كان العرب – الذين نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه و آله في حوزتهم- يعتقدون في اللَّه أنّه إله خالق، مدبر للعالم: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ..» [الزخرف: ٨٧] ولكنهم افترضوا – لضعف تفكيرهم، وبعد عهدهم من النبوة والانبياء – وجود وسطاء وهميين بينهم وبين اللَّه تعالى، وزعموا لهؤلاء الوسطاء الذين تخيلوهم قدرة على النفع والضر، فجسدوهم في أصنام من الحجارة، وأشركوا هذه الأصنام مع اللَّه في العبادة، والدعاء.
.. والعبادة للاصنام، أو للملوك، ولأرباب الأديان، كانت في كل مكان فلا تجد إلّا إنساناً يعبد نظيره أو ما هو أخس منه من الكائنات، أو إنساناً يزعم لنفسه العبادة والحق الإلهي في الطاعة والسيادة.
في هذا الجو الوثني المسعور جاء القرآن الكريم ليرتفع بالإنسان من الحضيض الذي هوى إليه، ويحرّره من أسر الوثنية ومهانتها، ومختلف العبوديات المزيّفة التي مني بها، ويركّز بدلاً عنها فكرة العبودية المخلصة للَّه وحده لا شريك له، ويعيد للإنسان إيمانه بكرامته وربّه.
فانظروا إلى هذه النصوص القرآنية التالية لتجدوا كيف يؤكد القرآن على فكرة العبادة للَّه وحده، ويهيب بالإنسان إلى التحرر من كل عبادة سواها:
«يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» [الحج: ٧٣، ٧٤].
«قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ..» [آلعمران: ٦٤]
المدرسة القرآنية، ص ٢٣٧.