الرسالة العملية النموذجية قراءة في منهجية «الفتاوى الواضحة»

إطلالة على مدرسة الشهيد الصدر الفلسفية

الرسالة العملية هي التعبير السائد عن الكتب الحاوية لفتاوى مراجع التقليد، والتي يغلب فيها الطابع العملي على العلمي، بل انّ المطلوب الأساس فيها هو وقوف المقلّدين على فتاوى مقلّديهم للعمل بها ولتكييف حياتهم وفقاً للأحكام الشرعية المتلقاة عن طريق الفقهاء.

وقد بادر فقهاؤنا العظام منذ بدايات عصر الغيبة الكبرى الى تأليف رسائلهم العملية للمقلّدين. وما زالت هي الطريقة الشائعة في ايصال الفتاوى الى المقلدين.

والرسائل العملية لها أهميتها القصوى، إذ نعلم يقيناً ان هناك ثلاث طرق لامتثال الأحكام الشرعية والفراغ من عهدتها، وهي الاجتهاد والاحتياط والتقليد، ونعلم أيضاً ان طريق التقليد هو المتّبع لدى غالبية المؤمنين، إذ انّ الاجتهاد غير متيسّر إلاّ للأقل القليل من طلاّبه، كما ان المعرفة التفصيلية بموارد الاحتياط وكيفيته متعسّرة أو متعذّرة لغالب الناس.

فأخذ الفتوى عن المجتهد هو السبيل الوحيد المألوف بين المتدينين، وعلى المجتهد أن يلقي آراءه على مقلّديه بوصفه خبيراً باستنباط الاحكام الشرعيّة من ادلتها وعلى المقلّدين ان يتلقوها بالقبول بوصفهم غير ذوي الاختصاص في هذا الفن. ومن المعلوم ان تلقّي الفتوى أيضاً يجب أن يعتمد إمّا على طريق تعبّدي كإخبار عدلين بفتوى المجتهد أو السماع من شخص واحد عدل أو ثقة ـ كما في بعض الآراء[1] ـ أو يعتمد على حصول اليقين بفتوى المجتهد سواء كان على أساس السماع المباشر منه أو على أساس الرجوع الى رسالته المأمونة عن الغلط. وواضح انّ الطريق الأخير هو الأيسر لعامة المقلدين.

هذا هو موقع الرسالة العملية من الوجهة الشرعية، فليست الرسالة هي المعبّرة عن آراء المجتهد فحسب وانما هي حجة بين المقلّدين وربّهم.

ويلاحظ من جانب آخر ان الشريعة الاسلامية هي الشاملة لمجالات الحياة الفردية والاجتماعية كافة، والرسالة العملية أيضاً يجب أن تحاكي الشريعة في شمولها. فالمقلد لا يرجع الى الرسالة العملية في طهارته وصلاته فحسب، بل المفروض أن يرى فيها كل الحلول الشرعية لمسائل حياته الفردية والاجتماعية. فالرسالة العملية هي المرجع والملجأ في عبادات الناس ومعاملاتهم وفي سلوكهم العام والخاص.

أهم الاشكاليات في الرسائل العملية:

وعلى الرغم من هذه الأهمية البالغة للرسائل العملية وعلى الرغم من كل الايجابيّات التي تتمتع بها هذه الرسائل العملية، إلاّ انّ فيها نقاط تعيقها عن اداء مهمتها بالقدر المأمول. ونشير فيما يلي الى أهم هذه النقاط:

1ـ غموض التعبير:

لابدّ للكاتب أن يعيّن مخاطبه الذي يقصد افهامه قبل أن يبادر الى الكتابة، ويعتبر هذا من أوّليّات الكتابة والتأليف. والمفترض في الرسائل العملية أن يكون مخاطبها عامة الناس وسوادهم، وليس العلماء أو طلاّب الدراسات الشرعية، فعلى الرسالة العملية أن تحاور الناس بلسانهم وتستخدم كل الأساليب الممكنة لايضاح المسألة الشرعية وتقريبها لاذهان المخاطبين. وهذا ما لا نجده في غالبيّة الرسائل العملية فالتعقيد والغموض والإجمال هي السمة العامة فيها. ويمكن ملاحظة الأمر هذا من خلال الظواهر الثلاث المطردة في كثير من الرسائل العملية:

أ ـ الايجاز: قد يتصور البعض ان الايجاز في التعبير هو المفروض أو المستحسن في الرسائل العلمية والكتب الدراسية، لأن ذلك من الوسائل المهمة في الاستكمال الفكري والعلمي للدارسين والباحثين. وهذا أمرٌ يجب تمحيصه في موضعه، لكن لو تمّ ذلك لم يتم في الرسائل العملية، فان المطلوب فيها ليس هو الممارسة والتحقيق الفكريين، بل ان الغاية القصوى فيها هي توضيح الاحكام الشرعية للمقلدين، ولا تتحقق هذه من خلال الايجاز والاجمال، وانما تتطلب في أكثر الأحيان التبسيط والتفصيل في العبارة.

