السيد الخباز والشهيد الصدر وفكرة الإمام المهدي

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

تتلاطمك الأفكار المختلفة والآراء المتعددة والقراءات الخاصة والالتواءات العجيبة حينما تسمع وتقرأ عن الإمام المهدي بحثا هنا أو هناك أحيانا. لقد احتوت محاضرات السيد منير الخباز هذا العام بعض الأمور المرتبطة بالإمام المهدي «عج» وتناول فيما تناول فيها فكرة للشهيد السعيد محمد باقر الصدر قدس الله روحه الشريفة في كتابه الصغير «بحث حول المهدي» حول طول عمر الإمام المهدي ووجهة نظر الشهيد فيها وحاول أن يردّ عليه رداً علمياً من خلال توجيه كلام الشهيد الصدر –حسب الظاهر-.

ونحن هنا سنطل إطلالة بسيطة على كلامه ونعرض كلام الشهيد الصدر، وحتى لا نطيل الكلام ستكون الإطلالة كما يلي:

عَرْضُ كلام السيد الخبار، ثم كلام الشهيد الصدر، ثم فهمنا وتوجيهنا، وقد نناقش في بعض النقاط التي يطرحها السيد خلال عرضنا لكلامه.

وما دعاني لكتابة هذا المقال هو أنني استمعت لمحاضرته في الليلة الثامنة عندما تناول الفكرة، وقد كان عندي تحفظ حول ما قاله عن الشهيد، فاضطررت لمراجعة الكتاب لقراءة ومعرفة فكرة الشهيد الصدر حول النقطة المثارة.

يقول السيد الخباز: كتب يقول في هذا الكتاب عبارة أصبحت مثار جدلٍ وهي: «ضخامة الدور الذي أنيط بالإمام المهدي وهو أن يقيم الدولة العامة على الأرض كلها – ضخامة الدور – تقتضي ضخامة في الكفاءات، لذلك أبقاه الله هذا العمر الطويل لكي يكتسب من خلال معاصرته للحضارات المختلفة والدول المتعددة يكتسب الرصيد النفسي الذي يهيئه ويعده للقيام بذلك الدور الضخم».

ثم قال: «هذا الكلام أصبح مثار جدلٍ عند العلماء، بعضهم يقول: أن الإمام يعد من أول يوم، وجاهز للقيام بدوره منذ أول يوم ولا حاجة لأن يعيش كل هذه السنين حتى يكتسب الرصيد النفسي أو رصيد روحي يعده للقيام بهذا الدور».

إذن: ما هو مقصود السيد العظيم والشهيد الكبير؟

وفيه: أنه من أين فهم أن هذا الكلام كلام الشهيد الصدر فالشهيد الصدر لم يقل هذا ويمكن ملاحظة ما يلي عليه:

أولاً: أن العبارة التي قيلت على اعتبار أنها كلام للشهيد لا توجد في كتابه أصلاً ولكننا نوجه ذلك بأنه فِهْمُ السيد ليس إلا.

ثانيا: يبدو أن هذا هو ما فهمه السيد وفهمه لا يعبرعن مقصد الشهيد الصدر. وتوجيه ذلك يحتاج نقل كلام الشهيد الصدر.

إن الشهيد الصدر في معرض مناقشات تساؤلات مطروحة في الشارع الإسلامي تتحدث عن أمور متعددة حول المهدي ومنها ما يرتبط بعمره الشريف وقد تناول الشهيد هذا التساؤلات في الفصل الأول من كتابه ليناقش كل تساؤل بمفرده في فصل آخر وكان التساؤل المهم حول العمر كالتالي كما ذكر الشهيد:

قال الشهيد الصدر «…ويتساءلون أيضاً!

لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات؟ فتعطّل من أجله القوانين الطبيعية، ويفعل المستحيل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود، فهل عقمت البشرية عن إنتاج القادة الأكفاء؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد مع فجر ذلك اليوم، وينمو كما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلما وجوراً؟»[1].

أقول: لعله فهم من هذا التساؤل أن هذا الكلام كلام الشهيد الصدر والواقع أنه ليس كذلك، إنما هو في معرض عرض التساؤل ليجيب على هذا التساؤل فلاحظ أخي الكريم.

