قراءة معاصرة في فكر الشهيد الصدر
د.كمال فردريك فيلد
مؤلفات الشهيد الصدر تمثل صرحاً إسلامياً شامخاً ومورداً فقهياً وفكرياً لا يمكن تجاوزها في أي مسيرة إسلامية. تتوخى هذه الدراسة تحديد موقف إسلامي من سياسة الخصخصة ۔ سياسة التحول من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة واعتماد آلية السوق في توزيع الموارد ۔ باعتبارها سياسة اقتصادية معاصرة لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك من خلال استنطاق تلك المؤلفات.
تستنج الدراسة بأن الخصخصة لا تتعارض مع النهج الإسلامي طالما تجد مبرراتها الاقتصادية والاجتماعية.
أولاً: المقدمة
تهدف عملية التنمية الاقتصادية إلى رفع كفاءة استخدام أو تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد البشرية والمادية، وذلك من خلال ترتيب الأولويات وتوجيه الموارد نحو القطاعات ذات العائد الاقتصادي الأعلى. كما تهدف عملية بشكل أساسي إلى تحقيق عدالة توزيع الموارد وتحقيق ضمان اجتماعي يضمن مستوى أدنى من مستوى المعيشة.
في سبيل تحقيق هذه الأهداف انقسمت المدارس الاقتصادية إلى قسمين: الأول يعتمد القطاع العام (الخط الاشتراكي)، والثاني يعتمد القطاع الخاص (الخط الرأسمالي). في هذه الدراسة سنتناول مبررات المدرستين، نتائج التجربتين، التوجه الجديد بالتنمية ومبرراته، وأخيراً اكتشاف الموقف الإسلامي.
تتقاسم العالم بشكل رئيسي مدرستان هما:
أ. المدرسة الرأسمالية التي تنطلق من قدسية الحرية الفردية الفكرية ومن ثمّ حرية الملكية الخاصة والنشاط الاقتصادي، وتعتقد أن الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية تتحقق عندما يترك الأفراد يتحركون بدون قيود الدولة ۔ تكتفي الدولة بالحفاظ على الأمن والقانون ۔ وبفعل الدافع الفردي والحماس الخلاق ۔ وعوامل أخرى ۔ سجّلت الرأسمالية إنجازات كبيرة.
وبسبب تفاوت قابليات وطاقات الأفراد انقسم المجتمع إلى طبقة غنية وطبقة فقيرة. وترتّب على ذلك ما يلي: أن النظام لم يعد قادراً على ضمان كرامة العيش، إذا لم يكن الفرد قادراً على دفع ثمن السلع التي تشبع حاجته، وظهور الشركات الاحتكارية التي قضت على المنافسة ومنافعها، وظهور نشاطات غير أخلاقية مضرّة بالبنية الاجتماعية وضياع التربية الدينية والوازع الأخلاقي المصاحب لها، كما سببت سيادة المصلحة الخاصة إلى عدم استطاعة المنتج إلى إدخال الكلفة الاجتماعية إلى جانب الكلفة الخاصة ۔ الناجمتين من نشاطه ۔ وقد أدّت هذه الحالة إلى ما يسمّى في الأدبيات الاقتصادية بـ(التأثيرات الخارجية)، حيث يتمادى المنتج بإنتاج أكثر مما هو مرغوب به اجتماعياً ۔ كما في حالة تلوّث البيئة الملازمة للإنتاج الصناعي ۔ عدم كفاية إنتاج بعض السلع مثل التعليم والدفاع والصحة، حيث إن قابلية كل فرد على الدفع ۔ دفع ثمن الخدمات ۔ لا تعكس الفائدة الكلية: الفردية والاجتماعية.
