كلمة السيد القبانجي في ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر قدس سره
بسم الله الرحمن الرحيم… وصل اللهم على محمد وآله الطيبين الطاهرين، بسم الله الرحمن الرحيم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر).
أنتم ونحن الذين نريد أن نكون المثل لتلاميذ السيد الشهيد ونريد أن نمثل مدرسة السيد الشهيد بم نحقق ذلك!، ليس الذي ينتمي إلى هذا السيد الشهيد علمياً أو الذي درس على يديه عشر سنوات أو خمس سنوات أو ستاً ليس ذلك فقط هو تلميذه، وإنما كل الذين ينهجون نهجه في الحياة ويسيرون نحو أهدافه، كل هؤلاء هم أبناء مدرسته حتى وإن لم يروه، حتّى وإن لم يسمعوا كلمة منه، نحن نريد أن نكون المثل لتلاميذ هذا السيد العظيم رضوان الله عليه، ساترك البلاغة والأدب لأنني مهما استعنت بهما فلا أستطيع أن أؤدي حق هذه الذكرى، لا أستطيع أن أصل إلى ما يجب الوصول إليه من حياة هذا السيد الشهيد ومن الدروس التي نأخذها من المطالب كثيرة حقاً والدروس كثيرة حقاً، بعدد ساعات لقائنا مع السيد الشهيد، وبعدد كل يوم من أيام عمره الذي كان يتصاعد نحو الكمال، ويتصاعد نحو التسامي إلى الله تبارك وتعالى، تتجمع في ذهني مطالب كثيرة بعضها مشاعر وبعضها ذكريات ودروس قد نوقف في يوم آخر وأنا الآن لم أكن مستعداً لهذا المجال، قد نتوقف في الحديث عنها في جلسة أخرى في ذهني أن نذكر أيضاً هذه الملاحظة درجة نكران الذات التي كان يتمتع بها هذا السيد العظيم، أولاً تصوروا موقع هذا السيد ومقامه ثم تصوروا خلقه ومواقفه، موقعه وهو يعرف نفسه جيداً والعلماء يعرفون موقعه جيداً، صرحوا بموقعه أم لم يصرحوا، انه الفكر لا على الصعيد الإسلامي فحسب، بل العالمي أيضاً؛ لأننا في عصرنا هذا لم نجد مفكراً بلغ درجة علماء سواء بشهادة العلماء بشهادة المسلمين أو بشهادة مفكري العالم الذين ذهلوا أمام هذه الشخصية، لقد شهد مفكروا المسلمين ومفكرون من أهل الكتاب أو مفكرون من الملاحدة، ونحن نعرف أرقاماً لذلك وأرقاماً لشهاداتهم بفكره العظيم ونابغة عمره، كل هذا كان يعرف، نحن كنا نعرف؛ لكن انظروا إلى درجة نكران الذات التي كان يتمتع بها هذا الشهيد العظيم.
نحن الآن تلاميذ صغار إذا درسنا كلمتين أو مطلبين علميين فسوف يأخذنا شيء من الغرور ومن الكبرياء بحيث لا نتكلم إلا من أعلى ولا نخضع لمن يدرس عندنا في النصيحة أو لا نجلس معه في مقام واحد، طبيعي المثل الإسلامية واضحة لدينا أن رسول الله (ص) كان يجلس في المجلس، ولا يعرف من هو رسول الله من هؤلاء الجالسين لتواضعه في المجلس، هذا نعرفه من سيرة أنبيائنا أنبياء الدين والإسلام ومن سيرة أئمتنا لكن كتطبيق حي من الذي سار على هذا الطريق ومثل هذا الوضع في نكران الذات الحقيقيّة وعلى ما رأينا مثل السيد الشهيد درجة كبيرة في نكران الذات أرقاماً كثيرة نعرفها بعدد أيام السيد الشهيد من درجة نكران ذاته، سواء بالاستماع إلى كلمة أبسط تلاميذه حينما يشكل عليه، وأكثر من مرة قال، وأنا عجبت لذلك وحقيقة اعتبرته درساً منه درساً أخلاقياً أبسط التلاميذ ولكن كان ذكياً اعترض بعد الدرس بإشكال، في اليوم الآتي السيد الشهيد وهو مرجع وهو أبرز المجتهدين ومعروف في الأوساط بأنه أنبغ المفكرين يقول بأي كبرياء: وهنا إشكالان الأول هو الذي تفضل به فضيلة (فلان شخص) وهو أبسط تلاميذه، وقلَّ أن نجد فينا نحن طلاب العلم من يتواضع بهذه الدرجة لاسيما وهو مرجع هو عالم يقول: أشكل فضيلة فلان بهذا الإشكال وهو صحيح ويقر هذا الإشكال ثم يغير رأيه أو شيء من هذا القبيل.
