بحث حول آفاق المرجعية الرشيدة عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) فكراً ومنهجاً

إطلالة على مدرسة الشهيد الصدر الفلسفية

بسمه تعالى

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم المرسلين وعلى آله الأئمة الأطهار الميامين أئمة الهدى ومصابيح الدجى.

توطئة: حاولت الاقتراب طالعني بحر مداه واسع وقعره عميق جواهر ولآلئ صفاء وعذوبة أمواج هادئة ترسم لوحة الصانع المبدع أظهر تجلياته وفيوضاته بعبده الذي أحبه وحباه فعشقه وتفانى فيه ذوباناً لم يعد يشعر بوجود سواه وجوداً مطلقاً مثلا أعلى ( الله جلّ جلاله)… ذاك هو العبقري العظيم والمجدد في القرن العشرين قد انحدر من سلالة طاهرة سمت به وسما بها (آل الصدر وآل ياسين) وأنعم بها اُسراً علمية عرفت بخصال أفردتها في حقول العلم والجهاد والتقوى.. هي منارات مشعة ومضيئة وامتدادات في العالم الاسلامي من لبنان الى ايران والعراق نهضت بالأمانة على خط أهل البيت (عليهم السلام) وما بخلت أفذاذ اُولئك في مواقع مختلفة ومناصب مرموقة خدمة للرسالة. واُسرة الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) تعلقت بها القلوب تستشرف من خلالها مستقبل الاسلام العظيم من حجة الاسلام السيد اسماعيل الصدر (قدس سره) كفيل الشهيد الذي شهدت له المنابر وتذللت بين يديه الافكار مناظر ومحاور وناقد ومقارن. موجه ومبلغ وداعية بسلوكه وتقواه. خلق وأدب رفيع. هذا العملاق الذي دانت له الفضائل هو الذي تكفل اليتيم في أيامه المبكرة يغدق عليه عطف الاُبوة يغمره بحبه وحديثه وتشجيعه وكان اُستاذه الأول درس على يديه بعضاً من المقدمات وسافر معه من ” الكاظمية ” الى ” النجف الأشرف ” على ساكنيهما ألف تحية وسلام… فتحت الأبواب امام العاشق فطويت له المراحل وكأن الزمان بين يديه وطوع إرادته يكيفه مع تطلعاته فهو الخبير به العارف بأبعاده وانه كحد السيف ان لم تقطعه بحنكتك وذكائك واستفاداتك قطعك ولم يبال ولم يتوقف. ولكل زمان أهله العارفون بخصائصه لا يغرقون بالتنظير ولايضعون الرؤوس في الرمال بل يعيشونه واقعاً بكل أبعاده ولا يفصلونه عن الماضي وإنما يجرون الماضي اليهم كأنهم يعايشونه وأصحابه يستفيدون من كل ما فيه بتحليل موضوعي لا تغيب خصائصه. و ما هي الا سنوات قلائل حتى لمع نجم الشهيد(قدس سره) في الحوزة العلمية وأصبح ممن يشار اليه بالبنان. أعجب مدرسو الخارج بالذكاء وسرعة البديهة وقوة الاستدلال وسعة الباع في المجالات المختلفة. شق طريقاً امتاز به عن الاقران بسعة الاُفق وشمولية النظرة الى الكون بكل أبعاده. ذهب يستنطق كل شي من حوله عبر كتاب الكون ـ القرآن الكريم ـ والسيرة ا لحاكية للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) كانت ساعات اشتغاله تتجاوز ثلثي اليوم و تقارب العشرين ساعة في بعض الأيام قراءة وتأملا وحوراً وبحثاً ونقاشاً وكتابة تدريساً و استطاع ان يحدث زلزالا في الحوزة يجعلها تطل على العالم وأحداثه ومستجداته تطوراته و أنظمته وحاكميته وأيديولوجياته بفكر اسلامي نيّر ومنفتح على الحياة كما كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يخاطب العالم ( تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله). وداعياً الى الحوار الهادئ بالحكمة والموعظة الحسنة آملا هداية الناس وتعميم روح الاُخوة بين الناس وإقامة العدل المساواة فلا فوارق ولا طبقية. والشهيد الصدر  (قدس سره) مدرسة جامعة لفروع الاختصاص في مجالات شتى أبدع وابتكر وجدد في كثير من النظريات منهجاً وفكراً ودقة متناهية اجتهاد مطلق مكنه أن يقول كلمة الفصل حاول تطوير البرامج الدراسية وتنظيم الحوزة العلمية والمرجعية القائدة والمشرفة بآفاق جديدة منهجاً وفكراً بعد تقديمه النماذج المطلوبة في الحقول المختلفة وهذا ما أتناوله في بحثي المتواضع…

نظرية الشهيد (قدس سره) الشمولية للكون

نظرية الاستخلاف:

الإنسان مخلوق لله تعالى وعبده يحتل في نظر الشهيد (قدس سره) الركيزة الأساسية في الكون عالمه العلوي والسلفي وكل شي مسخر لخدمته وقد زوّد بكل الطاقات والامكانات التي تجعله يستفيد من كل شي حوله. قال (قدس سره): (إن الله سبحانه وتعالى شرّف الانسان بالخلافة على الأرض فكان الانسان متميزاً عن كل عناصر الكون بأنه خليفة الله على الأرض وبهذه الخلافة استحق أن تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور) وهذه الخلافة يحكي عنها القرآن بآيات عديدة قال تعالى: (و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) (البقرة/30). وقال تعالى: (… واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح…) (الأعراف/69). وقال تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) (فاطر/39). وقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق…) (ص/26). ما يستفاد من مضامين هذه الآيات أن الاستخلاف لم يكن استخلافاً لشخص آدم (عليه السلام) بل هو استخلاف للجنس البشري كله لأن من يفسد في الأرض ويسفك الدماء وفقاً لمخاوف الملائكة ليس آدم (عليه السلام) بالذات بل الآدمية والانسانية على امتدادها التاريخي هذا ما يفهم من نظرية الشهيد (قدس سره) للاستخلاف وبعد حديثه عن نظرية الاستخلاف من قبل الله تعالى تحدّث عن تحمل الانسان لأعباء الخلافة من خلال آية عرض الأمانة حيث قال تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا) (الأحزاب/72). هذه الأمانة العظيمة التي عجز الكون بكل ما فيه عن حملها وحملها الانسان والشهيد (قدس سره) يعتبر أن استخلاف الانسان هو اعطاؤه كل ما للمستخلف سبحانه وتعالى من أشياء تعود اليه ومن أجل هذا كان الاستخلاف أساساً للحكم وكان الحكم بين الناس متفرّعاً على جعل الخلافة كما يفهم بأدنى تأمل من خطابه تعالى لنبيّه داوود (عليه السلام)… (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (ص/26). فالخلافة هي المكلفة برعاية الكون وتدبير أمر الانسان السير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية فالله تعالى قد أناب الجماعة البشرية عنه في الحكم وقيادة الكون وإعماره اجتماعياً وطبيعياً وبين الشهيد (قدس سره): إن الاستخلاف بمفهومه الواسع يعنى: أولا: إنتماء الجماعة البشرية الى محور واحد وهو المستخلِف (الله سبحانه) و هو صاحب السيادة والملك والأمر والنهي وهذا ما جسّده الرسول (صلى الله عليه وآله) بدعوته لقومه ان يقولوا (لا إله الا الله فيفلحوا) التوحيد الخالص وقد تحدث القرآن عن ذلك بقوله تعالى: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)(البقرة/138) وأيضاً هذا ما يفهم من فحوى الحوار الذي جرى بين نبي الله يوسف (عليه السلام) وصاحبي السجن قال تعالى: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (يوسف/39).