بسبب تلك المشاكل والصعوبات تراجعت الرأسمالية وقبلت بالملكية العامة، كما في حالة قطاع التعليم مثلاً، وأعطت للدولة دوراً مميزاً بالنشاط الاقتصادي، وفي الآونة الأخيرة منيت الرأسمالية بجملة من الانتكاسات، فعلى الصعيد الاجتماعي تصاعدت معدّلات الجريمة والفساد الاجتماعي للحد الذي لم تعد السجون تتحمل الأعداد الكبيرة من المخالفين، كما في بريطانيا. وعلى الصعيد الاقتصادي لم تعد الدول الرأسمالية الصناعية تجاري منافسة دول أخرى مثل اليابان وتايوان وسنغافورة، وأصبحت الاحتكارات والتضخم والبطالة من أبرز مشكلاتها.
ب. أما المدرسة الاشتراكية فقد قامت على رفض مبدأ الملكية الخاصة باعتبارها مصدر التفاوت الطبقي واستغلال الإنسان لأخية الإنسان. وشرعت بتأميم المرافق الاقتصادية وأقامت سياستها الاقتصادية على مبدأ الملكية العامة والتخطيط الشامل. واستطاعت تحقيق أشواط كبيرة في توفير العمل وعدالة توزيع الناتج القومي. وعالجت التأثيرات الخارجية ۔ التي تحدثنا عنها سابقاً ۔ من خلال إدخال التكاليف والعوائد الخاصة والاجتماعية في الحسابات الاقتصادية.
وأظهرت قدراً من السيطرة على الأسعار ومن ثم التضخم. ومع أن الاشتراكية حققت انتصارات لا يستهان بها لأنها تمت بكلفة مادية واجتماعية كبيرة، فبعد الحرب العالمية الثانية ارتفع المستوى الصحي في الاتحاد السوفياتي وبلغ حداً يقارب مستوى الدول الرأسمالية الصناعية، إلا أن هذا المعدل بعد الستينات أخذ بالتنازل، فقد تنازل متوسط عمر الفرد بسنتين لفترة ما بين 1960۔1980 بينما تزايد هذا المعدل للدول الرأسمالية الصناعية بمقدار ثلاث إلى أربع سنوات لنفس الفترة.
أما بالنسبة للنمو الاقتصادي للاتحاد السوفياتي، ففي الخمسينات كان بحدود 10% ثم بدأ بالتنازل إلى 7% في الستينات وإلى 5% في السبعينات، إلى أن وصل إلى 2% في الثمانينات، رغم تزايد نسبة الاستثمارات خلال نفس الفترة.
أدّت سيادة الملكية العامة ومتعلقاتها إلى انخفاض إنتاجية العمل وهبوط نوعية الإنتاج بسب ضمور دافع المراقبة الذاتية وظهور البيروقراطية الإدارية المسرفة التي نجمت عنها مشاعر معاكسة للجدية والإبداع. ولعبت سياسة تجميد الأسعار لفترات طويلة ۔ بغض النظر عن ارتفاع الأجور وتطور الإنتاج ۔ وغياب آلية الأسعار في تحديد حجم الإنتاج والاستهلاك إلى اختناقات في عرض وطلب السلع.[1]
ثانياً: الخصخصة كنموذج تنموي جديد
كما لاحظنا أعلاه خاضت المدرستان تجربتين مختلفتين في نتائجهما وفي درجة قسوتهما الاجتماعية. فالمدرسة التي تعتمد القطاع الخاص اضطرت إلى القبول بمبدأ الملكية العامة وقامت بتأميم بعض المرافق الاقتصادية. ولكن سرعان ما جابهت هموماً من نوع آخر متمثلة بانخفاض الكفاءة الاقتصادية والتضخم والبطالة. ورأت ضرورة تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي من خلال خصخصة النشاط الاقتصادي، أي ببيع المؤسسات العامة للقطاع الخاص.
فعلى حد تعبير وزير المالية البريطاني السابق ۔ نايجل لوسن ۔ المحافظ ۔ أن الأفراد أقدر على إدارة المشاريع الاقتصادية من الدولة. والحقيقة هي أن الدولة كانت تسعى إلى التخلص من نفقات وأعباء القطاع العام وامتصاص السيولة النقدية كمحاولة لكبح جماح التضخم المالي.