ب ـ عدم استخدام الأمثلة: ولا يخفى دور التمثيل في توضيح وتسهيل المطالب المعمّقة والعلمية وله دوره أيضاً في توضيح الأحكام الشرعية، سيّما في موارد تشابه الحالات واشتباهها على المكلفين، فإنّ التمثيل هو المايز والفاصل في هذه الحالات. وقلّ ما ترى التطبيق والتقريب بالمثال في الرسائل العملية. ونلاحظ الرغبة الملحّة في المقلدين أيضاً لاستخدام الامثلة في الاسئلة الشرعية والاستفتاءات التي يعرضونها على الفقهاء، فالغالب فيها هو السؤال عن الحكم الشرعي في مسألة ضمن المثال والتطبيق على الموضوعات المختلفة في الحياة.

ج ـ استخدام المصطلحات الفقهية: اعتاد الفقهاء ان يذكروا في رسائلهم العملية المصطلحات الفقهية من دون إبداء تعريف لها. «والمصطلحات الفقهية التي تعتمد عليها الرسائل العملية غالباً للتعبير عن المقصود قد كان من مبرّراتها تأريخياً اقتراب الناس سابقاً من تلك المصطلحات في ثقافتهم، بينما ابتعد الناس عنها اليوم وتضاءلت معلوماتهم الفقهية حتى أصبحت تلك المصطلحات على الأغلب غريبة تماماً»[2].

ومن جملة هذه المصطلحات المستخدمة هي المصطلحات الاجتهادية المتعلقة بكيفية بيان الفتوى أو الاشارة الى بعض النكات العلمية. فمثلاً يستشكل أحياناً في استظهار الحكم من الدليل فيقوّي بعد ذلك ما يختاره ويذكر المسألة بما فيها من المرور بالاستشكال والاختيار في مرحلة الاستنباط، فيقول مثلاً: «…لكن في بطلان صلاته اشكال والأقوى الصحة»[3]. في حين ان المكلف لا يهمّه إلاّ الوقوف على تكليفه من الوجوب أو الحرمة والصحة أو البطلان، اما الاستشكال في الاستظهار من الادلة أو انعكاس المبنى الاصولي عند بيان الفتوى فيجب ان يقف عند حدود البحث الاصولي أو الفقهي.

وكذا ترى كثيراً ان المجتهد ـ وهو بصدد التعبير عن الحكم الشرعي ـ يفتي ثم يحتاط بما يخالف تلك الفتوى، أو يحتاط ثم يفتي بما يخالف ذلك الاحتياط، فيقول: «الأحوط عدم قطع النافلة وان كان الاقوى جوازه»[4]. وهذا النمط من الاحتياط وإن كان في لغة الفقهاء يفيد استحبابه لانه مسبوق أو ملحوق بالفتوى على خلافه، لكنه يمكن إفادة نفس المعنى باسلوب آخر بعيد عن الإغلاق والغموض بالنسبة الى المقلدين.

والشواهد على الموضوع كثيرة جداً، كقولهم: يجوز على اشكال، يجب على اشكال وتأمل، والمشهور كذا، وفيه اشكال الى غير ذلك من المصطلحات المماثلة في تعابير الفقهاء.

ولعلّ السر في تسرّب هذه الظواهر وغيرها الى الرسائل العملية هو ما رآه آية الله العظمى الشهيد الصدر من: «انّ اللغة المستعملة تأريخياً في الرسائل كانت تتفق مع ظروف الامة السابقة، إذ كان قرّاء الرسائل العملية مقصورين غالباً على علماء البلدان وطلبة العلوم المتفقهين لأن الكثرة الكاثرة من ابناء الامة لم تكن متعلّمة وأما اليوم فقد أصبح عدد كبير من ابناء الامة قادراً على أن يقرأ ويفهم اذا كتب بلغة عصره وفقاً لأساليب التعبير الحديث; فكان لابدّ للمجتهد المرجع أن يضع رسالته العملية للمقلّدين وفقاً لذلك»[5].

2ـ عدم التنظيم الفني في عرض الأحكام:

انّ تقسيم البحوث والموضوعات والتنظيم الفني لها، يعدّ من ركائز المنهج العلمي في التأليف، وعدم الاعتداد بذلك مّما يشوّش الأمر على القرّاء والمطالعين. فالكتاب يجب أن يتميّز بالتبويب المطلوب للمطالب الرئيسة ثم تتدرج المطالب الى حيث التفصيل حسب النظام المقرر لها. وهذا ما لا نلمسه في كثير من فصول الرسائل العملية.

يقول سيدنا الصدر (رضي الله عنه) وهو يتحدث عن هذه الملاحظة:

«ان هذه الرسائل (العملية) تخلو غالباً من المنهجية الفنية في تقسيم الاحكام وعرضها وتصنيف المسائل الفقهية على الابواب المختلفة. ومن نتائج ذلك حصل ما يلي:

اوّلاً: ان كثيراً من الاحكام اعطيت ضمن صور جزئية محدودة تبعاً للأبواب ولم تعط لها صيغة عامة يمكن للمقلد ان يستفيد منها في نطاق واسع.