بعض الذكريات تشير كم كان هذا السيد العظيم ناكراً لذاته، أتذكر أيام الستينات والخمسينات في العراق أيام المد الشيوعي الملحد في العراق قام العلماء وأفاضلهم بحملة إسلامية بمد إسلامي مقابل ذاك المد الإلحادي، والحقيقة أن هذا المد الإسلامي الذي خلق تياراً جديداً في العراق وأرعبَ المدَ الملحدَ والمدَ القومي، الذي كان يوم ذاك هذا المد كان كله بنشاط السيد الشهيد وحده؛ ولكن لم يكن يبرز حتى يدخل اسمه.
يوم ذاك كانت جماعة العلماء، وهي التي تصدت للمد الإسلامي في مقابل المد الشيوعي والمد القومي ومقابل حكومة عبد الكريم قاسم وأصدرت مجلة «الأضواء» وأصدرت «رسالتنا» وأصدرت نشرات وقامت باحتفالات وندوات وهزّت العراق من شماله إلى جنوبه، والتقت مع علماء السنة يوم ذاك، هذه الحركة كلها كان السيد الشهيد وراءها، الذي كان عمره يوم ذاك خمسة وعشرين عاماً والذي لم ترض جماعة العلماء بأن يكون عضواً منها؛ لأنّه صغير السن كان أخوه السيد إسماعيل رحمة الله عليه أكبر منه سناً كان هو عضواً في جماعة العلماء أما السيد الصدر لم يكن عضواً في جماعة العلماء لأنّه كان أصغر من في الجماعة هو السيد إسماعيل أصغرهم سناً، والسيد الصدر يوم ذاك أصغر من السيد إسماعيل بكثير؛ لهذا لم يشترك كعضو؛ لكن كل نشرات جماعة العلماء كانت بقلمه كلها عن آخرها كانت بقلمه، «مجلة الأضواء» التي كانت تصدرها كلمة التحرير لجماعة العلماء بقلم السيد الشهيد حتّى عنوان رسالتنا والتي أحدثت ضجة في الساحة لو تذكرون، طبعاً الذين كانوا يوم ذاك يعرفون كم أحدثت هذه الكلمة من تغيير، كانت بقلمه كلمات جماعة العلماء الموجودة في المجلة كانت بقلمه حتى أن بعض جماعة العلماء الذين كانوا يوم ذاك اغتاضوا وأرادوا غلق المجلة؛ لأنّ هذه المجلة يسيرها شخص وليسوا هم وحتى قال السيد الشهيد نفسه في مذكرات موجودة لدينا في مراسلة بينه وبين أحد الأشخاص لكننا استطعنا إقناع جماعة العلماء المتمثلين بالشهيد فلان وفلان وفلان ومجموعة إقناعهم بأنهم هم المشرفون الحقيقيون على هذه المجلة واستمرينا نحن على الكتابة وقرر أن لا يكتب كتابات رسالتنا في المجلة خشية أن تقطع المجلة وان تدرك بحساسيات نفسية لا أكثر ولا أقل.
