مقابلة مع السيد محمد باقر الحكيم2

مقابلة مع السيد محمد باقر الحكيم2

بمناسبة أسبوع الشهيد الصدر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا وقائدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين…

يسرّ وحدة الإعلام في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق أن تلتقي بسماحة حجة الإسلام محمد باقر الحكيم، الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وتلقي عليه جملة من الأسئلة بمناسبة مرور أسبوع الشهيد الصدر رضوان الله عليه، نرجو التفضل بالإجابة عليها مشكوراً.

نُرحّب بسماحة السيد..

س: ما هي طبيعة النشاطات التي قام بها السيد الشهيد رضوان الله عليه على المستوى الفكري؟

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، لقد أظهر السيد الصدر رضوان الله عليه مجموعة من النشاطات الفكرية تشمل مجمل العلوم الإسلامية، بعض هذه النشاطات ترتبط بالشريعة الإسلامية  وبعضها يرتبط بالفلسفة الإسلامية وبعض هذه النشاطات الفكرية ترتبط باستنباط النظريات الإسلامية التي تختفي وراء مجموعة الأحكام الشرعية، وقد كان هناك إبداعات وأطروحات للسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في مجمل هذه النشاطات، فعلى مستوى الشريعة الإسلامية إن السيد الشهيد الصدر تمكن من استنباط النظرية  الإسلامية للاقتصاد، ووضع الأسس الفكرية لهذه النظرية، وقارن بينها وبين النظريات التي يعرفها العالم هذا اليوم، من قبيل النظرية الاشتراكية والنظرية الرأسمالية، وناقش تلك النظريات وأثبت سلامة النظرية الإسلامية وصحتها في هذا المجال، كما أن للسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه نشاطات واسعة في المجال الفلسفي، حيث تمكن أولاً من مناقشة المذاهب الفلسفية المعروفة كالمادية الديالكتيكية والمثالية،  وثانياً تمكّن من وضع الأسس المنطقية للاستقراء، هذا الدليل الذي يتبعه العلماء التجريبيون في مختبراتهم من أجل التوصل إلى النظريات العلمية والتجريبيون،  تمكن السيد الشهيد الصدر من خلال وضعه للأسس المنطقية للاستقراء، أن يستخدم نفس الطريقة التي يستخدمها العلماء التجريبيون في اكتشافاتهم أن يستخدم هذه الطريقة في مجال الاكتشاف في الفقه والأصول وكذلك في علم الكلام، حيث تمكّن من إقامة الدليل والبرهان على وجود الله سبحانه وتعالى بنفس الطريقة التي يتبعها العالم التجريبي في استدلاله على الظاهرة الكونية المعينة التي يُجرّبها في المختبر، وكان هذا في الحقيقة من أعظم الكشوف العلمية التي تمكّن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه من التوصّل إليها، أما إننا فنلاحظ وعلى مستوى علم الفقه والأصول، أن السيد الشهيد الصدر تمكن أيضاً من وضع مجموعة كبيرة من القواعد الأصولية والفقهية التي تساعد الفقيه على استنباط الحكم الشرعي، وفي علم الاجتماع تمكن السيد الشهيد استكشاف مجموعة من القوانين التي تتحكم في التاريخ والتي يمكن استنباطها من القرآن الكريم وتصوّر النظرية القرآنية في علم التأريخ ومجريات الأمور، وهذا المجال من البحث  ـ وهو مجال علم التاريخ وعلم المجتمع ـ وإن لم يؤلف فيه السيد الشهيد الصدر كتاباً مستقلاً، هذا الكتاب الذي كان أيضاً أحد طموحاته أن يكتبه بشكل مستقل وهو كتاب مجتمعنا إلا أنه يمكن أن نتعرف على معالم هذا الكتاب وعلى الكثير من فصوله من خلال الدراسات والكتابات المتعددة التي قام بها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في مختلف المناسبات كما هي الحال في سلسلة كتيبات (الإسلام يقود الحياة) وفي المحاضرات التي ألقاها رضوان الله عليه في التفسير الموضوعي وفي بعض الكتابات التي كتبها  للتدريس في كلية أصول الدين وما كتبه أيضاً في المدرسة الإسلامية، وهذه الكتابات في الحقيقة تمثّل توجّهاً للسيد الشهيد الصدر في اكتشاف قوانين تتحكم في التأريخ  وفي المجتمع، ومجمل التوجيهات التي قام بها فكرياً السيد الشهيد رضوان الله عليه،  وكان لها أثر كبير في الساحة السياسية الإسلامية فضلاً عن المجال الفكري الإسلامي، ومن خلال كتاباته رضوان الله عليه، عُرف السيد الشهيد الصدر كأعظم كاتب إسلامي في العَقد الأخير، وحظي بإعجاب واحترام مجموعة كبيرة من العلماء الإسلاميين وغير الإسلاميين الذين اطلعوا على مؤلفاته وكتاباته.

