بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم هو السبت السابع من فروردين.. غرة جمادي الآخرة.. الموافق للسابع والعشرين من شهر آذار عام 1981م، ونحن مع سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد نور الدين الأشكوري من أقرب المقربين لشهيدنا الراحل السيد محمد باقر الصدر، ونحن في قزوين وفي بيت سماحته ليحدّثنا عن ذكرياته عن الشهد الراحل.
بسم الله الرحمن الرحيم … الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين، ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين .
يعزّ علي أن أكون حيّاً بعد استشهاد سيدنا وأستاذنا الإمام الشهيد الصدر أعلى الله مقامه وأنعاه وأكون حياً أرزق، وكل تمنياتي كانت بقاؤنا في ظل توجيهاته وعناياته واهتماماته،، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أذكر نبذة عمّا في بالي من حياتي في ظل توجيهات شهيدنا الصدر رضوان الله تعالى عليه ورعايته، كنت قبل أكثر من (25) عاماً في النجف الأشرف، أدرس (كفاية الأصول) عند الأستاذ الشهير الشيخ اللنكراني، وفي ذلك الوقت لم أكن أعلم بسماحة سيدنا الشهيد حتى واجهني أحد إخواننا اللبنانيين وقال لي: أريد أن أدرس معك عند أستاذ مقتدر في الكفاية، هذا الأستاذ له المكانة العلمية العظيمة والمقام الكريم.. فأنا أريد أن أدرس معك عنده، قلت له: وأي أستاذ يكون أحسن من أستاذنا الشيخ اللنكراني وأنا الآن مشغول بدراسة الكفاية عنده ولست بحاجة أستاذ. ألحّ علي أخونا في هذا المجال إلحاحاً شديداً بحيث أُجبرت أنا استحياء، على أن أُلبّي طلبه ولكني كنت مصمّماً على أن أحضر الدرس أياماً ثم اترك الدرس، وقلت له أنا أحضر الدرس فإن لم يعجبني هذا الدرس فسوف أترك الدرس، واشترطت عليه بهذا الشرط وقبلَ مني الشرط، والمهم في القضية هو أنه أنا بهذه الروحية، روحية الانزعاج أن أشرع درس الكفاية عند أستاذ بهذه الروحية، ذهبت معه إلى سيدنا الشهيد.. ذهبنا إلى سماحته وطلبنا منه الدرس عنده، فلبّى طلبنا وشرع في درس الكفاية الجزء الأول، كان الحُضّار في أوائل الدرس، طلاب هذه الحلقة من التدريس أنا وذلك شيالأخ اللبناني وشخص سوري اسمه (الشيخ سعيد) والشيخ (عبد العالي المظفر)، والتحق بعد مدة سماحة حجة الإسلام والمسلمين الحجة المجاهد (السيد محمد باقر الحكيم)، والشيء الجدير بالذكر هو أني في أول جلسة، نسيت كل أساتذتي، وفي أول جلسة من هذا الدرس، صمّمت على أن أترك درسي عند الشيخ اللنكراني، وبكل وجودي انجذبت إلى هذا الدرس وإلى بيان شهيدنا الصدر أعلى الله مقامه، وكتبت الدرس بكل عشق وبكل اهتمام، ثم أتيت بكتابة الدرس إلى شهيدنا الصدر رحمة الله عليه، فسماحة الإمام الشهيد رحب بالكتابة وشوّقني وزاد فيّ تصميماً على أني لا أحضر درس أي أستاذ آخر، هذا في الجلسات الأولى من حضور درس شهيدنا الراحل وهذا لم يتحقق بالنسبة إلى كل الأساتذة الذين حضرت درسهم قبل هذا وبعده.
