القيمة التجديدية للأعمال الفكرية للإمام الصدر بين أعمال مفكّري العصر الحديث

محمد إبراهيم مبروك

نستطيع أن نقول: إن آية الله العظمى الإمام محمدباقر الصدر صاحب مدرسة فكرية شاملة، وواحد من أهم مجدّدي القرن العشرين بل ومن أهم المفكرين المبرزين في التاريخ الإسلامي كله. وعلى المستوى الفلسفي العام فإنه يمثل أحد الفلاسفة العالميين الذين قلّما يجود بهم التاريخ، وإنه صنع انقلاباً في الفكر المعرفي الفلسفي العالمي، بل وفوق كل ذلك نستطيع أن نقول بكل ثقة: إن الإنتاج الفكري المكتوب الذي تركه لنا آية الله العظمى الإمام محمدباقر الصدر لا يشكّل واحداً من أهم الإنتاجات الفكرية للمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث، بل هو بالتحديد أهم الإنتاجات الفكرية للمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث بل هو بالتحديد أهم إنتاج فكري إسلامي في العصر الحديث ۔ ربما لا يضاهيه في ذلك إلا الإنتاج الفكري للإمام المودودي كما سنشرح فيما بعد ۔ نستطيع أن نقول كل ذلك وأكثر، ولكننا لا نكون بذلك قد صنعنا شيئاً، فكل هذا يكاد يكون معلوماً لدى كل المهتمين بشؤون الفكر الإسلامي، كما أنه لا يساعدنا كثيراً من حيث الاستفادة الوافية من هذا الإنتاج الفكري العظيم الذي تركه لنا الإمام الصدر، وقبل كل ذلك فإنه لا يكشف لنا ما هي الإنجازات الفكرية الحقيقية التي حققها الإمام الصدر، أو بمعنى أدق ما هي القيمة المضافة التي صنعتها إبداعات الإمام في حركة التطور الفكري الإسلامي في العصر الحديث؟ ولماذا نذهب إلى أن هذه القيمة المضافة تمثل طفرة كبيرة في حركة تطور هذا الفكر؟ وما هي جوانب الفكر الإسلامي والإنساني التي تحققت فيها هذه الطفرة حتى يمكن الاستفادة منها الاستفادة الأمثل؟ وما هي الجوانب الأخرى التي لم يتحقق فيها مثل ذلك؟ ولماذا لم يحدث هذا التحقق؟ فإذا نحن استطعنا الإجابة على مثل هذه الأسئلة استطعنا أن ننتقل إلى السؤال المحوري الذي يشغل أذهان العديد من المفكرين المعاصرين، وهو هل من الممكن تجاوز فكر الإمام الصدر في هذه المرحلة؟ ولماذا ذلك؟ وكيف يمكن ذلك؟

إننا لا نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا من خلال النظر إلى الإنجازات الفكرية للإمام الصدر في السياق التاريخي لحركة تطور الفكر الإسلامي ووضعها في مختبر التقييم الواقعي داخل إطار المقارنة المنهجية بينها وبين الإنجازات الفكرية للمفكرين الإسلاميين البارزين السابقين والمعاصرين واللاحقين للإمام الصدر.

وهذا الذي نستهدفه يمثّل في حد ذاته مشروعاً فكرياً طموحاً للغاية لا تستطيع هذه الدراسة المقتضبة ۔بحكم ظروفها وظروفنا۔ بلوغه، ولكن ذلك لا يفقدها مشروعية السعي نحو تلك الغاية المثلى.

ونظراً للملابسلات العديدة التي فرضتها حالة التراجع الفكري الإسلامي الراهنة حول مفهوم ودور المفكر الإسلامي، فإن ذلك يقتضي علينا أن نستهلّ دراستنا بالتساؤل المنهجي عمن هو المفكر الإسلامي أولاً؟

من هو المفكر الإسلامي؟ وما هو دوره؟

المفكر هو الشخص العبقري الذي يسعى إلى النفاذ إلى حقائق الوجود، من خلال الاستيعاب المتعمق للتراكم المعرفي الفلسفي الإنساني والخبرات والتجارب الإنسانية المتعددة وإنشاء الرؤية الخاصة به لهذه الحقائق، والمفكر الرسالي هو المفكر الذي يسعى إلى إبصار الناس بتلك الحقائق والتصورات التي يتوصل إليها في سعيه الدؤوب في الكشف عن الحقائق.

والمفكر الإسلامي الرسالي هو الشخص العبقري الذي يستطيع النفاذ إلى حقائق الوجود، من خلال الاستيعاب المتعمق للتراكم المعرفي الإنساني والتراكم المعرفي الإسلامي والخبرات والتجارب الإنسانية المكثّفة وامتلاك القدرة على تفكيك وتقويض التصورات الفكرية المغايرة وتقديم البديل الفلسفي المعرفي ۔الذي يجب أن يتمحور من وجهة نظرنا حول الإبستمولوجية وليس حول التصور الفلسفي ذاته الذي لا يستمد إلا من الوحي۔ وكذلك استيعاب المنظومات الحضارية المختلفة وتقديم البديل الحضاري الإسلامي المستخلص من تفاعل الحقائق الإسلامية مع متغيرات الواقع المعيشي.

وعلى الأسس السابقة تكون مهمة المفكر الإسلامي الرسالي ذات شقين:

شق هدمي: ويقوم في الأساس على العمل على تفكيك وتقويض التصورات الفكرية المغايرة.

و شق بنائي: ويقوم على تقديم البديل الفلسفي المعرفي والبديل الحضاري الإسلامي.

ولا يستطيع هذا المفكر تقديم هذا الجانب الأخير من الشق البنائي إلا إذا توفّر لديه امتلاك القدرة على استيعاب التراكم الفقهي الأصولي الإسلامي بجانب معارفه الفلسفية والحضارية الأخرى، بعكس المفكر الإسلامي الذي يقتصر دوره على القيام بالجانب الهدمي أو الجانب البنائي المعرفي فإنه لا يشترط لديه استيعاب هذا التراكم العلمي الفقهي الأصولي.

إذا سلمنا جدلاً بصحة المعايير السابقة، والتي تكشف عن قصور إمكانات الغالب الأعم ممن يطلق عليهم لأسباب سياسية في الغالب وصف (المفكر الإسلامي) في الوقت الراهن عن بلوغ تلك القدرات واحتكمنا إليها في تقييم التجربة الفكرية لآية الله العظمى الإمام الصدر مقارنة بتجارب أبرز المفكرين الإسلاميين الآخرين وفي ظل الظروف الموضوعية المحيطة بكل منهم فقد نجد التالي:

أن الإنتاج الفكري الذي تركه الإمام بين أيدينا يدلل بشكل قاطع على توافر كل المقومات العلمية المتطلبة في المفكر الإسلامي الرسالي لديه فضلاً عن بذل غاية الجهد والاجتهاد، ومن خلال الاطلاع على الدراسات التاريخية التي تم نشرها أخيراً والتي تتناول الجانب الجهادي العملي من حياة الإمام نستطيع إدراك توافر ۔كدارسة آية الله محمدباقر الحكيم التي سنشير إليها فيما بعد۔ الخبرات المتعمقة بالتجارب الإنسانية المكثّفة، الأمر الذي يحتّمه الاضطلاع بالمهام السياسية الخطيرة التي قام بها الإمام في مسيرته الجهادية، وهو بُعد لا يكشف عنه كثيراً إنتاج الإمام المكتوب الذي يغلب عليه الطابع الفكري التنظيري التجريدي.

