الحياة السياسية للامام الصدر

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

مقدمة

من المفارقات المؤلمة ان تبدأ معرفة الغرب بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر في نفس اليوم الذي اقدم فيه النظام العراقي على اعدامه الا وهو يوم الثامن من نيسان عام 1980. ولم تتعد حدود معرفتهم به الا كونه قائداً للحركة الاسلامية في العراق متجاهلين اعماله الفكرية حيث لم تثر عملية استشهاده المأساوية حفيظتهم ضد النظام العراقي. ويعزى ذلك الى تأييد السيد الصدر العلني لنظام آية الله الخميني في ايران الذي طالما مقتوه.

ومما زاد في عدم اكتراث الغرب تجاه عملية اعدام السيد الصدر هو الاضطراب السياسي الذي اعقب نجاح الثورة الاسلامية في ايران فاسقاط نظام موال للغرب في ايران، بواسطة حركة اسلامية اصيلة، كان يعني صدمة قوية للغرب وتهديداً مباشراً لمصالحه في منطقة الخليج، تلك المنطقة التي تحتوي على خزين ضخم من النفط والتي يعتبرها الغرب من مصالحه الحيوية والتي لا تنازع والتي يبدو ان النظام الجديد في ايران لم يكن فقط عازماً على تهديد هذه المصالح وانما على نشر افكاره الاسلامية (الاصولية) في كل المنطقة.

وقد احس الغرب والانظمة الموالية له في منطقة الشرق الاوسط بالخطر ازاء ما اسموه بتصدير الثورة الاسلامية وبدأوا بوضع الخطط لاحتواء هذا الخطر وحبسه ضمن حدوده في ايران. وقد اعتبروا نداءات الامام الخميني للشعب العراقي بالثورة ضد النظام البعثي العلماني الفاسد والاستفادة من تجربة الشعب الايراني الثورية، الخطوة الاولى لنشر الاسلام الثوري في المنطقة والتي ستؤدي في النهاية الى زعزعة هذه الانظمة وتغيير نظمها السياسية. وقد اعتبر النظام البعثي في العراق مساندة السيد الصدر للامام الخميني ونداءاته، تهديداً مباشراً له وللأمن القومي وتعامل معه بحزم وشدة، حيث اعتقل الآلاف وأعدم المئات بدون محاكمة او بعد محاكمة صورية في احسن الاحوال. وقد شخص نظام البعث السيد الصدر كقائد روحي لحركة سياسية اسلامية تتعاظم يوماً بعد آخر منذ نجاح الثورة الاسلامية في ايران وانه رأس الحربة للقوى المعارضة للحكومة. وكما يراه البعض فانه خميني المستقبل في العراق. وعليه كانت مخاوف نظام البعث في محلها وكان على هذا النظام لكي يستمر في الحكم ان يتخلص من هذا التهديد المباشر لوجوده.

وكان اعدام الصدر رد فعل طبيعياً لنظام يصارع من اجل البقاء.

وكان نظام البعث في العراق، حاله كحال بقية الانظمة المتهرئة في منطقة الشرق الاوسط، يعاني من عدة نقاط ضعف وعوامل عدم الاستقرار بحيث ان السيد الصدر وحركته السياسية المناوئة يشكلان بحق تهديداً جدياً لبقائه ولا تحتمل المساومة والمهادنة. ومن ضمن عوامل الازمة اوعدم الاستقرار هذه:

اولا: كان النظام مرتبطاً فكرياً، وعقائدياً بحركة التيار القومي العربي التي كانت في بداية السبعينات تعاني من كساد في سوقها بسبب افلاسها السياسي اثر الهزيمة المنكرة التي منيت بها انظمة الحكم القومية، سياسياً، وعسكرياً، امام اسرائيل في حرب حزيران عام 1967م وبالخصوص نظام جمال عبد الناصر في مصر الذي احبط آمال الجماهير العربية بوعوده في تحرير فلسطين[1].

اضافة الى ذلك اجحف دعاة القومية العربية في معاملتهم تجاه اكبر اقلية غير عربية في العراق الا وهم الاكراد الذي ولّد، بالتالي، استياء وعداوة تجاه نظام الحكم وافكاره التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الحرب الطويلة بين الاكراد ونظام الحكم في اوائل السبعينات[2].

ثانياً: تنحصر القيادة السياسية للنظام بعدد قليل من العوائل التي تنتمي الى الاقلية العربية السنية في العراق[3]. والتي بدورها كانت مشغولة في حرب ضروس فيما بينها للسيطرة على القيادة، الامر الذي أدى الى انعزالها تماماً ليس عن الاغلبية الشيعية فحسب وانما عن معظم طائفتهم السنية وكذلك ولّد استياءً بين بقية القوى القومية والعلمانية في البلاد وبالتالي لم ينجحوا في كسب ودّ الشعب بل زادت عزلتهم عنه.

ثالثاً: لكي يستطيع نظام، كهذا البقاء والصمود ضد خصومه السياسيين الذين يتزايدون قوة وعدداً كان عليه ان يتبنى سياسة البطش والارهاب والسيطرة على الجماهير بواسطة اساليب القسر ودوائر الاستخبارات والأمن التي استعملت اساليب غاية في القسوة لابقاء النظام مسيطراً على الحياة السياسية في البلاد.

وقد تعرضت خمس القوة العاملة الفعالة في البلد (ما يقارب 4/3 مليون نسمة) الى نوع من التحقيق او الاعتقال مصحوباً بشكل او بآخر من اشكال التعذيب او العنف خلال سنة 1980[4].

وقد طغت قساوة الكبت السياسي والاضطهاد على سياسات النظام الاقتصادية الطموحة التي نجمت عن زيادة مدخول الواردات من النفط التي ارتفعت اسعاره في منتصف السبعينات وأدت الى تحسن ملحوظ في مستوى معيشة الفرد العراقي.

بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 اصبح الاسلام يمثل بديلا سياسياً لنظام حزب البعث، اضف الى ذلك ان مبادئه وتعاليمه لم تكن غريبة عن الجماهير بعكس مبادىء وافكار البعث المستوردة مثل التأميم والاشتراكية، كما ان هذه المبادىء الاسلامية سبق لها وان مدت جذورها عبر القرون في قلوب المسلمين، وتطلعاتهم وعندما برزت الثورة الاسلامية بشعاراتها وتصميم قيادتها على تحرير فلسطين ليس كأرض عربية وانما كأرض مقدسة للاسلام والمسلمين يجب تحريرها من رجس اي محتل كافر استقبلتها الجماهير بقبول كامل، عكس ما كانت تطبل له القوى القومية العربية التي لم تجد آذاناً صاغية لشعاراتها.

واكثر من ذلك كانت قيادة الثورة الاسلامية في ايران قد عقدت العزم على التخلص من كل مظاهر الهيمنة الاجنبية سواء أكانت شرقية ام غربية تحت شعار «لا شرقية ولا غربية» ذلك الشعار الذي وجد صداه لدى جماهير المنطقة التي عاشت تحت نير الاستعمار الغربي لعقود طويلة، ولا زالت تشهد مظاهر تدخل هذه القوى في شؤونها الداخلية.

وبالنظر لأهمية المنطقة الاستراتيجية، وضخامة مخزونها النفطي، والنزاع مع اسرائيل تحولت المنطقة الى بؤرة توتر، وصراع، بين الشرق، والغرب، وخضعت دول المنطقة لهذه القوة او تلك.

وعليه كانت مسائل الاستقلال، والسيادة الوطنية، والتحرر من هيمنة القوى الشرقية، والغربية من الاهداف، والمطالب الملحة لكل شعوب المنطقة.

لم تكن الشعارات الاسلامية التي وجدت صداها لدى جماهير المنطقة هي الخطر الذي كان يهدد انظمة المنطقة، وانما تلك التنظيمات التي احتضنت تلك الشعارات، والمفاهيم. فمنذ مطلع القرن العشرين كانت القوى السياسية الاسلامية، وفي جميع اقطار الشرق الاوسط تنشىء لها مؤسسات سياسية، وتطور برامجها لتحقيق هدفها الاساسي المنشود، الا وهو اقامة دولة تستند على احكام وتعاليم الاسلام. ويظهر ان تنظيمات كهذه هي التي مهدت الطريق لانتصار الثورة في ايران[5] وكانت الجهاز التنفيذي للاسلام السياسي وذاعه القوي في الساحة. وبناءً على ذلك الجهاز التنفيذي للاسلام السياسي وذراعه القوي في الساحة. وبناءً على ذلك كان تطبيق ما حدث في ايران في اي بلد آخر في المنطقة يبدو عملياً اعتماداً على هذه التنظيمات وبدا جلياً ان ما كانت قيادة الثورة الاسلامية تدعو له بتصدير الثورة الاسلامية الى دول المنطقة لا يتعدى الا تحفيز هذه التنظيمات ومؤازرتها. وهذا ما حدث بالفعل في العراق، فالتنظيمات الاسلامية كانت متواجدة بالفعل هناك قبل مجيء نظام البعث وقبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وكان السيد محمد باقر الصدر احد المؤسسين الاوائل لحزب اسلامي وسياسي، الا وهو «حزب الدعوة الاسلامية» وكان مهندساً لنشاطات سياسية ضمن مؤسسة سياسية منظمة ذات برنامج سياسي محدد لتحقيق هدفها في اقامة حكومة اسلامية ليس في العراق فحسب، وانما في العالم الاسلامي اجمع. ولهذا السبب فمن الضروري أن نسلط الضوء على حياة السيد الصدر السياسية منذ البداية وحتى استشهاده رحمه الله.

سطوع نجم الصدر

احدث الانقلاب العسكري العراقي في عام 1958 تحولا جذرياً في الحياة السياسية العراقية، وأثر في مسيرتها لسنين طويلة قادمة، وتغييره التركيبة الاجتماعية، والسياسية للشعب العراقي ككل. في ذلك الانقلاب ازيحت العائلة المالكة التي نصبها الانكليز على الشعب العراقي في عام 1921 من سدة الحكم وصفيت جسدياً مع بعض رجالات حكومتها وحلت محلها مجموعة من ضباط الجيش الذين قادوا الانقلاب وعلى رأسهم الزعيم عبد الكريم قاسم.

وقد شكل هؤلاء الضباط حكومتهم من شخصيات سياسية معروفة ومتباينة في المشارب والاتجاهات، وقامت في الاشهر الاولى بانجازات اكسبت رئيسها الزعيم قاسم محبة وود الجماهير ومن هذه المنجزات الانسحاب من حلف بغداد واغلاق القواعد البريطانية في العراق[6]. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار مشاعر الكره والاستياء لدى الشعب العراقي تجاه النظام البائد والاستعمار البريطاني، لادركنا مدى الحب، والتقدير الذي كان يكنّه الشعب للزعيم قاسم! الذي تحول الى بطل وطني بين عشية وضحاها.

ورغبة من الزعيم قاسم في الاستحواذ على مقاليد الحكم وتسيير دفة القيادة السياسية حسب مآربه ولزيادة شعبيته استعمل الشيوعيين الذين كانوا من اكثر الاحزاب تنظيماً وقتذاك، لتصفية زملاءه الضباط في القيادة (الانقلابية) والذين كانوا يناصرون الحركة القومية العربية.

وفي خضم هذه الاحداث وما تبعها من محاولة بعض الضباط القمويين القيام بمحاولة انقلاب ضد الزعيم قاسم دارت معارك في معظم مدن العراق الرئيسية وأهمها الموصل، وكركوك سفكت فيها دماء كثيرة كانت الغلبة فيها للشيوعيين الذين استغلوا تأييد الزعيم قاسم لهم بزيادة رصيدهم الشعبي وتحريك الجماهير وفق مآربهم[7].

وقد وجدت المؤسسة الدينية الشيعية، التي عرفت بعزوفها عن السياسة طيلة الحقبة التي اعقبت ثورة العشرين، نفسها امام تحد سافر من قوى سياسية ملحدة في المجتمع[8] لا يمكن للقيادة الدينية ان تتغاضى عن تصرفاتها وتتركها تعبث على هواها، وبعكسه فسوف تنجح هذه القوى في اماتة الروح الدينية لدى افراد الشعب، وبالفعل فقد دقت بعض المؤشرات نواقيس الخطر على هذه الظاهرة الخطيرة.

اولها: كان اصدار الحكومة قانون الاحوال المدنية (الشخصية) الجديد والذي كانت بعض بنوده مخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية وخصوصاً تلك البنود التي تعالج الارث وحقوق المرأة، ولم يثر القانون اي ردود فعل شعبية ضده مما يؤكد ان عموم الشعب كان يتقبل الموجة العلمانية وحملات مهاجمة الدين والمتدينين التي كان يرعاها النظام. ولم تفلح ادانات العلماء العلنية عن ثني حكومة قاسم عن رأيها ومضت قدماً في قانونها المخالف للاسلام.

ثانياً: استمرت الدعاية الشيوعية في هجومها على المؤسسة الدينية واصفة اياها بالرجعية، كما شنت حملتها الاعلامية على الفكر الديني باعتباره عقبة كأداء في طريق نهضة، وتطور الشعوب. وقد وجدت هذه الهجمات الدعائية آذاناً صاغية لها بين الجماهير ووجدت المؤسسة الدينية نفسها عاجزة في وقت تغلغل الشيوعيون اليها في المدن المقدسة كالنجف الاشرف وكربلاء والكاظمية، والانكى من ذلك ان الشيوعيين قد نجحوا حتى في كسب وتنظيم ابناء عوائل معروفة بتدينها ومحافظتها على التقاليد الدينية. وكان لزاماً على المرجعية المتمثلة بالمرجع الاكبر آية الله السيد محسن الحكيم ان يواجه هذا التحدي الذي كان يهدد ليس فقط الشيعة وبقية المسلمين في العراق وانما الشيعة في كل مكان حيث يعتبر العراق مركزاً لمدارس اسلامية رئيسية على مر القرون ومقر المرجع الاعلى للمسلمين الشيعة وأضرحة الكثير من ائمة المسلمين وبالاخص ائمة اهل البيت عليهم السلام منهم حيث تحتضن مدن النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء اضرحة ستة من الائمة الاثني عشر للشيعة الامامية، وأي محاولة لاضعاف الروح الاسلامية في هذا القطر سيضعف الشيعة في كل مكان.

وفي خضم الاحداث المضطربة والعصبية كانت هناك مجموعتان من العلماء تتقاسمهم المؤسسة الدينية. الاولى والتي تضم علماء الدين التقليديين الذين كانوا لا يحبذون التدخل في السياسة ويفضلون ابقاء الحوزة العلمية بمنأى عن المداخلات السياسية وتعقيداتها بينما تدعو الجماعة الاخرى الى الانخراط في الحياة السياسية مع بقية افراد الشعب. وقد نظمت هذه المجموعة نفسها تحت اسم «جماعة العلماء» في النجف الاشرف[9]. وقد وضعوا برنامجاً سياسياً للتصدي للنزعة العلمانية والمعادية للروح الاسلامية.

كان السيد الصدر لا يزال عالماً شاباً وقتها ولم يكن يعتبر كعضو مسؤول في الجماعة التي كانت تضم علماء كباراً ومجتهدين معروفين[10].

ولكن تأثيره على الجماعة تعدى عمره ودرجته العلمية. فقد كان يعتبر عالماً نابغاً استطاع ان يحصل على درجة الاجتهاد وهو لا يزال في منتصف العشرينات من عمره، وهو امر يندر حصوله في الحوزات العلمية. واستطاع تمرير تأثيره هذا على «الجماعة» من خلال دور خاله الشيخ مرتضى آل ياسين وأخيه الاكبر السيد اسماعيل الصدر الذي كان يحتل مركزاً مرموقاً في الجماعة[11].

وحسب ما ذكره السيد طالب الرفاعي كان سبب تشكيل هذه الجماعة هو التصدي للمد الشيوعي ودرء خطره عن الاسلام. ومن مناوراتهم السياسية انهم تجنبوا الهجوم على عبد الكريم قاسم، لادراكهم بشعبيته الواسعة لدى الجماهير، وعليه فقد اظهروا تضامنهم ومساندتهم مع قاسم في منشوراتهم واعلاناتهم وحصروا هجومهم على الشيوعيين.

ورداً للجميل سمح لهم النظام باستعمال الاذاعة الحكومية في احاديث اسبوعية كان السيد الصدريشرف على كتابتها ويقرأها السيد هادي الحكيم[12]. وعلى اي حال فشهر العسل هذا لم يدم طويلا فقد تأزمت الامور ثانية بين المرجعية والزعيم قاسم عندما اصدر المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم فتواه المشهورة بتحريم الانتماء الى الحزب الشيوعي ووصفه الشيوعية بانها كفر والحاد.

وقد احرجت هذه الفتوى التحالف القائم بين الزعيم والشيوعيين، اضطر الزعيم على اثرها فصم علاقته مع الشيوعيين للابد. وقد حاول الزعيم قاسم ان يقوم بزيارة السيد الحكيم عدة مرات ولكن الاخير رفض مقابلته الا بعد ان يلغي الاول قانون الاحوال المدنية (الشخصية) سيء الصيت[13].

وقد خطت «جماعة العلماء» خطوة اخرى الى الامام عندما حصلت من النظام على رخصة اصدار نشرة شهرية لمدة سنتين باسم «الاضواء» بهدف الرد على الهجمات الاعلامية ضد الاسلام والمسلمين والتي كان يقوم بها العلمانيون والمناهضون للدين واحكامه، وحسب ما اورده السيد طالب الرفاعي كان آية الله السيد الحكيم هو الذي حدد دور هذه النشرة، وحيث انه لم يكن مقبولا وقتها ان يتدخل (المرجع الاعلى) في امور سياسية محضة ويشرف على اصدار مطبوعة سياسية فقد ارتأى ان تضطلع بهذا الدور جماعة العلماء نفسها[14]

وقد تحمّل السيد الصدر مسؤولية كتابة المقال الافتتاحي فيها[15].

واستفاد من هذه الفرصة لكي يعرض من خلالها برنامجه السياسي للحركة الاسلامية التي كانت تحبو ببطء آنذاك. واكتشف فيها كفاءته ومقدرته على التأثير من خلال الكتابات السياسية.

وخلال تلك الحقبة اصدر السيد الصدر دراسته الاولى الموسعة «فلسفتنا» في عام 1959م. وهو كتاب يقدم نقداً معرفياً لمدارس الفكر الشيوعي والمادي[16] ويبين العيوب والثغرات في القواعد الاساسية للمادية الجدلية. كما تضمن الكتاب دراسة عن اهم المدارس الفلسفية منذ عهد «بلاتو» وحاول اثبات عدم ترابط المدرسة الفلسفية المادية وافتقارها الى الدقة في تفسير تطور المعرفة الانسانية وحقيقة الطبيعة المحيطة بالانسان واوضح ان النزعة الحديثة في المدرسة المادية، وهي المادة الجدلية، تعاني من نواقص كثيرة وكبيرة لا تؤهلها لان تكون الحقيقة النهائية عن الانسان. وعليه فان الشيوعية لا يمكن ان تكون حلا ناجعاً لمشاكل المجتمع عندما تكون فرضياتها الاساسية خاطئة.