ثانياً: ان عدداً من الاحكام دسّ دسّاً في أبواب أجنبية عنه لأدنى مناسبة، حرصاً على نفس التقسيم التقليدي للأبواب الفقهية.

ثالثاً: ان جملة من الاحكام لم تذكر نهائياً، لأنها لم تجد لها مجالاً ضمن التقسيم التقليدي.

رابعاً: انه لم يبدأ في كل مجال بالاحكام  العامة ثم التفاصيل ولم تربط كل مجموعة من التساؤلات بالمحور المثير لها، ولم تعط المسائل التفريعية والتطبيقية بوصفها أمثلة صريحة لقضايا أعم منها لكي يستطيع المقلد أن يعرف الأشباه والنظائر.

خامساً: افترض في كثير من الاحيان وجود صورة مسبقة عن العبادة أو الحكم الشرعي، ولم يبدأ العرض من الصفر اعتماداً على تلك الصورة المسبقة.

سادساً: انطمست المعالم العامة للأحكام عن طريق نثرها بصورة غير منتظمة وضاعت على المكلف فرصة استخلاص المبادىء العامة منها»[6].

3ـ عدم مسايرتها مع مستجدات الحياة البشرية:

إنّ للزمان والمكان دوراً بارزاً في تجدد مسائل الحياة البشرية، والتجدّد يقتضي بمفهومه ظهور الظواهر والعلاقات الجديدة وزوال بعضها الآخر عن مسرح الحياة. والمفروض بالرسائل العملية أن تساير هذه المسيرة. فتهذّب نفسها عن المسائل التي لم يبق لها مساس بالحياة البشرية وتتناول الموضوعات المستجدّة والمتزايدة التي اصبحت من مسائل الحياة اليومية[7].

ونلاحظ ان بعض الرسائل العملية اتجهت نحو المستحدثات من المسائل والموضوعات هكذا كان ديدن العلماء والفقهاء، كانوا يبدأون بالحياة، يبدأون من الواقع، وقائع الحياة كانت تنعكس عليهم على شكل جعالة ومضاربة ومزارعة ومساقاة ليستنبطوا الحكم من مصادرها ثم يردّونها الى الشريعة. هذا الاتجاه موضوعي لانه يبدأ بالواقع وينتهي الى الشريعة في مقام التعرف على حكم هذا الواقع، لكن هنا لابدّ أن يمتد الفقه افقياً على هذه الساحة أكثر، لأن العلماء الذين ساهموا في تكوين هذا الاتجاه الموضوعي عبر قرون متعددة كانوا حريصين على أن يأخذوا هذه الوقائع ويحيلوها الى الشريعة ليستنبطوا احكام الشريعة المرتبطة بتلك الوقائع لكن وقائع الحياة تتكاثر وتتجدّد باستمرار وتتولد ميادين جديدة فلابدّ لهذه العملية من النمو باستمرار، فتبدأ من الواقع، لكن لا ذاك الواقع الساكن المحدود والذي كان يعيشه الشيخ الطوسي أو المحقق الحلي، لأن ذاك الواقع كان يفي بحاجات عصرهما. فالاجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة كانت تمثل السوق قبل الف سنة أو قبل ثمانمائة سنة، لكن ابواب السوق قد اتّسعت ففيها العلاقات الاقتصادية أوسع وأكثر تشابكاً من هذا النطاق، فلابد للفقه من أن يكون كما كان على يد هؤلاء العلماء الذين كانوا حريصين على أن يعكسوا كل ما يستجد من وقائع الحياة على الشريعة ليأخذوا حكم الشريعة. (مقدّمات في التفسير الموضوعي، طبعة دار التوجيه الاسلامي. بيروت ـ كويت: 23).

لكنها جعلتها ملحقة بالكتاب، كالبحث عن البنوك والتأمين والسرقفليّة… في حين ان بحوث المعاملات وغيرها بحاجة الى اعادة تنظيم، بحيث تشمل العقود والمعاملات الحديثة وما شابهها.

والمشكلة بعينها قد تظهر في الموضوعات والبحوث المطروحة بشكل آخر، وهو ذكر المسائل والتطبيقات الفقهية التي يقلّ الابتلاء بها جدّاً، والغفلة عن بعض الحالات التي يكثر الابتلاء بها. يراجع بشأن ذلك المسائل العديدة المتعلّقة بصيغ العقود والمعاملات، مع ان المعاملات الجارية بين الناس تتم غالباً على أساس المعاطاة ومن دون انشاء الايجاب والقبول، وغير ذلك من الموارد المتناثرة في ابواب الطهارة والصلاة والحج وغيرها.