الجانب النقدي الهدمي في فكر الإمام الصدر

لقد فرض الاستعمار من خلال منطق القوة منظوماته الفكرية ومرجعياته العلمانية على امتداد العالم الإسلامي منذ حوالي قرنين من الزمان، ولعبت النخب السياسية والفكرية التي اكتسبت تعليمها من جامعات أوروبا أن كان لها دوراً وثيق الصلة بالثقافة الغربية العلمانية، دوراً تابعاً وعميلاً في الحفاظ على تلك المنظومات والمؤسسات المعبرة عنها حتى بعد رحيل الاستعمار الذي ورثت السلطة عنه، ومن ثم فقد بذلك جهودها الكبيرة في صناعة القطيعة المعرفية مع المرجعية الإسلامية وتراثها الفكري والحضاري، وكان من الطبيعي أن يحتّم ذلك استنهاض الفكر الإسلامي للدفاع عن المنظومة العقائدية والفكرية الإسلامية، فاستقطب هذا الميدان الفكري المتمثل في نقض التصورات والآيديولوجيات الفلسفية العلمانية الغازية والدفاع عن العقائد الإسلامية الجانب الأكبر من جهود المفكرين الإسلاميين على امتداد هذين القرنين.

ولقد سبقت جهود الإمام الصدر جهود كبرى في هذا المجال كان للإمام جمال الدين الأفغاني فضل التأسيس لها ومنحها الأدوات والآليات اللازمة للعمل، فعلى الرغم من البساطة النظرية التي قد تبدو عليها أعمال الأفغاني الفكرية مثل الرد على الدهريين والرد على أرنست رينان بمقاييس الفكر الإسلامي المعاصر إلا أن هذه الأعمال قد تمثل أقصى درجات التقدم الإيجابي في منحني تطور الفكر الإسلامي في العصر الحديث؛ نظراً لأنها تمثل المحاولات الإسلامية الأولى التي يعتد بها في استيعاب الرؤى الفلسفية الغربية الحديثة ومناقشتها وتحديد الموقف الإسلامي منها، بما يعني استنهاض الفكر الإسلامي من الركود الذي تجمد فيه لقرنين من الزمان على الأقل ۔هما القرنان السابقان للإمام الأفغاني۔ ودفعه إلى معترك الصراع الفكري المعاصر له.

وتوالت بعد ذلك جهود عظيمة في نفس الاتجاه تميز منها بوجه خاص ۔في حدود علمنا۔ جهود الفيلسوف محمد إقبال والإمام المودودي والعقّاد، ولكن لم تكتمل هذه الجهود في أعمال فكرية عميقة ومتحدّية وقادرة على الدخول في معترك الصراع الفكري مع المنظومات الفلسفية المعاصرة كأقوى ما تكون إلا في الأعمال الفكرية لآية الله العظمى الإمام باقر الصدر، والمتمثلة بوجه خاص في سِفريه العظيمين: فلسفتنا واقتصادنا.

وتبرز عظمة هذه الأعمال في المنهج العلمي الدقيق والمتكامل الذي تناول به الإمام الصدر مذهبي الفلسفة الغربية الأساسيين: المذهب العقلي والمذهب التجريبي، ومدارسهما المختلفة بالنقد والتحليل، مع التركيز على نقد الفلسفة الماركسية بوجه خاص التي كانت تمثل في ذلك خطراً محدقاً على عالمنا الإسلامي والتي اكتسبت من انتصاراتها السياسية في مواقع عديدة من عالمنا الإسلامي وفي العالم أجمع زخماً إعلامياً مبهراً، أراد الشيوعيون المتنفذون في عالمنا الإسلامي استناداً على ذلك إكسابها صفة القدر المحتوم لمستقبلنا، ومن ثم مطالبتنا بالرضوخ لهذا القدر ۔على نحو ما يحدث الآن بالنسبة للعولمة۔ حيث تناول الإمام الصدر نقد المادية الجدلية في كتابه فلسفتنا، بينما احتل نقده للمادية التاريخية ۔المحور الثاني للماركسية۔ موقعاً كبيراً في كتابه اقتصادنا، فكانت جهوده في نقد الماركسية درعاً واقياً للمسلمين في كل مكان يتحصنون به من هذا الخطر الداهم، حيث تمثل الماركسية ببعدها الإلحادي تناقضاً مطلقاً مع الإسلام.

ولقد تبع نقد الإمام الصدر للماركسية عدة أعمال فكرية في نفس الاتجاه يتميز منها نقد المادية الجدلية للدكتور محمد البهي ۔صاحب الأعمال الهامة في المجال الفلسفي الذي يتم تجاهله دائماً؛ لعدم انتمائه لاتجاه تنظيمي كما هو الحال عادة في مصر۔ وسقوط الماركسية للمفكر الهندي العبقري وحيد الدين خان. والعودة إلى الذات للمفكر العبقري علي شريعتي.

ومع ذلك لم ترق هذه الأعمال من حيث القيمة الفكرية إلى جهود الإمام الصدر في هذا المجال ربما من حيث التناول النقدي المتكامل على أقل تقدير.

ولقد تعرض الإمام الصدر بالتحليل المتعمق في كتابه فلسفتنا لعلاقة النظريات العملية المعاصرة في الفيزياء والكيمياء والبيولوجي بالفكر الفلسفي، ولم ينافسه في هذا المجال إلا الجهود الفكرية للأستاذ وحيد الدين خان الذي تمحورت جهوده حول هذا الموضوع، وبرزت بوجه خاص في كتابيه المعنونين بالعربية: الإسلام يتحدى والدين في مواجهة العلم.

ولم تتطرق كتابات الإمام الصدر كثيراً إلى مجال التقابل والمقارنة بين الحضارات وإن كان ذلك متضمناً بطبيعة الحال في كتاباته عن الغرب بوجه عام، ولكن في حدود علمنا فإنه لم يخصص أحد كتبه في هذا المجال بشكل مستقل، بينما أولى هذا المجال عناية خاصة مفكرون أعلام آخرون مثل مالك بن نبي الجزائري وعلي شريعتي الإيراني وعزّت بيجوفيتش البوسني الألماني، حيث يقع هؤلاء المفكرون في منطقة التماس والتداخل بين الحضارتين الغربية والإسلامية أو عاش بعضهم سنوات عمره التي تشكل فيه وعيه الثقافي في بلاد الغرب ولا يخرج عن ذلك سوى مفكر آخر هو الإمام المودودي الذي اتسعت كتاباته العديدة لهذا الموضوع مثلما اتسعت لكافة القضايا الإسلامية في مختلف المجالات.