وكان عمله الكبير الثاني اصداره كتابه «اقتصادنا» في عام 1961 م وهو محاولة نقدية لنظريتي الاقتصاد الشيوعي والرأسمالي، وتعريف مقارن بالنظرية الاسلامية في الاقتصاد ويحاول من خلالها التأكيد على ان الاسلام يمتلك الافكار والاسس التي يمكن بواسطتها معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية في عصرنا الراهن.

احد المآخذ التي يشترك فيها المحدثون والعلمانيون والشيوعيون ان الاسلام لا يملك الحلول الناجعة للمشاكل المتزايدة في عصرنا الراهن، وانه مجرد حزمة من المعتقدات لانقاذ الفرد من العقاب في يوم الحساب ولا ناقة له ولا جمل في انقاذ المجتمع في الوقت الحاضر.

وبالعكس من ذلك كان أهم ما بيّنه السيد الصدر في كتابه ان الاسلام كان مهتماً برفاهية الفرد في حياته.

وبالحقيقة كان اهم انجاز فكري للسيد الصدر هو تدوينه لقانون اقتصادي اسلامي في الفقه.وفي الواقع لم يسبقه احد في اكمال هذا الانجاز. ويبين في الختام ان الاسلام نظام اقتصادي متكامل يستطيع، ومن خلال حكومة اسلامية او جهاز اسلامي سياسي ان ينظم تنظيماً متكاملا لحياة الفرد الاقتصادية وأفضل ما يخدم متطلباته الاجتماعية.

وفي الواقع لم تكن محاولات اصدار مجلة «الاضواء» ومساهمات السيد الصدر فيها ونشاطات جماعة العلماء وكتب السيد الصدر الفلسفية والاقتصادية الامحاولة لنقل حلبة الصراع مع القوى العلمانية والملحدة من الشعارات وابواق الدعاية الى السجال الفكري والفلسفي والعقائدي، كما ان السيد الصدر لم يهدف فقط ومن خلال كتاباته اظهار مثالب ونواقص الافكار غير الاسلامية ومدارسها الفلسفية، ولكنه اثبت بقوة ان الاسلام كانت لديه الاجوبة الشافية لمشاكل العصر والمجتمع الحديث، وعليه كان الهدف السياسي الذي توخاه السيد الصدر هو لفت انظار الجماهير وتوعيتها الى حقيقة لم تكن واضحة في أعينهم، الا وهي ان الاسلام ليس كما يصوره اعداؤه، فانه قادر على دفع المجتمع الى الامام بنزع لباس الجهل والتخلف عنه. وألقى باللائمة على حالة التخلف التي تعيشها المجتمعات الاسلامية على القوى والجهات التي نبذت الاسلام وارتمت في احضان الاستعمار، والى فترة السبات الطويلة التي تعيشها الامة الاسلامية تحت نير الاستعمار.

ولم يكتف السيد الصدر وزملاؤه بالجبهتين الفكرية والاعلامية وانما فتحوا جبهة ثالثة في طريق مواجهتهم للقوى العلمانية بانشاء «حزب الدعوة الاسلامية»[17].

وقد ارتأت جماعة من المفكرين الاسلاميين في عام 1957م انه من الضرورة بمكان ان يحشد المسلمين طاقاتهم في منظمة يكون لها صوتها في الحياة السياسية وتؤثر على المستقبل السياسي للعراق ككل[18]. وعلى اي حال فالعمل الفعلي للحزب لم يبدأ الا في عام 1959 م وبعد انقلاب 1958م وتأسيس الجمهورية العراقية. كما ان مجريات الاحداث التي اعقبت الثورة قد جعلت من الحزب ضرورة ملحة سواء أكان للعلماء او لجماهير المسلمين الذين يعيشون الهم السياسي ليستطيعوا من خلاله مواجهة التحديات السياسية التي تعصف بالمجتمع فما دامت القوى العلمانية قد دعمت وجودها الميداني الفاعل في المجتمع بتنظيماتها السياسية فكان لزاماً على النشطاء الاسلاميين، ولكي يكونوا اهلا لتحدي هؤلاء الخصوم ان يسلكوا مسلكهم وينظموا انفسهم بتنظيمات مشابهة لتنظيماتهم مهتدين باقوال الفقيه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «لا ينتشر الهدى الا من حيث انتشر الضلال»[19].

وقد عقد الاجتماع الاول للحزب في كربلاء وكان السيد الصدر احد المشاركين فيه. ومنذ ذلك الحين وطبقاً لمصادر حزب الدعوة، لعب السيد الصدر دوراً بارزاً ومهماً في صياغة تركيبة الحزب وكتابة منهاجه السياسي[20]. وبعدها اصبح فقيه الحزب وحتى مسألة اطلاق اسم الحزب «الدعوة» كانت من اختياره هو[21].

كان هدف الحزب هو تنظيم وتعبئة المسلمين الملتزمين في الحزب على امل السيطرة على مقاليد الحكم واقامة حكومة اسلامية وكانت الخطة السياسية لتحقيق هذا الهدف تتوزع على اربع مراحل:

1 ـ تثقيف المنتظمين بالحزب بالمبادىء الفكرية.

2 ـ النضال السياسي ضد النظام الجائر في ذلك الوقت.

3 ـ اقامة الحكومة الاسلامية.

4 ـ تطبيق الاحكام الاسلامية وتصدير مفاهيم الثورة الاسلامية الى بقية ارجاء العالم[22].

ويعتقد ان هذه الخطة الطموحة كانت من بنات افكار السيد الصدر نفسه. وقد ارتأى العمل بسرية تامة في المرحلة الاولى لتحاشي اية اعمال قسرية من جانب الحكومة، وعليه فقد تم تنظيم الحزب بخلايا هرمية بحيث لا يؤدي اكتشاف اي خلية الى اكتشاف خلايا اخرى. وارتُئي كذلك تشكيل فروع للحزب في اقطار اسلامية اخرى غير العراق، وبالفعل تشكلت بعض الفروع للحزب في الخليج، ولبنان، ولكنه لم ينجح في هذا المسعى في ايران. ومع انقضاء الستينات كان السيد الصدر يمثل الانموذج الامثل للنشاط السياسي الاسلامي، والصحوة الاسلامية في العالم العربي الشيعي، وكل النشطاء المسلمين البارزين امثال السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان والشيخ عارف البصري والسيد مهدي الحكيم في العراق والشيخ علي الكوراني والشيخ محمد مهدي الآصفي في الكويت والسيد مرتضى العسكري في ايران هم ورثة افكار السيد الصدر. وغدت كتبه وبرامجه في العمل السياسي من المصادر المهمة في مناهج الحركات الاسلامية الاصيلة في كل انحاء الشرق الاوسط.

عودة الى الحوزة

بما ان السيد الصدر كان يعتبر من المجتهدين الاساسيين في الحوزة العلمية في النجف مع دراية فائقة في حقلي الفقه وأصوله، فقد نصحه بعض اساتذته بالعدول عن دوره السياسي في حزب الدعوة، وكتاباته في مجلة «الاضواء» لكي يستطيع ان يهيئ نفسه ليكون مرجعاً أعلى للشيعة في المستقبل[23].

ويبدو ان الضغط بهذا الخصوص قد انصب عليه من المرجع الراحل السيد محسن الحكيم كما ان اطرافاً عديدة في المجتمع قد وجهت انتقادات كثيرة لدور السيد الصدر السياسي وتورطه بالمنظمات السياسية.

اشخاص عديدون بضمنهم حسين الصافي[24]. قد قاموا بحملات خبيثة واسعة لثني السيد الصدر عن ممارساته السياسية بدعوى انها كانت تضر الحوزة العلمية ورفعوا شكاوى بهذا الخصوص الى السيد الحكيم نفسه[25] كما إنضمت ثلة من جماعة العلماء الى هذه الحملة واعربوا عن عدم رضاهم لدور السيد الصدر[26].

وكانت مقالة السيد الصدر الافتتاحية في «الاضواء» من اكثر المسائل المثيرة للجدل حيث ان هذه المقالات التي كانت معنونة بـ «رسالتنا» تحمل مغزىً سياسياً.

فقد تساءل اعداء السيد الصدر فيما اذا كانت هذه المقالات تمثل وجهة نظر جماعة العلماء ككل ام لا. وقد ضغط السيد الحكيم من خلال ابنه السيد مهدي على السيد الصدر للاقلاع عن دوره كفقيه لحزب الدعوة وعن افتتاحياته في «الاضواء»[27].

ويبدو ان عاملا آخر كان اكثر اهمية هو الذي أجبر السيد الصدر على الاستقالة ألا وهو مستقبله  القيادي في المرجعية والحوزة، حيث ان نوعية المناخ الديني في الحوزة لا تسمح لتسلم المرجعية العليا لمجتهد نشط سياسياً، ناهيك عن ان يكون عضواً في حزب سياسي. وعادة ينتخب المرجع من بين مجموعة من كبار المجتهدين الذين لهم اليد الطولى في الفقه وأصوله وسبق له ان اثبت جدارته ومكانته في تدريس هذين العلمين في الحوزة ولسنين طويلة، وكذلك من خلال اصدار بحوثه وافكاره الفقيه. وحيث ان طريقة الانتخاب تعتمد بدرجة كبيرة على مباركة المجتهدين الكبار والمدرسين في الحوزة، فان أمل السيد الصدر في الارتقاء الى هذا المنصب سيبدو ضعيفاً جداً في حالة استمراره في عمله الحزبي المكشوف.

ومن ذلك الحين انصرف السيد الصدر الى حياة الحوزة الرتيبة مخففاً نشاطه في الفعاليات السياسية والحركية المكشوفة التي قد تضر بدوره المرجعي في المستقبل، الى الحد الذي جعله يرجىء اصدار كتابه الذي طال انتظاره وهو «مجتمعنا» لانه وحسب مصادر مقربة اليه، لم يجد ان الوقت كان سانحاً لمثل هكذا عمل[28]. وعلى الرغم من ذلك وحسب مصادر حزب الدعوة فانه أبقى قنوات الاتصال بينه وبين الحزب مفتوحة وبالخصوص مع احد تلامذته[29].

كما يعقب السيد فضل الله على ان السيد الصدر كان يبدي نصائحه لمقربيه وزملائه حول شؤون وافتتاحيات «الاضواء»[30].

ونتيجة لذلك تحول جهد السيد الصدر للتطوير في الحوزة نفسها، وأدرك بضروة تعديل مناهج الدراسة. فحوزة النجف، على سبيل المثال، كانت ومنذ مائة وخمسين عاماً تركز على الفقه وأصول الفقه وذلك بسبب بروز مفكرين عظام في هذين الموضوعين في النجف مثل مرتضى الانصارى، الخراساني والنائيني، وحيث ان الاجتهاد يركز على التمكن من موضوعي الفقه وأصوله بينما يعتبر بقية المواضيع الاسلامية قليلة الاهمية وليست ذات قيمة وبناء على ذلك كان اساتذة الحوزة يركزون في تدريسهم على هذين الموضوعين فقط.

كذلك لم يشعر السيد الصدر بالراحة وابدى امتعاضه من انعدام مسؤولية الطلبة تجاه دروسهم وعدم انتظام دوامهم، واقترح ان ينجح الطالب في دروسه المقررة ويجتاز امتحاناً بهذا الشأن قبل ان يعطى لقب عالم دين[31]. واقترح اصدار كتاب مقرر للطلاب يدرس في الحوزة وليس الكتب الحالية التي لم تكن مخصصة للتدريس باي حال من الاحوال، وانما هي نتاجات فكرية لمؤلفيها ليس الا. وطبقاً لرأي السيد الصدر فان الكتاب المقرر يجب ان يتوخى مقدار استيعاب الطالب وفهمه للموضوع بطريقة متسلسلة من اسس وقواعد الموضوع الى اخر ما استجد فيه. ولم تقتصر مقترحات السيد الصدر على الكتب المقررة وانما تعدتها الى طريقة الدراسة، ونوع الامتحان، فقد اقترح ان يؤخذ المقررات على طريقة الجامعات الغربية حيث يحضر الطالب المواضيع المطلوبة منه، ويجتاز مرحلته المقررة بعد نجاحه في امتحان تحريري وليس امتحاناً شفوياً، حسب ما جرت عليه العادة في الحوزة العلمية.

ومحاولة منه لتطبيق مقترحاته تلك شارك السيد الصدر وبصورة فعالة في انشاء كلية اصول الدين في بغداد عام 1964 ووضع منهاجها بنفسه وكتب ثلاثة كتب مقررة لها في مجالات علوم القرآن، وأصول الفقه، والاقتصاد الاسلامي، لكي تدرس في السنتين الدراسيتين الاولى والثانية[32].

وعلى اي حال فمحاولته لتطبيق اصلاحاته تلك على الحوزة قد واجهت مقاومة عنيدة من كل من الطلبة والادارة الدينية. وعلى اي حال فالمرجع السابق السيد محسن الحكيم كان معروفاً بمعارضته لتأسيس كلية الفقه في النجف التي اسسها الراحل الشيخ محمد رضا المظفر كما ان السيد الصدر لم يكن يزمع بتطبيق اصلاحاته في الحوزة على الدراسات المتقدمة او ما يسمى بالبحث الخارج، وانما كان يريد تطبيقها على المراحل الابتدائية من الحوزة. ويبدو ان السيد الصدر كان يشارك آراء الاغلبية من مراجع ومجتهدي الشيعة بان مستوى التدريس في البحث الخارج كان عالياً ويمثل افضل طريقة للتحصيل العلمي على ارفع المستويات.

يمكن ان تعزى قلة نشاط السيد الصدر السياسي في منتصف الستينات الى درجة الاستقرار المعتدلة في النظام السياسي في العراق. فقد اعدم عبد الكريم قاسم اثر الانقلاب الدموي الذي جرى ضده في 8 شباط عام 1963م والذي اشعلت شرارته معارك دموية بين القوى التى كانت تسيطر على الشارع العراقي وقتذاك (الشيوعيون والقوميون العرب) ولم يكن لدى الانقلابيين الجدد الذين كان يترأسهم عبد السلام عارف، والبعثيين اي وازع للرحمة واستطاعوا تصفية خصومهم من الشارع، والحكومة بقسوة، وبطش شديدين. وبعد تسعة اشهر من ذلك التاريخ تخلص عارف من رفاقه البعثيين وطردهم من سدة الحكم.

وقد استطاع عارف ان يوظف استياء وسخط الشعب العراقي تجاه البعثيين وطرقهم التعسفية لصالح نظامه اضافة لذلك فقد حاول الا يصطنع معارضة جديدة لنظامه.

وعلى ضوء ذلك حاول ان يحسن علاقاته مع الشيعة وقيادتهم بالرغم من ان نسبتهم في الحكومة الجديدة كانت ضئيلة جداً، وبقي السنة وهم القلة مسيطرين عليها. اضافة الى ذلك حاول عارف ان يحصل على مباركة المؤسسة الدينية الشيعية لنظام حكمه وقام بزيارة آية الله الحكيم ولكن الاخير خيب اماله بالرغم من انه قدم خدمة جليلة بتصفية عدوين لدودين للمرجعة الدينية والحركة الاسلامية الا وهما البعثيون والشيوعيون وعلى اي حال فقد بقيت العلاقات بين السيد الحكيم والاخوين (عبد السلام وعبد الرحمن عارف) ودية نوعاً ما طيلة فترة حكمهما[33].

تعتبر الفترة المحصورة بين سني 1964 ـ 1968 الفترة الذهبية في عمر الحركة الاسلامية الشيعية الحديثة[34] حيث خلت من عمليات البطش والارهاب التي كانت تمارسها الحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق وازداد اعضاء حزب الدعوة، وخصوصاً في الجامعات وبين طبقة المفكرين والمثقفين وحسب مصادر حزب الدعوة كانت توزع اكثر من 1500 نسخة من صحيفة الحزب السرية، «صوت الدعوة»، على الاعضاء والمناصرين في جامعة بغداد وحدها. وكان الطلبة يخرجون  في مسيرات تدعى «مواكب الطلبة» في ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام معبرين عن تضامنهم للحزب. وفي الوقت نفسه وسع السيد الحكيم من نفوذه وزاد من نسبة الطلبة المسجلين في الحوزة سنوياً.

في هذا الجو رسم خطة لتأسيس جامعة الكوفة التي يؤمل ان تستقبل شباباً من الشيعة كي يساهموا في الشؤون المدنية والسياسية للمجتمع بعد تخرجهم وقام بفتح مراكز دينية ومكتبات عامة في مناطق كثيرة من البلاد، اشرف عليها ممثلون عنه يدعون بالوكلاء. وقام جماعة من علماء الدين في الكاظمية (احدى ضواحي العاصمة بغداد) بتأسيس جماعة لهم تماثل جماعة علماء النجف اطلقوا عليها جماعة علماء بغداد والكاظمية[35].

فى تلك الفترة كان السيد الصدر يعمل على جبهتين. في الاولى كان يهيىء نفسه للمرجعية على المستقبل البعيد[36]. بينما على الجبهة الثانية كان تأثيره يتزايد على مرجعية السيد الحكيم وعلى مجمل قرارات حزب الدعوة. ولأجل الحصول على اعتراف كامل بموقفه العلمي بدأ السيد الصدر في اعطاء دروس منتظمة في الفقه والاصول[37]. وخلال تلك العملية تخرج الكثير من طلبته من مختلف البلدان الذين روجوا لمكانة السيد الصدر العلمية في اقطارهم وهذا ما وسع من شهرة السيد الصدر وجعلته مشهوراً اكثر بين الجماهير وهو امر ضروري للمرجع اذا اراد لفتواه الانتشار والتأثير.

وقد اصبح السيد الصدر من ابرز مستشاري السيد الحكيم في الشؤون السياسية والاجتماعية. وفي احيان كثيرة كان السيد الصدر يكتب خطابات (وبيانات) السيد الحكيم حول الاحداث السياسية والتي كان يزمع القاءها في تجمعات جماهيرية باسمه[38].

المواجهة مع حزب البعث

آذنت عودة البعثيين الى السلطة في 17 تموز عام 1968م الى تصعيد المواجهة بينهم وبين القيادة الشيعية الى مستويات اعلى.

ويتذكر حكام البعث جيداً الموقف السلبي الذي اتخذه تجاههم النشطون المسلمون الشيعة عندما اشتركوا في قيادة النظام الذي اعقب انقلاب الثامن من شباط عام 1963م. حتى السيد محسن الحكيم الذي اصدر فتواه المشهورة بحق الشيوعية، ووصفها بانها كفر والحاد وأمر المسلمين بعدم الانضمام اليها، لم يعط حزب البعث اي دعم شعبي كانوا بحاجة ماسة اليه عندما كانوا (يصفون) الشيوعيين في تلك السنة.