و ثانياً: إقامة العلاقات الاجتماعية على أساس العبودية الخالصة لله تعالى وتحرير الانسان من عبودية الاسماء التي تمثل الوان الاستغلال والجهل والطاغوت قال تعالى: (ما تعبدون من دون الله الا أسماءً سميتموها) (يوسف/40).

ثالثاً: تجسيد روح الاُخوة العامة والتكافئ في الكرامة والانسانية والحقوق كأسنان المشط على ما عبّر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأنه لا تفاضل الا على أساس العمل قال تعالى: (و أن ليس للانسان إلا ما سعى) (النجم/39).

رابعاً: الأمانة والمسؤولية (إن العهد كان مسؤولا) (الإسراء/34). وهذه المسؤولية التي تمارس بلحاظ الدور الاستخلافي لا يمكن أن تتعدى الحدود المرسومة من قبل المستخلف وهذه المسؤولية تعني أن الانسان كائن حر إذ بدون الاختيار والحرية لا معنى للمسؤولية قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) (الانسان/3) وهذه الخلافة الربانية للجماعة البشرية تدفع بالانسان الى تفجير طاقاته وإمكاناته من أجل استغلال الطبيعة وبنائها على الاُسس السليمة التي رسم المستخلف ذلك لمصلحة المستخلف وهذا يتطلب من المستخلف أن يتصف بصفات المستخلف من العدل والعلم والقدرة والرحمة بالمستضعفين والانتقام من الجبارين والجور الذي لا حد له وقد جاء في الحديث: (تشبّهوا بأخلاق الله). وهذا الاستخلاف وبهذا التشبه بالأخلاق والقيم والعدالة وبذل الطاقات ومواجهة كل الصعوبات يتطلب سيراً متواصلا ودؤوباً نحو الله تعالى وقد أشار القرآن الى ذلك بقوله تعالى: (يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه) (الانشقاق/6).

و بما أن الانسان كائن حر مزوّد بالامكانات قد يضعف أمام الإغراءات ويسقط في الاختيار نتيجة وسوسة الشيطان ومكره وخداعه قال تعالى: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه)( ق/16 ). وقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون)( المؤمنون/115 ). وقد بيّن الله تعالى حال هذا الانسان في سورة من القرآن حيث قال تعالى: (و العصر إن الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا باحق وتواصوا بالصبر) (العصر). وأمام هذه المخاطر التي تخيط بالانسان لا يمكن أن يبقى خط الاستخلاف وحده من دون حافظ ومحصن له فكان لابد من خط الشهادة الذي يمثل التدخل الرباني من أجل صيانة الانسان الخليفة من الانحراف.

و يذكر الشهيد (قدس سره) أن القرآن الكريم تحدث عن خط الشهادة وصنف الشهداء الى ثلاثة أصناف وهذا ما استفاده الشهيد (قدس سره) من قوله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم به النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (المائدة/44). وبهذا الفهم أعطى الشهيد (قدس سره) الآية معنى أبعده عن حدوده الضيقة والمناسبة التي وردت فيها الآية وخصوصية المخاطب فعممها من منطق أن المورد لا يخصص والحديث عن التوراة وما انزل فيها لايعزلها عن معالجة واقع الحياة التي يعيشها الانسان ومن هنا كان المؤدى يتناسب مع واقع الاستخلاف الذي لابد من تحصينه لأن الانسان مركب مزيج قد يتفوق فيه الجانب الروحي والاخلاقي والنوراني. وقد تكون الجانب المادي والأرض هو المتغلب فإذا تغلب الجانت المادي فأين يكون المستخلف كيف يكون حال المستخلف عليه؟ ومن أجل الحفاظ على المستخلف عليه وتسديد المستخلف كان لابد من خط الشهادة ليكون صمام الأمان في تلك المسيرة الاستخلافية ويقول الشهيد (قدس سره): وهذا الخط تمثل أولا بالأنبياء (عليهم السلام) وثانياً بالائمة (عليهم السلام) الذي يعتبرون امتداداً ربانياً للنبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الخط.

و ثالثاً: بالمرجعية التي تعتبر امتداداً رشيداً للنبي والامام (عليه السلام) في خط الشهادة.الشهيد الصدر (قدس سره) حدد أدواراً ثلاثة لخط الشهادة مشتركة بين الأصناف الثلاثة:

الدور الأول: استيعاب الرسالة السماوية والحفاظ عليها قال تعالى: (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (المائدة/44).

الدور الثاني: الاشراف على ممارسة الانسان لدوره في الخلافة ومسؤولية اعطاء التوجيه بالقدر الذي يتصل بالرسالة وأحكامها ومفاهيمها.

الدور الثالث: التدخل لمقاومة الانحراف واتخاذ كل التدابير الممكنة من أجل سلامة المسيرة.

و قال الشهيد (قدس سره): (و مع هذا الاشتراك في خط الشهادة فإن هناك فروقاً جوهرية بين شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) (والامام ع ) والمرجع في طريقة أداء هذا الدور… قال: فالنبي (صلى الله عليه وآله) هو حامل الرسالة من السماء باختيار الله تعالى له وامداده بالغيب عن طريق الوحي والامام (عليه السلام) هو المستودع للرسالة ربانياً والمرجع هو الانسان الذي اكتسب من خلال جهد بشري ومعاناة طويلة الأمد استيعاباً حياً وشاملا ومتحركاً للاسلام ومصادره وورعاً معمّقاً يروّض نفسه عليه حتى يصبح قوة تتحكم في كل وجوده وسلوكه ووعياً اسلامياً رشيداً على الواقع وما يزخر به من ظروف وملابسات ليكون شهيداً عليه.