درسنا إلى أوساط الجزء الأول من الكفاية ثم انتقلنا إلى الجزء الثاني وما انتهينا من الجزء الثاني حتى شرع أستاذنا في الدرس الخارج، وبعد شروع الدرس الخارج بعدة أشهر التقيت بسماحة آية الله الحجة المجاهد السيد كاظم الحائري، التقيته وذكرت له أن لنا أستاذاً في الأصول علميته وتحقيقاته وتجديداته وابتكاراته كيت وكيت، فوصفت له قسماً مما لاحظت من عمق درس سيدنا الشهيد، ومن الجدير بالذكر أن سماحة السيد الحائري وهو شاب في تلك الأيام وهو من أفضل وأبرز طلاب آية الله السيد الشهيد، حدث بالنسبة إليه عين ما حدث لي، فهو لم يلبِّ طلبي دعوته للحضور في جلسة درس أستاذنا الشهيد، وبعد أن ألححت عليه إلحاحاً، قال لي أحضر فترة لأستفيد استفادة ما وأنا أكون على درسي، وبعد أن حضره وأول ما حضر كان بحث الترتب في الأصول، أول ما حضر انجذب إلى الدرس انجذاباً فلم يتركه إلى المدة التي كان في النجف الأشرف إلى أن سُفّر وخرج من العراق، التزم بسماحة شهيدنا، فالمسألة هي مسالة أن إمامنا الراحل كان له جذب من الناحية العلمية ومن الناحية الفكرية ومن الناحية التربوية ومن الناحية العاطفية…. من كل النواحي كان بدرجة بحيث أنه يجذب أي إنسان في أول لقاء وأنا لي شواهد كثيرة على هذا الموضوع فإنه اتفق كثيراً أن شخصاً عالماً من كبار العلماء وأخصّ بالذكر من هؤلاء (آية الله القاضي الطباطبائي التبريزي) الشهيد أعلى الله مقامه، وأذكر الحجة المجاهد السيد (مير محمد القزويني)، وأخصّ بالذكر هذين العلمين فإنهما في أوائل اللقاءات التي كانت بينهما وبين شهيدنا الإمام الراحل انجذبا إلى السيد الشهيد بدرجة بحيث أن اهتمام السيد مير محمد حفظه الله بشأن إمامنا الراحل في أيام حياة الإمام الحكيم رضي الله عنه وأعلى الله مقامه، مشهود وملحوظ عند أصدقائنا وإخواننا الذين كانوا آنذاك، الكل يعرفون بأن السيد الحجة مير محمد القزويني إلى أي درجة كان يهتم بشأن مرجعية شهيدنا الراحل في أيام حياة الإمام الحكيم وأنا أذكر أن شهيدنا الراحل بعد وفاة الإمام الحكيم من جملة الصعوبات عليه إقناع الحجة مير محمد القزويني في عدم المصلحة في تبنّي مرجعية إمامنا الشهيد في تلك المرحلة بصراحة وبوضوح كان شهيدنا الراحل يلحّ على السيد مير محمد القزويني على أنه ليس من المصلحة الإسلامية تبنّي مرجعيتنا في هذه الفرصة من الزمان، إلى هذه الدرجة كانت اهتمامات السيد مير محمد القزويني بشأن مرجعية إمامنا الراحل، وكان يحترمه بالغ الاحترام، وقد لاحظت هذه الناحية من كبار العلماء ومن الشباب وهذا ما لاحظه كل أحد، الشيء الذي لاحظته هو أن إمامنا الشهيد كان يجذب العوام كما كان يجذب الخواص، أنا أذكر أن جملة من المؤمنين النجفيين في أول لقاء لشهيدنا الإمام الراحل كان يعشقه في أول لقاء وفي أول لقاء كان يلتزمه ويعتني بشأنه ويهتم بأمره وهناك جملة من النجفيين هؤلاء لم يخضعوا لعالم في حدود ما اطلعت ولكنهم حينما التقوا في مجلس واحد عند إمامنا الشهد انجذبوا إليه بحيث أنه كان بعضهم إلى حد التعشق بالنسبة إلى شهيدنا بارزة وملحوظة كما ذكرت بالنسبة إلى كبار العلماء.. بالنسبة إلى الطلبة الشباب. بالنسبة إلى الشباب المثقفين والشباب المجاهدين وحتى بالنسبة إلى العوام، من جملة خواص سيدنا الراحل هي أنه كان يهتم بمن يلتقي به أشد الاهتمام، كان يهتم