كان حزب الدعوة من اكثر الاحزاب انتشاراً ابان حكم عبد الرحمن عارف، وبعد سقوط حكم البعثيين الاول في 1963، وعند عودتهم الى الحكم في سنة 1968 كان البعثيون يواجهون زعيمين شعبيين يفوقان قادتهم مكانة وتأثيراً لدى عامة الشعب العراقي. والزعيمان هما السيد محسن الحكيم، والملا مصطفى البارزاني الاول الذي يتزعم الشيعة والآخر الاكراد في شمال العراق، وأحسوا ان استقرار نظامهم الجديد يعتمد بالكامل على قوة الارادة والصمود امام هذين الثقلين المركزيين.

وحيث ان البرزاني كان ميالا للدخول في حوار مع النظام الحاكم لايجاد حل للمشكلة الكردية فقد استطاع حزب البعث ليس فقط بالتفاوض معه وانما مع بقية الاحزاب المتطرفة، وبضمنها الحزب الشيوعي والقمويين، وتشكيل جبهة وطنية سيرها وفق ارادته، ولكنه لم يتقدم احد من القادة الدينيين الرئيسيين ولا حتى احد اتباع السيد الحكيم بالدخول بحوار مع نظام البعث.

وقد حاول النظام وفي اكثر من مرة الطلب من السيد مهدي الحكم (الذي كان يمثل والده السيد محسن الحكيم في بغداد منذ عام 1964) القيام بزيارة علنية الى الرئيس احمد حسن البكر ولكن طلبهم كان يرفض في كل مرة[39].

عندها لجأ النظام الى حملة واسعة لحل المؤسسات الدينية الشيعية منها والسنية على السواء. والواقع ان النظام لم يكن له خيار آخر حيال هذه المؤسسات فهو على طرف نقيض منها، ويشهد توسع الحركات الدينية في القطر على حساب ما يدعيه من افكار قومية وعلمانية. فاذا اريد لافكاره الصمود ولنظامه البقاء فما عليه الا ان يحشر الطرف المقابل في زاوية ضيقة او الاجهاز عليه.

ولجأ النظام في البداية الى اتباع سياسات شعبية متطرفة يطرب لها الشعب ويستحسنها منها مناهضة الصهيونية وتحرير فلسطين، مناهضة الانظمة التي وافقت على الحل السلمي مع اسرائيل واعدام الجواسيس وتمتين العلاقات مع دول المعسكر الشرقي والدول غير المنحازة وتقديم يد العون للحركات الثورية في العالم الثالث وتأميم امتيازات الغرب في العراق وغيرها من الشعارات البراقة والبرامج الاعلامية[40].

وخطا النظام خطوته الاولى في طريقه لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية الشيعية باغلاقه المدارس الدينية وبالتحديد مدارس «الجوادين» الابتدائية منها والثانوية وكذلك كلية اصول الدين وكذلك صادر الارض والاموال المخصصة لبناء جامعة الكوفة وأوقف اصدار مجلة «رسالة الاسلام» (وهي المجلة الدينية الوحيدة التي سمحت بها رقابة الانظمة السابقة) ومنع مواكب الطلبة (وهي المراسيم التي كان يؤديها طلبة الجامعات في ذكرى استشهاد الامام الحسين (ع) وتسفير مئات الطلبة غير العراقيين الذين كانوا يدرسون في الحوزة العلمية وتطبيق الخدمة العسكرية الالزامية على طلبة الحوزة العراقيين والذين كانوا معفيين منها سابقاً. بالرغم من شمولية الاجراءات ولكنها كانت محدودة الهدف الا وهو تحديد فعاليات الحركة الاسلامية الشيعية التي يظهر ان قيادتها قد أخذت على حين غرة حيث ان ردود فعلها كانت غير منسقة وغير منسجمة مع طبيعة الاجراءات التي اتخذتها حكومة البعث.

بعض ردود الفعل هذه كان الاجتماع الذي دعت اليه جماعة العلماء التي تمثل جل المؤسسة الدينية للتشاور بالاجراءات التي يجب اتخاذها ضد الهجمة السافرة التي تشنها الحكومة والذي عقد في بغداد، العاصمة[41]، وكان من جملة قراراته هو دعوة السيد الحكيم السفر الى بغداد وتعبئة الجماهير ضد اجراءات حكومة البعث. وبالفعل قام السيد الحكيم بالمبادرة وانتقل للاقامة في الكاظمية حيث بدأ باستقبال جماهير المريدين الذين عبروا عن تأييدهم وولائهم له.

بعدها توجه السيد الصدر الى لبنان، حيث يرأس ابن عمه وشقيق زوجته، السيد موسى الصدر، المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى واستعمل مكتبه لتنظيم الاحتجاجات الشعبية من الخارج ضد النظام العراقي كما بعث السيد موسى الصدر برقيات الى رؤساء الحكومات والمؤسسات الاسلامية يحثهم فيها على التدخل ضد المضايقات التي تتعرض لها القيادة الدينية في النجف. ولكن الرد عليها كان مخيباً للآمال ولم تتخذ اي اجراءات مناسبة[42] سوى بعض برقيات التضامن والتعاطف من جمال عبد الناصر وملك السعودية الملك فيصل والرئيس اليمني، الايرياني، ورئيس الجماعية الاسلامية في باكستان، ابو الاعلى المودودي.

ونتيجة لذلك عاد السيد الصدر الى العراق بالرغم من الخطر المتزايد باعتقاله نتيجة نشاطه المضاد للحكومة في لبنان. وقد اقترح حزب الدعوة من طرفه على السيد محسن الحكيم بتنظيم المظاهرات واغلاق السوق الرئيسي في بغداد. وقد رفض السيد الحكيم الخطة بأكملها على اساس ان الحزب لم يكن مهيئاً بعد لعمل مثل هذا مع الاخذ بالحسبان الاجراءات القمعية السريعة التي قد يقدم عليها النظام[43].

وبمجرد رجوع السيد الصدر الى العراق قام، وبالتنسيق مع جماعة العلماء بالكاظمية وبغداد وجماعة علماء النجف بتنظيم تجمع جماهيري حاشد في مرقد الامام علي (ع) في النجف تضامناً مع السيد الحكيم وتنديداً بتصرفات النظام ضده.

وقد القى السيد مهدي الحكيم كلمة نيابة عن والده السيد محسن الحكيم كانت بالواقع من بنات افكار السيد الصدر الذي كتب مسودتها بنفسه[44].

وطبقاً لما اورده السيد مرتضى العسكري كان من المقرر القيام بنشاط اوسع من ذلك وهو تنظيم مظاهرة شعبية تضامناً مع السيد الحكيم في احدى ضواحي بغداد[45]. ولكن حكومة البعث بادرت، وقبل تنفيذ المخطط باعلانها عن كشف محاولة لقلب نظام الحكم بواسطة ضباط كبار، ورجال اعمال شيعة مرتبطين بايران والغرب (الولايات المتحدة واسرائيل) واتهام السيد مهدي الحكيم بانه كان الرأس المدبر للانقلاب[46]. لم تفلح حكومة البعث باغتيال السيد مهدي الحكيم سياسياً بهذه المكيدة فحسب، وانما وضعت كل الحركة الاسلامية الشيعية في موضع الدفاع عن نفسها وشتت قوتها الجماهيرية.

وعلى ضوء ذلك تم تهريب السيد مهدي الحكيم خارج القطر وسافر السيد مرتضى العسكري الى لبنان، وانسحب السيد محسن الحكيم الى النجف وتوفي بعد اشهر قليلة وتسلم بعده مقاليد المرجعية السيد الخوئي الذي رفض التورط بأي نشاط سياسي ضد حكومة البعث[47].

في خضم تلك الاجواء الصعبة، والمضطربة التي كانت تواجه المؤسسة الدينية بدأ السيد الصدر بالقاء محاضرات عن دور ائمة اهل البيت عليهم السلام وتعاملهم مع الانظمة الجائرة في اوقاتهم. وقد بين ان الائمة كلهم كانت لديهم خطة سياسية عظيمة وموحدة الا وهي تهيئة الارضية لاقامة حكم عادل وبذلك يحفظوا الاسلام ويصونوا نقاءه على الرغم من ان ادوارهم كانت متباينة من امام الى آخر. وخلاصة ما كان يريده السيد الصدر هو تذكير طلاب الحوزة بان الانسان يجب عليه ان يعي ويتفهم الظروف التاريخية التي يعيشها ويتصرف طبقاً لها.

توجد طرق عديدة يستطيع المرء فيها ان يحقق هدفه وقد لا يكون الاصطدام المباشر والمفتوح مع الحكام ـ دائماً وبالضرورة ـ لمصلحة الاسلام، وقد تكون الاساليب السلمية في مقاومة القهر والاستبداد من احسن الخيارات السياسية حيث يتوقع منها الا تؤدي الى تهديد مباشر للحركة الاسلامية وقاعدتها.

بعض الائمة المعصومين (ع) تحول الى الدعاء وآخرون تحولوا الى تدريس الفقه والسنّة المطهرة بينما تقبل اخرون مهاماً سياسية قليلة الأهمية وكل ذلك لأجل التغلب على القهر الاستبدادي الذي يتعرض له الشيعة. ومضى السيد الصدر أبعد من ذلك عندما نظرّ بان الله سبحانه وتعالى قد صمم الرسالات السماوية للانبياء حسب ظروفهم التاريخية. وقد صدرت هذه المحاضرات في كتاب واحد تحت عنوان «اهل البيت، تنوع ادوار، ووحدة هدف».

ألقيت محاضرات اخرى وفي اوقات اخرى لمعالجة حالة الحرمان (الكبت) السياسي، من زاوية اخرى كان السيد الصدر يركز فيها على قوة ارادة الانسان المؤمن كأداة وحيدة لاستمرارية الرسالة المحمدية وبناء الاسلام. ونبّه على عدم الانكسار والخنوع بوجه المآسي العنيفة، حيث ان الصعاب المختلفة وسوء الطالع هي محصلة طبيعية للصراع التاريخي العادل. وعلى اي حال البقاء الناجح، يعتمد بالدرجة الاساس على مدى تفاني الانسان المؤمن وقدرته على الاستمرار بالرغم من كل الصعاب.

وذكر اخوته الشيعة بالاكراد في شمال العراق وكيف يواجهون مصاعب ومحناً غاية في القسوة والضراوة وشدد على مديد العون اليهم بكل طريقة ووسيلة ممكنة، وان المصاعب والمحن التي يعانيها كل المسلمين يجب ان تعامل كمحنة واحدة يحس ويتألم لها الجميع. وقد جمعت هذه المحاضرات وصدرت تحت اسم «المحنة»[48].

الصعود الى القمة

ما ان رحل زعيم الشيعة المؤثر (السيد محسن الحكيم) حتى كثفت حكومة البعث من مساعيها في التقليل من نفوذ الحوزة في النجف وذلك عن طريق تسفير الطلبة الاجانب منها ومن القطر (معظم طلبة الحوزة كانوا من الاجانب) ومراقبة الطلبة العراقيين فيها، الامر الذي ادى الى وقوع الحوزة في حالة من الاضطراب والفوضى. عندها قام السيد الصدر بالضغط على الطلبة الاجانب الذين يحملون تأشيرات دخول غير منتهية، وأمرهم بالبقاء ومقاومة الحكومة وضغوطاتها بأي وسيلة ممكنة وأقنع السيد الخوئي باستصدار حكم (فتوى) الى الطلبة بالبقاء في النجف واكمال دراستهم[49].

ويبدو ان حكومة البعث لم تكن راغبة وقتها بالاصطدام بالقيادة الشيعية الجديدة وآثرت تأجيل قرارها بترحيل الطلبة الاجانب، وحسب وجهة نظر القيادة البعثية ان الامام الخوئي لم يكمل بناء قاعدته الشعبية بعد والاصطدام به في وقت مبكر كهذا، سيجعل منه بطلا بين عشية وضحاها.

على اي حال ابتدأ نظام البعث عملياته التعسفية ضد حزب الدعوة واعتقل بعض الشخصيات المشتبه بانتمائهم للحزب في عام 1972 وحكم عليهم لمدد تتراوح بين السنة والخمس سنين[50] بينما استشهد صاحب الدخيل الملقب (بأبو عصام) نتيجة التعذيب الشديد عام 1973 والذي كان مسؤولا عن تنظيم مواكب الطلبة التي انطلقت اولا في كربلاء[51]. ويعتقد، كذلك انه كان مسؤول حزب الدعوة في العاصمة بغداد[52]. ولم تتوقف حملات التنكيل هذه، فبعد سنة من ذلك التاريخ اعتقل النظام سبعة وعشرين عضواً من اعضاء حزب الدعوة بينهم علماء دين بارزون حكم على خمسة منهم بالاعدام[53] (يعتقد بانهم كانوا يشغلون مناصب رفيعة في السلم الحزبي). وقد احدث اعدام هؤلاء الخمسة (ثلاثة منهم كانوا علماء دين) موجة عارمة من الاستنكار والغضب وخصوصاً بين اوساط المؤسسة الدينية (بضمنهم الصدر والخوئي والخميني)[54]. وسرت اشاعات عن مقربين للسيد الصدر انه من شدة حزنه وأساه اصيب بشلل مؤقت لفترة من الزمن عندما وصله خبر الاعدام[55].

وكخطوة منه لتحاشي فتح مسلسل اعدامات اخرى بين علماء الحوزة اصدر السيد الصدر فتواه القاضية بتحريم انتساب الطلبة في الحوزة العلمية الى اي حزب سياسي، ويشمل ضمناً حزب الدعوة[56] ومؤخراً وفي نفس تلك السنة اعتقلت اجهزة الامن السيد الصدر وأقتادته الى بغداد للتحقيق معه ولكنه اطلق سراحه وبسرعة[57].

في الحقبة التي تبعت وفاة السيد الحكيم وتقلد السيد الخوئي منصب المرجع الاعلى للشيعة كان السيد الصدر لا يزال مرجعاً عادياً في الحوزة ولكنه اصبح يشار اليه بالبنان على كونه الخليفة المرتقب للسيد الخوئي[58].

وعلى اي حال فالمرجعية بحد ذاتها كانت حملا ثقيلا، كان عليه ان يكمل دروسه في الحوزة في مادتي الفقه والاصول. وبطبيعة الحال كانت مهام المرجعية والتدريس في الحوزة تأخذ معظم ساعات نهار المجتهد، وقد ولدت بدورها ضغطاً كبيراً على السيد الصدر الذي كان يخصص جل وقته والذي استمر لعدة سنوات وبصورة منتظمة، كان عليه، وكأي مرجع، ان يخصص وقتاً لاستقبال العامة من الناس في مكتبه الخاص ويجيب على اسئلتهم المتعلقة بالشؤون الدينية والحياتية، ووقتاً آخر للاجابة على الرسائل التي ترده.

مهام اخرى كان على المرجع ان يؤديها منها توزيع الحقوق الشرعية التي ترده من المقلدين على الجهات التي تخدم الاسلام واغراضه.

وكان على السيد الصدر ان يرسل ممثلين عنه من العلماء الى المناطق والمساجد التي تحتاج الى خدمات دينية. وحيث ان مقلدي السيد الصدر اقل من اولئك الذين يقلدون الامام الخوئي فقد كانت المسؤولية الملقاة على عاتقه اخف مما على الامام الخوئي. وعلى اي حال فمقلدو السيد الصدر انحصروا بالمثقفين وطلبة الجامعات وأصحاب الدخل المتوسط ومعظمهم من العراقيين وبالخصوص الحركيين الاسلاميين النشطين واعضاء حزب الدعوة.

وبما ان المقلد يتعين عليه ان يتبع آراء المقلد فيما يخص الفروض الدينية والاحكام الاسلامية المتعلقة بجميع نواحي الحياة كان على المرجع ان يصدر رسالته العملية ليتمكن مقلدوه من مراجعتها وقد دوّن السيد الصدر أراءه كحواشي (تعليقة) على رسالة السيد الحكيم «منهاج الصالحين»[59].

فى وقتها كان معظم كتابات السيد الصدر في الفقه قد نتجت عن محاضراته في الحوزة[60]. وقد جمعت هذه المحاضرات في الفقه في كتاب تحت اسم «بحوث في العروة الوثقى» واعتبرت ككتاب مقرر في الفقه. وفي الاصول اصدر كتاباً آخر تحت اسم «بحوث في علم الاصول»[61]. وفي كلا الكتابين قدم السيد الصدر آراءه حول استنباط الاحكام الشرعية[62].

وجد السيد الصدر ان معظم المجتهدين قد كتبوا (رسالاتهم) العملية بطريقة يصعب على العوان تفهمها على الرغم من ان هذه الرسائل قد كتبت وبالدرجة الاساس لهم وكانت اللغة السائدة في الرسائل مملوءة بالمصطلحات التي يصعب فهمها من قبل العامة ناهيك عن الاخذ بمعانيها وتطبيقها.

بعض الفتاوى يرجع عهدها الى الف سنة مضت، وتعالج مسائل تخص تلك الايام الغابرة ولا دخل لها بقضايا العصر الراهن. وقد ارتأى السيد الصدر ان يكتب رسالته العملية بشكل يلبي طموحات الناس في الوقت الحاضر ويتفهم احتياجاتهم المعاصرة. وظهرت (فتاواه الواضحة) بشكل مميز عما سبقه ولقيت استحسان واطراء الشباب والمثقفين من الشيعة والسنة على السواء وخصوصاً على لهجتها غير المتكلفة وتفاسيرها المستفيضة للفتاوى ومعالجتها المشاكل والقضايا المعاصرة[63]. وفوق كل ذلك فقد اقترح السيد الصدر ان يعاد النظر بالتصنيف المتبع للفتاوى والذي ينقسم الى صنفين هما العبادات والمعاملات[64].

وقد علل السيد الصدر ان نظاماً مستقطباً وعريضاً كهذا من شأنه ان يجبر المجتهد على غض الطرف عن بعض القوانين او ان يضع البعض الآخر في مصنف غير مناسب ليس الا سوى موافقة للتصنيف المتبع[65].

وعلى ضوء هذا الاقتراح قسم السيد الصدر (فتاواه الواضحة) الى اربعة اقسام (او اجزاء):

1 ـ العبادات: التي تتضمن الاعمال العبادية والتي تستوجب نية الشخص المؤدي لها ولا تشمل اعمال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا الجهاد لان هذه الاعمال تستدعي مشاركة ومساهمة عامة.

2 ـ الاموال: وتشمل المسائل المتعلقة بالاموال العامة واملاك الدولة ومصادر الدخل العامة كالزكاة والخمس (بالرغم من كونها نوعاً من انواع العبادة) والاموال الخاصة.

3 ـ السلوك الخاص: ويشمل الاحكام التي تتعلق بالاسرة مثل الزواج والطلاق والارث.

4 ـ السلوك العام[66].

وعلى اي حال استطاع السيد الصدر ان يطبع الجزء الاول من فتاواه (العبادات) سنة 1976 ولم يكمل الباقي، ومن المحتمل ان يكون السبب هو الفترة المضطربة التي أعقبت ذلك التاريخ وتوجت باحداث الثورة الاسلامية الايرانية.