توجيه كلام الشهيد:

ثم بدأ السيد في توجيه كلام الشهيد الصدر باعتباره لا يتبنى هو كلام الشهيد وإن قال نوجه كلام الشهيد الصدر لأنه كما يقول «هذا الكلام أصبح مثار جدلٍ عند العلماء». فما ندري من هم العلماء هل السنة أم الشيعة؟ أي هل أصبح مثار جدل بين علماء الشيعة أم السنة؟ ومن هم هؤلاء العلماء؟ وفي أي كتاب تلك المناقشات؟! أو أنه أصبح مثار جدل عنده هو لا غير؟!

ولا ندري هل يتبنى هو فكرة الشهيد الصدر أم يخالفها؟! ما نفهمه أنه يخالف فكرة الشهيد الصدر ولعله صرح – علام في ذاكرتي قبل عشر سنوات – بأن الشهيد الصدر مخطئ في فهمه!

ولسنا نحاكمه هنا وإنما نتحدث عن الظاهر وما نحن مطالبين به الظاهر ليس إلا.

إذن كما يقول هو: ما هو مقصود السيد العظيم والشهيد الكبير؟

الشهيد الصدر ليس في معرض الإجابة عن عمر الإمام الطويل من الناحية العقدية الشيعية ولذا قال في ضمن ما قال «وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً، فنحن نؤمن بأنّ الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم».

فالواضح من كلام الشهيد الصدر أنه لا ينطلق في جوابه حول عمر الإمام من منطلق شيعي إذن، فما هو منطلق الجواب؟

منطلق الجواب كما يقول الشهيد:

«غير أنّ هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود».

والواضح من كلامه قدس سره إن التفسير الذي تبناه للرد على أولئك الذين يتساءلون ولا يؤمنون بفكرة عمر الإمام تفسير اجتماعي – كما قال – يبتني على حقائق علمية محسوسة من نظرتهم هم علهم يستوعبون الفكرة ويؤمنون بها ولهذا المنطلق:

قال الشهيد: «وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء الأئمة المعصومين».

فهل في هذا الكلام غموض!

أقول: إنني أستغرب من هذا النقل والفهم، وعدم المتابعة الدقيقة من خطيب بارع ومتفوه كبير من أن ينقل لنا كلاما من غير تدقيق.

إذا اتضحت فكرة الشهيد ومناقشته وردوده على المتسائلين وجوابه العقلي البعيد عن النظرة الخاصة للإمامية سنحاول أن نغوص قليلا في بعض تفاصيل كلام السيد وأهم ما قاله ضمن التوجيه لكلام الشهيد ما يلي:

توجيهان لكلام الشهيد:

ثم استرسل في كلامه ليقول: لابد من توجيه كلام الشهيد بأمرين:

الأول أن الأنبياء جميعاً مروا بفترات امتحان وابتلاء وكان الغرض من الامتحان والابتلاء أن يتكاملوا في مقاماتهم الروحية. فالنبي يتكامل في مقاماته الروحية من مقام إلى مقام.

لإثبات ذلك: فمثلاً في قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : ﴿وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ﴿البقرة: ١٢٤﴾ فمتى استحق الإمامة ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ عندما مرَّ بهذا الابتلاء والامتحان ووصل إلى مقام روحي معين.

وفي حق يوسف عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ «يوسف: 22» وفي حق موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿القصص: ١٤﴾.

وكذلك الحال لقصة موسى مع الخضر فإنه امتحان لموسى: ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾ ﴾ «الكهف».

وبدأ الخلاف بينهما حتى قال له الخضر ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾ ﴾ «الكهف» قاله له مرتين إلى أن نبأه: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾﴾ «الكهف».

هذه المرحلة امتحان لموسى عليه السلام من أجل أن يتكامل في المقام الروحي فهو يتكامل من مقام إلى مقام. هذا بالنسبة للأنبياء.

أما بالنسبة إلى النبي محمد وآله فهل يخضعون للتكامل أم لا؟ أي انه هل أنهم منذ ولادتهم كاملين أو أنهم يخضعون للتكامل؟ وجواب ذلك أنهم يخضعون للتكامل.