بطلابه من كل النواحي التربوية والفكرية وكان لا يترك مجالاً بتربية طلابه تربيتهم الروحية والمعنوية والفكرية و العلمية، اهتمامات شهيدنا بالنسبة إلى طلابه كما يظهر من بعض رسائله إلى بعض طلابه وأخص بالذكر الرسالة التي هي مُوجّهة إلى أبي محمد علي، حينما تلاحظون هذه الرسالة تجدون فيها شدة اهتمامه بتوجيه طلابه من الناحية العلمية والناحية الفكرية والناحية المعنوية والناحية الروحية.. بكل النواحي كان له اهتمامات بدرجة أنه لا أذكر أستاذاً ولم أر أستاذاً طيلة دراساتي له اهتمام بشأن طلابه كما هي الحال من قبل أستاذنا الراحل أعلى الله مقامه، ولم تكن اهتماماته بالنسبة إلى طلابه خاصة.. كانت اهتماماته بالنسبة إلى كل من يلتقيه كما ذكرت سواء الطلبة الشباب المتدينين والزائرين وسائر الأشخاص الذين يلتقيهم إمامنا الراحل ولو في لقاء واحد، كان له اهتمام بشؤون الطرف المقابل بكل معنى الكلمة وطبيعي أن هذه الاهتمامات إذا أضيفت إلى ذلك النبوغ الذي كان فيه سواءالنبوغ في النواحي العلمية أوالنواحي الفكرية أوالنواحي السياسية أوالنواحي المختلفة، إذا انضمت هذه الاهتمامات إلى ذلك النبوغ فمن الواضح أنه ماذا كانت معطياته بالنسبة إلى الحوزة العلمية وبالنسبة إلى المجتمع الإسلامي في العراق وبالنسبة إلى الحوادث التي جرت في زمانه وبالنسبة إلى متطلبات زمانه وبالنسبة إلى العالم الإسلامي أجمع، إذا انضمت هذه الاهتمامات إلى ذلك النبوغ فطبيعي أن شهيدنا الصدر أعلى الله مقامه كان له الدور الأكبر في كل قضية عراقية إسلامية حوزوية نجفية عالمية ففي كل القضايا كان له حصّة كبرى.
أنا أذكر اهتمامات سيدي الشهيد عندما صارت له إمكانيات العمل للحوزة، أوائل ما صارت له إمكانيات العمل في الحوزة، اهتماماته بالنسبة إلى الحوزة وبالنسبة إلى الفضلاء والمدرسين والعاملين في الحوزة والشباب والطلاب، اهتمامات بالغة كانت، فقد شكّل سماحته تشكيلات متعددة قد يكون أهم هذه التشكيلات، ما أوعزه إلى الحجة السيد الحائري حفظه الله تعالى من تدوين أسماء الأساتذة الذين يمكنهم أن يدرسوا الدروس الأدبية والصرف والنحو والبلاغة والمنطق ومقدمات الفقه والأصول، تسجيل أسماء هؤلاء المدرسين وهذا في بداية الأمر، في أول إمكاناته القليلة التي تمكنّا منها بالنسبة إلى الحوزة، كانت عنده هذه الاهتمامات تسجيل أوقات هؤلاء المدرسين والدروس التي يدرسونها بالفعل وإمكانيات التدريس لهؤلاء المدرسين والاتصال مع الطلاب، والوساطة بين هؤلاء الأساتذة وبين الطلاب لسد احتياجاتهم الدراسية، كما أن اهتمامات إمامنا الشهيد بالنسبة إلى المسائل المادية وهناك إمامنا الشهيد كان له اهتمام بالغ بالنسبة إلى الأساتذة المدرسين الذين لهم اهتمام بالطلبة، كان يهتم بشأنهم المادي وكن يهتم بقضاء حوائجهم المادية وكان يهتم بالمسائل الفكرية في الحوزة ولا يترك فرصة في توعية الحوزة بصورة عامة وبثّ المفاهيم الإسلامية بشكل عام في الحوزة، ولا يترك أي مجال في هذا الصدد، فمن جملة ما تبنى شهيدنا الصدر هو ما اقترح علي من تشكيل جلسة، هذه الجلسة في ليلة من ليالي الأسبوع وصارت في ليلة الخميس، هذه الجلسة تكون جلسة تعزية (تعزية في الإمام الحسين سلام الله عليه) ويحضر في هذه الجلسة أكثر عدد ممكن من أهل الفضل والعلم وغيرهم من الطلاب الشباب ومن مختلف قطعات