س2: سماحة السيد هل تعرفون آثاراً غير مطبوعة للشهيد؟

هنالك للسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه مجموعة من المؤلفات غير المطبوعة من جملتها المؤلف المعروف الذي كتب فيه دورة كاملة بعلم الأصول وألفه في ريعان شبابه، أي في الفترة ما بين سنّه في الثامنة عشر إلى سنّه في الثالثة والعشرين وهو كتاب (غاية الفكر) والذي طبع جزءاً صغيراً منه يتناول مباحث العلم الإجمالي كما أن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في الأيام الأخيرة كان يعدّ لكتابة كتاب في العقيدة الإسلامية، ولا نعرف ماذا حصل لهذا الكتاب.

س3: سماحة السيد، للشهيد مواقف رسالية معروفة على صعيد الثورة الإسلامية في العراق، هل لكم أن تحدثونا عن هذا الجانب؟

الشهيد الصدر رضوان الله عليه يمكن أن نعبّر عنه أنه واضع الأسس الفكرية والأطروحات التنظيمية للحركة الإسلامية في العراق، كما أنه يمكن أن نقول عنه مفجر الثورة الإسلامية في العراق، أما أنه الواضع للأسس الفكرية والتنظيمية للحركة الإسلامية في العراق، فلأن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه من خلال مؤلفاته والنظريات التي استكشفها من الشريعة الإسلامية، والتي تتناول مختلف جوانب الحياة، وكذلك تصوراته عن الحياة وشمولية الإسلام لكل مناحي الحياة، وتسجيل هذه التصورات في نقاط محددة ورؤى مُشخّصة، كل هذه الأعمال تُعبّر عن وضعه للأسس الفكرية للحركة الإسلامية في العراق، وأما أنه هو الواضع للأسس التنظيمية للحركة الإسلامية في العراق، فباعتبار أن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه أولاً هو الذي تمكن من وضع  أطروحة المرجعية الصالحة والتي كان يعبّر عنها بالمرجعية الموضوعية، باعتبار أن السيد الشهيد كان يرى أن القيادة في الأمّة إنما هي للفقهاء العارفين بأحكام الشريعة والخط الذي ورثوه عن الأئمة سلام الله عليهم والأنبياء، هذا الخط الذي يمثّل محوراً قيادياً في الساحة الإسلامية ؛ وعلى أساس هذا المقصود وضع أطروحة المرجعية الصالحة التي تبيّن النقاط الاستراتيجية العملية التي يسير عليها هذا الخط وبالإضافة إلى ذلك نجد أن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه يوجَد لديه تصوّر كامل عن دور التنظيمات السياسية في الساحة الإسلامية وعلاقة هذه التنظيمات بالقيادة المرجعية من ناحية، ودور هذه التنظيمات في الأمّة من ناحية أخرى، هذه التصورات كلها حُدّدت من قبل السيد الشهيد الصدر ووُضعت أسسها الفكرية والتنظيمية، وأما أن السيد الشهيد الصدر  رضوان الله عليه مُفجّر الثورة الإسلامية فلأن السيد  الشهيد من خلال مجمل المبادرات التي اتخذها في التحرك الإسلامي في العراق، وكان آخرها المبادرة  الثورية التي دعت السيد الشهيد الصدر إلى اتخاذ القرار بالتحرك  في إسناد قيادة الإمام الخميني  وإسناد الثورة الإسلامية في إيران وإسناد الجمهورية الإسلامية في إيران ودعوته لأبناء الشعب العراقي أن يقف بصمود وقوة في مواجهة الطغيان العفلقي ببذل التضحيات وتحرير إرادة المحرومين والمستضعفين وإقامة حكم الله في الأرض في سبيل هذه الأهداف المقدسة، كان لتحرّك السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه أثر كبير أدى إلى تفجير الثورة، وبالتالي تصاعد الثورة إلى المرحلة التي وصلت إليها وهي المرحلة الأخيرة من مراحلها.

