مشكلة السببية والاستقراء عند الشهيد الصدر

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

لقد لاقت مسألة العلاقة بين السببية والاستقراء موقفين متناقضين من قبل المذهبين العقلي والتجريبي. فقد اعتبر الاول ان بدون الايمان المسبق بالسببية يصبح البحث عن الاسباب الخاصة فارغاً وعقيماً. وحتى الفيلسوف عمانوئيل كانت الذي ايد هيوم في المصدر الذاتي للسببية نافياً عنها البداهة والشمول عما يتجاوز اطار الحس والخبرة؛ فانه مع ذلك قد عدّها من الشروط القبلية التي بدونها تسقط التجربة وتستحيل المعرفة[1]. وهذا المنطق لم يميز ‹‹الضرورة›› بين السببيتين العامة والخاصة، فكلاهما يخضعان الى نمط من الحتمية؛ عليها يقوم تبرير ظاهرة التعميم في الاستقراء. وقد اتخذت طريقة التعميم هذه صورة قياسية يستمد تبريرها من مبادئ قبلية، رغم عدم اكتراثها بالمشكلة المتمثلة بمصادرة الضرورة في علاقة السببية الخاصة.. وهي المشكلة التي تقف عقبة كبيرة أمام التعميم. أما الموقف التجريبي الذي ينفي وجود الضرورة في علاقة السببية العامة – فضلاً عن الخاصة – فهو لا يعتبر الاعتقاد بها شرطاً ضرورياً لقيام التجربة، بل يخضعها كغيرها من مبادئ المعرفة تحت الاختبار، وان كان يتفق على أن نفيها مطلقاً يجعل البحث عن الاسباب الخاصة عبثاً لا طائل تحته. في حين ذهب المفكر الصدر الى مخالفة كلا الاتجاهين السابقين، ذلك انه وإن لم يشترط الايمان المسبق بمبدأ السببية، لكنه رأى ضرورة الاستدلال عليها لتنمية المعارف الاستقرائية، وبدون ذلك لا يتم لهذه المعارف ان تقوم لها قائمة. وعليه فالدليل الاستقرائي بحاجة الى اثبات كلا السببيتين العامة والخاصة ليتم له تحقيق تلك التنمية، كما انه بحاجة الى اثبات الوحدة المفهومية لدى كل طرف من طرفي العلاقة السببية في القضية الاستقرائية.

مشكلة اثبات الضرورة العقلية

رغم عمق المحاولات المبتكرة التي أسسها المفكر الصدر في تنمية احتمال السببية طبقاً لنظريته الخاصة بالعلم الاجمالي؛ الا ان هناك عدداً من الملاحظات التي نسجلها على النتيجة المستخلصة، كالآتي:

1ـ ليس من شك ان محاولات الصدر للتنمية الاحتمالية تصلح لاثبات السببية عموماً في قبال الصدفة، لكنها تفشل في البرهنة على اثبات الضرورة التي تتضمنها علاقة السببية. فمن الواضح ان الاقتران بين ظاهرتين خاصتين إما ان يعبر عن ضرورة محضة او عن صدفة محضة او عن علاقة مشدودة تقبل الانفكاك. ومع كثرة التجارب ومشاهدة التكرار في الاقتران يمكننا بطريقة الاحتمال ان نضعّف من قيمة احتمال الصدفة ومن ثم نفيها عملياً، لكن يظل لدينا افتراضان احدهما لصالح الضرورة والاخر لصالح علاقة الشد. ومن المعلوم ان كثرة التجارب لا اثر لها في تأييد أي فرض من الفرضين السابقين ما لم يتدخل عامل آخر جديد، كالعامل الفلسفي او الشرعي، مثلما نبّه عليه الصدر في كتابه (بحث حول المهدي).

هكذا ان التجارب المتكررة بامكانها ان تساعد على تنمية احتمال نفي الصدفة المطلقة، لكنها لا تساعد على تنمية احتمال استحالتها؛ للفارق بين نفي الشيء ونفي استحالته، او لأن اثبات علاقات الشد لا يدل على استحالة فكّها.

ولا يختلف هذا الموقف من اثبات السببية العامة بواسطة الاحتمال والاستقراء عن الموقف السابق مع السببية الخاصة. اذ ان نجاح التجارب يمكن ان يساعد على تنمية احتمال سببية ظاهرتين مقترنتين مع بعض، دون ان يعني ذلك انها تنمّي قيمة احتمال الضرورة في العلاقة المفترضة بينهما، طالما يحتمل ان تكون هذه العلاقة هي علاقة شد.

ويلاحظ ان للفكر الاسلامي ثلاثة مواقف ازاء طبيعة العلاقة السببية الخاصة، وإن اتفقوا على ما تتميز به السببية العامة من وجود العلاقة الضرورية. فهناك الموقف الذي يرى ان العلاقة السببية تتحكم بها الضرورة، وهو ما يمثل وجهة النظر الفلسفية. كما هناك الموقف الذي يرى العلاقة هي علاقة اطراد ناشئة بفعل ‹‹الخلق المستمر››، مثلما تقول بذلك الاشاعرة. كذلك هناك الموقف الذي يرى العلاقة تتحكم بها الصور الطبعية كسنة شاء الله تعالى ان يطبع بها مخلوقاته، وهي بالتالي ثابتة لكنها ليست ضرورية الثبات، بدلالة ان خرقها جائز للأنبياء كي يبرهنوا على صدق دعواهم، كما هو رأي ابن حزم[2]. هكذا نحن أمام ثلاث نظريات عن السببية الخاصة، وهي باختصار عبارة عن:

أ ـ السببية الضرورية (الفلاسفة).

ب ـ السببية الخلقية (الاشاعرة).

ج ـ السببية الطبعية (ابن حزم).

اذن فلأجل البرهنة استقرائياً على السببية الاولى لابد من ان نضعّف في المقابل السببيتين الاخريتين. ولو اننا اعتبرنا السببية الثانية (الخلقية) تفترض سلفاً الرجوع الى المبدأ الميتافيزيقي الخاص بالمسألة الالهية، وجوّزنا تسامحاً عدم الاذعان الى الاعتبارات الميتافيزيقية، فانه مع ذلك تظل أمامنا السببية الطبعية، اذ كيف يمكن القضاء على فرض قائل بأن علاقات الطبيعة يسود فيها نمط من الطبائع وإن لم يتحتم تأثيرها؟ وهو الفرض الذي يتسق مع ما اطلقنا عليه علاقة الشد، وذلك لنعريه عن الاعتبارات الميتافيزيقية، ولنفسر سائر الظواهر التي لا يسود فيها ما يمكن اسناده الى الصبغة الطبعية، كما هو الحال مع الظواهر الاحصائية. أما لو أخذنا باعتبار التأثير الخاص بالمسألة الميتافيزيقية فاننا نعجز عن ان نضعّف الافتراض القائل بالسببية الخلقية، وهو الافتراض الذي يجعل من العلاقات بين السبب والمسبب لا يسود بينها أي نمط من انماط التأثير، انما جرت سنة الله أن يجعل بينهما هذا الارتباط من التعاقب والاضطراد. مع ذلك فليس هناك ما يضطرنا للأخذ بهذا الافتراض طالما ان من الممكن تفسير تلك العلاقات بشكل قريب ومتسق.

2ـ يمكن القول ان مبدأ السببية مفترض سلفاً في تعريف المفكر الصدر للاحتمال، وذلك ان هذا التعريف قائم على مبدأ عدم التمييز، وهو مستلهم من مبدأ السببية العامة، لكونه يعني عدم جواز ترجيح حالة على غيرها من الحالات ما لم يكن هناك سبب ما للترجيح، وهو الذي يبرر معاملة الحالات بالتساوي، وهو تساوي الاحتمال كما كشفنا عن ذلك في دراسة مستقلة. وبالتالي فان مبدأ عدم التمييز، او مبدأ عدم الترجيح بلا مرجح، هو مبدأ مصادر سلفاً في تحديد الاحتمال الذي عليه قامت محاولة اثبات السببية العامة، مع انه منتزع عنها.

كما سنرى ان علاقة السببية مصادرة مرة اخرى عند محاولة اثبات الوحدة المفهومية التي عدها المفكر الصدر شرطاً في اثبات تلك العلاقة، وهكذا يكون الامر دوراً وتسلسلاً من غير نتيجة.

3ـ على العموم ان فرض الضرورة لا يصلح التمسك به في تقييم تعميماتنا لقضايا الاستقراء حتى مع افتراض صدقه في الواقع، وذلك باعتبار اننا لا نتعامل مع الظواهر بحدود العامل الواحد كي نعرف ان هذا ضروري الوجود وذلك ضروري العدم، بل يلاحظ ان كل ظاهرة تخضع للعديد من العوامل المختلفة التي تشكل فيما بينها ما يسمى العلة التامة. واذ لا يمكن الاحاطة بكافة تلك العوامل والشروط فانه لا ضمان لنجاح الظاهرة على سبيل الاطلاق. فقد تنعدم عوامل اساسية خافية عنا، كما قد تتدخل عوامل اخرى جديدة تعمل على حرف الظاهرة.

هكذا لكون الظواهر في الواقع ذات بنية تركيبية خاضعة للتغيير باستمرار؛ فان الطبيعة تصبح مسرحاً لنوعين من العلاقات المثبتة بالاستقراء، هما كل من علاقات الشد والمصادفة العرضية (النسبية). أما علاقات الضرورة فهي على فرض وجودها ينبغي ان تكون ضيقة بالحدود التي تصير فيها العوامل ثابتة من دون ان يطرأ عليها أي تأثير خارجي، لهذا كان بحثها يختص بالدراسات الفلسفية المجردة.

وعليه فان الاعتبارات التي تعتمد على منطق الضرورة في العلاقة السببية ليس باستطاعتها ان تفسر القوانين العلمية الاحصائية، كقانون دوركايم في الانتحار الاناني، اذ هناك خاصية لا تتلاءم مع طريقة هذا المنطق. ذلك ان القانون حين يجعل العلاقة بين الانتحار وعدم التماسك الاجتماعي طردية؛ لا يقيمها من خلال ملاحظة اقتران جميع الافراد الخاصة بوحدة عدم التماسك مع جميع افراد وحدة الانتحار، بل هناك احصاء وتناسب مضطرد يجعل قوة الانتحار مشدودة لقوة التفكك الاجتماعي. وفي هذه الحالة لا نجد ثمة ضرورة لزومية في العلاقة بين الوحدتين، وما ينطبق على بعض الافراد لا ينطبق بالضرورة على البعض الاخر ضمن نفس الوحدة، ومع ذلك يظل الاستقراء منتجاً وصحيحاً، رغم ان صبغته ليست صبغة تقليدية باعتباره يتعامل تعاملاً احصائياً مع الافراد المستقرأة. في حين ان باستطاعة علاقة الشد ان تفسّر لنا مثل تلك الحالات، باعتبارها لا تتضمن عنصر الضرورة.