الحوزة، وبالفعل تشكّلت هذه الجلسة في بيتي في ليالي الخميس وكان هو يحضر هذه الجلسة فكان القارئ يقرأ التعزية ثم بعدُ تُطرح الأسئلة على شهيدنا وكان يجيب على الأسئلة بأجوبة مفصلة ويتعدى الجواب ويتعدى السؤال وسيلة لبث المفاهيم اللازمة الضرورية في الحوزة، وكان يتكلم في مختلف الشؤون التي لم تكن تُطرح آنذاك في الحوزة، كان يتكلم في الشؤون المختلفة الحوزوية والقُطرية والعالمية وكان له اهتمام بالغ بتوعية الحاضرين بمسائل عديدة، هذه المسائل هي كانت تسبق الحوادث دائماً، ومن صفاته أنه كان يستبق الحوادث، ولم تسبقه، وهذه ميزة من مميزات شهيدنا الراحل، اهتماماته بالنسبة إلى تنظيم الحوزة، تنسيق الدراسة في الحوزة وتوجيه الحركة العلمية في الحوزة، اهتمامات عالية كانت، هذا ما يرتبط بالحوزة وأما ما يرتبط بالحركة الإسلامية بعد ثورة (14 تموز)، ثورة عبد الكريم قاسم فأنا في ذاك الحين كنت مسافراً إلى إيران،وتحققت ثورة (14 تموز) وبعد أشهر رجعت إلى النجف ولم أعرف تفاصيل ما جرى في تشكيلة جماعة العلماء وإصدار مجلة الأضواء ونشرة جماعة العلماء وما أشبه ذلك، تفاصيل بدء هذه التحركات لا أعرفها باعتبار أني لم أكن في ذلك الوقت في النجف لكن يظهر من مجموعة كلمات سماحة السيد الشهيد، في أحاديثه معنا والذي يظهر من مجلة الأضواء ونشرة جماعة العلماء، منشور جماعة العلماء ورسالتنا الذي يظهر من هذه كلها أن الروح التي كانت تحرّك كل هذه الحركات إنما هي روح شهيدنا في كل هذه المجالات،أنا أذكر كلاماً لسيدنا الشهيد كان يقول لي: قضيت ليالي إلى الصبح مع فلان وفلان كان يذكر جملة من الكُتّاب الإسلاميين العلماء أكثرهم موجودون الآن، كان يقول أني كنت أقضي لياليي إلى الصبح، فكان يذكر سماحته أني قضيت لياليي إلى الصبح مع هؤلاء العلماء، كان يذكر جملة من العلماء، كل هذه الأوقات في المذاكرة بالنسبة إلى قضايا الإسلام ومشاكل الإسلام وحلول هذه المشاكل، هذا أول دليل على أن سماحته بعد ثورة 14 تموز وبعد هجوم الكفر بكل وسائل المجابهة، هذا شيء واضح عندي كل الوضوح أن سماحته تصدى للكفر بكل مجابهة من المجابهات التي تحققت بعد ذلك ضمن أسماء وعناوين وتشكيلات، وكان سماحته من وراء كل هذه التشكيلات وكل هذه العناوين، فأنا أعتبر شخصياً أن جماعة العلماء في النجف الأشرف كان ينظّمها ويسيّرها ويعطي فكرها وروحها سماحة شهيدنا أعلى الله مقامه، وأنا أتصوّر أن التخطيط الفكري لمجلة الأضواء وتفاصيل حركة مجلة الأضواء آنذاك وكان لهذه المجلة دور كبير في تشييد الإسلام ومجابهة الكفر، أنا شخصياً أعتبر أن حركة مجلة الأضواء كانت تستقي من روح شهيدنا الراحل كما وأني أتصور أن توجيهات الإمام الحكيم رضوان الله عليه بالنسبة إلى المكتبات العامة، وبالنسبة إلى كيفية تحرّك المكتبات العامة فروع مكتبة السيد الحكيم، حركة هذه الفروع ونشاطها وكيفية تحرّكها إنما ذلك كله يستقي توجيهات شهيدنا الراحل أعلى الله مقامه ولا يمكن الشك في أن أطروحة العمل الإسلامي بكل جوانبه ومن جملة جوانبه، العمل التنظيمي، أطروحة العمل الإسلامي كانت أطروحة السيد ولم تكن الأطروحة فقط أطروحة السيد وإنما كانت تفاصيل هذه الأطروحة والفكر الذي يُمثّل أعلى مستوى فكر شيعي في خط الأئمة عليهم السلام، هذا إنما كان من ناحية شهيدنا الصدر أعلى الله مقامه.