وأخيراً طبعت أيضاً رسالتنا بشكل مستقل تحت عنوان كتاب رسالتنا تأليف جماعة العلماء وكاتبها هو السيد الشهيد نفسه الكلمة التي كانت للسيد الحكيم رحمة الله عليه وهي أول كلمة تحدٍ لحكومة البعث، أول كلمة كانت تحدياً لحكومة البعث في مجمع حاشد في الصحن الشريف، وجاء البعثيون أيضاً مسلحين وأشرفوا على سطح الصحن والطرقات أيضاً، أنا كنت هناك أيضاً وشاهدنا الحشد العظيم المهم دعا إليه السيد الحكيم وألقيت فيه كلمة باسم السيد الحكيم فيها تنديد بحكومة البعث، ومطالب منهم أن يكفوا عن الجرائم التي اقترفوها، ذاك البيان الذي ألقي باسم السيد الحكيم كان كله بخط السيد الشهيد ويوم ذاك كم كان عمر السيد الشهيد، وتعلمون أنتم الحساسيات الحوزوية التي كانت تعرقل الأعمال لكن استطاع بنشاطه ودأبه وإخلاصه لله وحده وترك كل ذاتية وكل أنانية أن يثبت وجوده وإلى الأخير هو لم يقل في يوم من الأيام ولا أنا سمعت أن الأضواء كنت أنا أصدرها أو رسالتنا كتابتي والبيان ذا لي أبداً ولا سمعنا منه هو إنما سمعنا من غيره هذه الكلمات.
كلية أصول الدين التي كانت في العراق والتي مثلت خطوة جديدة في الجامعات، كانت دروس التفسير بقلم السيد الشهيد، وكان يمليها على السيد محمد باقر الحكيم، والسيد محمد باقر الحكيم في يدرّسها كلية أصول الدين، ودروس الاقتصاد الإسلامي في كلية أصول الدين كان هو يكتبها وغيره يدرّسها، ولم يقل أبداً ولا قال بأنني أنا كتبتها، ومحاضراته في أهل البيت وهي بشهادتي – أنا على الأقل – وقد قرأت كثيراً في التاريخ من هذه المطالب في خصوص تاريخ أهل البيت ولم أجد أفضل منها في دراسة الموقف السياسي لأهل البيت، وقد ألقاها قبل أربعة عشر عاماً لا من أجل تزييف التاريخ وإنّما من أجل التربية على روح المسؤولية وروح الاقتداء بأهل البيت، أصرينا عليه مراراً بأن تطبع باسمه فلم يقبل؛ لأن تلك الكلمات لم تكن تناسب موقع المرجعية من حيث فيها سنّة وشيعة ولهذا حينما تكتب يحس المرجع الشيعي كشيعي وقد يثير بعض حساسيات بعض أبناء العامّة، وهذا ما لا نريده نحن الشيعة ولا ينبغي أن يريده المرجع؛ ولهذا لم يكتب باسمه حفاظاً على المصلحة الإسلامية وكلف غيره بان يطبعها باسمه وطبعت معالم عنها وليست هي نصاً وهي موجودة في بعض الكتب الآن.
هذه في الحقيقة درجة نكران ذات أدركوها بمحاسبة أنفسكم، من منا مستعد أن يؤلف كتاباً وينشر بياناً ويقيم دروساً ويبدع مطالب علمية لها وجود ثم يهبها لغيره! أطبعوها باسمكم من منا مستعد لذا، على مستوى الكلام قد تجدون أن هذه كلمة بسيطة؛ لكن على مستوى العمل من أشق الأشياء أن إنساناً ينكر ذاته بهذا الشكل.
وأمّا مع السيد الخوئي فمواقفه في نكران الذات لا حد لها، فمن أجل أن تحفظ كلمة المرجعية وأن يحفظ الوجود الديني في العراق، مراراً يوصي وكلاؤه الشخصيين المؤمنين به أنه أنتم لا تدعوا لي في الساحة؛ لأن هذا يصير شقاقاً ونحن نريد وحدة الكلمة، ادعوا للسيد الخوئي لا تدعوا لي، أكثر الأموال التي يأتي بها تلاميذه ووكلاؤه المبثوثون يوم ذاك في الساحة العراقية يأتون بأموال تذهب إلى السيد الخوئي؛ لأنه لا يريد أن يكون هو مرجعاً في مقابل مرجع.