أما المدرسة التي تعتمد القطاع العام فعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها في تنمية اقتصاديات دول مثل الصين والاتحاد السوفياتي، فقد نضبت طاقاتها الذاتية ولم تستطع من التعامل مع المشكلات الجديدة المستفحلة. فاضطرت هي الأخرى إلى الأخذ بالملكية الخاصة في المرافق التي واجهت فيها حرجاً، إلا أن هذه الإجراءات الترقيعية لم تسعفها، فبدأت بالبحث عن إجراءات إصلاحية جذرية، فاستعاضت عن التخطيط بالسوق كآلية لتوجيه إنتاج السلع وتوزيعها.
نتيجة لهذه التطورات بدأ توجه جديد منذ أوائل الثمانينات ۔ بالأخص في بريطانيا وأمريكا ۔ يدعو إلى خصخصة الاقتصاد. وقامت المؤسسات الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي تفرض ۔ دون تمييز لظروف كل دولة ۔ نهج الخصخصة كشرط للتعاون مع دول. وعملاً بذلك لجأت كثير من دول العالم إلى خصخصة اقتصادياتها استجابة لضغوط تلك المؤسسات.
لا شك أن دعوة صندوق النقد الدولي ترمي ۔ إلى جانب أهداف أخرى ۔ فتح الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية من خلال تسهيلات القطاع الخاص المقترح أو من خلال خصخصة المؤسسات الاقتصادية.
ثالثاً: الاقتصاد الإسلامي والخصخصة
يتلخص الموقف الإسلامي من المنطلقات الفكرية الاقتصادية للملكية التي شخصها الشهيد الصدر:
أ. الأخذ بالملكية المزدوجة بدلاً من الأخذ بالملكية الخاصة أو العامة كمبدأ، كما لجأت كلاً من الرأسمالية والاشتراكية على التوالي.
ب. ضمان الحرية الاقتصادية ضمن الضوابط الأخلاقية والشرعية والاستراتيجية.
ج. وتحقيق عدالة توزيع الموارد من خلال ضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة، وما فوق ذلك السماح بتفاوت مستوى المعيشة بحسب النشاط الإنتاجي للفرد.[2]
إن إقرار الإسلام للملكية قائم على حقيقة أن الله قد استخلف الإنسان ۔ المجتمع الإنساني ۔ على ما في الأرض، <هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا في الْأَرْضِ جَمِيعاً>. فألاصل إذن الملكية العامة، إلا أن الشريعة سمحت بأن يمتلك الإنسان ثمار عمله، فمن حق الإنسان أن يعمر الأرض ويمتلك ثمارها كملكية خاصة. والملكية الخاصة والعامة بالإسلام هي ليست ملكية مطلقة بل مقيدة بحدود الشريعة. وعليه فإن حيازة الأصول الاقتصادية بشكلها العام أو الخاص هي مسؤولية شرعية، فلا يجوز استثمارها [استثماراً] غير كفوء ناهيك عن استخدامها استخداماً في المجالات المحرمة، وبعكسه تكون الدولة ملزمة بالتدخل لمنع التجاوزات.
حدود الملكية ونوعها تقع ضمن منطقة الفراغ ۔ الاجتهاد ۔ حيث تجري مراجعتها بحسب المصلحة العامة التي ترعاها الدولة وبحسب الدراسات الاقتصادية. إن طبيعة الملكية وإقرارها يعتمد على طبيعة النشاط والمرحلة الاقتصادية التى يمر بها البلد وموقعه التنافسي أمام بقية الدول الأخرى. فإقرار النشاط الاقتصادي الخاص في قطاع معين لا يعني إقراره بالضرورة لكل دولة ولكل زمن. إنها مسالة تتحدد وفق المعايير الاقتصادية (الكفاءة) والمنظور الإنساني (عدالة التوزيع). فالخصخصة قد ترفع الكفاءة الاقتصادية ۔ تزيد من الإنتاجية الاقتصادية ۔ من جهة، وتنقص الرفاهية الاجتماعية من جهة أخرى، بزيادة العطالة أو بسبب سوء توزيع الثروة. وعليه فالتنمية من وجهة نظر إسلامية ليست مرهونة بنمط معين ۔ بقرار مسبق ۔ كما في الرأسمالية والاشتراكية.