ويبدو ان السيد الصدر قد اتخذ في (فتاواه الواضحة) أراءً اكثر تحفظاً فيما يخص استنباط الاحكام الشرعية وحسب رأيه فالمصادر الوحيدة لاستنباط الاحكام الشرعية هي القرآن والسنة النبوية المطهرة. اما المصدران الآخران اللذان هما العقل والاجماع فلا يعتبرهما من المصادر الموثقة ما لم يجد ما يسندهما من القرآن والسنة[67].

وفي وقت فراغه من كتابه (الفتاوى الواضحة) كان السيد الصدر منهمكاً مع احد طلبته[68] بكتابة عمل فلسفي ليتمم كتابه المطبوع «فلسفتنا» وقد توصل الى اعتقاد مفاده ان نظرية المعرفة لارسطو تشوبها نقاط ضعف كثيرة الى درجة لا يمكن اعتبارها احدى طرق الاثبات المسلّمة في عصر العلوم هذا.

كانت الفلسفة تعتبر متوافقة مع العلم منذ ايام ارسطو وحتى عصر الثورة العلمية الحديث. استطاع المنطق الارسطي ان يربط العلاقة بين العلية (السببية) الفلسفية والاثباتات العلمية. وعلى اي حال ففي ايامنا هذه تعتبر المعلومات التجريبية والقواعد الرياضية هي الحقائق الوحيدة المسلّم بها لدى الفلاسفة الوضعيين والفلاسفة الجدليين الماديين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وفي كتابه «فلسفتنا» استعمل السيد الصدر الطرق الارسطية لاثبات وجود الله سبحانه وتعالى وتفنيد فكرة الاتجاهات المادية التي تنكر وجود عالم الغيب. وهو في كتابه الجديد حاول ان يكتشف طريقة متزامنة للاثبات تربط الفلسفة بالتجارب العلمية وقد اوصلته محاولته الى اكتشاف منطق للاستقراء كأساس للمعرفة الانسانية في الفلسفة والعلم على حد سواء. ويعتبر كتابه هذا «الاسس المنطقية للاستقراء» من ابرز انجازات السيد الصدر الفلسفية روعة[69]. حتى السيد الصدر صرح بنفسه بقيمة الكتاب العالية وكان تواقاً لطبعه باللغات الاوروبية الغربية[70]، وعندما سأل عن سبب كتابة هذا الكتاب اجاب بكلمته المشهورة «يجب ان ينتهي عصر الاستعارة من الغرب ونبدأ نحن بتصدير منجزاتنا اليه».

ينتقد السيد الصدر في «الاسس المنطقية» الاسس التي اعتمدت عليها الفلسفة الاسلامية، وهي بالواقع فرع من فروع الفلسفة الارسطية، التي سبق لها ان دافع عنها في كتابه السابق «فلسفتنا» وقد توصل الى استنتاج مفاده ان المنطق الارسطي، ومفهوم نظرية المعرفة يعانيان من نقاط ضعف كثيرة، ولهذا السبب طوّر السيد الصدر مفاهيمه المتعلقة بالادراك والمعرفة بشكل يعتمد أكثر على معايير الفلسفة التجريبية ويعلل ذلك بصلاحية الطرق العلمية التجريبية، كصيغ لمعرفة كلا العالمين (الغيب والشهادة) على السواء.

مع حلول عام 1977 أكمل السيد الصدر كتابه «دروس في علم الاصول» وهو آخر عمل كبير ومهم له. ويتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء أعده خصيصاً للطلبة المبتدئين في الحوزة[71] وكان له ما اراد من الكتاب. فلم تمض الا فترة وجيزة الا واعتبر كتاباً مقرراً في علم الاصول في الحوزات العلمية الشيعية وتفوق على كل الكتب المقررة في ذلك الموضوع وذلك بسبب اسلوبه وبلاغته. وقد قدم السيد لمحة تاريخية عن الموضوع وبعدها شرح بأسهاب مبسط للطلبة افكار ومفاهيم الدرس وبعدها تدرج في لب الموضوع وشرح اتجاهاته المختلفة ومنجزات مفكري الاصول العظام.

ولكونه مرجعاً بحد ذاته كان مدركاً لحقيقة ان المرجعية التي تعتبر المصدر الرئيسي للزعامة الشيعية السياسية، تفتقد الى دعائم دستورية بالرغم من عمرها الذي نيف على الألف سنة[72]. ولا تزال تفتقد الى المقومات التي تتمتع بها القيادة السياسية المؤثرة وبالخصوص افتقادها الى الوسائل التي تمكن المرجع من التأثير على ممثليه ووكلائه المنتشرين في جميع انحاء العالم وتنفيذ قراراته.

واعتاد المراجع على ادارة شؤونهم، وتسيير سياساتهم، واصدار قراراتهم كل حسب اسلوبه الخاص معتمدين على حلقة من المقربين، والاقارب لجمع المعلومات واصدار التصريحات السياسية، وتطبيق القرارات، وعليه لم يكن هنالك نموذج امثل لعملية صنع القرارات ولا لمحتوى تلك القرارات.

حالة التضارب وعدم الانسجام هذه ولدت ارباكاً اجتماعياً اضعف العلاقة بين العلماء وجمهور المقلدين. اضافةً على ذلك لم يكن المرجع يدرب العلماء الذين ليسوا على صلة مباشرة به او على مقربة منه كي يمدهم بالعلم والخبرة وكان كل مرجع جديد يبدأ مهمته مع الآخرين من نقطة الصفر وكل مرجع يختلف عن غيره بمؤهلات القيادة والقدرة على التصرف في الازمات او الخبرة في الشؤون السياسية[73].

أراد السيد الصدر ان يحول ما اسماه بالمرجعية الفردية الى المرجعية الموضوعية لغرض رفع مستوى، وتأثير المرجعية وزيادة قوتها في المجتمع، وحسب ما اقترحه السيد الصدر يتوجب على المرجع لكي يقوم بمهامه على افضل وجه، ويرشد الجماهير بطريقة مؤثرة ان تكون لديه مؤسسة تتكون بنيتها التحتية من جهاز منظم متعدد الفروع، عندها يستطيع التغلب على نقاط الضعف التي وردت آنفاً. واستطرد في اقتراحه وطالب بان تقوم المرجعية بمهام متعددة الجوانب كالبحوث والتخطيط والتنفيذ على اسس علمية منظمة تعتمد توزيع المهام، والاعمال على المشتغلين كل حسب اختصاصه.

وعليه لأجل تصريف شؤون الامة اقترح السيد الصدر ان تشكل اللجان الآتية:

1 ـ لجنة تسيير الوضع الدراسي في الحوزة العلمية.

2 ـ لجنة الانتاج العلمي وايجاد دوائر عملية لممارسة البحوث ومتابعة سيرها والاشراف على الانتاج الحوزوي.

3 ـ لجنة مسؤولة عن ادارة شؤون العلماء الذين يمثلون المرجع في المدن الاخرى.

4 ـ لجنة العلاقات الخارجية والاعلام.

5 ـ لجنة رعاية العمل الاسلامي والتعرف على مصاديقه في العالم الاسلامي.

6 ـ اللجنة المالية.

ولأجل ان يكون المرجع قائداً مؤثراً في المجتمع يتوجب عليه ان يحتل المركز الاعلى في السلم الاداري ويكون على بينة من نشاط مساعديه[74]. وعلى اي حال لم يهمل السيد الصدر الجوانب الايجابية للمرجعية الذاتية ومنها سرعة الاستجابة (وخصوصاً في المسائل السياسية) وضمان القيادة الشخصية والاشراف على اعلى المستويات التي حفظت المرجعية من اختراقها بواسطة افراد غير منضبطين وخصوصاً الى مراحل التخطيط. ولكن ايجابيات المرجعية الموضوعية تفوقها بكثير من حيث الكم والأهمية[75].

اضافة الى ذلك فالعملية السائدة في اختيار المرجعية الذاتية تؤكد على الصلاحية الفردية والشخصية للمرجع نفسه والاستمرار بالمهام التقليدية للمرجعية.

توجد شروط كثيرة لأهلية المرجع لتسنم منصبه اهمها اثنان: اولهما: ان يكون من اعلم اقرانه في الشريعة، وثانيهما صفة العدالة وهي بقاؤه ملتزماً على مبادىء الشريعة وضوابط اخلاقها طيلة حياته. وعلى اي حال، وحسب رأي السيد الصدر اختيار المرجع من ناحية الأهلية الشخصية غير كاف لتحقيق الاهداف المتوخاة في المرجعية (الموضوعية) حيث انها تحتاج الى اسس، ودعائم لذلك المرجع في الحوزة وفي الأمة بأسرها على السواء ويؤمن بهذه الاهداف بطريقة او اخرى[76].

بداية الصدام مع حزب البعث

في مطلع عام 1977 اقدم نظام البعث الحاكم على خطوة من اجرأ خطواته للحد من الشعائر الدينية الشعبية وذلك بمنعه مراسيم عزاء استشهاد الامام الحسين (ع).

وفي الواقع ان النظام ومنذ عام 1970 كان يحاول وبدون جدوى منع هذه المراسيم وخصوصاً في المدن المقدسة مثل كربلاء والنجف.

على اي حال فان النظام كان مصمماً في ذلك العام على استعمال كل الوسائل الممكنة لمنع موكب العزاء الذي ينطلق كل عام من النجف الى كربلاء.

وتنطوي اهمية هذا الموكب على المراسيم المرافقة له حيث ينطلق آلاف المعزين باستشهاد سيد شباب اهل الجنة قادمين من كل انحاء العراق مشياً على الاقدام مسافة خمسين ميلا ولمدة اربعة ايام مثيرين بذلك المشاعر الحزينة والعاطفية وكذلك مثيرين حفيظة النظام الذي يعتبر مثل هذه المراسيم تحدياً صارخاً له ولمحاولته القضاء على الروح الدينية لدى الشعب العراقي وتعزيزاً لموقع السلطات الدينية التي تمنحها مثل هذه المراسيم دعماً شعبياً ظاهراً.

لم يثن قرار النظام بمنع موكب العزاء الشعب ولا الجهات المنظمة له من العدول عن تقلديها وأصروا على الخروج في الموعد المحدد للموكب في صفر من عام 1497 هجرية[77]. وقد وزع منظمو الموكب منشورات تدعو الشعب للمشاركة في العزاء وتحدي السلطة الجائرة[78]. وبعكس مراسيم السنين السابقة فقد اثارت قرارات السلطة الشعب وأدى اصرارهم على الخروج في الموكب الى اضطرابات كبيرة في مدينة النجف.

وبالرغم من المحاولات اليائسة للسلطة، والحزب لحمل الشعب على عدم الخروج في الموكب وذلك باقامة التجمعات والمهرجانات الا ان كل تلك الجهود باءت بالفشل وانتهت بالفوضى[79] ومضت المسيرة في موعدها المقرر وخرج فيها ما يقرب من الثلاثين الف مشارك يحملوه الرايات والشعارات الدينية وفي مقدمتها آيات قرآنية منها (وما النصر الا من عند الله) و(يد الله فوق ايديهم)[80].

لم تستطع قوات أمن النظام وشرطته من السيطرة على الحشد الجارف الذي اندفع من النجف وايقافه، وعندما كان الموكب يتقدم نحو مدينة كربلاء وأصبح على بعد عشرة اميال منها كان النظام لا يزال في حيرة من امره وهل سيترك المشاركين في الموكب لدخول المدينة وتحمل مرارة الهزيمة والانكسار ام يمنعهم من دخولها بأي قوة كانت؟

اولا: وكوسيلة لانقاذ ماء وجهه لجأ النظام الى التحاور مع قادة الموكب[81] بواسطة مجموعة من علماء الدين البارزين منهم السيد محمد باقر الحكيم وأعلن النظام استعداده للسماح بالمسيرة بان تمضي قدماً وتدخل مدينة كربلاء ورفع الحظر المفروض عليها بشرط ان يمتنع المشاركون عن اطلاق الهتافات المناهضة للسلطة[82]. ولكن مشاعر الكراهية والرفض ضد النظام كانت الى درجة من الحدة والقوة لدى المشاركين بحيث اجهضت اي فكرة بالحوار والتشاور مع الوفد الذي ارسله النظام للتوسط. عندها لجأ النظام الى تحريك لواء كامل من  الجيش تعززه الدبابات وطائرات الهليوكبتر والطائرات الحربية المقاتلة[83].

بالرغم من كل تلك الاجراءات استطاع مئات من المشاركين في الموكب دخول مدينة كربلاء بسبب تعاطف العديد من الضباط والجنود معهم ورفضهم اطلاق النار على مواطنين مسالمين، كل ذنبهم انهم كانوا مشتركين في موكب ديني! ويطلقون الهتافات الدينية. ولكن النظام لم يستسلم لهؤلاء بعد وأطلق ضدهم ما كان متوفراً لديه من كادر حزبي ورجال الامن والشرطة واصطدم معهم في شوارع كربلاء مما ادى الى جرح العديد منهم واعتقال اعداد اخرى[84].

وقد قامت الحكومة الجائرة بتشكيل محكمة خاصة اطلق عليها محكمة الثورة ترأسها ثلاثة من قادة الحزب البارزين[85] لمحاكمة منظمي الموكب ووجوهه البارزة وكعادة النظام بمعالجة الانتفاضات الشعبية وفي مثل هذه المحاكمات الصورية تم اصدار احكام جائرة باعدام سبعة من منظمي الموكب والسجن المؤبد على خمسة عشر شخصاً بضمنهم السيد محمد باقر الحكيم.

وقد اثرت هذه الانتفاضة على هيكلية النظام وأدت الى تصدعه حيث انقسمت قيادة الحزب العليا الى فريقين قد اتهم النظام بعض الاعضاء البارزين بالتهاون والتردد بينما اتهم الآخرين بان السلطة استعملت وسائل غاية في العنف والقسوة ضد المشاركين في الموكب لم يكن داع لاستعمالها اصلا. وقد تغلب الفريق المتشدد الذي كان يقوده صدام والبكر على الفريق المعتدل وطرده من الحزب ومناصب الدولة شر طردة، بضمنهم اعضاء المحكمة الخاصة التي حاكمت منظمي الموكب بحجة ان احكامهم كانت متهاونة وضعيفة[86].

وقد اثار حكم سجن السيد محمد باقر الحكيم سخطاً شعبياً واسعاً وخصوصاً في اوساط الحوزة العلمية وقد ارسل الامام الخوئي وفداً الى القصر الجمهوري للمطالبة باطلاق سراحه. وقد تم تخفيف الحكم من المؤبد الى سنين قليلة ولمن يمض وقت طويل حتى أطلق سراحه ضمن العفو العام عن السجناء السياسيين في تموز 1978 م.

على اي حال فالنظام كان يشك بضلوع السيد الصدر بالانتفاضة التي رافقت الموكب خصوصاً وانها كانت منظمة تنظيماً جيداً مما اوحى للنظام بعلاقة الانتفاضة بحزب الدعوة المحظور. وفي الحقيقة، وحسب كتابات حزب الدعوة كانت خطة الانتفاضة قد رسمت بواسطة فروع الحزب في النجف وكربلاء[87]. كذلك تبين ان السيد محمد باقر الحكيم الذي ارسله النظام للتفاوض مع قادة الانتفاضة هو بحد ذاته ممثلا شخصياً للسيد الصدر وأحد اقرب المقربين اليه ويعزى فشله في اقناع هؤلاء القادة في العدول عن قرارهم باستمرار الموكب بحكم كونهم على علاقة بحزب الدعوة ويتلقون اوامر من السيد الصدر. وهذا ما اثار شكوك النظام بأن مؤامرة ما قد حيكت بواسطة السيد الصدر الامر الذي ادى الى اعتقاله بواسطة اجهزة الامن واقتياده الى بغداد للتحقيق معه وقد اطلق سراحه بسرعة خوفاً من اثارة اضطرابات جديدة تطالب باطلاق سراحه خصوصاً وانه في تلك المرحلة كان السيد الصدر قد اصبح مرجعاً دينياً شهيراً يشار اليه بالبنان[88].

وقد كشف السيد محمد باقر الحكيم لاحقاً ان السيد الصدر قد خطط لاثارة انتفاضة اخرى عند اعتقاله بواسطة السلطة تؤدي اما الى اعتقاله او اعدامه. وعلى اي حال لم يوضح السيد الحكيم لماذا عدل السيد الصدر عن خطته تلك[89].

الفصل الاخير: النهاية الدموية الحاسمة

في الوقت الذي تنفس فيه قادة النظام البعثي الصعداء بقضائهم على انتفاضة صفر سنة 1977 وظنوا انهم قد قضوا، ولسنين طويلة قادمة، على المعارضة الدينية، اهتزت الارض تحت اقدامهم مثلما اهتز العالم ككل بثورة البركان المتأجج في ايران والمهدد بزعزعة الانظمة في المنطقة، والتي كانت تصبوا الى عصر من الاستقرار السياسي.

بحلول عام 1978 اندلعت ثورة اسلامية ضد نظام الشاه القوي المدعوم بالولايات المتحدة بقيادة دينية مركزها النجف. ومرة اخرى تحتل هذه المدينة المقدسة موقع الصدارة في الاحداث ليس كونها مركزاً للدراسات الشيعية الدينية، وانما كمركز هيجان سياسي.

وعلى الرغم من ان هذه الثورة لم تكن موجهة ضد نظام البعث الحاكم في العراق الا ان هذا النظام قد احس بنذير المتاعب القادمة منها. وكان الامام الخميني قائد الثورة الاسلامية يعيش في النجف طيلة السنوات الاربع عشرة الاخيرة مستفيداً من عداوة نظام البعث للشاه لينطلق بحملته الواسعة ضد النظام الملكي في ايران. وقد سمحت له السلطات البعثية بايصال نداءاته السياسية المعارضة الى الشعب الايراني عن طريق الاذاعة العراقية الناطقة باللغة الفارسية وهذا بدوره فتح منافذ عديدة للخميني بالاتصال مع حلفائه السياسيين.

على اي حال لم يدم شهر العسل هذا طويلا فبعد اتفاقية الجزائر عام 1975 التي وقعها الشاه مع صدام حسين، والتي انهت الصراع بين النظامين تمّ قطع هذه المساعدات عن الامام والاهم من ذلك ان هذه المحاباة من قبل النظام على الرغم من قصرها لم تدفع الامام الخميني لاظهار اي من مشاعر الود والتعاطف مع النظام الحاكم خصوصاً وانه عايش وشهد بأم عينه حملات الاضطهاد والتعسف التي مارستها السلطة بحق الحوزة العلمية في النجف وخصوصاً القيادة الدينية للشيعة. وفي مرات عديدة كان الامام الخميني يعبر عن سخطه واستهجانه لحملات نظام البعث ضد المسلمين النشطين بواسطة رسائل شفوية ينقلها عنه معاونوه السياسيون.

