بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحن اليوم في (ماه شهر) صحبة الشيخ محمد رضا النعماني، الرجل الذي عاش مع السيد عشر سنوات تقريباً، وعاش في أهم فترة من فترات حياة السيد الشهيد هي فترة احتجازه التي دامت تسعة أشهر وهو مطلع على أغلب مشاكله وأوضاعه والحياة اليومية للشهيد الصدر وخصوصاً في أيام احتجازه، نحن اليوم معه في حوار كي نطلع على ما في ذهنه من ذكريات عن السيد الشهيد، وهذا اليوم هو يوم الاثنين (الحادي والعشرين من شهر شعبان المبارك المصادف لـ 24 خرداد من عام 1361 هـ ـ ش.
س: كيف كانت علاقتكم بالشهيد الصدر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، أول ما جئنا للنجف كنا مجموعة طلبة مدينة واحدة وهي النعمانية وكنت أحدهم، والشخص الذي جاء بي إلى السيد هو احد الشهداء وهو الحاج (نعيم) رحمة الله عليه، وكان من مقلدي السيد في ذلك الوقت.
س: من زمن المرحوم السيد محسن الحكيم! السيد طبعاً في تلك الفترة لم يكن مرجعاً مشهوراً.
س: هذا كان في أي سنة
ما أذكر بالضبط إنما أظن أواخر الستينات حدود 1969م هكذا، فقال أترون السيد ـ السيد الصدر طبعاً ـ نحن سمعنا به من قبل في النعمانية فذهبنا للسيد رضوان الله عليه، وبارك على الخطوة أن نكون طلاب علم، وشجعنا على ذلك، وطلب من المجموع – وكنا أربعة – أنه لا نغادر النجف لمدة عام كامل أي لا نروح لأهلنا لمدة سنة كاملة.
س: انت جئت كطالب للدرس؟
نعم، قال لا تذهبوا لأهلكم لمدة سنة كاملة وعلة ذلك أراد رضوان الله عليه حسب ما علل هو انه بعد السنة حينما ترجعون وأهل المدينة نظرتهم متغيرة عنكم فهم سيرونكم بعين أخرى، عندكم علم وقد تطورتم وتغيرتم ـ وهذه هي العلة ـ العلاقة الحقيقية نشأت بالسيد من ذلك اليوم، نشأت محبة خاصة للسيد رضوان الله عليه، إلى أن كتب كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، وكان السيد يسكن يومئذ في منطقة الخورنق قرب ثانوية النجف في بيت الشيخ نصر الله الخلخالي، فاحتاج أن يستنسخ كتاب الأسس المنطقية بخط جيد حتى يقدم للمطبعة، أنا في ذلك الوقت كنت أدرس عند السيد محمد الغروي وكان السيد محمد الغروي يطلب منا (امتحانات تحريرية) وكان خطي يعجبه، وكان السيد رضوان الله قد سأل من خطه جيد من الطلبة، فالسيد محمد قال له الشيخ محمد رضا، فأرسل السيد رضوان الله عليه إلى بيته.
س: هذا بعد أي مقدار من وجودك في النجف؟
حدود سنة بالضبط ـ ما أذكر، فاختبرني في المجلس قال لي أكتب وأعطاني ورقة وقلم، كتبت (بسم الله الرحمن الرحيم) فرآه فقال (زين) فأعطاني مجموعة أوراق من الأسس المنطقية للاستقراء وقال تكتبها في البيت يعني لا تأخذها معك للمدرسة، بل تبقى بالبيت تكتبها، في ذلك الوقت كنا ثلاثة مكلفين بمهمة كتابة الأسس المنطقية للاستقراء أنا، والشهيد السيد عز الدين القبانجي، والشهيد السيد عماد التبريزي، كنا جميعاً نستنسخ كتاب الأسس المنطقية، طبعاً كتاب الأسس المنطقية استغرق مني أن أتردد إلى بيت السيد فترة معينة حتى انتهى الكتاب وحين انتشر كتاب الأسس المنطقية أخذت مكانة السيد بالصعود بالتدريج وعرف أزيد في الأوساط إلى أن احتاج بضغط وإلحاح من مقلديه إلى أن يعلق على منهاج الصالحين، وتعليق الشهيد معروف على منهاج الصالحين، فحينئذ كلفني رضوان الله عليه أن أقوم باستنساخ تعلقيه هو على منهاج الصالحين بالرسالة الكبيرة والموجز (مختصر منهاج الصالحين )وكنت أنا أيضاً أنقل حاشية السيد على نفس الرسالة، هذه العملية استمرت عدة أشهر بهذه الصورة وكان هناك شيخ آخر يدعى الشيخ الخراساني أو الشيخ غلام رضا عرفانيان وهو كان أيضاً أحد الأشخاص المحبين للسيد ويعيننا بقضايا التعليقات؛ ولكن كان بشكل جزئي أي ما كان متبنياً جميعها، بعد هذا السيد رضوان الله عليه كتب كتباً عديدة بين كراسات وكتب وأصبح يقترب إلى شكل المرجعية.
س: تعني إجمالية؟
هكذا صارت مرجعيته بالتدريج وبحيث صرت أنا الكاتب الرسمي للسيد رضوان الله عليه والقضايا الكتابية بشكل عام كانت مناطة بي حقيقة، طبعاً صارت أزمات مرت على السيد كسنة (1974م) وأخذت الأحداث بالتدريج تقوّي الصلة بيني وبين السيد رضوان الله عليه.
س: ماذا تعرفون شيخنا عن طفولة السيد الصدر؟
السيد رضوان الله عليه أنا سامع من عنده أو سامع من والدته أو سامع من الشهيدة أخته حدثت كم مرة عن السيد رضوان الله عليه أختصر الكلام بهذا الشأن.
س: نريد مفصل الكلام؟
هذا المختصر أنا مجبور عليه لأن أكثره لا أعرفه، وقد يكون السيد لا يرضى أن تنكشف كل جوانب حياته.
س: السيد ذهب إلى ربه،
فأنا أنقل لك ما سمعته.
س: ببيان مسهب إذا أمكن.
السيد رضوان الله عليه عاش طفولة إن صح التعبير (معذبة)، والدة السيد كانت من خلال بلية فقد الأولاد إذ كانت تلد ويموتون؛ لكن شاء الله عز وجل أنه يبقى لها ثلاثة، المرحوم السيد إسماعيل والشهيد الصدر رضوان الله عليه والشهيدة بنت الهدى.
س: كم طفل لم يعش؟
كثيرون.
س: عددهم؟
لا يقلون عن سبعة، على كل، فالسيد أيضاً بعده في أول طفولته في أول حياته؛ إذ كان صبياً لعله لا يعرف من الحياة أكثر الأشياء، بحيث يدري وكان عنده إحساس بأبيه ولكن لا يملك صورته مثلاً، وكيف كانت، فبهذا السن توفي المرحوم والده المرحوم السيد حيدر الصدر، حيث نقل الحاج علي اعتماد أنه كان يرى السيد حيدر على ما نقل السيد رضوان الله عليه وهو الصادق المصدق أنه ما كان تلك الليلة عندهم قوت ليلتهم، ما كان عندهم عشاء، والسيد حيدر كان مرجعاً يوم توفي كان مرجعاً وله مقلدون؛ ولكنه توفي ما كان عنده من حطام الدنيا سوى ما يسدّ رمق أولاده من بعده، وكانت حالة الفقر هي الحالة السائدة في حياتهم العائلية.
شيخنا، كان السيد الصدر يشخص ملامح والده؟
بشكل ضعيف، فتبناه طبيعياً أخوه السيد إسماعيل رضوان الله عليه، وهو الذي اشرف عليه وعلى دراسته وعلى تربيته، والسيد إسماعيل كان معجباً بأخيه الصدر؛ لأنه كان يستشعر منه الذكاء والعبقرية. وكان يتنبأ له بمستقبل مرموق، كبر بعد ذلك السيد رضوان الله عليه وما زالت هذه حالة الفقر هي الحالة المسيطرة،
س: كان رجل آخر مع السيد إسماعيل هو السيد عبد الحسن، من هذا؟
ذاك خادمهم اسمه عبد الحسن لم يكن سيداً.
س: كان مع السيد؟
كان خادم السيد حيدر يتولى شؤون البرّاني، وكان هذا عبد الحسن كما يقولون مثل المربي للسيد، أفرض أن السيد كان طفلاً، السيد إسماعيل أيضاً كان مشغولاً في أمور دراسته، فعبد الحسن هذا كان خادماً في بيت السيد حيدر وبقي وفياً بعد ما توفي السيد حيدر رضوان الله عليه لهذه الأسرة وبقى يخدم عائلة السيد حيدر بهذا المعنى، أفرض أن الطفل يحتاج إلى إدارة شؤونه إلى بعض الأشياء قد تقوم به الأم وقد يقوم به الخادم، والأب غادر الحياة، بهذا المعنى، لا بمعنى التربية بحيث إنه هو الذي علّمه وفهّمه ودرسه، لا، ليس كذلك. انتقل بعد ذلك السيد رضوان الله عليه إلى النجف للدراسة أيضاً، درس في النجف وكان لا يزال الفقر هو الطابع العام له وإن كان اختلفت الصورة وتغيرت الحياة، تغيرت الصورة بشكل عام.
