(دور الأمة في الدولة الإسلامية) في فكر الشهيد الصدر

جعفر عبد الرزاق

جامعة ليدن ۔ هولندا

تغييب الأمة في التراث السياسي الإسلامي

امتاز التراث السياسي الإسلامي بتغييب دور الأمة في المشاركة السياسية أو في صنع القرار السياسي إلا في فترات قصيرة جداً. فالرسول صل الله عليه و آله مارس الشورى مع أصحابه، حيث كان يستشيرهم في بعض القضايا وخاصة ما يتعلق في الجانب العسكري والدفاعي[1]. وأما في العهد الراشدي فقد ساد الطابع السياسي العام للسلطة غياب الأمة عن ممارسة دورها إلا في التعبئة العسكرية في حروب الجهاد وبعض المواقف السياسية الجريئة[2]. واتجهت الخلافة تدريجياً نحو الاستبداد بشكل واضح في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي كان يرفض النصيحة والمشورة، وعاقب بعض الصحابة الكبار لأنهم نصحوه أو اقترحوا عليه تغيير سياسته أو تبديل بعض ولاته.[3] ولعل أبرز دور للأمة في تلك الفترة ظهر من خلال المعارضة الشعبية لسياسة الدولة، خاصة في الأقاليم الإسلامية كمصر والعراق التي عانت من ظلم ولاة الخليفة عثمان، فقدموا إلى العاصمة لمطالبة الخليفة بتغيير الولاة وإرساء العدل والحق. ولما رفض الخليفة مطالبهم، اتجهت الأمور نحو التصعيد السياسي والميل نحو استخدام العنف والقوة، إذ لم تنتهي الأزمة إلا بثورة أطاحت بالخليفة وقتله في داره.

وفي تلك المرحلة الزمنية القصيرة استمر دور الأمة في التجلي في الساحة السياسية وذلك من خلال تدخلها المباشر في اختیار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. فلأول مرة تمارس الأمة هذا الحق بشكل واسع ومباشر، حيث أنها كانت غائبة أو جرى تغييب دورها في تولي الخلفاء الثلاثة الأوائل للسلطة. فلم تكن بيعة علي عليه السلام تقتصر على فئة محدودة بل بيعة عامة أجمع عليها المهاجرون والأنصار. فهو عليه السلام لم يسع إليها، واعتذر عن الترشيح لكن الناس لم تجد أفضل منه ليستعيد الإسلام رونقه في تحقيق العدل والمساواة. كما أنه لم يجبر أحداً على بيعته مطلقاً. ولم يكتف عليه السلام ببيعة سكان العاصمة (المدينة المنورة) بل أنه لم يباشر سلطاته حتى وصلته بيعة بقية أقاليم الدولة الإسلامية (الكوفة والبصرة والحجاز واليمن ومصر وعمان والبحرين واليمامة عدا الشام)[4].

وبعد مقتل علي عليه السلام واضطرار الخليفة الخامس الحسن بن علي(ع) للتنازل عن الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، تم إقصاء دور الأمة نهائياً، حيث تغير شكل الحكم فأصبح ملكياً وراثياً، وأقصي مبدأ الشورى إلى الأبد، فترسخ الاستبداد والقمع تجاه المعارضة السياسية وتهميش دور الأمة إلا ما وافق سياسة الدولة أو تملق للخليفة وأعوانه. يصف الشيخ محمد رشيد رضا تلك المرحلة الأموية فيقول:

لقد استبدوا عملاً وما عتموا أن جهروا بالخروج عن سنن الإسلام في حكمه قولاً، إذ قال خطيبهم عبد الملك بن مروان على المنبر: من قال لي اتق الله ضربت عنقه. فتحولت الحكومة إلى استبدادية.. وكان معظم ظلمهم وظلم من بعدهم لمن يأنسون منه سخطاً من سلطتهم أو مقاومة لها.[5]

التنظير الشرعي لتغييب الأمة

استمر الحاكم الإسلامي بالاستبداد في العصور اللاحقة فأخذ بعض الفقهاء المقربين من البلاط بقبول الواقع، والتنظير لانفراد الخليفة بالسلطة المطلقة دون محاسبة أو رقابة من الأمة، والتبرير الشرعي لتغييب دورها في عملية اختيار الخليفة. يقول الدكتور أحمد حنفي:

في القرن الخامس الهجري قام أبوحامد الغزالي بوضع أيديولوجية للسلطة السياسية حيث شرّع مبدأ (أخذ السلطة بالشوكة) مع أن الإمامة عقد وبيعة، وأعطى للناس (إحياء علوم الدين) لعودهم على الصبر والتوكل والرضا. فقد شرّع الغزالي (أيديولوجية السلطة) للحاكم، و(أيديولوجية الطاعة) للناس.[6]

ووصل انتفاخ الحاكم على حساب الأمة والقانون والشريعة مستوى فظيعاً، يعاونهم في ذلك مشايخ السوء. فقد أتى أربعون شيخاً إلى الخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك بن مروان، فشهدوا له ما على الخلفاء حساب ولا عذاب.[7] واستهان الخليفة الوليد بن يزيد بالأمة حين اعتبر المسلمين ملكاً له حيث أنشد:

ونحن المالكون الناس قسراً   نسومهم المذلة والنكالا
نوردهم حياض الخسف ذلاً   وما نألوهم إلا خبالا

 

ورغم أن التراث الإسلامي يؤكد على أهمية البيعة كشرط لتولي الخليفة السلطة، لكن مراسم البيعة كانت في الغالب لا تتجاوز الأداء الشكلي للنصوص الشرعية. فالأمة لم تنتخب حكامها بل يؤتى بها للبيعة بالإكراه ومصافحة الحاكم الجديد لتبرير الوضع الشرعي لتوليه السلطة. والحاكم يأخذ البيعة من الأمة مهما كان الأسلوب الذي أتى به للحكم، سواء بالانقلاب العسكري أو الوراثة أو بولاية العهد؛ لأنه قد جرى اعتبار كل هذه الأساليب شرعية لاستلام السلطة.

وحتى مبدأ الشورى الذي يعطي _ نظرياً _ الحق للأمة في اختيار الحاكم جرى تقليص دورها فيه إلى اختصار الأمة بأهل الحل والعقد، أي أنه ما عدا أهل الحل والعقد لا حق لأحد بالمشاركة في اختيار الحاكم. هذا على الرغم من افتقاد نظام الشورى لآلية اختيار أهل الحل والعقد، وعدم وجود سابقة تاريخية لممارسة هذا الدور من قبل الأمة.[8] وقد دعا بعض المفكرين الإسلاميين المتأخرين إلى إضفاء الصفة التمثيلية الشعبية على أهل الحل والعقد عبر الانتخابات.[9]

وأخذ دور أهل الحل والعقد يتقلص ليتجه هذا المبدأ نحو الفردية، حيث أخذ بعض الفقهاء (لا يشترطون اجتماع أهل الحل والعقد في جميع الأمة بل يكتفي بمن وجد فيهم الإمام. ثم نرى بعض هؤلاء لا يشترط اجتماع أهل الحل والعقد في بلد الإمام كلهم بل يكتفي ببعضهم. كما نرى هذا المبدأ يضمر عند (الجبائي) ومن ذهب مذهبه حين جعل الحد الأدنى خمسة من أهل الحل والعقد، ثم يزداد انكماشاً عند (أبي الحسن الأشعري) وغيره حين يكتفي بالواحد، حتى يضمحل المبدأ تماماً عند (ابن حزم الأندلسي) حين يقرر في الطريق الرابع من طرق تعيين الإمام أن عقد الإمامة يصح بواحد يبايع طالب الإمامة ولو لم يكن من أهل الحل والعقد).[10]

وأخذ بعض الفقهاء _ إمعاناً في إقصاء الأمة حتى ولو بمشاركة فرد واحد منها_ يميلون إلى مبدأ التعيين والوصية من شخص إلى شخص. فقد رأينا أن ابن حزم (ت 456هـ) يجعله أفضل الوجوه وأصحها، كما رأينا الغزالي (ت 505هـ) يجعله أولى الوجوه ويقدمه على أهل الحل والعقد، وكذلك الإيجي (ت 756هـ) في (شرح المواقف) في باب الإمامة. وحق الاختيار (أي تعيين الخليفة القادم) ينحصر في الخليفة (الحالي) فقط دون اعتبار لغيره سواء أكانوا من أهل الحل والعقد أو من غيرهم.[11] ويلغي أحد الفقهاء أي دور للأمة ودور أهل الحل والعقد، ليحصر الموضوع كله بقرار من بيت الخليفة، حيث ينص الشيخ محمد الشربيني على أنه (لا يشترط في الاستخلاف رضى أهل الحل والعقد في حياته _ أي الإمام _ أو بعد موته إذا ظهر له واحد جاز بيعته من غير حضور غيره ولا مشاورة أحد، ويجوز العهد إلى الوالد والولد كما يجوز إلى غيرهما، وقد جزم به صاحب الأنوار وابن المقري).[12] أما الماوردي (ت 450هـ) فيرى أن أنه (إذا أراد الإمام أن يعهد بها فعليه أن يجهد رأيه في الأحق بها والأقوم بشروطها، فإذا تعين له الاجتهاد في واحد نظر فيه: فإن لم يكن ولداً ولا والداً جاز أن ينفرد بعقد البيعة له، وبتفويض العهد إليه وإن لم يستشر فيه أحداً من أهل الاختيار).[13]

ووصل مستوى الاستخفاف بالأمة حتى تولى السلطة صبيان ومراهقون[14]، وتضاءل دور الشريعة الإسلامية حتى تولى السلطة مجرمون وفاسقون وشاذون جنسياً.[15] ولا يوجد اختلاف كبير في ممارسات الخلفاء والحكومات التي حكمت باسم الإسلام في التاريخ، أمويون وعباسيون، بويهيون وسلاجقة، فاطميون وأيوبيون، صفويون وعثمانيون. فالجميع _ إلا نادراً _ حكموا بالقمع والإرهاب والاستبداد. وإزاء هذا الحصار السياسي_ الفقهي لم يكن أمام الأمة إلا الخروج _ أحياناً _ ضد الخلافة أو ولاته في الأقاليم، مطالبين بالتغيير وتحسين أوضاعهم. لذلك خرجت حركات مسلحة كثيرة بوجه السلطة، بعضها يعبر عن آمال الأمة، وبعضها مجرد صراعات سياسية يقودها متطلعون إلى السلطة. وفي عصور الانحطاط السياسي والعسكري كانت عملية استبدال الخليفة تتم عبر مؤامرات ودسائس داخل القصور الملكية.