وفي كل مرة كان النظام يحذر الامام الخميني من مغبة التدخل في شؤونه الداخلية ولاظهار سخطه واحتجاجه كان الامام يمتنع عن اعطاء دروسه في الحوزة لعدة ايام.

وقد ايقظت الثورة الاسلامية في ايران الحماس السياسي لدى المرجعية الدينية في العراق حيث شعرت انها جزء لا يتجزأ من الانتفاضة الايرانية خصوصاً، وان هذه الثورة قد اوضحت وبجلاء انه من الممكن تحدي وهزيمة الانظمة المستبدة وان الحركة والفكر الاسلاميين باستطاعتهما قيادة الجماهير وتحقيق حلمها في اقامة دولة اسلامية.

واثبتت الثورة ان الدماء التي سفكت خلالها لم تذهب سدى، وانما على العكس، فقد حفزت آخرين على الانضمام للثورة والدفاع عنها، وهكذا تحولت الاعمال القمعية التي مارسها النظام لسحق الثورة سلاحاً ضده عجلت بسقوطه في النهاية.

تحت ضغط نظام الشاه قام نظام البعث بترحيل الامام الخميني من العراق الى فرنسا وعشية سفره زاره السيد الصدر متحدياً النطاق المضروب حول بيت الامام الخميني من قبل رجال الامن[90] وقد حملت هذه الزيارة اكثر من مدلول وأنها ذات اهمية بالغة فاضافة للدعم المعنوي الذي حظي به الامام الخميني من قبل السيد الصدر فزيارة مرجع لمرجع آخر كانت غير متداولة في عرف الحوزة. بعد هذا التاريخ سيظهر السيد الصدر في الحلبة الرئيسية من ساحة السياسة العراقية كمتحد سياسي رئيسي لنظام البعث ليقود ويستنهض كل النشاطات المعادية للنظام خلال السنتين القادمتين.

اظهر السيد الصدر دعمه اللامحدود وتحمسه الشديد للثورة الايرانية بنشاطات عدة[91].

اولها: انه اصدر بياناً مطولا يساند فيه الثورة الاسلامية والشعب الايراني ويمجد بالامام الخميني الذي كان وقتها متواجداً في باريس[92].

ثانياً: ومباشرة بعد انتصار الثورة وعودة الامام الخميني الى ايران ارسل الشهيد الصدر احد اخلص معاونيه وهو السيد محمود الهاشمي ككمثل شخصي له للاتصال بقيادة الثورة[93].

واعتبرت الحكومة البعثية هذين التصرفين خرقاً فاضحاً لسياستها بالانتظار والتريث نحو مجريات الاحداث في ايران[94]. زيادة على ذلك استنكر السيد الصدر سياسه حكومة البعث عندما اشعلت نار الفتنة والاضطرابات لدى عرب ايران بحجة المطالبة بحقوقهم من الحكومة الثورية لآية الله الخميني، وارسل برقية معنونة الى عرب ايران يدعوهم فيها الى طاعة قادة الثورة الاسلامية وذلك باعتبار ان الجمهورية الاسلامية هي الحكومة التي ارسي قواعدها الرسول الاعظم (ص) والتي تتعايش فيها كل الطوائف والجماعات العرقية بمحبة ووئام[95].

ثالثاً: بادر السيد الصدر بكتابة ستة بحوث متنوعة فيما يتعلق بارساء قواعد الحكومة الاسلامية وقد طبعت هذه البحوث بعد ذلك في كتاب بعنوان «الاسلام يقود الحياة».

احد هذه البحوث يتناول دراسة فقهية حول عوامل نشوء الدولة والمبررات لاقامة حكومة اسلامية وفيه اوجز السيد الصدر تركيبة الحكومة الاسلامية ووظائف كل فرع من فروع الدولة ومسؤوليات المرجع الاعلى في الدولة الاسلامية وشرعية صلاحيته المطلقة وفق الفكر الشيعي الاسلامي. وقد كانت افكار السيد الصدر متوافقة مع ما كان يدرسه الامام الخميني حول ما كان يعرف في الدراسات الفقهية بولاية الفقيه. ويبدو ان هذا البحث كان له اثرٌ بالغ على منظري دستور الجمهورية الاسلامية في ايران حيث تجد وبسهولة افكار وآراء السيد الصدر حول تركيبة الحكومة الاسلامية في المسودة النهائية للدستور الايراني.

البحث الثاني المهم للسيد الصدر كان بعنوان «خلافة الانسان وشهادة الانبياء» وهي مقالة سياسة واجتماعية، في نفس الوقت تبحث حول مسألة حقوق وواجبات الراعي والرعية في الحكومة الاسلامية. وفي البحث يعتبر (المرجع الاعلى) هو الخليفة الشرعي للنبي والائمة المعصومين (ع) ولكنه لا يحمله مسؤولية اصدار قوانين واحكام جديدة وانما تفسير الاحكام الاسلامية بما يتلاءم والظروف المستجدة.

من ناحية اخرى فان هدف الانسان في الحياة هو تطبيق اوامر الله سبحانه وتعالى في خلق مناخ اجتماعي افضل على الارض. ويعتبر الانسان من ارقى مخلوقات الله سبحانه وتعالى لقدرته على تحمل مسؤولياته من خلال ممارسته لارادته بحرية. رسالة هذا الانسان على الارض هي كونه نائباً لله سبحانه وتعالى بينما تبقى مهمة الافراد المصطفين (من انبياء وائمة معصومين) هي هداية هذا الانسان في رسالته العظيمة الخالدة.

وعليه فان مهمة (المرجع الاعلى) في الدولة هي كونه نائباً عن المعصومين والمصطفين كمشرف ومراقب على الناس خلال محاولتهم انجاز ما رسمه الباري تعالى لهم.

البحث الثالث المعنون «منابع القدرة في الدولة الاسلامية» كان محاولة للسيد الصدر بيّن فيها القدرات الضخمة التي يمتلكها نظام الحكم الاسلامي في قيادة الامة الى الامام واقتلاع جذور التخلف والتردي. ولتحقيق هذا الهدف اشترط الا يحكم المسلمين اي شكل آخر من اشكال الحكومات الوضعية. وعزى مقومات القوة هذه الى:

1ـ الطبيعة الفكرية (الايديولوجية) للدولة الاسلامية.

2ـ الطبيعة النفسية والفكرية للمسلم.

لم يكن هدف الحكومة الاسلامية مادياً فحسب وانما لها هدف روحي كذلك وبتعبير ادق تسديد  رباني حيث، وبتعبير السيد الصدر «سياسات الحكومة الاسلامية يجب ان تتوافق والمعايير الاخلاقية التي تحمي العدالة في المجتمع، وعليه فان كل مسلم مرتبط تاريخياً وادبياً وعاطفياً بالحكومة الاسلامية».

وعالجت البحوث الثلاثة الباقية العناصر الاساسية لاقتصاد الدولة الاسلامية وتركيبة نظامه المصرفي وهي مطابقة بشكل يكاد يكون تاماً مع افكار السيد الصدر التي قدمها قبل عشرين عاماً من ذلك التاريخ، وهذا يؤكد تكيف الشهيد الصدر مع مرحلته الاجتهادية المبكرة حول هذه المسائل.

في ذلك الوقت بدأ السيد الصدر بالقاء محاضرات ذات مغزى سياسي في الحوزة. وقد جمعت هذه المحاضرات التي بلغ عددها اربع عشرة محاضرة في مجلد واحد تحت اسم «مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن» ومن ضمن ما تطرق له في تلك المحاضرات عملية التغيير الاجتماعي في التاريخ مستشهداً بآيات من الذكر الحكيم.

ميز السيد الصدر نوعين من القوانين التي تتحكم بالعملية التاريخية، الاولى تلك التي ليس للانسان سيطرة على محصلتها النهائية والاخرى تلك التي يتحكم فيها الانسان ويحدث فيها تغييراً تاريخياً اما نحو الافضل او نحو الاسوأ.

بعدها قدم تصوراً جديداً عن التقسيم الطبقي للمجتمع تحت عنوان «المجتمع الفرعوني» حيث يتوزع المجتمع الى طبقات، واحدة في القمة تقابلها اخرى في الحضيض والتي سماها بطبقة المستضعفين بينما تحتل طبقات اخرى مواقع لها بين الاثنتين منها طبقة المنتفعين من النظام المتسلط وطبقة المهادنين سياسياً. وباستثناء طبقة المستضعفين وحسب رأي السيد الصدر فان مصير الطبقات الباقية الادانة التاريخية وعقاب الباري تعالى. وما قصد به السيد الصدر عن استثناء المستضعفين هو المستضعفون النشطون سياسياً والذين يحاولون اقتلاع كل مظاهر الظلم، وارساء نوع من الحكومة التي قدرها الباري تعالى، وأمر بها.

ويقترح السيد الصدر بانه اذا توفرت الارادة الحقيقة لدى الشعب فان باستطاعته ان يغير مجرى التاريخ وانه من الخطأ ان يتصور شخص ما بان تغيير الظروف التاريخية امر ليس في متناول البشر. ويتعين على المستضعفين الا يفكروا فقط بالقضاء على الظلم وانما بالحصول على القوة والهداية لاقامة نظام سياسي واجتماعي عادل يلبي وبشكل افضل متطلبات الانسان المادية والروحية.

وكانت محاضرة السيد الصدر الاخيرة خطاباً مثيراً، ومؤثراً ركز فيه على دعوة الطلبة الى الجدية والاخلاص وبيّن اسس الاسلام واهدافه وفي نهاية الخطاب صرح بان ايامه قد اصبحت معدودة وبالتحديد لمح للحوزة انه كان يخطط لعمل سياسي معارض ومباشر قد يؤدي بالنهاية الى اعدامه[96].

على اي حال كانت اجرأ خطوة سياسية يقدم عليها السيد الصدر في حرب الاعصاب التي كان يشنها ضد النظام هي فتواه المتعلقة بتحريم الانتماء الى حزب البعث او اية منظمة تابعة له. هذه الخطوة كانت الى درجة من الجرأة والخطورة بحيث ان ممثلي السيد الصدر في مدن عراقية كثيرة ترددوا في اعلانها والدعوة اليها خوفاً على حياتهم او على الاقل على حياة السيد الصدر نفسه.

ولغرض نشر الفتوى على نطاق اوسع لجأ السيد الصدر الى اساليب اخرى منها تشجيعه الطلبة بسؤاله خلال احاديثه المنتظمة في الحوزة حول مدى مساهمة الشخص في حزب البعث. وبهذه الصورة اوضح السيد وبجلاء عن موقفه وتوقع كثيرون ان تقدم الحكومة على عمل ما ضده وعلى اي حال جاءت الشرارة التي نسفت الوضع بأكمله من ايران هذه المرة.

فقد ابرق الامام الخميني عن طريق الاذاعة، معتمداً على مصادره الموثوقة في النجف، رسالة الى السيد الصدر دعاه فيها للبقاء في الحوزة، وعدم مغادرة العراق حتى، ولو تعرض لمضايقات الحكومة[97].

بالرغم من ان السيد الصدر كان في الحقيقة يواجه احتمالا متزايداً باعتقاله او حتى اعدامه ولكنه لم يكن يخطط وقتها، وطبقاً لما اروده السيد محمد حسين فضل الله، لمغادرة العراق على الاطلاق[98]. على اي حال فقد فجرت رسالة الخميني وجواب الصدر عليها[99] موجة من المظاهرات في المدن العراقية الكبرى تأييداً للاثنين[100] كانت اقواها ما حدث في مدينة النجف.

حيث تقاطرت وفود عديدة من اماكن مختلفة في العراق على منزل السيد الصدر معربة له عن ولائها وتأييدها. وقد طلب السيد الصدر من اعوانه وممثليه وقف هذه التظاهرات، وحيث ان هؤلاء الافراد كانوا يمثلون الزبدة المنتخبة من الدعم الجماهيري له فقد كانت نية السيد الصدر، وحسب ما اورده الشيخ النعماني، عدم رغبته في كشف قوته كلها للنظام وكذلك حماية مريديه من اية اعمال بطش قد تلجأ اليها الحكومة في المستقبل[101].

وقد صرح السيد الصدر لاحد اعضاء حزب الدعوة «ان هدوء النظام في المرحلة الحالية ينطوي على مخاطر كامنة، وجمة، وعليه يجب علينا توخي الحيطة، والحذر في اعمالنا»[102] ولم تمض الا فترة قصيرة من الهدوء النسبي حتى بدأت اعمال التنكيل التي تنبأ بها السيد الصدر حيث تم اعتقال معظم مريديه ومئات من الذين شاركوا في مظاهرات اعلان البيعة له وتوجت هذه الاعمال باعتقال الصدر نفسه واقتياده الى بغداد. وقتها ذهبت اخته امنة الصدر الملقبة ببنت الهدى الى مرقد الامام علي (ع) وألقت خطبة نارية حرضت فيها المواطنين على التظاهر ضد النظام واعلان سخطهم وغضبهم والمطالبة باطلاق سراح السيد الصدر.

وحالما انتشر خبر اعتقال السيد الصدر اندلعت الاضطرابات في مدن عراقية عديدة منها بغداد والبصرة وديالى والسماوة والكوت والديوانية وكربلاء ومدن اخرى. وقد اغلق السوق متاجره في النجف واندلعت اضطرابات، قوية اصطدم المتظاهرون الغاضبون فيها بالشرطة وتم تطويق المدينة ووضعها تحت الحصار التام واستعرض النظام عضلاته بنشر رجال الامن فيها.

ولكن اجبرت الاضطرابات التي عمت العراق النظام على اطلاق سراح الامام الصدر في نفس اليوم.

وعلى اي حال اعطى اعتقال السيد الصدر النظام فكرة واضحة وكاملة عن مدى وحجم الدعم الجماهيري الذي يتمتع به الصدر الذي حولته معارضته للنظام الى قائد وطني استقطب اهتمام الجماهير والمعارضة حوله واصبح وجوده بحد ذاته يشكل تهديداً للنظام وشرعيته في الحكم.

صحيح ان السيد الصدر كانت تنقصه وسائل الاعلام الواسعة لايصال ما كان يريد التعبير عنه الا انه حاول سد هذا النقص باستعمال الاذاعة العربية التي تبث من ايران. ولم يكن النظام مستعداً لتسفير السيد الصدر خارج البلاد معتبراً بما جرى للشاه عندما سفّر الامام الخميني خارج ايران وحوله الى بطل وطني استقطب المعارضة حوله. وعليه فقد لجأ النظام الى سياسة خنق السيد الصدر وحرمانه من اي متنفس سياسي له في الداخل وبعدها يستطيع تغييبه من مسرح المعارضة والى الابد.

ولاجل تطبيق هذه الخطة الخبيثة استهدف النظام اولا حرمان السيد الصدر من حلفائه السياسيين في العراق وبعبارة ادق ممثليه من علماء الدين المنتشرين في انحاء مختلفة من البلد ومن اعضاء حزب الدعوة.

وشهد العراق حملات واسعة من الاعتقالات طالت الاسلاميين النشطين الذين تعرضوا لاقسى انواع التعذيب، ومن ثم الاعدام بدون تحقيق، او محاكمة نزيهة. وفي المدن العراقية الكبرى تعرضت جمهرة كبيرة من علماء الدين الكبار الى الاعدام السريع واغلقت مساجدهم التي كانوا يمارسون فيها اعمالهم العبادية وعلى سبيل المثال فان مصادر الحكومة الموثقة بينت ان محكمة الثورة قد حكمت بالاعدام على 258 شخصاً في اثنين وعشرين جلسة فقط[103].

في الوقت نفسه وضع السيد الصدر تحت الاقامة الجبرية وقطعت عنه جميع الاتصالات الخارجية وابقوا خطاً واحداً مفتوحاً معه من خلال بعض علماء الدين الموالين للسلطة لغرض الحصول على بعض التنازلات منه.

في البداية طلبت السلطة منه الاستسلام التام لمطاليبها من ضمنها ما قدمه مدير الامن العام فاضل البراك اثناء استجوابه للسيد الصدر في رجب 1400 هجرية وهو ان يوقف السيد دعمه للثورة الايرانية ويعلن تأييده لسياسة النظام تجاه ايران. وعندما وجد النظام عدم استعداد الصدر الانصياع لطلباته خفف من لهجته وطلباته وارسل وسيطه للتباحث مع السيد الصدر وهو الشيخ عيسى الخاقاني. وقد عرض الاخير على السيد الصدر خمسة طلبات ليختار واحداً منها لينقذ نفسه من موت محقق وهذه النقاط هي:

1ـ وقف تأييده للامام الخميني والثورة الاسلامية في ايران.

2ـ اصدار بيان يؤيد احدى سياسات الحكومة مثل تأميم شركات النفط الاجنبية او قرار منح الحكم الذاتي للاكراد.

3ـ اصدار فتوى تحرم الانتماء لحزب الدعوة.

4ـ الموافقة على اجراء مقابلة صحفية مع صحيفة عراقية او اجنبية يتحدث فيها بصورة محددة عن امور دينية بحتة.

5ـ اصدار فتوى جديدة تنسخ الفتوى السابقة التي تحرم الانتماء لحزب البعث.

عند ذلك وحسب ما اورده الشيخ النعماني (سكرتيره الشخصي) استنتج السيد الصدر ان ايامه قد اصبحت معدودة وتوقعاً لشهادته فقد رفض كل تلك المطالب.

كانت فكرة سقوطه شهيداً قد سيطرت على مخليته وأفعاله لسنين عديدة عندما وصل الى استنتاج نهائي مؤداه ان نظام البعث في العراق قد وصل الى درجة عالية من القوة والجبروت يستحيل على حركة اسلامية متواضعة زعزعته ولكن ذلك كان يعني بقاء النظام على تسلطه وضياع المشاعر والافكار الدينية من جمهرة الشعب العراقي وكان العمل الوحيد الذي فكر به الصدر هو عمل مأساوي عنيف قادر على تثوير الشعب ودفعه الى التحرك السياسي الجاد ضد حكومة البعث الا وهو استشهاده بصورة مفجعة.

اراد السيد الصدر ان يحاكي عمل الامام الحسين (ع) السياسي الذي ادى استشهاده المأساوي، عندما واجه قوة الامويين الجبارة في القرن السابع الميلادي، الى فقدان الامويين مشروعيتهم للحكم وأشعل شرارة سلسلة من الانتفاضات انتهت بسقوطهم على يد العباسيين الذين رفعوا شعار الثأر للامام الحسين واهل البيت (ع). وقد ورد عن السيد الصدر قوله «لا يستنهض كل الناس بالافكار وانما تحتاج الغالبية الى دماء لتحفيزهم» واكثر من ذلك قوله «يحتاج العراقيون الى دم طاهر كدم الحسين لايقاظهم من سباتهم»[104].

