كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء) يُعدّ دراسةً جديدة للاستقراء تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعيّة وللإيمان بالله تبارك وتعالى، ويحمل خصائص وسمات تميّزه عن باقي مؤلّفات السيّد الشهيد (قدس سره) وآثاره القيّمة، وتفضي بنا إلى الإيمان بالأهميّة الخاصّة لهذا الكتاب.
ويؤكّد ما ذكرناه أنّ هذا الكتاب يبلور الإبداع الفكري الرفيع الذي توصّل إليه المؤلّف (قدس سره) من خلال دراسة المشاكل المنطقيّة والفلسفيّة التي تحوم حول (الاستقراء) وانتهى به إلى تأسيس اتّجاه جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلٍّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثّلان في (المذهب العقلي) و (المذهب التجريبي)، وقد سمّى ذلك بـ (المذهب الذاتي للمعرفة) تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وحاول فيه إعادةَ بناء نظريّة المعرفة على أساس جديد، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوء يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في كتاب (فلسفتنا).
وكان الاُستاذ الشهيد (رحمه الله) يعتزّ كثيراً بهذا الكتاب من بين كتبه الاُخرى، ويراه معبّراً عن مستواه العلمي والفكري وحصيلةً لجهود علميّة مكثّفة كان يعبّر عنها بحصيلة العمر.[1]
وقد مُني هذا الكتاب ـ مع شديد الأسف ـ بكثرة الأخطاء المطبعيّة الواقعة فيه، حتّى بلغت الأخطاء الواقعة في الطبعة الاُولى منه حوالي تسعين مورداً أكثرها من غير الأخطاء الواردة في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف (قدس سره)، وفيها أخطاء مهمّة جدّاً من قبيل: سقط جملة، وسقط سطر كامل، وزيادة عدّة أسطر، وغير ذلك. وأمّا الطبعات الاُخرى فقد زادت في الطين بلّة بضمّها أخطاءَ كثيرةً اُخرى إلى تلك الأخطاء.[2]
ونحن إذا ضممنا كثرةَ الأخطاء هذه إلى ما أشرنا إليه من المستوى العلمي الرفيع لهذا الكتاب، والتفتنا أيضاً إلى أنّ كثيراً من الأخطاء لا يمكن تشخيصه إلاّ بالفهم الدقيق للمعنى المراد بالعبارة، فسنعرف بذلك مدى خطورة التحقيق في هذا الكتاب، خصوصاً مع كثرة ما فيه من المعادلات الرياضيّة المبنيّة على لغة الرموز، والتي تستغرق جهوداً مضاعفة في مجال الضبط والتحقيق.
ولهذا قامت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)ـ بالإضافة إلى الجهود العامّة التي تبذلها في تحقيق جميع مؤلّفات هذا الإمام الشهيد (رحمه الله) ـ باهتمام خاصٍّ بهذا الكتاب وعناية خاصّة في تحقيقه.
ونحن حين نضع حصيلة الجهود المكثّفة والعناية الخاصّة المبذولة في المجال المذكور، بين يدي أرباب الفضيلة من قرّاء هذا الكتاب، نسترعي انتباهَهم إلى ما نعتقد ضرورة التفاتهم إليه في هذا المجال:
1ـ تمّت الاستفادة في مجال تحقيق هذا الكتاب ـ بقدر ما أمكن ـ من سماحة آية الله السيّد كاظم الحسيني الحائري (حفظه الله) الذي هو من أبرز تلامذة المؤلّف (قدس سره)، وكان مشاركاً له في معاناة اكتشاف الاُسس المنطقيّة للاستقراء، كما صرّح به المؤلّف في إحدى رسائله الخطّية،[3] وقد أتحفنا بتعليقاته العلميّة القيّمة على هذا الكتاب، التي تستهدف ـ في الغالب ـ تلبية الحاجات الضروريّة لتوضيح ما جاء ذكره في متن الكتاب، أو لتحصيل مفاد علميٍّ جديد، وبعضها يحمل طابع النقد والنقاش أيضاً، وقد وردت هذه التعليقات في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (الحائري) تمييزاً لها عن الهوامش الصادرة من المؤلّف نفسه التي ذُيّلت باسم (المؤلّف (قدس سره)).
وقد استعانت لجنة التحقيق بسماحته أيضاً في تشخيص جملة من الأخطاء الواقعة في الطبعة الاُولى من غير ما جاء ذكره في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف (قدس سره)، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء.
2ـ اُضيفت تعليقات علميّة اُخرى في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (لجنة التحقيق) في مواردَ عديدة استجابةً للحاجة الضروريّة فيها إلى التوضيح والتبسيط حسب تشخيص اللجنة، ومن أهمّها التعليقات التي وُضعت ـ بالاسم المذكور ـ في بحث نظريّة (برنولي) الذي هو من أدقّ الأبحاث العلميّة في نظريّة الاحتمال، وذلك لتوضيح مراحل البحث المطروح في هذه النظريّة، وتقسيم كلّ مرحلة منها إلى عدّة خطوات، لتسهيل الأمر على الباحثين.
3 ـ تمّ تنظيم العناوين الرئيسيّة لأقسام الكتاب وفصوله ـ خصوصاً في القسم الثالث الذي هو القسم الموسّع والأساس منه ـ على طبق التقسيمات الواردة لمحتويات الكتاب في المقدّمة التي وضعها المؤلّف نفسه (قدس سره)، رغم أنّ تنظيمها الشكلي في الطبعة الاُولى ـ وفي باقي الطبعات أيضاً ـ لا يتطابق تماماً مع ما جاء في تلك التقسيمات، فما يراه القارئ الكريم في هذه الطبعة من تغيير وتفاوت في هذا المجال عن ما جاء في الطبعات السابقة إنّما ينبع من اهتمام لجنة التحقيق وحرصها على إيجاد التطابق الفنّي بين عناوين الفصول وبين التقسيمات الواردة في مقدّمة الكتاب.
انظر نص الكتاب هنا
[1] شهيد الاُمّة وشاهدها 1: 96.
[2] من قبيل ما وقع في طبعة (دار التعارف) من سقط ثلاثة أسطر كاملة من نهاية صفحة 193، والانتقال الغريب الحاصل لسطر كامل من بداية صفحة 239 إلى أوّل صفحة 149، وغير ذلك.
[3] شهيد الاُمّة وشاهدها 1: 152، الوثيقة 18.