تقديس التراث لدى المتأخرين

وهكذا استمر التأسيس الشرعي على إقصاء الأمة من ممارسة دورها، حتى صارت هذه الحالة جزءاً من التراث السياسي الإسلامي. ولما جاء المتأخرون نظروا إلى التراث بقداسة دون تمحيص، فاعتبروا أن ما دوّنه فقهاء العصر الأموي والعباسي والعصور اللاحقة جزءاً من الشريعة الإسلامية، فلم يميزوا بين النصوص الشرعية المقدسة المتمثلة بالقرآن والسنة، وبين اجتهادات الفقهاء وممارسات الخلفاء، فاعتبروا الجميع تراثاً إسلامياً لا يجوز خدشه رغم تباين الظروف والأحداث. فالشيخ تقي الدين النبهاني يرى أن خمسة أشخاص يكفون لتعيين الحاكم، وأن سكوت الأمة دليل على رضاها دون بذل أي جهد للتحقق من هذا الرضا أو أن السكوت بسبب الخوف من قمع السلطة فتراه يستخدم بسطحية حالة فردية ذات طبيعة عاطفية هي سكوت الفتاة المخطوبة عند طلب يدها ليستخدم فكرة (السكوت علامة الرضا) في قضية أمر اجتماعي وسياسي هام مثل تداول السلطة. فيرى أنه (لا يشترط عدد معين، فيمن يقومون بنصب الخليفة، بل أي عدد بايع الخليفة، وتحقق في هذه البيعة رضا المسلمين بسكوتهم، أو بإقبالهم على طاعته بناء على بيعته، أو بأي شيء يدل على رضاهم، يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمين جميعاً، ويكون هو الخليفة شرعاً، ولو قام بنصبه خمسة أشخاص، إذ يتحقق الرضا بالسكوت والمبادرة للطاعة).[16]

وقد اتجهت بعض التيارات الإسلامية السياسية في عصر الصحوة الإسلامية نحو رفض تلك النمطية التقليدية السائدة في التراث السياسي الإسلامي فيما يتعلق باختيار الحاكم ودور الأمة فيه، حيث أخذت تؤكد على دور الأمة في اختيار الحاكم وأن (الأصل الأصيل في شرعية الحاكم هو اختيار الأمة له من غير رهبة. فالأمة هي صاحبة السلطة في تعيين الحاكم بمحض اختيارها).[17] وأن (الطريق الشرعي الوحيد _ لتولي السلطة _ هو الاختيار من قبل الأمة لا غير، فلا وراثة ولا تغلب ولا قهر ولا دكتاتورية. ومن سلك غير هذا الطريق فعلى الأمة أن تقف في وجهه).[18] ورفضت آراء الفقهاء والنصوص والفتاوى التي تلغي دور الأمة في حق اختيار الحاكم.[19]

أما دور الأمة في عزل الحاكم فهو أصعب؛ لأن الحاكم يملك كل وسائل القوة والجيش والمخابرات والشرطة للوقوف بوجه أي محاولة لعزله أو الإطاحة به. ورغم وجود تفصيلات نظرية في الفقه الإسلامي تتحدث عن عزل الحاكم وأسباب عزله[20]، لكنها لم تضع آلية لممارسة الأمة لعزل الحاكم، وبقي اللجوء للثورة المسلحة أو الانقلاب العسكري، هو الأسلوب الوحيد لإزاحة الحاكم عن كرسي السلطة. وحتى في بعض الحالات التاريخية لعزل الخلفاء والحكام، فإنها كانت تعتمد مباشرة على قوة الخصوم العسكرية والسياسية، ومدى ضعف الخليفة والسلطة. وكان يجري تعبئة مشاعر الغضب لدى الناس في تأجيج الصراع لصالح منافسي الخليفة، حتى إذا تم عزله، انفرد الحاكم بالسلطة، وتراجع دور الأمة إلى ما كان عليه من قبل. ولا يوجد من الإسلاميين المعاصرين من وضع آلية عملية لكيفية عزل الحاكم ولو نظرياً.[21]

دور الأمة في التراث الفقهي المعاصر

سبق الشهيد الصدر بعض الفقهاء والعلماء الذين أكدوا على دور الأمة في إدارة السلطة واختيار الحاكم ومراقبته ومحاسبته. فقد دعا زعيم الإصلاح السيد جمال الدين الأفغاني (1838 _ 1897) (إلى مشاركة الشعب في صنع القرار، وإدارة شؤون البلاد، وذلك عبر صياغة دستور وتأسيس نظام نيابي، يمنح الأمة دورها الحقيقي بما يوفر التقدم والاستقرار).[22] وقام الشيخ محمد حسين النائيني (1860 ۔ 1936) بدراسة فقهية لموضوع الدولة في كتابه القيم (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) الصادر عام 1909 ليؤصل ۔ عبر استدلالاته الفقهية ۔ لقيام دولة إسلامية شرعية تعتمد الدستور. فقد اعتمد النائيني مبدأ الشورى أساساً لهيكلية الدولة، مؤكداً على المؤسسات الدستورية وأولها البرلمان الذي يسن التشريعات ويراقب أعمال الحكومة فيقول: (إن فاعلية مجلس الشورى وقدرته على الوفاء بواجباته كاملة، وخضوع كل فرد من أعضاء السلطة التنفيذية لقراراته، هي الضمان الأعظم لاستقامة السلطة التنفيذية، وإلا فإن اختلال الميزان بعجز المجلس عن ممارسة الرقابة، أو ترفع السياسيين عن مواجهة المجلس باعتبار هم مسؤولين عن أعمالهم، سوف ينتهي إلى الإخلال بمبدأ (محدودية السلطة). الأمر الذي يبدل السلطة الولايتية إلى سلطة تمليكية، ويعيد غول الاستبداد والتحكم).[23]

وأكد النائيني في أطروحته على أهمية الأمة في انتخاب أعضاء المجلس التشريعي، فرفض التعيين أو تدخل الحاكم في اختيار أعضاء البرلمان، ولكن أعطى الأمة حقها الطبيعي والكامل. كما أكد على الحريات العامة، والمساواة بين أفراد الشعب مسلمين وغير مسلمين، حتى أنه أكد على أن (عضوية المجلس لا تقتصر على المسلمين، بل لابد أن تتمثل الأقليات غير المسلمة في المجلس، ولابد أن تشارك في الانتخابات).[24] فهو يعتبر (السلطة حقاً مشتركاً للشعب، فإن لكل مواطن جزءاً من هذا الحق، بغض النظر عن دينه. ولذلك فإن لأتباع الديانات الأخرى في الدولة الإسلامية، الحق الكامل في المشاركة في السلطة والقرار والترشيح والانتخاب).[25] وينفرد النائيني عن غيره من الفقهاء بتأصيله الفقهي لمبدأ (حق المراقبة لدافعي الضرائب) فيقترب بذلك من النظام الديمقراطي الغربي الذي يعتبر دفع الضرائب أساساً في اكتساب الحقوق السياسية في البلاد؛ مع العلم أن النائيني لا يتحدث عن جميع الأموال التي تجمعها الدولة الإسلامية من مواطنيها كالزكاة والخمس والخراج والعشور، بل عن الضرائب خارج الحقوق الشرعية، فيقول:

ونظراً لما يدفعه المواطنون من الضرائب التي تعتمد عليها السلطة في إقامة المصالح العامة، فإن الدولة بما فيها من موظفين وعمال، تعتبر تابعة للشعب الذي يدفع لها ما تحتاجه من مال. ومن المقرر أن لمن يدفع حق محاسبة من يستلم، على حسن تصرفه في المال العام، وقيامه بأداء وظائفه.[26]

وكان فقهاء ثورة الدستور 1905 قد رسخوا مبدأ تدوين دستور دائم وتأسيس مجلس نيابي (مجلس الشورى) المنتخب مباشرة من قبل الشعب. فأعادوا للأمة دورها المفقود في إدارة شؤون البلاد رغم أن الحكم بقي محافظاً على شكله التقليدي أي الملكي الوراثي. واستطاع الشاهات الذين حكموا إيران أن يفرغوا البرلمان من مضمونه، في الغالب، ليصبح مجرد مؤسسة لتنفيذ رغبات وأوامر الشاه، مثله مثل السلطة التنفيذية والقضائية. ويتكرر هذا الأمر في غالبية الأنظمة السياسية في البلدان الإسلامية التي تدعي الديمقراطية والتعددية السياسية، حيث تبقى سلطات الحاكم هي المهيمنة على البلاد، ولا تمارس المؤسسات الدستورية والشعبية إلا أدواراً شكلية تحاول إضفاء الشرعية على ممارسات الحاكم وقراراته.