إن موضوع الخصخصة يجب أن يخضع للبحث بهدف تحديد الجدوى الاقتصادي والاجتماعي في كل مرفق من المرافق الاقتصادية، فما يصلح لقطاع لا يصلح لقطاع آخر، وما يصلح لدول لا يصلح لأخرى. فالخصخصة يجب أن تدرس من جانب قدرتها على تحقيق الكفاءة الإنتاجية ومن جانب قدرتها في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والأمن السياسي. كما أن هذا البحث ينبغي أن يكون تحت مراجعة دورية، حيث إن لكل فترة ظروفها ومتطلباتها.
من وجهة نظر إسلامية أن المشكلة الاقتصادية التي تواجه العالم لا تعتمد بشكل رئيسي على طبيعة الملكية، بل تعتمد على طبيعة الفكر والقيم التي يؤمن بها الإنسان، وطبيعة تعامله مع المؤسسات المختلفة من جهة وبقية أفراد المجتمع من جهة أخرى. إن المشكلة من وجهة النظر الإسلامية هي مشكلة التناقض بين المصلحة الخاصة والعامة. فلو وجد الإنسان الذي يؤمن بالقيم التي حددها الإسلام، فإن نظرته وطريقة تعامله مع منشأة القطاع العام تكون مساوية تقريب الحالة إذا ما كانت تلك المنشأة مملوكة له ملكية خاصة.
في الواقع هناك مجموعة من النشاطات الاقتصادية ۔ كالتعليم والصحة والدفاع ۔ لا يصح إخضاعهما للخصخصة وآلية السوق، بل يجب أن تكون تابعة للقطاع العام. فقد أثبتت الدراسات الاقتصادية بأن إخضاع هذه النشاطات للقطاع الخاص يجعل إنتاجهم أقل مما هو مرغوب اجتماعياً؛ ذلك لأن استهلاك هذه الخدمات يؤدي إلى ما يسمّى بـ(الوفورات الخارجية) التي لا تدخل بالحسابات الخاصة. مثلاً استهلاك الحقن المانعة للأمراض السارية يؤدي إلى نوعين من الفائدة: الأولى الفائدة المباشرة للمستهلك: المناعة التي يحصل عليها المستهلك من المرض الساري أو من عدم تأخره عن عمله إذا ما كان عاملاً، والفائدة الثانية: الفائدة غير المباشرة، وتتلخص في مقدار استفادة أبناء المجتمع من ضمور احتمالية إصابتهم بالمرض أو عدم تغيبهم من العمل.
لا شك أن الفرد مستعد لدفع كلفة التلقيح ما دامت لا تزيد على منفعة المباشرة ۔ عدم خسرانه أجور العمل المحتملة عند مرضه بتخلفه عن العمل ۔ أما الفائدة غير المباشرة ۔ أي مقدار الخسارة المادية للمجتمع بسبب تخلف مجموعة من الأفراد عن العمل ۔ فتبقى بدون مكافأة؛ لأنها لا تدخل ضمن معادلة حساباته الخاصة. عليه تكون فائدة التلقيح الصحي الاجتماعية الكلية المباشرة وغير المباشرة ۔ أي مقدار الطلب الكلي مقاساً بالنقد ۔ أكبر من الكلفة الاجتماعية التي يرغب الأفراد بتسديدها، أي مقدار العرض الكلي.
هذا التفاوت ناجم عن وجود أفراد مستعدين لدفع كلفة الفائدة المباشرة ۔ لا المنفعة غير المباشرة ۔ فالفرد لا يبالي بالفائدة التي يحصل عليها الغير، وحيث إن عرض السلع بشكل عام يتحدد بمقدار قدرة الأفراد على الدفع فإن العرض يكون أقل مما هو مطلوب اجتماعياً. انظر إلى (1995) Lipsey و(1995/1996) Sloman.