الرسالة العملية النموذجية:

نصل الآن الى بيان الجوانب المميّزة لرسالة «الفتاوى الواضحة» التي ألّفها الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ تغمّده الله برحمته الواسعة ـ انبعاثاً عما كان على ايمان به من ضرورة وضع رسالة عملية تتقيّد بمنهج سليم في العرض من الناحية الفنيّة، وتلتزم بلغة مبسّطة حديثة، وتبدأ في العرض من الصفر، وتحاول أن تعرض الاحكام من الصفر، ومن خلال صور حيّة وتطبيقات منتزعة من واقع الحياة وتتجه الى بيان الحكم الشرعي لما يستجد من وقائع[8] فأخذ الملاحظات الواردة على غالبية الرسائل العملية بعين الاعتبار، ووضع رسالته بعيدة عن تلك السلبيات والاشكاليات ومليئة بالايجابيات والمحسّنات ومن المؤسف جدّاً انه لم يخرج من الرسالة إلاّ بحوث العبادات (الطهارة، الصلاة، الصوم، الاعتكاف، الحج، الكفارات).

وفي ما يلي نستعرض أهم الجوانب المميّزة والفريدة في الفتاوى الواضحة:

1ـ ان اولى خطوة خطاها المؤلف العظيم في مجال تأليفه للرسالة العملية هي شدّ القارئ المقلد الى الفقه وأحكامه شدّاً مبتنياً على الوعي التام، فهو لا يريد أن ينظر المسلم الى أحكام دينه نظرة عمياء لا ينفذ الى محتواها العقائدي ومغزاها التربوي، فقدّم للرسالة مقدّمة تشمل العرض البديع لاصول الدين، فتكلم عن المرسل والرسول والرسالة اقتداءً بعلمائنا السابقين وقد أعرب عن ضرورة هذا التقديم بقوله: ان الرسالة العملية تعبيرٌ اجتهادي عن احكام الشريعة الاسلامية التي ارسل الله سبحانه وتعالى خاتم الانبياء بها رحمة للعالمين. وهذا التعبير يرتكز أساساً على التسليم بتلك الاصول، فالايمان بالله المرسل وبالنبي الرسول وبالرسالة التي ارسل بها يشكّل القاعدة لمحتوى أي رسالة عملية، والدليل على الحاجة اليها[9].

وقد أبدع في عرضه الموجز لهذه الاسس العقائدية، وليس هذا مجال الحديث عنه.

كما وانه القى في نهاية الكتاب «نظرة عامة في العبادات» فبحث عن حاجة الانسان الى العبادة وعن الملامح العامة للعبادات فيمر القارئ على أحكام العبادات ويرى في خاتمتها ما يبيّن له مضمون العبادة وحاجته الثابتة الى العبادة وتتكوّن لديه رؤية واعية ومعمّقة عن العبادات الشرعية فلا يحسبها أنها أحكام والزامات بحتة لا تحمل روحاً ومضموناً حيويّاً للانسان.

2ـ المنهجية الفنيّة:

تتميز الفتاوى الواضحة بمنهجها الفني في تبويب الأحكام الفقهية وتصنيفها على الأبواب المختلفة فانه ـ بعد بيان مسائل التقليد والاجتهاد ـ قسّم الاحكام الى أربعة اقسام كما يلي:

1ـ العبادات ـ وهي الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والحج والعمرة والكفارات.

2ـ الأموال ـ وهي على نوعين:

أ ـ الأموال العامة: والمقصود بها كل مال مخصّص لمصلحة عامة.

ب ـ الأموال الخاصة: والمقصود بها ما كان مالاً للأفراد. ويجعل المؤلف أحكام الاموال الخاصة في بابين:

الباب الاول: في الاسباب الشرعية للتملّك أو كسب الحق الخاص.

الباب الثاني: في احكام التصرف في المال.

3ـ السلوك الخاص: ويريد به كل سلوك شخصي لا يتعلق مباشرة بالمال ولا يدخل في العبادات، كالنكاح والاطعمة والاشربة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4ـ السلوك العام: ويريد به سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم والقضاء والحرب والعلاقات الدوليّة[10].

إنّ أهم ما يترتب على هذه المنهجة هو أمران:

الأوّل: ما ذكره السيد المؤلف من أن كثيراً من المسائل الفقهية لم يتعرض لها الفقهاء في رسائلهم العملية، لأنهم لم يجدوا لها مجالاً في ضمن المنهج التقليدي، وطبيعي انها سوف تجد موقعها المناسب ضمن هذا المنهج.

الثاني: ان المسائل المستجدة في مختلف مجالات الحياة البشرية لا ترى ـ على الاغلب ـ في المنهج التقليدي العناوين المناسبة لدرجها في الرسائل العملية ولذا فان معظمها لا يذكر إلاّ في خاتمة الرسائل العملية. لكنها تندرج وفق هذا التصنيف الجديد في العناوين المقرّرة لها.

وقد ناقش بعضهم[11] موضوع المناهج المختلفة في البحث الفقهي وصرّح بأن المنهجة التي ابتكرها السيد الشهيد هي من أكمل المناهج المطروحة في هذا المجال وأشملها، لكنه انتقد المنهج بملاحظات ثلاثة كالتالي:

1ـ عدم وضوح الاساس والمبنى في التقسيم المذكور.