منطلقات السيد الصدر في نظريته في الحكم

اتسم المنهج الذي اعتمده السيد الصدر في التنظير لمواقف الإسلام من مشكلات الحياة المتنوعة بتحليل مدلولات النص في ضوء معطيات الواقع، ونتائج التجربة البشرية، وما تفرزه هذه التجربة من تقدم أو تراجع. فهو حين يكتب يعاين حياة الإنسان، ويتدبر الواقع، ويسعى لوعي واستيعاب مكتسبات تلك التجربة وآثارها المختلفة، فيعكف على استنطاق النص ومحاورته في ضوء الإشكاليات التي يعكسها الواقع.[27] ينطلق السيد الصدر في نظريته في الحكم والدولة الإسلامية، برأينا، من خمسة منطلقات هي:

1۔ فهمه العميق لروح الرسالة الإسلامية وشموليتها، وأنها جاءت لتحرير الأمم والشعب من الوثنيات الوضعية، وتحرير الإنسان من عبودية الإنسان[28]. وتحرير الإنسان يعني رفع الأغلال التي تكبّل حريته، ويعني منحه حقه في إدارة مجتمعه ودولته. ففي بحثه (المدرسة الإسلامية) يقول السيد الصدر:

فالحرية السياسية تجعل لكل فرد كلاماً مسموعاً ورأياً محترماً في تقرير الحياة العامة للأمة، ووضع خططها ورسم قوانينها، وتعيين السلطات القائمة لحمايتها. وذلك لأن النظام الاجتماعي للأمة، والجهاز الحاكم فيها، مسألة تتصل اتصالاً مباشراً بحياة كل فرد من أفرادها، وتؤثر تأثيراً حاسماً في سعادته أو شقائه. فمن الطبيعي حينئذ أن يكون لكل فرد حق المشاركة في بناء النظام والحكم.[29]

2۔ رأي السيد الصدر بأهمية الدور البشري في صناعة التاريخ وفق السنن التاريخية، فالإنسان هو الذي يصنع التاريخ وليس التاريخ هو الذي يصنع الإنسان كما ترى المدرسة الوضعية. فالمجتمعات الإنسانية ليست مستقلة أو منفصلة عن التاريخ. إنها تعيش في الطبيعة وفي المجتمع وترتبط بشروط مادية ومعنوية.[30] يقول السيد الصدر (فالمحتوى النفسي والداخلي للأمة كأمة، لا لهذا الفرد أو لذلك الفرد، هو الذي يعتبر أساساً وقاعدة للتغييرات في البناء العلوي للحركة التاريخية كلها).[31]ولا يمكن للأمة أن تؤدي دورها التاريخي وهي مهمشة معزولة عن صناعة القرار السياسي الذي يصنع الأحداث التاريخية. إذ يجب أن تملك الأمة زمام أمورها بنفسها، ولابد أن تشارك في إدارة السلطة والدولة كي تتحقق الغاية من الحركة التاريخية (لأن حركة التاريخ حركة غائية لا سببية فقط، ليست مشدودة إلى سببها، إلى ماضيها، بل هي مشدودة إلى الغاية؛ لأنها حركة هادفة لها علة غائية متطلعة إلى المستقبل. فالمستقبل هو المحرك لأي من النشاطات التاريخية).[32]

3۔ عندما يعرض السيد الصدر نظريته في الحكم والدولة ينطلق أساساً من المنهج الذي دعا إليه في (التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، حيث (يجلس بين يدي القرآن الكريم، لا يجلس ساكتاً ليستمع فقط، بل يجلس محاوراً، يجلس سائلاً ومستفهماً ومتدبراً. فيبدأ مع النص القرآني حواراً حول هذا الموضوع. وهو يستهدف من ذلك أن يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها من النص، من خلال مقارنة هذا النص بما استوعبه الباحث عن الموضوع من أفكار واتجاهات).[33] فالباحث والمفكر والمفسر والفقيه يدخل في (عملية حوار مع القرآن الكريم واستنطاق له، وليست مجرد استجابة سلبية بل استجابة فعالة وتوظيفاً هادفاً للنص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة الكبرى).[34] ويرى السيد الصدر أن التفسير الموضوعي للقرآن بشروطه هو الذي يقود إلى اكتشاف النظرية القرآنية حول الموضوع المطروح فتراه يصل إلى النتيجة التالية (التفسير الموضوعي يحاول أن يستحصل أوجه الارتباط بين المدلولات التفصيلية للآيات القرآنية _ التي يبرزها التفسير التجزيئي _ يحاول أن يصل إلى مركب نظري قرآني. وهذا المركب النظري القرآني يحتل في إطاره كل واحد من تلك المدلولات التفصيلية موقعه المناسب. وهذا ما نسميه بلغة اليوم بالنظرية).[35] ومن هذه المرتكزات المنهجية ينطلق الشهيد الصدر لاكتشاف نظرية قرآنية في الحكم والدولة، ليبني نظريته (نظرية الاستخلاف) مبتدءاً من الواقع لينتهي بالنص القرآني، حيث يبني أسس نظريته من فهمه وتفسيره للآيات القرآنية وربطها مع بعضها في إطار التفسير الموضوعي للقرآن.

4۔ عندما درس السيد الصدر التاريخ الإسلامي لاستنباط الفهم الصحيح للحكم وإدارة الدولة لابد أنه تمعن في تجربة دولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ولا يعني ذلك تغافل دولة الرسول صل الله عليه و آله ولكن هذه تعتبر دولة نبوية لا خيرة للمسلمين فيها أو اختيار رئيسها؛ لأن ذلك من اختيارات الإرادة الإلهية. أما الخلافة العلوية التي دامت أربع سنوات فهي تجربة عظمية جديرة بالتمعن والاقتداء. فرغم أن الإمام علي عليه السلام معصوم عن الخطأ، ومنصوص عليه في تولي الخلافة من قبل الله تعالى والرسول صل الله عليه و آله، لكنه عليه السلام تعامل مع قضية الحكم بعيداً عن العصمة والنص الإلهي. فلم يحتج بها بل دعا إلى شورى المهاجرين والأنصار، وجرى انتخابه انتخاباً شعبياً، حتى أنه عليه السلام أصر على أن تكون بيعته عامة في المسجد، وليست بيعة خاصة يتداولها أفراد محددون، ولا هي بيعة مؤامرة تجري في الظلام بعيداً عن رأي الأمة. من جانب آخر كان الإمام علي عليه السلام يستشير الأمة في قراراته ونشاطاته ويشرح لها أسباب اتخاذه تلك القرارات، ويطلب من الأمة أن يشيروا عليه، ولا يستثقلوا ذلك أو يخافوه. لقد أراد السيد الصدر تعديل مسار (علاقة الحاكم والمحكوم) التي تحولت عبر التاريخ إلى (علاقة السيد بالعبد) حيث تضمحل القيم وتضيع المقاييس ويبقى القهر والظلم مستشرياً في المجتمعات الإسلامية. إن جدلية الحاكم بالمحكوم تتجه نحو العبودية كلما تقلص دور الأمة وانتفخ دور الحاكم، والعكس صحيح حيث يجري تصحيح هذه العلاقة كلما استردت الأمة دورها وتم تحديد صلاحيات الحاكم.

5۔ من خلال تجربته في العمل السياسي، أدرك السيد الصدر أهمية الدور الذي تلعبه الجماهير في عملية التغيير ومواجهة الحاكم الظالم والاستبداد. فالجماهير هي أداة الثورة، وهي المعوّل عليها في بناء النظام السياسي البديل.[36] ولما كانت الأمة تحتل هذا الدور الرئيسي في العمل التغييري فلا يمكن نزع هذا الحق منها بعد تأسيس الدورة الإسلامية المرتجاة؛ لأن دورها سيتركز في حماية الثورة ودعم الدولة بعد العملية التغييرية[37]. وقد حافظ السيد الصدر على دور الأمة سواء في مبدأ الشورى أو في أطروحة ولاية الفقيه كما سيأتي فيما بعد.

نظرية الاستخلاف للسيد الصدر

في دراسته القيمة بعنوان (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) يبني السيد محمد باقر الصدر (1935 _ 1980) أطروحته لتأصيل نظرية الحكم في الدولة الإسلامية على مسارين:

الأول: مسار الاستخلاف؛ أي أن الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض. وهذا الخط يشمل كل النوع الإنساني.