س4: سماحة السيد، تفضلتم ووضحتم لنا دور السيد الشهيد قدس سره في قيادة الثورة الإسلامية في العراق .. كان للسيد الشهيد مواقف معلومة وجريئة في نصرة الثورة الإسلامية في إيران ونعتبر هذه المواقف جزء من الدور الأساس لأن الثورة الإسلامية كما نعلم واحدة، هل لكم أن تحدّثونا عن مواقفه في دعم الثورة الإسلامية في إيران، وما أثر تلك المواقف على توعية الجماهير وفتح أذهانها على تلك الثورة المباركة، وما هي أبعاد ما اشتهر على الألسنة بالتداول نقلاً عنه: (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام)؟

السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه كانت له مبادرات ومواقف عديدة في نصرة الثورة الإسلامية، ومجمل هذه المبادرات والمواقف هو أنه جعل كل طاقاته وقدراته وإمكاناته تحت تصرف الثورة الإسلامية وقيادة هذه الثورة المتمثلة بالإمام الخميني حفظه الله تعالى، حيث أرسل السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه ممثلاً له بعد انتصار الثورة ليبلغ الإمام الخميني حفظه الله تعالى أنه على استعداد لأن يجعل كل الطاقات والقدرات والإمكانات التي يملكها في خدمة الثورة وخدمة قيادة هذه الثورة، والرؤية التي كان يراها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه من خلال  هذا الموقف هو أن قيادة الثورة المتمثلة بإمام الأمّة حفظه الله ليست هي قيادة لشعب معين من شعوب العالم الإسلامي وإنما تمثّل هذه القيادة، قيادة للأمّة الإسلامية، وكان يرى بأن المرجعية الدينية التي جسّدها الإمام الخميني حفظه الله تعالى في سلوكه وجهاده،  هذه المرجعية لها الدور الأساسي في قيادة الأمة  الإسلامية في مواجهتها مع الاستعمار العالمي من ناحية، وتحرير إرادة الإنسان المسلم من ناحية أخرى، ودفع الظلم والحرمان عن بني الإنسان وتحقيق أحكام الإنسان، هذه الرؤية هي التي جعلت السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه يتجه هذا الاتجاه، وهو لم يُظهر فقط استعداده لجعل الطاقات والإمكانيات في خدمة الثورة الإسلامية وقيادتها، بل أيضاً جسد هذا الاستعداد في مواقف محددة ومُشخّصة، فمثلاً على الجانب الفكري نجد السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه يبادر إلى كتابة مشروع دستور الجمهورية الإسلامية ويبعث هذا المشروع إلى قيادة الثورة الإسلامية عندما كانت الثورة تُفكر في وضع دستور لهذه الجمهورية، ونجد بعد ذلك أن النتائج التي توصّل إليها مجلس الخبراء في الجمهورية الإسلامية تشبه إلى حد كبير الأطروحة التي وضعها السيد الشهيد الصدر، يعلن أولاً تأييده ودعمه للجهورية الإسلامية، ويأمر جماهير المسلمين في الارتباط بقيادة هذه الجمهورية وهذه الثورة ويوجه نداءه إلى طلابه ومريديه ومحبيه في أن يذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام، وبعد ذلك يصمد مع هذا الموقف بالرغم من مجموعة التهديدات التي واجهها في مجال زحزحته عن موقفه، هذا حيث نحن نعرف أنه عندما اعتقل السيد الشهيد أول مرة،أُخذ إلى بغداد كانت إحدى الطلبات التي وجّهتها السلطة الغاشمة للسيد الشهيد الصدر وهددته بالموت والشهادة إذا لم يُلبّ هذه الطلبات، كانت إحدى هذه الطلبات هي قطع التأييد وإيقاف  تأييد  وقطع رابطه بالإمام الخميني، وكان موقف السيد الشهيد واضحاً في الاعتقال حيث ذكر بأن العلاقات بيني وبين الإمام الخميني ليست  علاقات سياسية وإنما هي علاقات دينية نابعة من الإيمان بمرجعية هذا الإنسان، وأن هذه العلاقات علاقات مرجعية ولا يحقّ لأي سلطة  في العالم أن تتدخل فيها، وحدّد هذا الموقف بشكل واضح واستمر على هذا الموقف إلى أن نال هذه الدرجة الرفيعة من الشهادة.