س: هل السيد تحدث عن بعض أنماط الفقر إن صح التعبير أو صور الفقر وعن بعض هذه الأمور؟
أنا لم أسمع من السيد غير هذه الكلمة أنه قال لي أنه حين توفي والدي رحمة الله عليه ما كان عندنا تلك الليلة ما نتعشى به فهذا يكفي لكي تعرف الحالة التي عاشها السيد.
س: عملية الانتقال من الكاظمية هل لك علم بها، وبأسبابها؟
لا، لا علم لي بها، بحيث أنا كان بنائي في وقتها أن أجلس مع والدة الشهيد رضوان الله عليه وأسجل لها بعض الأسئلة أو أجيء إلى البيت أسالها أو تتحدث، ولكن كلفتنا أحداث رجب وبرقية السيد الخميني وغيرها من الأمور، وأنهت الأمر قبل أن ننجز هذه المهمة.
س: متى كانت بداية دراسته الحوزوية؟
يمكنك أن تسأل عنها السيد محمود الهاشمي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد كاظم الحائري، فهم أقدم مني حيث عاشروا السيد من ذلك الوقت مرحلة النشوء بالعلم.
س: حدثنا عن علاقة السيد مع والدته، بعض الحكايات، وإذا كنت تعرف عنه بعض المواقف؟
والدته من النساء المؤمنات الصالحات العابدات، فأولاً هي امرأة مرجع كبير، ثانياً هي من أسرة آل ياسين وهي أسرة علمية عريقة بالعلم، عاشت بين أولاد هم مجتهدون، فقهاء علماء، هذه الأمور جعلت من والدة السيد رضوان الله عليه امرأة تقية وطاهرة وصالحة، كما أنها تعرف حقوق الابن، فهي تشخص حقوقه عليها ولا تتعامل معه بالأسلوب المتعارف الاعتيادي، لا، بل تعامله بصورة أكثر قدسية وطهارة وحنان، والسيد هو كذلك رضوان الله عليه يعامل والدته معاملة عظيمة، كل يوم كان يجلس إلى جنبها، يخصص لها وقتاً يلاطفها ويبدي عواطفه كل يوم، عادته اليومية أن يلتقي الوالدة التقاء يشعرها أنه هو ابنها وهي أمه بهذه الصورة يشعرها بالسعادة والارتياح والدعة.
س: ما هي علاقته بزوجته أو الحياة الزوجية؟
حياة السيد بالبيت حياة خالية من التعقيدات بحيث لا توجد في بيت آخر، السيد رضوان الله عليه مبتلى بقلة الوقت والسيد كرّس فكره في شبابه أو نشاطه وقوته للدراسة، كان يقول كنت أدرس (20) ساعة وأنام (4) ساعات وحتى هذه الأربعة الساعات التي ينام بها كان يجلس ويفكر في درسه، وهكذا إنسان من الصعوبة بمكان أن يبتعد عن زوجته، فالزوجة تحتاج إلى الزوج على كل حال، أضف إلى ذلك أن زوجته غير عراقية، فهي في النجف شبه غريبة ليس لها أرحام وأول زواجها لم تحسن العربية ومع ذلك وجدت الحنان والبر من السيد رحمه الله.
س: ماذا تعرفون عن سفرات السيد في العراق أو خارج العراق؟
أنا ذهبت معه للعمرة فقط.
س: ذكرياتك عنه؟
ما أظن أنها تستحق الكتابة.
س: لا باس؟
ما أعتقد، هي سفرة خاصة بالزيارة والعمرة.
س: لعل فيها جوانب متميزة؟
لا، ما بها جوانب متميزة.
س: في أي سنة هذه السفرة؟
ما أذكرها.
س: ما هو دور السيد الشهيد في الانتفاضة التي قامت في المدن العراقية في رجب؟
هي حدثت قبل رجب، صار تحرك في العراق مشهود.
س: هل لكم أن تحدثونا عن هذا الشيء؟ تفصيلاً لا باختصار،
أعني انتفاضة رجب وموقف السيد منها؟ وما قبل الانتفاضة،
بالنسبة إلى انتفاضة رجب وما سبقها وما تلاها من الأحداث بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان السيد رضوان الله عليه من أبرز المؤيدين للثورة منذ ولادتها الحقيقية، يعني منذ أن بدأ السيد الخميني يتحرك بصورة قاطعة وجازمة لإسقاط الحكم، كان السيد رضوان الله عليه هو المؤيد القوي في العراق للثورة الإسلامية في إيران، اذكر أن السيد موسى الصدر في يوم من أيام شهر رمضان قبل انتصار الثورة اتصل بالسيد تلفونياً والسيد كان في تلك الساعة جالساً في مجلس التعزية في البراني في شهر رمضان وكان خلاصة كلام السيد موسى مع السيد حول مسألة أو ضرورة دعم الثورة الإسلامية وتأييد السيد الخميني، وفعلاً السيد رضوان الله عليه كان من أبرز المراجع ولعله الوحيد في العراق على صعيد المرجعية والمراجع الذي دعم الثورة الإسلامية، فأرسل برقيات إلى السيد الخميني وهو في فرنسا وهو في إيران؛ لكن البرقيات التي أرسلها السيد رضوان الله عليه كما حدثتك لم يتم الرد عليها من قبل الأخوة الإيرانيين بشكل عام، ولم يجب السيد على البرقيات وحتّى عندما استشهد المرحوم الشيخ المطهري فالسيد رضوان الله عليه أقام فاتحة بالنجف، وكان هذا العمل يحمل خطورة حقيقية على السيد وليس مسالة عادية؛ لكن مع ذلك السيد رضوان الله عليه كان مصمماً ومصراً على اتخاذ موقف التأييد المطلق للثورة، ولعل رسائل السيد الشهيد وبرقياته إلى الإمام الخميني تعطي للشخص انطباعاً كافياً واضحاً عن هذه المسالة.
عندما قامت الثورة الإسلامية حركت الشعب العراقي وأوجدت عنده اندفاعاً وأوجدت عاطفة قوية وتياراً قوياً جداً فبدأت تكثر الأسئلة والالحاح على السيد رضوان الله عليه لماذا سيدنا لا تتحركون، سيدنا لماذا لا تحدثون شيئاً، سيدنا لم كذا وأكثر الأسئلة في عقيدتي عبارة عن التأثير العاطفي، أي أن هذه الأسئلة ليست نتيجة رؤية لدى الناس أو لدى المجاهدين بالخصوص، عن أنه توجد إمكانية في العراق لإحداث وضع كالذي حدث في إيران لا، هكذا لم تكن الطلبات نتيجة دراسة وتقييم للواقع، وإنما نتيجة تأثير عاطفي بالثورة الإسلامية في إيران وبدون تقدير للظروف والأوضاع الداخلية في العراق وانه كيف يجب أن يتعامل السيد مع البعثيين، نظرية السيد رضوان الله عليه بشكل عام حول أوضاع العراق هو أن لا تتم مواجهة بين السلطة وبين الجماهير؛ لأن الجماهير تباد وسبق ذلك تجارب وأحداث ولعل من جملته أحداث الأربعين إذ في أحداث الأربعين كانوا يعتقلون البريء وغير البريء والمرأة والرجل والطفل والشيخ؛ لكونه مثلاً مشاركاً في زيارة الإمام الحسين سيراً على الأقدام حسب ما يسمونه ـ البيادة ـ وأعدموا وسجنوا وآذوا الناس.