الثاني: مسار الشهادة؛ الذي يمثل التدخل الإلهي من أجل صيانة المسار الأول (أي الإنسان الخليفة) من الانحراف والضلال وفيما يتعلق بدور الأمة ومشاركتها في الإشراف على شؤون الدولة يعتمد الصدر في صياغة معالم هذا الدور على أساسين هما:

أولاً: البناء العقائدي

في أطروحته (الأساس الإسلامي لخطي الخلافة والشهادة) يؤصِّل السيد الصدر لدور البشرية في الأرض، مستقرئاً القرآن الكريم[38] لبناء هذا الرأي حيث يصل إلى نتيجة بأن الله(عز) شرّف الإنسان بالخلافة على الأرض فكان الإنسان متميزاً عن كل عناصر الكون بأنه خليفة الله على الأرض. وبهذه الخلافة استحق أن تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور. وهذه الخلافة ليست لشخص آدم عليه السلام بل للجنس البشري كله؛ لأن من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ليس آدم بالذات بل الآدمية والإنسانية على امتدادها التاريخي.[39]

ويستمر السيد الصدر في تتبع مسار مفهوم الاستخلاف ليصل إلى أن استخلاف الله لخليفة في الأرض يشمل كل ما للمستخلِف(عز) من أشياء تعود إليه، والله هو رب الأرض وخيرات الأرض ورب الإنسان وكل دابة تنتشر في أرجاء الكون الفسيح. وهذا يعني أن خليفة الله في الأرض مستخلف على كل هذه الأشياء. ومن هنا كانت الخلافة في القرآن أساساً للحكم، وكان الحكم بين الناس متفرعاً على جعل الخلافة.[40]

وبذلك يؤسس الشهيد الصدر لموقع الأمة ومسؤولياتها ليس تجاه المجتمع ومؤسساته بل تجاه الأرض والكون. وهو بذلك يجعل دور الأمة مبني على أساس عقائدي وشرعي، رافضاً بذلك كل النظريات التي تعطي دوراً رئيسياً للشعب في إدارة الدولة وبناء مؤسساته، كما في الديمقراطية الغربية التي تستند على (نظرية العقد الاجتماعي). بالطبع يرفض بعض النظريات الإسلامية كنظرية القوة والتغلب، أو نظرية التفويض الإلهي الإجباري، أو النظريات الوضعية الأخرى كنظرية تطور الدولة عن العائلة، والنظرية الشيوعية، التي تلغي دور الأمة نهائياً في إدارة السلطة، وترسخ أسلوب الاستبداد والدكتاتورية. فهو يضفي على الأمة دوراً ربانياً لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو يخرقه، فالبعد العقائدي في دور الأمة يجعل الأمة في منأى عن الاجتهادات البشرية المتغيرة حسب الزمان والمكان. وبذلك يرسخ الشهيد الصدر أساساً قوياً في بناء أطروحته لدور الأمة في الدولة الإسلامية.

ويحدد الشهيد الصدر أهم مميزات الأمة التي يمكنها ممارسة هذا الدور وتحمل مسؤوليتها الإلهية أي الاستخلاف، وهي:

1ـ الالتزام بالحكم الإلهي

عندما يتناول قضية الحكم وإدارة الدولة، وهي من القضايا الرئيسية المتعلقة بالأمة، لا يكتفي بوضع الأمة في إطار عقائدي مقدس يمنحها القوة والاستمرارية، بل يوجب عليها، مقابل ذلك، الالتزام بالحكم الإلهي وتشريعاته بخطوطه العامة، تاركاً مساحة فقهية (منطقة الفراغ) لمستجدات العصر ومتطلبات كل شعب حسب ظروفه وزمنه. ولذلك يضع ضوابط لممارسة الأمة لهذا الدور فيقول إن (الجماعة البشرية التي تتحمل مسؤوليات الخلافة على الأرض إنما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله. ولهذا فهي غير مخولة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله(عز)؛ لأن هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف، وإنما تحكم بالحق وتؤدي إلى الله تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده).[41]

وبذلك فالأمة غير مطلقة الحرية في ممارسة دورها، أي يجب أن لا تخرج عن حاكمية الله في كل الأحوال. فليس من حقها الخروج عن حدود الشريعة. فيقارن الشهيد الصدر بين طبيعة حكم الأمة في الدولة الإسلامية وحكم الشعب في الأنظمة الغربية فيقول:

تتميز خلافة الجماعة بمفهومها القرآني والإسلامي عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية؛ فإن الجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة، ولا تنوب عن الله في ممارستها. ويترتب على ذلك أنها ليست مسؤولة بين يدي أحد، وغير ملزمة بمقياس موضوعي في الحكم بل يكفي أن تتفق على شيء ولو كان هذا الشيء مخالفاً لمصلحتها ولكرامتها عموماً، أو مخالفاً لمصلحة جزء من الجماعة وكرامته ما دام هذا الجزء قد تنازل عن مصلحة وكرامته. وعلى العكس من ذلك، حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف؛ فإنه حكم مسؤول، والجماعة فيه ملزمة بتطبيق الحق والعدل ورفض الظلم والطغيان، وليست مخيرة بين هذا وذاك، حتى أن القرآن الکريم يسمى الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأنها ظالمة لنفسها، ويعتبرها مسؤولة عن هذا الظلم، ومطالبة برفضه بأي شكل من الأشكال ولو بالهجرة والانفصال إذا تعذر التغيير، يقول تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ في الْأَرْضِ قٰالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً>[42].[43]

2ـ الحرية

وفي سياق أطروحته، يناقش السيد الصدر مسألة كلامية قديمة هي (مسألة الجبر والاختيار) فيميل إلى نفي الجبر ويؤمن بالاختيار. فالأمة مختارة في خياراتها وليست مجبرة مما يناقض الثواب والعقاب. إن تحمل الأمة هذه المسؤولية يقتضي أن تكون حرة، تكوينياً، أي غير مجبرة علی أداء هذه المسؤولية. (إذ بدون الاختيار والحرية لا معنى للمسؤولية. ومن أجل ذلك كان بالإمكان أن يستنتج من جعل الله خليفة على الأرض أنه يجعل الكائن الحر المختار الذي بإمكانه أن يصلح في الأرض، وبإمكانه أن يفسد أيضاً، وبإرادته واختياره يحدد ما يحققه من هذه الإمكانات).[44]

وإدارج السيد الصدر بحث هذه المسألة هنا، برأينا، لا تفسير له إلا أنه جاء في سياق البحث العقائدي لنفي أية شبهة حتى ولوكانت شبهة كلامية عن الأمة ووصفها بأنها مكرهة على ما تفعل، كي يستقيم بذلك البناء العقائدي الذي بناه.

إننا نعتقد أن الأمة لا تستطيع ممارسة دورها دون أن تتمتع بالحرية سواء من الناحية التكوينية أو في الواقع السياسي الذي تعيشه. فيجب أن تمارس دورها في إدارة الدولة دون أغلال سياسية أو قيود استبدادية؛ لأنه لا معنى أن تمنح حقها في إدارة الدولة من جانب، ومن جانب آخر تكبلها القوانين وممارسات الحاكم وأدواته وأجهزته.

ثانياً: التأسيس الفقهي

الدولة في فكر السيد الصدر لها علاقة مباشرة مع خلافة الإنسان لله من حيث هي أداة شرعية وضرورية للتغيير. فهي عنصر بنيوي لا في المشروع الحضاري الإسلامي فحسب، بل عنصر جوهري في الإسلام نفسه: (هي واجب شرعي وظاهرة حضارية) حيث لا وجود لقطيعة بين المادي والروحي، وبين السياسية والعبادة. فخلافة الإنسان ليست حالة روحية منعزلة عن الجانب الاجتماعي والتاريخي للبشرية. فالسير في طريق تحقيق الخلافة عبر التاريخ يقتضي وجود دولة.[45]

في تسلسل منطقي في انتقال المسؤوليات من الله تعالى إلى البشر يستعرض السيد الصدر هذا الانتقال من خلال التحول التاريخي لمسؤولية الإشراف على الدولة عبر المستويات الثلاثة التالية: 1۔ الأنبياء 2۔ الأئمة 3۔ المرجعية التي تعتبر امتداداً للنبي والإمام في خط الشهادة أي المراقبة والإشراف على التجربة الإنسانية. ولما كانت النبوة قد انقطعت بوفاة الرسول محمد صل الله عليه و آله، ودخول خط الإمامة في الغيبة الكبرى، فلم يبق اليوم ما يمثل هذا الخط سوى المرجعية الدينية؛ لأنها الامتداد الطبيعي للنبوة والإمامة.

والمرجع الشاهد ليس معيناً بالاسم، بل معين من الله تعالى بالصفات والخصائص، أي بالشروط العامة وهي:

1۔ أن يحافظ على الشريعة والرسالة، ويردّ عنها الشبهات والمكائد.

2۔ أن يكون هذا المرجع في بيان أحكام الإسلام ومفاهيمه ويكون اجتهاده هو المقياس الموضوعي للأمة من الناحية الإسلامية. وتمتد مرجعيته في العناصر المتحركة لا العناصر الثابتة في التشريع الإسلامي.

3۔ أن يكون مشرفاً ورقيباً على الأمة، ويتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها إذا انحرفت عن طريقها.[46]

أما التأسيس الفقهي لدور الأمة فيستند السيد الصدر على مبدأ الشورى انطلاقاً من قوله تعالى:

۔ <وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ>[47].

۔ <وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ>[48].