وأما بالنسبة لمستوى الدعم والموقف العسكري نجد أن  الشهيد الصدر رضوان الله عليه يعلن بكل صراحة أنه إلى جانب العمل وجانب الكفاح المسلح والعمل العسكري المسلح وإلى جانب التضحية بالدم من أجل الإطاحة بالطاغوت وإقامة حكم الإسلام وترسيخ دعائمه في العراق الحبيب، ومن الواضح أنه عندما يقوم حكم الإسلام في العراق تصبح الثورة الإسلامية العالمية أكثر قدرة وأكثر إمكانية في مواجهة المؤامرات التي تُحرّكها الامبريالية العالمية في ضرب الثورة وفي اضطهاد شعوب العالم الإسلامي واستثمار قدرات هذا العالم لصالح الامبرياليين  ولصالح القوى العظمى، هذه المواقف كلها جسّدت حقيقة رؤية السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه للثورة الإسلامية ولقيادة هذه الثورة .

س5: سماحة السيد، ما هو موقف الشهيد الصدر رضوان الله عليه من التفرقة المذهبية وما هو موقفه  من الوحدة الإسلامية؟

إن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه كان يرى بأن الآلام والآمال التي يعيشها المسلمون واحدة وأن طموحاتهم واحدة وأن التفرقة المذهبية التي وجدت في بعض مناطق المسلمين  عندما كانت من صنع الاستعمار، استغلتها الأيدي الأجنبية من أجل إيجاد التفرقة بين صفوف المسلمين  وإضعافهم، وقد كان السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه يتحرك في الساحة الإسلامية العراقية بدقة ومن الموقع الإسلامي ولا ينتمي إلى الحالة المذهبية ولذلك نجد أن السيد الشهيد الصدر  عندما يوجه نداءاته إلى أبناء الشعب العراقي يخاطب السني كما يخاطب الشيعي ويقول للأخ السني أني معك ومسألة الموقف الإسلامي الشيعي إنما يكون شيعياً إذا كان مع الإسلام والسني يكون سنّياً وعلى سّنة رسول الله إذا كان مع الإسلام، و السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه معهما على حد سواء ماداما على طريق الإسلام وإلى جانب الإسلام، فكان ينظر إلى أن قضية المذاهب ليست قضية مؤثرة في الموقف العام تجاه القضايا الإسلامية الأساسية وأنه يمكن أن يُقام حكم إسلامي واحد يجمع بين كل هذه المذاهب دون حيف لواحد منها على حساب المذهب الآخر، لأن القرآن الواحد يجمعهم والكعبة الواحدة تجمعهم وشهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تجمعهم والشريعة الإسلامية في نقاطها الأساسية تجمعهم جميعاً عليها وهكذا.. هناك نقاط كثيرة جداً حيث يمكن أن تشكّل هيكلاً اجتماعياً وأساساً لذلك الهيكل الاجتماعي تجمع بين كل أبناء هذه المذاهب ولا ضير أن يختلف هذا الإنسان من المسلمين مع ذلك الإنسان الآخر من المسلمين في بعض الاجتهادات المرتبطة بالشعائر الإسلامية وكيفية ممارسة الصلاة أو الصوم لأن هذا الاختلاف لا في الأساس ( في أساس المجتمع) ولا في الهيكل الاجتماعي العام وفكرة الولي الفقيه الجامع للشرائط الذي يكون حاكماً بين المسلمين، هذه الفكرة يتبناها السيد الشهيد الصدر  وتتبناها الثورة الإسلامية، هذه الفكرة أيضاً يتفق عليها  المسلمون جميعاً، فالمسلمون في مذاهبهم جميعاً يتفقون على أن المجتهد العادل الجامع للشرائط العارف بالأمور السياسية ( أي أمور إدارة شؤون الأمّة) هذا الإنسان يمكن أن يكون هو الولي لأمورهم وان يولّوه على كل شؤونهم، هذه الفكرة أيضاً فكرة تجتمع عليها المذاهب ويمكن أن تجتمع عليها كل المذاهب الإسلامية، ومن هنا فالسيد الشهيد الصدر اهتم بشكل خاص في إيجاد الوحدة بين المسلمين في العراق وهو يرى بأن العدو الذي يضطهدهم ويستثمرهم ويفرض الذل والظلم عليهم هذا العدو ليس صديقاً للسُنّي في مقابل الشيعي ولا صديقاً للشيعي في مقابل السُنّي وإنما هو عدو لهما جميعاً، يحاول أحياناً أن يقف إلى جانب هذا من أجل أن يضرب ذاك لا من أجل هذا إنما من أجل أن يضرب ذاك أو يقف في جانب ذاك من أجل أن يضرب هذا لا لأنه في جانب ذاك..فالمسألة مسألة فرض الهيمنة والسيطرة من قبل الامبريالية ومن قبل الأعداء ومن قبل الطغاة والعملاء، وفي مقابلها مسألة المسلمين الذين هم جسم واحد وجسد واحد وجماعة واحدة ولهم مصلحة واحدة وآمال وأهداف واحدة.