نظرية المعرفة

أغلب الجهود التي بذلها الإسلاميون في مجال نظرية المعرفة هي جهود علمية بحثية تدور حول استقصاء نظريات المعرفة لدى المسلمين القدماء والغرب، وليست جهوداً إبداعية تنظيرية تنشئ أو تطور نظرية معرفية خاصة بها، فليس هناك سوى محاولات محدودة للغاية في هذا المجال الذي يتميز بالخصوصية الشديدة في القدرة على الإبداع.

إحدى هذه المحاولات المحدودة هي كتاب التفكير لمفكر تكتنفه ملابسات شديدة التعقيد والغموض تعترض طريق انتشار كتبه وتناولها بالنقد والتحليل هو تقي الدين النبهاني، الذي يبدو أن محور اهتمامه كان نقد النظريات الغربية في الموضوع، وليس بلورة نظرية معرفة خاصة به وإن كان قد عمل على مناصرة المذهب الواقعي في التفكير، فالموضوع (أن المعرفة لا تكون فكراً إلا إذا نتجت عن واقع محسوس)[1] ومن ثم فقد أراد أيضاً تصفية الإرث الميتافيزيقي للفلسفة الغربية.

ومع ذلك فالطريقة العقلية عنده هي الطريقة التي ينبغي أن تكون الأساس في التفكير (والأسلم للوثوق بصحة النتائج أن نستعمل الطريقة العقلية في التفكير؛ لأنها هي التي يضمن فيها صحة النتيجة).[2]

وهو يرى أن هذه الطريقة العقلية هي طريقة القرآن ومن ثم هي طريقة الإسلام (ونظرة عاجلة للقرآن ترى أنه سلك الطريقة العقلية سواء في إقامة البرهان أو في بيان الأحكام).[3]

والكتاب على ما فيه من الجرأة والجدية في التناول، لكنه يفقد الدقة المنهجية وقبل ذلك الطموح إلى تكوين نظرية معرفية متكاملة، وربما يفسّر ذلك أن لغة الكتاب أقرب إلى المحاضرة منه إلى الدراسة التنظيرية التأصيلية، ولكن تظل له قيمته الخاصة كأحد المحاولات النادرة في الفكر الإسلامي المعاصر التي تستكشف طريقاً خاصاً للمعرفة وليس التبني الكامل لإحدى نظريات المعرفة الغربية.

إنه فيما يتعلق بنظرية المعرفة فإن موقف المفكرين الإسلاميين له طبيعته الخاصة، فكيف يكون منهج البحث عن المعرفة بالنسبة لمن يفترض أنهم يجدون المعرفة أصلاً! فهل المعرفة محايدة أم هناك ما يمكن أن نطلق عليه ما شاع الاصطلاح عليه بإسلامية المعرفة؟

إن هذا هو الفارق الأساسي بين الفيلسوف بوجه عام والمفكر الإسلامي الذي يجمع بين التصور العقائدي والرؤية الفلسفية المجردة للكون ۔الأنسب إسلامياً أن يطلق عليه لفظ الحكيم۔ فالمعرفة هنا هي علاقة جدلية بين المجرد والمقدس.

ولابد أن نفرّق بين البحث عن المعرفة قبل التصديق بالمقدس (الوحي) والبحث عن المعرفة بعد الوصول إليه. فالمعرفة محايدة قبل الوصول إلى التصديق والإيمان، ولكنها تنطلق أساساً من المقدس بعد التصديق والإيمان به، ومع ذلك هذا لا يتعارض على المستوى الإسلامي مع وجود العلاقة الجدلية الدائمة بين المعرفة الإيمانية للمفكر المسلم الفيلسوف وبين المعرفة العقلية المجردة له، حيث إن النظر العقلي إلى الكون أمر قرآني دائم.

ويقيم الإمام الصدر نظريته في المعرفة في كتابيه فلسفتنا والأسس المنطقية للاستقراء، وفي الكتاب الأول يذهب إلى أن (المقياس الأول للتفكير البشري بصورة عامة هو المعارف العقلية الضرورية، فهي الركيزة الأساسية التي لا يستغنى عنها في كل مجال، ويجب أن تقاس صحة كل فكرة وخطأها على ضوئها. ويصبح بموجب ذلك ميدان المعرفة البشرية أوسع من الحس والتجربة؛ لأنه يجهز الفكر البشري بطاقات تتناول ماوراء المادة من حقائق وقضايا ويحقق للميتافيزيقا والفلسفة العالية إمكان المعرفة.

وعلى عكس ذلك المذهب التجريبي، فإنه يبعد مسائل الميتافيزيقا عن مجال البحث؛ لأنها مسائل لا تخضع للتجربة ولا يمتد إليها الحس العلمي، فلا يمكن التأكد فيها من نفي أو إثبات ما دامت التجربة هي المقياس الأساسي الوحيد كما يزعم المذهب التجريبي).[4]

لقد انتصر الإمام الصدر في فلسفته للمذهب العقلي، وذهب إلى أن جميع النظريات التجريبية في العلوم الطبيعية ترتكز على معارف لا تخضع للتجربة بل يؤمن العقل إيماناً مباشراً بها وهي:

١. مبدأ الانسجام بين العلة والمعلول.

٢. مبدأ عدم التناقض الحاكم باستحالة صدق النفي والإثبات.

وفي الأسس المنطقية للاستقراء يتبنّى الإمام الصدر الاستقراء الناقص، والاستقراء الذي يقوم على الانتقال من المجهول إلى المعلوم من الجزئيات إلى الكليات في مواجهة القياس الكلي الأرسطي، وذلك على الأسس التالية:

لأن الدليل الاستقرائي إذا قام على أساس الاستقراء الكامل يؤدي إلى العلم بالنتيجة؛ لأنها لازمة للاستقراء الكامل لزوماً منطقياً، لكن الاستقراء الكامل لا يمكن أن يعد برهاناً؛ لعدم قدرته بمفرده على اكتشاف العلة وذلك لأن الاستدلال بالاستقراء الكامل صحيح من الناحية الصورية ولكن ليس من قبيل الاستدلال على الشيء بنفسه، ولأن الاستقراء الكامل لا يمكن أن يتوفر في القضايا الكلية في العلوم.[5]

وهذا بالضبط هو ما ذهب إليه إمام أهل السنة ابن تيمية في كتابه الفريد (الرد على المنطقيين) ففي نقده للقياس الأرسطي القائم على الاستقراء الكامل يقول ابن تيمية:

ومما يوضّح ذلك أن القضايا الحسية لا تكون إلا جزئية، فنحن لم ندرك بالحس إلا إحراق هذه النار ولم ندرك أن كل نار محرقة. فإذا جعلنا هذه قضية كلية وقلنا: كل نار محرقة، لم يمكن لنا طريق تعلم به صدق هذه القضية الكلية علماً يقينياً إلا والعلم بذلك ممكن في الأعيان المعينة بطريق أولى، أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة يؤلف منها البرهان.[6]

