إنّ القرآن بشّر به وأعلنه على العالم فَرْدٌ من أفراد المجتمع المكي، ممن لم ينل ما يناله حتى المكيون من الوان التعلم والتثقيف، فهو امي، لا يقرأ ولا يكتب، وقد عاش بين قومه اربعين سنة فلم تؤثر عنه طيلة هذه المدة محاولة تعلم أو اثارة من علم أو ادب:
«وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَالْمُبْطِلُونَ» [العنكبوت: ٤٨].
«قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» [يونس: ١٦].
وهذا يعتبر تحدياً آخر من القرآن للقوانين الطبيعية، اذ لو كان القرآن جارياً وفق هذه القوانين، لما كان من الممكن ان يجيء به فرد امي، لم يشارك حتى في ثقافة مجتمعه، بالرغم من بساطتها، ولم يؤثر عنه اي بروز في عالم اللغة بمختلف مجالاتها، فيبذ به الانتاج الادبي كله ويبهر بروعته وحكمته وبلاغته، أعاظم البلغاء والعلماء.
المدرسة القرآنية، ص ٢٨٢.