فالسيد رضوان الله عليه كان يرى أنه إذا أردنا أن نقيم حكماً إسلامياً في العراق علينا أن نتجنب هذه الصورة التي صارت في إيران لأن العراق كما تدري ليس كإيران التي ما كان فيها حزب زمن الشاه مسيطر ومتغلغل مثل سيطرة حزب البعث، في العراق حزب البعث عبارة عن جواسيس قبل أن يكونوا حزبيين يعني مهمتهم الرئيسية التجسس وليس الانتماء للحزب الانتماء الحقيقي، وهذا السيد أشار له في أحد بياناته أشار له أنه أي حزب في العالم يحترم نفسه ويجبر الناس على الانتماء إليه، هذه الإشارة كانت واضحة في هذا المعنى،عقيدة السيد انه إذا أردنا أن نغير الوضع في العراق ينبغي أن نخطط بصورة سليمة لتحقيق الهدف مع أقل عدد من الخسائر، و السيد رضوان الله عليه كان له خطوات عملية في هذا الاتجاه تبقى سراً إلى أن تتغير الظروف يمكن أن تشبع بصورة كاملة بتفاصيلها الدقيقة، فالسيد في الحقيقة ما كان قاعداً ولا يستطيع أن يفهم هؤلاء الذين يجيئون ويطلبونه منه أن يتحرك، أيضاً لا يقدران يفهمهم بحقيقة الأمور، فلو أنت الآن عندك سر، هذا السر يترتب على الإعلان عنه أو كشفه مضار كثيرة، أفرض الآن لوأردت أن تحدث انقلاباً على حكومة حسني مبارك وعندك تخطيط مع ضباط لتحدث انقلاباً على حسني مبارك ويأتيك واحد يقول لم لا تتحرك، لم لا تشتغل،. لم كذا؟ أنت تقول إليه أني لدي تخطيط أو اتفاق مع الضباط حتى نحدث عليه انقلاباً، طبعاً هذا غير صحيح،؟ فكان وضع السيد تقريباً مشابهاً لهذا المعنى مع ترك تفاصيل الخوض في هذه المسألة بدقة.
س: خطة عملية أو خطة مرسومة؟
لا، خطة عملية كانت كما قلت لك أنا، خطوات عملية عند السيد؛ ولكن هذه الخطوات وصلت إلى مرحلة بالبرقية من الإمام فالسيد رضوان الله عليه واجه طلبات الناس برد جميل، إن صح التعبير سوّف طلباتهم وهدأ من عواطفهم بصورة مقنعة ومرضية تقريباً باستثناء بعض الشواذ، والتاريخ دائماً يحمل شواذاً، يحمل متطرفين، باستثناء هؤلاء يبقون على عادتهم؛ ولكن بشكل عام استطاع أن يمتص هذه الحالة مع كسب شعور الأمة بضرورة السعي لتحقيق مثل هذا الوقت، أي أن الناس بقيت تشعر أنه لا بد من حكم إسلامي في العراق؛ ولكن جاءت برقية السيد الخميني كانت برقية مفاجأة للسيد رضوان الله عليه وخلاصتها هكذا، أنا في يوم من الأيام طلعت من بيت السيد بعد أن أنهى البحث أو بعد انصراف الناس أيضاً خرجت للبيت وأنا أتناول طعام العشاء وأستمع إلى إذاعة طهران، بدأت الأخبار قال في الموجز أن الإمام الخميني أرسل برقية إلى الإمام الصدر في العراق، جئت بالمسجل وبدأت أسجل، سجلت البرقية ثم أخذت الكاسيت ورجعت إلى بيت السيد.
س: نفس اليوم؟
نعم، أخبرت العائلة أنه أريد أن أرى السيد رضوان الله عليه وقلت له سيدنا جاءتكم برقية من السيد الخميني أذاعها الراديو، السيد رضوان الله عليه سمع البرقية.
س: كان سمعها من الإذاعة؟
لا، سمعها من الشرطة المسجل، فاستغرب من صيغة البرقية وطلب السيد الخميني بقاءه في العراق على اعتبار أن السيد ما كان يفكر بالخروج من العراق، فجعل السيد يعتقد بأمور لم تكن واقعية، وما كان لها رصيد في الواقع، تصور أن هذه إشارة من السيد الخميني بالاستعداد، غير أن الدعم متى ما تحرك؛ لأن السيد الصدر من وجهة نظره يرى أنه لا مناسبة لأن يقول السيد الخميني لا تسافر، والسيد ليس لديه نية أن يسافر، فتصور أهذا أسلوب دبلوماسي مثلاً!؟ لا يوجد دبلوماسي هكذا، ففي اليوم الثاني كلف السيد احد تلاميذه وهو الشيخ محي المازندراني الفقيه قال له اتصّل – كان عندنا بيت هناك فيه تلفون مجاور بيته لأن تلفون بيت السيد مراقب – بإيران فاتصل بالسيد محمود على ما أظن وقال له ما هذه البرقية؟ قال له لا نعلم بهذه وما خلفيتها، وبعدئذ تبيّن أن أساس البرقية أن مراسلاً لوكالة أنباء بارس سابقاً في شيراز كان مبرقاً خبراً من شيراز على أن السيد الصر يريد أن يغادر العراق، فما أدري بأي علة رتب أثر على خبر هذا المراسل فصدرت البرقية.
س: هل هي صادرة من السيد الخميني؟
نعم، هي فعلاً صادرة من السيد الخميني ولكن السيد الخميني لم يقصد منها شيئاً، كان يقصد معاني الألفاظ التي كتبها في البرقية لأنها هكذا وصلت له فهو أيضاً وقع في هذا الوهم أن السيد ما كان يريد أن يسافر؛ لأن السيد من قبل كان في العمرة وكان بالإمكان أن يغادر من السعودية إلى لبنان أو يغادر إلى إيران أو يغادر إلى أي دولة أجنبية أخرى وتنتهي المسالة فلا داعي أن يرجع من السعودية إلى العراق حتى يسافر مرة أخرى لا ضرورة لذلك، المهم ما هي أسباب البرقية هذا له مجاله الخاص، وأن الناس هم أخبر بذلك هذا الشيء بالعراق الذي عرفناه والذي ترتب عليه الأثر مجيء البرقية إلى السيد أثار العراقيين لأن العراقيين بتلك المرحلة أو بتلك الفترة كانوا يستمعون بصورة عامة إلى إذاعة طهران فصارت فكرة أو بالأحرى انفرضت فكرة المواجهة بهذا المعنى فصار مجيئهم بدأت تجيء الوفود إلى بيت السيد طبعاً كانت الصبغة العامة للوفود هي صبغة حماسية أو عاطفية أو شعبية بمعنى الكلمة، حتى أن مدير أمن النجف قال للسيد هذه العبارة قال هل تدري أن العراق انقلب أو سينقلب كان يصف وضع المظاهرات، فالبعثيون هم كانوا خائفين من المظاهرات ومتصورين بأن العراق انقلب وهكذا انقلب الشعب العراقي كله وحدثت ثورة، بهذا الشكل كانوا ينظرون من زاويتهم فصارت مواجهة بهذا الشكل، طبعاً السيد رضوان الله عليه كما قلت كان أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن ينزل إلى الميدان فيصور شرف المرجعية ومكانتها ومنزلتها أو يتهم بأنه متخاذل، أي كان أمام قضية إذاً السيد واجه فهو يدري بأن الباع قصير فبأسبوع أو شهر أو شهرين يستطيع أن يواجه النظام في أوج قوته، لأن البعثيين ف تلك الفترة في أوج قوتهم، الأموال موجودة الرجال موجودون المرافق يسيطرون عليها بشكل كامل وقد خدّروا الشعب كله وخنقوه، وطبعاً من أكبر الأخطاء أن تواجه دولة وهي في أوج قوتها، أنت عليك أن تختار الوقت الملائم هذا الوقت الملائم إذا كان والمكان مناسب، ورأيت ثغرة قوية موجودة في بدن الدولة في بدن الحكم فواجه من نفس المكان الضعيف، ولا تواجه من كل جوانبه، فكان أمام السيد أن يختار مواجهة غير متكافئة بهذه الصورة، ولم يكن أحد قادراً على إنقاذ إيران طبعاً والعراق باستثناء الله سبحانه وتعالى وإنقاذ، السيد غير أن إيران كانت هي القوة التي يعول عليها في إنقاذ السيد رضوان الله عليه لا أعني إنقاذ السيد لئلا بقتل السيد، السيد وطّن نفسه على القتل وعلى الشهادة حين واجه البعث وقد حسب حسابه، تبقى احتمالات ضعيفة أن يتمكن من الإفلات، هذه احتمالات وعادة لا يترتب عليها شيء ولا يترتب عليها آثار عملية بالمستوى الذي يدخل في الحساب لمن يريد أن يخطط ويفكر لعمل ما.