ثم يستنتج أن (النص الأول يعطي للأمة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشورى ما لم يرد نص خاص على خلاف ذلك. والنص الثاني يتحدث عن الولاية، وأن كل مؤمن ولي الآخرين. ويريد بالولاية تولي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه. والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية).[49]

السيد الصدر: من الشورى إلى ولاية الفقيه

يلاحظ أن السيد الصدر قد طور أفكاره من خلال تجربته والظروف السياسية والفكرية التي صاحبته. ففي بداية الستينات كان يعطي الأمة الدور الرئيسي في الحكومة الإسلامية. ففي بحثه الموسوم (الأسس الإسلامية) الذي صدر عام 1961 يعتبر أن (الحكم الشورى أو حكم الأمة في عصر الغيبة شكل جائز من الحكم، فيصح للأمة إقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الأحكام الشرعية ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدة منها. وتختار لتلك الحكومة الشكل والحدود التي تكون أكثر اتفاقاً مع مصلحة الأمة. وعلى هذا الأساس فإن أي شكل شوري من الحكم يعتبر شكلاً صحيحاً ما دام ضمن الحدود الشرعية. وإنما قيدنا الكيفية التي تمارس بها الأمة حق الحكم بأن تكون ضمن الحدود الشرعية؛ لأنها لا يجوز أن تختار الكيفية التي تتعارض مع شيء من الأحكام الشرعية، كأن تسلم زمام الأمر إلى فاسق أو فساق؛ لأن الإسلام نهى عن الركون إلى فاسق بالأخذ بقوله في مجال الشهادة فضلاً عن مجال الحكم ورعاية شؤون الدولة. فلابد للأمة حين تختار كيفية الحكم والجهاز الذي يباشر الحكم أن تراعي الحدود الشرعية).[50]

يلاحظ في النص الآنف الذكر أن السيد الصدر:

1۔ اعتبر مبدأ الشورى هو الأساس في شرعية الحكم الشوري، وليس بالضرورة المبدأ الوحيد. ففي موضع آخر يقول:

من الواضح أن شكل الحكم في الوقت الحاضر لم تعالج في نص خاص على مذهبي الشيعة والسنة معاً.[51]

2۔ لم يحدد شكلاً معيناً للحكم وإنما أعطى هذا الحق للأمة فهي التي تختار نوع وشكل الحكم بما يتفق ومصلحة الإسلام ومصلحة الأمة.

3۔ لم يفترض وجود دور معين للفقيه المجتهد في أصل شكل الحكم، وإنما تطرق إليه أثناء حديثه عن محدوديات الحكم الشوري. فهو يميل إلى منح المجتهد دوراً رئيسياً حتى في نظام الشورى، فهو الذي يتولى مسؤوليتين لا يشاركه فيهما غير المجتهدين الآخرين هما: 1۔ الإفتاء 2۔ والقضاء، حيث قال: في الشكل الشوري للحكم، الشكل الذي تقيمه الأمة في غياب المعصوم عليه السلام لا تملك الحكومة الحق في حصر ممارسة بيان أحكام الشريعة وتبليغها. كما لا تملك الحق في حصر ممارسة القضاء في الخصومات. كما لا يملك أحد من الحكومة أو غيرها حق القاضي الأعلى الذي يستطيع عزل القضاة وتعيينهم. ثم يتوصل إلى نتيجة أن هاتين المهمتين تنحصران بالمجتهد فقط، فهو يبيّن الأحكام الشرعية على أساس الإفتاء، وهو الذي يتولى القضاء لا غيره.[52] أما الحاكم فلا يفترض أن يكون المجتهدين، فإذا اختارت الأمة مجتهداً ليكون حاكماً، فقد اجتمعت فيه صفتا الحكم والإفتاء. وإذا لم يكن الحاكم فقيهاً فبإمكانه أن يختار اجتهاداً من عدة اجتهادات ليتبناه في الحكم ورعاية شؤون الأمة[53]. يلاحظ أن اختيار الحاكم بيد الأمة وليس عليها أن تختار المجتهد بل الأصلح لأداء مهام الحكم ورعاية القوانين. ويؤكد السيد الصدر على حق الأمة في عزل الحاكم حيث يقول: تقوم الأمة بعزل السلطة الحاكمة واستبدالها بغيرها؛ لأن العدالة من شروط الحكم في الإسلام، وهي تزول بانحراف الحاكم المقصود عن الإسلام فتصبح سلطته غير شرعية[54]. ويقترح السيد الصدر آلية مقاطعة للسلطة إذا لم ينصاع الحاكم لإرادة الأمة ويعتزل السلطة، حيث تبدأ الأمة، كما يقترح الصدر، بالممارسات التالية:

1۔ إمكانية عزل الحاكم بغير حرب أهلية.

2۔ إذا فشلت الخطوة أعلاه، يجب ردع الحاكم عن المعصية طبقاً لأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3۔ إذا استمر السلطة المنحرفة في الحكم فإن سلطتها تكون غير شرعية ولا يجب على المسلمين إطاعة أوامرها فيما يجب فيه إطاعة ولي الأمر إلا في الحدود التي تتوقف عليها مصلحة الإسلام العليا، كما إذا داهم الدولة خطر مهدد وغزو كافر فيجب في هذه الحالة أن يقف المسلمون إلى صفها _ بالرغم من انحرافها _ وتنفيذ أوامرها المتعلقة بتخليص الإسلام والأمة من الغزو والخطر.[55]

يلاحظ في الإجراءات المفترضة أعلاه لعزل الحاكم افتقادها لمؤسسة دستورية أو صفة قانونية تمهد لعزل الحاكم، فالسيد الصدر لم يتحدث عن مجلس شورى (برلمان) يتولى هذا الأمر بحجبه الثقة عن الحاكم، أو محكمة دستورية تلاحقه قضائياً لفقدانه الكفاءة والشروط المطلوبة للحكم. وبقيت قضية العزل مبهمة حيث لم يتضح كيف تقوم الأمة بعزل الحاكم بالطرق السلمية كما يرتأي السيد الصدر؟ وهل يكفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتعامل مع السلطات الدكتاتورية والأنظمة الاستبدادية؟ وكيف تتمكن الأمة أفراداً وجماعات من ردع الحاكم عن المعصية دون أن تتعرض لعقوباته وممارسات أجهزته القمعية، خاصة وأن موضوع النزاع هو السلطة؟

وفي نهاية السبعينات يلاحظ أن قناعة السيد الصدر قد تبدلت نحو الأخذ بمبدأ (ولاية الفقيه) أساساً للحكم في الدولة الإسلامية. ففي بحثه القيم (لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية) الذي صدر بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ينطلق السيد الصدر من وجود المجتهد المتصدي للحكم أساساً لشرعية الحكومة، ثم من وجوده تكتسب بقية مؤسسات الدولة شرعيتها. ومع هذا الدور الخطير للولي الفقيه لكن الشهيد الصدر يرى أن دور الأمة لا يقيده وجود الفقيه، بل تبقى تمارس دورها في الحكم من خلال:

1۔ انتخاب رئيس السلطة التنفيذية أو رئيس الجمهورية. ودور الفقيه هنا هو إمضاء فوز الرئيس وإسباغ القدسية والشرعية عليه كحاكم.[56]

2۔ انتخاب المجلس التشريعي (مجلس أهل الحل والعقد). ويتولى هذا المجلس الوظائف التالية:

۔ منح الثقة لأعضاء الحكومة التي يشكّلها رئيس السلطة التنفيذية.

۔ تحديد أحد البدائل من الاجتهادات المشروعة.[57]

۔ ملء منطقة الفراغ بتشريع قوانين مناسبة.

إن دور الأمة هنا قد اتسع بشكل باتت فيه صاحبة القرار في:

1۔ اختيار رئيس الجمهورية (السلطة التنفيذية).

2۔ انتخاب أعضاء البرلمان (السلطة التشريعية). ويعقّب السيد الصدر على ذلك بقوله (وبهذا ترتفع الأمة وهي تمارس السلطة إلى قمة شعورها بالمسؤولية؛ لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها خليفة لله في الأرض).[58]

3۔ ولا يعني ذلك أن مهمة اختيار أو ترشيح الولي الفقيه أصبحت خارج نطاق مسؤوليات الأمة بل أن دورها متبلور حتى في هذا الموقع الهام. فالسيد الصدر يرى أن اختيار أو وصول المجتهد للقيادة[59] يكون معتمداً على شهرته وسمعته بين أفراد الأمة، فيحيل قضية اختيار المرجع القائد إلى الطرق الطبيعية المتبعة عادة في الحوزة العلمية لاختيار المرجع المفتي، فيشترط (أن تكون مرجعيته بالفعل في الأمة بالطرق الطبيعية المتبعة تاريخياً).[60] وفي حالة تعدد المرجعيات المؤهلة للقيادة فيرى السيد الصدر أن يرجع في تحديد الأصلح للأمة عبر الانتخابات العامة، فيقول: (وفي حالة تعدد المرجعيات المتكافئة يعود إلى الأمة أمر التعيين من خلال استفتاء شعبي عام).[61]

هذا التأصيل الفقهي لدور الأمة في الدولة الإسلامية قد أعطى زخماً فقهياً وسياسياً لنظام الحكم الإسلامي كنظام حضاري بإمكانه مواجهة التغيرات السياسية والدولية والتكنولوجية. ولا ينسى السيد الصدر أن الحريات السياسية والدينية هي أقوى أسس أي نظام سياسي، لذلك يؤكد على أهمية توفير حرية التعبير السياسي والفكري، وحرية العمل السياسي سواء في تشكيل الأحزاب السياسية أو الجمعيات المهنية والنقابات، أو في تأسيس الصحف والمجلات ووسائل التعبير الأخرى.

فيصف الأمة بأنها (صاحبة الحق في الرعاية وحمل الأمانة. وأفرادها متساوون في هذا الحق أمام القانون، ولكل منهم التعبير من خلال ممارسة هذا الحق عن آرائه وأفكاره وممارسة العمل السياسي بمختلف أشكاله كما أن لهم جميعاً حق ممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية).[62]

المرأة والأقليات في المجتمع الإسلامي

وفي تأصيل فقهي فريد يؤكد السيد الصدر على دور المرأة دورها في المجتمع الإسلامي، فيمنحها صفة الولاية على بقية المجتمع دون تمييز أو تفاضل. ففي تفسيره لقوله تعالى: <وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ..>[63] يقول: (إن كل مؤمن ولي الآخرين، والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية).[64] وهذا الرأي بحاجة إلى مناقشة فقهية من أجل اكتشاف دور المرأة في المشاركة في السلطة وتولي المناصب العليا في الدولة الإسلامية. فالمرأة عانت من اضطهاد اجتماعي طوال التاريخ، وإن كان الإسلام قد أنصفها، لكن تلك المرحلة اقتصرت على العهد النبوي، وشطراً من العهد الراشدي، وسرعان ما أعيدت إلى الانزواء والعزل عن المجتمع في عصور الانحطاط السياسي للمسلمين.

