مصطفى المهاجر
غامرَ الفيضِ أيها المستحيلُ | كيف ترقى إلى نَداك الفصولُ؟! | |
كيف ترقى إلى عُلاكَ شموسٌ | يعتريها ۔ وأنت تبقى ۔ الأفول؟! | |
ومدىً للنجومِ أبعدُ شأناً | سابقتها نجومُ فِكرٍ تجولُ | |
وحقولٌ من البراءاتِ نَشوى | زيّنتها عواطفٌ وعقولُ | |
وربيعٌ بكل خِصبٍ تباهى | وعلى جانبيه تزهو حُقولُ | |
ورُواءٌ لظامئاتٍ تدلّى | بين أردانها الأسى والذبولُ | |
والينابيعُ من رُؤاك استفاقت | يحفرُ الصخرَ ماؤها السلسبيل | |
ورؤىً تمتطي المعالي مساراً | ولها السبقُ زاهياً والوصولُ | |
وسطورٌ تخطّ سِفرَ حياةٍ | يصمتُ الكونُ عندها إذ تقولُ | |
*** | ||
ودروبٌ إلى أقاصي الأماني | ومع الشوكِ للنعيمِ تؤولُ | |
وشفاهٌ تسحُّ سِحراً حلالاً | حين تشدو وسحرُها التنزيلُ | |
تتلقّاهُ أنفسٌ ذائباتٌ | بهواه ووجدُهُ لا يزولُ | |
وأكفٌّ تباركت من أكفٍّ | غررُ الفكرِ من نَداها تَسِيلُ | |
لست تدري أسِفرُها أم حروفُ | لاحَ منها «الكتابُ» و«الإنجيلُ»؟! | |
يا نشيداً إلى المعالي تجلّى | والجماهير وجدُها منحولُ | |
ورؤاها مضبّباتٌ وفيها | يسرحُ الوهمُ والهوى تضليلُ | |
علّموها بأن تظلّ رعايا | ومن الدينِ طاعةٌ وقبولُ | |
ثم نامت على وعودٍ كِثارٍ | وأفاقت وعزمُها مَشلولُ | |
خدّروها بكلِّ فِكرٍ عقيمٍ | ليس فيه إلى النجاةِ سبيلُ | |
طوقوها بحاكمٍ مستبدٍّ | خيرُ أوصافه الكثار «عميلُ» | |
فَغدا يزرع البلاد قبوراً | ودماء الهداة نهراً تسيلُ | |
والمنايا تحوطنا ليس تبقي | والبقايا يسومهم تَنكيلُ | |
وتساوى صوت البغي وصوت | الأسى المرُّ لونه والعويلُ | |
وإذا بالبلاد تصحو وصوت | علويٌّ مجلجل وأصيلُ | |
ينفخ النار في بقايا رماد | فإذا الأرض أنهر ونَخيلُ | |
وإذا الشعب صاعد لذاره | وعليه مجلل إكليلُ | |
لم تخفه جحافل وحشود | أو سجون وليس ثم بديلُ | |
ذروة العزّ أن تعيش كريماً | وبكفيك موقد قنديلُ | |
أو ترى الموت شامخاً مستهاماً | بجنانٍ نعيمها لا يزولُ | |
حمل الصدر همّنا فحملنا | صوت آهٍ بكلّ قلبٍ تصولُ | |
سبق الركب للشهادة حُرّاً | وغَفَت بين جانحيه النصولُ | |
*** | ||
صاحبتك الجموع جَذلى وفيها | للوفاء العظيم شوق جليلُ | |
قد رأت فيك حبّها وهواها | فتغنّته أنفس وعقولُ | |
ومشت والطريق محض رزايا | وهي تدري بأنه سيطولُ | |
لم ترعها سحائب من ظلام | أو يعقها إلى ذراك الهطولُ | |
*** | ||
ثم عدنا وقد ملأنا المنافي | وضياع يلفّنا وذبولُ | |
جلُّ أحلامنا العظيمة مأوى | يحتوينا وليس يجدي مَقيلُ | |
وعلينا من الهموم بقايا | شغلتنا وثَمَّ قالٌ وقيلُ | |
والحُداةُ الحداةُ شتّى وكم ذا | يعرف الريح منهم إذ تميلُ | |
ليحطّ الرحال أنّى استراحت | ويغنّي موّاله ويَقيلُ | |
ليس بدعاً من الشعوب ولكن | هل سيجدي مقالنا إذ نقولُ | |
أو تُجدي مدامعٌ ساخناتٌ | تكتوينا لكي يبّلَّ غليلُ | |
وعلى الأفق ثأرنا يتلظّى | ودم الصدر شاهدٌ وسؤولُ | |
ينشب الجوع نابَهُ في اليتامى | وهنا نحن أَكلةٌ وأكولُ | |
وهنا نحن غربة وضياع | ومتيهٌ وليس ثَمَّ وصولُ | |
وأفانين من رؤىً نكراتٍ | تتجلّى وقولها معسولُ | |
تبتغينا مطيةً لطغاةٍ | بعناوين شأنها التهويلُ | |
يا شباكاً تلفّنا بخيوطٍ | حبكتها دوائرٌ وفلولُ | |
وأحاطت سماءنا قاذفاتٍ | وعلى البحر جاثماً أسطولُ | |
لم ترعنا حبائل فَهَوانا | بدم الصدر حبلُه موصولُ | |
ودم الصدر ناره في حشانا | وبنا نيلُ ثأره موكولُ | |
لنراه مجسّداً في رؤانا | ويرانا على خطاه نجولُ | |
ويرى الشوط عامراً بالأماني | تتولّاه بالوداد الفحولُ | |
ثم يمتدُ في الزمان عميقاً | ويوالي المسير جيلٌ فَجِيلُ | |
لنغنّي نشيدَهُ أبدياً | المدى العمرُ شوطه والسهولُ | |
دمك الحر لا يزال نَدِيّاً | ونداه إلى النعيم يحولُ | |
وستبقى مع النخيل شموخاً | وبجنحيك تستظلّ العقولُ | |
وبشطّيك يا معين الأماني | يعذب الورد والهوى والنزولُ | |
*** | ||
لست تُنسى وإن أناخت سدول | أيها الوعد موته يستحيلُ | |
بل ستأتي وفي يديك انتصارٌ | ليله الصبح شمسه لا تحولُ | |
بل ستأتي تطرّز الأرض فجراً | يغمر الكون نوره المستطيلُ | |
فتغنيّك ظامئاتٍ نفوسٌ | تعبتْ في الجراح منها النصولُ | |
وتوافيك بالوفاء قديماً | يتجلّى في مُقلتيه القبولُ | |
وعلى خطوك المجلّل شهداً | سوف تمضي يقودها التنزيلُ | |
وتُحيل اصطبارها مهرجاناً | تغتني فيه أنفسٌ وطلولُ | |
والقيود المكبِّلاتُ هواها | كُسرَ القيد والهوان يزولُ | |
والسجون المطوّقاتُ حنيناً | فارقتها أسوارها والقفولُ | |
أيها النصر قادماً وعزيزاً | جفّتِ الأرض هل يحينُ الهطولُ؟! | |
لمسة السحر والجنان المعلّى | وحكايا النخيل وهي تطولُ | |
يا سطوراً تَخطّ فينا حياةً | يتهاوى لأخمَصَيها الدخيلُ | |
أيها الصدر شامخاً سوف تبقى | ليس ترقى إلى نداك الفصولُ |
دمشق