س6: سماحة السيد، الشهيد الصدر باعتباره قائداً تاريخياً ترك بصماته الواضحة على مسيرة التاريخ، ما هو دوره في بناء وإنماء الحركة الإسلامية على مستوى العراق والعالم؟

ذكرت في جواب بعض الأسئلة السابقة أن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه كان يُعتبر هو الواضع للأسس الفكرية والتنظيمية للحركة الإسلامية في العراق، وهذه الأسس الفكرية التي وضعها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه للحركة الإسلامية في العراق ليست محدودة في الحدود الجغرافية للعراق باعتبار أن هذه الأسس مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية، أي أنها مستنبطة من الرسالة الإسلامية والشريعة الإسلامية ويشترك فيها المسلمون في كل مكان ومن هنا كانت لمؤلفات السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه أثر كبير في حركة الثورة الإسلامية العالمية واستفاد منها كل الإسلاميين في كل من أنحاء العالم الإسلامي.

س7: سماحة السيد، نحن نعلم أن لسماحتكم صلة خاصة مميزة مع المرجع الشهيد فما هي ذكرياتكم عنه قدس سره؟

هناك في الواقع ذكريات كثيرة ذلك لأني عشت إلى جانب السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه فترة (حوالي ثلاث وعشرين سنة) وهذه الفترة الطويلة التي عشتها إلى جانبه كانت زاخرة بمختلف الحوادث والذكريات وهذه الحوادث والذكريات التي لها طابع مختلف أيضاً، أي أن بعضها له طابع شخصي وبعضها له طابع علمي وبعضها له طابع سياسي وجهادي هناك ذكريات كثيرة عشتها مع السيد الشهيد الصدر وفي الأيام الأخير لحياة السيد الشهيد الصدر، كانت لي ذكريات بالرغم من أنها مؤلمة وقاسية باعتبار ما كنت أحسّه من ألم وعذاب عندما أدرك أن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه محاصر في داره وبيته وهو ممنوع عن ممارسة واجباته ومسؤولياته الملقاة على عاتقه تجاه الأمّة بالرغم  من أنها كانت مؤلمة وقاسية  ولكن مع ذلك  كانت هذه  الذكريات مثيرة للإعجاب والتقدير والاحترام فإن الفترة القاسية التي مرت بالسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في احتجازه  في داره، كانت مليئة بمواقف الصمود والتحدي والإصرار على الموقف السليم الذي كان يتبناه السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه، من جملة هذه الذكريات أن النظام العفلقي الحاقد حاول أن يستعمل أسلوب الإغراء مع السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في مقابل أسلوب التهديد الذي لم يجد ولم يثمر حيث أن حكومة العفالقة هددت السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه عدة مرات ولم يفلح هذا التهديد ولم يجد شيئاً فحاولت أن تتتبع الأسلوب الآخر فأرسلت إليه شخصاً مأجوراً من أجل أن يتحدث إلى السيد الشهيد الصدر ويمنيه بالجاه العريض وبالعزة الدنيوية المصطنعة وما أشبه ذلك من الأمنيات التي لا يعرفها إلا أولئك الذين ضلوا الطريق، حاولوا عن هذا الطريق أن يغروا السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه ومنّوه أن يكرسوه مرجعاً بين كل العرب المسلمين وأرادوا أن يصنعوا منه وجوداً في مقابل الوجود الإسلامي الصحيح ورفض السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه رفضاً باتاً لهذا الإغراء وكان يدرك أن وراء هذا الرفض الشهادة ولذلك كتب رضوان الله عليه بعد رفضه لعملية الإغراء هذه كتب (أني صممت على الشهادة  واني أدرك قرب نهايتي) وكان يحمّلنا المسؤولية في مواصلة الدرب الذي خطّه ومواصلة الطريق الذي شقّه لنا رضوان الله عليه،  وهذه المسؤولية طبعاً ليست مسؤولية أفراد وأشخاص معينين  وإنما هي مسؤولية كل أبناء الشعب العراقي المسلم، فأبناء الشعب العراقي المسلم لا بد لهم في مثل هذه الذكرى أن يدركوا المسؤوليات التأريخية التي حمّلها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه لهم ومن فوقه الله سبحانه وتعالى، فالسيد الشهيد الصر رضوان الله عليه لم يُقتل من أجل جاه أو من أجل سلطان أو من أجل منصب وإلا فقد منّوه بالجاه والسلطان والمنصب وإنما قُتل واستشهد من أجل المحرومين والمستضعفين من جماهير أبناء العراق المسلم ومن أجل مواجهة الطغاة والمجرمين الذين يتحكمون الآن في رقاب أبناء الشعب العراقي المسلم وقد كان السيد الشهيد الصدر يدرك وبالنور الذي منحه الله سبحانه وتعالى إياه، كان يدرك أن هذا النظام المجرم العفلقي إذا بقي على دست الحكم في العراق فسوف يهلك الحرث والنسل وسوف يريق الدماء أنهاراً وسوف  يجعل من كل بيت من بيوت العراق دار حزن ودار تعزية ودار ثكل ويتم، هذه الحقيقة كان يدركها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه وأراد أن يُخلّص العراق من هذه المأساة التي كان يعيشها العراق والتي كانت في تصاعد مستمر، وبذل دمه الزكي في سبيل هذه القضية، ومن هنا يجب على كل العراقيين أن يستجيبوا لنداء السيد الشهيد الصدر الذي سجّله بدمه الزكي وأن يسيروا في دربه وفي طريقه حتى تتحرر إرادتهم من العبودية التي فرضها عليهم صدام المجرم وحتى  يقيموا حكم العدالة الإلهية، حكم الإسلام ويحققوا لأنفسهم العزة والكرامة.