لم يكن استشهاد السيد الصدر حصيلة من محصلات الثورة الايرانية ولكنه امر تعود جذوره الى منتصف السبعينات عندما عزز الحكام البعثيون قوتهم من خلال بعض المنجزات الاقتصادية التي رفعت من مستوى معيشة الفرد العراقي رافقتها اجراءات قسرية ضد خصومهم السياسيين اضافة الى تطبيق سياسة خارجية متطرفة لقيت حماساً جماهيرياً في العراق وعلى امتداد العالم العربي.

في ذلك الوقت وبالتحديد في عام 1976 تولدت فكرة السيد الصدر بمحاكاة الامام الحسين (ع) لتثوير الشعب ودفعه الى القيام بأعمال مضادة للحكومة خصوصاً وان الناس وقتها لم يكونوا ميالين للثورة والقيام بأي عمل ضد سلطة تمارس طمس الحقوق السياسية للافراد ومنعهم من حرية التعبير.

كانت الخطة تقضي بان يقود السيد الصدر وبقية العلماء الموالين له مظاهرة جماهيرية في مرقد الامام علي (ع) في النجف يلقي خلالها الصدر خطاباً يهاجم فيه سياسة الحكومة بخرقها لحقوق المواطنين الدينية والاجتماعية ويقوم الآخرون بتحريك الجماهير في الصحن الشريف.

واستنتج السيد الصدر بان تقوم قوى الامن برد عنيف على المظاهرة وتمضي الاضطرابات الى ان يستشهد. ويستمر بقية المريدين في الخطة وعلى رأسهم المؤسسة الدينية في النجف بتعبئة الجماهير في اعمال مناهضة للحكومة مثل الاضرابات والتظاهرات وبقية اعمال الرفض الاخرى.

لكن كل ذلك كان يعتمد على دعم العلماء ومراجع التقليد لتحقيق الهدف المنشود وكان السيد الصدر يأمل في الحصول على شرعية كافية لخطته من اعلى مرجع ديني يحمل روحاً سياسية وثابة الا وهو آية الله الخميني ولكن عندما عرض عليه السيد الصدر الامر للحصول على مباركته كان جوابه بالحرف الواحد «لا ادري» عندها احس السيد الصدر بصعوبة وقوف الحوزة وراءه وعدل عن خطته الاستشهادية تلك.

وقد فكر بأن موته المأساوي بدون مباركة المرجعية سيكون موتاً بدون مكسب سياسي يذكر وبتعبير ادق انتحاراً سياسياً.

وعلى اي حال بقيت هذه الفكرة تراود مخيلة السيد الصدر وعندما توصل الى استنتاج مفاده ان الجمهورية الاسلامية في ايران والتي يقودها مرجع ديني كبير ستكون متحمسة لاستثمار عملية استشهاده، وستكون مستعدة لاكمال الشوط في الصراع ضد النظام وبالتأكيد استلم السيد الصدر اشارات معينة من مقبل القيادة الايرانية تؤكد له دعمها في فكرته هذه.

وقد هولت الدعاية الايرانية هذه الفكرة عندما بدأت حملتها بالدعوة الى تحرير العتبات المقدسة في العراق، وبدأت البرقيات، والنداءات تتوالى من الاذاعة الايرانية الناطقة بالعربية تدعو الشعب العراقي للانتفاض، والثورة، على النظام البعثي الكافر، وراء قيادة السيد الصدر. حينها ايقن الصدر ان ايران ستحمل مشعل استشهاده، وان علماء الدين المبعدين سيقودون الثورة بعده. وعليه فقد امدته الجمهورية الاسلامية بعاملي قوة كان يحتاجهما، افتقدهما عندما فكر لسنوات قليلة مضت بثورته الحسينية. والعاملان هما تأييد حركته من قبل المرجعية وضمان استمرارية النضال.

كذلك كان هنالك عامل نفسي ساعد في اعادة تفكير السيد الصدر بخطته الاستشهادية ذلك بان قد شهد بأم عينيه مولد الجمهورية الاسلامية التي كان يصبو اليها طيلة حياته كما ان رؤيته للمرجعية الموضوعية (الرشيدة) قد اصبحت حقيقة واقعة في ايران بمرجعية آية الله الخميني حيث ان هذه المرجعية قد حققت هدفها باقامة الحكومة الاسلامية[105] وبما انه قد احس ان استشهاده ضروري لديمومة الحركة الاسلامية ابلغ وسيط النظام البعثي الشيخ عيسى الخاقاني: «كل ما كنت اصبو اليه في حياتي هو جعل الحكومة الاسلامية حقيقة على ارض الواقع وبعد ان تحقق هذا الحلم في ايران وبقيادة الامام الخميني فلا يهمني الآن ان اموت او ان احيا ما دام الحلم الذي اردت تحقيقه قد اصبح حقيقة واقعة والحمد لله»[106]. وما ان شهدت التنظيمات الاسلامية وعلى رأسها (حزب الدعوة الاسلامية)[107] عمليات الحصار والمضايقة التي يتعرض لها قائدهم الامام الصدر حتى تحولوا الى النضال المسلح ضد المسؤولين البعثيين وكانت ذروة هذه العمليات المسلحة ضد الحكومة ورجالاتها هي عملية الهجوم على طارق عزيز الذي كان يعتبر من منظري حزب البعث ويشغل حالياً منصب وزير الخارجية. وقد حدث الهجوم في الجامعة المستنصرية ببغداد حيث كان من المقرر ان يلقي طارق عزيز خطاباً على طلاب الجامعة المنتظمين في حزب البعث يتحدث فيه عن موقف الحكومة ضد ايران وقد تسلل احد الاسلاميين النشطين في صفوف الطلبة البعثيين والقى قنبلة يدوية على طارق عزيز قتل فيها احد حرسه الشخصيين وأصيب هو بجروح طفيفة. وفي مراسيم تشييع الذي قتل في العملية القيت قنبلة يدوية اخرى وقتلت آخرين[108]. وقد اصيب النظام بصدمة عنيفة فهذه هي المرة الاولى التي يلجأ فيها الشيعة الى النضال المسلح علماً انهم يؤلفون جل الكوادر الدنيا والوسطى للحزب الحاكم.

وصرح صدام حسين، الذي اصبح وقتها رئيساً للجمهورية واثناء زيارته لجرحى عملية الجامعة المستنصرية، بالانتقام من منفذي هذه الاعمال وألقى اللوم على عملاء ايرانيين بتنفيذهم تلك العمليات وبدأت عملية تهجير كبيرة لعشرات الآلاف من العراقيين الذين يدعي النظام انهم ينحدرون من اصول ايرانية قدر عددهم بـ 132 الف مواطن وقد باءت خطة النظام بالفشل التام حيث لا تزال حركة المعارضة والعمليات المسلحة ضد النظام قائمة على قدم وساق في طول البلاد، وعرضها. زيادة على ذلك فان الامام الصدر وهو رمز المعارضة الاسلامية في العراق ينحدر من اسرة عراقية معروفة بنشاطها السياسي في تاريخ العراق الحديث.

لجأ النظام البعثي الذي كان يجاهد عبثاً للحصول على شرعية ما له الى خطة لتصفية الحركة الاسلامية تصفية كاملة وبأي ثمن وتوج هذه الخطة باستصدار قراره المشؤوم في 31 اذار 1980 من مجلس قيادة الثورة باعدام كل عضو ينتمي الى حزب الدعوة او التنظيمات المرتبطة به او حتى الذي يروج لافكاره او الذين يعملون لتحقيق اهدافه. وتضمن القرار اثراً رجعياً لمفعوله اي يشمل القرار حتى الذين كانوا منتظمين فيه سابقاً.

احسن الشهيد الصدر انه كان مستهدفاً بالذات بقرار الاعدام هذا، ولن يكون هنالك امل في الحفاظ على حياته ولم يكن هنالك مجال للانسحاب او اعادة التنظيم في الحملة ضد النظام.

وبينما هو تحت الاقامة الجبرية سرب السيد الصدر ثلاثة اشرطة مسجلة الى اعوانه داعياً فيها الشعب العراقي الى مقاومة النظام بأي وسيلة ممكنة[109]. ووضع السيد الصدر نفسه قائداً للشعب العراقي وتحدث نيابة عنه وباسمه. وطالب الحكومة بمنح الشعب حقوقه السياسية والدينية وشدد على منح هذه الحقوق بصورة متساوية الى كل طوائف وقوميات الشعب بعربه وأكراده وسنته وشيعته. كما خاطب اعضاء حزب البعث انفسهم عندما بيّن لهم كيف خالفت قيادتهم الحالية حتي مبادىء حزبهم انفسهم.

وتحدى النظام في شرعيته وأهليته للحكم ودعاه بالسماح للمواطنين للتعبير عن انفسهم ولو لفترة اسبوع واحد كي يعرفوا مشاعر الشعب نحوهم.

وفي احد هذه التسجيلات الصوتية اعلن السيد الصدر بيانه الختامي الى الشعب بضرورة اسقاط النظام واقامة حكومة اسلامية محله وأحد هذه الفقرات كانت:

«يجب على كل مسلم في العراق وعلى كل عراقي خارج العراق ان يعمل كل ما بوسعه، حتى لو كلفه ذلك حياته من اجل مواصلة الجهاد والنضال للتخلص من هذا الكابوس الجاثم على صدر العراق الحبيب ويخلصوا انفسهم من هذه العصابة اللاانسانية واقامة حكم عادل ونزيه يقوم على اساس الاسلام»[110].

تأكد السيد الصدر عن عزم النظام بتصفيته وحاول تشكيل لجنة من معاونيه دعيت بالقيادة النائبة لتقود الصراع ضد النظام من بعده[111]. وكان من المفروض ان يكون اعضاء هذه اللجنة خمسة اشخاص. وبالرغم من ان السيد الصدر لم يعلن عن اسمائهم الا ان هنالك اجماعا بانهم من اخلص المقربين اليه، وهم: السيد محمد باقر الحكيم، السيد كاظم الحائري، الشيخ محمد مهدي الآصفي، السيد محمود الهاشمي، الشيخ محمد باقر الناصري[112].

وقد ارتأى السيد الشهيد الصدر عرض اعضاء اللجنة على الامام الخميني للموافقة عليهم كي يكسبهم شرعية قيادتهم بعد موته[113].

وعلى اي حال تشكيل هذه القيادة لم ير النور بسبب استباق النظام لها وتصفية السيد الصدر.

اعتقلت اجهزة الامن السيد الصدر واخته يوم 5 نيسان 1980 واحتجزتهما في المديرية العامة للامن في بغداد وقد سلم جثمانه بعد ثلاثة ايام لابن عمه السيد محمد صادق الصدر ودفن سراً في النجف ولم يبلغ النظام عن مصير اخته العلوية بنت الهدى ولو ان هناك اعتقاداً عاماً بان النظام قد اعدمها كذلك[114].

بعد اسبوعين من ذلك التاريخ اصدر الامام الخميني بيان حول اعدام السيد الصدر وأخته ودعا الشعب العراقي وجيشه الى الاطاحة بنظام البعث[115].

ملاحظات حول الحياة السياسية للامام الصدر

(هذه بعض الملاحظات الختامية عن السيد الصدر ودوره السياسي)

لقد رسم الامام الصدر استراتيجية ثورية لتطبيق خطته باحداث تغييرات جوهرية في محيطه، ومجتمعه والنظام السياسي، والمؤسسة الدينية، والعالم بأسره. باختصار لم يعجبه اي شيء حوله. وبعكس (روسو) الطوباوي الذي لم يحمل اي بصيص أمل بتغيير ما حوله وولى في حالة من اليأس والقنوط، كان الشهيد الصدر متفائلا بامكانية نظرية التغيير الذي يؤمن به ويصلح العالم من حوله. اي انه كان مثالياً من جانب ولكنه من جانب آخر متفائل بواقعية ايضاً، حيث كان يعتقد ان المحصلة النهائية للتاريخ ستكون في جانبه. كان حماسه لمواجهة السلطة واحساسه العميق بان التغيير حاصل لا محالة له في المدى التاريخي قد شجعاه لخوض غمار المسار الثوري الذي اختطه. لم يشهد التاريخ المعاصر للحوزة في النجف اي فقيه مناهض للسلطة بهذه الدرجة مثل الامام الصدر.

كل المصلحين الدينيين الذين سبقوه ارادوا تحسين اوضاع المجتمع بطريقة اصلاحية تمكن الحوزة من التأثير كعامل مساعد ودافع ليس الا. كل المصلحين العلمانيين السابقين كانوا يتحاشون الحوزة التي كانوا يعتبرونها عاملا من عوامل الركود والتخلف ولكن السيد الصدر برز كنجم ساطع في التاريخ المعاصر من خلال محاولته تغيير المجتمع على اسس دينية في الوقت الذي يجد الحوزة في تركيبها الحالية قاصرة كأداة للتغيير والتطوير.

لهذه الاسباب وغيرها كان الشهيد الصدر هدفاً للانتقادات القاسية من خصومه العلمانيين والدينيين على حد سواء. على اي حال كان نشاطه السياسي في بداية سني شبابه واستشهاده المبكر محض مصادفة بنظري ولم تكن نتيجة خطة طويلة الامد من جانبه، وأجد نفسي في هذه المسألة مختلفاً مع العديد من الاسلاميين الثريين الذين يعتقدون خلاف ذلك. ووجهة نظري هذه تعززها الاعتبارات التالية:

اولا: كان السيد محمد باقر الصدر كطالب شاب ودارس للفقه منقطعاً لدراسته الدينية ولم يكن ضالعاً في الامور السياسية خلال السنوات المضطربة التي اعقبت انقلاب عام 1958 في العراق وكان يعتبر طالباً نادراً ونابغة في الحوزة.

وقد انغمس في العمل السياسي نتيجة تشجيع زميله السيد طالب الرفاعي الذي قدمه الى مؤسسي حزب الدعوة الذين رأوا فيه ملامح الفقيه الاخاذ الذي يستطيع ان يسبغ صفة الشرعية على نشاطهم السياسي داخل الحوزة[116].

وحالما انخرط في نشاطات الحزب حتى تدرج الى اعلى منصب فيه واعتبر فقيه الحزب وهو المنصب الذي يمكن صاحبه من الاشراف على نشاطات وفعاليات الحزب.

وقد استقبلت الاوساط الشعبية وحتى المؤسسة الدينية طاقات وكفاءات السيد الصدر الفكرية بالاحترام والتقدير وخصوصاً بعد طبع كتابه «فلسفتنا» الذي جعله منظراً للحزب والحركة الاسلامية السياسية بوجه عام.

بعدها اصبح السيد الصدر قائداً دينياً للحركة الاسلامية ليس في النجف والعراق فحسب بل في العالم الاسلامي اجمع ولم تغير استقالته المفاجئة من حزب الدعوة بعد سنين قليلة من وضعه القيادي في الحزب وتأثيره عليه. وفى الحقيقة كان انسحابه من الحزب مجرد عملية سياسية مرسومة تهدف الى فتح الطريق امامه لتقلد منصب اعلى ورمزي للمسلمين الشيعة الا وهي المرجعية حيث كان الفقهاء والعلماء الواعون وابناء الحركة الاسلامية يأملون في ان يرتقي السيد الصدر سلم المرجعية ويصبح مرجعاً اعلى للشيعة في كل مكان. كانت هذه المسألة تبدو مسألة وقت ليس الا، حيث كان السيد الصدر يعتبر عالماً فقهياً واسع الدراية في الحوزة وقد هتف الامام الخميني يوماً معبراً عن اعجابه به «انه جوهرة المدارس الاسلامية» بعضهم كان يتمنى بصعود السيد الصدر الى هذا المنصب ان يوضع حد نهائي لسياسة الاستسلام التي كانت تتبعها المرجعية تجاه الحكومة.

ثانياً: لاحظ البعض وعلى ضوء فتوى السيد الصدر بمنع طلبة المدارس الدينية من الانخراط في اي حزب اسلامي سياسي وكذلك استقالته من حزب الدعوة مؤشراً على انه قد غيّر من افكاره حول شرعية تشكيل حزب سياسي وادعوا ان السيد الصدر في سني حياته الاخيرة كان في مسار الامام الخميني الذي تزعم النضال السياسي وعبأ الجماهير بواسطة علماء المساجد بعكس النشاط الذي كانت تتبعه الاحزاب التقليدية. حتى تلميذه السيد الحائري الذي كان لحد عام 1985 فقيهاً لحزب الدعوة صرح بان السيد الصدر وفي اواخر حياته بدل من فكرته وحبذ فكرة المرجعية الموضوعية[117]. وعلى اي حال فانا اعتقد ان هنالك دوراً متميزاً لكل من الحزب والفقيه، وتمسك بفكرته التي تنص على انه بالامكان تحقيق الحكومة الاسلامية بواسطة نضال نخبة منظمة ومخلصة ومجاهدة من الامة تستطيع قيادة صراع سياسي ناجح ضد الطغاة. واقترح ان يكون دور الفقهاء هو توجيه الحزب السياسي واعطاءه الغطاء الشرعي اللازم لنشاطاته. كان برنامجه السياسي يتمحور حول فكرة مؤداها ان النضال السياسي الناجح بالامكان تحقيقه فقط من خلال عملية تربوية بطيئة وتدريب طويل للشعب. وبما انه لا يعتبر كل المسلمين متحمسين للاهداف الاسلامية السياسية وانما يعيشون حالة لا ابالية في بيئة اسلامية متوارثة وعليه ولغرض تهيئة اجواء سياسية قوية ومتعافية يجب ان يركز الاهتمام على النخبة التي نذرت نفسها للاهداف السياسية للاسلام والتي يقع على عاتقها خلق الاوضاع الثورية التي تقود الى النضال السياسي.

استنتاجي باختصار هو ان السيد الصدر اعتقد ان الحزب يجب ان يقوم مقام الاذرع السياسية للمرجعية الموضوعية في تعبئة الجماهير وفق منهاج سياسي معتمد من قبل المرجع الاعلى.

ثالثاً: بالرغم من تحمس السيد الصدر الشديد لمبدأ قيادة المرجعية العليا فانه لم يقدم على تحدي المرجع الاعلى في وقته السيد الحكيم ولا خليفته السيد الخوئي وما اصدره من دراسات وبحوث حول المسائل الفقهية في منتصف السبعينات لا تعتبر بحد ذاتها تحدياً او استهجاناً لمواقف السيد الخوئي السياسية. وهو في الواقع برر اعلانه غير المباشر برغبته في المرجعية ليدرأ عن نفسه بطش وتعسف السلطة، واعتقد ان الحكومة سوف تبقيه حياً وحسب العادة المتبعة تاريخياً من قبل الانظمة القائمة في ايران والعراق بعدم المساس بحياة اي مرجع دين قيادي، والشيء بالشيء يذكر هو ابعاد النظام الايراني للامام الخميني في مطلع الستينات الى العراق والذي يبدو ان السيد الصدر قد اخطأ فى حساباته حول مدى تعقل النظام العراقي والتزامه بهذه الحكمة. بالعكس، كان النظام يعتبر اي خلاف سياسي تهديداً مباشراً لوجوده، وعليه فقد تعامل البعثيون بعنف ووحشية مع خصومهم السياسيين متجاهلين الضغوط الخارجية والرأي العام العالمي.

