إن القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي، وإنما هو عملية تغيير الانسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته، وصنع أمّة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن ان يوجد مرة واحدة وانما هو عمل تدريجي بطبيعته، ولهذا كان من الضروري ان ينزل القرآن الكريم تدريجاً، ليحكم عملية البناء وينشئ أساساً بعد اساس، ويجتذ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة.
وعلى أساس هذه الأناة والحكمة في عملية التغيير والبناء نجد أن الاسلام تدرج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد أو نفس المجتمع، وقاوم بعضها على مراحل حتى استطاع ان يستأصلها ويجتث جذورها، وقصة تحريم الخمر وتدرّج القرآن في الاعلان عنها من أمثلة ذلك، فلو أن القرآن نزل جملة واحدة بكل احكامه ومعطياته الجديدة لنفر الناس منه، ولما استطاع أن يحقق الانقلاب العظيم الذي أنجزه [في] التأريخ.
المدرسة القرآنية، ص ٢٢٤.