وفي الحقيقة بقي على هذا الحال إلى أن رأى أن الوضع الإسلامي والسياسي ينبغي أن يتداركه، وهذا في السنة الأخيرة بعد انتصار ثورة الإسلام في إيران، هو بدأ بعد اليأس من تلك المرجعية، بدأ هو يبادر، وإلا كان حتى في التعطيل وفي بداية الدرس كان لا يريد أن يجعل نفسه مقابل السيد الخوئي مع أنه لو أراد لتحقق.
وأذكر لكم مثالاً أنا حقيقة أتصاغر أمامه، هذا السيد نحن نعرفه في العلم والحقيقة نحن لا نعرفه مقدار ما يعرفه العالم الكافر، فالعالم الكافر يعرفه في العلم أكثر منّا، يعرفونه في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، و في فلسفتنا وفي اقتصادنا يعرفونه أكثر مما نحن نعرفه حقاً، نحن ما نعرفه في مداره العلمي، هذا العظيم في وجوده.
هذه قضية صغيرة لكن انظروا إلى حجم نكران الذات ونفس الوقت انظروا إلى حجم الحساسية التي كانت يوم ذاك طلبوا منه أن يصلي على جنازة وهذا عمل قد يدعو بعضنا إلى أن يستنكف منه لا أن يهواه فقد دعي إلى ذلك وقرر – من أجل أن لا تثار حساسيات ولا يقال هذا يريد التصدي ويريد المرجعية – أن يترك هذا أيضاً، ولم يجلس في فاتحة لأحد إلا لأول تلاميذه الذي توفي رحمة الله عليه السيد عبد الغني، ولم يقال بالمأذنة فاتحة من قبل السيد الصدر أبداً لا آية الله ولا سماحة ولا حضرة، كل شيء هذا متروك كان من أجل أن لا تثار حساسيات، ودعي من أحد الأصدقاء أحد تلاميذه لصلاة الميت على أحد أقاربه اضطر إلى أن يلبي فهذا عزيز، دعي إلى أن يصلي على هذا الميت في الصحن الشريف، استجاب وذهب إلى الصلاة وصلى على الميت، القصة هكذا اتفق أن أحد أقارب هذا الميت وهو الشيخ خالد أبوذر حفظه الله موجود من أحد تلاميذ السيد الشهيد دعا السيد الشهيد للصلاة على هذا الميت، أعمام الميت جاؤوا إلى السيد الشهيد مع أولاد الميت ذهبوا إلى السيد يوسف الحكيم ودعوه إلى الصلاة على الميت لا ذاك يعلم بأن هذا مدعو، وذهب السيد الشهيد لهذه الصلاة – وهي أبسط شيء الذي قد نستنكف منه في الحقيقة – ذهب وصلى هناك، وجاء السيد يوسف الحكيم دخل الصحن وجد أن السيد الصدر قد صلى وانتهت الصلاة فانسحب فوراً ولم يحضر، لا بأس بدون أي شيء أيضاً، نحمل هذا أيضاً على الصحة، كما كان يوصي بذلك السيد الشهيد رحمة الله عليه في قضية قد أذكرها، رجع السيد الحكيم لا أقول كان غير مرتاح متأثر رجع على أي حال إلى البيت أخبر السيد الشهيد بذلك وانّه هكذا كانت القضية وربما كان مغتاضاً بنفسه عصراً ولم يخبر أحداً من تلاميذه لأنّه لو كان يخبرنا جميعاً لم نرضَ بهذا العمل، فبعد الظهر ذهب وحده يمشي في الشارع بكل تواضع وكل بساطة إلى باب السيد يوسف الحكيم في آخر شارع الرسول وطرق الباب للاعتذار مع أنّه لم يذنب ولم يرتكب شيئاً طلبه يريد الاعتذار، خرج إليه ابن السيد يوسف الحكيم السيد صادق الحكيم أنا أعرفه أيضاً قال له ما تريد؟ أنتم اعرفوا من هو هذا الشخص هذا السيد محمد باقر الصدر هذا الذي واقف وراء الباب، قال له أريد أباك هل هو موجود؟ قال له أبي نائم، وأغلق الباب ورجع السيد الشهيد ولم يتحدث بشيء أصلاً حول هذا الموضوع من أجل ماذا من أجل أن ينكر ذاته ويعتذر للحق شعر بأنه قد ارتكب خطأ، وهو لم يرتكب خطأ، وإنما دعي ولم يكن يعلم، ذهب لكي يعتذر من السيد يوسف الحكيم، هذه أخلاقيته.