وينطبق هذا النقد على طريقة اثبات قاعدة عدم التماثل او الصياغة الجديدة لمبدأ (عدم تكرر الصدفة) الارسطي، فانتزاع هذه القاعدة بالاستقراء لا يتحقق من خلال اخذ اعتبار روابط اللزوم بين (أ) و(ب)، اذ لا يوجد بين هاتين الظاهرتين علاقة لزومية، بل ان انتزاعها يحصل عبر ملاحظة حركة الظروف والملابسات المعبر عنها بـ (أ) والتي تؤثر على وقوع (ب) في مرات دون اخرى. ومن الواضح ان هذه الظروف لا تتذوق طعم اللزوم والضرورة، والا لما كانت (ب) مترددة بين الظهور والعدم.

مشكلة اثبات الوحدة المفهومية

لقد عوّل المفكر الصدر على الطابع الماهوي للعلاقة السببية، في الوقت الذي سعى بذلك الى إفادة الدقة للوصول الى التعميم. فقد أخذ يدقق في فئة محددة من هذا الطابع ليستعين بها في أمر التعميم، فأكد على ضرورة ان يأخذ المستقرئ في عين الاعتبار ما يمكن ملاحظته من تمييز بين فئات الالفات – مثلاً -، حتى لا يعمم الحكم على جميعها، بل يكتفي بخصوص الفئة التي جرّب علاقتها بالسببية – والتي أطلق عليها خاصية الوحدة المفهومية – رغم انها تشترك مع غيرها بخاصة الوحدة النوعية او الماهية[3]. لكن لنا على ذلك عدد من الملاحظات كالاتي:

أولاً:

ان ضرورة اخذ اعتبار الخاصية المشتركة والوحدة المفهومية للالفات والباءات المقترنة يفضي بالبحث الى ان يتأطر في دائرة الاستقراءات البسيطة ذات العلاقات المطردة، فيصاب بالعجز عن تفسير الفروض العلمية التي تتجاوز حالات الانواع والتي تنشأ على اساس الاحتمالات المتباينة (غير السوية). ففي الفرض الذي يتناول الجاذبية، لا نرى ثمة تماثلاً في الظواهر المتعلقة بتفسير هذه القوة، فكما نلاحظ ان هناك فروقاً نوعية شاسعة بين ظاهرة المد والجزر وحركة الكواكب وانحراف كوكب يورانوس وسقوط الاشياء على الارض واكتشاف كوكب نبتون الخ..، فمع ان هذه الظواهر مختلفة نوعاً لكنها جميعاً تنساب نحو تأييد ذلك الافتراض. ولعل اكتشاف ‹‹نبتون›› يعبر عن حالة خاصة تختلف اختلافاً جذرياً عما سواه من الظواهر الاخرى، ذلك انه يتأطر باطار القالب المعرفي. وبعبارة اخرى، انه اذا كانت سائر الظواهر الاخرى تعبر عن قرائن احتمالية مصداقية، فان اكتشاف ذلك الكوكب لا يعبر الا عن قرينة احتمالية معرفية تؤيد القوة المفترضة كتأييد البقية، وهو في ذات الوقت مستلهم من الفرض الانف الذكر، وعند اكتشافه حقيقة اصبح قرينة زادت في القوة الاحتمالية للفرض السابق

ومعلوم ان الحظ لا يحالفنا لو اردنا تطبيق الخاصية المشتركة والوحدة المفهومية لاقترانات (أ) و(ب) على ذلك الفرض، فلو اعتبرنا (أ) بمثابة القوة الجاذبة فان (ب) ستكون ذات انواع متمايزة ومفككة، فبعض افرادها يعبر عن المد والجزر، وبعض آخر عن سقوط الاشياء على الارض، وبعض ثالث عن انحراف ‹‹يورانوس››، ورابع عن اكتشاف ‹‹نبتون›› المستلهم من روح الجاذبية ذاتها، وكل ذلك مما لا يتسق مع شرط الوحدة المفهومية.

وعليه كان لابد من ان نشخص بحث الاستقراء على منوالين، فتارة يبحث في قرائن متماثلة نوعاً، واخرى خلاف ذلك. ويعتبر النوع الأخير من البحث أهم وأشد ارتباطاً بالفروض العلمية من الاول، خاصة وان مبدأ تكوين الاول قائم على الاخر، اذ اساس التماثلات انما يستدل عليه بالاختلاف والتباينات.

وفي الكثير من الاحيان يمكن لبعض الظواهر ان تخضع الى كلا الطريقتين من البحث، رغم ان القيم الاحتمالية المعطاة لكل منهما لابد ان تكون مختلفة. فباعتبار ان البحث الثاني يعطي قرائن مختلفة كيفاً، لذا فان القيم الاحتمالية المتجمعة منه يتوقع لها ان تكون مختلفة عن قيم احتمال البحث الاول، وذلك فيما لو حافظنا على ثبات العدد من التجارب بشكل كلي في كلا النوعين. فمثلاً اذا اردنا ان نتنبأ باحتمال وصول طائرة من نوع معين الى منطقة محددة بسلام، ففي هذه الحالة إما ان نستخدم الطريقة الساذجة بما تنطوي عليه من جهل؛ فنحسب القيم الاحتمالية من خلال معرفتنا لعدد الطائرات السالمات بالنسبة الى المجموع الكلي.. او نستخدم طريقة العمود الفقري للعلم، فنعمد الى العديد من الاختبارات ذات الكيفية المختلفة، فنختبر اجهزة الارسال والوقود وكفاءة القائد وسلامة المحرك وغير ذلك، وهذه القرائن المختلفة لها تأثير اقوى من الناحية الموضوعية في اعطاء القيمة الاحتمالية، وان كنا من الناحية الذاتية وبحكم جهلنا نضطر احياناً الى ان نحسب قيمة كاملة للطريقة الاولى رغم عدم استحقاقها لها، وذلك حين نجد جميع الطائرات سالمة من الحوادث. مع ما يلاحظ ان الطريقة الاولى تقبل الحساب الكمي بخلاف الطريقة الثانية.

ولقد سبق للفيلسوف ستيوارت مل ان تساءل عن علة ان تكون عينة واحدة في بعض الحالات كافية للاستقراء المنتج الصحيح، في حين قد تكون هناك عينات كبيرة لا تكفي لذلك، كما هو الحال مع مثال الغربان السود[4].

وقد حاول برتراند رسل ان يحل مثل هذا الاشكال عبر العودة الى طرف ثالث في المعادلة. فالرجل الذي يرى عدداً كبيراً من البجع الابيض قد يستدل تبعاً لمبدأ الاستقراء على ان من المتوقع جداً ان يكون كل بجع ابيض، وعندما يصادف بجعاً اسود، فذلك لا يدل على خطأ مبدأ الاستقراء، ذلك ان من خلال هذا المبدأ نعلم ان ظاهرة اللون في الحيوانات تمتاز بالتعدد، ومن ثم فمن المتوقع ان يخضع البجع الى هذا التعدد اللوني[5]. وهذا يعني ان تحديد العلاقة بين البجع ولونه تتأثر بطرف ثالث هو لحاظ ما عليه استقراء اللون في سائر الحيوانات الاخرى. لكن هذا الطرح لا يحل المشكلة الاستقرائية من حيث الاساس ولا يبررها، اذ ذلك يعني ان حل مشكلة الاستقراء ترتد الى ما عليه الاستقراءات السابقة المتمثلة بالاطراد المشاهد في الطبيعة، وهو الاسلوب الذي اتبعه ستيوارت مل وماكس بلاك وبريثوايت[6]، سوى ان رسل تخلص من عقدة الدور والتسلسل، وذلك بافتراض مبدأ الاستقراء قبلياً رغم عدم دلالته على هذه القبلية المزعومة.

وحقيقة الامر ان مشكلتنا هنا تتعلق بالتعامل مع الانماط المتماثلة، فلو اننا استطعنا ان نحول تعاملنا مما هو متماثل الى تعامل متباين، فان ذلك كفيل بان يعطينا الدقة الكافية في البناء الاحتمالي او الاستقرائي، حتى بدون حاجة للعودة الى المشاهدات الاستقرائية السابقة. فمثلاً نحن نعلم ان التعميم القائل بان كل خشب يطفو على الماء هو تعميم خاطئ ليس له اساس، باعتباره يستند الى مثل تلك المشاهدات والاختبارات المتماثلة، وبالتالي ليست هناك مشكلة من وجود بعض الانواع من الخشب التي لا تطفو على الماء. ومثل ذلك ان التعميم القائل بان كل حديد يغطس في الماء، هو تعميم خاطئ ايضاً كسابقه، اذ نجد ان الكرة الحديدية المجوفة من احجام مناسبة تطوف على الماء. فاذا كانت هذه الحالات التماثلية لا تبرر التعميم، فان من الممكن تحويلها الى حالات اكثر دقة من خلال الاختبارات المتباينة التي تفسر لنا حال الغطس والطوفان، كالذي استنتجه ارخميدس في قاعدته العلمية من ان الجسم الصلد لا يطفو على السائل الا في حالة ان يكون ثقله النوعي اقل من الثقل النوعي للسائل، فهذا القانون هو اوسع من الماء والخشب والحديد، وهو يفسر لنا علة الشذوذ التي مرت معنا، كما انه يتنبأ لنا بالحالات الجديدة المستقبلية[7].

اذن ان القضايا الاستقرائية المتينة هي تلك التي لا تعتمد على المشاهدات المتماثلة بقدر ما تعتمد على تفسير الظاهرة وايجاد العلة التي تربطها بغيرها، مما يعني حاجتها الى الاختبارات المتباينة. ويمكن التمييز بين ثلاثة انواع من العلاقات او القوانين، اثنان منها متينان لكونهما يستندان الى الاختبارات المتباينة، احدهما يتصف بالعمومية كالمثال السابق، والاخر احصائي مثل قانون دوركايم في الانتحار. اما الثالث فهو قائم على مجرد المشاهدات والاختبارات المتماثلة، مثل علاقة الغربان بالسواد. فهذا الاخير غير دقيق ما لم يحول الى واحد من النوعين السابقين، كإن يتم التعرف مثلاً عن طبيعة العلاقات التي تتحكم في جينات هذه الطيور. وحتى عندما نقول ان كل انسان يموت، وان كل نهار يعقبه ليل، لا يعد من التعميمات الدقيقة لمجرد المشاهدة التماثلية، لكنه يمكن ان يحظى بالدقة عندما يسلط الضوء على الاختبارات التباينية التي تلوح الكشف عن قابلية الجسم البشري وتحليله علمياً، او تحليل العلاقة التي تربط الارض بالشمس وسائر الاجرام، ليستكشف من ذلك طبيعة ما عليه مثل هذه الكائنات والظواهر المرتبطة بها.