هم في كل لحظة أكمل الناس إذ لا يجوز تقديم المفضول على الفاضل لأنه قبيح، وهم في كل لحظة ينتقلون من مقام إلى مقام، وهذا على مستوى العلم والمقامات الروحية.

وفيه: ومع سرد الأدلة على تكامل الأنبياء والأئمة روحيا إلا أن هذا لم يقله الشهيد الصدر ولم ينفه وليس له دخل فيما تحدث فيه الشهيد الصدر عن عمر الإمام حتى في توجيهه الاجتماعي الخاضع للحقائق العلمية.

فهل أن الشهيد الصدر لا يؤمن بتكامل الأنبياء والأئمة في المقام الروحي والعلمي ليوجه بهذا التوجيه؟!

كلا، الجواب كما مر أن الشهيد في مقام مناقشة الرافضين لطول عمر هذا الإمام بالذات وبالأسلوب العلمي «على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود».

يقول الشهيد الصدر – لمن لا يؤمن بعمر الإمام من ناحية غيبية ولا من ناحية شيعية -:«إنّ عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور.. بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعُدّ للقضاء عليها، وتحويلها حضارياً إلى عالم جديد.

فبقدر ما يعمر قلب القائد المغيّر من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، وإحساس واضح بأنها مجرد نقطة على الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتى النصر.

ومن الواضح أنّ الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ تطلّبت زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم…….»

أقول: إن القرآن يحدثنا عندما يتحدث عن الأنبياء كيف تهيؤوا نفسياً قبل أن يتولوا زمام النبوة والدعوة لله ولم يكونوا ليخرجوا مباشرة لمواجهة الكفر والطغيان، وهذا ما أشارات إليه الآيات التي تتحدث عن يوسف وموسى عليهم السلام  ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ «يوسف: 22» وفي حق موسى عليه السلام : ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿القصص: ١٤﴾. فلم يعطهما الله سبحانه كل العلوم وكل ما يحتاجونه دفعة واحدة ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ وكذلك الحال في قصة نوح عليه السلام فقد هيأه الله تدريجياً وهو هيأ سفينته شيئا فشيئا حتى أكتمل كل شيء وجرى ما جرى بإذن الله.

فالأنبياء عاشوا الأجواء والأحداث اليومية وتكاملوا روحيا حينها قبل بدء مهامهم كنبي وعليه فالقائد التاريخي لا بد أن يكون مهيّأً نفسياً ومعدّاً إعداداً مناسباً لأداء المهمة، وهذا أمرٌ مفروغ منه. أما كيف تهيؤوا نفسيا فهذا موضوع آخر.

فليس من شك في زيادة الأنبياء والأئمة وتكاملهم الروحي والعلمي يوما بعد يوم.

يقول السيد: أما على مستوى العلم فإنه في البحار ج26/ باب أنه يزاد في علمهم رواية مقطوعة الصدور متعددة الرواة «إنا لنزاد كل جمعة»، و«إنا لنزاد كل ليلة ولو أننا لا نزاد لأنفذنا أو لنفذ ما عندنا».

وفي رواية الديلمي يسأل الإمام: «هل تزادون في الحلال والحرام؟ قال: لا، أما الحلال والحرام فقد نزل على نبيه بكامله، والإمام لا يزيد فيه شيئاً، إنما نزاد فيما سوى ذلك» لمعلومات أخرى نعطى إياه على علم التشريع، وهو علم الحلال والحرام.

إذا كان الإمام يخضع لتكامل علمي، مع أنه في كل آن هو أكمل الناس وأعلم الناس لكنه يدخل في مقام علمية متكاملة.

أقول: لست هنا في إثبات الكلام أو نفيه، وإنما بيان بعض الأمور ليلتفت القارئ الكريم وهي:

أولاً: مجموع الروايات الواردة في البحار تحت باب «انهم عليهم السلام يزادون ولولا ذلك لنفد ما عندهم»[2] «37» رواية «33» منها من كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن حسن الصفار ونسبة هذا الكتاب للصفار فيها ما فيها عند المحققين، فالصفار ثقة لكن هذا الكتاب منسوب إليه.