وأذكركم بهذه أيضاً مرة سمع أن أحد تلاميذه قد انتقد، طبعاً أنا لا أريد أن أذكر الأشخاص فلان وفلان وإلاّ فإنه لا يهمنا وحتّى أن أذكر السيد يوسف الحكيم كقضية لا تحاملاً عليه ولا إعطاء الحق له أو الباطل عليه، كله نتركه لعله كان محقاً وكل منهم كان محق بان شاء الله؛ ولكن انظروا إلى القيمة الأخلاقية التي كان يحملها السيد الشهيد، سمع أن أحد تلاميذه قد انتقد السيد يوسف الحكيم مع أنّه نعلم الحساسية التي كانت في الحوزة أرادت أن تقمع وجود السيد الصدر ولو أتيح لها لأعدمته قبل أن يعدمه البعثيون، تلك الحساسيات التي كانت يوم ذاك ممن لا دين لهم على أي حال لا من السيد اليوسف الحكيم استغفر الله ولا من فلان، ممن لا دين لهم الله يعلمهم، سمع أن أحداً من تلاميذه انتقد السيد يوسف الحكيم في المجلس أنّبه وهو مغتاظ أنّه لماذا تتحدث عن هذا السيد وهذا سيد مقدس (يقصد السيد يوسف الحكيم) ـ يتحدث ـ لا ينبغي لكم أن تتحدثوا ضد فلان أو ضد فلان قناعاتهم شيء ودينهم وقداساتهم محفوظة، والقناعات قد تختلف إلا أن أحدهم دافع قال هذا محق في كلامه، على أي حال المقصود هذا الذي تفضل به الشيخ أنّه لم يسمع منه كلمة غيبة لأحد بل كلمة تجريح في أحد.
أنّ الآهات كانت تمزق قلبه، الآهات للإسلام في الحقيقة وللأهداف التي كان يحملها من أجل تطوير الحوزة وتطوير المرجعية؛ لكن لم يكن يتحدث بشيء وحتّى في الأيام الأخيرة سمعت منه أنا على سبيل الصدفة أيضاً بعدما تفجرت آهاته بعد الانتصار الإسلامي في إيران، قال أنا كنت متأوهاً على أي حال، لكن هذا أي تطوير المرجعية بعدئذ لم يتحقق ولم أجد من البعض استجابة تامة حيث اتفق لسنة واحدة أو اثنتين كانت هناك حملة نسميها بحملة المبلغين والوكلاء التي خرج فيها أكثر الفضلاء في الحوزة للتبليغ وربما لم يبق من تلاميذ السيد أحد إلا وخرج إلى التبليغ، وحتى المستقلين عن السيد الشهيد خرجوا للتبليغ بهذه التحريكات لكن لم يستمر هذا سنتين، انتهى كل شيء بعدئذ لا من البعثيين وإنما منا، لم نسر بهذه التحقيقات وهذه الطموحات فانتهى كل شيء، انظروا إلى درجة نكران الذات إن الدورة العلمية دورة السيد الحكيم لو تتذكرونها من مكتبة النجف يصدرها وهي المدرسة النظامية التي كانت في مقابل الحوزة التي هي مدرسة غير مرتبة فتلك مدرسة مرتبة للتلاميذ، الطلاب العراقيون يدخلون إليها وفي خمس سنوات يكملون الدراسة العلمية ويكونون وكلاء ومبلغين، هذه المدرسة كانت باسم السيد الحكيم لكنها كانت في الواقع تحت إشراف السيد الصدر رحمة الله عليه، تلاميذه هم الذين يدرسون فيها واحد تلاميذه، كان يدرس الاجرومية من أجل تمشية هذا المشروع، وهو مجتهد لكن رضي بان يدرّس الاجرومية من أجل أن يمشي هذا المشروع بسلام.