ثانياً:

يلاحظ اننا حتى لو عولنا على الأخذ بمنطق الوحدة المفهومية، فرغم ذلك سوف لا ننجح في تعميم الاحكام التنبؤية ما دمنا نتعامل مع فئات هي غاية في التركيب والاشراط والتعقيد، فأي ظاهرة نختارها لا يمكن تحصينها عما يمكن ان يطرأ عليها من زيادة او نقصان دون ان نشعر، وهي النقطة التي اولاها المنطق الارسطي – على لسان ارسطو وابن سينا – اهمية خاصة في جواز خطأ النتيجة وبطلان الحكم الكلي والتعميم، والتي عبّر عنها بمشكلة أخذ ما في العرض مكان ما في الذات. فحيث اننا لا نملك قدرة لمعرفة عناصر الظاهرة المركبة الا اجمالاً؛ فإن أي حادثة جديدة نصادفها ونتصور انها تنتمي الى هذه الظاهرة – تبعاً لادراك التماثل بينهما – قد تخيّب ظننا، فنتصور انها ستفرز نفس الاثر الذي يترتب على تلك الفئة، واذا بها تعصف بآمالنا ادراج الرياح، مما يعني ان الجسر الذي يوصل الوحدة المفهومية من عالم الافتراض الذهني الى الواقع لا يملك القوة الكافية الى الدرجة التي يستعد فيها لأن يتحمل الدفعات الجديدة كلها.

وقد سبق لارسطو ان حدد مشكلة هذه الخاصية عندما صرح في الكتاب الثامن من الطوبيقا (الجدل) قائلاً: إن ‹‹الاستقراء ينتقل من حالات فردية الى حالات كلية، ومن المعلوم الى المجهول، ويشترط لمثل هذا الانتقال أن نبحث عن اوجه التشابه ونفحصها جيداً، لأننا لن نستطيع التوصل للحكم الكلي من البينات التي أمامنا ما لم نقم باستقراء الافراد في الحالات التي تكون متشابهة. ففي بعض الحالات فانه من الممكن في الاستقراء ان نسأل السؤال في صورته الكلية، ولا يسهل هذا في حالات اخرى حيث لا يوجد حد عام مؤسس يجمع كل التماثلات. وفي هذه الحالة فانه حين يريد الناس انقاذ الكلي يستخدمون العبارة (في كل حالات هذا النوع)، ولكن من اصعب الامور ان نميز أياً من الاشياء الواردة هي من هذا النوع، وأيها ليس منه››[8].

مثلاً اذا قمنا بتجارب عادية فيما يتعلق بغليان الماء، فقد نحكم جزافاً بأنه يحدث عند الدرجة المئوية دائماً، ولو لم يكن لدينا علم عن علاقة الضغط الجوي به لكنا قد وقعنا في خطأ كبير لأدنى تغير يطرأ عليه دون ان نشعر. وهذا المثال البسيط يقرب لنا فكرة وجود امور لا نشعر بها ونجهل تأثيرها على الظواهر التي نتعامل معها. ومثل ذلك ما كان مسلّماً لدى علماء الفيزياء من انه لا علاقة للسرعة بالكتلة، فالكتلة تظل ثابتة لدى السرعات المختلفة بشهادة التجارب المقامة حول ذلك، لكن تبين فيما بعد ان هذا الحكم لا يمكن تعميمه على السرعات الكبيرة كتلك التي تقترب من سرعة الضوء، بل يصدق فقط بحدود السرعات الصغيرة المألوفة[9]. وقد بات من المعلوم ان هناك تغيرات كونية وارضية وكيميائية غير محسوسة، كتحولات الطاقة الحرارية وتأثيرات الاشعة الكونية وديمومة انتقال الارض من مكان الى آخر في فضاء مجهول بما يتضمنه من طبقات مجالية قد يكون لبعضها أثر مضاد على فاعلية الظواهر داخل معلب الوحدة المفهومية. فما يدرينا فلعل المكان الذي تهتدي اليه ارضنا او الزمان الذي يفرض ذاته علينا، هو الذي يتولى تحويل كيمياء المفاعلة من معلب الى آخر بمجرد اضافة قطرة حد النصاب الحاسمة. وتظل مشكلتنا هو اننا لا نعرف متى تضاف هذه القطرة المصيرية التي تحول نهار الاستقراء ليلاً.

ثالثاً:

كما يلاحظ ان الاستدراك الذي عوّل عليه المفكر الصدر في اكتفائه بمنطق الوحدة المفهومية دون الأخذ بمطلق الوحدة المشتركة للماهية؛ هو في حد ذاته يدل على وجود المبرر الكافي للاستغناء عن الضرورة فيما يخص الفئات المشتركة العامة. فلو اننا لم نرَ وجود تمايز بين الالفات بحسب ما أُتيح لنا ان نقيمه من تجارب؛ لكان هذا لا يمنع من وجود الفات أُخر لا تخضع الى نفس الحكم، فيبطل بذلك مبرر التعميم. في حين لا يرد هذا الاشكال على مبدأ علاقة الشد.

رابعاً:

أخيراً ما هو الدليل على وجود الصفة العامة لماهية الأفراد؟ فلو سألنا المفكر الصدر عن ذلك لوجدنا الجواب جاهزاً، وهو انه مستمد من الاستقراء ايضاً!

فقد اعتقد ان اثبات الماهية المشتركة هو ايضاً مما يتم عبر استقراء آخر يكشف عن طبيعة التماثل بين افراد تلك العناصر، لكنه لم يفصّل الحديث في هذا الامر على أهميته. انما سبق له ان اعتبر الاستدلال على التعميمات الاستقرائية – وهي التي تقتضي اثبات الماهية المشتركة – لا يختلف عن الاستدلال على اي قضية معرفية اخرى، حيث في جميع الحالات تمر العملية بمرحلتين هما التوالد الموضوعي والتوالد الذاتي[10]. والشيء الاساسي الذي ذكره بهذا الصدد هو قوله: ‹‹اننا نعتقد بالتماثل بين الاشياء التي نراها متماثلة، ووجود قاسم مشترك بينها يبرر ان نعبر عنها (بفئة الالفات) او (فئة الباءات). وهذا الاعتقاد يقوم على اساس استقرائي، وذلك لأننا في التطبيق السابق للدليل الاستقرائي اثبتنا ان الواقع الموضوعي للصورة المحسوسة يشابهها في كثير من الخصائص، فاذا كانت الصورة المحسوسة لاشياء متعددة متماثلة؛ استنتجنا من ذلك: التماثل بين تلك الاشياء. فالتماثل بين الصور المحسوسة نفسها نتعرف عليه مباشرة، والتماثل بين الاشياء المثيرة لتلك الصور مستدل استقرائياً بالتماثل بين الصور نفسها، مادمنا قد عرفنا ان كل صورة محسوسة تشابه الشيء الذي أثارها في الواقع الموضوعي››[11].

على ان تحليل هذه القضية من اعتبار الاستقراء يقوم على اساس الوحدة المفهومية، وان هذه الوحدة تُردّ الى استقراء آخر؛ سيفضي الى ان نجد انفسنا ندور في حلقة مفرغة من الدور. وهو تهديد صارخ للأساس الذي يقوم عليه الدليل الاستقرائي فيما لو اسند الى مثل هذه الدائرة. ومن حيث التفصيل نلاحظ في النص الآنف الذكر ما يلي من القضايا:

1ـ قضية اثبات التشابه بين الشيء الخارجي وصورته الذهنية.

2ـ قضية اثبات التماثل للصور حين تكون هناك اشياء خارجية متماثلة.

3ـ الاستدلال استقرائياً على تماثل الاشياء الخارجية من خلال وجود التماثل الصوري.

لنترك مؤقتاً القضية الاولى وننتقل الى الثانية لنتساءل: ما الذي يدعونا الى الاعتقاد بوجود تماثل بين الصور؟ والجواب على ذلك كما ذهب اليه المفكر الصدر بحق هو ان هذه القضية مدركة ادراكاً مباشراً دون اتكاء على أي استدلال. تظل لدينا القضية الثالثة، وفيها اننا اذا توصلنا كما في القضية الثانية الى ان هناك صوراً متماثلة؛ كيف يجوز لنا ان نعكسها على التماثل بين الاشياء الخارجية المقابلة لها؟

والملاحظ ان علاج المفكر الصدر لهذه القضية بالخصوص كان مجملاً، فهو لم يقل شيئاً سوى أن ردّ التماثل الى الاستقراء، أي أننا نملك استقرائين، أحدهما يرتكز على التماثل او الوحدة المفهومية، والاخر يثبت هذه الوحدة، وسؤالنا هو كيف يثبت الاستقراء ذلك التماثل؟

لنعلم اولاً اننا حين ندرك التماثل بين عدد محدود من الصور يمكننا ان نعكس ذلك على التماثل بين نفس العدد المقابل من الاشياء الخارجية، واذا جاز لنا تبرير القفزة التصورية من الجزئي الذهني الى الكلي باعتبارها قضية مدركة مباشرة تماماً، لكن كيف يجوز لنا ان نعكس ذلك على الواقع الخارجي، فنعمم على كل ما لا يدخل ضمن تجربتنا الادراكية؟

ليس لدينا تردد في اننا سندخل مرة اخرى في صلب ذات الاستقراء المعالج طبقاً لقضايا السببية، ذلك لأن المفكر الصدر لا يجيز اثبات اليقين والتعميم ما لم تثبت السببية سلفاً. لكنه حين اقام السببية على اساس الوحدة المفهومية، عاد هنا من جديد متكئاً على مصادرة السببية ذاتها، مما يعني ان كلاً منهما يصبح مشروطاً ومتوقفاً على الاخر، فالسببية تثبت من خلال الوحدة، وهذه الوحدة تحتاج الى مصادرة السببية، وهكذا نقع في حلقة مفرغة من الدور.

وفي الحقيقة اننا في هذه الحلقة المفرغة نكون قد اصطدمنا بكل من السببية الخاصة والعامة، ذلك لاننا لكي نثبت بالاستقراء التماثل بين الاشياء نحتاج الى المعرفة القبلية التي تقرر بأن أي صورة ذهنية لا يمكن لها الوجود ما لم ترتبط بوجود مؤثر ما أوجدها، وهو اتكاء على مصادرة السببية العامة، وكذلك نحتاج الى تشخيص هذا المؤثر واثبات العلاقة الضرورية القائمة بين الصورة والشيء المقابل لها في الخارج، مع أننا عرفنا كيف ان المفكر الصدر قد سبق له ان اكد على شرطية اثبات الوحدة المفهومية كي تثبت علاقة السببية الضرورية، مما يعني اننا لأجل اثبات الوحدة المفهومية بين الصورة والشيء الخارجي سنحتاج الى وحدة مفهومية اخرى فنقع في التسلسل، ونكون قد فسّرنا الوحدة بالوحدة والسببية بالسببية والماء بالماء!