ولكن الجديد في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، كما يرى الأستاذ السيد عمار أبورغيف (أنه استخدم الدليل الاستقرائي وسيلة إثبات في أخطر قضايا الميتافيزيقا (وجود الله). ودلّ على أن دليل الاستقرائي الذي يمثل المسوّغ المنطقي لجميع قضايا العلوم يثبت (وجود الله) والطريقة التي يثبت فيها تلك القضايا. وبذلك أعار المدرسة العقلية سلاح خصمها اللدود ۔التجريبيون۔ فتأكد أن المعرفة العلمية ۔بمعناه الأشمل۔ لا تنحصر في إطار المعطى الحسي؛ بل تتجاوز هذا الإطار وتستحق قضايا الميتافيزيقا الحياة).[7]

أصول الفقه

ميدان علم أصول الفقه هو أحد أهم الميادين التي برز فيها التجديد الفكري للإمام الصدر، فقد أراد الصدر من الكتابة التنظيرية في هذا الميدان تطوير الآليات الفقهية التقليدية للحوزات العلمية إلى الدرجة التي تمكّنها من استيعاب متغيرات العصر واستخلاص الأحكام الشرعية التي تتطلبها، بعد فترة طويلة من الجمود أصابت علم أصول الفقه. والنتاج العلمي للإمام الصدر في هذا الميدان الذي انفرد بالتجديد فيه بين كل مفكري العصر ۔لا يوجد للمفكرين الإسلاميين عمل ذو شأن في هذا المجال من حيث القيمة التجديدية سوى كتاب تجديد أصول الفقه للدكتور حسن الترابي، وهو عمل لاحق لأعمال الإمام الصدر۔ هو نتاج كبير للغاية من بينه:

– دروس في علم الأصول في عدة أجزاء

– المعالم الجديدة لأصول الفقه

– غاية الفكر في أصول الفقه.

بالإضافة إلى العملين اللذين حررهما السيد محمود الهاشمي مما استمع إليه من دروس الإمام وهما:

_ مباحث الدليل اللفظي في ثلاثة أجزاء.

_ مباحث الحجج في أربعة أجزاء.

والحديث عن الإضافات الفعلية التجديدية للإمام الصدر في هذا الميدان يحتاج إلى شروح كبيرة لا تسمح بها هذه الدراسة المقتضبة، ولكني أودّ هنا الإشارة إلى أمر على الغاية من الأهمية، وهو أن أصولية الإمام الصدر ۔بمعنى التزامه المبدئي بمرجعية النصوص۔ في جهوده التجديدية في ميدان أصول الفقه تنضح في كل سطر من سطور كتبه، الأمر الذي يدفع عنه ما أراد الدكتور حسن حنفي ۔كعادته دائماً في علمنة كل ما هو إسلامي۔ إيهام القارئ به من كون الإمام الصدر يذهب إلى أن (للدليل العقلي الأولوية على الدليل النقلي واليقين الداخلي يأتي من العقل الخارجي بما في ذلك مصادر التشريع والنصوص المدونة).[8]

فهذا الإفتئات على الإمام يدفعه تماماً ما ذهب إليه في كتابه المعالم الجديدة للأصول من تأييد (موقف مدرسة أهل البيت كانت تحارب الاتجاه العقلي المتطرف، وتؤكد في نفس الوقت أهمية العقل وضرورة الاعتماد عليه في الحدود المشروعة واعتباره ضمن تلك الحدود أداة رئيسية للإثبات إلى صف البيان الشرعي، أي النصوص).[9]

ليس هذا فقط بل إن الإمام الصدر لم يتخلّ في منطلقاته الفقهية عن مذهبه الإمامي الذي يؤمن بأن (البيان الشرعي ۔النصوص۔ لا يزال مستمراً باستمرار الأئمة).[10] أي أن اتساع نطاق النصوص أكبر مما هو عليه عند أئمة أهل السنة.

لقد أراد حسن حنفي من هذه الإفتئات التمهيد لما يريد أن يروّجه هو نفسه من مقولات تتناقض مع المرجعية الإسلامية كقوله:

ويمكن إعادة عرض الأدلة الشرعية الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس وإبراز أهم صفتين في الكتاب وهما: أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، أي حضور الزمان والمكان داخل الوحي. الواقع يسأل والوحي يجيب، فالأولوية للواقع على الفكر.[11]

وقوله:

أما الآن فيمكن إعادة ترتيب الأدلة ترتيباً تصاعدياً من القياس إلى الإجماع إلى السنة إلى القرآن.[12]

التنظير السياسي

كما يقول آية الله السيد محمدباقر الحكيم فإننا عندما نريد أن نتناول النظرية السياسية عند الشهيد الصدر:

لابد من أن نفهم منذ البداية المراد من مصطلح النظرية السياسية، حيث يوجد جانبان من البحث في هذا المجال: أحدهما الجانب الذي يرتبط بنظرية الحكم والدولة، والآخر الجانب الذي يرتبط بالعمل السياسي الحركي وإطاره العالم في المجتمع والأمة ولاسيما في ظروف ما قبل الدولة الشرعية سواء كانت الدولة القائمة كافرة أم إسلامية جائرة.[13]

والجانب الأول من النظرية السياسية هو الجانب الذي استقطب القدر الأكبر من جهود المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث؛ ولذلك فقد توالت الاجتهادات المنظّرة له منذ الإمام الأفغاني وحتى الآن. وأبرز الجهود الأولى في هذا الموضوع هو كتاب (الخلافة) للإمام محمد رشيد رضا والرسائل السياسية للإمام حسن البنا وكتاب الدكتور السنهوري (الخلافة الإسلامية) والكتاب شديد الأهمية للشيخ تقي الدين النبهاني (نظام الحكم في الإسلام) نظراً لتفرّده المعتاد بالعديد من المقولات شديدة الجرأة في هذا الموضوع.

ولكن إذا كان مدار حديثنا هو تقدير الدور التجديدي للإمام الصدر في هذا المجال فلابد أن نوضّح أن القدرات التجديدية للإمام الصدر كانت تبرز بوجه خاص في المجالات التي أهملتها أو عجزت عنها جهود المفكرين الإسلاميين الآخرين.

أما بالنسبة للمجال الذي نحن بصدده ۔مجال التنظير لشكل الدولة الإسلامية المنشودة ووضع الأسس الدستورية لها۔ فالإمام المودودي منذ أن وضع القواعد الأساسية للدستور الإسلامي واستطاع أن يجمع توقيعات العشرات من كبار العلماء بالموافقة عليها في مطلع الثلاثينيات وما فتئ يؤسس ويطوّر ويضع الشروح في هذا المجال، حتى بات شكل الدولة الإسلامية بعد كتابات الإمام المودودي ۔تدوين الدستور الإسلامي، نظرية الإسلام السياسية، القانون الإسلامي ومشاكل تطبيقه، الحكومة الإسلامية، الخلاف والملك۔ أمر واضح المعالم محدد الأركان إلى الدرجة التي نستطيع معها القول بأن الأصول التأسيسية المعاصرة للمرجعية الإسلامية قد اكتملت من خلال الجهود الفكرية للإمام المودودي في هذا المجال، والتي تمثل أبرز إنجازاته الفكرية. وإذا وضعنا في الاعتبار سبق هذه الجهود لكتابات الإمام الصدر بحوالي ربع قرن من الزمان لم يعد مستغرباً وجود التشابه الكبير بين كتابات الإمام الصدر وكتابات الإمام المودودي في الموضوع.