وفي المدرسة كان يدرس اقتصادنا ويدرس فلسفتنا وتلاميذ السيد الشهيد كانوا حينما توفي السيد الحكيم لا أدري بعد كم سنة انكشف أن هذا العمل في الحقيقة يتجه نحو هذا الاتجاه فأغلقت الدورة لأجل أن لا تتحقق هذه الأهداف، أغلقت وانتهت على أي حال وكان هناك ما كان من أمور عظيمة، بعدئذ السيد الصدر اتفق مع الشيخ مرتضى آل ياسين يفتح دورة جديدة في المساجد ما إن فتحت استمرت شهراً أو شهرين حتى اعتقل البعثيون كل أساتذتها، هذه المآسي التي كان يعانيها مع الطموحات التي كان يحملها، ليس هذا هو المهم، بل المهم الذي يجب أن نتعلمه درجة نكران الذات، أنا حينما أكتب كتباً أو بياناً أو كراساً أتردد أن أنشره باسمي هذا أفضل أم بغير اسمي فلماذا تذوب شخصيتي هكذا نحن، إن نكران الذات من أصعب الأشياء وأشق الأشياء على الإنسان، ينبغي أن نتعلم نكران ذات من السيد الشهيد في كل خدمتنا للإسلام في مجالسنا مهما بلغنا من العلم والأخلاق والتربية والقداسة و المقام الاجتماعي، ونكران الذات هذه القضية الأخلاقية في الحقيقة هي التي تعصمنا من أن نقع في جهنم وعدم حصول هذه الدرجة لغيرنا هي التي ورطت غيرنا في دخول جهنم.
قضية الإمام الخميني حفظه الله والانتصار الإسلامي من الذي جعل فلانا يؤيده وفلانا لا يؤيده ويقف ضد نكران الذات، ربما نسير في خط واحد لكن إن لم ننكر ذاتنا نقع في جهنم؛ لأن الشيطان يأتينا من هذه الأبواب، بمجرد أن انتصر الإمام الخميني كتب له السيد الشهيد نعترف بأبوتكم لنا، وانتم يجب أن تدركوا ما هي العلاقة بين السيد الشهيد وبين الإمام، السيد الشهيد كان في النجف مرجعاً والإمام الخميني كان مرجعاً، على ما اعتدنا علاقة الند للند على ما تعارفنا من علاقات فيما بيننا فهي علاقات المثيل للمثيل، أما علاقة تلمذة يعترف بها بهذا الأسلوب من السيد الصدر فتلك هي التي أدخلته الجنة وأدخلت غيره النار ممن وقف في مقابل الإمام الخميني؛ لأنّه لم ينكر ذاته، حينما نوصي بنكران الذات ليس م أجل التخلق وإنما للعصمة من النار يجب أن نحتوي هذا الخلق، نحن أمامنا مستقبل لا ندري ما هي مواقعنا في المستقبل القريب أو البعيد لكن أمامنا ذاك المستقبل إن لم ننكر ذاتنا ونبني على أن نذوب في الإسلام، وإلاّ فليس ببعيد أن نكون على شفا حفرة من النار ليس ببعيد إن لم ننكر ذاتنا لأن فلاناً هو الذي تقدم وتصدى وأنا شخصيتي أهملت وذابت إذن يجب أن أقف ضده وأحطم الإسلام وأدخل جهنم بعدئذ لأني لم أنكر ذاتي، أمامنا عالم إسلامي وغيره من الآن يجب أن نتعلم على حالة نكران الذات من الآن في مجلسنا في درسنا في علمنا في أخلاقنا وكلامنا من الغير، طبيعي هذا كلام واضح لكن في مجال العمل والأخلاق والتربية أبداً ليس واضحاً، أبداً ليس واضحاً وإنما هو شيء آخر درجة الإخلاص ليست واضحة، أن معرفة الله وذوبان النفس في المصالح الإسلامية شيء آخر قد يقول كل منا ويبرر بل هذه المصلحة الإسلامية هكذا تقتضي لكن الشيطان قد يكون وراء كل ذلك، صعبة جداً حالة ذوبان مصالحنا في مصالح الإسلام ولهذا يجب أن يكون حذرين دائماً.