ولا تقتصر هذه الحقوق والحريات على مواطني الدولة من المسلمين فقط، بل يجب أن (تتعهد الدولة بتوفير ذلك لغير المسلمين من مواطنيها الذين يؤمنون بالانتماء السياسي إليها وإلى إطارها العقائدي ولو كانوا ينتسبون دينياً إلى أديان أخرى).[65]

تأثير الصدر على دستور الجمهورية الإسلامية في إيران

لقد كانت لآراء ومؤلفات السيد محمد باقر الصدر تأثير كبير في إيران قبل الثورة وبعدها. وقد كتب بحثه (لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران) جواباً على سؤال وجهه جماعة من علماء المسلمين في لبنان وقد (كتبه لكي تستفيد منه القيادة الإسلامية في وضعها للدستور الإسلامي. وأرسله إلى الإمام الخميني بواسطة تلميذه البارز السيد محمود الهاشمي).[66] يوضح أحد الباحثين تأثير أفكار السيد الصدر على الساحة الإيرانية، حيث يقول شاؤول نجاش:

من جملة الكتب التي كان لها نفوذها الخاص كتاب (اقتصادنا) حيث كان مرجعاً للعلماء الإيرانيين الذين كانوا يبحثون عن مسوغ (شرعي) لتقييد الملكية الخاصة وتدخل الدولة في الاقتصاد.[67]

ويضيف نجاش:

ولقد أظهرت نظريات الصدر في التشريع (التقنين) لعصر ما بعد الثورة أهميتها عن ثلاث طرق، فقد قدّم تعريفاً محدداً وشروطاً للملكية، وأعطى الهوية لمساحة من الأحكام الثانوية والقوانين الاختيارية، بحيث يكون للدولة الإسلامية في تلك المساحة صلاحيات واسعة من أجل تنظيم الأمور الاقتصادية.[68]

لقد كان كتاب (الإسلام يقود إلى الحياة) يمثل مسعى جاداً لوضع أساس فلسفي _ فقهي للثورة الإسلامية في إيران، وهذا الكتاب في حقيقته مسودة لدستور الجمهورية الإسلامية، كتبه كي تستفيد منه القيادة الإسلامية في وضعها للدستور الإسلامي. وهناك شواهد وأدلة عديدة على أن الصدر كتب مسودة دستور الجمهورية الإسلامية قبل تدوينه من قبل مجلس الخبراء. وقام بعض الباحثين المعاصرين بمقارنة نصية موفقة بين مواد الدستور وبين ما ذكره السيد الصدر في بحثيه (لمحة تمهيدية) و(خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء).[69]

دور الأمة في دستور الجمهورية الإسلامية

أدرج مدونو الدستور الإيراني عام 1979 العديد من المواد الدستورية التي تمنح الأمة دوراً كبيراً سواء في الإشراف والمراقبة أو في الاختيار والانتخابات. فالمادة السادسة تحدد أسلوب الحكم بأنه (يعتمد على آراء الجماهير عن طريق الانتخابات: انتخابات رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وأعضاء مجالس الشورى المحلية ونظائرها، أو الاستفتاء في الموارد التي تعين في المواد الأخرى من هذا الدستور).

فيما عدا السلطة القضائية يمارس الشعب الإيراني دوره الرئيسي في اختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية والقائد أو الولي الفقيه. فالشعب ينتخب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى بالاقتراع المباشر. أما انتخاب الولي الفقيه فيكون بصورة غير مباشرة، حيث تنص المادة 107 على أن يقوم الشعب بانتخاب أعضاء مجلس الخبراء من بين الفقهاء والعلماء المرشحين له، ثم يقوم مجلس الخبراء بانتخاب الولي الفقيه من بين الذين لهم صلاحيات القيادة. وتمنح المادة 111 مجلس الخبراء حق عزل الولي الفقيه إذا عجز عن أداء الوظائف القانونية للقيادة أو فقد واحداً من الشروط المذكورة في المادة 109.[70] ولا يحدد القانون مدة معينة لبقاء الولي الفقيه في السلطة شأنه شأن رئيس الجمهورية (أربع سنوات) أو أعضاء مجلس الشورى (أربع سنوات) أو مجلس صيانة الدستور (ست سنوات) أو مجلس الخبراء، أي أنه لا ينعزل ما دامت الشروط متوفرة فيه، مما يشير إلى بقائه في السلطة حتى وفاته أو إذا أصيب بمرض شديد أو عاهة دائمة تمنعه من مزاولة عمله.[71]

ولتجنب إفراغ مجلس الشورى الإسلامي من مضمونه، ويغيّب بذلك دور الأمة، منح الدستور صلاحيات واسعة للمجلس حتى أصبح أقوى مؤسسة في البلاد. ولأول مرة في البلدان الإسلامية وبلدان العالم الثالث يصبح المجلس هو القوة الرئيسية في البلاد وليس المؤسسة العسكرية أو الحكومة. فمن صلاحية المجلس سحب الثقة عن رئيس الجمهورية وعزله.[72] ومن حق المجلس التدخل والتحقيق في جميع شؤون البلاد بلا استثناء (المادة 76)، كما أن من حق كل نائب إبداء وجهة نظره في كافة قضايا الدولة الداخلية والخارجية (المادة 84). ولأجل ذلك منح النائب الحصانة القضائية التي تحميه من الملاحقة أو الاعتقال بسبب وجهات نظره التي يعلن عنها سواء في المجلس أو خارجه (المادة 86). والمجلس هو الذي يمنح الثقة للوزراء الذين يختارهم رئيس الجمهورية كأعضاء في حكومته (المادة 87). كما أن المجلس يحاسب ويستجوب الوزراء في أية قضية، ومن حق المجلس عزل الوزراء أو مجلس الوزراء وذلك بحجب الثقة عنه (المادة 89).[73]

وكي لا تنحصر مسؤولية إدارة الدولة بالبرلمان وحده رغم أنه منتخب مباشرة من قبل الشعب، يؤكد الدستور على أهمية مشاركة كل مواطن حتى في أقصى قرية في صنع القرار وإدارة شؤون قريته ومدينته، وذلك من خلال مجالس الشورى البلدية، التي يجري انتخاب أعضائها من قبل سكان البلدة. فتؤكد المادة السابعة على أن (مجلس الشورى الإسلامي، مجلس شورى المحافظة، القضاء، القرية، المحلة وأمثالها من مراكز صنع القرار، وإدارة شؤون الدولة). هذا وتقرر المادة 103 على أن مسؤولي السلطة التنفيذية من (محافظين وقائمقامين ومدراء نواحي وكل المسؤولين المدنيين الذين يعينون من قبل الحكومة ملزمون بمراعاة قرارات مجالس الشورى المحلية التي تكون في نطاق صلاحياتها).

هذا وقد أعطت قيادة الثورة الإسلامية للأمة حق الانتخاب والاختيار للأمة حتى قبل وضع الدستور. فقد أجرت انتخابات واحدة واستفتائين شعبيين:

۔ اختيار أصل النظام الإسلامي، أي تم طرح السؤال التالي على الشعب: هل تريد الجمهورية الإسلامية أم لا؟ فصوّت لها 2/98% من المقترعين. وقد أجري الاستفتاء في العاشر والحادي عشر من شهر آذار عام 1979.

۔ انتخاب أعضاء لجنة وضع الدستور.

۔ استفتاء شعبي للموافقة على الدستور بعد تدوينه.[74]

والواقع أن الجمهورية الإيرانية قد التزمت بإجراء العديد من الانتخابات، سواء انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات أعضاء مجلس الشورى أو انتخابات أعضاء مجلس الخبراء وانتخابات المجالس المحلية. ولم تتوقف عن إجراء الانتخابات حتى في ظروف الحرب مع العراق (1980 ۔ 1988) حيث تعاقب ثلاثة رؤساء جمهورية أثناء فترة الحرب.

وتقرر المادة الثامنة مبدأ الرقابة الاجتماعية المتبادلة التي تدعو جميع أفراد الأمة لممارسة هذا المبدأ الإسلامي أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعتبره مسؤولية جماعية ومتبادلة، ليس بين الأفراد فحسب، بل بين الجماعات والحكومة، وذلك في عدة دوائر متداخلة هي:

۔ بين الناس بالنسبة لبعضهم البعض.

۔ الحكومة بالنسبة للناس.

۔ الناس بالنسبة للحكومة.

وهذا المبدأ بحاجة إلى تجارب عملية في الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي كي لا يجري تقييده بالقضايا الدينية كترك الصلاة ولبس الحجاب وغيرها، ولا بالأخلاقية كالامتناع عن الكذب والسرقة، بل يجب أن يأخذ موقعه في الإدارة والسياسة والصحافة والإعلام كي يأخذ هذا المبدأ صفة واقعية تساهم في نضجه وتطوره ويعطي للأمة دورها الواضح في النقد والتقويم والتسديد.

استنتاجات

1۔ شهد التراث السياسي الإسلامي تغييباً لدور الأمة الإسلامية في الحياة السياسية. وجرى إفراغ مبدأ الشورى والبيعة من مضامينها حتى أصبح وجود الأمة لمبايعة الخليفة قضية شكلية يراد بها إقناع العامة بأن تولي الخليفة شرعي.