والخيار الثاني الموجود هو أن يداهن النظام، ويستجيب له بشكل من الأشكال ويرضي النظام ويحاول أن يعمل في الخفاء طبعاً فترة ما بين العمل بالخفاء إلى الانتصار لو كان السيد ناجحاً في تخطيطه، ولو كانت الفرصة بالعمل باقية مع مجيء البرقية للسيد هذه الفرصة ستكلف المرجعية أو تكلف السيد رضوان الله عليه تكلفه الكثير؛ لأنك تدري أن بعض الناس يتهمون السيد بأنه متخاذل، وأنه غير مبارز، وانه كذا وانه كذا، خاصة وأن الثورة الإسلامية موجودة ويقولون له ما هو عذرك؟ّ!، أو أنّ السيد الخميني أحدث ثورة إسلامية في إيران فأنت أيضاً تستطيع الثورة، ولا ينظرون إلى الفارق بين البلدين بين القضيتين، لا ينظرون إلى الفارق. ولا يفكرون أنه يوجد بالعراق حزب البعث وفيه سنة وشيعة وشيوعيون وفيه شيعة لا يهمهم دينهم ولا ينظرون إلى هذا الشيء الذي رأوه بإيران، تخيلوا أنه يمكن أن ينطبق الأمر على العراق، فحينئذ سيتكلف السيد الشهيد كثيراً وبعد ذلك حتى إذا نجح وإن كان احتمال النجاح والفشل متكافئاً ومتساوياً، إذا نجح فإنه يبقى في تاريخ السيد وفي تاريخ المرجعية والسيد لا يحرص على شخصه بل كان يحرص على التمثيل الذي يمثله أو الجهة التي يمثلها فتبقى في تاريخه، أفرض أن السيد في سنة (1974م) أو (1975م) أرسل برقية إلى صدام حسين وقال له أنت نعم الرجل أو أنت أممت النفط أو أنت كذا، تبقى هذه فكيف تزيلها بينما غير السيد لم يفعل هكذا شيئاً فهذا معناه أنه خلق نقطة مثلاً غير مناسبة في تاريخ مرجعية السيد، والمرجعية بشكل عام مرجعية شيعية، التي هي دائماً مضادة للحكومات ومضادة للحكام، وإذا فشل وقد فشل فيكفي أنه لم يكن هناك من خيار أمام السيد رضوان الله عليه إلا اقتحام الميدان مع توطيد النفس على الخسارة، وعلى الشهادة واقتحم الميدان فسمح للوفود أن تجيء وجاءت الوفود وصار الوضع بالعراق كما رأيته يبشر بخير لو كان هناك دعم حقيقي له كان يبشر بخير؛ ولكن للأسف الشديد لم يحدث شيء من هذا القبيل وحجز السيد رضوان الله عليه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية بالبيت، ليس عليه فقط، بل حتى على عائلته وأطفاله ومنع دخول الناس عليه وحتى أقاربه كذلك منعوا إلا في الفترة الأخيرة صار شبه سماح.
س: يوم كانت تجيء الوفود فالسيد ماذا كان يقول لهم؟
السيد قال لهم بأني موجود (س:هذا مسجل؟)،. قال لهم أنا لا أسافر وأنا باق عندكم إن شاء الله هكذا كان يقول لهم،
س: ألقى لهم خطاباً؟
أي نعم، كل وفد يجيء هو كان يتحدث وإياهم أنه أنا باق عندكم وأنا لا أطلع وأنا معكم أواسيكم، يعني كان هذا جواب السيد لهم وهو مسجل هذا بأشرطة كاسيت موجودة في إيران (س: هنا؟) نعم، موجودة عند بعض الأخوة الطلبة وربما تستطيع أن تحصل عليها من الطلبة العراقيين.
س: الوفود هذه كان مجيئها في أول رجب ثم أعقبتها أحداث رجب وأخذ السيد إلى بغداد، ما هي تفصيلات القضية؟
طبعاً الأيام الأخيرة من الوفود، كان السيد رضوان الله عليه يطلب من كل وفد يجيء أن يبلغ من لا زالت له رغبة في منطقته أو مدينته بالمجيء إلى السيد كان يطلب منهم أن يبلغوهم بعدم المجيء والسيد باق لا يخرج، فمنع مجيء الوفود، وكان المنع في محله وفي ظرفه، فبعد أن انتهت واختفت الوفود وظّن السيد نفسه أنه في أي ساعة يجيئون يعتقلونه.
س: كم يوم كانت تأتي الوفود؟
أظن من ثلاثة إلى خمسة.
س: على كل حال أزيد من ثلاثة؟
نعم، فمنذ مجيء الوفود إلى أن استشهد السيد رضوان الله عليه أنا بقيت في بيتهم، بعد لم أخرج إلى أن انتهى مجيء الوفود، أنا في ليلة من الليالي بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً نظرت من الشباك رأيت أفراداً ـ أمن ـ واقفين بالباب، لا بالباب نفسه، بل بأطراف الزقاق، فأحسست بأن السيد يعتقلونه صباحاً فبلغت أخته الشهيدة بنت الهدى قلت لها أرى حركة غير طبيعية في الزقاق وأتصور غداً يعتقلون السيد، هي أخذت تتحين الفرص بين مدة ومدة وتجيئني للبراني تسألني هل كثروا أو زادوا إلى أن صار الصبح.
س: في الليل كنت تراقبهم؟
نعم راحوا بسيارة الأمن إلى بيت السيد محمود الخطيب.
س: هل سبقت عملية طرق الباب؟
لا ما سبقت راحوا إليه وطرقوا الباب ورآهم هو من السطح.
س: رأى سيارة الأمن؟
نعم، فقال لزوجته قولي لهم مسافر إلى بغداد، دقوا الباب وقالوا نريد السيد محمود، قالت لهم البارحة سافر إلى بغداد، قالوا لا نحن رأيناه دخل البيت ليلاً وأين سافر، قالت لهم لا بل سافر، المهم راحوا إلى مدير الأمن في النجف قالوا له هذا مسافر فهو خابر ـ مدير الأمن خابر ـ قال لزوجته لا يخاف السيد محمود نحن عندنا شغل مع السيد ونريده يجيء نحن نستحي أن نوقظ السيد الصبح من النوم فلعله يأتي ويوقظه مثلاً، فجاء معهم بالأثناء أنا أحسست أن الباب قد فتح ـ باب البراني.
س: في أي ساعة كان ذلك؟
كان من الصبح، قبل الساعة الخامسة والنصف، هكذا فتح الباب والمدير معه ولكن مدير الأمن إلى ورائه والسيد محمود سابقه، أي جاء للسيد قال سيدنا.
س: حين فتح الباب أنت رأيته؟
أي.
س: هل دخل وحده؟
أي، وحده دخل وكان صدفة في تلك الليلة جماعة في بيت السيد قسم منهم تبرعوا بالبقاء وقسم منهم جاء الأمن يطاردهم للقبض عليهم من منطقة الحنانة من النجف جماعة السيد عبد الجبار فالتجؤوا إلى بيت السيد وبقوا، فالسيد محمود أنزلهم للسرداب لأن مدير الأمن سيدخل.
س: هل هو دخل وحده ثم سدّ الباب؟
لا، ما سد الباب؛ ولكن دفعهم أو نزّلهم للسرداب وجرّهم وبعد دقيقتين دخل مدير الأمن بالسيد في الطابق العلوي وقال له،.
س: هل السيد كان مستيقظاً؟
لا، بل أيقظوه وقال له مدير الأمن أن المسؤولين في بغداد يحبون أن يروكم، قال له فليأتوا هم، ولكن بعصبية السيد تحدث بعصبية، قال هم يجيئون إليَّ، قال مدير الأمن ليست مسألة تحتاج إلى وقت طويل هي كلها بضع دقائق، المهم السيد صار حاد المزاج ووبّخ مدير الأمن وقال له أنتم صادرتم الحريات وأنتم تستهينون بالقيم تستهينون بالكرامات وضيعتم المقاييس، ثم قال أنا لا أروح إلا إذا كان إلقاء قبض، أما للزيارة فيجيئون هم لرؤيتي، نعم إذا كان إلقاء قبض أنا أجيء معك، قال المدير هو إلقاء قبض، فنهض السيد وطلع، طلع معه طبعاً طلعت أخته خلفه، حين خرج للشارع رأينا شيئاً عجيباً وإذا أكثر من مائتين واقفين بين حزبي وغيره.
س: أنت أيضاً طلعت معهم؟
نعم، كانوا حزبيين وأفراد أمن ومرتزقة كلهم واقفين ينتظرون مجيء السيد لاعتقاله طبعاً، طلعت مع السيد زوجته والشهيدة بنت الهدى وفي تلك الساعة وقفت الشهيدة بنت الهدى الموقف التاريخي المشهود والمشهور وتحدثت مع الحزبيين والأمن الذين كانوا واقفين بصيغة خطابية.
س: تحفظ عبارتها؟
من جملة ما قالت أنكم لا تخجلون، وأنتم الآن مئتي رجل وأخي وحده أنه لا يملك لا سلاحاً ولا دبابات ولا مدافع؛ ولكن الحق أخافكم، تحدثت عن هذا المجال، ثم وجّهت الخطاب للسيد رضوان الله عليه.