يجب أن نستمع إلى آخر محاضرة للسيد الشهيد وأروع محاضرة تربوية محاضرته في حب الذات التي كانت آخر محاضراته واستشهد بعدها، وحتى قال بعض الحاضرين في المجلس لأن هذا السيد قد نعى نفسه يوم قال بأن أبي مات وعمره 48 هذه الحدود على أي حال وأنا تجاوزت هذا السن ماذا أنتظر من حياتي وبكى كل المسجد الذي كان مملوءاً بالمئات من الطلبة كانت هذه آخر محاضرة واستشهد طبعاً بعدها، وقال بعض أنه قد نعى نفسه يجب أن نستمع إليها كيف يتحدث عن حب الذات وعن درجة ذوباننا، يقول منا من يوفر نصف ساعة لله من يومه لكن ثلاثة وعشرين ونصف بعدئذ للذات، منا من يحمل ازدواجية ـ طبعاً على المستوى البلاغي والأدبي هذا الكلام لا قيمة له وإنما على المستوى الأخلاقي والتربوي ـ وكان يتحدث من قلبه وأبكى المجلس كله بهذا المثل وكثيراً ما نصح طلاب العلم بأن هذه الدنيا التي كانت بيدكم لا تثاقلوا إليها؛ لأنها ليست دنيا هارون الرشيد دنيا كالدينار نأخذه في أول الشهر والبقية لا شيء لنا من هذه الدنيا، الركض وراء هذه الدنيا التي ليست لنا لنتركه لغيرنا بقطع النظر عن كل أهدافنا وتربيتنا، لكن نحن طلاب العلم لو أردنا الدنيا لاتجهنا إلى الدنيا وكنا تجاراً أو غير تجار أما نحن وقد اخترنا هذا الطريق فلا ينبغي أن نركض وراء الدنيا درجة العصمة في الحقيقة خلقنا ونكران ذاتنا يجب أ ننميه للمستقبل. وهنا قضية ثانية درس آخر والحديث كثير… من هذه الدروس أيضاً نأخذه من السيد الشهيد درجة حمل المسؤولية وحمل هم الإسلام والمسلمين، مئات المرات تمرّض السيد الشهيد فالطبيب وغير الطبيب مئات المرات وفي كل مرة يقول الطبيب أنك مرهق تحتاج إلى الراحة، منا وأنا معكم تمرض في يوم من الأيام لأجل إرهاقه لخدمة الإسلام، ما تمرضنا أما لاستبراد أو حمى أو ما شاكل ذلك أما أن نتمرض لأنا سهرنا الليل والنهار نجمعهما هماً وغماً للإسلام ثم نتمرض، فأنا ما صار عندي ولو ربع هذه الحالة، وإنما عندما أتعب أذهب إلى النوم وأقول بالأسبوع لا بد من يومي تعطيل وراحة، وهكذا منذ كان عمره اثنتي عشرة سنة كان هذا المرض معه ضغط الدم وغيره وكل السبب كان الإرهاق، الإرهاق ليل نهار يكتب، يقرأ، يذهب، يتحدث، يصيح لأجل إحياء هذه الأمة لإحياء الحوزة الميتة التي كانت آخر عمرها ـحوزة النجف ـ كانت آخر عمرها وإحياءها إلى حد استطاعت أن تبقى في مواجهة هؤلاء البعثيين وإلا كانت ميتة أحياها بماذا ! بالسهر، بالعمل الدائب كما قلت لكم لا نحتاج إلى أمثلة ولا إلى أرقام يكفي هذا الرقم أن كل أمراض السيد الشهيد الجسدية كان أساسها الإرهاق، هذا كلام وهو على مستوى الكلام بسيط ولكن على مستوى العمل أظنني لو بقيت عشر سنين أكتب وأؤلف وأقرأ وأدرس لا أصير مريضاً من الإرهاق أبداً، لا أحتاج أقراصاً ولا طبيباً يقول لي عليك بالراحة أبداً هذا معنى انّه كان يحمل هم الإسلام وكما قال الشيخ أنه لم يكن يحمل هم مصالحه الشخصية أبداً. مسالة الطلبة ثقوا وهذه القضية يجب