من جملة مميزات شهيدنا.. وهذا لا بد من البحث فيه بشكل مستقل لا بهذا الشكل العابر، من جملة مميزاته أنه كان له سخاوة في العطاء، في العطاء الفكري والروحي والتربوي والعلمي بدون أن ينسب هذا العطاء إلى نفسه، هذه مسألة من مميزات شهيدنا التي لا بد من البحث عنها بصورة مستقلة فعندي أرقام كثيرة على أن شهيدنا أعلى الله مقامه طيلة حياته كان له سخاء في العطاء بدون أخذ وكانت له مسائل مع زملائه في درس السيد الخوئي حفظه الله وكانت له مسائل مع زملائه في هذا الدرس، وكانت له عطاءات علمية من الدرجة العالية وكان يُصحّح بعض الكتابات. هذا ما سمعته منه، بعض كتابات جملة من زملائه في الدرس كان يصححها وأحياناً يشطب على الكتابات كلها ويكتب من جديد وذاك الزميل يطبع الناتج باسمه والسيد يسخو بكل هذا ولا يمتنع. عندي قضايا من هذا القبيل سمعتها من نفس الشهيد أعلى الله مقامه، كما أننا لاحظنا بعد ذلك في حياة الإمام الحكيم رضوان الله عليه أنه كان يعمل الكثير، وكان العمل الكثير من السيد الشهيد كله يتم باسم الإمام الحكيم وكان لم يذكر حتى في الأوساط الخاصة اسم لشهيدنا الصدر أعلى الله مقامه، وكان غير ممتنع من هذا السخاء بل كان يزيد سخاء يوماً بعد يوم في هذه العطاءات، والذي أنا متأكد منه أن كل تفاصيل الحركة الإسلامية التي وقفت ضد الكفر وفي وجه الكفر في العراق كله، كل هذه الحركات إنما هي رشحات من فيض شهيدنا أعلى الله مقامه، وكان آنذاك رئيس جماعة العلماء، الشيخ المجاهد مرتضى آل ياسين أعلى الله مقامه وكان الإمام الذي يقود الأمّة هو الإمام الحكيم وكانت الأضواء باسم الشيخ كاظم الحلفي وكان كل عمل باسم شخص والاسم الذي لم يطرح في الساحة، اسم شهيدنا والمحور هو كان في كل هذه الحركات، هذا ما هو واضح لي من مجموعة القرائن السابقة على ثورة 14 تموز واللاحقة لثورة 14 تموز حتى استشهاده رضوان الله عليه، هذه نقطة بيضاء في حياة شهيدنا الإمام الصدر أعلى الله مقامه أنه كان يسخو في البذل دون أن يتوقع أن يُذكر اسمه وفي كثير من المجالات كان ينهى عن ذكر اسمه وكان يمنع منعاً باتاً عن ذكر اسمه، فعلى كل حال هذه نقطة لا بد من دراستها بصورة مستقلة، نقطة وضاءة في حياة إمامنا وشهيدنا الراحل، الشاهد هو أن العلم الإسلامي بكل جوانبه سواء من جانب جماعة العلماء أو جانب منشور جماعة العلماء أو تأليف رسالتنا أو إصدار مجلة الأضواء والحركة التي كانت لمجلة الأضواء كل هذه الحركة، الحركة الإسلامية لولبها هو شهيدنا الراحل رضوان الله تعالى عليه، وهناك دراسة مفصلة عن كيفية تحرك السيد الشهيد، تحريكه للعلماء المجاهدين المفكرين والكتّاب الإسلاميين، هناك دراسة مفصلة لابد أن تُدرس من خلال الأشخاص الذين ساهموا مع السيد الشهيد في هذه القضية، وأنا أنصحكم لو أردتم المزيد بشكل من الأشكال لمواجهة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في هذا الصدد، فهو مُطّلع على كثير من هذه المسائل فيمكنكم أن تستفيدوا منه كثيراً عن هذه المسائل، وإن كان السيد محمد حسين فضل الله أيضاً هو العضد الآخر لشهيدنا في هذه المسائل ولكني أنصحكم بمواجهتهما وخاصة الشيخ محمد مهدي شمس الدين حفظه الله تعالى .