وإتماماً للبحث سوف نسلّط الضوء على كل من دور الدولة ودور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية مستشهدين بأدلة تاريخية ووقائع معاصرة.
صحيح أن الدول الرأسمالية الرئيسية هي الدول المتقدمة اقتصادياً، إلا أن الشواهد التاريخية تؤكد بأن هذا التطور حصل كنتيجة للتراكم البدائي الرأسمالي، الذي تحقّق في القرن السادس والسابع والثامن عندما كانت الدولة تلعب دوراً رئيسياً في حماية اقتصاد الدولة من المنافسة الخارجية، وخلال ممارسة الاستعمار الخارجي توفيراً وتوسيعاً للأسواق الضرورية لتسويق الإنتاج الفائض عن الحاجة الداخلية، حيث سعت الدول آنذاك لحماية احتكار النشاط الاقتصادي لبعض المؤسسات من خلال فرض القيود على الواردات ۔ هذا الدور كان واضحاً في كل من إنجلترا وأمريكا واليابان ۔ ولم تكن تلك مشاهد منفردة، ففي التاريخ المعاصر نجد أن دولة مثل تايوان لم يكن لها أن تخرج من تخلّفها الاقتصادي لولا دور الدولة المميز ۔ بالأخص في الخمسينات والستينات ۔ في التخطيط وفي الإصلاح الزراعي، تشييد الصناعات وحماية المنتجات الداخلية من المنافسة الخارجية. كما يمكن الاستدلال على أهمية دور الدولة في التنمية بالعديد من الأمثلة.
إن سياسة الانفتاح واعتماد القطاع الخاص التي خاضتها مصر على سبيل المثال خير مصداق على عدم صلاحية الخصخصة واعتماد آلية السوق كتوجه عام. فرغم مرور أكثر من عشرين عاماً على تلك السياسة ۔ ورغم المساعدات الخارجية ۔ لم يكن لها تأثير واضح على تبدّل حالة التخلف.
لقد عجز الاقتصاد المصري عن تحقيق زيادة تذكر في الإنتاج الحقيقي ولم يرتفع متوسط دخل الفرد ارتفاعاً ملموساً. أما التضخم والبطالة فهما في تصاعد. كما تفاقمت مشكلة الديون الخارجية إلي حد ينذر بكارثة. أما على الصعيد الاجتماعي فقد أدى سوء التوزيع إلى تفشّي الجريمة والفساد الاجتماعي. كما وجد أن أصحاب القطاع الخاص ۔ في الغالب ۔ يميلون إلى المشاريع ذات المردود السريع، وغالباً ما تكون تلك المشاريع هامشية بالنسبة لاستراتيجية التنمية التي تتطلب القيام بمشاريع ذات حثوث أمامية ۔ توفير المستلزمات الضرورية لبناء صناعات أخرى ۔ وحثوث خلفية ۔ تشجع الصناعات القائمة أو الجديدة.
ومن الأسباب الرئيسة للخصخصة هو إيجاد فرصة للمنافسة بين المنشآت القائمة لزيادة كفاءتها، إلا أن هذه المنافسة قد تكون غير ممكنة أو غير مجدية؛ لأنها لا تشجّع على القيام بمشاريع كبيرة تمكّن من الاستفادة من اقتصاديات الحجم ومن ثم هدر للإمكانيات. من الأمثلة على أهمية المنافسة في رفع الكفاءة الاقتصادية وجد أن الخطوط الجوية البريطانية أقل كفاءة من نظيرتها الكندية، رغم أن كلاهما ملكية عامة. أما مصدر الفرق فيعود إلى أن الثانية تمارس عملها في جو تنافسي.