يقول الإمام الصدر في استعراضه لعدد من الأفكار الأساسية في مجال التمهيد لمشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران:

إن الله(عر) هو مصدر السلطات جميعاً.. وتعني هذه الحقيقة أن الإنسان حر ولا سيادة لإنسان آخر أو لطبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه وإنما السيادة لله وحده، وبهذا يوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال الإستغلال وسيطرة الإنسان على الإنسان.[14]

قارن هذا بقول الإمام المودودي في كتابه نظرية الإسلام السياسية:

ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية؛ فإن الحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده والذين من دونه في هذه المعمورة إنما هم رعايا في سلطانه العظيم.

إن التشابه هنا لا يقف عند حدود الأفكار فقط وإنما يمتد إلى الصياغة أيضاً إن لم يكن الكلمات ذاتها.

وفي موضع آخر يقول الإمام الصدر:

إن أحكام الشريعة الثابتة بوضوح فقهي مطلق تعتبر بقدر صلتها بالحياة الاجتماعية جزءاً ثابتاً في الدستور سواء نص عليه صريحاً في وثيقة الدستور أو لا، وأي موقف للشريعة تحتوي على أكثر من اجتهاد يعتبر نطاق البدائل المتعددة من الاجتهاد المشروع دستورياً ويظلل اختيار البديل المعين من هذه البدائل موكولاً إلى السلطة التشريعية التي تمارسها الأمة على ضوء المصلحة العامة.[15]

لا أعتقد أن الأفكار تخرج هنا كثيراً عن قول الإمام المودودي في كتابه الإسلام والمدنية الحديثة:

إن مجالس الشورى أو البرلمانات لا يباح لها أن تسنّ نظاماً أو تصدر حكماً فيما ورد فيه نص صريح واضح في شريعة الله.. أما ما لم ترد فيه نص شرعي وهو المجال الأوسع فلأهل الحل والعقد أن يجتهدوا في سن الأنظمة التي تحقق مصلحة الأمة بالمشورة المتبادلة.. على أن تكون منسجمة مع الإطار العام لأسس الشريعة).

إن هناك فقرات عديدة يمكننا الاستشهاد بها للاستدلال على ما ذهبنا إليه ۔راجع في هذا السياق بوجه خاص الأسس الإسلامية التي وضعها الإمام لدستور الدولة الإسلامي، مقارنة بنصوص الدستور الإسلامي للإمام المودودي۔ ولكن هناك مشكلة أخرى أحكمت الحصار حول مدى ما يمكن أن يقدّمه الإمام الصدر من إضافة تجديدية في مجال التنظير للسياسة الشرعية للدولة الإسلامية المعاصرة هي توصّل الفكر الشيعي السياسي لنظرية ولاية الفقيه ۔والتي كان للإمام الإسهام الأكبر فيها على حد علمي المحدود بالفكر الشيعي۔ وكما يقول آية الله السيد محمدباقر الحكيم:

كان الالتزام بولاية الفقيه فقهياً يمثل تطوراً نوعياً في النظرية السياسية للشهيد الصدر(قده) ومن هنا نجده يبدأ بإعادة ترتيب المفردات السياسية نظرياً في الأمة وفي واقع العمل المرجعي.[16]

للأسباب السابقة فإننا نذهب إلى أن الإنجازات الفكرية للإمام الصدر محدودة للغاية في هذا الميدان خصوصاً بالمقارنة بإنجازاته في جوانب متعددة من جوانب الفكر الإسلامي وحتى على مستوى المادة العلمية المكتوبة، فالدراسات التي تتحدث عن الإمام الصدر في هذا المجال تكاد تعتمد فقط على عملين محدودي الصفحات، هما رسالته عن المشروع التمهيدي لدستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد جاءت ضمن رسائل كتابه الإسلام يقود الحياة، والعمل الآخر هو الأسس الإسلامية لأصول الدستور الإسلامي والتي وضعها الإمام الصدر بشكل سري على أساس التمهيد لإعلانه عند قيام الدولة الإسلامية، وكانت باكورة أعماله الفكرية كما يروي ذلك آية الله محمدباقر الحكيم.[17]

وبوجه عام يمكن القول: إن جهود المفكرين الإسلاميين في التنظير السياسي للدولة الإسلامية المعاصرة بلغت حداً يمكن الاعتماد عليه في صنع هذه الدولة وإن كان ذلك لا يدعونا إلى وقف الجهود في هذا المجال، على أن تكون نتاج هذه الجهود ذو قيمة إيجابية إضافية، وليس العمل على تقويض الأسس التي [بغت] جهود المفكرين الإسلاميين على الموافقة عليها.

ولكن الشاهد فيما يحدث الآن باسم التجديد في هذا الاجتهاد هو العمل على تقويض هذه الأسس التي اجتمعت جهود المفكرين الإسلاميين على الاتفاق عليها.

فعندما يتحدث الإمام الصدر عن شكل الشورى في الحكم الإسلامي يقول: (إن أي شكل شورى من الحكم يعتبر شكلاً صحيحاً ما دام ضمن الحدود الشرعية، وإنما قيدنا الكيفية التي تمارس بها الأمة حق الحكم بأن تكون ضمن الحدود الشرعية؛ لأنها لا يجوز أن تختار الكيفية التي تتعارض مع شيء من الأحكام الشرعية، كأن تسلّم زمام الأمر إلى فاسق أو فساق؛ لأن الإسلام نهى عن الركون إلى فاسق بالأخذ بقوله في مجال الشهادة فضلاً عن مجال الحكم ورعاية شئون الأمة، فلابد حين تختار كيفية الحكم والجهاز الذي يباشر الحكم من أن تراعى الحدود الشرعية)[18] وأبسط ما يعنيه هذا الكلام أنه لا يمكن انتقال السلطة داخل إطار الدولة الإسلامية إلى حكم علماني باسم الشورى، وهو نفس ما يذهب إليه الإمام المودودي حين يقول في كتابه (الإسلام والمدنية الحديثة):

إن الفرق بيننا وبينهم ۔الغرب۔ أنهم يحسبون ديمقراطيتهم حرة مطلقة العنان، ونحن نعتقد الخلافة الديمقراطية متقيدة بقانون الله(عر).

أما غاية ما يسعى إليه مدعو الاجتهاد الإسلامي السياسي المعاصر هو تسويغ ما يقال عن قبول الحكم الإسلامي للتعددية السياسية المطلقة، ومن ثم إثبات مدى التطابق بين الإسلام والديمقراطية الغربية، حيث يغدو التجديد لدى مدّعي التجديد المعاصرين هو الدفع للمفاهيم الإسلامية لإخراجها من إطاراتها الحقيقية حتى تتطابق مع المفاهيم العلمانية.