أما ما يتعلّق بطفولته وأيام صباه فلا أذكرها باعتبار أنها مستوجبة لذكر أسماء ولا يمكن ذكر أسماء بالنسبة إلى طفولته فشهيدنا هو يتحدث لنا عن طفولته في أحاديث ذكرت بعض هذه الأحاديث في المقال الذي كتبته في شأن نبوغ الإمام ويمكنكم أن تقرأوا هذا المقال وأن تلاحظوا جانب نبوغه في طفولته أتصور أن هذا الذي سوف أذكره ليس مذكوراً في ذلك المقال، ولذا أنا أذكره وإن كان مذكوراً هناك فهو خير. من جملة ما يذكر هو أنه يقول كنت طفلاً وعمري حوالي (8) سنوات أخذني وليّي (لا أعرف ولّيه هذا من كان، لعله المرحوم السيد إسماعيل رحمة الله عليه) أخذني إلى بعض المشايخ ليدرّسني العقائد فأنا كنت أناقش الشيخ أستاذي في كل ما يقول إثبات وجود الله وكل المسائل العقائدية، كنت أناقشه وحيث أنه لم يكن بالمستوى العلمي بحيث يمكنه أن يجيب على أسئلتي فهو لم يتفهم هذه الأسئلة وذكر لبعض أوليائي أن هذا الطفل سوف يصبح من الملحدين لأنه يشكّك في كل أمر عقائدي.. ومن جملة قضاياه أنه يقول كنت طفلاً وفي ذلك الوقت (هذه الجملة أيضاً قالها) لم أكن بحريتي اتخاذ أستاذ، فأخذني أهلي إلى أستاذ في الكفاية ودرست نصف الجزء الأول من الكفاية وما فهمت منه شيئاً أبداً وبعد ذلك وبعد الانزعاج الشديد من هذا الأستاذ ومن هذه الدراسة، صممت على أن أتابع الدس بنفسي، فجمعت حواشي الكفاية وبدأت مطالعة ودراسة الكفاية مع حواشيها من أول الكتاب واستمررت بالكتاب إلى آخره بهذا الترتيب وعرفت الكفاية.. وعلى كل حال هذا الجانب من نبوغه حيث أنه طفل وهو يريد أن يدرس الكفاية والكفاية هو أصعب كتاب في(السطوح) فيقرأ نبذة من الكتاب عند أستاذه ولا يفهم من الكتاب شيئاً لأن أستاذه لم يكن يفهم فحينئذ يشرع بالمطالعة وبدون أستاذ ويستمر بالكتاب من أوله إلى آخر ويتفهم الكفاية ذلك التفهم الذي يخصّه ولا يوجد عند شخص آخر.. وهناك بعض الأشياء الأخرى مذكورة في ثنايا المقال الذي نشرته عن نبوغه.