بعد اعتقال السيد رضوان الله عليه بساعات توجهت إلى مرقد الإمام علي عليه السلام واشتكت عند جدها واجتمعت النساء عندها وصادف أن الطلبة أيضاً كانوا قد فهموا مسألة اعتقال السيد فقرروا أن يتظاهروا في الساعة الفلانية ويطلعوا من الصحن، وعندئذ اختلطت المظاهرة رجالاً ونساء وزوّاراً فطلعوا متظاهرين احتجاجاً على اعتقال السيد الشهيد رضوان الله، عليه فنقل عن الحزبيين أنه أُرسلت برقية إلى أحمد حسن البكر في وقتها أنّ النجف ستثور عليك، البرقية من قبل الأمن أو الحزب أنه إذا لم تطلق سراح السيد فعليك ان تعرف بأن النجف منتهية أو ستنفجر، طبعاً هم أخذوا السيد على أساس أن يقتلوه في رجب، لم يأخذو على أنهم يحققون معه لثلاث ساعات ثم يفرجوا عنه، ما كان هذا البناء، كانوا أخذوه على أن يقتلوه؛ ولكن المظاهرة أفشلت أو أجلت خطة القتل وبقوا ينتظرون فرصة مناسبة.
س: ما هو دوركم في هذا الأمر عند اعتقال السيد، يعني هذه الفترة ما كان دوركم أنتم؟
تقصد دوري من أي ناحية؟ أنا بقيت أنتظر بالبراني أتابع الأحداث أترصد الأمور وبعثت الخادم ليروح ويرى لنا ما بالسوق والشارع، يرى الوضعية كيف هي؟
س: هل حصلت مخابرات واتصالات؟
لا مخابرات! ولا يتوسطون للسيد، فلا أحد يقدر أن يجرؤ ويتوسط للسيد؛ ولكن كان الأمل أن المظاهرة تسبب إطلاق سراح السيد رضوان الله عليه وفعلاً حدث الذي كان يتوقع، أطلق سراح السيد ورجع إلى النجف، بعدئذ الأمن وقفوا بالباب فمن يدخل للسيد ويطلع يأخذوه ويعتقلوه.
س: من الطلبة وغير الطلبة؟
إلى أن منعوا الناس بعد من الدخول إلى السيد بهذه الصورة.
س: السيد حين مضى لبغداد ثم رجع، ماذا تحدث بما جرى في بغداد وحين أخذوه إلى الأمن ما قالوا له؟
سألوه طبعاً عدة أسئلة من جملتها، لماذا السيد محمود الهاشمي مثلاً سافر إلى إيران، هم كانوا يتصورون أن السيد محمود الهاشمي بعثه السيد إلى إيران من أجل أن ينسق بين السيد وبين إيران من أجل الإطاحة بحكمهم، فكان هذا أحد الأسئلة هو أن تحدثوا عن علاقة السيد الشهيد بالإمام الخميني أنه أنت ما علاقتك به علام مثل هذا التأييد، أما لنا نحن مواقف نظيفة وطيبة فعلام لا تؤيدنا تؤيده وحده مثلاً، أسئلة من هذا القبيل، وعن التظاهرات والمسيرات، السيد كان على ما حدث هو أن أغلب الأسئلة ما كان عنده جواب عنها، كان يجيب عنها لأنها محرجة، هي محرجة وكانت صحيحة، أفرض مجيء السيد محمود إلى إيران كان للتخطيط والتنسيق؛ لكن هذا التنسيق هل له نتيجه؟ لا،. هو ماذا يقول لهم ما صار شيء لا يقدر فاستشعروا أن وجود السيد بالتدريج هو سيحطمهم بالتدريج يحطمهم، فبهذا الأسلوب تنبهوا إلى الحجز ورأوا أن الفكرة الجيدة هي الحجز، فحجزوا السيد بالبيت ابتغاء عزله عن الأمة لكي يحاولوا تصفية الحسابات مع الناس والقضاء على شعبية السيد وإنهائه بعدئذ، وهذا ما حدث.
س: طيب، بعد فترة الاحتجاز ماذا كان وأن فترة الاحتجاز طالت فما علاقة السيد الشهيد بالإمام الخميني؟
السيد رضوان الله عليه كان خط السيد الخميني اقرب إلى نفس السيد رضوان الله عليه مبدئياً وأساسياً، هكذا لأن السيد يؤمن بواجب المناهضة للحكام والسيد الخميني هو قمة في هذا المجال أضف إلى ذلك أن السيد رضوان الله عليه كان يشعر بمحنة السيد الخميني حينما كان في النجف، السيد الصدر باعتباره مجاهداً يدرك محن المجاهدين ومشاكلهم بسهولة يدركها وكان يحب السيد الخميني، لهذا الخصوص.
الخاصية الثانية مظلومية السيد الخميني انظلم يعني فترة وجوده في النجف ظلم كان الطلبة الإيرانيين أنفسهم هؤلاء يصيحون ويسمونه (كمانيستي-شيوعي)وما أشبه ما أدري لم كثير منهم كان يتهاجمون عليه، والسيد رضوان الله عليه كان يدري أنه كل الاتهامات التي تتوجه إلى السيد الخميني اتهامات باطلة، هذه سنة الحياة كل خط نظيف يوجد له من يضره، علاوة على هذا فإن السيد موسى الصدر هو ساعد السيد الخميني في وقته ساعده الأيمن، فكان هناك يلجأ في لبنان الإيرانيين كالمرحوم الدكتور جمران وغيره، وكان السيد موسى كان يدربهم على السلاح وعلى التفجير وعلى ما شابه ذلك فكان السيد موسى أيضاً طرفاً قوياً في التأثير على السيد من أجل إسناد السيد الخميني، والسيد الصدر أيد السيد الخميني بالمقدار الذي يعقل من السيد الصدر أي أن السيد الصدر حين كانت الثورة في حالة نمو وتصاعد فهو يدرك أنه لو يصدر بياناً من عنده إلى الشعب الإيراني لا يستجيب للسيد لأنه لا يعرفه، مثلاً أنت عندما تريد أن تؤثر فيَّ ألا ينبغي أن تكون عندك موجبات حتى تدعني أتأثر فبك، فإذا كنت لا أعرفك فكيف سأتأثر بك، فالسيد الصدر تجاوب مع السيد الخميني، وهو ناظر إلى الواقع والحيثيات التي ينطلق منه تأييده، لا على أساس حالة عاطفية بحيث يظل يدلي ببيان وراء بيان، وهنا لا يفسر أنه مثلاً وكما بعض الجهات أو بعض الأشخاص اعتبروا تأييد السيد الشهيد إلى السيد الخميني غير كامل أو أنه جاء متأخراً.
س: هل اعتبروه هكذا؟
هذا أوقعهم في اشتباه، نعم السيد الصدر مشهور بالعراق أو له أثر في العراق، أما في إيران فلا، فإيران شكل آخر؛ لذلك فإن السيد رضوان الله عليه كان لا يوافق على بعض صور التأييد، اعتبار أنه يراها من قبيل مثلاً هؤاء في شبك ما له من أثر، أترى أن السيد الخميني هو بحاجة إلى برقية من السيد يدعها في جيبه، هو لا يريد أن ينشيء وضعاً فإذا كانت هذه البرقية مؤثرة بشكل كاف أو مهم فإنه يرسلها، أما مجرد برقية أو أشياء عاطفية فما لها أثر مهم على العمل كثيراً.
س: هل العلاقات الشخصية كانت موجودة قبل تحركات الإمام؟
نعم، كانت هناك علاقات شخصية، السيد رضوان الله عليه كان يذهب إلى زيارة السيد الخميني باستمرار وبصورة تكاد تكون منتظمة، أي على رغم مشاغله والسيد الخميني على اعتبار وضعه الخاص في النجف فما كان هو يرد الزيارات بنفسه، فكان يرسل ابنه السيد أحمد ليرد على زيارات السيد، وحتى عندما توفي المرحوم السيد مصطفى فالسيد الصدر كان من أول المعزين، وأنا كنت رحت بخدمته للسيد الخميني في صباح اليوم الذي توفي فيه السيد مصطفى، ولم يكن أحد في المجلس غير السيد الخميني والسيد الصدر وأنا وخادم السيد الخميني، لم يكن هناك غيرنا، قال السيد الصدر للسيد الخميني إذا تحب فأبو علي يقيس الضغط لكم، كنت أخذت حتى جهاز الضغط معي، السيد الخميني أيضاً مبتلى بمرض، وأنا أعرف مسألة قياس الضغط، وهناك علاقة رحمية تقريباً موجودة بين بيت السيد الخميني وبيت الصدر.
س: هل الزيارات كانت شهرية أو لا؟
نعم هي بين فترة وفترة، أفرض كل شهرين مرة، السيد يروح يزوره ويتفقد أو يسأل عن أحواله.