2۔ ساعد فقهاء السلاطين على تغييب الأمة ودعم استبداد الحاكم من خلال آرائهم وفتاواهم وتنظيراتهم الفقهية التي أقصت دور الأمة ومنحت الخليفة والحاكم كل الصلاحيات.

3۔ في القرن التاسع عشر بدأت حركة الإصلاح السياسي من خلال بعض المصلحين كالسيد جمال الدين الأفغاني. ثم تطورت في بداية القرن العشرين عبر ثورة الدستور في إيران عام 1905، وإعلان الدستور العثماني عام 1908 حيث تم إقرار مبدأ مشاركة الأمة في السلطة عبر الانتخابات العامة، وتحديد صلاحيات الحاكم دستورياً.

4۔ انطلاقاً من منهجه في التفسير الموضوعي لاكتشاف النظرية القرآنية أكد السيد محمد باقر الصدر على دور الأمة في الدولة الإسلامية في (نظرية الاستخلاف). وقام بالتأسيس لهذا الدور من منظور عقائدي أضفى عليه صبغة مقدسة حيث الإنسان خليفة الله في الأرض، وأنه مكلف برعاية الكون وتدبير شؤون البشرية.

5۔ في إطار التأصيل الفقهي يصل السيد الصدر إلى نتيجة تجعل دور الأمة رئيسياً في أي نظام إسلامي سواء انطلق هذا النظام من مبدأ الشورى أو من نظرية ولاية الفقيه. ففي كلتا الحالتين لا تفقد الأمة دورها.

6۔ ساهم السيد الصدر في ترسيخ مبادئ دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وبات تأثيره ملحوظاً في صياغة مواده.

المصادر

۔ ابن أبي الحديد المعتزلي، (شرح نهج البلاغة)، مؤسسة الأعلمي، بيروت: 1995.

۔ جعفر عبد الرزاق، (الدستور والبرلمان في الفكر السياسي الشيعي)، مؤسسة الأعراف للنشر، قم: 1999.

۔ جعفر عبد الرزاق، (جمال الدين الأفغاني؛ دراسة في مرتكزاته الإصلاحية)، في مجلة (الفكر الجديد)، العدد الثاني، ص 115 ۔ 144، حزيران (1992).

۔ جلال الدين السيوطي، (تاريخ الخلفاء)، منشورات الشريف الرضي، قم: 1990.

۔ حسين بركة الشامي، (المرجعية الدينية من الذات إلى المؤسسة)، دار الإسلام، لندن 1999.

۔ الدينوري، (الأخبار الطوال)، منشورات الشريف الرضي، عن طبعة القاهرة: 1960.

۔ عبد الجبار الرفاعي، (منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي)، مؤسسة التوحيد، قم: 1998.

۔ عبد القادر عودة، (التشريع الجنائي الإسلامي)، مؤسسة البعثة، طهران: 1982.

۔ علي بن حاج، (فصل الخطاب في مواجهة ظلم الحكام)، الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بلا مكان أو تاريخ الطبع.

۔ الماوردي، (الأحكام السلطانية)، دار الكتب العلمية، بيروت: ؟

۔ محمد باقر الصدر (المدرسة الإسلامية)، في (المجموعة الكاملة لمؤلفات السيد محمد باقر الصدر)، ج 13، دار التعارف، بيروت: 1990.

۔ محمد باقر الصدر (الإسلام يقود الحياة)، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران: 1983.

۔ محمد باقر الصدر (المدرسة القرآنية)، دار التعارف، بيروت: 1981.

۔ محمد باقر الصدر (أهل البيت؛ تنوع أدوار ووحدة هدف)، دار التعارف للمطبوعات، بيروت: ؟

۔ محمد الحسيني، (محمد باقر الصدر؛ دراسة في سيرته ومنهجه)، دار الفرات، بيروت: 1989.

۔ محمد علي التسخيري، (حول الدستور الإسلامي في مواده العامة)، منظمة الأعلام الإسلامي، طهران: 1987.

۔ محمد رضا النعماني، (الشهيد الصدر؛ سنوات المحنة وأيام الحصار)، إسماعيليان، قم: 1997.

۔ محمد مهدى شمس الدين ، (نظام الحكم والإدارة في الإسلام)، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، بيروت: 1991.

۔ محمد جواد آل فقيه (أبوذر الغفاري)، دار الفنون، بيروت: 1980.

۔ محمد رشيد رضا، (الخلافة)، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة: 1994.

۔ محمد رشيد رضا، (مختارات سياسية من مجلة المنار)، تقديم: وجيه كوثراني، دار الطليعة، بيروت: 1980.

۔ محمد حسين جمشيدي، (دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الإسلامية في إيران)، في مجلة (قضايا إسلامية)، العدد الثالث، ص 258 ۔ 286 (1996).

۔ محمد عبد اللاوي، (فلسفة التاريخ من خلال كتابات الإمام الصدر)، في مجموعة باحثين (محمد باقر الصدر؛ دراسات في حياته وفكره)، ص 189 ۔ 296، دار الإسلام، لندن: 1996.

۔ المسعودي، (مروج الذهب ومعادن الجوهر) مؤسسة الأعلمي، بيروت: 1991.

۔ اليعقوبي، (تاريخ اليعقوبي)، منشورات الشريف الرضي، قم: 1991.

[1]. من ذلك عمله برأي (الحباب بن المنذر) في معسكر الجيش في (بدر)، واستشارته أصحابه في ملاقاة المشركين في أحد، فأخذ برأي القائلين بالخروج من المدينة. ومن ذلك استشارته لسعد بن معاذ زعيم الأوس وسعد بن عبادة زعيم الخزرج في إعطاء ثلث تمر المدينة لقبيلة غطفان لإقناعها بالخروج من تحالف الأحزاب في معركة الخندق، حيث استجاب لرأي سعد بن معاذ في عدم إعطائهم شيئاً. ومن ذلك العمل بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق.

[2]. مثلاً قول أحد الناس للخليفة الثاني عمر بن الخطاب وهو على المنبر في مسجد الرسول: لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسسيوفنا.

[3]. أمر عثمان بن عفان بضرب الصحابي الجليل عمار بن ياسر لأنه جاءه موفداً من بعض الصحابة ينتقدون أعماله (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص 37 -38). ونفى أباذر الغفاري لأنه اعترض على سياسته المالية والأوضاع السياسية (المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 378). وأهان الصحابي عبدالله بن مسعود وأمر بضربه لأنه رفض إحراق المصحف الذي عنده (تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 170). ومنع دفن الصحابي المقداد بن عمرو لأنه كان يرى أن علياً أحق بالخلافة، وغضب على عمار بن ياسر لأنه صلى على جنازة المقداد. ونفى مجموعة من الشخصيات البارزة في الكوفة منهم مالك بن الأشتر وصعصعة بن صوحان وأخيه زيد بن صوحان وعدي بن حاتم لأنهم اعترضوا على شعار رفعه والي الكوفة سعيد بن العاص بقوله: (إنما السواد بستان لقريش، ما شئنا أخذنا منه، وما شئنا تركناه) (محمد­جواد آل فقيه، أبوذر الغفاري، ص 91 نقلاً عن موسوعة الغدير للشيخ الأميني).

[4]. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 55.

[5]. محمد رشيد رضا، مختارات سياسية من مجلة المنار، ص 95، تقديم ودراسة وجيه كوثراني.

[6]. في ندوة شارك فيها الدكتور حسن حنفي والدكتور حامد نصر أبو زيد في روتردام بهولندا بتاريخ 30/5/1997.

[7]. جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 246.

[8]. تم ممارسة مبدأ الشورى في اختيار الخليفة الثالث، و(شورى الستة) اختارهم الخليفة عمر بن الخطاب ولم يكن للأمة أي دور في اختيارهم.

[9]. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ص 47.

[10]. محمد مهدي شمس الدين، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص 121.

[11]. م. ن، ص 121.

[12]. محمد الشربيني، مغني المحتاج، ج 4، ص 131، نقله محمد مهدي شمس الدين، نظام الحكم، ص 122.

[13]. أبي الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 11.

[14]. أذكر بعض النماذج التي أوردها جلال الدين السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء)، إذ يقول (تولى المعتز بالله بن المتوكل بن الرشيد سنة 252هـ وله من العمر 19 عاماً) (ص 359). وتولى المقتدر بالله الخلافة سنة 282هـ وله ثلاث عشرة سنة (ص 378). وتولى المستظهر بالله سنة 470هـ وله ست عشرة سنة (ص 426). وتولى الآمر بأحكام الله الفاطمي الخلافة سنة 459هـ وله خمس سنوات (ص 524)).

[15]. كتب التاريخ تعج بفجور وفسق وجرائم الخلفاء سواء قبل توليهم الخلافة أم بعدها. أذكر هنا بعض ما أورده السيوطي في (تاريخ الخلفاء) حيث قال: (وكان يزيد بن معاوية ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة) (ص 209). و(كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك الأموي فاسقاً، شرّيباً للخمر، منتهكاً حرمات الله، أراد الحج ليشرب الخمر فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه. ولما حوصر قال له الناس: ما ننقم عليك في أنفسنا، ولكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله. ولما قتل، وقطع رأسه وجيء به يزيد الناقص نصبه على رمح، فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد، فقال: بعداً له! أشهد أنه كان شروباً للخمر، ماجناً، فاسقاً، ولقد راودني عن نفسي. وقال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوط) (ص 250 – 251). وذكر السيوطي: قال ابن جرير: لما ملك الأمين (بن هارون الرشيد العباسي) ابتاع الخصيان، وغالى بهم، وصيرهم لخلوته، ورفض النساء والجواري) (ص 301).