شهيدنا الصدر أعلى الله مقامه علاقته بأسرته من الناحية العاطفية، فإنه على كل حال يمتلك من العواطف ما شاء الله بالنسبة إلى أي إنسان، فكيف بأسرته ولكني أذكر بعض الأشياء بالنسبة إلى عائلته من الناحية التربوية .. فمثلا كانت ابنته (مرام) طفلة في تلك الأيام في السنة الثالثة من عمرها، كان السيد الشهيد أحياناً يحدثنا بأنه يريد أن يلهمها مسالة العدو ومسألة ما جرى من العدو على الإسلام والمسلمين فكان يقول أنه أحياناً تمر طائرة وهي تسمع صوت الطائرة وتسأل ما هذا الصوت فكنت أجيبها بأن هذه طائرة إسرائيل جاءت لتقصفنا، وبهذا الترتيب كنت أدرس في ذهن هذه الطفلة العداء بالنسبة للعدو اللدود إسرائيل…. هذه جملة سمعتها منه بهذا الصدد، وجملة أخرى أيضا،ً وذكر هذه الجملة بعدما بدت له مقدمات المرجعية وصار عنده شيء من المال يقسمه بين الطلبة، في يوم من الأيام قال لنا: أني أجعل المبالغ النقدية في دولاب وأحياناً الطفلة مرام تقول بأنه أبي أعطني مثلاً واشتر لنا كذا (فبهذا المضمون أنا لا أذكر النقل لكن الشيء المنقول بهذا المضمون ) كنت أقول لها وأين المال؟ كانت تقول هذه الأموال الطائلة الموجودة هنا هذه الدنانير ( المصفطة)، كنت أقول لها هذه أموال الناس وليس يحق لنا أن نتصرف في هذه الأموال، نحن أمناء على الأموال ويجب علينا أن نحفظ المال ونوصله إلى أهله، وأهل المال الناس والمال ليس مالنا حتى نتصرف فيه كيف ما نشاء. أنا أتذكر في معاملته أسرته معاملة الرسول الأكرم (ص) مع العترة الطاهرة علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن و الحسين سلام الله عليهم، ألاحظ في شهيدنا الصدر ما لاحظته في رسول الله (ص) وأنه كيف كان يشدّ على أسرته وخاصته وهؤلاء العترة الطاهرة الذين كان يوصي بهم تلك الوصايا المعروفة، مع ذلك من الناحية المادية كان يشدّ عليهم أشدّ المعاناة وكان لا يرضى برفاه المعيشة، وبملذات الدنيا وكان يوجّه لهم المضايقات حتى يربيهم التربية الصالحة بحيث أنها تصلحهم لحمل رسالة الله تعالى نفس الشدة، طبعاً لا أنه نفس الشيء ولكن تلك الشدة ألاحظها وألاحظ لمحاتها في مواجهة شهيدنا مع أسرته .. فأذكر أنه في أيام الخميس أنا كنت أذهب من الحلة إلى النجف، وغداؤنا كان عند السيد الشهيد وخاصة طلابه كانوا يجتمعون عنده للتحدث حول مهما الإسلام وهذا بعد وفاة الإمام الحكيم، في ليلة من الليالي أنا جئت إلى بيت السيد الشهيد ولاحظت أن جملة من الإخوان موجودون في البيت، أيام الخميس كنت أجيء إلى النجف وغداؤنا عند سماحته، كنا نجتمع للغداء بخدمة السيد وتصير مفاوضة في الأمور المختلفة المرتبطة بشؤون الإسلام، فجئت إلى بيت السيد الشهيد لاحظت بعض الأخوة هناك وقالوا بأن سماحة الإمام مسافر إلى الكاظمية، بتنا تلك لليلة في بيته ونمنا في فراشه ودخلنا مطبخه وصنعنا الأكل في أوانيه وفي ما تركه، قصدي أني دخلت في ذاك اليوم في كل تفاصيل بيت السيد الشهيد وواجهت وضعاً بحيث أني في اللقاء الذي تحقق بعد ذلك مع السيد ما تمكنت أن أحفظ نفسي فتكلمت بسوء أدب مع سماحته أنه ما هذه المضايقة بالنسبة إلى العائلة؟ وما هذا التشدد بالنسبة إلى العائلة؟ وهذا في الوقت الذي كان هو مرجعاً وفي يديه زمام المسلمين، كنت شديداً في كلامي بحيث أنني خجلت السيد الشهيد وتعرق جبينه من الخجل، وأنا لحد الآن خجلان من روحه المقدسة أن تلك الشدة التي استعملتها مع سماحته إمام الإخوان إخواننا، فبعد ذلك بعد أن هدأت أخذ سماحة السيد يتكلم وخلاصة ما قاله هو أني مسؤول ويجب علي أن أربّي أسرتي وأهلي وعائلتي بالوضع الذي يتناسب مع المسؤولية، هذا خلاصة ما قال .