2ـ ان ابواب الجهاد والقضاء والشهادات والاقرار وأحكام الجزاء لا تتناسب مع عنوان «الآداب العامة».

3ـ ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينسجم مع الآداب والسلوك الشخصي.

لكن الملاحظات المذكورة أعلاه لا تبتني على اساس وملاك علميين وذلك لأنه:

أولاً: ان المقسم في هذه الاطروحة هو الحكم الشرعي، والتقسيم الرباعي المذكور انما هو حصيلة عدة تقسيمات مترابطة. وكل تقسيم منها يقوم على اساس جهة ملحوظة. فيقال: ان الحكم الشرعي ـ من حيث أخذ خصوصية العبادة فيه وعدمه ـ يقسّم الى ما هو عبادي وغير عبادي. والحكم غير العبادي ـ من جهة نظره الى المال وعدمه ــ يقسم الى ما يرجع الى الاموال وغيره. وما لا يرجع الى الأموال يقسم ـ من حيث نظره الى السلوك الخاص والعام ـ الى ما يرجع الى السلوك الخاص والعام. والنتيجة الحاصلة من هذه التقسيمات هي انّ الحكم الشرعي تارة يرتبط بالعبادات واُخرى بالاموال وثالثة بالسلوك الخاص ورابعة بالسلوك العام.

ولا يخفى ان جملة من الاحكام الراجعة الى الاموال وان كانت عباديةً بمعنىً من المعاني كوجوب الخمس والزكاة ـ حيث تجب فيهما القربة ـ لكن بما ان وجوب التقرب فيها حكم تكليفي مستقل وليس دخيلاً في صحة أصل الامتثال بمعنى أنّ الانسان لو خمّس ماله من دون قصد القربة لم تجب عليه الاعادة وإن كان آثماً، لهذا كان الأنسب ما صنعه السيد الشهيد (رضي الله عنه) من افراز هذه الاحكام عن قسم الاحكام العبادية وإدخالها في قسم الاحكام الراجعة الى الأموال.

ثانياً: ان الكاتب لم يدقق فيما تفيده كلمة «السلوك» فتصورها بمعنى الآداب وقال ان الجهاد والقضاء و… لا ينسجم ولا يندرج في عنوان الآداب. ولعل هذا الخلط هو الاساس في ملاحظته الثالثة أيضاً. وواضح ان السلوك هنا هو بمعنى العمل أو التصرف أو فعل المكلف، والسلوك العام كما فسّره السيد الشهيد هو بمعنى سلوك ـ تصرّف ـ ولي الامر في مجالات الحكم والقضاء والحرب و… وهذا يعني ان هذه الامور من شؤون الامة بوصفها العام وإن كان القائم بها ولي الأمر في كل زمان.

ثالثاً: صحيح ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الكفائية، لكنهما سلوكان مفروضان على الفرد شرعاً تجاه المعروف والمنكر. والواجبات الكفائية كلها كذلك، فلا يصح التفريق بين الواجبات العينية والكفائية بان الاولى فردية والثانية اجتماعية، بل ان كلتيهما فرديتان لكن الاولى لا تسقط عن فرد باتيان فرد آخر لها والثانية تسقط عن الآخرين باتيان من به الكفاية. نعم ان الواجبات الكفائية تتمتع بالجانب الاجتماعي أيضاً، وذلك لأن الشارع لا يوجّه الزاماته الكفائية الى الافراد بخصوصياتهم وانما يريد تحقق الواجب وصدور الفعل خارجاً، أيّاً كان الفاعل والمحقق له[12].

3ـ التسلسل الفني في بيان المسائل: فهو ـ مضافاً الى تنظيمه للأبواب والفصول ـ لا يذكر الاحكام في كل باب إلاّ وفقاً للترتب المنطقي بين المسائل. فيمهّد لكل فصل ـ غالباً ـ تمهيداً يتناول فيه العناوين والمسائل التي تهمّ القارئ والمقلّد.

وقد التزم بجعل المدخل في الابواب الرئيسة «الاحكام العامة» المتعلقة بها، ولمعرفة هذه الاحكام دورٌ كبير في وقوف القارئ المقلّد على اصول الاحكام وتهيئته للورود الى تفاصيلها[13].

وبعد تطرّقه للاحكام العامة يفرز المسائل المتعلّقة بالموضوع ويدرج كل قسم منها في العنوان المناسب له، كعنوان الشروط، الأجزاء، الاقسام، النواقض و…

4ـ بيان الصور العملية للعبادات قبل بيان احكامها، فلا يرى ـ كما هو الواقع ـ ان الصورة العملية واضحة عند جميع المقلدين ولذا فهو يبدأ ببيان الصورة الموجزة للعبادة ثم يشرح أحكامها. وهذه نقطة ضرورية سيّما بالنسبة الى المبتدئين في التقليد. ولذلك ذكر الصورة العملية لكل من الوضوء والغسل والتيمم والصلاة قبل أن يشرح أحكامها.