و قال الشهيد (قدس سره): (المرجعية كخط قرار الهي وكتجسيد في فرد معين قرار من الأمة)…يفهم من الفارق الجوهري بين النبي (صلى الله عليه وآله) كحامل للرسالة باختيار الله تعالى الامام (عليه السلام) كامتداد للنبي (صلى الله عليه وآله) هو المستودع للرسالة ربانياً أن يكون كل منهما معصوماً والعدالة قد بلغت في كل منهما ذروتها وتعدت حدودها الى درجة تسمى (العصمة) لأن هذه الدرجة هي التي تخول الاختيار المباشر من قبل الله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)( الأنعام/142). وقوله تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) ( الحج/75 ). والعصمة هي الضمانة لهذا الخط بينما المرجعية كخط هي قرار الهي فيكفي فيها العدالة والاُمة المختارة هي الضمانة لأنه بيدها قرار التعيين وفق معطيات تؤهله لهذا الدور. وهذه الأدوار الثلاثة لخط الشهادة طولية فالامام  (عليه السلام) ليس له دور في حضور النبي (صلى الله عليه وآله) بل هو كسائر أفراد الاُمة بل أطوعها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك النبي مع نبي آخر كهارون مع موسى (عليه السلام) فإن هارون مع نبوته كان خليفة ووزيراً لموسى (عليه السلام) لا يقوم بأي دور الا وفق ما يحدده له موسى (عليه السلام) المرجعية بما هي كخط شهادة لها دورها واستقلالها ولكن ليس لها دور وفاعلية في زمن حضور المعصوم (عليه السلام) وإنما دورها في زمن غيبة المعصوم (عليه السلام).

المرجعية كخط شهادة:

المرجعية التي تمثل هذه المسؤولية المتقدمة في الاُمة فهي تمثل في خطها العريض والأساسي قراراً الهياً من أجل تحصين الاُمة وحفظ حقوقها وحدودها والسهر على حاضرها ومستقلها وعزتها وكرامتها وإنسانيتها فهذا الخط في طول خط الانبياء والأئمة(عليهم السلام). والاُمة التي تعطى صلاحية تعيين المرجعية في فرد لابد أن تملك من المؤهلات ما يمكنها من ذلك وتستند الاُمة في شرعية التعيين والاختيار الى ما قرره المعصوم (عليه السلام) في الحديث الوارد عن الامام العسكري (عليه السلام): (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ) (الوسائل ج 18 ب 10 من أبواب القضاء ص 94).

و المرجعية التي تجتمع فيها هذه الصفات تمثل خط الشهادة (وتكونوا شهداء على الناس)( الحج/78 ) والشهادة في الواقع كما ذكر الشهيد (قدس سره) تتطلب أموراً:

الأول: العدالة لأنه لا يؤتمن الخائن ولا تقبل شهادته والمرجعية هي شهادة.

الثاني: العلم واستيعاب الرسالة وأحكامها ومفاهيمها (والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) ( المائدة/117 ).

الثالث: الوعي على الواقع القائم وهو مستبطن في الرقابة (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم) (المائدة/117).

الرابع: الكفاءة والجدارة النفسية التي ترتبط بالحكمة والتعقل والصبر والشجاعة (و يتخذ منكم شهداء) (آل عمران/140).

المرجع ليس شهيداً على الاُمة فحسب بل هو جزء منها ومن اوعى أفرادها وأكثرهم عطاء ونزاهة وبوصفه جزءاً من الاُمة يحتل موقعاً من الخلافة العامة للانسان على الأرض وله رأيه في المشاكل الزمنية والاوضاع السياسية بقدر ما له وجود في الاُمة وامتداد اجتماعي وسياسي في صفوفها فالمرجع كشهيد على الاُمة له دور رباني لايمكن التخلي عنه دوره في إطار الخلافة العامة للانسان على الأرض دور بشري اجتماعي يستمد قيمته وعمقه من مدى وجوده الشخصي في الاُمة وثقتها بقيادتها الاجتماعية والسياسية. اُضيف الى شرط العلم الاجتهار ومن المتسالم عليه أن المرجع لابد أن يكون مجتهداً جامعاً للشرائط ويحسن بنا أن نبين باختصار معنى الاجتهاد وحقيقة هذا الاصطلاح على المستوى الشرعي والتاريخي فنقول: الاجتهاد عبارة عن المبالغة في الجهد على ما ذكر في اللغة ونقل في الاصطلاح الى استفراغ الوسع فيما فيه مشقة لتحصيل ظني شرعي. والمجتهد اسم فاعل من (الاجتهاد) وهو العالم بالاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالقوة القريبة من الفعل على ما ذكر في مجمع البحرين ج 3 ض 33 ـ 34 وفي لسان العرب ج 2 قال: الجَهد (بفتح الجيم). الجُهد (بضم الجيم): الطاقة وقيل الجَهد (بفتح الجيم) المشقة والجُهد (بضم الجيم) الطاقة والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود.

و لم يرد في كلمات الأئمة (عليهم السلام) وأحاديثهم كلمة (اجتهاد) أو (مجتهد) نعم ورد ما يلازم ذلك (الافتاء) كما في حديث الامام الباقر (عليه السلام) لما طلب من أبان بن تغلب أن يجلس في مسجد المدينة ويفتي الناس:

(اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني اُحب أن يُرى في شيعتي مثلك) وورد عن لسان مولانا الامام الصادق (عليه السلام) في رواية صفوان البصري انه قال: قال لي الامام الصادق  (عليه السلام): (إهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك للناس جسرا). هذا بخلاف فترة ما بعد الأئمة (عليهم السلام) فقد أصبحت كلمة (الاجتهاد) و(المجتهد) أكثر الكلمات شيوعاً وقداسة لما تعبّر عن محتوى (فكري وسياسي وعبادي) ويمكن أن يكون سبب ذلك ان كلمة الاجتهاد قد استعملت في زمن الائمة (عليهم السلام) كمصطلح لا يتناسب مع رؤية الائمة (عليهم السلام) وان كان قد نسب الى الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال لمعاذ بن جبل لما أرسله الى اليمن:

(كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله قال بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فإن لم تجد في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ولا في كتاب الله؟ قال اجتهد رأي ولا آلو… قال: فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدره وقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي وفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما يرضاه رسول الله (صلى الله عليه وآله). وذكروا أحاديث اُخرى نسبوها الى رسول الله وأنه أمر أصحابه أن يجتهدوا إذا لم يجدوا الحكم في كتاب الله ولا في سنة رسوله. حتى أن بعضهم تجاوز قائلا أن بعضاً من تعاليم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت اجتهادية محضة ولم تستند الى الوحي.

و بالتأمل ندرك أن كلمة الاجتهاد التي استخدمت واستعملت في تلك المواضع لم تكن بالمعنى الاصطلاحي للاجتهاد عندنا وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي الفرعي من أدلته التفصيلية وإنما كان المقصود من استعمال كلمة اجتهاد عند الجمهور هو العمل بالرأي وبهذا المعنى أصبح عندهم مصدراً من مصادر التشريع.

بينما ما نختاره وهو الحق إذ لا اجتهاد في مقابل النص وان الاجتهاد ليس مصدراً من مصادر التشريع وإنما هو طريق لمعرفة التشريع من خلال بذل الجهد في الكتاب والسنة.