ثانيا: متى تكون الرواية مقطوعة الصدور؟

التواتر لفظي ومعنوي، ويشير السيد على ما يبدو إلى التواتر المعنوي لاختلاف ألفاظ الروايات ونحن نسأل هل المبنى في التواتر هو تجميع الروايات الضعيفة مع بعضها لتكون قطعية الصدور أما يشترط في ذلك الوثاقة.

هناك مبنيان:

الأول: يتبنى أن وجود روايات ضعيفة متكثرة في باب معين تؤكد صحة صدور الروايات بهذا المعنى ولا يعني قطعيتها وبعضهم يرفعها إلى درجة التواتر ولعل السيد منهم.

والثاني: يتبنى وثاقة الراوي حتى في تكثر الروايات، ولا يكفي تكثر الروايات الضعيفة لاعتبارها متواترة ومنهم السيد الخوئي والشيخ السبحاني[3]

يقول السيد: وأما على مستوى المقامات الروحية فإنه يخضع للتكامل الروحي من مقام إلى مقام، لاحظوا الآيات التي تتحدث عن النبي: ﴿وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿هود: ١٢٠﴾ ما معنى ذلك وهل كان قلقاً ثم صار مطمئناً؟ هو مطمئن من الأول.

وكذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ ﴿الفرقان: ٣٢﴾ أي انتقال من مقام روحي إلى مقام روحي آخر.

التثبت هنا بمعنى التكامل في المقامات الروحية لا أنه كان شاكاً ثم أصبح مطمئناً لا أن المعلومات كانت مشوشة ثم أصبحت واضحة.

هو ينتقل في المقامات الروحية من مقام إلى مقام: «عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴿الإسراء: ٧٩﴾ مع أنه في كل آن أفضل الخلق وأكمل الخلق.

أقول: التثبت ليس له دخل في التكامل الروحي، بمعنى ليس لفظة التثبت هنا بمعنى التكامل في المقامات الروحية، فقصص الأنبياء التي عرضت في القرآن على رسول الله كانت بهدف تطمأنته وتقوية قلبه وتثبيته على الدعوة واحتمال الأذى كي يتمكن من مواصلة الدعوة لقلقه واضطرابه، والتثبت أمر جاء به القرآن لزيادة الاطمئنان على لسان الأنبياء كإبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾﴿البقرة: ٢٦٠﴾ أراد أن يرى أن الله يحيي الموتى وهو يؤمن بذلك، لكنه يريد أن يطمئن أكثر وإلا فليس هو بشاك.

ويؤيد ما نقول كلام العلماء والمفسرين:

وفي قوله: “ما نثبت به فؤادك ” أي ما نقوي به قلبك، ونطيب به نفسك، ونزيدك به ثباتا على ما أنت عليه من الإنذار والصبر على أذى قومك[4]

«ما نقوي به قلبك، ونطيب به نفسك، ونزيدك به ثباتا على ما أنت عليه من الإنذار، والصبر على أذى قومك الكفار»[5] «زيادة يقينه وطمأنينة قلبه، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب»[6] «تنبيه على المقصود من الاقتصاص وهو زيادة يقينه، وطمأنينة قلبه، وثبات نفسه، على أداء الرسالة، واحتمال الأذى.»[7]

وقال الفيلسوف والمفسر والفقيه والأصولي صاحب تفسير الميزان «قوله: ” ما نثبت به فؤادك ” عطف بيان للأنباء أشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وهو تثبيت فؤاده وحسم مادة القلق والاضطراب منه. والمعنى نقص عليك أنباء الرسل لنثبت به فؤادك ونربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحق، والنهضة على قطع منابت الفساد، والمحنة من أذى قومك»[8].

وفي التفسير المعاصر «الأمثل» للشيخ ناصر مكارم الشيرازي:

«تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  وتقوية إرادته – التي يشار إليها في هذه الآية – أمر طبيعي، لأن معارضة الأعداء اللجوجين الشديدة والقاسية – رضينا أم أبينا – تؤثر على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  لأنه إنسان وبشر أيضا. ولكن من أجل أن لا ينفذ اليأس إلى قلب النبي المطهر وتضعف إرادته الفولاذية من هذه المعارضة والمخالفات والمثبطات، فإن الله يقص عليه قصص الأنبياء وما واجهوه، ومقاومتهم قبال أممهم المعاندين، وانتصارهم الواحد تلو الآخر ليقوي قلب النبي والمؤمنين الذي يلتفون حوله يوما بعد يوم»[9].