5ـ تقديم التعاريف المختصرة حول المصطلحات المستخدمة في الرسالة، فيذكر التعريف اللغوي لها ثم يحدّد المقصود الفقهي منها، كما جاء ذلك في «الجبيرة» «النواقص» «الخلل» و… ولم يكتف بتوضيح ما هو بحاجة الى التبيين فقط، بل وحدّد المفهوم اللغوي والشرعي للعناوين المشهورة في أوساط المتدينين، كما هو في «الصوم» «الاعتكاف» و«الكفارة». ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فتراه يوضح كل مفردة قد تكون مبهمة لدى بعض المقلدين مثل ما ذكره عن كلمة «ضرورة الدين» و«القراءات السبعة» «الشفق والحمرة المشرقية» «الأداء والقضاء» و«الأشهر الحرم» وغير ذلك كثيراً.

كما أشار في مقدمة الكتاب الى عبارات متكرّرة في الكتاب وأوضح المقصود منها، مثل كلمة: الواجب، الحرام، السنن، مقدمة الواجب، الضرر، الحرج، الناسي والجاهل و…[14].

6ـ تفصيل البحث في بعض المسائل من الناحية العلمية أو الفقهية، فهناك المسائل التي تبتني على حسابات علمية دقيقة من رياضيات ونجوم وهندسة ولا بدّ من ايضاحها بمبانيها العلمية، لأنها بطبيعتها تقتضي شيئاً من التوسّع حتى تصبح واضحة لدى القرّاء. ولو بقيت على اجمالها لم تكن مفيدة لكثيرين ولذا توسّع المؤلف شيئاً ما في البحث عن معرفة أوقات الفرائض وكذا في كيفية تعيين القبلة كما بحث في رؤية الهلال (في الصوم) بحثاً علمياً عن كيفية ظهور الهلال والاختلاف بين الشهر القمري الشرعي والشهر القمري الطبيعي. وتناول أيضاً الآراء في اعتبار وحدة الافق ـ في ثبوت الهلال ـ وعدم اعتبارها، ورجّح عدم اعتبارها[15].

7ـ الاهتمام بالجانب التطبيقي للأحكام:

ان الفتاوى الواضحة لا تقتصر على بيان الأحكام; بل تتكفّل بيان التطبيقات المختلفة والحية لتلك الاحكام أيضاً. وهذا هو المهم في الرسالة العملية فيطرح السيد المؤلف الموضوع ويوضّحه بمبادئه وأحكامه العامة ثم يذكر الحالات المتنوعة والمختلفة المتعلقة بالموضوع. ولا يترك حالة معتداً بها إلاّ ويفصّلها ويذكر حكمها. وقد اختار ـ في كثير من الموارد ـ اسلوب السؤال والجواب لبيان هذه التطبيقات ولم يحرص على الاستيعاب بقدر ما حرص على الانتقاء في هذا المجال. فعمد الى تطبيقات ملموسة حيّة في حياة الفرد والجماعة[16] وأهمل الفروع والمسائل المنسوخة التي لا قيمة عملية لها سوى انها تمثل جزءاً من تأريخ فقهنا. وكذا لم يتطرق الى المسائل التي لا يتفق الابتلاء بها إلاّ نادراً.

8ـ وضوح الفتاوى:

إنّ أهمّ ما يميّز الفتاوى الواضحة عن غيرها هو وضوح الفتوى. وقد يكون هو السر في اختيار اسم «الفتاوى الواضحة» لهذه الرسالة العملية وتتجلّى هذه الميزة ضمن الخصائص التالية:

أ ـ تجنبه استخدام المصطلحات الدارجة في ابراز الفتوى. الأمر الذي اشرنا اليه سابقاً. فلا تجده يعتمد على الكلمات المصطلحة عند سائر الفقهاء في اظهار رأيه الفقهي: «الأقوى، لا يبعد، فيه اشكال، والاحوط خلافه و…» والسرّ هو: ان هذه الكلمات تعبّر عن خصوصية علمية في استنباط الرأي ولا تتضمن ثمرة عملية للمكلّف إلاّ في الاحتياط اللزومي وقد نلمس التأكيد على نكتة الصراحة والوضوح في الفتوى في تعريف سيدنا الشهيد للكتاب فانه يقول: «ان الفتاوى الواضحة تشتمل على أحكام ترخيصية تمثل فتاوانا وعلى احكام الزامية تمثل فتاوانا أو مواقع الاحتياط الواجب في نظرنا. وعلى آداب تعبّر عن فتوى أو احتمال أخذ به الفقهاء»[17] أما الترديد والاستشكال والترجيح… في مرحلة الاستنباط فموكول الى بحوثه الفقهية.

ب ـ تجنبه عن الايجاز: فالمؤلف لا يعرض الاحكام إلاّ بكل ما تتطلبه من ايضاح وتبيين. ولا ترى في الكتاب معان مطوية في جمل موجزة.