بعد هذه الجولة من التحليل نعود الى القضية الاولى التي تركناها خلفنا والتي تتعلق باثبات التشابه بين الشيء الخارجي وصورته الذهنية، فنعلق على ذلك بما يلي:

1ـ لقد استدل المفكر الصدر استقرائياً على ذلك التشابه بالاستفادة من مبدأ السببية. وهو إذا كان في القضية الثالثة لم يفصّل الكيفية الاستدلالية، حيث الوقوع كما رأينا في الدور والتسلسل، فانه في هذه القضية بالخصوص قد وقع في ذلك من غير شك؛ لاتكائه صراحة على السببية[12].

2ـ ان اثبات التشابه بين الصورة والشيء الخارجي الذي يمثل اساس اثبات الوحدة  المفهومية؛ يعتمد في دوره على افتراض كون الجهاز الحسي للادراك لم يطرأ عليه أي تغيير. مع أنّا في هذه الحالة سنرتد مرة اخرى للوقوع في الدور، وكما جاء في النص: ‹‹الاعتقاد بالتماثل بين الواقع والصورة لا يكفي وحده لكي نستكشف التماثل بين الاشياء عن طريق التماثل بين الصور، لأن هذا الاستكشاف بحاجة الى افتراض ان الجهاز الحسي للادراك لم يطرأ عليه تغيير، وذلك لأن تحديد الصورة المحسوسة وتعيين معالمها نتيجة عاملين: أحدهما الواقع الموضوعي، والآخر الشروط الداخلية الفيزيائية والفسيولوجية والسايكولوجية للادراك الحسي. فالجهاز الحسي للادراك اذا لم يطرأ على شروطه الداخلية أي تغيير، فسوف يحصل على صورة مماثلة للصورة السابقة، متى واجه واقعاً موضوعياً مماثلاً للواقع الموضوعي السابق. وأما اذا اختلفت الشروط الداخلية لجهاز الادراك، فمن الممكن ان تختلف طريقته في توليد الادراكات الحسية. وهذا يعني: ان من المحتمل ان يولد ادراكاً حسياً مماثلاً لادراك حسي سابق، عند مواجهة واقع موضوعي مختلف عن الواقع الموضوعي الذي أثار الادراك الحسي السابق ضمن الشروط السابقة، كما ان من المحتمل ان يولد ادراكاً حسياً مختلفاً عن الادراك السابق عند مواجهة واقع موضوعي مماثل للواقع الموضوعي الذي أثار الادراك السابق. فلكي نثبت التماثل بين الواقعين الموضوعيين لادراكين حسيين، يجب ان نحصل على قيمة احتمالية كبيرة تنفي التغير وحدوث عوامل جديدة في البناء الداخلي لجهاز الادراك››[13].

وكما قلنا اننا في هذه الحالة سنرتد مرة اخرى للوقوع في الدور والتسلسل من جديد، ذلك اننا حين نتكئ على اثبات سلامة الجهاز الحسي للادراك كي نثبت من خلاله التماثل بين الصورة والشيء الخارجي؛ انما سنستخدم صورة ذهنية اخرى لواقع الجهاز الخارجي، وحيث ان هذه الصورة تخضع الى نفس الخطورة من حيث كونها يحتمل ان لا تطابق حقيقة ذلك الجهاز، فلا بد ان نرجع مرة اخرى الى تأمين اثبات الجهاز، وهكذا يتسلسل الامر ويدور بين اتكاء اثبات التطابق للصورة والواقع وبين اثبات سلامة الجهاز العصبي، اذ ان كلاً منهما يعتمد على الاخر، وهو عين الحلقة المفرغة من الدور.

ولهذه النتيجة المؤسفة دلالتان، احداهما ان هذه المشكلة تقف حاجزاً امام اثبات الوحدة المفهومية ومن ثم التعميم ذاته. أما الاخرى فهو ان المحاولة السابقة لاثبات التماثل بين الصورة والشيء الخارجي تتصف بالفشل، بل يمكن القول ان العقل البشري يعجز عن ان يقيم أي دليل على وجود مثل ذلك التطابق، شأنه في ذلك شأن اثبات الواقع الخارجي الاجمالي. ذلك ان من الواضح ان جهازنا العصبي والحسي له دخل كبير على تحديد شكل الصور الذهنية، اذ لو اختلف تركيب هذا الجهاز لبدت لنا الصور بشكل آخر مختلف. كالذي يولد وفي عينيه نظارة زرقاء – على حد تصوير عمانوئيل كانت – حيث ليس بوسعه رؤية العالم الا بشكل ازرق، ولا يمكنه ان يعرف حقيقة ما عليه العالم تماماً، مما يعني ان ادراكاتنا الحسية لكيفيات الاشياء الخارجية متأثرة تماماً بما عليه جهازنا الحسي، وبالتالي جاز ان تظهر بأشكال شتى بحسب طبيعة الاجهزة الحسية. يظل ان ما يبدو لنا من كيفيات الاشياء هي كالرموز بالنسبة لنا، لكن ذلك لا يضر بمسألة اثبات التماثل بين الاشياء، اذ اثباته ليس متوقفاً على التطابق ما بين شكل الصورة وشكل الوجود الخارجي للشيء.

كذلك اننا حتى لو تجاوزنا ورطة القضية الثالثة التي مرت علينا، وصادرنا علاقة السببية العامة كمبدأ قبلي، باعتباره لم يثبت بالاستقراء، فانه مع ذلك سنعجز عن ان نفعل شيئاً بخصوص السببية الخاصة ما لم ننتزع عنصر الضرورة عنها، فنكون قد دخلنا الى حضيرة علاقة الشد التي تتلاءم واطروحة المفكر الصدر في كتابه (بحث حول المهدي).

ومن وجهة نظرنا انه يمكن علاج التماثل بين الشيئين الخارجيين بالشكل التالي:

ان وجود صورتين ذهنيتين متماثلتين لا يعني بالضرورة وجود شيئين خارجيين متماثلين ايضاً، فقد تكون الصورتان وهميتين دون ان تعبرا عن حقيقة موضوعية. الامر الذي لابد فيه من اثبات كل من الشيئين الخارجيين على حدة، وذلك من خلال العلاقة بين الصورة والشيء الخارجي لها. وفي عملية اثبات وجود الشيء من خلال الصورة الذهنية يلاحظ انه لابد من ممارسة استقراء من النوع التبايني القائم على القرائن التي تختلف فيما بينها من الناحية النوعية، فلا يمكن للدليل الاستقرائي ان يتم بمجرد الاستقراء التماثلي المعتمد على تماثلات القرائن والافراد.

لنفترض مثلاً ان احساسنا قد نقل لنا صورة ذهنية عن كرة تبدو أمامنا لكنا نشك في وجودها، ففي هذه الحالة علينا ان نتوسط بعدد من القرائن المختلفة لنثبت فيما لو كانت هذه الكرة حقيقية او وهمية، وكذا فيما اذا كانت بالفعل عبارة عن كرة او انها شيء آخر. ومع اننا بسبب تضخم الخبرات التي نمارسها في التعامل مع الاشياء الخارجية سوف لا نحتاج عادة الى الاختبار او المزيد منه، لكنا نفترض كما لو كنا نمارس عملاً استدلالياً اولياً، مثلما هو الجاري في الممارسات الاستدلالية للعلوم الطبيعية. لهذا فحيث ان من المحتمل ان يكون ما نراه عبارة عن وهم من الاوهام، كان لابد من مزاولة قرينة اخرى، كإن نتحرك من زاوية اخرى وننظر من خلالها إن كنا سنرى شيئاً ما كالسابق، وكذلك نذهب لنتلمس الشيء الذي نراه، اذ لو كان وهماً بصرياً لكان من المستبعد ان نتحسس بلمسه، لذا فهذا الاحساس يزيد الظن بأن هناك شيئاً خارجياً يحمل صفات تبدو انها دالة على الكرة، ولأجل التأكد أكثر يمكننا ان نقوم بضرب ودحرجة ما لمسناه، كما يمكننا ان نأتي بآخرين ليخبرونا عما يرونه ويلمسونه من شيء، وكذا يمكننا ان نأخذ له صوراً فوتوغرافية تبين حقيقة وجوده ومعالمه.. الخ.

هكذا ان اغلب ما فعلناه من استدلال استقرائي على وجود الكرة انما كان بفعل القرائن المختلفة من الناحية النوعية، ولولا هذه القرائن ما قام للدليل الاستقرائي قائمة. وحينما نفعل نفس الشاكلة من الاستدلال الناجح على وجود كرة اخرى؛ انما يعني اننا نحتفظ بصورتين ذهنيتين متماثلتين لهما وجود حقيقي، لذلك فانهما متماثلان. فالتماثل الصوري يدرك مباشرة، في حين ان التماثل الوجودي وان قام على التماثل الصوري الا انه لا يكفي من غير الاستدلال على وجود كل فرد عبر الاستقراء التبايني كما رأينا. وان هذا الاستقراء هو اساس قيام الاستقراء التماثلي. فالتماثل مستدل عليه بالتباين، وان التباين من حيث الاساس يدرك مباشرة بالاحساس، كادراكنا البصري للصورة الذهنية للكرة مقارنة بادراكنا اللمسي لها، حيث كلاهما مدركان مباشرة مع انهما يعدان قرينتين مختلفتين يعملان على تقوية الاحتمال وتنميته. لهذا كان التباين لا التماثل هو الاساس في الاستدلال الاستقرائي دون ان يحتاج – من حيث الاصل – الى ما يدل عليه باعتباره يدرك مباشرة.

قد يقال انه يمكن احياناً بناء الدليل الاستقرائي عن طريق الاستقراء التماثلي المحض. فمثلاً لنفترض اننا اردنا ان نتحقق من وجود التماثل بين وجهي قطعة نقد، حيث يمكننا ان نعرف ذلك عن طريق اجراء مجموعة من الرميات الكبيرة العدد، وهي عبارة عن رميات متماثلة لا تباين فيها، فلو ان عدد ظهور احد الوجهين كان يقارب الآخر لَكُنا قد اعتبرنا ذلك ناتجاً عن التماثل بينهما. وبالتالي فان ذلك يعني ان من الممكن ان نقيم الدليل الاستقرائي طبقاً للاستقراء التماثلي المحض.