س: كيف كانت العلاقات بالبرقيات بعد انتصار الثورة؟
بعد انتصار الثورة طبعاً أبلغ السيد رضوان الله عليه بأن الأمن جاءوا إلى السيد الخميني يريدون أن يسفروه، السيد راح عند الصبح إلى بيت السيد الخميني فقالوا السيد الخميني راح وخرج مع الفجر، وراح يودعه فلقي (بالبراني) السيد أحمد الخميني فالسيد رضوان الله عليه جلس في مكان قريب من مكان السيد الخميني الذي كان يجلس فيه وتعامل مع الوضع، وكان السيد الخميني موجود في النجف.
س: تصرف الشهيد وكأن السيد موجود؟
أي، كأنه موجود وبقي قاعداً في المجلس مدة ثم طلع، طبعاً هذا لم يعمله غير السيد من باقي المراجع والطلبة والعلماء في النجف ما تعاملوا بمثل هذا مع الإمام الخميني.
س: وبعد زيارة السيد ألم يذهب إلى داره؟
نعم، لم يبق أحد بعد السيد الخميني، ذهبوا جميعاً.
س: طيب، كانت هناك للشهيد الصدر اتصالات مع مسؤولين إيرانيين، وقيل كان يأتون إلى السيد يزورونه بالعراق سراً أو علناً، ماذا كانت طبيعة العلاقات وهذه الزيارات وما كانت نتائجها ومردوداتها؟
في تلك الفترة كان السيد الخميني بالنجف فهؤلاء الأشخاص الذين يجيئون، مثلاً أذكر منهم صادق الطباطبائي وصادق قطب زادة كان يجيئون إلى السيد الخميني يزورونه وكانوا بالأثناء يمرون على السيد رضوان الله عليه يسألونه عن اقتراحات وتوجيهات مثلاً هو يستفسر منهم عن بعض القضايا مثلاً، كانت في هذه الحدود لا في حدود أخرى أي كان مجيئهم للسيد الخميني لا للسيد الصدر.
س: هل كان يأتي غير هؤلاء المسؤولين؟
بشكل رسمي لا، لكن كان يأتي علماء وطلبة إيرانيون كأي زيارة اعتيادية فحسب.
س: كم كانت فترة الاحتجاز؟
كانت تسعة أشهر تقريباً.
س: كما تعرفون أن حالة الاحتجاز تولد حالة نفسية خاصة للمحتجز فكيف كانت الحالة النفسية للشهيد الصدر في تلك الأثناء؟
السيد رضوان الله عليه في فترة من أشهر الحجز كان يعاني من أشياء كثيرة في حالة الحجز لا شعوراً بكونه محجوزاً لا، فليس عنده هكذا شعور؛ لأن السيد بطبيعته شبه محجوز فهو في غير الحجز أين كان يذهب كان يمضي صباحاً لجامع الطوسي يدرس نصف ساعة، وكذلك وراء صلاة المغرب يروح إلى جامع الجواهري يدرس، هذه طلعات السيد الاعتيادية لا أكثر، نعم يمضي للحرم المقدس يروح للزيارة، هو كان بطبيعته شبه محجوز وجلوسه بالبيت هو الأساس وهو شيء طبيعي؛ ولكن الذي يؤلمك خلال فترة الحجز عدم اطلاعه على الأوضاع اطلاعاً كاملاً، عن أوضاع إيران ورأي الإيرانيين بما يجري في العراق هذه المسألة كانت تؤلم السيد كثيراً تؤلم السيد، وبالوقت نفسه كان يتألم على عائلته وأطفاله؛ لأنه يرى أنه هو السبب الذي كان في حجزهم، هؤلاء أكثرهم أطفال لم يتعلموا على الجلوس في البيت في هذه الفترة الطويلة طبعاً هذا الجانب العاطفي النفسي، هذا لا بمعنى أنه أثّر على السيد الجانب الأول، وهو انقطاعه وعدم معرفته بالأوضاع بشكل كاف فوّت عليه فرصة أن يستثمر فترة الحجز ليتفرغ لقضايا علمية أما أوضاع الداخل فكانت تصل إليه يومياً.
عدم اطلاع السيد على الوضع الإيراني بشكل كامل ورأي الإيرانيين وما يجري وما ينبغي فوّت هذا على السيد فرصة الاستفادة من الحجز ليتفرغ للكتابة لعدة أسباب؛ ما أشرنا إليه عن عدم اطلاعه على أوضاع الإيرانيين هو السبب الأول، والسبب الثاني أوضاع العراق الداخلية كانت تصله بشكل مستمر ويومي وكان يسمع مثلاً اليوم أعدموا السيد قاسم شبّر، اليوم الشيخ حسين معن جيء بجنازته مثلاً اليوم فلان كذا، فالسيد بطبيعته في كل واحد يقتل من هؤلاء أو يسمع بأنه يعتقل، هو أيضاً كذلك يقتل فكيف تتوقع منه أن يؤلف نظريات علمية أو يستنبط لك نظريات علمية، لا يمكن لمن ابنه مطروح ميت تقول له تعال اكتب نظرية علمية، هل هذا يكون! فالسيد رضوان الله عليه كانت عدة أشياء تعيقه وما ذكرت من جملتها إلى أن استشهد رضوان الله عليه.
س: قلتم كانت تصل إليه أخبار الداخل باستمرار، كيف تصل إليه مع أن السيد محجوز؟
هو بعد مرور شهر من الحجز أي الشهر الأول منه ما كنا ندري عن الأوضاع شيئاً؛ ولكن بعد شهر شعبان في أواخر شهر شعبان عن طريق الصدفة الله سبحانه وتعالى سهل طريقاً، بصعوبة طبعاً هذا الطريق أنا الآن لا أستطيع أن أقول لك كيف كان، على اعتبار وجود طرف ثان شاركنا فيه، هذا الطرف الثاني هل هو الآن يخاف على عائلته، على إخوانه على أبيه أو لا؟ ما أدري مع عدم المانع فأستطيع أن أقول كيف كان الأمر (لو تؤجله كان أحسن).
س: كيف كان السيد الصدر يقضي أوقاته داخل بيته أي مع عائلته مع بعض الأفراد الذين كانت لهم علاقة به؟! في الحجز كيف كان يقضي اليوم؟
في فترة الحجز أكثر الوقت يقضيه معي.
س: ماذا كان يجري؟
كنا نتطرق للأمور بشكل عام تخص الوضع العام عموماً أو أحداث داخلية أو بعضها أحداث داخلية تتعلق بوقتها مثلاً، نحن نجلس نتحدث حولها بهذا الترتيب قضايا مسجلة كل يوم بيوم مسجل.
س: هل هي مسجلة على كاسيت؟
لا بالورق.
س: السيد هكذا فقط كان يتكلم، ماذا يدور في الوضع؟
هذه مشكلته، وأنا اجتمعت وإياه بطريق الصدفة لأن الله سبحانه وتعالى جمعنا في الحجز، السيد محمود في إيران فلا أحد من تلامذة السيد موجود عنده، أنا الوحيد الذي كنت عنده.
س: هل كان يقضي مع عائلته وقتاً اعتيادياً؟
نعم، فإنه مع عائلته كان يلاطفهم على حسب الأصول.
س: هل كتب شيئاً في تلك الفترة؟
لا، أي كتابات؟ لا أدري السيد رضوان الله عليه كان يتعجب بعض الناس يرسلون إليه يقولون له هل كتبت شيئاً خلال هذه المدة فكان هو يتحير عندما يرى ماذا كتبوا له؟!
س: هل كانت تصل له رسائل؟
نعم، تصل في بعض الأحيان، يستفسرون عن بعض الأشياء.
س: هذه الرسائل كانت تصله بكثرة أو بقلة على شكل استفتاءات؟
كانت تصله بقلة.
س: هل هناك حادثة مهمة حدثت أثناء الحجز؟
حدث مهم، ما هو؟ حدد لي طبيعة الحدث.
س: أدري، خلال تسعة أشهر هل تكتب قصة كاملة؟
إن مدة الحجز هي فترة يمكن القول بأن شرحها صعب يحتاج إلى من يكتب على مهله كلمة، كلمة، نعم؛ ولكن بشكل عام هو هذا الذي أنا قلت لك، هذا الوضع كان بشكل عام هكذا.
س: هل كان السيد الصدر يتصل بالعالم الخارجي؟
أنا كنت طرف الاتصال.
س: أنت فقط؟
نعم، أنا فقط.
س: الهاتف كان مقطوعاً؟
لا، الهاتف ليس وسيلة للاتصال، فالهاتف مراقب.