ج ـ سلاسة التعبير. فاللفظ فصيح بكل ما للكلمة من معنى وبعيدٌ كل البعد عن الإبهام وسوء التأليف، ولا تجد فيه أثراً من التكلّف. والعبارات والجمل المستخدمة في الكتاب كلها سهلة الفهم للقارئ العربي ولا يتحمل القارئ عناءاً وجهداً في فهم العبارة[18].

وباشر المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية بتكليف من السيد الشهيد كتابة نماذج تجريبية للمسائل الشرعية والفتاوى بما كان يعتقد انها الصياغة المثلى التي تحقق الغرض المطلوب، وبعد مناقشة السيد الشهيد لها تبين للشيخ مغنية خلاف ذلك. وكرّر الشيخ محاولاته وكان في كل مرة يواجه مشكلات، إما لأن الصياغة التعبيرية قاصرة عن إفادة الحكم الشرعي المقصود، وإما لأن الصياغات التعبيرية لا تخلو من تعقيد ولا تحقق التبسيط المطلوب.

وبعد فشل تلك المحاولات قرّر السيد الشهيد (رضوان الله عليه) تبنّي المهمة بنفسه. وهي محاولة في غاية الصعوبة لمن يعرف طبيعة المادة الفقهية التي لا تقبل التساهل والمسامحة. خاصة انه اراد لرسالته العملية ان تكون نموذجية ومثالية في التعبير  والمنهجية والتبويب وخالية من كل غموض وتعقيد، ويتاح لكل أحد فهمهاواستيعابها. وبعبارة اخرى رسالة عملية تكتب لكل طبقات الامة على اختلاف مستوياتها، لا للعلماء كما هو شأن الرسائل العملية الاخرى.

فباشر السيد الشهيد كتابة «الفتاوى الواضحة» وبدأ عمله فاختار عدة مواضيع فقهية كتبها بصياغات مختلفة ومستويات متعددة على شكل كراسات. وأمرني أن اعرض هذه النماذج التجريبية على نخبة مختارة تمثل مختلف الشرائح الاجتماعية وخاصة طلاب المدارس، وان اطلب منهم التأشير على العبارات الغامضة والتي لا تُفهم بسهولة.

ونفّذنا هذه التجربة وكرّرناها عدة مرات حتى استطاع ان ينتخب الاسلوب الافضل والتعبير الاسهل والأجمل مع الاحتفاظ بمتانة المادة الفقهية.

ومسك اليراع الطاهر فانطلق يكتب، فكانت ولادة الفتاوى الواضحة الرسالة المثالية التي لا زالت يتيمة زمانها.

وللميزات التي اختصت بها الفتاوى الواضحة أخذت موقعاً خاصاً في نفوس المؤمنين والمسلمين لا في الوسط الشيعي فقط بل في الوسط السنّي أيضاً ولتأكيد هذه الحقيقة أقول: ان الفتاوى الواضحة كانت قد طبعت في القاهرة طبعة خاصة ونفدت في اسواقها بنفس السرعة التي نفدت فيها في العراق». (الشيخ محمد رضا النعماني، الشهيد الصدر، سنوات المحنة وأيام الحصار: 60).

وفي رسالة بعثها السيد الشهيد الى بعض من يلوذ به كتب عن الفتاوى الواضحة ما يلي: «أرسلت اليكم بضع نسخ من الفتاوى الواضحة التي جسّدنا فيها جانباً مهمّاً من جوانب التجديد في المرجعية إذ قدّمنا للامة أحكام الشريعة بلغة تفهمها وبمستوى اسلوب العصر ومنهجته وقد كان إقبال الامة على الفتاوى الواضحة منقطع النظير، حتى نفدت الطبعة الاولى تقريباً في أقل من شهر، وهذه سرعة مثالية لا نظير لها في المجالات المشابهة السابقة. وهذا يدل على مدى عمق تمسك الامة بعقيدتها ورسوخ صلتها بمرجعيتها القادرة على التفاهم والتخاطب معها» (المصدر نفسه: 334).

وأخيراً بعض المقترحات:

1ـ الاستمرار على نفس المنهج الذي مثّلته الفتاوى الواضحة بكل أبعاده ومواصفاته التي سبق ذكرها، اذ لم ينجز المؤلف الشهيد إلاّ قسم العبادات من اطروحته[19]، فيجب أن يُدرس ما تبقى من فصول المنهج ويُطرح بنفس الطريقة المتبعة في الفتاوى الواضحة. وهذا يتطلب خبرات متنوعة وجهود غير قليلة.

2ـ من الضروري ان تعرض رسالة عملية موحّدة تشتمل على المسائل الضرورية الفقهية المُتفق عليها بين مشهور الفقهاء المعاصرين ويشار الى موارد الاختلاف في الفتوى في الهامش وهذه رسالة ضرورية للمبتدئين في التقليد.