العمل السياسي

أرى أن متغيرات الواقع الإنساني تقتضي أن تكون القاعدة في العمل السياسي هو اللاقاعدة، وأن غاية ما نلتزم به في الإطار الإسلامي الذي نعمل داخله هو الوقوف عند محاذير الشرعية الإسلامية، وأن يكون اقتداؤنا بسيرة الرسول ورسل الله صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً والخلفاء والأئمة المهديين من بعدهم هو اقتداء كيفية لا اقتداء مطابقة؛ لأن التاريخ لا يعيد نفسه وإن تشابه في الكثير من وقائعه، وعلى ذلك فإن المرونة هي سبيلنا في الاقتداء بهم في العمل الدعوي، وليس الجمود في المطابقة الحرفية لخطواتهم، مما يضطرنا إلى تأويل الواقع الذي نواجهه حتى يتطابق مع الواقع الذي واجهوه، وليس الوعي المتعمق بالواقع الذي نواجهه نحن لإدراك ما يطرأ عليه من المتغيرات التي تحتّم علينا تكييف خططنا بالطريقة التي يمكن أن تتواءم مع هذا الواقع.

إذن فمجال العمل السياسي لدى الأئمة العاملين ليس مجالاً للتنظير، بمعنى وضع مجموعة من القواعد السياسية الإسلامية العملية التي ينبغي على الحركات الإسلامية الاقتداء بها، وهذا لا يعني خلو أعمالهم الاجتهادية في هذا الاتجاه من الفائدة، ولكننا يجب علينا دراسة اجتهاداتهم هذه ومواقفهم العملية بوجه خاص؛ لاستلهام الخبرات الكبيرة التي اكتسبوها في تجاربهم السياسية.

ومع كل ما سبق فهناك قاعدة أساسية هي من مقتضيات البديهة في أي دعوة تهدف إلى بناء إصلاحي جديد، وهي إرساء القاعدة الفكرية أولاً في نفوس المؤمنين، وهذا بالتحديد ما فعله الأنبياء والأئمة المهديون في كل العصور، ولكن نظراً لتعقيدات العصر الذي نواجهه، وتكاثف المفاهيم الجاهلية على العقل المسلم من كل اتجاه بينما تم تغييب المفاهيم الإسلامية من واقعنا بصورة شبه تامة، ففي الوقت الذي تتحكم فيه مختلف الأنظمة الجاهلية في كل جوانب حياة المسلمين في كل مكان، فإن النظام الإسلامي لشؤون الحياة المعاصرة يبدو شيئاً مغيّباً تماماً ليس عن عقول عوام المسلمين فقط بل عن عقول الغالب من خاصتهم.

أقول: نظراً لكل ما سبق فإن القاعدة الأساسية في العمل السياسي الإسلامي في إرساء القاعدة الفكرية أولاً ترتبط في هذا العصر ارتباطاً وثيقاً بوضع التصورات الفكرية لشتى الجوانب المختلفة في الكيان الإسلامي المنشود وتوعية القائمين على العمل السياسي بها على أقل تقدير؛ ليدرك الناس بصورة شاملة ما هو الذي نبشّرهم به، ومدى التمايز بينه وبين النظام القائم الذي يعيشونه ومختلف الأنظمة الجاهلية الأخرى، وذلك انطلاقاً من قاعدة (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

وهكذا يكون الإهتمام الأكبر للإمام الصدر بوضع التصورات النظرية للجوانب المختلفة للدولة الإسلامية المنشودة وإرسائها في وعي تلاميذ من صميم عمله السياسي الذي ينبغي الاقتداء به، (وهو نفس ما فعله الإمام المودودي أيضاً).

ومن حيث المادة العلمية المكتوبة فإن النتاج الفكري المعلن للإمام الصدر في التنظير للعمل السياسي الإسلامي محدود للغاية، وفي مواجهة نظام سياسي مثل النظام الذي واجهه الإمام الصدر، فقد كان من الطبيعي أن تغلب على اجتهاداته السرية في هذا الاتجاه.

وأعتقد أن دراسة آية الله السيد محمدباقر الحكيم (نظرية العمل السياسي عند الشهيد السيد محمدباقر الصدر) هي أوفى دليل في هذا الاتجاه، ففضلاً عن المكانة العلمية لآية الله الحكيم فإن مرافقته للإمام الصدر في جهاده تجعله على علم كبير بتوجهات الإمام في العمل السياسي والتطورات التي طرأت عليها.

الاقتصاد الإسلامي

البناء الأعظم للإمام الصدر ۔والذي اشتهر به بوجه خاص في الأوساط العلمية۔ هو كتابه اقتصادنا، والذي حدد فيه أسس المذهب الاقتصادي الإسلامي. وإنك لتجد متعة عظيمة لمجرد قراءة هذا الكتاب وأنت تشاهد أحد العبقريات النادرة وهي تتفجر عبر صفحاته.

وجهود المفكرين الإسلاميين في هذا المجال ما تزال قاصرة عن الارتقاء إلى القمة التي بلغتها جهود الإمام الصدر الفكرية في هذا الصدد في كتابه (اقتصادنا)، وكذلك كتابيه (البنك اللاربوي) و(الإسلام يقود الحياة)، فبعد الإشارات المحدودة للإمام الأفغاني عن الاقتصاد الإسلامي وضع الإمام حسن البنا بعض الركائز الهامة عن الموضوع في رسالته عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وأصدر الدكتور مصطفى السباعي كتابه الهام (اشتراكية الإسلام) والذي ما زال يثير الجدل حتى الآن، وما كتبه الشهيد سيد قطب في هذا الصدد والمحدد في كتابيه الهامين: العدالة الاجتماعية في الإسلام ومعركة الإسلام مع الرأسمالية يمثل أهم نتاجه الفكري، والذي واجه انتكاساً بعد ذلك.

وكان من الطبيعي أن يحظى هذا الميدان بجانب كبير من جهود إمام أهل السنة في العصر الحديث الشيخ أبو الأعلى المودودي، فأصدر في هذا الصدد عدة كتب منها: (الاقتصاد في الإسلام)، و(الإسلام والنظم الاقتصادية)، وكتابه الهام للغاية (الملكية الزراعية في الإسلام)، وهناك أيضاً الكتاب المتميز للشيخ تقي الدين النبهاني (النظام الاقتصادي في الإسلام).

ومن أهم الأعمال التي صدرت عن الموضوع في الآونة الأخيرة كتاب (الإسلام والاقتصاد) للدكتور عبدالهادي علي النجار و(الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول) للدكتور محمد شوقي الفنجري.

ومن بين هذه الكتب جميعاً لا يأتي عمل من الممكن مضاهاته بهذا البناء الفكري الشامخ الذي أقامه آية الله العظمى الإمام الصدر في كتابه اقتصادنا، فكل الاجتهادات السابقة قد تتحدث عن موقف الإسلام من قضايا اقتصادية أو تعبّر عن التوجه الاقتصادي الإسلامي بصدد التوازن بين الفرد والمجتمع أو عن خطوط عامة لقواعد الاقتصاد الإسلامي. أما اكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي بقواعده التفصيلية فهذا إنجاز فكري منقطع النظير تفرّد به الإمام الصدر حتى الآن. لقد حدد الأهداف والمنطلقات والأطر العامة وعلاقات توزيع الثروة قبل الإنتاج وبعد الإنتاج ونظرية الإنتاج، وقبل كل ذلك عملية اكتشاف المنهج ذاتها.