فالمجتهد المرجع على ما قاله الشهيد (قدس سره) يمثل مواصلة الدور العام للأنبياء والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ويمثل قيادة عقائدية التي من مهماتها تقديم المقياس الموضوعي للاُمة من الناحية الاسلامية وليس في العناصر الثابتة من التشريع في المجتمع الاسلامي فقط بل تقدم المقياس الموضوعي للعناصر المتحركة الزمنية أيضاً لأن المرجع في الواقع يمثل بالنسبة للاُمة بعد غياب المعصوم (عليه السلام) المثل الأعلى للأيديولوجية الاسلامية.

و قال الشهيد (قدس سره) في مقام رده على اولئك الذين قالوا ان المرجعية الفردية لا يؤمن معها من الانحراف: (الضمان هو بتحويل المرجعية من الذاتية الى الموضوعية) وفي زمن غيبة الامام المعصوم (عج) مسؤولية الخطين: خط الخلافة وخط الشهادة. هي مسؤولية المرجع بما هو فرد في اُمته تختاره لامتيازات يختص بها تؤهله لقيادة الساحة وتكون العدالة ببعدها هي الضمان فإذا ما فقدت تسقط المرجعية كخط شهادة وعلى الاُمة أن تختار ما يضمن عدم انحرافها ويشرف على سلامة المسيرة ويحدد لها معالم الطريق من الناحية الاسلامية ففي الحقيقة أن الخطين (الخلافة، الشهادة) لم ينحصرا في فرد ما لم يكن هذا الفرد مطلقاً أي معصوماً إذ في غيره من مسؤولية المرجع والاُمة معاً بلحاظ اختيارها من خلال الاجتهاد الشرعي والشورى الزمنية. فالمرجعية الرشيدة هي المعبّر الشرعي عن الاسلام والمرجع هو النائب العام عن الامام من الناحية الشرعية.

نظرة الشهيد (قدس سره) الشمولية للواقع الاسلامي:

تميز الشهيد (قدس سره) بنظرته الشمولية للواقع بكل أبعاده وانطلق يستنطق الاسلام عن كل مشكلة من مشاكله من أجل معالجتها واستطاع خلال فترة وجيزة من الزمن أن يخرج الاسلام من خندق الدفاع الى ساحة المواجهة والحركية وأعطى الاسلام صورة التحدي وخط الانطلاق والإتجاهات المضادة وهذا بحد ذاته تحول فكري وسياسي واجتماعي هائل حيث خاض مقارعة طويلة ذات طابع فكري فلسفي شامل ضد البنية الفكرية للغرب وضد ادعاءات الصحة المطلقة لنظرياته ومناهجه ومفهوم الحركة والتناقض الذي جذب اليه الافكار قال الشهيد (قدس سره): إن مفهوم الحركة في الكون قد حظي بمعالجة اكثر عمقاً على يد الملاّ صدرا من أي فيلسوف آخر من خلال تحليل للسببية يقوم على أساس مفهوم التطور أو معناه المجرد. فالملا صدرا وضع نظية الحركة العامة وبرهن فلسفياً على أن الحركة لا تمس ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب معتبراً أن الحركة في تلك الظواهر ليست إلا جانب من التطور ليكشف عن جانب أعمق وهو: التطور في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية ذلك ان الحركة السطحية في الظواهر لما كان معناها التجدد والانقضاء فيجب لهذا ان تكون علتها المباشرة أمراً متجدداً غير ثابت الذات أيضاً لأن علة الثابت ثابتة وعلة المتغير المتجدد متغيرة متجددة فلايمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً ثابتاً وإلا لم تنعدم أجزاء الحركة بل تصبح قراراً ومكنوناً. ويحاول السيد الصدر (قدس سره) إظهار أن فكرة التناقض في جدليات الشيوعية حشو وإسهاب. ان الحركة في مفهومها الديالكتيكي يقوم على أساس التناقض والصراع بين المتناقضات. فهذا التناقض والصراع هو القوة الداخلية الدافعة للحركة والخالقة للتطور وعلى عكس ذلك في مفهومنا الفلسفي عن الحركة فإنه يعتبر الحركة سيراً من درجة الى درجة مقابلة من دون أن تجتمع تلك الدرجات المتقابلة في مرحلة واحدة من مراحل الحركة.

و حصيلة هذه المقارعة شكلت تلك الكتب القيمة بما تحمله من نظريات وأفكارحلول من (فلسفتنا) و( إقتصادنا) و(البنك اللاربوي في الاسلام) و(الاُسس المنطقية للاستقراء) وغيرها… وكان الشهيد (قدس سره) يرى أن حركة الاُمة هو شرط أساس في نجاح أي معركة شاملة ضد التخلف لأن حركة الاُمة هو تعبير عن نمو إرادتها وانطلاق مواهبها في كل المجالات لتعود بالخير والصلاح على حركة الاُمة في خطيها الخارجي والداخلي.

الشهيد (قدس سره) قرأ وتأمل ونظر وحلّل المذاهب والمناهج الغربية الوافدة ونقدها وردها الى حدودها الطبيعية ووضع أسساً ومقومات أساسية لفلسفة اسلامية معاصرة. وتميز الشهيد (قدس سره) بأنه أعطى لفقه النص بعده الواقعي ولذلك كان يعتبر فهم الواقع أكبر معين على فهم النص.من هذا المنطلق كانت منهجيته في التفسير ونظريته الى البدء بالواقع والانتهاء الى القرآن وسمى هذه النظرية التي دور الانسان فيها دراسة الواقع والنظر فيه واستنطاق القرآن لاعطاء التفسير الصحيح بالتفسير التوحيدي أو الموضوعي واختار هذه المنهجية باعتبار أن القرآن هو القيّم والمصدر الذي يحدد على ضوئه الاتجاهات الربانية وكان يتحرك من خلال المفهوم القرآني: الاُمة الشاهدة يربط الواقع بالمثال وينظر لحركة الاُمة المستقبلية في هذا الاُفق. وكان الشهيد (قدس سره) يرى أن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ من التاريخ بخلاف المدرسة الوضعية التي ترى أن التاريخ هو الذي يصنع الانسان وكان يرى ربط التاريخ بالسنن المحرّكة له لأنّ الاُمة هي حركة تتم في اطار الخلافة والتسخير ولا يمكن ان تتم إلا بمعرفة السنن المحرّكة للتاريخ فالنظرة الى التاريخ التي لا تعتمد على ريط الحوادث ربطاً سببياً أي سننياً هي نظرة لا تاريخية وغير علمية و من هنا يرى أنّ ربط التأريخ بالغيب لا ينفي تدخل العقل في تفسير الظواهر التأريخية بل على العكس يدعمه ويدفعه الى البحث عن الحقيقة. وامتاز الشهيد (قدس سره) بأنه لم يحجز تحليله للتاريخ بالاطار الضيق للحوادث والأفراد بل تجاوز التاريخ السردي ووصل الى التاريخ المعتمد على أدوات علم الاحتماع أي البحث عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية التي تؤثر في حركة التاريخ فالشهيد (قدس سره) لم ينظر الى الانسان كحالة ثابته فالفطرة أو الطبيعة البشرية لا تعيش خارج التاريخ بل في التاريخ فالفطرة في صيرورة مستمرة ـ فلسفة التاريخ عنده عبارة عن الفطرة في حركتها نحو تحقيق الخلافة وان حركة التاريخ تتجه نحو المثل الأعلى (الله سبحانه وتعالى) وان هذه الحركة تكون أقوى كلما ارتبط الانسان بالمثل الأعلى ارتباطاً تعبدياً. وطبق الشهيد (قدس سره) منهجيته في دراسة التاريخ من خلال نظرية المعرفة القائمة بالذات والموضوع والتي هي عبارة عن العقل والتجربة والوحي.