لكن واقع الامر اننا حتى في مثل هذه العملية التماثلية ليس بوسعنا التخلي عن استخدام الاستقراء التبايني. ذلك لأنه قد يكون التقارب الحاصل في عددي ظهور الوجهين ليس لوجود التماثل بينهما، وانما لتدخل عاملين ذي قوتين متضادتين ومتساويتين، أحدهما يعمل لحساب أحد الوجهين بسبب عدم التماثل، مما يجعل امكانية ظهور الوجه الذي يعمل لصالحه أقوى من امكانية ظهور الوجه الاخر. اما العامل الاخر، فهو على العكس، يعمل لصالح الوجه المقابل وذلك اذا ما افترضنا وجود ظروف خارجية منحازة لها قوة تقارب قوة امكانية ما يعمل به العامل الاول، الامر الذي يمكن من خلاله ان يفسر تقارب العدد بمثل ما يمكن ان يفسره الافتراض القائم على التماثل. لكن لكي نعرف ان العدد المتقارب بين الظهورين كان نتيجة التماثل بين الوجهين وليس بسبب العاملين المذكورين؛ لابد من معرفة مسبقة لطبيعة الظروف الخارجية المؤثرة واثبات كونها غير منحازة، بل في كلا الحالين سواء ثبت انها منحازة وبالتالي يستنتج منه عدم التماثل، او انها غير منحازة مما يستنتج منه التماثل؛ فان ذلك لا يتم الا من خلال الاستقراء التبايني، فلولاه لما كان باستطاعتنا استنتاج التماثل او عدمه.

كما قد يقال ان معرفة نفس الظروف إن كانت منحازة او غير منحازة يمكن ان تتم عبر الاستقراء التماثلي، وذلك من خلال الرميات الكبيرة لبعض قطع ألعاب المصادفة، كقطعة النقد، حيث لو ظهر هناك ميل للاقتراب من الاحتمال القبلي لوجوه القطعة لكنّا نميل الى اعتبار الظروف غير منحازة، والعكس بالعكس. وبالتالي ان بوسع الاستقراء التماثلي ان يبني الدليل الاستقرائي بشكل منفصل ومستقل عن الاستقراء التبايني.

لكن واقع الحال ان الاستقراء التماثلي لا يمكنه ان يشكل أساساً لمعرفة طبيعة الظروف ما لم يتم التأكد اولاً من التماثل في وجوه القطعة المعدة للاختبار – كقطعة النقد في مثالنا -، وان هذا التماثل لا يثبت الا من خلال الاستقراء التبايني كما أوضحنا. ولو قيل ان اثبات التماثل انما يتم عبر الرمي ذاته لأفضى الامر الى الدور، حيث يتوقف اثبات التماثل على معرفة الظروف، كما تتوقف معرفة هذه الظروف على التماثل.

هكذا نخلص الى انه لولا (الاحتمالات غير السوية) لما أمكن للاستقراء التماثلي ان يكون منتجاً لاثبات قضايا الواقع.

وعلى العموم هناك ملاحظة جديرة بالذكر تخص علاقة الدليل الاستقرائي بحسابات الاحتمال، وهو ان هذا الدليل انما يعتمد على اكتشاف التماثل ليطبق عليه (الاحتمالات السوية)، على الاقل بالنسبة لأفراد السبب والمسبب، كما يفترض ان يكون التماثل قائماً بين التجارب ليُطبق عليها الحساب الاحتمالي (الكمي). لكن يلاحظ ان التماثل لا يمكن ان يكتشف او يثبت الا من خلال (الاحتمالات غير السوية) للقرائن المتباينة، كما ان التجارب التي ينمو فيها الدليل الاستقرائي هي تجارب مختلفة ليس بوسعها ان تحقق العد الاحتمالي القائم على (الاحتمالات السوية)، وذلك لكونها ليست متماثلة كي يمكن ان توزع الحصص الاحتمالية بشكل متساوٍ. وعليه يصبح الدليل الاستقرائي قائماً على (الاحتمالات غير السوية)، الامر الذي يمنع العد الحسابي الكمي الا بنوع من المسامحة والتجوز في تسوية الحصص. لكن مع هذا ان من الممكن تنمية الدليل من الناحية الكيفية، دون ان يمنع ذلك من تهيئته للمرحلة الذاتية بافتراض اليقين ومصادرته.

هكذا نحن لا نملك المبرر الكافي لاثبات التعميم في الاستقراء. بل كل ما يمكن فعله هو اعطاء الصورة الترجيحية للحوادث المستقبلية المحدودة او المتناهية؛ طبقاً للتنمية الاحتمالية. أي ان الدليل الاستقرائي يواجه مشكلة منطقية مستعصية على صعيد التعميم، لكن من الممكن تخفيفها من خلال التعامل مع العدد المتناهي للحوادث المستقبلية، حيث مع نجاح التجارب الكثيرة باستمرار يمكننا ان نتوقع الحوادث المستقبلية المتناهية بدرجة كبيرة، قد تتحول من الناحية العملية الى نوع من اليقين، الا انه كلما توسع نطاق مقدار هذه الحوادث فان درجة احتمال وقوعها جميعاً ستأخذ بالانخفاض، حيث تقدر دائماً بضرب قيمة احتمال اول حادثة مستقبلية بنفسها في عدد المرات التي يراد لها ان تتكرر بنجاح.

كما انه من جانب آخر يمكن القول ان الوظيفة الاستقرائية لا تتوقف على حد التنبؤ بالحوادث المستقبلية، وانما بها يمكن العمل على اثبات وجود الاشياء وتفسيرها.

بل بات من المسلّم به ايضاً ان الطريقة العلمية في اثبات القضايا وترجيحها سواء بالنسبة الى تلك التي تتصف بالعموم او غيرها من الحالات الخاصة؛ لا تستنتج في كثير من الاحيان بمحض الشكل المنطقي الصرف من التتبع في لحاظ الوقائع والقرائن بغية الوصول الى الصيغة النهاية من عمل الدليل الاستقرائي وفقاً لمتطلبات المرحلة الاستنباطية، وإنما دخلت في الميدان الفروض (المؤقتة) من القفزة الذهنية مما يطلق عليها الحدس العلمي والتي لا تجد لها تبريراً بحسب الصياغة المنطقية من الدليل، وإن كان من الممكن اخضاعها من جديد تحت الاختبار للحاظ ما يمكن ان تكسبه من قوة تأييد او تكذيب[14].

ومن المعلوم ان الفكر الحديث ولّد نزاعاً عن طبيعة المفاهيم والنتائج المستخلصة من المنهج العلمي بواسطة الاستقراء. فقد كان جون ستيوارت مل يعتقد ان النتائج العلمية انما تعبر عن مفاهيم مستنسخة من الواقع، أو انها تمتاز بالمطابقة معه، وخالفه في ذلك وليام هويويل الذي رأى القوانين العلمية عبارة عن افرازات ذهنية. فبينما كان ستيوارت مل يقول: ‹‹اذا صح ترتيب الوقائع تحت المفاهيم، فالسبب في ذلك هو ان الوقائع نفسها تتضمن شيئاً يكون المفهوم نسخة منه››، فان هويويل اعترض عليه قائلاً: ‹‹ولكنها نسخة لا يستطيع صنعها الا شخص ذو موهبة طبيعية خاصة، وهذا الوضع شبيه بوضع الشخص الذي يتعذر عليه ان يعدّ  نسخة مفهومة من نقوش رديئة الكتابة الا اذا كان ملماً باللغة››. لهذا رأى هويويل ان كل استقراء ناجح هو بمثابة مفهوم جديد ونظام جديد يصنعه المؤلف من مادته اللغوية والمنطقية. فمثلاً يتمثل هذا المفهوم في المنحى الاهليجي لحركة الكواكب في حالة كبلر، وفي العجلة في ميكانيكا جاليلو، وفي العجلة والجاذبية في فكر نيوتن، وفي الموجات في علم الضوء الحديث. وعليه فانه يصل الى تقرير: ‹‹ان تاريخ العلوم الاستقرائية هو تاريخ الاكتشافات، على الأقل فيما يختص بالوقائع التي جمعت بعضها الى بعض لتؤلف العلم. وفلسفة العلوم الاستقرائية هي تاريخ الآراء والمفاهيم التي تربط الوقائع بعضها ببعض››[15]. واصبح من المسلم به اليوم ان القوانين العلمية هي قوانين لا يفترض بها المطابقة مع الواقع، حتى عدّها بوانكاريه اصطلاحية كدلالة على صياغتها العقلية المحضة، وبالتالي جاز التنافس بين النظريات العلمية بحيث ان ترجيح بعضها على البعض الاخر لا يشترط ان يكون من موقع القرب من التطابق مع الواقع، بقدر ما هو أكثر قدرة على تفسير الظواهر حسب معيار ما يطلق عليه (البساطة). لذا فالذي جعل العلماء يقبلون نظرية كوبرنيكوس ويفضلونها على نظرية بطليموس ليس لكونها اقوى احتمالاً من حيث مطابقتها للواقع الموضوعي، وانما لكونها ابسط منها.

اذن أصبحت لدينا قضايا مختلفة لها علاقة بالدليل الاستقرائي كالآتي:

1 ـ الاستقراء التعميمي: وفيه ان الدليل يتضمن مشكلة التعميم، وهو المطلق عليه المشكلة الاستقرائية منذ ديفيد هيوم، وسار على نهجه الفلاسفة من بعده، حتى اصبح الدليل الاستقرائي لا يعني عندهم – احياناً – غير ذلك الذي يواجه تلك المشكلة، حيث فيه ينتقل الذهن مما هو خاص الى ما هو عام[16]. ويضم الى ذلك – احياناً اخرى – الاستقراء التمثيلي كما سنرى.

2 ـ الاستقراء التمثيلي: وفيه ان الدليل الاستقرائي ينتقل من حالات جزئية محدودة الى حالات اخرى مثلها. او انه يقوم بالاستدلال على الحالات التنبؤية الجزئية من خلال لحاظ مثيلاتها من الحالات. ومن ذلك الاستدلال على الترجيحات الخاصة بالطقس ليوم غد، او الاستدلال على تتابع الليل والنهار في الايام القريبة القادمة، وان البجع الذي سأصادفه سيكون ابيض اللون، وغير ذلك من التنبؤات القائمة على التماثلات المحدودة.

3 ـ الاستقراء التفسيري: وفيه ان الدليل يتضمن البحث عن اثبات الحالات الخاصة وتفسيرها. ويلاحظ ان هذا الدليل لا ينتهي الى ما هو عام كما في الحالة الاولى، ولا يواجه مشكلة التنبؤ بالحوادث المستقبلية المتماثلة كما في الحالة الثانية، بل ينتهي الى تقرير معني باثبات حالة خاصة او تفسير وجودها. فما يقال عن الدليل الاستقرائي بأن فيه مشكلة مستعصية؛ لا ينطبق على ما نحن فيه بالنسبة الى هذه الحالة، باعتبارها لا تتضمن التعميم والتنبؤ بالحوادث. وبالتالي فانه اذا كان لا يسعنا أن نثبت التعميم في الدليل الاستقرائي، فلا يعني ذلك اننا نعجز ايضاً عن اثبات الحالة الوجودية الخاصة، للفارق بين الموضعين.