وعندما اصدر السيد الصدر كتابه «الفتاوى الواضحة» اعتمده كثير من اعضاء حزب الدعوة ومحبي السيد الصدر مرجعاً لهم، وعليه فقد اعتبروا مؤلفه مرجعاً اعلى لهم وقائداً.

واخيراً لم يحاول السيد الصدر وبالذات في السنتين الاخيرتين من حياته ان يزج نفسه الى مواجهة مفتوحة (او مكشوفة) مع حكومة البعث الكافر خصوصاً وانه أحس أن الفرصة لم تكن سانحة لخوض مثل هذه المواجهة ونجاحها.

ولكنه وعلى اية حال زج في معارضة شعبية ضد النظام بواسطة القيادة الايرانية والعراقيين الذين تأثروا بالثورة الايرانية وبالاخص اعضاء حزب الدعوة ومريدي السيد الصدر نفسه.

وطبقاً لما اورده الشيخ النعماني كان السيد الصدر غير مرتاح لمواكب البيعة والتأييد التي وفدت على بيته والتي نظمها حزب الدعوة لانه احس ان الحركة الاسلامية قد كشفت عن قوتها وعناصرها لأمن النظام وبطشه كما، وأحس ان الوقت لم يكن سانحاً لثورة ناجحة وكان هاجسه في ذلك الوقت ردود فعل النظام التعسفية.

ولكن وعلى العكس من ذلك مضى القادة الايرانيون قدماً في حملتهم ضد النظام من خلال اذاعتهم الناطقة بالعربية والموجهة الى العراق بالاخص وحرضوا المنظمات السياسية الاسلامية في العراق على تنظيم المظاهرات الاحتجاجات باسلوب مشابه للذي اتبع خلال الثورة الايرانية وخرجت الجموع تردد شعارات الولاء للسيد الصدر الذي يبدو انه قد وضع في موقف حرج ودفع رغماً عن خطته السياسية الى تأييد الجماهير التي كانت تنادي باسمه. وأحس كقائد تاريخي انه اكره على الوقوف بصف الجماهير التي كانت بحاجة الى قيادته.

وانا اعتقد ان احداً لم يستشره لا من القيادة الاسلامية الايرانية ولا من قيادة الحركة الاسلامية في العراق. والواضح انه كان يستمع الى نداءات آية الله الخميني والقادة الايرانيين الآخرين تدعوه للثورة ضد الحكومة من خلال الراديو فقط.

وعلى اي حال بعض هذه التظاهرات التي انطلقت لاول مرة تأييداً له، وللثورة الاسلامية الايرانية كانت عفوية وغير مرسومة حتى من قبل المنظمات الاسلامية وهذه بالتأكيد انطلقت بواسطة اشخاص متحمسين تأثروا بالنصر الباهر الذي اوشكت الثورة الايرانية ان تحققه[118]. ولكن بعد انتصار الثورة رحب حزب الدعوة بأعمال مثل هذه، وحاول الضغط على السيدين الصدر والخوئي لتثوير حركة مثل تلك التي قادها آية الله الخميني للاطاحة بالنظام[119]. وقد اقتنعت قيادة الحزب وتوصلت الى استنتاج مفاده ان الظروف التاريخية قد اصبحت مؤاتية للبدء بالنضال السياسي ضد نظام البعث خصوصاً وانها لاحظت من خلال التجربة الايرانية ان الانظمة المستبدة غير قادرة على سحق الآلاف من المتظاهرين الذين يتزايد عددهم باضطراد كلما زاد البطش والتنكيل ضدهم.

هذه المغامرة كانت معتمدة بالدرجة الاساس على تقدير مبالغ فيه عن الذهنية الثورية للجماهير العراقية التي كانت بالتأكيد تكن الحب والولاء للثورة الايرانية وكان افتراضهم بان نظام البعث سيتصرف مثل تصرف نظام الشاه حيال الجماهير المتظاهرة افتراضاً خاطئاً فظيعاً.

هذه الاخطاء في الحسابات من قبل القيادة الايرانية والثوريين العراقيين جعلت السيد الصدر وبقية النشطاء السياسيين في العراق يدفعون الثمن غالياً.

* مقدمة

* سطوع نجم الصدر

* عودة الى الحوزة

* المواجهة مع حزب البعث

* الصعود الى القمة

* بداية الصدام مع حزب البعث

* الفصل الاخير ـ النهاية الدموية الحاسمة

* ملاحظات حول الحياة السياسية للامام الصدر

ملاّ اصغر علي محمد جعفر

* رئيس جماعة الخوجة العالمية.

* مواليد «مبوسا» ـ كينيا سنة 1936م.

* شارك في الاشراف على مجلة (رهبر) التي صدرت باللغة الكجراتية لمدة 17 عاما.

* ساهم في تأسيس المركز الاسلامي للخوجة في منطقة Stanmore شمال لندن.

* يمارس مهامه الدينية من خلال محاضراته التي تشهد له بكفاءة عالية في فن الخطابة.

* كتب عدة مؤلفات صدر منها:

– تاريخ الخوجة في شرق افريقيا (بالانكليزية).

– الزواج في الاسلام (بالانكليزية)

– بحوث في نهج البلاغة (بالانكليزية والكجراتية).

– ترجمة فصول من كتاب (البيان في تفسير القرآن) الى اللغة الانكليزية.

– كنت سجين صدام (بالانكليزية).

– الحياة الفكرية والسياسية للشهيد الصدر/ تحت الطبع.

* يعيش حاليا في لندن.

ملاّ اصغر علي محمد جعفر

(ترجمة: مؤسسة دار الاسلام)

[1] للاطلاع على اوضاع القومية العربية بعد وفاة جمال عبد الناصر في مصر يراجع كتاب فؤاد عجمي المعنون «حالة العرب» (مطبعة جامعة كامبردج 1981، ص 37).

[2] يشكل الاكراد ما يقارب ال ـ 20% من مجمل سكان العراق. والتركمان 2% وبقية الاقليات غير العربية 5،0%.

[3] يراجع حسن العلوي في كتابه «الشيعة والدولة القومية في العراق» للاطلاع على تركيبة القيادة البعثية في العراق (باريس CEDI)، ص 225 ـ 227.

[4] سمير الخليلي: جمهورية الخوف، السياسة في العراق الحديث (بيركلي، كاليفورنيا، مكتبة جامعة بيركلي 1989)، ص 37 ـ 38.

[5] مثال هذه التنظيمات: فدائيي اسلام التي اسسها نواب صفوي في اواخر الاربعينات وبعد ذلك ترأسها صادق الخلخالي الذي ترأس كذلك المحكمة الثورية في عامي 79 ـ 80، منظمة مجاهدي خلق وهي منظمة اسلامية اشتراكية التي كان يدعمها آية الله الطالقاني. ومنظمة نهضت آزادي التي اسسها مهدي بزركان، اول رئيس وزراء بعد انتصار الثورة الاسلامية بتكليف من الامام الخميني.

[6] للاطلاع على الملف الكامل لحكم الزعيم قاسم يراجع اوريل دان «العراق تحت حكم قاسم» (نيويورك، بريكير 1969).

[7] للاطلاع على فظائع الحزب الشيوعي العراقي في تلك الحقبة يراجع ظاهر في مقالته «القمع في CARDRI» في كتاب «عراق صدام، ثورة ام رد فعل؟»، ص 148 ـ 150.

[8] حسن شبر: دور حزب الدعوة الاسلامية في التغيير وحالات الاسترخاء السابقة، الجهاد عدد 363، في 24 تشرين الاول 1988.

[9] حسب ما اورده احد زملاء السيد الصدر ومن العلماء المعروفين بنشاطه في الخمسينات والستينات، السيد طالب الرفاعي ان جماعة العلماء كانت تضم عشرة من العلماء البارزين وهم: الشيخ مرتضى آل ياسين، الشيخ عباس الرميثي، السيد اسماعيل الدر، الشيخ محمد طاهر شيخ راضي، الشيخ محمد جواد شيخ راضي، السيد محمد تقي بحر العلوم، السيد موسى بحر العلوم، الشيخ محمد رضا المظفر، الشيخ حسين الهمداني، السيد محمد باقر الشخص.

[10] مقابلة مع محمد باقر الحكيم (الذي كان السيد الصدر يدعوه بأحب وأعز مساعد له)، الجهاد، عدد 5.

[11] محمد حسين فضل الله: التقديم لرسالتنا بواسطة السيد الصدر (بيروت. الدار الاسلامية 1981)، ص 16.

[12] مقابلة مع احدى الشخصيات القيادية في جماعة العلماء وحزب الدعوة في 1 كانون الثاني 1990 الذي لم يرغب في تعريف اسمه لاسباب امنية وعيه فسوف ارمز اليه بالحروف أ.ه. ف.

[13] مقابلة مع السيد طالب الرفاعي.

[14] وعلى اي حال وحسب ما تطرق به السيد الرفاعي فقد تحولت الاضواء وبمرور الزمن الى صحيفة ناطقة باسم حزب الدعوة تطبع من خلالها تعليمات الحزب الرسمية وتعبر عن آرائه من خلال ما يكتب في مقالاتها الافتتاحية والتقارير.

[15] محمد حسين فضل الله. تقديم: مصدر سابق، ص 17.

[16] كان السيد الصدر، وحسب ما ابلغني به طالب الرفاعي، لا يملك ما يساعده على شراء الكتب الفلسفية الغربية التي كانت ضرورية لدراسته وعندها لجأ السيد الرفاعي الى احد اصدقائه من القوميين العرب والذي كان يملك مكتبة لبيع الكتب وأعاره المصادر التي كان يريدها والتي تبحث في المادية.

[17] حسب ما اورده السيد طالب الرفاعي كان مؤسسو حزب الدعوة ثلاثة اشخاص هم السيد الرفاعي نفسه والسيد مهدي الحكيم وشخص ثالث لم يرغب بذكر اسمه. وقد عرف السيد الرفاعي السيد الصدر على قيادة الحزب ودعاه الى الانتماء اليه ولم تمض فترة طويلة الا وتصدر السيد الصدر رئاسة الحزب نفسه. أ.ه.ف. يناقض ذلك على اساس ان الحزب انشأه الاخوة هادي ومهدي اللذان كانا اعضاء في حزب التحرير واقترحوا على السيد مرتضى العسكري فكرة انشاء حزب سياسي. وقد حمل الاخير المقترح الى السيد الصدر لاعداد خطة عن تركيبة الحزب وصياغة منهاجه وعلى اي حال كان السيد الرفاعي ومهدي الحكيم من اوائل الذين فوتحوا بالانضمام للحزب حسب رأي أ.ه.ف.

[18] يوجد رأيان مختلفان حول تشكيل حزب الدعوة الاسلامية، فحسب رأي صالح الاديب احد الاعضاء الاوائل في الحزب بأن اول خلية الحزب تشكلت في عام 1957. يراجع مقالته «رجال الحركة الاسلامية في العراق يتحركون: سنوات المواجهة مع المد الاحمر»، الجهاد، عدد 326، 1 شباط 1988. وكذلك السيد حسن شبر في كتابه الجديد «العمل الحزبي في العراق»، بيروت، دار التراث العربي 1989، ص 255 ـ 256. بينما يؤكد السيد طالب الرفاعي ان تأسيس الحزب الفعلي تم باشهر قليلة بعد انقلاب عام 1958.

[19] وينسب هذا القول الى الامام السيد عبد الحسين شرف الدين كذلك.

[20] الاسدي: حزب الدعوة الاسلامية، طريق الحق، آب 1980، ص 46.

[21] طبقاً لمصادر حزب الدعوة كتب السيد الصدر اربع مقالات في جريدة الحزب الرسمية «صوت الدعوة» يوضح فيها الاسم وتركيبة الحزب والهدف وطبيعة الظرف الراهن في النضال السياسي وكانت مستهدفة بناء الخلايا التنظيمية للحزب. وقد طبعت هذه المقالات في اصدارات الحزب رقم 13 من فكر الدعوة الاسلامية، الشهيد الرابع، الامام الصدر.

[22] الاسدى: حزب الدعوة الاسلامية، مصدر سابق، ص 48.

[23] طبقاً لما اورده السيد الرفاعي، اتخذ السيد الصدر قراره بالاستقالة من الحزب في سامراء بعد اخذه الاستخارة.

[24] حسين الصافي كان مسؤول فرع حزب البعث في النجف وقد تعاون مع القوى الاسلامية في صد الموجة الشيوعية في النجف وكما استعملت جماعة العلماء الشيخ محمد رضا الشيخ راضي كأداة وصل بينها وبين القوى القومية، والبعثية التي كان يمثلها حسين الصافي وعليه كان على علم تام بنشاطات السيد الصدر. وعند صعود البعثيين الى سدة الحكم عام 1963 عينوه محافظاً للديوانية القريبة من النجف. بعدها استقال من منصبه واعتزل السياسة وهاجر الى المغرب عام 1970 ليعمل هناك كرجل اعمال وقد استدعاه صدام عام 1985 الى العراق وبعدها اعدمه.

[25] للاطلاع على التفاصيل كاملة يراجع المقابلة التي اجريت مع محمد باقر الحكيم في «الجهاد» عدد 14 (جمادي الثاني 1401 هجرية) وقد نوه الحكيم كذلك عن رسالة استلمها من السيد الصدر عندما كان الاخير في لبنان يشرح فيها ملابسات الموضوع.

[26] مصدر سابق.

[27] محمد حسين فضل الله، مقدمة ل ـ «رسالتنا» (بيروت، الدار الاسلامية 1981)، ص 17.

[28] مقالة مشهورة للسيد الصدر بهذا الشأن هي: مجتمعنا لا يسمح مجتمعنا.

[29] مقابلة مع أ.ه.ف. في 1 كانون الثاني 1990.

[30] محمد حسين فضل الله: مقدمة ل ـ «رسالتنا» مصدر سابق، ص 17.

[31] فاضل النوري، الشهيد الصدر فضائله وشمائله (قم. مكتب محمود الهاشمي 1984)، ص 93.

[32] كتاب السيد الصدر للأصوله كان «المعالم الجديدة في اصول الفقه» يراجع فاضل النوري، مصدر سابق، ص 64 والقبانجي في كتابه الجهاد السياسي، ص 79.

[33] قتل عبد السلام عارف في حادث تحطم طائرة هليوكبتر عام 1966 وخلفه من بعده اخوه عبد الرحمن.

[34] هذا لا يعني ان العلاقة بين عبد السلام عارف ونظامه والحركة الاسلامية الشيعية كانت خالية من المواجهة وعدم الثقة وفي الحقيقة كان عارف طائفياً في آرائه الدينية اشتراكياً في سياسته الاقتصادية الداخلية وقومياً عربياً في علاقاته الخارجية، وهي مواقف مرفوضة كلها من جانب علماء الشيعة بوصفها غير اسلامية للاطلاع على التفاصيل الكاملة لهذه العلاقات بحرارتها وبرودتها يراجع مرتضى العسكري في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد السيد مهدي الحكيم في لواء الصدر، عدد 7 جمادى الثانية، 1409 هجري.

[35] كان يترأس الجماعة السيد هادي الحكيم ومرتضى العسكري وفي نهاية الستينات كان السيد هادي الحكيم هو اكثر المتكلمين باسم الجماعة. مقابلة مع العسكري لواء الصدر، 7 جمادى الثانية 1409 هـ. ص 6.

[36] اصبح السيد الصدر مجتهداً في منتصف العشرينات من عمره وهو امر نادر حصوله في الحوزات العلمية ومعظم العلماء يحصلون على هذا اللقب في اربعيناتهم او خمسيناتهم. وقد حصل عليه من خلال استاذه السيد ابو القاسم الخوئي. ذكاؤه الخارق جلب له الشهرة ولكنه كذلك اثار حفيظة الحساد. وهذا اللقب اكسب السيد الصدر وآراءه احتراماً وتقبلا لدى مجتهدي الحوزة ومكنته من فرض آرائه حول المسائل الدينية والاجتماعية، في نفس الوقت كانت المقاومة ضده تزداد حول نشاطه السياسي واصلاحاته الدينية.

[37] بدأ السيد الصدر في اعطاء دروسه في البحث الخارج عام 1968 لتنتهي بعد ثلاث سنوات. طريق الحق. العدد الرابع. آب 1979. ص 10.

[38] ابو علي: لمحة خاطفة عن الشهيد الرابع الامام محمد باقر الصدر، طريق الحق، العدد السابع، ايار 1980، ص 18.

[39] الشهادة: 2 جمادى الثانية 1409 هجرية، ص 12.

[40] للاطلاع على سياسات نظام البعث يراجع كتاب مجيد خدوري «العراق الاشتراكي» دراسة في السياسات العراقية منذ عام 1968. العاصمة واشنطن، مؤسسة الشرق الاوسط 1978. وكذلك كتاب سمير الخليل «جمهورية الخوف».

[41] عقد الاجتماع في احدى ضواحي بغداد وهي الكرادة الشرقية وحضره ما يقارب الستين من علماء الدين من بغداد والكاظمية. يراجع «الشهادة»، 2 جمادى الثانية 1409ه.

[42] الرسالة التي كتبها السيد الصدر الى احد اصدقائه والتي طبعت بمقالة القبانجي في الجهاد السياسي ص 39 ـ 41 تظهر انه كان قائداً سياسياً من الطراز الاول فقد كان يخطط مع احد السادة الذين لم يذكر اسمهم لنشاطات عديدة ضد نظام البعث في العراق منها طلبه من الطلاب اللبنانيين الذين كانوا يدرسون في الحوزة بالنجف باقامة مؤتمر صحفي يهاجمون فيه ومن خلال اجهزة الصحافة في لبنان نظام البعث العراقي وحملته التعسفية ضد السيد الحكيم يوزعون خلالها المنشورات والبيانات ولكن الرسالة تظهر ايضاً مدى احباط السيد الصدر وخيبة امله لتكلؤ الطلبة وعدم حضورهم المؤتمر.

[43] تم اللقاء بين السيد محسن الحكيم وقادة حزب الدعوة في 9 حزيران 1969. يراجع الجهاد وهي صحيفة حزب الدعوة، في ربيع الاول 1404 هجرية، ص 43.

[44] لواء الصدر، 29 شعبان 1409 هـ.

[45] مرتضى العسكري، جذور وخلفيات التحرك الاسلامي في مواجهة البعث العفلقي، لواء الصدر 22 محرم 1409 هـ، ص 10.

[46] المرجع السابق.

[47] حاولت الحكومة البعثية التأثير على عملية انتخاب المرجع الاعلى للشيعة من خلال حملتها لفرض الشيخ علي كاشف الغطاء الذي كان يؤيد وعلى الملأ النظام الحاكم، وعلى اي حال وضع كل من السيد الصدر والسيد يوسف الحكيم (وهو نجل السيد محسن الحكيم الاكبر) كل ثقلهم الى جانب السيد الخوئي. عن عملية انتخاب السيد الخوئي يراجع كتاب فؤاد عجمي «الامام الغائب موسى الصدر والشيعة في لبنان»، اثيكا، نيويورك، مطبعة جامعة كورنيل 1986، ص 194.