و كان الشهيد (قدس سره) يرى أن فلسفة قيام الدولة يرتبط بعلاقة مباشرة مع خلافة الانسان لله تعالى ومع التاريخ من حيث أن هذه الخلافة هي الارادة الشرعية وضرورة للتغيير فهي عنصر بنيوي لا في المشروع الحضاري الاسلامي فحسب بل عنصر جوهري في الاسلام نفسه فالدولة واجب شرعي وظاهرة حضارية. حيث لاوجود لقطيعة بين المادي الروحي بين السياسة والعبادة فخلافة الانسان ليست حالة روحية منعزلة عن الجانب الاجتماعي والتاريخي للبشرية فالسير في طريق تحقيق الخلافة عبر التاريخ يقتضي وجود دولة فهكذا ترتبط السياسة بالتاريخ وبالنبوة لأن المشروع الحضاري الذي يستمد مصدره من الوحي هو مشروع ينمو ويتطور بالتوازي مع نمو وتطور وعي الانسان وهنا تبرز العلاقة بين النبوة وحركة التاريخ فالنبوة تتحدد وإذا ما توقفت عند الخاتم الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) فهي مستمرة بخلفائه وبمن ينوب من المرجعية الرشيدة لحفظ الانسان من الانحراف عن خط المشروع الحضاري نحو المثل الأعلى.

و اعتبر الشهيد (قدس سره) بأن الصراع بدأ منذ حادثة السقيفة بين الاُمة كمجتمع كوني وبين النزعة القبلية كمجتمع مغلق هذا الصراع كان ولا يزال يعبر عن التناقض بين نوعين من الوعي  ـ الوعي القرآني والوعي الجاهلي ـ وربط الشهيد (قدس سره) مفهوم الاُمة بالوعي القرآني المناقض للوعي الجاهلي والدولة الكونية تنبع من الاُمة كاُمة منفتحة على حركة التاريخ ومنفتحة على الحضارات انطلاقاً من مبدأ قرآني (التعارف) قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات/13). فالدولة الكونية لا تنبع من الاُمة بمفهومها الغربي المبني على اقصاء الآخر ولا على الاُمة بمفهومها اليهودي المبني على الأرض الموعودة وعلى التقوقع على الذات.

و يقول (قدس سره): إن صراع الاُمة مع الحضارات الاُخرى هو صراع له معنى خاص يختلف عن الصراع بمفهومه النفعي المتبني على ثقافة الاستهلاك والسوق الحرة وماينتج عنها من استغلال للشعوب ـ صراع الاُمة مع الحضارات هو صراع (قيم) مبني على مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى: (و لتكن منكم اُمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران/104) والتي جاءت بعد قوله تعالى: (و اعتصموا بحبل الله جميعاًلاتفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (آل عمران/103). فإن النعمة هي الدولة الكونية المنفتحة القائمة على عرى الاعتصام بحبل الله المؤلف بين القلوب والجامع بين أبناء البشر في وحدة أخوية في مقابل ذلك المجتمع ذات النزعة القبلية.

فصراع (القيم) منقذ للشعوب من جيفة المطلقات المزيفة كالصراع الطبقي والربح المادي والتاريخ والدولة كمرجعيات مطلقة.

الشهيد الصدر (قدس سره) والمرجعية:

لقد حبا الله تعالى الشهيد (قدس سره) بفكر عملاق قد تجاوز به الواقع الذي كان يعيش فيه وحمل بجرأة وإخلاص مسؤولية النهوض بالإسلام المحمدي الاصيل فكانت نظرته الشاملة وسعى الى الاصطلاح والتغيير في الحوزة التي هو فيها وأبدا الكثير من الأفكار حول المرجعية الرشيدة. وما مساهمته في تأسيس ( مدرسة العلوم الاسلامية ) والتي تعرف بالدورة كانت تحت إشراف آية الله العظمى السيد الحكيم (قدس سره) الى محاولة اُولى منه لتنظيم الوضع الدراسي في الحوزة والخطوة الاولى نحو اعتماد اسلوب المراحل في الدراسة الحوزوية وقد طلب من أفضل تلامذته تدريس أبسط المواد الدراسية في مختلف المراحل الدراسية حرصاً على إنجاح هذه التجربة ا لتي كان يعتبرها الركيزة الاُولى باتجاه التعيير في الحوزة العلمية منهجاً و رؤية وطرح وضع منهجية جديدة للكتب التي تدرس مع الاحترام والتقدير للكتب أصحابها المقدسين وما معالم الاصول وحلقاته وأبحاث السيرة التحليلية والتفسير الموضوعي الى غيرها مما تناول الجانب الفلسفي والاقتصادي الى حركة الكتابة والبحث والتحقيق الا باكورات ذلك الفكر اسهاماً بالتغيير واعتبر (قدس سره) أن الحوزة يجب أن تكون تحت نظر المرجعية الرشيدة وقد وضع نظريته لتطوير اُسلوب المرجعية وواقعها العملي وتتلخص:

أولا: بإيجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي يقوم على أساس الكفاءة والتخصص تقسيم العمل واستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرشيد في ضوء الأهداف المحددة. ويشتمل هذا الجهاز على لجان متعددة تتكامل وتنمو بالتدرج الى أن تستوعب كل إمكانات العمل المرجعي ومن هذه اللجان:

1ـ لجنة أو لجان تسير الوضع الدراسي في الحوزة العلمية وهي تمارس تنظيم دراسة ما قبل ( الخارج ) والاشراف على دراسات الخارج وتحدد المواد الدراسية وتضع الكتب الدراسية وتجعل بالتدرج الدراسة الحوزوية بالمستوى الذي يتيح للحوزة المساهمة في تحقيق أهداف المرجعية الصالحة. وتستحصل معلومات عن الانتسابات الجغرافية للطلبة وتسعى في تكميل الفراغات وتنمية العدد.

