ونحن حين نقول عن الاقتصاد الإسلامي: إنّه ليس علماً نعني أنّ الإسلام دين يتكفّل الدعوة إلى تنظيم الحياة الاقتصاديّة كما يعالج سائر نواحي الحياة، وليس علماً اقتصاديّاً على طراز علم الاقتصاد السياسي، وبمعنى آخر: هو ثورة لقلب الواقع الفاسد وتحويله إلى واقع سليم، وليس تفسيراً موضوعيّاً للواقع. فهو حينما يضع مبدأ الملكيّة المزدوجة مثلًا لا يزعم بذلك أنّه يفسّر الواقع التاريخي لمرحلة معيّنة من حياة الإنسانيّة، أو يعكس نتائج القوانين الطبيعيّة للتاريخ.. فالوظيفة المذهبيّة تجاه الاقتصاد الإسلامي هي: الكشف عن الصورة الكاملة للحياة الاقتصاديّة وفقاً للتشريع الإسلامي، ودرس الأفكار والمفاهيم العامّة التي تشعّ من وراء تلك الصورة، كفكرة انفصال شكل التوزيع عن نوعيّة الإنتاج، وما إليها من أفكار.
وأمّا الوظيفة العلميّة تجاه الاقتصاد الإسلامي فيأتي دورها بعد ذلك؛ لتكشف عن مجرى الحياة الواقعي وقوانينه ضمن مجتمع إسلامي يطبّق فيه مذهب الإسلام تطبيقاً كاملًا. فالباحث العلمي يأخذ الاقتصاد المذهبي في الإسلام قاعدة ثابتة للمجتمع الذي يحاول تفسيره وربط الأحداث فيه بعضها ببعض. فهو في هذا نظير الاقتصاد السياسي لعلماء الاقتصاد الرأسماليّين الذين فرغوا من وضع خطوطهم المذهبيّة، ثمّ بدؤوا يفسّرون الواقع ضمن تلك الخطوط، ويدرسون طبيعة القوانين التي تتحكّم في المجتمع الذي تطبّق عليه، فنتج عن دراستهم هذه علم الاقتصاد السياسي.
وهكذا يمكن أن يتكوّن للاقتصاد الإسلامي علم، بعد أن يدرس دراسة مذهبيّة شاملة من خلال دراسة الواقع في هذا الإطار. والسؤال هو: متى وكيف يمكن وضع علم الاقتصاد الإسلامي، كما وضع الرأسماليّون علم الاقتصاد السياسي، أو بتعبير آخر علم الاقتصاد الذي يفسّر أحداث المجتمع الرأسمالي؟
والجواب على هذا السؤال: أنّ التفسير العلمي لأحداث الحياة الاقتصاديّة يرتكز على أحد أمرين:
الأوّل: جمع الأحداث الاقتصاديّة من التجربة الواقعيّة للحياة، وتنظيمها تنظيماً علميّاً يكشف عن القوانين التي تتحكّم بها في مجال تلك الحياة، وشروطها الخاصّة.
الثاني: البدء في البحث العلمي من مسلّمات معيّنة تفترض افتراضاً، ويستنتج في ضوئها الاتّجاه الاقتصادي ومجرى الأحداث.
🔸 اقتصادنا، ج١، ص ٣٦٢