إنّ الحکومة الإسلامیة لا تنتزع من الإنسان نظرته العميقة إلى السماء، وإنّما تُعطي له المعنى الصحيح للسماء، وتسبغ طابع الشرعية والواجب على العمل في الأرض بوصفه مظهراً من مظاهر خلافة الإنسان للَّه على الكون، وبهذا تجعل من هذه النظرة طاقة بناء، وفي نفس الوقت تحتفظ بها كضمانٍ لعدم تحوّل هذه الطاقة من طاقةِ بناءٍ إلى طاقة استغلال.
فالمسلمون الذين يمارسون إعمار الأرض- بوصفها جزءاً من السماء التي يتطلّعون اليها، ويساهمون في تنمية الثروة باعتبارهم خلفاءَ عليها- أبعد ما يكونون عن الزهد السلبي الذي يُقعِد بالإنسان عن دوره في الخلافة، وأقرب ما يكونون إلى الزهد الإيجابي الذي يجعل منهم سادةً للدنيا لا عبيداً لها، ويحصّنهم ضدّ التحوّل إلى طواغيت لاستغلال الآخرين: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» [الحجّ: ٤١].
الإسلام يقود الحياة، ص ١٩٢.