وكذلك الحال في قوله تعالى «لنثبت به فؤادك» في الآية الثانية، أي: لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة، وذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة، وكل أمر، كان ذلك أقوى لقلبه، وأزيد في بصيرته[10].

إن نزوله التدريجي تثبيتا لفؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتداوم الصلة بين الموحي والموحى إليه بين الحين والحين. وهذا بخلاف ما لو نزل جملة واحدة وأوصد فيها باب الوحي، وانقطعت صلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  بالسماء، ففي صورة استدامة الوحي والصلة بينه وبين الله سبحانه يعيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  تحت ظل إمدادات غيبية تعقبه إزالة الصدأ العالق على قلبه من خلال مجابهة المشركين والكافرين، بخلاف الثاني، ففيه إيماء إلى انقطاع الصلة حينها يجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  نفسه وحيدا دون من يعضده ويسليه ويذهب عنه هم القلب[11].

ويبدو أن السيد غفل عن أن التشريعات كانت تتنزل بشكل تدريجي تبعا للحاجات، النزول التدريجي للقرآن كان سبب ارتباط النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  الدائم والمستمر بمبدأ الوحي مما يجعل قلبه الشريف أقوى وإرادته أشد، وأن كثير من آيات القرآن نزلت في مناسبات تاريخية مثل معركة «بدر» و«أحد» و«الأحزاب» و«حنين»، وبذلك سنت التشريعات والاستنتاجات من هذه الحوادث، ترى هل يصح أن تكتب هذه مرة واحدة وتعرض على الناس؟! أيضا ضرورة التثبت إنما تكون بالنزول التدريجي لما تقتضية الحالة الإسلامية هذا هو معنى التثبت. فقد ثبت قلب النبي واطمأن بعد أن كان قلقا ومضطربا كما قال صاحب الميزان لا كما قال السيد: التثبت هنا بمعنى التكامل في المقامات الروحية لا أنه كان شاكاً ثم أصبح مطمئناً لا أن المعلومات كانت مشوشة ثم أصبحت واضحة.

إن المرحلة والصراع الذي عاشه وعاناه النبي مع الكفار والتجارب التي خاضها معهم أكسبته بالتأكيد تكاملا روحيا ونفسيا مما جعلته يثبت ويطمئن.

وقد فهم السيد أن قوله تعالى ﴿مقاما محمودا﴾ أنه ارتقاء في المقامات والحق أن المقام المحمود هو الشفاعة أي أن الله أعطاه الشفاعة كما هو رأي المفسرين. فله أي يسأل فيعطى، ويشفع فيشفع. وكتوجيه لكلام السيد ربما فهم منها بالدلالة الالتزامية أن لازم هذا الصبر والتحمل التكامل الروحي.

يقول السيد: الأمر الثاني:

تكامل الأئمة في مقاماتهم الروحية أو في علومهم ليس دخيلاً في الإمامة، فهو إمام منذ ولدته أمه، بل منذ أن كان في عالم الأنوار، وليس ذلك دخيلاً في جاهزيته لأي دور يناط به.

الإمام المهدي إمامته وجاهزيته للدور الذي أنيط به لا تتوقف أن يتكامل في هذا المقامات الروحية والعلمية، وإنما التكامل في المقامات الروحية ابتلاء ابتلاهم الله من أجل رفعة مقامهم وجلالة قدرهم، لا أن ذلك شرط في الإمامة أو أن ذلك شرط في اللياقة والجاهزية، هو مجرد امتحان من الله من أجل رفعة قدرهم وجلالة مقامهم ليس إلا.