4 ـ الاستقراء الحدسي: وفيه ان الدليل يتضمن التسليم بفرض معين ينشأ على نحو لا تقتضيه كامل ما سبق من العملية الاستقرائية، أي انه يقفز الى الذهن دفعة واحدة، نتيجة وجود قرائن قليلة محدودة، قد تكون غامضة غير واضحة. وأهم ما يشترط في هذا الفرض هو ان تكون نتائجه قابلة للاختبار لتتحدد مدى قوته في التأييد والتكذيب. وهو اليوم يعد موضع اهتمام المنهج العلمي في الغرب. والفارق بين هذا النمط من الاستقراء وبين ما سبقه من الانماط، هو ان هذا النمط رغم انه قد يتضمن الصورة التعميمية كما في الشكل الأول، او يتضمن البحث عن الحالة الخاصة من الكشف كما في الشكل الثاني، الا انه ليس معنياً بالضرورة عن البحث في مطابقة الواقع، بل كل ما يهتم به هو ان يحظى بتفسير مقبول ومفضل قياساً مع غيره من التفسيرات، وذلك لوجود ما يؤيده من الشواهد وغياب المكذب. وفي هذا الاطار من المنهج العلمي عُرف ان هناك صنفين من العلماء يمارسون الحدس الاستقرائي بشيء من الاختلاف: فهناك الصنف المحترز الذي يعمل بالاحتياط ولا يقبل تفسير الظاهرة موضع البحث الا بعد وفرة عدد مقبول من القرائن. كذلك هناك الصنف المغامر الذي يتسرع الى وضع الفروض التفسيرية ولو بحد ضئيل من الشواهد المؤيدة مع غياب المكذب. بل لقد وُصفت الطريقة العلمية في منهجها الحدسي بأنها عادة ما تمارس مغالطة منطقية؛ كتلك التي مُثلت بالقياس التالي:

ان الكلب هو حيوان لبون.

ان هذا الذي أمامي هو حيوان لبون.

اذن ان هذا الحيوان هو كلب.

فقد عُد هذا التصوير المتضمن للمغالطة المنطقية، يمثل بدقة ما عليه النظريات العلمية[17].

مقارنة بين الشد والضرورة

يمكن المقارنة بين علاقتي الشد والضرورة حسب النقاط التالية:

1ـ ان التوقعات المستقبلية لظهور افراد (ب) من خلال ايجاد افراد (أ) تكون على فرض مبدأ الضرورة – في قبال الصدفة – اعظم مما هو على فرض علاقة الشد، وذلك باعتبار ان هذه العلاقة تتضمن احتمال الشذوذ الذي يعني عدم ظهور (ب) حين وجود (أ). لكن مع هذا تظل قيمة احتمال سببية الشد مساوية لقيمة احتمال سببية الضرورة مهما زدنا في عدد التجارب الناجحة، وذلك لأن زيادة هذه التجارب لا تغير من جهلنا بحقيقة طبيعة اصل العلاقة الحاكمة بين (أ) و(ب). الا ان شذوذ تجربة واحدة على الاقل يكفي في نفي العلاقة التي تتضمن الضرورة، ومن ثم تأكيد العلاقة الاخرى.

2ـ يمكن ان نستخرج بعض الصيغ الرياضية تبعاً لكل من الضرورة والشد. فلو افترضنا الضرورة هي الحاكمة في العلاقات لكان من الممكن صياغة العلاقة الرياضية التي تحدد قيمة احتمال السببية، سواء من خلال بديهة الحكومة او الضرب، وذلك فيما لو لم نأخذ اعتبار العوامل الاخرى التي قد يكون لها أثر في الحساب الرياضي بين (أ) و(ب).

فوفقاً لبديهة الحكومة فان احتمال السببية في تجربة ناجحة واحدة هو (3\4)، وفي تجربتين ناجحتين (7\8)، وفي ثلاث (15\16)، وفي اربع (31\32)، وهكذا يمكن التعويض عن هذا الاطراد بالقانون التالي:

2ن+1 – 1

ــــــــ

2ن+1

حيث (ن) تمثل عدد التجارب. وبالتالي تكون القيم الاحتمالية للتجارب المتوالية كالاتي[18]:

2ن+1 – 1

ــــــــ = 3\4 ، 7\8 ، 15\16، 31\32…

2ن+1

كما يمكن التعبير عن الصيغة السابقة باخرى كالاتي:

ن!                                                                1

1 – ـــــــــ × (ح)م × (1- ح)ن-م + ــــــ

م!(ن-م)!                                           2ن+1

اذ (م) تعبر عن عدد نجاح التجارب، و(ح) عن احتمال ظهور الحادثة. الا انه لما كان من المفروض ان تكون (م) مساوية لـ (ن)، وان (ح) تقدر على الدوام بـ (1\2) فمن الممكن اختصارها كالاتي[19]:

1 – (1\2)م+1

أما في حالة الضرب وعدم قيام الحكومة فالصيغة الرياضية تكون بالشكل التالي[20] :

ــــــــ = 2\3 ، 4\5 ، 8\9 ، 16\17…

2ن + 1

لكن تظل الصياغة التي حددها المفكر الصدر لعملية الضرب اوسع تطبيق من الصياغة السابقة.

ولو افترضنا علاقة الشد بدل الضرورة لكانت الصياغات السابقة غير صالحة، وذلك لاحتمال تدخل عوامل الشذوذ والمصادفة المتمثلة بـ (ت). فليس المطلوب استبعاد تدخل هذه الاخيرة في كل تجربة نقيمها، بل المطلوب هو استبعاد ذلك لكل المرات معاً، اذ ان تدخل (ت) في بعض التجارب دون البعض الاخر هو ايضاً مما يثبت سببية (أ) حسب الفهم الاجمالي لعلاقة الشد.

ومن الناحية الرياضية ان الطريقة التي تفسر لنا هذا المضمون هي كالاتي:

من المعلوم انه حسب معادلة برنولي يمكن تحديد القيم الاحتمالية للعلاقات الصدفوية المحضة. فلو قدرنا قيمة ظهور حادثة معينة بـ (1\2) فان احتمال ظهورها صدفة في جميع المرات هو (1\2) مضروبة في نفسها (ن) من المرات. لكن حينما لا نعلم ان كان ظهور الحادثة يشكل مصادفة او لا، فمن حقنا ان نفترض مؤقتاً – من الناحية القبلية – قيمتين متساويتين للسببية والمصادفة، حيث تكون قيمة كل منهما (1\2). لكن حين يتكرر ظهور الحادثة مع (أ) باستمرار، فان ذلك يفضي الى استبعاد الافتراض القائم على المصادفة المحضة؛ استناداً الى معادلة برنولي، في الوقت الذي تتزايد فيه قيمة احتمال السببية لما تتمتع به من قدرة مشتركة على تفسير حالات الظهور، فتكسب بذلك جميع القيم المحددة على المصادفات، رغم ما يبقى من قيم ضمنية تتمثل باحتمال وجود عنصر المصادفة في بعض المرات. الا انه من الناحية الاجمالية هناك قيمة كبيرة لعلاقة الشد تتزايد باطراد. وليست هناك قيمة اخرى تتنافى معها سوى قيمة احتمال المصادفة المحضة المقدرة بـ (1\2) مضروبة في نفسها من المرات (ن).

فلو اردنا ان نعرف قيمة احتمال علاقة الشد الاجمالية من خلال اربع تجارب ظهر نجاحها جميعاً، لكانت النتيجة تتعين بواسطة العلم القبلي الذي يحدده افتراض المصادفة كالاتي:

1ـ قيمة احتمال ظهور الحادثة لمرة واحدة هي (1\2).

2ـ قيمة احتمال ظهور الحادثة لمرتين هي (1\4).

3ـ قيمة احتمال ظهور الحادثة لثلاث مرات هي (1\8).

4ـ قيمة احتمال ظهور الحادثة لاربع مرات هي (1 \16).

ومع نجاح التجارب جميعاً فان قيمة احتمال الشد ستكون كالاتي:

اذ تأخذ علاقة الشد الاجمالية جميع القيم التي تحددها علاقة المصادفة. وهذه العلاقة تساوي بالتحديد:

س م – 1

ـــــــــ

س م(س-1)

حيث (س) هي مقدار عدد العوامل القبلية. لكن عند نجاح جميع التجارب فان (م) تكون مساوية لـ (ن)، لذا نستنتج من ذلك:

سم – 1              سن – 1

ــــــــ = ــــــــــ

سم(س-1)        سن(س-1).

وفي حالة ظهور بعض الاختبارات الفاشلة، فان تحديد قيمة كل اختبار منها يتم من خلال اخذ متوسط حساب قيم الاختبارات على فرض نجاحها، اي على فرض التساوي بين (س) المضروبة في نفسها (م) من المرات و(س) المضروبة في نفسها (ن) من المرات، ولو ضربنا هذه القيمة بمرات الفشل لظهرت لدينا قيمة الاختبارات الفاشلة، ومن ثم لو طرحنا القيمة الناتجة من قيمة مجموع الاختبارات على فرض نجاحها، لكان الناتج عبارة عما يتبقى لقيمة الشد. ففي حالة ان العوامل القبلية المحتملة، التي هي (س)، عبارة عن عاملين، فان العلاقة ستكون كالاتي:

2ن – 1            (2ن –1)(ن-م).

ــــــــ – ــــــــــــــ

2ن                     2ن × ن

ولو كانت العوامل ثلاثة فان علاقة الشد (ش) تكون:

3ن – 1          (3ن –1)(ن-م)

ــــــــ – ــــــــــــــ

3ن × 2        3ن × 2ن

ولو كانت اربعة لاصبحت (ش) مساوية لـ:

4 ن – 1      (4ن –1)(ن-م)

ــــــــ – ـــــــــــ

4ن × 3       4ن × 3ن

وعلى العموم تصبح علاقة الشد في صورتها النهائية كالاتي[21]:

سن – 1        (سن –1)(ن-م)

ــــــــ – ــــــــــــ

سن(س-1)    سن(س-1) × ن

وفي هذه العلاقة يلاحظ ان اقل درجة لقيمة الشد هي الصفر، وذلك حينما تكون جميع الاختبارات فاشلة، اي حين تصبح (م = 0). أما مع نجاح جميع التجارب فيمكن الاكتفاء بالطرف الايمن من العلاقة السابقة، باعتبار ان الطرف الاخر المحدد للاختبارات الفاشلة سيكون مساوياً للصفر تماماً. وهذه العلاقة لا تتدخل في تحديد القيمة الاحتمالية للشكل الثاني من المرحلة الاستنباطية فحسب، بل تحدد ايضاً القيمة العائدة الى الشكل الاول منها، وذلك لان وظيفتها في كلا الحالتين هو استبعاد عامل المصادفة من مرات النجاح.

