ولم يقتصر الإسلام على شجب أهداف الجاهلية وقيمها عن الحياة، بل وضع بدلًا عنها الهدف الذي يجب أن تسير في اتّجاهه. قال سبحانه وتعالى: «تَبَارَكَ الّذي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ* الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُو...
عملیة التحریر من الداخل
وقد استطاع الإسلام بعملية التحرير من الداخل وبتحقيق متطلّبات الجهاد الأكبر أن ينبِّه في النفوس الخيِّرة كلّ كوامن الخير والعطاء، ويفجّر فيها طاقات الإبداع على اختلاف انتماءاتها الطبقية في المجتمعات الجاهلية، فكان الغنيّ يقف إلى جانب الفقير على خطّ المواجهة للظلم والطغيان، وكان مستغِلّ الأمس يندمج مع...
الورثة الشرعيّون للجماعة البشرية..
أمّا المستضعفون فمن يواكب منهم الظلم ويسير في اتّجاهه ويخضع للإستغلال يعتبر في المفهوم القرآني ظالماً لنفسه وبالتالي خائناً لأمانته، فلا يكون جديراً بالخلافة. ويظلّ في موقعه من الخلافة اولئك المستضعفون الذين لم يظلموا أنفسهم ولم يستسلموا للظلم، فهؤلاء هم الورثة الشرعيّون للجماعة البشرية في خلافتها، ...
النظرة العميقة إلى السماء..
إنّ الحکومة الإسلامیة لا تنتزع من الإنسان نظرته العميقة إلى السماء، وإنّما تُعطي له المعنى الصحيح للسماء، وتسبغ طابع الشرعية والواجب على العمل في الأرض بوصفه مظهراً من مظاهر خلافة الإنسان للَّه على الكون، وبهذا تجعل من هذه النظرة طاقة بناء، وفي نفس الوقت تحتفظ بها كضمانٍ لعدم تحوّل هذه الطاقة من طا...
من شريكٍ إلی أداة..
بنفس الدرجة التي إستطاعت النظرة إلى الأرض لدى الإنسان الأوروبّي أن تفجِّر طاقاته في البناء، أدّت أيضاً إلى ألوان التنافس المحموم على الأرض وخيراتها، ونشأت أشكال من إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ لأنّ تعلّق هذا الكائن بالأرض وثرواتها جعله يضحِّي بأخيه ويحوّله من شريكٍ إلى أداة. الإسلام يقود الحياة، ...
من دارٍ للتربية إلى أرضٍ لِلَّهو والفساد..
من أجل أن ينتزع الإسلام من الفرد المسلم هذا التعلق الشديد بالدنيا وهمومها أعطى للدنيا حجمها الطبيعي، فالدنيا حينما تتّخذ كهدفٍ تتعارض مع الآخرة- أي مع عملية البناء العظيمة التي تدعو إليها الآخرة وتحث عليها- تتحوّل من دارٍ للتربية إلى أرضٍ لِلَّهو والفساد: «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَ...
النظرة الإسلامية إلى الدنيا..
لكلّ إنسانٍ يؤمن بالنظرة الإسلامية إلى الدنيا ويجسِّدها في سلوكه أن يأخذ من الدنيا ويستمتع بالحلال من طيّباتها بقدر حاجته؛ لأنّ الدنيا وضعت في الأساس لسدّ الحاجة لا للإكتناز والتكاثر، وما دامت لا تشكِّل للإنسان هدفه وإنّما تجدِّد قدرته باستمرارٍ على مواصلة الكدح في طريقه إلى ربّه وتحقيق هدفه، فمن ال...
التغییر في شکل الرعایة..
كان بالإمكان أن يستنتج من جعل اللّه خليفةً على الأرض أنه يجعل الكائن الحر المختار، الذي بإمكانه أن يصلح في الأرض وبإمكانه أن يفسد أيضاً، وبإرادته واختياره يحدِّد ما يحقِّقه من هذه الإمكانات: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً» [الإنسان: ٣]. وأكبر الظن أن هذه الحقيقة هي ا...
إنه حکم مسؤول
تتميز خلافة الجماعة بمفهومها القرآني والإسلامي عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية، فإن الجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة، ولا تنوب عن اللَّه في ممارستها، ويترتب على ذلك أنها ليست مسؤولة بين يدي أحد، وغيرُ ملزمة بمقياس موضوعي في الحكم، بل يكفي أن تتّفق على شيء ولو كان هذا الشيء مخالف...
خلیفة لا یحکم بهواه..
الجماعة البشرية التي تتحمل مسؤوليات الخلافة على الأرض إنما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله، ولهذا فهي غير مخوّلة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف، وإنما تحكم بالحق وتؤدي إلى الله تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده. الإس...