3ـ وضع رسائل عملية تتضمن الاجابة والحلول للمسائل الشرعية الراجعة الى الحرف والاعمال الاجتماعية، كالاحكام الفقهية المتعلقة بالطب والاطباء والمرضى، ومثل الاحكام الفقهية الراجعة الى الاعمال التجارية، أو الزراعية و…

4ـ ومن الواجب أيضاً تخصيص رسائل عملية للمراهقين والشباب والنساء للتحدث مع كل صنف بلغته وتُطرح المسائل الخاصة بهم.

5ـ ترجمة الرسائل العملية الى مختلف اللغات الحيّة. وقد أصبح هذا الأمر ضرورياً بعد انتشار الولاء لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) في أقطار الأرض ولاسيّما في الآونة الاخيرة وبعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران.

الشيخ مجتبى المحمودي

[1] العروة الوثقى: 5، المسألة 36 من مسائل التقليد.

[2] الفتاوى الواضحة: 13.

[3] العروة الوثقى: 30.

[4] المصدر: 251.

[5] الفتاوى الواضحة: 13.

[6] الفتاوى الواضحة: 12.

[7] يقول السيد الصدر ـ وهو يتحدث عن الاتجاه الموضوعي في الابحاث الفقهية ـ فالبحث الفقهي اليوم مدعوٌ أيضاً الى أن يستنفد طاقة هذا الاتجاه الموضوعي افقياً وعمودياً باعتبار ان الاتجاه الموضوعي ـ كما قلنا ـ عبارة عن ان الانسان يبدأ من الواقع وينتهي الى الشريعة.

[8] الفتاوى الواضحة: 14.

[9] الفتاوى الواضحة: 5.

[10] الفتاوى الواضحة: 46 ولا يفوتني ـ في عرضي السريع لمنهج الفتاوى الواضحة ـ أن أنوّه بالبحث الطريف الذي طرحه في بداية الكتاب عن التكليف وشروطه. وقد تضمن الكلام عن تعريف التكليف وشروطه وآثاره العامة، ولهذا البحث دوره الممتاز في جميع الأبواب الفقهية ولم يُفرد له فصل برأسه في سائر الرسائل العملية.

[11] مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) (الفارسية) السنة الاولى. العدد الثالث، يعقوب علي برجي، نگاهى به دسته بنديهاى فقه (نظرة الى المناهج الفقهية): 255.

[12] راجع بحوث في علم الاصول 2: 423.

[13] انّ شاهداً واحداً ـ من عشرات الشواهد ـ يكفي للتدليل على هذا الأمر، فترى انّ معظم الرسائل العملية ـ أو كلها ـ تتحدث عن كيفية الغسل وأحكامه ضمن غسل الجنابة مع ان البحث لا يختص بالجنابة. اما الفتاوى الواضحة فتجعل الاحكام العامة للغسل (كيفية الغسل، شروط الغسل، غسل الجبيرة، الخلل في الغسل وغير ذلك) في مقدمة البحث عن اقسام الغسل.

[14] الفتاوى الواضحة: 79.

[15] المصدر: 511 و514.

[16] انظر الحالات المختلفة المذكورة للمسافر الذي يصلّي التمام بدل القصر: 237، ويلاحظ أيضاً الحالات العديدة بشأن من يسافر من اجل عمله، حيث يقول السيد الشهيد بهذا الصدد: ونذكر فيما يلي عدداً عن الحالات لذلك مستمدة من واقع الحياة ليتاح للمكلّف معرفة الحكم الشرعي لكلّ حالة مماثلة. فيذكر (11) حالة تجب فيها الصلاة تامة ويستعرض أيضاً أمثلة سبعة يجب فيها القصر. (الفتاوى الواضحة: 331 ـ 335).

[17] الفتاوى الواضحة: 2.

[18] ولغرض الوقوف على مدى اهتمام السيد المؤلف بوضوح التعبير في رسالته العملية أنقل هنا ما ذكره سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا النعماني بهذا الصدد: «…بعد أن تكرّر عليه الطلب بطبع رسالة عملية وحصلت له قناعة بذلك، فكّر في اسلوب جديد لكتابة رسالته العملية. واتفق ان كان المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية ضيفاً عند السيد الشهيد في تلك الفترة والشيخ مغنية كاتب اسلامي معروف بقدرته على كتابة المطالب المعقّدة باسلوب وعبارة مفهومة للجميع، وكان يُعرف بكاتب الشباب… فاقترح البعض ان تناط مهمّة كتابة رسالة السيد الشهيد اليه.

[19] كتب السيد الشهيد في رسالته: «إنّ الالحاح علينا في كتابة الجزء الثاني من الفتاوى الواضحة شديد وعلى الرغم من ايماني بأهمية ذلك إسلامياً (من زاوية المرجعية) إلاّ اني قدمت عليه فعلاً التشاغل بالبحث المشار اليه سابقاً والذي كنت اشير اليه باسم البحث في اصول الدين» (الشيخ محمد رضا النعماني، الشهيد الصدر، سنوات المحنة وأيام الحصار: 337).