ويفترض ان تكون الاختبارات كبيرة نسبياً قدر الامكان؛ ليتم التحقق من النتيجة. مع انّا نعترف ان كثرة الاختبارات وقلتها تخضع الى حد كبير للنسبية. فربما لا تتجاوز الاختبارات عن خمسة، ومع هذا تعتبر كثيرة، في حين قد تكون اكثر من مائة لكنها مع ذلك قليلة. فعادة ان الذين يدرسون التغيرات الوراثية لا يتعاملون الا مع الاعداد الكبيرة من اختبار الاجيال، بينما الذين يبحثون في التفاعلات الكيميائية يكتفون بعدد قليل من التجارب. وهكذا تخضع المسألة الى طبيعة الموضوع ونوع الاختبار الذي يجرب عليه. وبدون ان نأخذ هذه المسألة محل الاعتبار فسوف لا نأمن ان تكون النتائج خاطئة. فلو طبقنا العلاقة السابقة على رمي قطعة النقد بعدد قليل من الاختبارات، كإن تكون خمسة فقط، فسوف لا نصل الى نتيجة مرضية او مقبولة، اذ لو ظهرت الكتابة في جميع الرميات، لكان يعني ان قيمة احتمال الشد فيها (31\32)، وهي كبيرة جداً. ولو ان هناك ما يترتب على هذه النتيجة من آثار هامة لكانت الاخطاء جسيمة بسبب ذلك التعامل المحدود.

3ـ ان تحديد قيمة احتمال وقوع حادثة مستقبلية بعد نجاح عدد من الحوادث التي من نوعها، يختلف باخذ اعتبار كل من علاقة الشد والضرورة. فطبقاً لمنطق الضرورة تتحدد القيمة الاحتمالية بنفس الدرجة التي تكسبها السببية بين الماهيتين (أ) و(ب) لأي عدد كان من التجارب، شرط نجاحها جميعاً. فليس هناك فرق بين التعميم والتنبؤ بالحادثة المستقبلية، طالما انهما يخضعان الى ذات الشروط والمتطلبات المذكورة بشأن الدليل الاستقرائي[22]. في حين بحسب منطق الشد، لا يشترط ان تكون التجارب ناجحة كلها، بل يكفي ان تكون هناك تجربة واحدة ناجحة على الاقل من مجموع التجارب المقامة، ذلك ان فرض فشل جميع التجارب لا يتيح للحادثة المستقبلية ان تكسب اي درجة ممكنة من الاحتمال، اذ تكون قيمتها صفراً. لذا كان من المستحسن ايجاد علاقة رياضية اخرى لا تأخذ بنظر الاعتبار الفرضين الخاصين بالسببية، وهما فرض الضرورة والشد. انما يرتكز احتمال ظهور الحادثة على حالات الظهور السابقة مباشرة، مما يستدعي تفسيراً آخر يختلف عما سبق. وقد سبق ان لاحظنا ان هناك عدداً من الصيغ الممكنة، مثل صيغة لابلاس وغيرها. وهنا يمكن ان نطرح صيغة اخرى مناسبة، وهي ان تعيين قيمة احتمال الحادثة المستقبلية تكسب احتمالات جميع المرات التي تظهر فيها مضافة الى نصف احتمال ظهورها للمرة القادمة. فلو ظهرت مرة واحدة واردنا ان نعرف قيمة احتمال ظهورها للمرة القادمة، فسنجد هناك ثلاثة اطراف قبلية محتملة كالاتي:

1ـ ظهور الحادثة في مرة واحدة.

2ـ ظهور الحادثة في مرتين.

3ـ عدم ظهور الحادثة مطلقاً.

ولا شك انه حين تظهر الحادثة مرة واحدة فان الطرف الاخير سينتفي مطلقاً، ويبقى عند نا طرفان كل منهما يساوي نصفاً، فتكسب الحادثة قيمة الطرف الاول مع نصف قيمة الطرف الثاني، باعتبار اننا لم نعرف بعد عما اذا كانت الحادثة ستظهر ام لا. وهذا يعني ان قيمة احتمال ظهور الحادثة بعد تجربة واحدة ناجحة هي (1\2 + 1\4 = 3\4).

ولو نجحت تجربتان واردنا ان نعرف قيمة احتمال ظهور الحادثة للمرة الثالثة، فهذا يعني اننا سنواجه الاطراف التالية:

1ـ ظهور الحادثة في مرة واحدة.

2ـ ظهور الحادثة في مرتين.

3ـ ظهور الحادثة في ثلاث مرات.

4ـ عدم ظهور الحادثة مطلقاً.

ومعلوم ان الطرف الاخير سينتفي حين تظهر الحادثة. ومع ظهوها للمرة الاولى ستكسب قيمة احتمالها، وكذا الحال حين تظهر مرتين، اما ظهورها في المرة الثالثة فسينقسم الى نصفين احدهما لصالح الظهور، والاخر لصالح عدمه، مما يعني ان قيمة احتمال الظهور في المرة الثالثة تساوي:

1\3 + 1\3 + 1\6 = 5\6

على هذا تكون الصيغة الرياضية كالاتي:

م + 1\2

ـــــــــ

ن + 1

وهي تعني ان احتمال الحادثة القادمة عبارة عن مجموع قيم ما تكسبه من حوادث مضافاً اليها نصف احتمال الحادثة القادمة، مقسوماً على مجموع التجارب. وبتبسيطها تصبح المعادلة كالاتي[23]:

2م + 1

ـــــــــ

2ن + 2

فبحسب هذه الصيغة لو كانت لدينا حادثة ظهرت مرتين خلال اربع تجارب، فاحتمال ظهورها للمرة القادمة ينبغي ان يكون نصفاً، باعتبار ان حالات الظهور مساوية لحالات العدم، الامر الذي تكشف عنه الصيغة، وذلك كالاتي:

2 × 2 +  1

ــــــــــــ = 1\2

2 × 4+  2

واحتمال ظهورها مرتين قادمتين هو: (1\2) مضروبة في نفسها مرتين، اي (1\4). واطراد هذه الصيغة في حالة نجاح جميع التجارب المقامة يصبح كالاتي:

2م + 1      2ن + 1

ــــــــ = ـــــــــ = 3\4 , 5\6 , 7\8 …

2ن + 2      2ن + 2

وهذه الصيغة تعارض مبدأ القياس الارسطي. فمثلاً لو قلنا: كل انسان فان، محمد انسان، اذن محمد فان.. فالمقدمة الكبرى مستمدة من المشاهدات السابقة ومعممة على ما لا نهاية له من الحوادث، وقيمة هذا التعميم لابد ان تتناهى الى الصفر طبقاً للصيغة السابقة كالاتي:

2 × عدد كبير جداً + 1

(ـــــــــــــــــــــــ) ∞ ≈ صفر

2 × عدد كبير جداً + 2

وكذلك الحال لو طبقنا عليها قانون علاقة الشد. لذا كان لابد من تحويل التعميم مما هو بصيغة المطلق الى ما يخضع الى حد من الحدود. وهو في هذه الحالة بامكانه ان يكسب قيمة احتمالية كبيرة، اعتماداً على ما يظهر من نجاح في الاختبارات والمشاهدات. وعند النجاح المطلق تصبح النتيجة حين تطبيق قانون الشد – ذي العامل الثنائي – اعظم مما هي في الصيغة السابقة. فاذا رمزنا الى مقدار حد التعميم بـ (ق)، والى احتمال ظهور (م) خلال (ن) بـ (ل)، فان استخراج حد التعميم بالاستناد الى قانون الشد يكون كالاتي:

2ن – 1

ل = (ــــــــ)ق

وبالاستناد الى الصيغة السابقة يكون حد التعميم كالاتي:

2م + 1

ل = (ــــــــــ)ق

2ن + 2

وفارق القيمة بينهما يرجع الى فارق اعتبار السببية وعدمها.

4ـ هناك طريقة للمذهب الذاتي يتخلص فيها من مشكلة كبر الاحتمال القبلي لنفي سببية (أ) حين توجد اعضاء كبيرة يحتمل لها السببية دون (أ)، وذلك من خلال حساب احتمالات الصور المختلفة لسببية (أ) بشكل مباشر وغير مباشر، مما يجعلها تحافظ على قيمتها الاولية وهي النصف[24]. وفي هذه الحالة يمكننا ايجاد حساب رياضي يحدد لنا قيمة احتمال تلك السببية، فلو كان لدينا عاملان مثل (أ) و(ت) لكانت القيمة الاحتمالية لـ (أ) هي (2\3)، وذلك من خلال الحساب التالي:

1ـ احتمال ان تكون (أ) هي السبب المستقل لـ (ب).

2ـ احتمال ان تكون (ت) هي السبب المستقل لـ (ب).

3ـ احتمال ان تكون (أ) سبباً مشتركاً لـ (ب).

وعليه فقيمة احتمال سببية (أ) لـ (ب) هي (2\3).

وعلى العموم هناك صيغة رياضية تحدد لنا تلك السببية مع اي عدد ممكن من الاعضاء القبلية المحتملة، فلو افترضنا (س) تمثل عدد تلك الاعضاء لكانت الصيغة تتخذ الشكل التالي[25]:

ـــــــــ = 1 ، 2\3 ، 4\7 ، 8\15…

2س+1 – 2

وهذه الصيغة تؤكد على عدم اعطاء قيمة نصفية لصالح سببية (أ)، اذ هي في كل الاحوال تكون اكثر من (1\2). لكن كلما زادت الاعضاء القبلية، فان احتمال هذه السببية ستزداد قرباً من النصف، رغم انها لا تصل اليها.

5ـ يمكن القول ان الدليل الاستقرائي يواجه مشكلة منطقية مستعصية على صعيد التعميم، وان كان من الممكن تخفيفها من خلال التعامل مع العدد المتناهي للحوادث المستقبلية، حيث مع نجاح التجارب الكثيرة باستمرار يمكننا ان نتوقع الحوادث المستقبلية المتناهية بدرجة كبيرة، وكلما توسع نطاق مقدار هذه الحوادث فان درجة احتمال وقوعها جميعاً ستأخذ بالانخفاض، حيث تقدر دائماً بضرب قيمة احتمال اول حادثة مستقبلية بنفسها في عدد المرات التي يراد لها ان تتكرر بنجاح.