وفيه: أن الشهيد الصدر لم يقل أن تكامل الأئمة في مقاماتهم له دور في الإمامة أو في جاهزيتهم، بل أن الشهيد كما قلت لم يتحدث بنظرة شيعية، بل وفي مقابل هذا الكلام أكد الشهيد أن الإمام يمر بالامتحانات والابتلاء طيلة غيبته للتكامل الروحي حيث قال:

«فعلى الرغم من قدرة الله سبحانه وتعالى على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب؛ لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخل الله سبحانه وتعالى أحياناً فيما يخصّ بعض التفاصيل التي لا تكوّن المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحياناً التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهيم….».

إذن ما أكده الشهيد الصدر هو التكامل الروحي كما هو واضح، وفي المقابل لم يقل أن تكامل الإمام الروحي للإمام له دخل في الإمامة أو في جاهزيته. هذا أولاً.

ثانياً: إذا كان الإمام يتكامل تكاملا روحيا كل يوم وكل جمعة على حسب روايات البحار المنقولة فما فائدة الابتلاء والامتحان فهو في حالة تكامل مستمر دون الحاجة إلى الابتلاء وهذا ما تقرره الروايات والتي منها:

عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنا لنزاد في الليل والنهار ولو لم نزد لنفد ما عندنا.

وعن محمد بن جمهور عمن رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال إن لنا في كل ليلة جمعة وفدة إلى ربنا فلا ننزل إلا بعلم مستطرف.

هذه الروايات على إطلاقها تبين أن الزيادة العلمية حاصلة وليس لها دخل في شيء، إذن فهم في حالة زيادة علمية وروحية مستمرة دون الحاجة للابتلاء فما فائدة الابتلاء إذن في حين قال سماحة السيد أن الابتلاء هدفه التكامل الروحي.

كما أن قدرهم وجلالتهم عند الله معروفة ومرفوعة، فما الحاجة لزيادتها عند الله؟

ثمة تساؤل مهم هنا ردا على السيد: إذا كان الإمام جاهزاً للدور الذي أنيط به فما الحاجة لزيادة علمه؟ فهو جاهز ومسلح بكل العلم الذي يحتاجه فطول العمر لن يؤثر في جاهزيته بل هو جاهز في أي لحظة يأذن الله له فيها بالخروج أو تتوافر العناصر الموضوعية المساعدة على خروجه.

كما أنه إذا كان جاهزاً للدور الذي أنيط به فلا حاجة لأن يبقيه مغيباً فلينمه كما أنام أهل الكهف حتى إذا حان موعده أيقظه من سباته العميق فهو ليس محتاجاً إلى معرفة تطور الحضارة.

يقول السيد: في البحار من «ج44/ باب 29» يتحدث عن الحسين بن علي قال: «إن الله عوض عن قتله بأن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته والإجابة تحت قبته».

إن قتل الحسين كان امتحناً صعباً، هذا الامتحان العسير تكامل في المقام الروحي، نفس شهادة الحسين تكامل في المقام الروحي هذا التكامل في المقام الروحي عوضه الله عنه.

لماذا لم يجعل الإمامة في نسل الإمام الحسن عليه السلام مع أن كثير من علمائنا يقولون أن الحسن أفضل من الحسين الحسن إمام على الحسين. فلماذا جعلت الإمامة في ذرية الحسين؟

جزاءً وعوضاً عن المقام الروحي الذي وصل إليه من خلال امتحانه بالشهادة وابتلائه.

وفيه: إن قتل الحسين كما قال امتحان صعب وعسير بلا شك ولنقل مثله تكامل في المقام الروحي، ولكن ما معنى أن الله عوضه عن ذلك بسبب التكامل الروحي الذي وصل إليه من خلال امتحانه بالشهادة وابتلائه؟! وما معنى تلك المقارنة مع الإمام الحسن؟! هل أن الإمام الحسن لم يتكامل روحيا كما تكامل الإمام الحسين؟! أو هل أن الإمام الحسن لم يستشهد؟! وهل أن الإمام الحسن لم يبتل؟! وهل أن الإمام الحسين أفضل من الإمام الحسن؟!