[16]. محمد تقي النبهاني، نظام الحكم في الإسلام، ص 60.

[17]. علي بن حاج، فصل الكلام في مواجهة الحكام، ص 37. وبن حاج أحد قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.

[18]. م. ن، ص 44.

[19]. يرد علي بن حاج على الماوردي في أسلوب العهد لتولي السلطة ليصل إلى نتيجة أن (العهد بمعنى توارث الحكم أمر لا يجوز شرعاً)، م. ن، ص 40.

[20]. تناول الفقهاء أسباب عزل الحاكم مثل فقد العقل، فقد الحواس، فقد الأعضاء، الكفر، الفسق وغيرها، لكن لم يجر تطبيق هذه المبادئ في التاريخ الإسلامي، بل جرى العزل أحياناً لأسباب سياسية وتنافس الخصوم السياسيين والطامعين بالخلافة.

[21]. ص تنص المادة (111) من الدستور الإيراني على أنه من صلاحيات مجلس الخبراء عزل القائد (مرشد الجمهورية الإسلامية)، ولم تتم لحد الآن ممارسة هذا الحق كي يتسنى لنا تقييم هذا الأمر، فربما بقي نظرياً كما في كتب التراث الفقهي.

[22]. جعفر عبد الرزاق، جمال الدين الأفغاني: دراسة في مرتكزاته الإصلاحية، في مجلة الفكر الجديد، العدد 2، ص 115- 144، حزيران 1992.

[23]. جعفر عبدالرزاق، الدستور والبرلمان في الفكر السياسي الشيعي، ص 44 ۔ 45.

[24]. م. ن، ص 51.

[25]. م. ن، ص 52.

[26]. م. ن، ص 47 ۔ 48.

[27]. عبد الجبار الرفاعي، منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي، ص 54، في (سلسلة رواد الإصلاح: 1) .

[28]. محمد باقر الصدر، لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية، في (الإسلام يقود الحياة)، ص 9 .

[29]. محمد باقر الصدر، المدرسة الإسلامية، ضمن (المجموعة الكاملة لمؤلفات الصدر)، ج 13، ص 33.

[30]. محمد عبد اللاوي، (فلسفة التاريخ من خلال كتابات الإمام الصدر)، في (محمد باقر الصدر لمجموعة باحثين)، ص 202.

[31]. محمد باقر الصدر، (عناصر المجتمع في القرآن الكريم)، في (المدرسة القرآنية)، ص 142.

[32]. م. ن ، ص 139.

[33]. محمد باقر الصدر، (التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، في (المدرسة القرآنية)، ص 20.

[34]. م. ن ، ص 21.

[35]. م. ن، ص 27.

[36]. خاطب الشهيد الصدر الشعب العراقي في ثلاث بيانات قبل استشهاده يؤكد لإيمانه بدور الأمة حيث يقول (الجماهير دائماً أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة)، البيان الثاني الصادر في 10 شعبان 1399 الموافق 25 حزيران 1979. (محمد رضا النعماني، الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، ص 286). وخاطب الأمة في البيان الثالث والأخير قائلاً: (فلتتوحد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، من أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء العراق حر كريم، تغمره عدالة الإسلام، وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم إخوة، يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم..) (محمد رضا النعماني، م. ن، ص 307). كما خاطب الشعبين الإيراني والأفغاني في الأحداث الخطيرة (مجموعة باحثين، محمد باقر الصدر: دراسات في حياته وفكره،، ص 737 و756).

[37]. محمد باقر الصدر، (لمحة تمهيدية) في (الإسلام يقود الحياة)، ص 15.

[38]. قوله تعالى: <وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً قٰالُوا أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ..> (البقرة: 30).

وقوله تعالى: <إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفٰاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ> (الأعراف: 69)، وقوله تعالى: <يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ> (ص: 26)، وقوله تعالى: <هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاٰئِفَ في الْأَرْضِ> (فاطر: 39).

[39]. محمد باقر الصدر، (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) في (الإسلام يقود الحياة)، ص 130.

[40]. م. ن، ص 134.

[41]. محمد باقر الصدر، (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) في (الإسلام يقود الحياة)، ص 130.

[42]. النساء: 97.

[43]. م. ن، ص 137.

[44]. م. ن.

[45]. محمد عبد اللاوي، فلسفة التاريخ من خلال كتابات الإمام الصدر: في مجموعة باحثين (محمد باقر الصدر)، ص 240.

[46]. محمد باقر الصدر، (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) في (الإسلام يقود الحياة)، ص 170.

[47]. الشورى: 38.

[48]. التوبة: 71.

[49]. م. ن، ص 171.

[50]. محمد الحسيني، محمد باقر الصدر؛ دراسة في سيرته ومنهجه،، ص 351.

[51]. حسين بركة الشامي، المرجعية الدينية: من الذات إلى المؤسسة، ص 508.

[52]. م. ن، ص 508 ۔ 509.

[53]. م. ن، ص 508.

[54]. حسين بركة الشامي، المرجعية الدينية: من الذات إلى المؤسسة، ص 499.

[55]. م. ن، ص 500.

[56]. محمد باقر الصدر، (لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية) في الإسلام يقود الحياة، ص 12.

[57]. وهذه المهمة تعني أن بإمكان المجلس التشريعي رفض اجتهاد الولي الفقيه واختيار اجتهاداً آخر لفقيه آخر، سواء كان في السلطة أو خارجها، ولم يوضح السيد الصدر كيفية حل هذا الإشكال. إذن ماذا سيبقى من دور لاجتهاد الولي الفقيه؟ وهل يرضى هو بتنحية رأيه الفقهي من أخذ دوره في سير الحكم والتشريعات؟ في عهد الإمام الخميني (1900 ۔ 1989) الذي دام عشر سنوات (1979 ۔ 1989) كان مجلس صيانة الدستور هو الذي يقرر الأخذ باجتهاد معين، وليس بالضرورة رأي الإمام الخميني. لذلك اضطر الإمام عدة مرات للتدخل في دعم توجهات حكومة رئيس الوزراء مير حسين موسوي التي كانت تميل نحو العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، بينما كان أعضاء مجلس حماية الدستور يميلون إلى اقتصاد السوق وحرية العرض والطلب. وتجلى ذلك في عدة مشاكل مثل مشكلة الأراضي الزراعية التي يملكها الاقطاعيون الكبار، ومشكلة الإيجارات والتجارة الخارجية، ومشكلة ممتلكات الأثرياء الهاربين التي صادرتها حكومة الثورة في بداية انتصارها.

[58]. محمد باقر الصدر، (لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية) في الإسلام يقود الحياة، ص 11.

[59]. بعد وفاة الإمام الخميني في مايس 1989 اضطر مجلس الشورى الإيراني إلى إجراء تعديل يقضي بالفصل بين المرجعية الدينية وبين القيادة السياسية للدولة، أي عدم اشتراط أن يكون القائد مرجعاً دينياً.

[60]. محمد باقر الصدر، (لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية) في الإسلام يقود الحياة، ص 13.

[61]. م. ن، ص 14.

[62]. م. ن.

[63]. التوبة: 71.

[64]. م. ن، ص 171.

[65]. م. ن، ص 14.

[66]. محمد حسين جمشيدي، دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الإسلامية في إيران، في مجلة (قضايا إسلامية)، العدد الثالث، ص 272 (1996).

[67]. م. ن، ص 271.

[68]. م. ن.

[69]. م. ن.

[70]. منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979 تولى اثنان من الفقهاء منصب القائد أو الولي الفقيه هما الإمام الخميني للفترة (1979 ۔ 1989) والسيد علي الخامنئي (1989 ۔ ). ولم يمارس مجلس الخبراء حق عزل الفقيه لحد الآن، لكنه مارس شيئاً قريباً من ذلك عندما قام بعزل آية الله حسين علي منتظري من منصبه كنائب ومرشح لتولي القيادة بعد الإمام الخميني. وكان مجلس الخبراء هو الذي انتخب منتظري لهذا المنصب الفخري.

[71]. هناك من ينادي الآن بضرورة انتخاب الولي الفقيه من قبل الشعب مباشرة، وبتحديد سقف زمني لتوليه السلطة مثله مثل رئيس الجمهورية.

[72]. مارس المجلس هذه الصلاحية عام 1980 حيث صوّت مجلس الشورى الإيراني على حجب الثقة عن أول رئيس جمهورية إيراني هو أبوالحسن بني صدر فتم عزله، وإجراء انتخابات عامة جاءت بالرئيس الثاني محمد علي رجائي.

[73]. إجراءات منح الثقة لكل وزير تكون فردية أي يصوّت لكل وزير على حدة. وتسبق التصويت مناقشة وضع الوزير المرشح الشخصي وخبرته وماضيه وأهليته لتولي المنصب. ويقوم أعضاء مجلس الشورى بجمع معلومات كبيرة عنه، ويعرضونها أثناء المناقشة، فيتحدث المؤيدون والمعارضون لترشيحه. وبعدها يجري التصويت، ويحدث أحياناً أن يرفض ترشيحه، فيطلب من رئيس الجمهورية ترشيح آخر محله.

[74]. محمد علي التسخيري، حول الدستور الإسلامي في مواده العامة، ص 95.