س: ما الذي شاهدتموه أثناء وجودكم في البيت؟
هذا الشيء لا يحتاج إلى تفصيل على كل حال لاحظت أنه لا توجد أواني ولا فراش، الفراش ممزق، المواعين تالفة مستهلكة ووضع بناء البيت على أن البيت إيجار (البيت بيت إيجار)، لكن وسائل المطبخ ووسائل البيت كانت بدرجة بحيث أنه طالب عادي لا يمكن أن يعيش، أنا لا أعرف تفاصيل علاقته مع والدته وزوجته لا أعرف ذلك، ولكنه أعرف شيئاً واحداً في علاقته مع والدته وشيئاً واحداً في علاقته مع زوجته، أما علاقته مع والدته فلم أر إنساناً عطوفاً مع والدته مثل عطف سماحة الإمام الشهيد على والدته، ولم أر إنساناً يحترم والدته كما عرفت أن سيدنا الشهيد يحترم والدته، هذا بالنسبة إلى والدة السيد.. ملاحظاتي التي كنت ألاحظ تعبيره عن والدته، حينما يذكر الوالدة على لسانه وحينما يسافر وحينما يعيش في البيت فالمجموع كان وضعاً جيداً بحيث أن هناك أرقاماً على هذه المسألة، لا بذلك المعنى لأن الاحترام هو تعبيرات، هذه التعبيرات كنا نلاحظها والعواطف هذه أيضاً نحو ذلك الارتباط الذي ينبغي ملاحظته وفي صنعه عندما يسافر.. عندما يقدم على شيء ما إلخ.. واحترامه احترام بالغ بالنسبة إلى زوجته لا كبقية الزوجات، هي شريكة في مهامه وفي تحمّل المسؤوليات أيضاً، لاحظت أنه يفاتح زوجته في جملة من المسائل، وسفرات زوجته إلى إيران (هذا في الحدود التي أنا لاحظتها) سفرات زوجته إلى إيران في الوقت الذي أنا سُفّرت وأخرجت من العراق كنت في إيران، سفرات رسالية لا سفرات ترفيهية، وكانت تحمل رسالة الإسلام من قبل زوجها الكريم إلى شخصيات وكانت تواجه الشخصيات وتتفاوض مع الشخصيات في المسائل التي حملها زوجها الكريم. هذا شيء لاحظته وفي علاقته مع أمّه حسب ما هو قال، هذا شيء.. مسألة علاقة شهيدنا الصدر مع العلوية (بنت الهدى) رضوان الله عليها، هذا شيء خفي علي أيضاً ولا أعرف تفاصيل في هذا الصدد،ولكنني لاحظت بعض الأشياء من أهمها أنني لاحظت من خلال كتابات بنت الهدى، كُتُبها ونشاطاتها وتبنياتها بالنسبة إلى البنات المؤمنات، لاحظت سير عملها وتحركها صيغة مصغرة لشهيدنا الصدر أعلى الله مقامه، هذا شيء لاحظته فيها فهي على ما تراءى لي، تربت في مدرسته وكانت من أفضل طلاب هذه المدرسة وحملت أعباء هذه المدرسة وتحملت مشاكل هذه الرسالة بكل معنى الكلمة، والشيء الآخر الذي لاحظته في علاقته مع العلوية بنت الهدى هو أنه كان يحترمها احترام العالم الكبير وكان ينظر إليها النظرة إلى العالم الكبير وكان يتعامل معها لا كتعامل الأخ مع أخته بل هو تعامل عالم لعالم، هذا الشيء الذي لاحظته في مجالات مختلفة في تعامله مع الشهيدة بنت الهدى رضوان الله عليها.