2ـ لجنة للانتاج العلمي ووظائفها ايجاد دوائر علمية لممارسة البحوث ومتابعة سيرها وتشجيعه ومتابعة الفكر العالمي بما يتصل بالاسلام والتوافر على إصدار شي كمجلة أو غيرها والتفكير في جلب العناصر الكفوءة الى الحوزة أو التعاون معها إذا كانت في الخارج.

3ـ لجنة او لجان مسؤولة عن شؤون علماء المناطق المرتبطة وضبط أسمائهم وأماكنهم ووكالاتهم وتتبع سيرهم وسلوكهم واتصالاتهم والاطلاع على النقائض والحاجات والفراغات وكتابة تقرير اجمالي في وقت رتيب أو عند طلب المرجع.

4ـ لجنة اتصالات وهي تسعى لايجاد صلات مع المرجعية في المناطق التي لم تتصل مع المركز ويدخل في مسؤوليتها احصاء المناطق ودراسة إمكانات الاتصال بها وايجاد سفرة تفقدية إما على مستوى تمثيل المرجع أو على مستوى آخر والاطلاع عن قرب على كل الاحتياجات التي تمكن من القيام بالمسؤولية وتوفير ما يلزم من علماء ومكاتب وكتب الخ…

5ـ لجنة رعاية العمل الاسلامي في كل أنحاء العالم الاسلامي.

6ـ لجنة مالية تعنى بتوظيف المال في خدمة تلك الاهداف.

ثانياً: إيجاد امتداد اُفقي حقيقي للمرجعية يجعل منها محوراً قوياً بمساندة تلك اللجان التي ذكرت في المحور الاول وبهذا تخرج المرجعية عن عملها الفردي والذاتية الى عملها المشترك والموضوعية في الاسلوب والممارسة وان كان شخص المرجع دائماً هو نائب الامام وهو المجتهد المظلق العادل الأعلم الخبير بمتطلبات النيابة.

و ثالثاً: امتداداً زمنياً للمرجعية الصالحة لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية الى من لا يؤمن بأهدافها الواعية ولابد أن يهيأ المجال للمرجع الصالح الجديد ليبدأ ممارسة مسؤولياته من حيث انتهى المرجع العام السابق بدلا أن يبدأ من الصفر وبهذا يتاح للمرجعية الاحتفاظ بهذه الجهود للأهداف وممارسة ألوان من التخطيط الطويل المدى وهذا يتم عن طريق شكل المرجعية الموضوعية.

و كما أن الشهيد الصدر (قدس سره) أضاف بعض الملحقات والاقتراحات لمشروع المرجعية الموضوعية وقد لخصها سماحة آية الله الحائري (حفظه المولى) في كتابه (مباحث الاُصول) بما يلي:

1ـ إقتراح انشاء حوزات علمية فرعية في المناطق التي تساعد على ذلك ترفد بها الحوزة العلمية الاُم.

2ـ اقتراح ايجاد علماء في الفقه والاُصول والمفاهيم الاسلامية في سائر أصناف الناس فليكن لنا في ضمن الاطباء علماء ومن ضمن المهندسين علماء وما الى ذلك من الأصناف لا يشترط في هؤلاء العلماء التخصص والاجتهاد في الفقه والاُصول ويكون كل من هؤلاء مصدر إشعاع في صنفه يبث العلم والمعرفة ومنهج الأحكام الشرعية والمفاهيم الاسلامية فيما بينهم.

3- ربط الجانب المالي للعلماء والوكلاء في الأطراف بالمرجعية الصالحة فلا يعيش الوكيل على ما تدر المنطقة عليه من الحقوق الشرعية بل يسلم الحقوق كاملة الى المرجعية.

4ـ دعم المرجعية الصالحة لمكتب صالح ونظيف من بين المكاتب لمصالح الاسلام التي تحددها المرجعية الرشيدة. والشهيد الصدر (قدس سره) كان يرى في المرجعية الرشيدة قيادة الاُمة و كان شخصياً يمارس هذا الدور من خلال متابعة ابنائه ووكلائه ومما يحضرني في هذا المجال عندما كنت أتشرف بوكالته في (الاسكندرية) أنه أوصاني بكلمات خالدة أننا نريد أن نربط الناس بالنجف الاشرف والحوزة العلمية كمركز قيادي ولا نريد أن نربط النجف الاشرف والحوزة العملية بجيوب الناس وعليكم أن تبيّنوا للناس دور المرجعية القيادي الترجمة العملية لهذه الوصية كانت بالاستقبال للوفود التي كنت أتشرف معها بلقائه في المناسبات المختلفة. واستطاع الشهيد (قدس سره) أن يملك قلوب الناس وأفكارهم ولا أنساه وخصوصاً في أيام المحنة وحرصه عندما تحدثت اليه ورغبتي بالسفر الى لبنان في أيام الصيف ويمكن أن لا أعود فكان جوابه اُحب أن تبقى في (الاسكندرية) ولو كنت وحيداً المهم أن يراك الناس وامثالك من الطلبة ان يروا عمامة تذهب الى المسجد وعطف على ذلك أنها رغبة وليس أمراً ولكن رغبته عندي كانت أمراً فالتزمت وأطعت ونفذت الرغبة شاكراً وأتذكر أنه قد زاره بعض الاُخوة الطلبة اللبنانيين بعدما فك عنه الحصار لبعض الوقت سأله كما أخبرنى الأخ هل أن الشيخ محمد يزبك مازال في (الاسكندرية) و كيف أوضاعه… هذا هو التطبيق العملي لنظرية القيادة الحكيمة والرشيدة للمرجعية التي تتفقد أبناءها والرعية حتى في أحلك الظروف وأصعبها.

الشهيد (قدس سره) ومرجعية الامام الحكيم (قدس سره):

كان الشهيد (قدس سره) يمثل العقل السياسي لمرجعية السيد الحكيم (قدس سره) وكان المدبر والمخطط لكثير من حركة المرجعية وكما عرفنا ان اقتراحات الشهيد (قدس سره) في تطوير برامج الحوزة ووضع الاُسس للدراسة المرحلية وكانت الخطوات الاُولى بمباركة المرجعية الدورة ( مدرسة العلوم الاسلامية ) واستطاع الشهيد (قدس سره) أن يكون المحور والمرتكز للطاقات الشابة والفتية والمثقفة و كانت الاطلالة من مجلة الاضواء وغيرها من النوادي الثقافية وكان الفكر المتصدي والناقد والمفند لمزاعم المد الأحمر وما كان يطرحه من شعارات تهديد البنية الفكرية والعقائدية للاُمة الاسلامية واستطاع في ظل هذه المرجعية للامام الحكيم (قدس سره) أن يكون المدافع والمستقطب له مع السيد الحكيم مواقف وكان الى جانبه باتخاذ القرار التاريخي الذي وجهه كبيان للشعب العراقي عن المخاطر وما ينتظر هذا الشعب الأبي من مؤامراته على عقيدته واستقلاله حريته و ما يهدد المركز العلمي في النجف الاشرف ذلك البيان الذي ألقاه نجل الامام الحكيم السيد مهدى (ره) في صحن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) خصوصاً بعد منع سلطة بغداد انشاء جامعة الكوفة التي حددت أرضها وخرائطها وضع التصور لهذه الجامعة الكبيرة وكان للشهيد (قدس سره) دوره الكبير بهذا الانجاز الضخم لتكون الجامعة الى جانب الحوزة فيتكامل الفكر وينهض الجميع بالمسؤولية ولكن الحلم لم يتحقق وهذا هو الذي استلزم المواجهة مع النظام البعثي العفلقي والذي نتج عنه تلك المآسي والمصائب والمحن الى يومنا الحاضرتقديم العديد من خريجي هذا الفكر الذين حرصوا على حمل الأمانة على مذابح الحق من اجل الإسلام العزيز وركيزته العلمية النجف الأشرف ومرجعية الرشيدة.