س: تعني تكون مجازفة؟
كانوا يخابرون فيطبقون التلفون، بعضهم لا يقدرون الوضع ولا يفهمون، كانوا يسألونه أسئلة بالتلفون لا يسألها عاقل فيقطعون التلفون (س: تقصد أنه كانت تجيء نداءات من الخارج)،
س: توجد هناك إشاعة بأن حصلت اتصالات بين مسؤولين كبار في الحكومة العراقية وبين السيد الصدر، ما هي طبيعتها وما مدى صحتها؟
هم أرادوا أن يقنعوه أن يتنازل عن موقفه، وهذا بعد ما صار صدام التكريتي رئيساً للجمهورية، أرادوا أن يقنعوه أن يتنازل (س: من كان يجيء عند السيد؟) وليسير في خط الدولة ويمشي في ظل سياسة الحزب فبعثوا عدة أشخاص من جملتهم السيد علي بدر الدين الذي قتلوه في بيروت، ومن جملتهم الشيخ عيسى الخاقاني هذا الذي بقم وكان بالأهواز الآن هو عالم بقطر، الآن يجوز أن يكون بالعراق ما أدري (س: الشيخ عيسى الخانقاني؟) ومدير أمن النجف كذلك وضباط من المخابرات جاءوه وتحدثوا بشكل عام عن رغبة صدم وقالوا أن صدام التكريتي يخيرك بين أمور إذا استجبت لها فالحجز يرفع عنك وصدام بنفسه يجيء ليزروك خصوصاً إلى النجف وتغطى إعلامياً وتلفزيونياً ويهدي لك سيارة، فهم يتصورون أن السيد يطمع إلى منصب، هكذا يتصورون أنه يطمع إلى منصب، وأن أمرك بالدولة يكون نافذاً أزيد من أمر الخوئي، وأي شيء لك تطلبه هو منفّذ؛ لكن تخلَّ عن هذا الموضوع.
س: أي التخلي عن الثورة الإسلامية بالتحديد؟
نعم، تؤيدنا تقول أنا لا علاقة لي بالسيد الخميني مثلاً، فقط هذا الكلام تقوله إذا لم توافق عليه فامدحنا في قضايانا الجيدة واترك غير الجيدة، النفط تأميمه ألم يكن جيداً فامدحنا وقل أنتم أمّمتم النفط، فقط هذا الكلام، عندنا مراسل صحفية أجنبية يجيء يسألك مسائل فقهية وشرعية من حملتها يسألك عن رأيك بتأميم النفط فقل حسن وهو كاف، كانوا يبذلون المستحيل في سبيل انتزاع تأييد ولو مختصر لهم، السيد رضوان الله عليه كان يرى هذه الطلبات ثقيلة، من يتحملها وإن كان فيها خلاصه أو خلاص الآلاف من الشباب ولكن هات من يفهم.
س: سألوه حول تأميم النفط؟
أرادوا أن يرفعوا الحجز ويطلع خارج العراق، كذب هذا الخبر، يمكن أن يكون إلا أنّه لم يوافق، السيد الخميني لا يذكروه بسوء أصلاً، ما تنازل عن هذه الأسئلة ولم يتنازل، قالوا إذن الخيار الآخر أن تقتل، قال لهم اقتلوني خلال فترة الحجز بعدئذ وراء المفاوضات وهي آخر مفاوضات بأسبوع أخذوا السيد وقتلوه.
س: كانت آخر المفاوضات مع من؟
هو هذا الشيخ عيسى الخاقاني.
س: حول دور الشهيد في أيام الحجز هل كان يقوم ببعض الأدوار، تفصيل ذلك؟
كذلك هذا يترك الآن لأن أشخاصاً كثيرين بالعراق ما زالوا هم يشكلون الجزء الأكبر من الدور الآن لا يمكن الإفصاح عنهم.
س: كيف كانت بنت الهدى باعتبار أنها الشق الثاني لهذه المأساة، هل هناك بعض الأشياء تذكر في عملية الاحتجاز مثلاً؟
هي كانت المعينة للسيد رضوان الله عليه في حجزه، وكانت تحرص على تعليم أطفال السيد على أن يظهروا أمامه بمظهر من هو مستأنس بالحجز لأجل أن السيد لا يتأذى حين يراهم متأذين، كانت من النواحي النفسية والعاطفية وكانت طبعاً هي تصر رضوان الله عليها على أن السيد عليه ألا يتنازل.
س: يعني السيد يبقى وهكذا يمشي مهما كانت النتيجة، فوضت أمرها إلى الله، كانت تشد أزره بهذه الأمور وأشياء أخرى غير هذه؟
هذا الأهم، ما تتوقع موقفاً اشرف من هذا وأفضل من هذا، ماذا نريد بعد؟ امرأة محجوزة ومهددة بالقتل وتقول نبقى نمشي على خطنا، ما نتوقع أفضل من هذا الموقف؟! أو ما هو الأفضل من هذا الموقف حتى أقول لك عملته إنها أو لا، إلى أن استشهدت رضوان الله عليها.
س: في فترة الحجز ورفع الحجز بين فترة وأخرى هل كان يزروه بعض الناس؟
الحجز لم يرفع، هذا تعبير ليس بصحيح، هذا كان جسّ نبض، الشعب العراقي هل يرجع طبيعياً للسيد أو لا بحيث لو أردنا أن نقتل السيد راح يشكل علينا خطورة، فوجدوا أنه لا يشكل عليهم خطورة، جس نبض هذا لذلك كان الذي يخرج يلحقونه ويأخذون هويته وما رفع الحجز.
س: بهذه العملية الغادرة صح التعبير أو لا، كيف كان الناس يأتون ويزورون كيف كان هذا الشكل، وحدث ما حدث؟!
المجلس كان فيه أمن طبعاً أفراد الأمن كانوا يأتون من جملتهم هذا الشيخ (أمين الساري) لعنه الله كان أول ما يفتح الباب هو يجيء يطرق الباب ولا يطلع إلا آخر واحد ممن يطلع، كانت عبارة عن جس نبض فلا أحد يقدر أن يتكلم.
س: هل زاره من الناس؟
نعم، جاءوا ولكن اعتقلوا.
س: ما كان موقف السيد؟
السيد هو وطّن نفسه على الاستشهاد، هؤلاء الناس أيضاً لم يطلب منهم أن يعطوا أرواحهم معه، ترى أنه يقول لا داعي لهذا، أنّ هؤلاء يريدون أن يقتلوني لا أريد أن أورط أحداً معي، فكان يوصي بأن الطلبة والناس الذين عليهم حساسية بأن الأفضل أن لا يأتوا الآن فلينتظروا.
س: هل الشهيدة بنت الهدى كانت تحتمل أن سيكون السيد شهيداً؟
نعم.
س: إذا كانت تحتمل، كيف كانت تعامله؟
تعامله بالصبر، وهي صابرة، فما تعمل؟ إذ لا حول لها ولا قوة!؟
س: هل سربت معلومات في أيام الحجز من بيت السيد إلى الخارج؟
ما هو أثر ذلك، وما هي فائدة هذا السؤال، هذا الشيء موجود وطي الكتمان، وسيتوضح كيف مثلاً لكن عائلة السيد لا يعلمون به.
س: السيد كان مطلعاً هو بالذات؟
طبعاً هو السيد كان طرفاً لكن أهل السيد لم يعلموا.
س: قبل أن يؤخذ ما كانت في الأيام الأخيرة أو حين أخذ، هل صرح شيئاً، قال لكم شيئاً، كيف كان أخذه في اليوم الأخير؟
السيد رضوان الله عليه قبل وحين أحسّ إحساساً عميقاً بأنه سيأخذونه ليقتلوه وهو يستشهد صفى حسابه، افرض ما عنده من حقوق أخرجها العبادات الصلاة سلمهن للسيد الخوئي كفارات أو نذور وما يؤتى به للمراجع أحالها إلى السيد الخوئي.
س: من الحجز؟
نعم، حوّلها.
س: بواسطتكم طبعاً؟
أجل حولها إلى أماكن عديدة لتصرف في مواردها؛ إذ وطّن نفسه؛ لأنه مستعد للشهادة، فهو الذي قال أني مستعد فليأتوا ويقتلوني.
س: وهذه كانت قبل أيام؟
كانت قبل أسبوع.
س: حين أخذوه أي يوم كان بالضبط؟
لا أدري، في اليوم الخامس أو السادس من نيسان، أي في أيام احتفالات الحزب بمولده المشؤوم، فبقي يومين وفي اليوم الثالث جاءوا بجثته رضوان الله عليه.
س: في أي ساعة أخذ؟
مدير الأمن في النجف اتّصل قال أنا أريد أن أرى السيد، بادئ الأمر قالوا له تعال، فجاء للسيد قال له مسؤولون هناك يريدون أن يروك وراء الظهر.
س: اليوم الخامس؟
أجل، وراء الظهر.
س: العائلة لم تخرج أهو طلب من العائلة؟
لا، لم يطلب.