س8: الحديث عن الشهيد الصدر رضوان الله عليه حديث ذو شجون ونحن نعيش هذه المناسبة الجليلة .. سماحة السيد، بماذا توصون شعبنا المجاهد في العراق؟

ذكرت الآن في حديثي وصية عامة لأخوتي وأعزتي أبناء الشعب العراقي المسلم وفي هذه المرحلة أريد أن أنبه هؤلاء الأخوة إلى أن النظام المجرم الحاكم  في العراق (نظام العفالقة) أصبح نظاماً ضعيفاً متهاوياً متهالكاً بفضل الدماء الزكية التي أراقها السيد الشهيد الصدر وأخته المظلومة العلوية بنت الهدى وكل الخيرة الأبرار  الذين ساروا على هذا الطريق، بفضل هذه الدماء أصبح النظام نظاماً ضعيفاً ومتهالكاً ويحتاج إلى توجيه ضربة قوية من أبناء الشعب العراقي له حتى يسقط هذا النظام ويذهب إلى الجحيم إلى الأبد وبذلك يتمكنون من أن يحرروا أنفسهم ويقيموا حكم الإسلام، فعلى أبناء شعبنا في العراق كلا بحسب إمكاناته وما يمكن أن يقدم من بذل وعطاء، على كل واحد منهم أن يقوم ولو بالعمل البسيط الجزئي فإن هذه الأعمال البسيطة يمكن لكل واحد منهم أن يقوم بها إذا تراكمت وتجمعت تصبح سيلاً جارفاً يجرف هذا النظام المجرم إلى مزبلة التاريخ.

فعلى أبناء شعبنا في العراق، على إخوتنا، على أحبتنا في العراق أن يلتفتوا إلى هذا الواقع الذي يعيشه النظام ويقوموا وينهضوا ويبذلوا ما تحت أيديهم من قدرات وإمكانات من أجل الإطاحة بهذا النظام وتخليص أنفسهم وأخوتهم من ظلمه وجوره وعدوانه ويحققوا لأنفسهم العزة والكرامة بعد أن باع هذا النظام المجرم، العراق وشعب العراق في سوق التجارة الدولية.

في الختام نتقدم بالشكر الجزيل لسماحة السيد الحكيم ونسأله تعالى أن يوفّقه لخدمة الإسلام والمسلمين … والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.