الشهيد (قدس سره) ومرجعية الامام الخوئي (قدس سره):

تتلمذ السيد الشهيد (قدس سره) على يد آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس سره) وكان متميزاً مقرباً يعتمد عليه وكان الشهيد يحترمه ويجلّه وما يتحدث عنه الا بالسيد الاستاذ وقد أوضح أن علاقته باُستاذه كانت علاقة طولية. وكان الى جانبه يتشاور معه وخصوصاً بعد رحيل الإمام الحكيم (قدس سره) وحاول الشهيد أن يضفي على مرجعية اُستاذه طموحاته ( المرجعية الموضوعية ) التي تمثل صيغة تنظيم تخرج المرجعية الى فضاء أرحب وانتاجية أرفع وحضور أعمق وخصوصاً أن ظروف مرجعية السيد الخوئي (قدس سره) شهدت وضعاً صعباً على ساحة العراق وكان الذراع المحامي والمدافع عن هذه المرجعية والحوزة الشهيد الصدر (قدس سره)تلقى كل شي بصدره وقلبه الكبير وكم من اعتقال وتهديد أدّى الى استشهاده المبارك ولكنه لم يلن لم يتراجع. وذكر لي بعض الاُخوة العلماء الذين حضروا في بيت الشهيد (قدس سره)لما زاره ( زيد حيدر ) مبعوث السلطة من بغداد ليحاوره بأن الشهيد رفض استقبال ( زيد حيدر ) قبل زيارته للسيد الخوئي (قدس سره) معللا الأسباب بأن السد الأستاذ يمثل المرجعية ويجب أن تؤتى البيوت من أبوابها ويكمل الأخ بأن ( زيد حيدر ) قال له بعد اللقاء انني معجب جداً بعقل ووعي ورؤية السيد محمد باقر الصدر وانه يمثل فكراً قيادياً ومرجعية متقدمة وقال الأخ لما سمعت هذا الكلام خفت لأنه سيرفع هذا التقربر الى اسياده في بغداد وحقيقة كان كما ظن واحتمل لأنه بعدها اشتد الأمر على الشهيد (قدس سره).

الشهيد (قدس سره) ومرجعية الامام الخميني (قدس سره):

أتناول جانباً من هذه العلاقة التي تكشف عن شخصية الشهيد (قدس سره) وعلاقته بالاسلام المحمدي الأصيل والقيادة الشرعية الرشيدة فإنني لا أنسى تلك اللحظات في ليلة الحادي عشر من شباط 1979 عندما دخل علينا الشهيد (قدس سره) ونحن ننتظره للدرس مستبشراً فرحاً فبدل الدرس بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الى مباركة لإمام العصر ( عج ) وللإمام الخميني (قدس سره) وللشعب الايراني العظيم قائلا: الآن وفي طريقي اليكم أخبروني أن آخر قلاع الطاغوت قد سقطت وان ما تحقق على يد الامام الخميني (قدس سره)هو حلم الانبياء وأفاض بالحديث عن بركات هذا الحلم.

و تعاطى الشهيد (قدس سره) مع مرجعية الامام الخميني (قدس سره) تعاطي الإبن مع أبيه والجندي مع قائدة والاُمة بحاجة الى قائد والامام الخميني هو القائد الفذ العظيم ( ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام ) ونتلمس ذلك من جواب الشهيد (قدس سره) على رسالة الامام الخميني(قدس سره) حيث يقول: ( سماحة آية الله العظمى الامام المجاهد السيد الخميني ( دام ظله )… استمعت الى برقيتكم التي عبّرتم بها عن تفقدكم الأبوي لي وإني إذ لايتاح لي الجواب على البرقية لأني مودع في زاوية البيت ولا يمكن أن أرى أحداً أو يراني أحد لايسعني الا أن أسأل المولى سبحانه وتعالى أن يديم ظلكم مناراً للاسلام ويحفظ الدين الحنيف بمرجعيتكم القائدة أسأله تعالى أن يتقبل منا العناء في سبيله وان يوفقنا للحفاظ على عقيدة الاُمة الاسلامية العظيمة و ليس لحياة أي انسان قيمة الا بقدر ما يعطي لاُمته من وجوده وحياته وفكره وقد أعطيتم للمسلمين من وجودكم وحياتكم وفكركم ما سيظل به على مدى التاريخ مثلا عظيماً لكل المجاهدين ).و يتبين من إجابة الشهيد (قدس سره) على برقية الامام التي أبرز فيها قلقه على ما سمعه من ان سماحة الشهيد يعتزم على مغادرة العراق التي أكد فيها على الالتزام و القيام بالمسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي في النجف الاشرف فقال(قدس سره): بسم الله الرحمن الرحيم، سماحة آية الله العظمى الامام السيد روح الله الموسوي الخميني ( دام ظله )، تلقيت برقيتكم الكريمة التي جسّدت ابوتكم ورعايتكم الروحية للنجف الأشرف الذي لايزال منذ فارقكم يعيش انتصاراتكم العظيمة واني أستمد من توجيهكم الشريف نفحة روحية كما أشعر بعمق المسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي في النجف الاشرف. وأود أن اعبّر لكم بهذه المناسبة عن تحيات الملايين من المسلمين والمؤمنين في عراقنا العزيز، الذي وجد في نور الاسلام الذي أشرق من جديد على يدكم ضوءاً هادياً للعالم كله، وطاقة روحية لضرب المستعمر الكافر والاستعمار الاميركي خاصة ولتحرير العالم من كل أشكاله الاجرامية وفي مقدمتها جريمة اغتصاب أرضنا المقدسة فلسطين ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يمتعنا بدوام وجودكم الغالي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

( الخامس من رجب 1399 هـ  النجف الأشرف ـ محمد باقر الصدر ).

