في الذكرى الأولى لاستشهاد السيد محمد باقر الصدر
كان المهم أن نستفيد من هذه المناسبة ببعض الكلمات للسيد الشهيد صاحب الذكرى رحمه الله عليه، وكنت أفكر أن لا أتحدث عن حياة السيد الشهيد في الجانب العلمي أو الجانب الأخلاقي أو الجانب الديني لأن الحديث عن هذه الجوانب مهما بلغ فهو حديث قليل قد لا يليق بمكانة صاحب هذه الذكرى ولكن فكّرت أن نأخذ دروساً من حياة السيد الشهيد باستعراض بعض مواقفه وبعض معالم حياته، نأخذ دروساً بوصفنا أبناء هذه المدرسة وتلاميذ لهذا الخط ولكن بمحضر الشيخ بشيري الذي هو من أكابر المجاهدين في العراق..طبعاً لا أقول هذا لأني أمامه إنّما للحق يقال هذا الكلام في كركوك ومنطقة (تسعين) بالخصوص ومناطق أخرى كان هناك ممثلاً للوجود الديني وجامعاً لشباب المنطقة وكافة طبقاتها، وهو ابن بار من أبناء السيد الشهيد رحمة الله عليه وممن تتلمذ على يده لا في العلم فقط وإنما علماً وتربية وديناً ولهذا سماحة الشيخ بالحقيقة ليس أستاذاً ولم يكن عالماً في منطقته، وإنما كان أستاذاً وعالماً ومربياً، والتربية عنصر يقل فينا حقيقة، وأنا أستشعر هذا النقص فينا جميعاً نحن في الجوانب العلمية قد نبلغ مبلغاً عظيماً أو قليلاً لكن قليل منّا من يبلغ جوانب التقوى والتربية، عنصر المثل السامي للآخرين، ذاك المثل الذي كانت مدرسة الإمام الصادق تريده أن نكون من عباد الله الصالحين في خلقنا وفي ذكرنا لله تبارك وتعالى، قلّ من يوجد منّا وهو يحمل هذه المواصفات رغم أنّ العلم ما أكثر العلم وأقل التقوى وأقل تطبيق العلم وأقل العمل بما يريده منّا العلم، وخصوصاً ما تريده منّا مدرسة الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام، ومدرسة تلميذه السيد الشهيد رحمه الله تعالى الذي كان يحرص حرصاً كبيراً على تربيتنا، لا في الجوانب العلمية وإنما في الجوانب العلمية والأخلاقية وأن نكون مثلاً سامياً كما قال الإمام عليه السلام: كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، بحضور الشيخ الذي أنا أعتبره لنفسي على أي حال مربياً وطلبت منه مراراً أن يجعل لنا درساً في الأخلاق والتربية ولو جعل لكنت أول الحاضرين لأن العلم لا قيمة له إن لم تكن معه تربية، وإن لم يبلغ الإنسان في روحيته تلك المطالب التي يدرسها في الدروس العلمية لكن من حيث أنه لا يوجد في قم إلا قليلاً، ولهذا لا يستطيع أن يقيم هكذا درساً … على أي حال هذه المناسبة نرجو أن يتفضل علينا ببعض ما يراه مناسباً لمدرسة السيد الشهيد أما معالم السيد الشهيد وشخصيته والدروس التربوية التي يجب أن نأخذها من السيد الشهيد ولهذا اليوم أنا أيضاً أستفيد معكم من سماحة الشيخ (الشيخ البشيري) :
