وكما كان القرآن محيطاً بالماضي، كذلك كان محيطاً بالمستقبل، فكم من خبر مستقبل كشف القرآن حجابه فتحقق وفقاً لما أخبر به، ورآه المشركون؛ من هذا القبيل إخبار القرآن بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، إذ قال تعالى:
«غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ …» [الروم: ٢- ٤].
وقد أخبر القرآن بذلك على أعقاب هزيمة فضيعة مُني بها الروم، وانتصار ساحق سجّله الفرس عليهم، ففرح المشركون بذلك لأنهم رأوا فيه انتصاراً للشرك والوثنية على رسالات السماء، نظراً الى أنّ الفرس المنتصرين كانوا وثنيين والروم كانوا نصارى، فنزل القرآن يؤكّد انتصار الروم في المستقبل القريب، فهل يمكن لكتاب غير نازل من اللَّه تعالى أن يؤكد خبراً غيبياً من هذا القبيل، ويربط كرامته ومصيره بالغيب المجهول، وهو يهدّد مستقبله بالفضيحة إذا ظهر كذبه في نبوءته؟
وهكذا نجد أنّ القرآن يتحدى الغيب في الماضي والمستقبل على السواء، ويتحدث بلغة المطمئن الواثق، الذي لا يخالجه شك فيما يقوله، وهذا ما لا يقدر عليه انسان، أو كتاب انسان وفقاً للقوانين الطبيعية.
المدرسة القرآنية، ص ٢٨٦.