على العكس تماماً فإن الإمام الحسن أفضل من الإمام الحسين وهو إمامه كما قال ونقل عن العلماء، «وأنهما إمامان قاما أو قعدا»، وأنهما «سيدا شباب أهل الجنة»، وأنهما «شهيدان»، وأنهما يتكاملان تكاملا روحياً ولعل التكامل الروحي للإمام الحسن أكثر ولذا كان أفضل؟ وعليه فإننا نوجه كلامه بما يلي:

لا معنى للقول بأن التكامل الروحي للإمام الحسين هو السبب في تعويضه بما ذكر في الرواية، بل هي أرادة الله فوق كل شيء وحكمته لا للتكامل فإن التكامل لكليهما.

والظاهر من كلام السيد بمنطوقه «جزاءً وعوضاً عن المقام الروحي الذي وصل إليه من خلال امتحانه بالشهادة وابتلائه».

وهل أن مقارنته مع الإمام الحسن تعني أن الإمام الحسن لم يصل إلى المقام الروحي الذي وصل إليه الإمام الحسين ليجازى ويعوض من خلال امتحانه وابتلائه ليعطى ما أعطى الإمام الحسين وإلا ماذا نفهم من هذا الكلام!!

هل يوجد ترابط بين التعويض والتكامل الروحي؟

إذا كانت الإجابة بنعم فبمَ عوض الإمام الحسن، وإذا كانت الإجابة بلا فلا داعي للقول بأن التكامل الروحي للإمام الحسين كان سببا في تعويضه؟

ثم أنه هل كان التعويض في الدنيا أما في الآخرة؟

إذا كان في الدنيا فأين تعويض الإمام الحسن على صبره وابتلائه وتكامله الروحي، وإذا كان في الآخرة فما هو تعويضهما؟ وما هو تعويض الإمام المهدي على صبره هذا العمر من الغياب في الدنيا والآخرة؟!

توجيه كلام الشهيد:

يقول السيد: إذن من المحتمل – نضعه على مستوى الاحتمال – دفاعاً عن الشهيد الصدر «قدس سره»، من المحتمل أن الله تبارك وتعالى أبقى المهدي هذا العمر الطويل امتحاناً له وابتلاء له.

وفيه: أن هذا ما يقرره الشهيد الصدر دون فلسفة زائدة.

يقول السيد: لا يوجد ابتلاء أشد من أن يبتلى العالم بكتمان علمه.

لا يوجد ابتلاء أشد من ابتلاء أمير المؤمنين لمدة «25 سنة» لا يستطيع أن ينشر علمه، هذا ابتلاء كما ابتلى جده يعيش في دار لا يستطيع أن يثبت علمه ابتلاه الله بالمئات من السنين بهذا العمر الطويل مغيباً لا يستطيع خلال هذه الغيبة أن ينشر العلم والمعارف كما يريدها الله فهو صابر على كتمان العلم والمعرفة، هو صابر على المظالم والجرائم التي تمر على أمة محمد هو صابر على المعاصي التي يراها من خلال بعض شيعته. هذا الصبر والألم الذي يمر به مئات السنين امتحان وابتلاء له من أجل ارتقاء مقاماته الروحية عليه السلام.

وفيه: أن أمير المؤمنين لم يكتم علمه بل كان في زمن الخلفاء الثلاثة ينشر علمه ومعارفه، بل أنه عكف على جمع القرآن وترتيبه من ناحية ومن ناحية أخرى كلما احتاجه الخلفاء في مسألة كان يحلها.

عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال قلت لعطاء: «أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه [وآله]  وسلم أحد أعلم من علي؟ قال: لا والله، ما أعلمه»[12].

وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: «قلت لعبدالله بن عياش بن أبي ربيعة: يا عم لِم كان صفو الناس إلى علي؟! فقال: يا ابن أخي، إن علياً عليه السلام كان له ما شئت من ضرسٍ قاطعٍ في العلم، وكان له البسطة في العشيرة…. والجود في الماعون»[13].

لذا استنجد به الخلفاء في حل مشاكلهم العلمية، حتى كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن عليه السلام : «لا أبقاني الله لمعضلة ليس [لها]  بها أبو الحسن»[14].

وكان الخليفة عمر وفي مواضع عديدة يكرر قوله «لولا علي لهلك عمر»، وقيل أنها كانت سبعين مورداً، ولأجل هذا كان يقول – عمر -: «لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر».