[48] الوحدة، الاعداد، 5،6،7: مجلة ناطقة بالعربية تصدر عن وزارة الارشاد في الجمهورية الاسلامية الايرانية.

[49] القبانجي، الجهاد السياسي، ص 74.

[50] حزب الدعوة، لمحات من مسيرة حزب الدعوة الاسلامية، ص 25.

[51] صالح الاديب، مواكب الطلبة، جريدة الجهاد، 29 شباط 1988، ص 12.

[52] كان صاحب دخيل محرراً لصحيفة صوت الدعوة وهي صحيفة حزب الدعوة السرية. اعتقل في 28 ايلول 1971 وأعدم بعدها. يراجع الجهاد، 3 كانون الثاني 1983.

[53] الخمسة الذين حكم عليهم بالاعدام هم: الشيخ عارف البصري، سيد عز الدين القبانجي، سيد عماد التبريزي، حسين جلوخان، نوري طعمة. للاطلاع على حياتهم واعتقالهم واعدامهم. يراجع: حزب الدعوة الاسلامية، شهداء بغداد. طهران: حزب الدعوة الاسلامية 1403 هجرية.

[54] يراجع صحيفة الجهاد، ربيع الاول 1404 هجرية، ص 44. للاطلاع على ردة فعل الامام الخميني على اعدام الشهداء الخمسة.

[55] الجهاد، 20 تموز 1987.

[56] هذه الفتوى اصبحت واحدة من اكثر المسائل نقاشاً في ادبيات الحركة الشيعية الاسلامية في العراق. وقد علل مناهضو فكرة انشاء حزب سياسي (التي يعتبرونها ظاهرة غربية) ان السيد الصدر قد بدل من فكرته واصبح لا يؤمن بفكرة انشاء مؤسسة حزبية كوسيلة دينية مقبولة للجهاد السياسي. وعلى النقيض اظهر حزب الدعوة ومناصروه ادلة تثبت ان فتوى السيد الصدر كانت مجرد عملية تكتيكية لحماية الحوزة من عمليات تنكيل جديدة تقوم بها الحكومة (يراجع مجلة الجهاد رقم 3 في 1404 هجرية، ص 44 ـ 47). وتحبذ الجماعة الاولى التنظيم الشعبي السياسي على تركيبة الخلايا الهرمية (مشابهة لطريقة حزب الله) ويدعون انها طريقة اسلامية خالصة في التنظيم وفوق كل هذا فهي تتبع نفس مسار الامام الخميني (يراجع علي الكوراني طريقة حزب الله، وقبانجي، بحوث في خط المرجعية، 1984). وتدعي الجماعة الثانية ان فكرة التنظيم الحزبي هي فكرة اسلامية ايضاً بدليل انها وسيلة من وسائل الجهاد الفعالة التي اكد على شرعيتها مجتهدون كبار كالسادة الحكيم والصدر كما ونوهوا على عدم وجود فوارق كبيرة في التنظيم الهيكلي بين حزب الله وحزب الدعوة اللهم الا بالاسم والشكل (يراجع محمد حسين فضل الله: من يقود عملية التغيير في الامة؟ حزب الامة ام امة الحزب، المنطلق في الاعداد 27،28،29، (10،11،12،1985) وكذلك مقابلة مع فضل الله في الجهاد 14 كانون الاول، 1984، ص 9.

[57] القبانجي هو الوحيد الذي نوه عن اعتقال السيد الصدر في عام 1971 بواسطة الحكومة ولكنه لم يودع في السجن لسوء حالته الصحيحة آنذاك وبقى مقيداً الى سريره في المستشفى، الجهاد السياسي.

[58] من المراجع الاخرى التي كانت متواجدة في النجف آية الله الخميني وهناك آخرون في قم في ايران مثل شريعة مداري (المتوفي عام 1985)، گلبيگاني ومرعشي نجفي، وفي مشهد في ايران عبد الله شيرازي (المتوفي في سنة 1986).

[59] يتعين على كل شيعي ان يقلد احد المجتهدين ويتبع آراءه وخصوصاً فيما يتعلق بالامور العبادية وعندما يتوفى ذلك المجتهد يتعين على مقلده ان يختار احداً آخر من الاحياء الذي يعتقد انه اعلمهم وقد جرت العادة ان المرجع الجديد يدون آراءه بشكل هوامش على رسالة المرجع السابق كي يتمكن عوام الناس من تشخيص الفروق بآراء كلا المجتهدين.

[60] جرت العادة في الطبعات التي تصدرها الحوزة ان يتولى بعض الطلبة وبالاخص المجتهدين منهم كتابة محاضرات استاذهم. بعدها يحصل الطلاب على اذن خاص من استاذهم يسمح لهم باصدار ما كتبوه تحت رعاية الاستاذ وباسمه وتسمى بـ (التقريرات).

[61] دون الجزء الرابع بواسطة احد طلبة السيد الصدر في الحوزة السيد محمود الهاشمي تحت عنوان «تعارض الادلة»، بيروت، دار الكتاب اللبناني. وكان الهاشمي يعتبر من انبه طلبة السيد الصدر وحصل على درجة الاجتهاد في الثلاثينات من عمره وقد عينه السيد الصدر فيما بعد ممثلا شخصياً له في ايران بعد انتصار الثورة فيها.

[62] هذه الاعمال خارجة عن نطاق اختصاصي ولا اجد نفسي في وضع يمكنني من التعليق عليها او ابداء رأي فيها.

[63] طلب السيد الصدر من الشيخ محمد جواد مغنية مساعدته في اصدار الفتاوى الواضحة بشكل يجعل كتابتها سلسة ومتفهمة من قبل العامة.

[64] كل الرسائل العملية مبوبة حسب تصنيف شرائع الاسلام للمحقق الحلي المتوفي سنة 1277 هجرية.

[65] السيد الصدر، الفتاوى الواضحة، بيروت، دار التعارف للمطبوعات 1981، ص 95.

[66] السيد الصدر، الفتاوى الواضحة، ص 132 ـ 134.

[67] محمد باقر الصدر، الفتاوى الواضحة، ص 98.

[68] يعتبر السيد كاظم الحائري احد العلماء القلائل الذين حصلوا على درجة اجتهاد من السيد الصدر وقد كتب السيد الصدر رسالة له يبدي فيها امتنانه واعجابه على دوره الفعال في استنباط واكمال نظرية الاستقراء المنطقي لمطالعة الرسالة يراجع حسن النوري في مقاله «مع الشهيد الصدر محققاً»، الحوار السياسي، عدد 28-29 الصادر في نيسان/ مايس 1985، ص 70-71.

[69] طبقاً لما اورده السيد محمد حسين فضل الله اثنى الفيلسوف المصري المعاصر زكي نجيب محمود كثيراً على كتاب «الاسس المنطقية» وتمنى ان يترجم الى اللغات الغربية ليثبت للغرب ان العرب لديهم فلاسفة عظام.

[70] يعتبر السيد الصدر عمله هذا من اعظم الانجازات الفكرية التي قدمها وقد اراد ان يترجم عمله هذا الى اللغات الغربية وطبقاً لما اورده الشيخ فاضل السهلاني دفع السيد الصدر مبلغاً من المال الى رئيس قسم الفلسفة في جامعة الاسكندرية في مصر لترجمة الكتاب الى الانكليزية وقد ارسلت اليه ثلاث نسخ من الترجمة مطلع عام 1980 وقبل استشهاده بقليل ومن المؤسف له ان الترجمة لم تر النور بطبعها.

[71] اهدى السيد الصدر كتابه هذا الى عبد الغني الاردبيلي وكان من اعز وأقرب التلاميذ اليه وقد توفي في ايران. وقد ذكر السيد الصدر انه اسرع في أكمال الكتاب في ظرف شهرين بناءً على رغبة الاردبيلي في استعمال الكتاب لتدريسه في حوزته الجديدة التي أسسها في ايران، يراجع الاهداء في «دروس في علم الاصول» دار الكتاب المصري أو اللبناني، القاهرة وبيروت 1978، ص5).

[72] قسم السيد الصدر تاريخ المرجعية الى اربع مراحل. الاولى مرحلة المرجعية الذاتية التي تبدأ باصحاب الائمة المعصومين الى تاريخ العلامة الحلي (المتوفى؟؟) حيث خدم المراجع كمراكز لبث الاحكام الشرعية على جماهير الشيعة. المرحلة الثانية كانت مرحلة المرجعية الادارية التي تأسست بواسطة الشهيد الاول (المتوفى سنة 1374م) حيث بدأ المرجع بارسال نواب عنه الى مختلف المناطق للوعظ الديني وجمع الحقوق الشرعية. المرحلة الثالثة: مرحلة المرجعية المركزية التي من اهم مميزاتها هو تمحور القوة في مرجع واحد وبدأت بمرجعية كاشف الغطاء (المتوفى سنة 1813) وأصبح المرجع الاعلى هو القوة المسيطرة على الشيعة في جميع انحاء العالم. المرحلة الرابعة: كانت مرحلة المرجعية الشعبية التي بدأت مع بداية الاستعمار الغربي للعالم الاسلامي حيث اصبحت المرجعية ضالعة وبصورة مباشرة بالهموم السياسية للمسلمين لحماية الدين الاسلامي وحقوق المسلمين. وفي مواقف عديدة كانت المرجعية هي السباقة في قيادة النضال ضد القوى الاستعمارية. يراجع: الصدر، المحنة، صوت الوحدة، ص 56.

[73] تطرق لهذه النقاط السيد محمد حسين فضل الله في حديث له عن المرجعية والتحزب في المؤتمر الرابع للجماعة الاسلامية 1982.

[74] السيد الصدر: اطروحة المرجعية الصالحة، المصدر السابق، ص 93.

[75] نفس المصدر السابق، ص 96.

[76] السيد الصدر: اطروحة المرجعية الصالحة، المصدر السابق، ص93.

[77] للمزيد من التفاصيل عن هذه الانتفاضة يراجع رعد الموسوي، انتفاضة صفر الاسلامية في العراق. قم، ايران، 1404ه.

[78] نفس المصدر السابق، ص 66 ـ 68.

[79] نفس المصدر السابق، ص 71-73.ح

[80] نفس المصدر السابق، 68 ـ 69.

[81] نفس المصدر السابق، ص 95 ـ 99.

[82] من هذه الهتافات: يا صدام شيل أيدك جيش وشعب ما يريدك.

يا جاسم گله للبكر ذكر حسين ما يندثر (اشارة الى محافظ النجف جاسم الركابي)

[83] رعد الموسوي، انتفاضة صفر، ص 101.

[84] رعد الموسوي، انتفاضة صفر، ص 102 ـ 103.

[85] اعضاء المحكمة الثلاثة كانوا: وزير الصحة عزت مصطفى، وحسن علي، ووزير الصناعة فليح جاسم، وكلهم اعضاء في القيادة القطرية للحزب الحاكم.

[86] قرار مجلس قيادة الثورة في 23 مارس 1977.

[87] رعد الموسوي، انتفاضة صفر، ص 106 ـ 112. هذا الكتاب يمثل وجهة نظر حزب الدعوة حيث قدم له الشيخ محمد مهدي الآصفي وهو الناطق الرسمي باسم حزب الدعوة. وفي حديث شخصي مع محمد باقر الناصري، امين جماعة العلماء، اكد دور حزب الدعوة الكبير في تنظيم مواكب عام 1977.

[88] القبانجي: الجهاد السياسي، ص 89.

[89] في مكالمة هاتفية مع السيد محمد باقر الحكيم سنة 1985.

[90] تصريح الشيخ النعماني في كتاب السيد الحائري مباحث الاصول، ص 114.

[91] عبر السيد الصدر في رسالة بعثها الى طلبته السابقين ومريديه في ايران، عن اعجابه العميق بقيادة الامام الخميني وطلب منهم دعمه دعماً كاملا. واوضح ان مرجعية الامام الخميني قد حققت الاهداف التي نظّر لها عن المرجعية الموضوعية في محاضراته في سنين سابقة. يراجع الحائري، ص 145 ـ 146 نفس المصدر السابق.

[92] بقي هذا التصريح طي الكتمان لان احد مريدي السيد الصدر القاطن في ايران تخوف على حياة السيد الصدر عند الاعلان عن هذا التصريح. لمراجعة التصريح باكمله. يراجع مباحث الاصول للسيد للحائري، ص 142 ـ 145.

[93] المصدر السابق، ص 144.

[94] اتخذت حكومة البعث وبسبب معاهدة الجزائر لعام 1975 موقفاً مسانداً للشاه وقد صرح صدام وكان وقتها نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة في اجتماع حزبي عقد في مدينة البصرة «ان الشاه باق، باق، باق».

[95] يراجع مضمون البرقية في المصدر السابق، ص 147.

[96] محمد باقر الصدر، مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، الكويت، دار التوحيد الاسلامي 1980، ص 219.

[97] يراجع مباحث الاصول للسيد الحائري للاطلاع على محتوى رسالة الامام الخميني للسيد الصدر، ص 117 ـ 118. وصف فيها الامام الخميني السيد الصدر بـ «حجة الاسلام والمسلمين» وهو لقب يستخدم عادة للعلماء الاقل منزلة على الرغم من كون السيد الصدر وقتذاك مرجعاً معترفاً بأعلميته وكان ينادي بـ «آية الله العظمى» وعلى اي حال فبعد وفاته بدأ الامام الخميني بلقبه بـ «آية الله الصدر».

[98] حديث خاص مع السيد محمد حسين فضل الله في سنة 1982.

[99] يراجع المصدر السابق، ص 123 للاطلاع على رد السيد الصدر للامام الخميني. في الرسالة ابدى السيد الصدر احترامه وتقديره العميقين لقيادة الامام الخميني وناداه في البداية بـ «آية الله العظمى الامام المجاهد*» وهذا اللقب لم يستعمل سابقاً في التخاطب بين المراجع انفسهم. وقد عبر السيد الصدر عن امتنانه البالغ لعطف الامام الخميني على النجف وأهلها وقد خاطبه بكونه ناطقاً رسمياً عن الشعب العراقي كله ودعا الامام الخميني بوصفه قائداً للامة الاسلامية الى تحرير فلسطين وقد اعتبرت قياة البعث الرد من اكثر الامور المهددة لسلطتها في العراق حيث تدعي دائماً انها هي الوحيدة المؤهلة لتحرير الاراضي العربية كلها.

[100] كانت هتافات المتظاهرين: باسم الخميني والصدر الاسلام دوماً منتصر، عاش، عاش، عاش الصدر والدين دوماً منتصر.

[101] ما اورده الشيخ النعماني في كتاب السيد الحائري، مباحث الاصول، ص 119.

[102] نقلا عن جريدة «الجهاد» في الثاني من مايس 1983 بدون ذكر اسم ذلك العضو.

[103] جريدة «الجهاد» في 2 مايس 1983.

[104] مقابلة مع احمد كبة.

[105] يعتبر السيد الصدر مرجعية الامام الخميني موضوعية ليس لانها حققت التركيبة الدستورية التي اقترحها هو ولكن لان الخميني حقق اهدافها المنشودة. الحائري، مباحث الاصول، ص 146.

[106] ما ذكره النعماني في كتاب مباحث الاصول للحائري، ص 162 ـ 163.

[107] انفصلت منظمة العمل الاسلامي عن حزب الدعوة الاسلامية وكانت بقيادة محمد مهدي الشيرازي الذي كانت جماعته، حسب قول السيد مهدي الحكيم، من الجماعات الاولى التي انتظمت في حزب الدعوة في بداية السبعينات وأسس هو وأخوه السيد حسن الذي اغتيل في لبنان عام 1980، منظمة العمل الاسلامي بعد نزاع مع حزب الدعوة حول مسائل تتعلق بالقيادة والتخطيط السياسي. يراجع توفيق الشيخ، للاطلاع على آرائهم السياسية في كتابه «حوارات مع العلامة محمد تقي المدرسي، العراق والحركة الاسلامية» (لندن، الصفا 1988).

[108] شبلي ملاط: التطرف العسكري الديني في العراق الحديث، محمد باقر الصدر، النموذج السني ـ الشيعي. العالم الثالث الفصيلة، نيسان 1988 ص 728.

[109] حسب ما يقوله اعضاء حزب الدعوة كان من المقرر ان تستنسخ هذه التسجيلات الصوتية وتوزع داخل وخارج العراق ولكن معاوني السيد الصدروخوفاً على حياته آثروا عدم القيام بذلك الا بعد استشهاده.

[110] لمراجعة احاديث السيد الصدر المسجلة الى الشعب العراقي يراجع السيد الحائري، مباحث الاصول، ص 147 ـ 153 وترجمتها بالانكليزية يراجع ابو علي «نظرة خاطفة على حياة الامام الشهيد محمد باقر الصدر وأحاديثه الثلاثة الاخيرة»، ص 16 ـ 19 (مكان وزمان الطبع غير معروف).

[111] ما اورده الشيخ النعماني في كتاب السيد الحائري، مباحث الاصول، ص 159 ـ 160.

[112] كلهم الآن اعضاء في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي تأسس عام 1982 حيث يترأسه الحكيم والهاشمي ناطقاً رسمياً والناصري حتى سنتين خلتا رئيس الهيئة العمومية.

[113] الحائري، مباحث الاصول، ص 159.

[114] طبقاً لما ورد عن احد ابناء عم السيد الصدر لا تزال عائلة الصدر تأمل ان النظام قد حافظ على حياة آمنة الصدر الملقبة ببنت الهدى ولو ان اعلام الحركة الاسلامية يلقبها بالشهيدة بنت الهدى.

[115] كان السبب في تأخر اعلان استشهاد السيد الصدر بواسطة الامام الخميني هو لغرض جمع اكبر قدر ممكن من المعلومات الموثقة حول الحادث من خلال وزارة الخارجية.

[116] يراجع المقابلة التي اجريت مع مهدي الحكيم حول تاريخ الحركة الاسلامية في العراق في جريدة لواء الصدر، 12 كانون الثاني 1990، ص 12.

[117] السيد الحائري، مباحث الاصول، ص 162.

[118] في مقابلة مع احمد كبة وهو احد اعضاء حزب الدعوة الذين حرضوا على اول مظاهرة بعد صلاة الجمعة التي اداها آية الله الخوئي في جامع الخضرة في النجف سنة 1978 واوضح انه لم تكن لديه اوامر من الحزب ببدء المظاهرة وبالعكس فان الحزب قد حذر من عمل كهذا ولم يشجع مثل هذه التظاهرات الا بعد انتصار الثورة الايرانية.

[119] نصح السيد الخوئي السيد الصدر عن طريق ممثل الاخير في الكويت بعدم توريط نفسه في النضال السياسي لانه كان متأكداً من ان النظام سيقتله في وقت كانت فيه الحوزة بأشد الحاجة لخدماته.