يقول الإمام الصدر:

إنه من الخطأ أن يقدم الباحث الإسلامي مجموعة من أحكام الإسلام ۔التي هي في مستوى القانون المدني حسب مفهومه اليوم۔ ويعرضها طبقاً للنصوص التشريعية والفقهية، بوصفها مذهباً اقتصادياً إسلامياً، كما يصنع بعض الكتّاب المسلمين، حين يحاولون دراسة المذهب الاقتصادي في الإسلام، فيتحدثون عن مجموعة من تشريعات الإسلام التي نظّم بها الحقوق المالية والمعاملات، كالأحكام الشرعية بشأن البيع والإيجار والشركة والغش والقمار وما إليها من تشريعات، فإن هؤلاء كمن يريد أن يدرس ويحدّد المذهب الاقتصادي للمجتمع في إنجلترا مثلاً، فيقتصر في دراسته على القانون المدني لتلك البلاد وما يضمّه من تشريعات، بدلاً عن استعراض الرأسمالية ومبادئها الأساسية في حرية التملك والتصرف والاستثمار، وما تعبر عنه هذه المبادئ من مفاهيم وقيم.[19]

ومع تأكيدنا على خلافنا الطبيعي مع الإمام الصدر في بعض القواعد التفصيلية، بل وبعض الأطر العامة فيما ذهب إليه عن المذهب الاقتصادي ۔وهو خلاف مرجعه في الأساس إلى الفروق المذهبية بين الفقه السني والفقه الشيعي۔ فإن ذلك لا ينفي أن الإمام الصدر صنع مرجعية شاملة للاقتصاد الإسلامي يمكن الاعتماد عليها لا من قبل الشيعة فقط بل ومن قبل السنة أيضاً، وليكن على عاتق المفكرين الإسلاميين الفقهاء البنائيين مسئولية إدخال التعديلات على بعض جوانب المذهب الاقتصادي للإمام الصدر ليتوافق مع المذهب السني.

وقبل الدخول في بعض تفاصيل أسباب الهجوم على هذا الإنجاز الفكري الكبير والعمل على تعويق انتشاره، أريد أن أقصّ بإيجاز واقعة عملية لها أبعاد فكرية وسياسية هامة ستلقي بالكثير من الضوء على ما نريد قوله.

عند تطبيق القانون الجديد لإيجاز الأراضي الزراعية في مصر عام 1997، والقاضي بعودة الأراضي الزراعية التي ظلت في يد مستأجريها عقوداً طويلة إلى الملّاك مرة أخرى سارع الإخوان المسلمون في مصر بإصدار بياناتهم في تأييد القانون ۔وللأسف لحقت بهم الجماعة الإسلامية بعد ذلك۔ ولم يتصد لهذا الموقف في بادئ الأمر إلا صديقنا الدكتور محمد مورو رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي، وكان منطلق الدكتور مورو في ذلك أن هذا الموقف يناقض تماماً ما فهمه من دراسته لكتاب اقتصادنا للإمام باقر الصدر، وعندما واجه طوفاناً من الهجوم الشرس باسم الالتزام بقواعد الدين الملزمة بعودة الحقوق إلى أصحابها استدعاني لمشاركته في موقفه ۔وكنت غارقاً في مشاكلي الخاصة۔ وذلك بتأصيل القضية تأصيلاً إسلامياً قائماً على قواعد المذهب السني.

وبعد دراستي لعشرات المراجع الفقهية في المذهب السني التي تتناول الموضوع انتهيت إلى نفس ما فهمناه من كتاب اقتصادنا عن الموضوع.

فالذين نظروا إلى المسألة نظروا إلى وضعها الجزئي منفصلة عن المنظور العام للاقتصاد الإسلامي، بل ومنفصلة عن الواقع الموضوعي الذي ترتبط به والذي اختلفت شرائطه عن الواقع الموضوعي للنصوص التي يستشهدون بها. فمن خلال التراجع الفكري الذي تعيشه الحركة الإسلامية في مصر الآن يمكن النظر إلى المسألة بكل سذاجة كالتالي:

أرض مؤجرة في يد مستأجريها، إذن يجب عودتها إلى مالكيها التزاماً بقواعد عقد الإيجاز وإلا يكون المستأجرون خائنين للأمانة. ولم يتم التساؤل أي أرض تلك التي يتحدثون عنها وكيف كان هؤلاء الملّاك ملّاكاً لها؟ وما هو المنظور الإسلامي للأراضي الزراعية وجواز تأجيرها؟

فالأرض الزراعية في مصر ۔وهي من الأرض التي فتحت عنوة۔ في الأغلب الأعم منها أرض خراجية ملك لمجموع الأمة على امتداد أجيالها، وحق القائمين عليها هو حق انتفاع وليس حق ملك رقبة، وقد ظلت كذلك حتى عصر محمد علي باشا منذ حوالي قرن ونصف من الزمان ثم أعيد تقسيمها ۔دون أدنى علاقة بالشرع۔ في عهده وعهد أولاده على المقرّبين والحاشية وأصحاب النفوذ.

إذن فمن أين شرعية الملكية لهؤلاء الملّاك الجدد، فهذه هي المشكلة التي أرّقت جموع الشعب قبل ثورة يوليو. وكان الإمام حسن البنا(ره) على رأس المنادين بضرورة الإصلاح الزراعي وإعادة تقسيم الأراضي ۔وهو ما كان يمكن أن يتاح المناداة به في هذه الوقت۔ وكان الدكتور مصطفى السباعي ۔المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا۔ أحد المشاركين بالفعل في إصدار قانون الإصلاح الزارعي في سوريا.

ولكن الأمر اليوم اختلف، فعندما كان قادة الإخوان هم المفكرين كان الإرتكاز على قواعد العدالة الاجتماعية في الإسلام، ولكن بعد سيطرة السياسيين۔ محدودي القدرات الفكرية۔ على قيادة الجماعة في المرحلة الأخيرة فإن الاتجاه نحو الليبرالية الاقتصادية هو الذي يحكم توجهات الجماعة، ومن ثم كان هذا هو المنطلق الحقيقي في تأييدهم للقانون.

والإمام المودودي عندما نظر إلى المشكلة في كتابه الأراضي الزراعية في الإسلام، ووجد أن الواقع الآن أبعد ما يكون عن الموقف الشرعي الأصلي إلى الأرض على أنها أراضي خراجية عمل على أن يكون الإصلاح في حدود الاقتراب من هذا الهدف.

وحتى إذا نظرنا إلى المسألة من خلال النظرة الجزئية فكان يجب وضع في الاعتبار أن الملاك عندما وافقوا على تأجير الأرض كان يعلمون عند توقيعهم على العقود أن الدولة أعطت للمستأجرين حق الديمومة على هذا الأرض، فكيف من الممكن أن يتنازل المستأجرون الآن عن هذا الحق دون مقابل؟

المسألة لها تداعياتها الفكرية والفقهية الكثيرة، ولكن ما أردته هنا من سرد هذه القصة هو أمران:

الأول: هو بروز الأهمية البالغة لوجود منظور شامل للاقتصاد الإسلامي يجب النظر إلى القضايا من خلاله، وليس النظر إليها بشكل جزئي. وهذا ما قام ببنائه الإمام الصدر.