كما يجب الالتفات إلى أهمية التنمية البشرية من حيث القيم الإنسانية العليا والتكنولوجية. فإنه من دونهما يصعب تجاوز مشاكل التنمية وأزماتها المصاحبة. وهذا ما توليه السياسة الإسلامية أهمية مركزية.[3]
إن الادعاء بكفاءة القطاع الخاص ادعاء يجب أن يخضع للبحث. فإن الدراسات المقارنة لكل من القطاع العام والخاص هي دراسات تعتمد الأساليب الكمية البحتة، وعليه يتعذر إدخال متغيرات أساسية غير كمية كجودة الإنتاج وظروف العمل وعدالة توزيع.. .
فاعتماد الربح ۔ كما في الدراسات الكمية الجارية ۔ كهدف نهائي للعملية الإنتاجية يؤدي إلى أفضلية القطاع الخاص على القطاع العام. لا شك أن هذه الدراسات تتناسى الاختلاف في أهداف ومنهجية كل من القطاعين. إن السياسة الاقتصادية تهدف بشكل عام إلى تحقيق الكفاءة ۔ أعلى درجات العائد الاقتصادي ۔ وعدالة التوزيع ۔ عدالة استهلاك الإنتاج، إلا أن التجربة أثبتت بأنه من الصعب الجمع بين هذين الهدفين. فعلى سبيل المثال أثبتت الدراسات بأن المستشفيات الخاصة هي أكثر كفاءة من المستشفيات العامة ۔ من حيث قلة الكلفة ۔ غير أن المستشفيات الخاصة في تصميمها لا تأخذ بنظر الاعتبار ضرورة أن يكون لها احتياطي كاف لسدّ حاجة الطوارئ؛ لأن ذلك يعني وجود أسِرّة غير مشغولة لكثير من الوقت.
وكذلك الحال مع وسائل النقل، فالمناطق الجغرافية النائية لا تتمتع بخدمات متساوية كالمناطق القريبة من المدن. أما القطاع العام فيستطيع أن يحقق عدالة التوزيع بقدر أكبر من القطاع الخاص، ولكن بكفاءة اقتصادية أقل.
في الختام لا يجوز الحكم مسبقاً على سياسة الخصخصة ۔ باعتبارها صناعة غربية ۔ على أنها سياسة باطلة تماماً، ولا ينبغي الإقبال عليها على الاشتراكية، بل ينبغي النظر إليها بتمعّن. أما بالنسبة لضغوط صندوق النقد والبنك الدولي، فعلى دول العالم الإسلامي تنشيط فكرة بنك التنمية الاقتصادية بالاستفادة من العوائد النفطية للدول النفطية. فإذا كان أمر التكامل الاقتصادي صعب المنال، فإن التعاون الاقتصادي ممكن في أسوء الأحوال، وأنه لا سبيل دون استخدام المطالبة الشعبية والضغوط الإعلامية من حكومات العالم الإسلامي لممارسة هذا الدور، وإلا فإن شعوبنا عرضة لاحتمالية الدوران في فلك الرأسمالية كما حدث ۔ أو سيحدث ۔ لشعوب العالم الاشتراكي.
المصادر العربية
- اقتصادنا؛ محمد باقر الصدر، الطبعة السادسة عشر، دار التعارف، بيروت، لبنان.
- تحرير الاقتصاد ودور الدولة في تحقيق التنمية في الوطن العربي؛ إبراهيم العيسوي، المعهد العربي، الكويت، سلسلة المحاضرات العامة رقم 3.
- الدولة ودورها في النشاط الاقتصادي في الوطن العربي؛ علي الأنصاري، الطبعة الأولى، دار الرازي، بيروت، لبنان، 1991.
المصادر الاجنبية
- Lipsey , R & k.A. chrystil (1995): positive Economics, third edition, Oxford University Press.
- J. Sloman (1995/96): Economics, second edition, prentice, Hall/Harvester Wheatsheaf.
[1]. انظر: الدولة ودورها في النشاط الاقتصادي في الوطن العربي، علي الأنصاري.
[2]. انظر: اقتصادنا، محمدباقر الصدر.
[3]. انظر: تحرير الاقتصاد ودور الدولة في تحقيق التنمية في الوطن العربي، إبراهيم العيسوي.