أن نتعلمها، نحن تلاميذه حينما كان يقال له فلان محتاج من الطلبة ثقوا كان يبكي وتسيل دموعه، وليس هذا قليلاً، أنا إنسان قولوا لي أن فلاناً مات ما أبكي قولوا لي فلانا محتاج ما أبكي قد أقول لا حول ولا قوة إلا بالله أما أن أتفاعل مع القضية إلى درجة أن أبكي مراراً كان يبكي حينما يقل له فلان محتاج، يقول أخبروني متى ما وجدتم شخصاً محتاجاً من الطلبة فاخبروني، وطبعاً يجب أن تعلموا أن الأموال التي كانت بيديه لم تكن بمستوى أن يشتري بها فرشا لبيته كان على بساط بيته، وقيل له أكثر من مرة نتبرع لك ببيت قال: لا اقبل ولو تبرعتم فسأجعله مدرسة للطلبة فوراً تبرعوا فسوف أجعله مدرسة، مراراً قالوا له نتبرع بسيارة، قال لا. أما الآن فلو أن أحداً منا يتبرع له بمال بيت بكذا يقبله ويقول هذا تبرع أنا بعد زاهد في الحياة لأنه أنا ما طلبت منه هذا تبرع، الزهد أكثر من هذا، الزهد أن لا نطمع ولا نرغب ولا نهوى ولا نحب من الدنيا، نحن نحب الدنيا قد نبلغ درجة من الزهد نحسب أنها عالية، أقول أنا لا أشتري بيت لكن لو أن إنساناً جاء وأعطاني بيتاً سأقبله فوراً سأدافع عن نفسي وأقول أعطاني بيتاً هدية، هذا البيت هدية، هذه العباءة أو هذا القباء أقول أنها هدية؛ لكن ليس هذا هو الزهد وإنما هذه درجة من الرغبة في الدنيا من الحب في الدنيا وإلا لم أحب شيئاً فينبغي أن أرفضه كما كان يرفض السيد الشهيد، وحمل المسؤولية وحمل الهم.
يذهب إلى لبنان ويومئذ كان بهذا العمر وإلى سوريا ويومئذ بعمرنا وهناك يحمل هم الشيعة والمسلمين ويرفع تقريرات وغيرها للسيد الحكيم يقول له الشيعة هنا هكذا حالهم، وهنا هكذا حالهم هكذا حالهم وقصص كثيرة عن هذه القضايا من الأيام الأولى التي لم يكن السيد الصدر معروفاً فيها في أوساط الحوزة؛ ولكن كان يعمل وكان دائباً في العمل، حمل المسؤولية وحمل همّ الإسلام، الآن نحن نحمل هموم خصوص العراقيين،، الآن نقول وضع العراقيين مأساوي كذا وكذا؛ لكن أظن بالنسبة لي على الأقل أظن 90% بالمائة و95% بالمائة أحتمل هكذا لأنني أنا شخصياً مصاب بهذه المآسي وإلا لو كنت أنا مرفهاً بتمام المعاني ومقامي وشخصيتي نافذة، لا، كنت أقول جيد جداً ولا يوجد هناك أي مآسي، قد أقول هذا بعنوان مصالح إسلامية، العراقيون يحتاجون إلى تربية الحوزة ضائعة قد أقول حتى هنا قد أقول مدرسة السيد الشهيد لا يوجد هنا من يعبر عنها أين تلاميذه، قد أقول هذا لكن لعل مثيراً منها بدوافع شخصية لأنني أنا لم احصل هذا المقام ولم أحصل هذا الجاه ولم يعترف بي في المكان الفلاني، قد أقول رغم أن الظاهر ظاهر إسلامي تعجبك أجسامهم، تعجبنا كلماتنا لكن قلوبنا يجب أن نحاسبها. هذا القلب الذي هو المحاسب، هذا القلب يجب أن نرى درجة النقاوة، كم هي درجة النقاء. في مجلس آخر أو مجالس أخرى، على أي حال قد نتحدث إن كان هناك مجال، نكتفي بهذا المقدار ونقرأ الفاتحة لروحه.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته.