كان بالإمكان أن يستنتج من جعل اللّه خليفةً على الأرض أنه يجعل الكائن الحر المختار، الذي بإمكانه أن يصلح في الأرض وبإمكانه أن يفسد أيضاً، وبإرادته واختياره يحدِّد ما يحقِّقه من هذه الإمكانات: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً» [الإنسان: ٣].
وأكبر الظن أن هذه الحقيقة هي التي أثارت في نفوس الملائكة المخاوف من مصير هذه الخلافة وإمكانية انحرافها عن الطريق السويّ إلى طريق الفساد وسفك الدماء؛ لأن صلاح المسيرة البشرية لمّا كان مرتبطاً بإرادة هذا الإنسان الخليفة ولم يكن مضموناً بقانونٍ قاهرٍ- كما هي الحالة في كل مجالات الطبيعة- فمن المتوقع أن تجد إمكانيةُ الإفساد والشر مجالاً لها في الممارسة البشرية على أشكالها المختلفة.. ومن هنا قدَّموا أنفسهم كبديل عن الخليفة الجديد، ولكن فاتهم أن الكائن الحر الذي جعله الله تعالى خليفةً في الأرض لا تعني حريته إهمال اللَّه تعالى له، بل تغيير شكل الرعاية، فبدلاً عن الرعاية من خلال قانون طبيعي لا يتخلف -كما تُرعى حركات الكواكب ومسيرة كل ذرة في الكون- يتولى اللَّه سبحانه وتعالى تربية هذا الخليفة وتعليمه لكي يصنع الإنسان قَدَرَه ومصيره، وينمِّي وجوده على ضوء هدى وكتاب منير.
الإسلام يقود الحياة، ص ١۳۱.