والشهيد الصدر (قدس سره) كان يعتقد بأهمية وضرورة اقامة حكومة اسلامية رشيدة وقد بذل قصارى جهده في سبيل ذلك وكتبه القيمة من ( اقتصادنا وفلسفتنا والبنك اللاربوي ) وغيرها استهدفت اثبات ذلك على الصعيد النظري وكان يرى أن قيادة تلك الحركة الاسلامية للمرجعية الرشيدة الواعية العارفة بالظروف والأوضاع المتحمسة لهموم الاُمة وآمالها وطموحاتها وهذا ما يفهم جيداً من كلماته وبياناته فقد كتب: ( و من تلك الحقائق الثابتة أن الشعب الايراني كان يحقق نجاحه في نضاله بقدر التحامه مع قيادته الروحية ومرجعيته الدينية الرشيدة التحاماً كاملا… وما من مرة غفل فيها هذا الشعب المجاهد عن هذه الحقيقة أو استغل بشانها الا وواجه الضياع والتآمر. فالمرجعية الدينية الرشيدة والقيادة الروحية هي الحصن الواقي من كثير من ألوان الضياع والانحراف. والشهيد (قدس سره)كان ينظر الى المرجعية كقيادة للاُمة وكان يعمل على هذا الأساس ويوصي تلامذته وأحباءه بذلك وهذا ما يفهم من كلماته حيث يقول: ( يجب عليكم أن لا تتعاملوا مع هذه المرجعية ـ و قصد مرجعيته ـ بروح عاطفية وشخصية وان لا تجعلوا ارتباطكم بي حاجزاً عن الموضوعية بل يجب أن يكون المقياس هو مصلحة الاسلام فأي مرجعية اُخرى استطاعت ان تخدم الإسلام وتحقق له أهدافه يجب أن تقفوا معها وتدافعوا عنها وتذوبوا فيها فلو أن مرجعية السيد الخميني مثلا حققت ذلك فلا يجوز ان يحول ارتباطكم بي عن الذوبان في مرجعيته )… وقال: ( و يجب أن يكون واضحاً أيضاً ان مرجعية السيد الخميني التي جسدت آمال الاسلام في ايران اليوم لابد من الالتفات حولها والاخلاص لها وحماية مصالحها والذوبان في وجودها العظيم بقدر ذوبانها في هدفها العظيم ). وكان يقول: ( لو أن السيد الخميني أمرني أن أسكن في قرية من قرى إيران أخدم فيها الاسلام لما ترددت في ذلك إن السيد الخميني حقق ما كنت  أسعى الى تحقيقه ). هذا هو منتهى انكار الذات وهذه هي الروحية التي تنم عن بعد النظر والذوبان في الله تعالى لإعزاز الرسالة وهذا هو المعنى العملي لولاية الفقيه وللمرجعية الرشيدة انه فريد ونسخة عن أجداده (عليهم السلام) عشقاًعروجاً الى المثل الأعلى الذي كان دائم الذكر ويمد يديه للآخرين من أجل الوصول لم يعش لنفسه وذاته وانما عاش لله تعالى وكما أحب في خدمة الرسالة كما الأنبياء والرسل وهو الوريث بحق. والشهيد (قدس سره) واكب الثورة الاسلامية رغم الحصار وتضييق الخناق عليه وقال في ردّ اُولئك الذين تقدموا بالنصيحة للكف عن مواكبة الثورة الاسلامية وتأييدها حفاظاً على وجوده ومرجعيته بقوله الخالد: ( إن هؤلاء الذين يطلبون مني أن أتريث وأن اتخذ موقفاً من الثورة الاسلامية لا يثير السلطة الحاكمة في العراق حفاظاً على حياتي ومرجعيتي لا يعرفون من الاُمور الا ظواهرها إن الواجب على هذه المرجعية وعلى النجف كلها أن تتخذ الموقف المناسب والمطلوب تجاه الثورة الاسلامية في ايران… ما هو هدف المرجعيات على طول التاريخ؟

أليس هو اقامة حكم الله عزوجل على الأرض؟ وها هي مرجعية الامام الخميني قد حققت ذلك فهل من المنطقي أن أقف موقف المتفرج ولا أتخذ الموقف الصحيح والمناسب حتى لو كلفني ذلك حياتي وكل ما املك ). وكان يقول: ( إني أرى ان طريقها هذا ـ رداً على من جاءه شفيقاً محباً ليخفف من مواقفه ـ حتى قال له: هل تريد اقامة حكومة اسلامية في العراق؟ ان استشهد لتستثمر الجماهير دمي المهم أن أعمل ما أعتقد أنه يخدم الاسلام حتى لو كان ثمنه حياتي ولا اُفكر بنصر سريع ). لله دره من عظيم ما أعظمه… إنه العالم والمرجع الذي ما دخل قلبه الا خوف الله تعالى ولذلك لم يراع في أقواله وأفعاله وفتاواه الا رضا الله تعالى ومصلحته الاسلام العليا وكان يواكب العالم الاسلامي وحركاته من آفاق المرجعية التي كان يعيشها وقد خطط لها منذ انطلاقته لتكون بمستوى قيادة الاُمة والنيابة العامة عن المعصوم ( عج ) وتراه عندما سمع أن الشعب الإيراني قال كلمة ( نعم ) للجمهورية الاسلامية وجه خطاباً له قائلا: ( انكم بالاختيار العظيم تحققون للدماء الطاهرة التي اريقت قبل ثلاثة عشر قرناً على ساحة كربلاء هدفها الكبير ) وأردف قائلا: ( و من الطبيعي أن تجد الحضارة الغربية في اختياركم الواعي للاسلام منهجاً للحياة وتحدياً صارخاً لاُسسها الفكرية وأيديولوجيتها الحضارية كما وجدت في إصراركم الشجاع على طرد الشاه من السلطة والقضاء على حكمه تحدياً صارماً لمصالحها السياسية وتصوراتها العملية ). وهو في زاوية البيت محتجزاً رفد الحكومة الاسلامية بتصور عام عن مسودة دستور للجمهورية الاسلامية ناهيك عن بعض النظريات الاُخرى في المجالات الاقتصادية وغيرها حاضر بين يدي الامام الخميني يقدّم له المشاورة وما يراه يخدم هذه التطلعات العظيمة وهذا هو معنى الذوبان في المرجعية الرشيدة وهذه هي المرجعية التي خطط لها من أحل أن ترى النور وتقود الساحة والعمل بخدمتها وبذل المهج في سبيل حمايتها وتسديدها هذا هو غيض من فيض ذلك العظيم في جانب رؤيته لآفاق المرجعية منهجاً وفكراً حاولت ان الملم الأفكار ولكنها كأشعة الشمس فعذراً إذا ما خانني الجمع والتحليل حيث أبهرتني الأشعة ولم استطع الاقتراب أكثر من جنان ذلك الفكر العملاق أخرج بباقة متواضعة على قدر الباع القاصر.

أسأل الله تعالى أن أكون أديت جزءاً من حقه العظيم في رقبتي آملا رضاه وراجياً شفاعته وحسن الجوار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد حسن يزبك