الثاني: أن هناك دوافع أخرى غير الدوافع المذهبية والالتزام بالقواعد الفقهية تحدد مواقف بعض الحركات الإسلامية من الأفكار والقضايا في بعض المراحل.

وهذا الأمر الثاني هو ما يدلف بنا إلى الدخول في موضوع الانتقاد غير الموضوعي الذي وجّهه اثنان من الكتّاب، هما أبو المجد حرك ويوسف كمال ۔على صلة معروفة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر۔ لكتاب اقتصادنا للإمام باقر الصدر إلى درجة وصفهما لهذا السجل الشامخ بأنه (يحتوي على أخطاء منهجية قاتلة ونتائج فقهية مضلّلة).

فليس السبب الأساسي في هذا الهجوم هو ما ذهب إليه الأستاذ محمد الحسيني في دراسته (اقتصادنا من وجهة نظر متعسّفة) بعد أن أثبت فراغ محتواه هو الانطلاق من التعصب المذهبي السني.

ولكن هناك سببان آخران ۔بحسب تقديرنا للأمور۔ كانا وراء هذا الهجوم:

الأول: هو التوجه الليبرالي للاتجاه الذي قام بهذا الهجوم وهو الأمر الذي يهدده تماماً توجهات الكتاب التي تعتمد على ركائز العدالة الاجتماعية في الإسلام ومصالح جموع الأمة.

الثاني: وهو السبب الأخطر كثيراً والمراد به العمل على حصار فكر الإمام الصدر بوجه عام، والعمل على إعاقته من الانتشار؛ لأن العمق والشمول الذي يتمتع به فكر الإمام يكشف بصورة فاضحة مدى الخواء الفكري الذي يتملك قيادات هذه الاتجاهات في هذه المرحلة، مما يهدّد مراكزهم ويمثل خطراً شديداً في اجتذاب العناصر الواعية من أتباعهم.

إننا لا نستطيع مثلاً أن نقرر انطلاقاً من المذهب السني الموافقة الكاملة على ما ذهب إليه الإمام الصدر من (ربط الملكية بأساسين فقط هما العمل والحاجة)[20] وكذلك القاعدة التي تقول:

إذا وجد المال المنقول في سيطرة شخص بدون بذل عمل وإنفاق جهد في حيازته لم يكف ذلك في تملكه وظل مالاً مباحاً للجميع.[21]

ولكن ذلك لا يعني بأية حال إنكار فضل هذا الكتاب على أتباع المذهبين الشيعي والسني معاً، وكما قلت سابقاً: على أتباع المذهب السني الاجتهاد في وضع التعديلات المناسبة على الكتاب حتى تتوافق أطروحاته تماماً مع مذهبهم، بل إن الطريف في الأمر أن الإمام الصدر نفسه قد بذل مجهوداً كبيراً في هذا الاتجاه، فكان كثيراً جداً ما يستشهد بالفقه السني في أطروحاته مثلما يستشهد بالفقه الشيعي.

الحديث عن تجاوز فكر الإمام الصدر

أعتقد أنه قبل الحديث عن تجاوز فكر الإمام الصدر كان يجب الحديث عن استيعابه أولاً.

وكما أوضحنا في هذه الدراسة المقتضبة ۔والتي لا تستطيع استيعاب ما نريد إبرازه من المناطق التجديدية الهامة في الإنجازات الفكرية للإمام الصدر۔ فإن المسافات ما بين القائمين على العمل الإسلامي بما في ذلك المفكرين المعتبرين الآن وفكر الإمام الصدر كبيرة للغاية، ومن ثم فإن الحديث عن تجاوز فكر الإمام الصدر هو حديث به درجة كبيرة من السذاجة.

وحتى لا يكون كلامنا على درجة من التعميم المخل نقول: إن هذه الأمة لا تعدم على طول الدهر وجود بعض هؤلاء، ولكن ذلك يحتّم عليهم استيعاب فكر الإمام الصدر أولاً؛ لأن استيعاب هذا الفكر هو المنطق الحقيقي إلى تجاوزه، حيث إن تجاوز الأفكار وتطورها المستمر هو غاية إسلامية يجب تنميتها على الدوام، وهذا هو معنى التجديد في الإسلام.

والمناطق التي تحتّم هذا التجاوز بعد الاستيعاب أولاً هي:

  1. أن الأطروحات الفلسفية التي تواجه العالم الإسلامي الآن لم تعد الفلسفة الماركسية كما كان في عصر الإمام الصدر، وإنما البراجمانية والحداثة وما بعد الحداثة.
  2. أن واقع العولمة الذي تعمل سطوة القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا على فرضه على العالم ۔الذي من بينه عالمنا الإسلامي۔ يفرض علينا الاشتباك مع مفاهيم العولمة الاقتصادية بوجه خاص وتحديد ما هو الثابت والمتحرك في المذهب الاقتصادي الإسلامي الذي طرحه الإمام الصدر حتى نستطيع التعامل مع هذه العولمة.

وأخيراً لا نستطيع أن نقول: إننا حققنا أهدافنا في إبراز القيمة التجديدية المضافة للإنجازات الفكرية للإمام الصدر مقارنة بالمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث في هذه الدراسة المقتضبة، ولكن ربما يشفع لنا فيما قدّمناه هنا هو أنه غاية الجهد الذي تسمح به ظروفنا.

[1]. التفكير، ص 65.

[2]. م. ن، ص 54 ۔ 55.

[3]. م. ن، ص 55.

[4]. فلسفتنا، ص 65.

[5]. الأسس المنطقية للاستقراء، ص 24.

[6]. الرد على المنطقيين، ص 24.

[7]. نظرية المعرفة في ضوء الأسس المنطقية للاستقراء، السيد عمار أبو رغيف، مجلة المنهاج، عدد ربيع 1421، ص123.

[8]. تجديد علم الأصول عند الإمام الصدر، حسن حنفي، مجلة المنهاج، العدد السابق، ص164.

[9]. المعالم الجديدة للأصول، الإمام الصدر، ص48.

[10]. م. ن، ص 43.

[11]. تجديد علم الأصول عند الإمام الصدر، ص167.

[12]. م. ن، ص 168.

[13]. نظرية العمل السياسي عند الإمام الصدر، مجلة المنهاج، العدد السابق، ص227.

[14]. الإسلام يقود الحياة، ص17.

[15]. م. ن، ص 18.

[16]. نظرية العمل السياسي عند الشهيد محمدباقر الصدر، ص235، هامش1.

[17]. أسس الدستور الإسلامي كما وضعها الإمام الصدر، عبدالهادي الفضلي، مجلة المنهاج، ص322.

[18]. م. ن.

[19]. اقتصادنا، ص 342۔343.

[20]. الإسلام يقود الحياة، ص 68.

[21]. م. ن، ص 83.