واذا تجاوزنا مشاكل التعميم والتنبؤ المستقبلي في الدليل الاستقرائي كما سبق ان ابرزنا، فان من الممكن اثبات علاقة السببية الخاصة واستنتاج الفروض البسيطة واثبات وجود الاشياء.. الخ، ومن ثم تقدير حالة اليقين الموضوعي لها كما شيّدها المفكر الصدر في مرحلته الذاتية.

الملاحق

ملحق (1(

يمكن اثبات صحة اطراد العلاقة التالية:

+1 – 1

لن = ـــــــــــ

2ن+1

حيث يمكن التحقق من صحة هذه العلاقة ولو لمرة واحدة على الاقل:

1

لن = 3\4 , 7\8 …. + ــــــ

2 ن+2

ولاجل اثبات اطراد هذه العلاقة يجب ان نثبت ان:

2ن+1 – 1       1      2ن+2 – 1

لن+1 = ـــــــــ   + ــــــــ   =  ـــــــــ

2ن+1       2ن+2       2ن+2

وبالتعويض نتأكد من صحة تلك العلاقة كالاتي :

2ن+1+1 – 1        2ن+2 – 1

لن+1   = ـــــــــــــــــــ = ـــــــــــــــ

2ن+1+1          2ن+2

فالعلاقة مطردة.

ملحق (2)

لاثبات اطراد العلاقة: لم = 1 – (1\2)م+1 نتبع ما يلي:

يمكن التحقق من صدق العلاقة في بعض المرات كالاتي:

لم = 3\4 , 7\8 …. + (1\2)م+2

وللتأكد من اطراد هذه العلاقة لابد أن نثبت:

لم+1 = 1 – (1\2)م+1 + (1\2)م+2 = 1 – (1\2)م+2

وبالتعويض سنحصل على هذه القيمة:

لم+1 = 1 – (1\2)م+1+1 = 1 – (1\2)م+2

ملحق (3)

يمكن اثبات اطراد العلاقة التالية:

2ن

لن = ـــــــ

2ن +1

حيث يمكن التحقق من صحة العلاقة في بعض المرات كالاتي :

لن = 2\3 , 4\5 …. + ـــــــــــــــ

(2ن+1 +1)( 2ن +1)

وللتأكد من اطراد هذه العلاقة لابد أن نتبت:

2ن            2ن                           2ن+1

لم+1 = ـــــــ + ـــــــــــــــ = ـــــــــ

2ن +1         (2ن+1 +1)( 2ن +1)     2ن+1 +1

وبالفعل أن هذه القيمة صحيحة، اذ بالتعويض نحصل على:

2ن+1

لن+1 = ـــــــــــــــــ

2ن+1 +1

ملحق (4)

يمكن اثبات اطراد العلاقة التالية :

سن – 1       (سن–1)(ن-م)

نلم = ــــــــــــــ – ــــــــــــــــــــــــــــــ

سن(س-1)     سن(س-1)× ن

وذلك عندما تكون: ن ≤ م ≤ صفر

حيث نفرض ان (ن) هي اي عدد طبيعي، كما نفرض (م) اي عدد اخر، مع اخذ اعتبار الشرط السابق وعدد العوامل (س). ثم نتأكد من العلاقة السابقة لبعض المرات المتوالية عندما نضيف اليها المعادلة التالية:

سن – 1

ــــــــــــ

سن(س-1)× ن

والمطلوب ان نثبت ان:

سن – 1          (سن–1)(ن-م)           سن – 1

نلم+1 = ــــــــــــــ – ـــــــــــــــــــــــــــــ + ــــــــــــــــــــــ

سن(س-1)        سن(س-1)× ن     سن(س-1)× ن

سن – 1        (سن–1)(ن-م-1)

= ــــــــــــــــ –    ــــــــــــــــــــــــــــ

سن(س-1)      سن(س-1)×ن

وبالتعويض يمكن التأكد من هذه القيمة, حيث:

سن – 1      (سن–1)(ن-م-1)

نلم+1 = ــــــــ – ــــــــــــــ

سن(س-1)      سن(س-1)× ن

ملحق (5(

يمكن اثبات اطراد هذه العلاقة :

2    م + 1

نلم = ــــــــ

2ن + 2

حيث ن ≤ م.

فباستطاعتنا التأكد من صحة العلاقة لبعض المرات، وذلك باضافة الكسر التالي:

4ن–4م+2

ــــــــــــ

(2ن+4)(2ن+2)

حيث يكون الناتج مع مرة اخرى جديدة كالاتي:

2م+1         4ن–4م+2          2م+3

ن+1لم+1 = ــــــــــــــ + ـــــــــــــــــــــــــ = ـــــــــــ

2ن+2    (2ن+4)(2ن+2)     2ن+4

وهذه القيمة هي ذاتها عند التعويض كالاتي:

2(م+1)+1      2م+3

 ن+1لم+1 = ــــــــــــــ = ــــــــــ

2        (ن+1)+2       2ن+4

ملحق (6)

يمكن اثبات العلاقة التالية:

2   س

لس = ــــــــــــــــ

2س+1 – 2

حيث يمكن التحقق من صدق العلاقة في بعض المرات كالاتي:

2 س

لس = 1, 2\3, 4\7, 8\15 … – ـــــــــــــ

(2س+1-1)( 2س+1-2)

ولاجل اثبات اطراد العلاقة لابد ان نثبت:

2 س                 2س                       2س+1

لس+1 = ـــــــ – ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ = ـــــــــــــــــــــــــــ

2س+1–2    (2س+1-1)( 2س+1-2)    2س+1+1–2

وبالتعويض نجد ان الناتج يساوي:

2س

لس+1 = ـــــــــــــ

2س+1 -1

وعند ضرب البسط والمقام بالعدد (2) فان الناتج سيكون:

2س+1

لس+1 = ــــــــ

2س+1+1 -2

لذا فالعلاقة مطردة.

يحيى محمد

[1] نقد العقل المجرد، ص604 وما بعدها.

[2] بهذا الصدد انظر لابن حزم المصادر التالية: المحلى، مطبعة الإمام بالقلعة بمصر، ج1 ، ص32. علم الـكلام على مذهب أهـل الـسنة والـجماعة، نشر المكتب الثـقـافـي، الأزهـر، ط1 ، ص26ـ27. رسالة مراتب العلوم، ضمن رسائل إبن حزم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1983م، ج4 ، ص62. رسالة التقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم، نفس المعطيات السابقة، ج4 ، ص197.

[3] الاسس المنطقية للاستقراء، ص341ـ344 و468ـ469.

[4] J.S. Mill; p.296.

[5] Russell; 1974; p.24.

[6] Swinburne; p.13. Also: Max Black, ‘Self Supporting Inductive Arguments’, in: The Justification of Induction, edited by Swinburne, Oxford University Press, 1974, p.128ـ132.

[7] Carl G. Hempel, ‘The Theoreticians Dilemma’, The Philosphy of Science, The Nature of Scientific Theory, ed. by Sklar, Series (2), p.105ـ106.

[8] المنطق ومناهج البحث، ص150.

[9] فلسفة العلم، ص150.

[10] الاسس المنطقية للاستقراء، ص141ـ142.

[11] الاسس المنطقية للاستقراء، ص468.

[12] حيث يقول: ‹‹اننا نعتقد عادة بوجود تشابه ـ بدرجة ما ـ بين الصورة المحسوسة التي ندركها، والواقع الموضوعي لها.. وهذا الاعتقاد استقرائي مستدل، وليس علماً اولياً مباشراً، لاننا في ادراكنا الحسي لا نواجه الواقع الموضوعي مباشرة، وانما نواجه الصورة المحسوسة. فاذا رأينا مثلاً قطعة من الخشب على شكل مربع، فنحن نواجه في الحقيقة صورة محسوسة موجودة في جهازنا الحسي تتصف بالتربيع، ولهذه الصورة واقع موضوعي هو الذي سبّب إثارة تلك الصورة›› لاحظ الاسس المنطقية للاستقراء، ص465.

[13] الاسس المنطقية للاستقراء، ص469.

[14] بهذا الصدد يقول فيلسوف العلم المعاصر فيليب فرانك: ‹‹اذا درسنا بدقة كيف نعثر على مبادئ جديدة في العلم، يتضح لنا ان مبدأً مثل قانون القصور الذاتي، او مبدأ النسبية، لا يمكن اختراعهما بأي طريقة نظامية (استدلالية او استقرائية)، ولكن يتم ذلك فقط باستخدام قدر من القدرة الاختراعية، وهي ما تسمى ايضاً الخيال واحياناً الحدس. وقد أكد اينشتاين على ذلك في احدى محاضراته (فلسفة العلم، ص76). ويقول العالم الفيزيائي أرنست ماسن: ‹‹إن العملية الذهنية التي ينجز بها المرء مفاهيم جديدة، والتي يشير اليها عموماً بالاسم غير الملائم (الاستقراء)، ليست عملية بسيطة وانما هي عملية بالغة التعقيد. وهي في المقام الاول ليست عملية منطقية بالرغم من ان مثل هذه العمليات يمكن ادخالها كروابط وسطى ومساعدة. فالمجهود الرئيسي الذي يؤدي الى اكتشاف معرفة جديدة انما يرجع الى التجريد والخيال›› (فلسفة العلم، ص386).

[15] فلسفة العلم، ص371ـ372.

[16] يقول كارل بوبر في (منطق الكشف العلمي، ص63ـ64): ‹‹عادة ما نسمي الاستدلال استقراءً اذا انتقل من قضايا شخصية ـ اي قضايا جزئية كما يطلق عليها احياناً ـ كتلك التي تبيِّن نتائج الملاحظات والتجارب تجاه القضايا الكلية، كالفروض او النظريات››. ويقول المفكر الصدر في مقدمة كتابه (الاسس المنطقية للاستقراء): ‹‹نريد بالاستقراء: كل استدلال تجيء النتيجة فيه اكبر من المقدمات التي ساهمت في تكوين ذلك الاستدلال››. ويقول ايضاً: ‹‹وأما في حالات الاستقراء، فان الدليل الاستقرائي يقفز من الخاص الى العام، لأن النتيجة في الدليل الاستقرائي اكبر من مقدماتها››.

[17] John Hospers , An Introduction to Philosophical Analysis . 3rd ed. London . p.175.

[18] لاحظ اثبات اطراد الصيغة السابقة في الملحق رقم (1).

[19] لاحظ اثبات اطراد هذه الصيغة في الملحق رقم (2).

[20] لاحظ اثبات اطراد هذه الصيغة في الملحق رقم (3).

[21] لاحظ اثبات اطراد هذه العلاقة في (4).

[22] الاسس المنطقية للاستقراء، ص351.

[23] لاحظ اثبات اطراد هذه الصيغة في الملحق رقم (5).

[24] الاسس المنطقية للاستقراء، ص276ـ277.

[25] لاحظ اثبات اطراد هذه العلاقة في الملحق رقم (6).