بسم الله الرحمن الرحيم … الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولو الألباب) .. حديثنا بشكل مختصر ومجمل فليكن حول موضوعين متعلقين بالسيد الشهيد أعلى الله مقامه، الموضوع الأول حديث عن تاريخ حياته رضوان الله عليه، والموضوع الثاني حديث عن العمل الذي يُرضي هذا الرجل العظيم، أما الموضوع الأول فلا شك أن السيد الشهيد أعلى الله مقامه كان رجلاً تاريخياً عظيماً وهذا يعني أن هذا الأمر يمكن أن يُقال لم يختلف فيه اثنان وهذا الرجل العظيم يمكن أن يُقال كان نادراً نادراً في علمه … كان نادراً في تقواه ..كان نادراً في تواضعه….كان نادراً في زهده…. كان نادرا في ورعه… كان نادراً في جميع أخلاقه الإسلامية، فهذا الرجل عندما تأتي إلى تواضعه كان هذا الرجل العظيم متواضعاً وأنا أذكر عندما حضرت درسه يوماً وقد أتى إلى مجلس الدرس فرأيته، متأثراً حزيناً ومهموماً فسألته: لماذا هذا الحزن والتأثر أهناك موضوع خاص تهتم به؟ قال: لا أنا قلما أتأثر لوضعي الخاص وإنما أتأثر للوضع العام للوضع الإسلامي. وهذا التأثر إنّما كان بسبب اعتقال أحد الطلبة من كربلاء برغم أن هذا الرجل العظيم لم يكن له أي ارتباط وأي علاقة حوزوية واجتماعية مع هذا الطالب ولكن حيث أنّه طالب من طلاب العلم يُعتبر عالماً على كل حال من علماء الحوزة لا عالماً كبيراً ولا مجتهداً طالب علم حيث أن هذا قد أعتقل، رأيت هذا الرجل العظيم رأيته مهموماً حزيناً وخذْ مثالاً آخر من تواضعه رضوان الله عليه، قال لي يوماً: لو يقال في أوساط الحوزةأن السيد الصدر يُعتبر خادماً للمرجع الفلاني للسيد الخوئي، لو يقال هذا لهو أهون وأحب إلي أن يقال بأنّ السيد الصدر له حزازة أو برودة مع السيد الخوئي.
وكان دائماً يتحفّظ على المصالح الإسلامية .. ومن اهتمامه بالأمّة، كان يسألني كثيراً عندما آتي إلى النجف الأشرف وأتشرف بزيارته رحمة الله عليه كان يسألني عن وضع المنطقة عن وضع إخواني المؤمنين عن وضع الجماعة المخصوصين وعندما كنت أستأذن من خدمته، كان يقول: بلّغ سلامي إلى إخواني المؤمنين .. فهذا لا ريب ولا شك إن دل على شيء فإنما يدلّ على اهتمامه البالغ للأمّة الإسلامية حقيقة، وعندما تأتي مولانا إلى ورعه.. إلى زهده أنا لحد الآن ما سمعت من هذا الرجل العظيم غيبة (كلمة غيبة لا إيماء ولا تصريحاً ولا إشارة، عندما تأتي إلى زهده فهذا الرجل العظيم كان في يده أموال طائلة ولكن هذا الرجل العظيم عاش ولم يكن له بيت، لم يبتاعِ له بيتاً متواضعاً، بيتاً صغيراً ولا اهتم بهذه القضايا المادية الدنيوية بينما تعرفون أن العادة السائدة في أوساط الحوزة العلمية في قم أو في النجف الأشرف نوعاً وغالباً نرى أن الطلبة بما فيهم الكبار من العلماء، يهتمون بشراء البيوت وبشراء القصور ولكن هذا الرجل العظيم حيث أنّه كان زاهداً وراغباً عن الدنيا وما فيها، ولذا لم يشترِ لنفسه بيتاً واسعاً ولا صغيراً متواضعاً. إذاً في الحقيقة والواقع هذا الرجل بمعنى الكلمة قد اقتدى بجده أمير المؤمنين سلام الله عليه بتقواه بورعه وأخلاقه وكان يهتم بالطلبة اهتماماً بالغاً.. هذا هو الموضوع الأول من تاريخ حياته، طبعاً أنا حقيقة لا أستطيع أن أصف هذا الرجل العظيم الرجل التاريخي لا أستطيع أنا شخصياً أقسم بالله لا أستطيع أن أصف مثل هذا الرجل العظيم رضوان الله عليه وقدّس الله نفسه الزكية.. وأمّا الموضوع الثاني وهو نحن بأي عمل يمكننا أن نُرضي هذا الرجل العظيم بأي عمل، هل يمكننا أن نرضي هذا الرجل بذكرنا إياه أو بترحمنا عليه بأن نقول حينما يذكر اسمه الشريف نقول قدس الله نفسه أو رحمة الله عليه أو رضوان الله عليه أو يمكننا أن نرضيه بأن مثلا نصلي له أو نزور نيابة عنه أو نحج نيابة عنه أو نقرأ القرآن ونهدي ثواب قراءة القرآن إلى روحه الطاهرة؟ بأي عمل يمكننا أن نُرضي هذا الرجل العظيم؟ أنا برأيي لا يمكننا أن نُرضي هذا الرجل العظيم إلا بشيء واحد بعمل واحد وهذا العمل عبارة عن أن نحيي خطّه وننهج سلوكه ونسير في سبيله وهو سبيل الجهاد وخط النضال والكفاح، يعني كما أن هذا السيد الشهيد أعلى الله مقامه جاهد وكافح وناضل من أجل هذه الأمّة المظلومة من أجل هذه الأمة المستضعفة من أجل هذه الأمة المقبورة المغصوبة حقها، ناضل جميع آناته ولحظاته حتّى في لحظات دروسه كان يشيد بلزوم ووجوب الكفاح في سبيل نجاة الأمّة الإسلامية بوجه الطغاة والظالمين فكذلك لا بد أن نسير نحن على خطّه وهو الخطّ المستقيم بأن نناضل ونكافح ونجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ونستعد بأن نبذل أعزّ ما نملكه من الحياة أي شيء أعزّ لنا من الحياة طبعاً أن نبذل الروح كما أن هذا السيد العظيم هذا الرجل العظيم قد بذل نفسه ونفيسه في سبيل الإسلام وفي سبيل إنقاذ هذه الأمّة المظلومة من كابوس هؤلاء الظالمين حتّى ضحّى نفسه الشريفة في سبيل الله عزّ وجلّ ولم يرضَ بان تعيش أمّته وشعبه أذلاء مستضعفين وإنما أراد العزّة والمجد لأمّته وإلا فكلكم تعرفون، بل كل أحد يعرف بأن السيد الشهيد لو قال كلمة واحدة أرادوها من هذا الرجل العظيم أن يقولها حتّى يتركوه وما يشاء ما هي هذه الكلمة! الكلمة هي بأن يقول السيد الشهيد أنا ليس لي علاقة وارتباط مع الإمام الخميني، فهذه الكلمة واحدة ولكن حيث أن هذا الرجل العظيم رأى أن هذه الكلمة تجلب للأمّة ذلاً حقيقياً وخزياً وعاراً لم يستعد بأن يقول هذه الكلمة الواحدة وإنما استعد للشهادة بكمال الشوق وتمام الرغبة، أنا سمعت من أحد أقربائه، قال حينما أتت إليه السلطة الكافرة لأن تأخذه إلى بغداد، فهذا الرجل العظيم كأنه قد عرف وعلم بأنّ هذا أخرّ الذهاب إلى بغداد سوف لا يرجع من بغداد حياً .. يقول عندما عرف هذا قام من مكانه كالأسد كما أن الحسين صلوات الله عليه كلما كانت المحن تشتد عليه كان يستبشر وذلك لأن هذه المحن كانت وسيلة للانتصار، واقعاً كذلك هذا الإمام العظيم وهذا السيد الشهيد أعلى الله مقامه حينما علم بأنه يذهب إلى بغداد لأجل الشهادة والاستشهاد يقول: قام من مكانه كالأسد
نل نفسه ونفيسه في سبيلنا في سبيل عزتنا وفي سبيل مجدنا وفي سبيل حياتنا واقعاً فإذاً لا بد وأن نبذل أيضاً نحن أعزّ ما لدينا وأحبّ على أنفسنا في سبيل هذا الرجل العظيم حتى نُرضيه ونُرضي روحه الطاهرة، فإذاً أيها المؤمنون ينبغي علينا بل يجب علينا أن نكافح ونجاهد في سبيل الإسلام بأقلامنا.. بأنفسنا.. بألسنتنا.. بمطالعاتنا الإسلامية وبجهادنا وجهودنا حتّى يفتح الله بيننا وبين هؤلاء القوم الظالمين.. اللهم افتح بيننا وبين هؤلاء الظالمين وأنت خير الفاتحين… وفقنا الله وإياكم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.