ولا بأس بنقل حادثة من الحوادث التي جرت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وقد لجأ فيها عمر إلى الإمام علي بن أبي طالب:

«وجيء لعمر بامرأة ولدت لستة أشهر أ فاعتد عمر «رض» بها الزنا، فأمر برجمها، فجبهه علي عليه السلام  لا تفعل، فلو خاصمتك بكتاب الله لخصمتك. إن الله تعالى يقول: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[15] ويقول: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾[16].

فإذا تممت المرأة الرضاعة، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً كان الحمل ستة أشهر». وكان هذا حكم الله من كتاب الله، فكررها عمر قائلاً: «لولا علي لهلك عمر»[17].

ومن هنا كان الصحابة يؤكدون على أن علياً أعلم الناس «علي أعلم الناس بالكتاب والسنة»[18].

وهذا ما قالت أم المؤمنين عائشة: «علي أعلم الناس بالسنة»[19].

هذا من طريق السنة أما طريق الشيعة فحدث ولا حرج، فكيف يقال أن أمير المؤمنين لم ينشر علمه.

ولنفترض جدلا أن جده أمير المؤمنين لم يتمكن من نشر علمه، كيف تحدث الصحابة والتابعون عن علمه إذا لم ينشر، وكيف كان جداه الباقر والصادق عليهم السلام اللذان نشرا علوم أهل البيت.

يقول السيد: فلعل الله امتحنه هذا الامتحان العسير ببقائه هذا العمر الطويل متحملاً لهذه الآلام الصعبة من أجل أن يقال أنه سيعوض عن هذه الآلام كلها بأن يكون فرحة للمؤمنين على يدك وإظهار العدالة التامة فأنت الذي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فبقاؤه العمر الطويل ليس دخيلاً في إمامته ولا في لياقته لهذا الدور ولكنه دخيل في تعويضه. فالله سبحانه عوضه عن هذا الابتلاء وهذا الامتحان بأن صار الدين بهجة للمؤمنين على يده.

وفيه: إن لبقاء الإمام العمر الطويل دخيلة في الظروف الموضوعية وإرادة الله في ذلك وليست دخيلة في تعويضه. فمتى ما توفرت الظروف الموضوعية وأراد الله له الخروج سيخرج ليملأ الأرض قسطا وعدلا. والسلام.

الشيخ عباس الموسى

شبكة إشارة الأخبارية

شبكة صفوى الإخبارية

الجمعة 01 يناير 2010

[1] بحث حول المهدي – للشهيد الصدر– ص 13

[2] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 26 – ص 86 – 91

[3] كما قال وهو في مقام تعريف التواتر «يؤمن معه من تعمدهم على الكذب، ويحرز ذلك بكثرة المخبرين ووثاقتهم، أو كون الموضوع مصروفاً عنه دواعي الكذب أو غير ذلك». فالشرط كثرة المخبرين والوثاقة. انظر أصول الحديث وأحكامه – الشيخ السبحاني – ص 26

[4] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 9 – ص 106

[5] تفسير مجمع البيان – الشيخ الطبرسي – ج 5 – ص 351 – 352

[6] تفسير جوامع الجامع – الشيخ الطبرسي – ج 2 – ص 199

[7] التفسير الصافي – الفيض الكاشاني – ج 2 – ص 478، وانظر أيضا التفسير الأصفى – الفيض الكاشاني – ج 1 – ص 559

[8] تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج 11 – ص 71

[9] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج 7 – ص 104 – 105

[10] تفسير مجمع البيان – الشيخ الطبرسي – ج 7 – ص 295

[11] الأقسام في القرآن الكريم – الشيخ جعفر السبحاني – ص 175 – 176

[12] الاستيعاب بهامش الإصابة ج3/40.

[13] الاستيعاب بهامش الإصابة ج3/43.

[14] الطبقات ج2/339، أنساب الأشراف ج1/100.

[15] الأحقاف /15

[16] البقرة /233

[17] الإمام علي سيرته وقيادته /162-163

[18] المعيار والموازنة /102.

[19] التاريخ الكبير ج2/255