلساً سنوياً في ذكرى وفاة جده الأعلى الإمام موسى الكاظم% وخطيب مجلسه خطيب العراق الشهير السيد جواد شبر ثم الشيخ شاكر القريشي، وفي شهر رمضان المبارك كان للسيد الشهيد مجلس آخر في بيته وكان خطيب المجلس المرحوم الشيخ مهدي البديري، ومن خلال تلك المجالس كان السيد الشهيد يلتقي بالناس ويتعرف عليهم ويستمع إلى مشاكلهم إضافة إلى مجالسه الأخرى التي كانت خلال الأسبوع.

5_ حضور المجالس الحسينية وذكريات أهل البيت الأخرى. كان السيد الشهيد الصدر _ رغم كثرة مشاغله وأعماله وانكبابه على الدروس والتأليف _ حريصاً على حضور المجالس المختلفة التي تقام على مدار السنة في ذكريات أهل البيت( المختلفة وكان حضوره فيها مميزاً. وقد حدثني العلامة السيد عبدالكريم القزويني أنه كان حاضراً في مجلس يقيمه المرحوم المقدس الشيخ نصرالله الخلخالي كل سنة في العشرة الأخيرة من شهر صفر في داره بالنجف الأشرف، وقد حضر في ذلك المجلس الكبير أحد علماء النجف سامحه الله، وقد وفد على الله وهو من أسرة علمية كبيرة، وكان له موقف معاد للمرحوم السيد الحكيم. وكان هذا الرجل يتحدث مع بعض الحاضرين عن النجف ومكانتها العلمية وأنها حوت الشيخ الطوسي وخرجّت السيد بحرالعلوم والشيخ صاحب الجواهر وأضرابهم من العلماء الكبار، وقد آلت الأمور أن يبرز في النجف أناس يدّعون العلم وهم ليسوا أهلاً لذلك، ثم ذكر مثالاً على ما يقول: السيد محمد باقر الصدر، وفي أثناء حديثه دخل السيد الشهيد إلى المجلس فضجّ المجلس بالصلوات والتكبير وقام المجلس بأكمله، مما اضطر ذلك المتكلم أن يقطع حديثه وأن يتظاهر بالقيام احتراماً وإجلالاً وأن يفسح المجال للسيد الشهيد ويبادله التحية، وهذا يدل على عظم شخصية السيد الشهيد ونفوذ شعبيته في المجتمع. ومن المجالس التي كان يحضرها:

1_ مجلس آية الله السيد محمد تقي بحرالعلوم في عشرة محرم الحرام كل سنة.

2_ مجلس الحجة الشيخ هادي القرشي في وفاة الزهراء&.

3_ مجلس العلامة الشيخ محمد الطفيلي في وفاة الزهراء&.

4_ مجلس العلامة السيد محمد الحلي في وفاة الزهراء&.

5_ مجلس العلامة آية الله السيد حسين بحرالعلوم عصر الجمعة في مكتبة العلمين الطوسي وبحرالعلوم في مسجد الشيخ الطوسي.

6_ مجلس المرحوم الحاج عبد الركابي.

7_ مجلس المرحوم الوجيه الحاج عبّود الصائغ في ولادة الزهراء&.

8 _ وقد رأيته حاضراً! في مجلس حسيني يقيمه كل سنة في داره بالنجف الأشرف صاحب السماحة العلامة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، وكان الخطيب السيد حبيب الأعرجي خطيب المجلس كل سنة، فتوجّه إليه بالسؤال الخطيب المتبحر العلامة المرحوم السيد حسن شبّر طالباً من السيد الشهيد أن يوضّح له معنى قول المرحوم السيد الحكيم في كتاب الصوم: (فعبادية الصوم فاعلية لا فعلية). ولا أتذكر اليوم جوابه؛ لأن ذلك كان قبل فترة ليست بالقصيرة، ولكنه! أسهب في الجواب وفصّل فيه وقد عاش الحاضرون عصر ذلك اليوم أجواءً علمية فائقة.

9_ مجلس المرحوم آية الله السيد نصرالله المستنبط في وفاة الزهراء&.

وكان يحضر المجالس التي يقيمها طلابه ومؤيدوه وبعض المؤمنين في مختلف المناسبات ومجالس أخرى كان لي شرف القراءة في بعضها، وكان الشهيد الصدر من خلال حضوره المبارك والمميز يلتقي مع الناس وجهاً لوجه ويعيش معهم أحزانهم وأفراحهم، وبذلك وأمثاله يتحقق التفاعل مع المجتمع.

هذا خلاصة ما خطر لي من ذكريات ودمتم سالمين غانمين والسلام عليكم، وإذا قصرت أرجو العذر من صاحب الذكرى ومنكم.

مصادر الذكريات

1_ مذكرات الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم، طبع طهران، مركز شهداء آل الحكيم للدراسات التاريخية والسياسية غير مؤرخ.

2_ محمد باقر الصدر، نخبة من الباحثين، إصدار دار الإسلام في لندن، 1996م _ 1416ق.

3_ تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة في العراق، الخطيب ابن النجف، دار المقدسي، بيروت 1981.

4_ مجلة الحكمة اللبنانية، العدد 9_10/12.

5_ فلسفتنا، السيد الشهيد الصدر، طبع بيروت.

6_ مع رجال الفكر في القاهرة، السيد مرتضى الرضوي، طبع القاهرة.

7_ المحنة، محاضرة للسيد الشهيد الصدر، طبعت بإعداد وتقديم السيد علي أكبر الحائري.

8_ الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، الشيخ محمد رضا النعماني، طبع في قم المقدسة، 1996م _ 1417ق.

9_ جريدة المنبر الصادرة عن المعهد الإسلامي في لندن لسنة 1999م.

10_ مجلة قضايا إسلامية، العدد الرابع الخاص بالشهيد الصدر، الصادرة في قم المقدسة.

11_ منهاج الصالحين، المرحوم السيد الحكيم، مطبعة النعمان النجف.