س: العائلة راحت معه؟
لا.
س: وبنت الهدى كيف أخذت؟
جاءوا في اليوم الثاني وأخذوها.
س: من البيت؟
قالوا السيد يريدها.
س: والعائلة؟
العائلة بعدئذ أنا بعثتهم للكاظمية هذه الحادثة كانت في الساعة الثالثة أخذوا السيد بعد الظهر وفي اليوم الثاني أيضاً جاءوا في الوقت نفسه قالوا السيد يريد أخته.
س: فراحت معهم؟
راحت.
س: ألم يحدث رد فعل؟
لا.
س: من قبلها؟
لا.
س: وعندما أخذوا السيد ألم يكن رد فعل من قبلها؟
لا، هو قال لها أي شيء لا تحدثي بعد هو يدري بنفسه.
س: واليوم الثالث أنت أخذت العائلة وذهبت إلى الكاظمية؟
لا أنا ما رحت؛ ولكن قلت لهم بقاؤكم بالبيت ما فيه مصلحة يجب أن تذهبوا؛ لأني أيضاً عليّ إلقاء قبض فتنكرت وخرجت وحلقت لحيتي ثم خرجت بقيت شهراً طبعاً بعد استشهاد السيد بالعراق ثم هربت إلى سوريا ومن سوريا إلى إيران.
س: قضية محمد شوقي الفنجري؟
الفنجري قبل أن يعرف السيد كان قارئاً كتب السيد (اقتصادنا) (فلسفتنا) (الأسس المنطقية للاستقراء) وهو عنده نزعة علمية جيدة فتأثر بكتب السيد وهو أيضاً كثير التردد إلى فرنسا والدول الأوربية والغربية، وله علاقات متينة وقوية مع المفكرين والعلماء الغربيين الأوربيين فكان يحاول أن يشرح كتب السيد ويترجمها مثلاً من خلال المحادثات بينه وبين غارودي مثلاً وغيره أيضاً أعجبوا بكتب السيد فالفنجري أحب أن يزور السيد فجاء إلى العراق زار النجف وسأل في سوق العمارة عن بيت الإمام الشيخ باقر الصدر ـ حسب تعبيره هو ـ فقام أحدهم أحد العطارين الذين في سوق العمارة ودلّ على بيت السيد فجاء للسيد وكان ظهراً أو بعد الظهر وصعد للسيد وهو رجل (شايب) واحدة من رجليه عرجاء صعد للسيد للمكتبة في الطابق العلوي فرأى السيد جالساً فلم يصدق أن السيد الصدر هو هذا.
س: هل رأيته متفاجئاً؟
بل السيد قص علي ـ وبعدئذ أنا التقيته على كل حال ـ فقال للسيد وهو واقف بباب المكتبة بالله عليك أنت الشيخ باقر الصدر! فقال أي فلم يدخل حلف السيد مرة ثانية أو مرة ثالثة وعندها دخل فقال له أنا ذا هو فعلام تستغرب فقال له أنا كنت أتصور أن أبقى مدة أسبوع أنتظر إلى أن يجيئني إذن بمقابلتك وما كنت أتوقع أن أنزل من السيارة أو أدخل للسوق ثم اصعد إليك هكذا لا يكون هذا لمثل إنسان هكذا مؤلفاته وكتبه، بهذه السهولة يستطيع أي واحد أن يصله، ثم سأل وأخذ يتودد للسيد ويبدي عواطفه ومحبته ثم قال له أنتم أين درستم وبأي جامعة فقال له بالجامع فاستغرب أكثر أنه كيف درست أنت بالجامع أترى دراسة الجامع تنتج عقلاً بهذه الصورة يكتب هذه الكتب العظيمة، ثم صارت محادثات بينه وبين السيد ورجح للسيد أن تترجم كتبه إلى الفرنسية والإنكليزية؛ لأنه له أرضية قوية هناك، وهو عندما رجع إلى مصر وكان مستشار أنور السادات هذا الأستاذ شوقي الفنجري بعدئذ مضى إلى فرنسا فأعطى غارودي رسالة إلى هذا الدكتور الفنجري قائلاً له أنا أريد أن أروح لزيارة السيد بالنجف فأخبر السيد الصدر برسالته ـ ضمن رسالة كتبها الفنجري إلى الشهيد الصدرـ قائلاً أنني أجيء إلى النجف في التاريخ الفلاني.
س: غارودي؟
وفعلاً هذا الرجل جاء إلى بغداد وكان مدعواً لمؤتمر في بغداد فسأل البعثيين عن السید فقالوا ليس بالعراق أحد اسمه محمد باقر الصدر فقال لهم أني أعرفه بالنجف قالوا بل أنت مشتبه فلم يدعوه يصل إلى السيد،هذه خلاصة القصة.
س: هل كانت تحصل مراسلات بينه وبين الفنجري؟
لا وإنما مراسلات جزئية كالتحيات مثلاً.
س: هل توجد مراسلات بين مطهري والسيد الصدر؟
لا أدري، هذا يمكن أن تسأل عنه السيد محمود.
س: هل توجد بعض الكتب حسب علمكم لم تطبع للسيد الصدر؟
أجل، عنده كتاب في العقائد أظنه غير كامل.
س: في العقائد؟
نعم.
س: فقط بالعقائد؟
نعم، وبصيغة حديثة.
س: وغيره؟
غيره فما أدري.
س: يقولون عنده كتاب في مناقشة القوانين الوضعية؟
هو هذا الكتاب في العقائد.
س: بالنسبة للجزأين الآخرين للفتاوى الواضحة أكملها أم لم يكملها؟
لا لم يكمله.
س: حتى المسودة لم تحصل؟
بلى.
س: فما الذي تعرف؟
تلك الفترة ليست كفترة الاحتجاز فما كان بالكوفة لا يعد حجزاً كانت مضايقة شديدة.
س: قيل أنهم كبلوا يديه بالحديد؟
بالنسبة لاحتجاز الكوفة لا تفاصيل دقيقة عندي، يعني أنا في ذلك الوقت ما كانت علاقتي بالسيد قوية.
س: كم مرة احتجز السيد؟
ثلاث مرات اعتقل السيد.
س: وكيف كانت؟
هي اعتقاله بالكوفة.
س: هذه واحدة، في أي سنة؟
لا أدري؛ ولكنها مسجلة ومعروفة هي والثانية التي صارت بعد أحداث الأربعين.
س: السيد أيضاً أخذ بها؟
نعم أُخذ السيد.
س: كم يوم حُجز؟
هو بنفس اليوم طلعوه والاعتقال الأخير هذا صار في سنة 1978م.
س: ماذا تعرفون عن اعتقاله في أحداث الأربعين؟
هم أخذوا السيد للتحقيق واتهموه بتهييج الناس على مسألة المواكب الحسينية.
س: هل أخذوه إلى بغداد أم لا؟
نعم أخذوه لبغداد.
س: وفي نفس اليوم أرجع؟
أرجعوه، بينه وبين الدكتور زكي نجيب محمود بالقاهرة.
س: هل كانت علاقات مراسلة؟
نعم، مراسلة، ذاك الطويل ما أدري ما اسمه شخص طويل.
س: أين؟
مصري أيضاً.
س: بالقاهرة؟
كانوا يراسلونه ويراسلهم، كل هذا بشأن كتب السيد وقضايا كتبه.
س: ومن غير هذا؟
كثيرون؛ لكن ما أحفظ أسماءهم ورسائلهم موجودة بالأرشيف.
س: حالياً لو تذكر أسمائهم حتى أمر بهم، وقد تكون لديهم رسائل منه؟
ما أذكر، أسماءهم غير مطبوعة في ذهني، على أساس أنه يوجد منبر لإعطاء الطلبة والأمة صورة صحيحة عن وضع العمل وكيف ينبغي أن يشتغل أحدنا ولكن مؤطر بإطار قرآني.
س: لماذا اختار هذا الشيء وقد كان عقائدياً؟
القرآن أنسب، القرآن فيه قضايا كالجهاد وقضايا أخرى فيه آيات صريحة واضحة، ثم القرآن عنوان مقبول لدى الجميع.
س: السيد أعد لهذه المحاضرات سابقاً؟
لا، السيد لا يحتاج إلى أعداد لهذه المسائل.
س: هل السيد كان عنده شروط للوكيل؟
نعم، يحتاج أن يكتب عن هذا الموضوع كتابة دقيقة ويرى اختيارات السيد كيف يتم الوكيل وينتخب منطقته، إلخ.
ولعل الفرصة تسنح ـ في المستقبل القريب ـ بإذن الله إلى كشف كنوز دفينة أخفاها الزمان أو حجبها العدوان، وكيف يخفون ما للسيد من آثار وهي ما تزال نيرة تستهدي بها الأفكار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.