أمّا الإسلام فموقفه من الحرّية يختلف بصورةٍ أساسية عن موقف الحضارة الغربية، فهو يعني بالحرّية بمدلولها السلبي، أو بالأحرى: معطاها الثوري الذي يحرّر الإنسان من سيطرة الآخرين ويكسر القيود والأغلال التي تكبِّل يديه. ويعتبر تحقيق هذا المدلول السلبي للحرّية هدفاً من الأهداف الكبرى للرسالة السماوية بالذات «ويضع عنهم إصْرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم» [الأعراف: ١٥٦].
ولكنّه لا يربط بين هذا وبين مدلولها الإيجابي في مفاهيم الحضارة الغربية؛ لأنّه لا يعتبر حقَّ الإنسان في التحرّر من سيطرة الآخرين والوقوف معهم على صعيدٍ واحدٍ نتيجةً لسيطرة الإنسان على نفسه، وحقّه في تقرير سلوكه ومنهجه في الحياة- الأمر الذي نطلق عليه: المدلول الإيجابي للحرّية في مفهوم الحضارة الغربية- وإنّما يربط بين الحرّية والتحرّر من كلّ الأصنام والقيود المصطنعة وبين العبودية المخلصة للَّه. فالإنسان عبدٌ للَّه قبل كلّ شيء، وهو بوصفه عبداً للَّه لا يمكن أن يقرَّ سيطرةً لسواه عليه، أو يخضع لعلاقةٍ صنميةٍ مهما كان لونها وشكلها، بل إنّه يقف على صعيد العبودية المخلصة للَّهمع المجموعة الكونية كلّها على قدم المساواة.
فالقاعدة الأساسية للحرّية في الإسلام هي: التوحيد والإيمان بالعبودية المخلصة للَّه، الذي تتحطّم بين يديه كلّ القوى الوثنية التي هدرت كرامة الإنسان على مرِّ التأريخ.
🔸المدرسة الإسلامية (موسوعة الشهيد الصدر ج ٥)، ص ٩١