مقتطفات من سيرة السيد محمد باقر الصدر في كلام أسرة الشهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ كان وكما هو معروف أنّ إخوته وأخواته يتوفّون في أعمار صغيرة، حيث توفّي من إخوانه وستّ من أخواته، فبعضهم يتوفّى وعمره أقلّ من سنة وبعضهم أكبر من هذا العمر. ولكنّ أمّه الصابرة وأباه المحتسب عاشا هذه المحنة وهذا الابتلاء بكلّ ثبات وتحمّلٍ وصبر عظيم.

2 ـ وتنقل والدة السيّد الشهيد أنّه عندما كان السيّد الشهيد صغيراً مرض مرضاً شديداً فخافت أمّه عليه، وفي إحدى ليالي مرضه وعندما فرغت أمّه من الصلاة اتّكأت على الحائط فرأت بين النوم واليقظة الإمام الحجّة (عج) وقد مدّ رأسه الشريف من الشبّاك ـ لأنّ البيوت في السابق كانت شرقيّة ـ وسمعته يقرأ ويوجّه قراءته نحو السيّد الشهيد. وفي اليوم التالي أصبح السيّد الشهيد وهو معافىً من كلّ مرض وفي خير وعافية.

3 ـ ونقلاً عن والدة السيّد أنّه عندما كان عمره حوالي خمس سنوات طلب من أمه (خبز لحم) ـ وكان الوقت عصراً ـ فقالت له أمّه: «الوقت غير مناسب ولا يوجد لدينا لحم، فلا أستطيع إعدداه لك»، ولكنّه كان ملحّاً في هذه المرّة على غير عادته، وبعد ذلك ذهبا سويّةً إلى بيت جدّه الشيخ عبد الحسين آل ياسين)، وبعد المغرب رجعا إلى البيت، وعندما نزلت والدته إلى السرداب من أجل إحضار الخبز كالمعتاد اشتمّت رائحة طيّبة ووجدت هناك أقراصاً من الخبز الحار وكانت مغطّاة في مكان الخبز، ولم يعهد في البيت ولا من خارج البيت من أحضر هذا الخبز.

4 ـ لقد كانت ظروف معيشتهم صعبة، ومع هذا فقد كان السيّد يحاول الحصول على الكتب بأيّة طريقة ممكنة، فمرّة يشتريها وأخرى يستعريها وثالثة يستبدل كتاب بآخر وهكذا..

5 ـ وقد اشتهر بين العائلة أنّ أمّه رأت في المنام أنّها سترزق ولداً في يوم 25 من شهر ذي القعدة وسوف يكون له شأنٌ كبير.

6 ـ وتنقل والدته أنّه عندما كان صغيراً كانا خارج المنزل، وعندما رجعا إلى البيت رجع السيد الشهيد إلى الشارع وكأنّه يبحث عن شيء، فسألته أمّه عمّا يبحث فأجابها: «أبحث عن قلمي»، فقالت له: «ارجع إلى البيت، فالجو بارد وأخاف أن تمرض وإذا كنت بحاجةٍ إليه فأنا أشتري لك غيره»، لكنّ السيّد الشهيد أصرّ على أن يبحث عنه إلى أن وجده. وعندما عاد وجدت أمّه أنّ القلم صغيرٌ جدّاً، فتعجّبت من اقتصاده وزهده وهو بهذا العمر الصغير.

7 ـ كان يحبُّ أن يختلي بنفسه، فاختار من البيت الذي يقطن فيه غرفةً صغيرة تقع في أعلى المنزل وتسمّى سابقاً (گنجينة). ومع أنّ إنارتها قليلة لكنّه استحسنها من أجل أن يتفرّغ فيها ويستطيع في أيّ وقت القراءة والكتابة مع عمره الصغير.

8 ـ وتنقل والدته كذلك أنّهم انتقلوا إلى بيت جديد (وطبعاً بسيط جدّاً). وأثناء انشغالهم بترتيب ونقل الأغراض انتبهوا فجأة إلى أنّ السيّد غير موجود، فبحثوا عنه فوجدوه قد دخل في زوايا البيت الصغيرة وانشغل هناك بكتابته ومطالعته.

9 ـ لقد تمتّع ومنذ صغره بصفات وملكات ومواهب فريدة من نوعها قلّ ما نجدها عند صبيٍّ في هذا العمر وهو لم يكمل الابتدائيّة.

ابتدأ دراسته الحوزويّة في الكاظميّة وهو في حوالي العاشرة من عمره. وفي السنة الحادية عشرة بدأ بدراسة المنطق على يد أخيه السيّد إسماعيل الصدر! وبعض دروس المقدّمات والسطوح، واستطاع بما يقتنع به من نبوغ وموهبة أن يدرس وحده بعض الكتب والمراحل.

نال درجة الاجتهاد وهو في أواخر العقد الثاني من عمره، وفي ذلك الوقت كتب فتواه على شكل تعليقة على (بلغة الراغبين) وهي الرسالة العمليّة للشيخ محمد رضا آل ياسين).

10 ـ كان يشارك على صغر سنّه في المناسبات الدينيّة في حسينيّة آل ياسين في الكاظميّة، وينقل من عدّة أطراف أنّه ألقى هناك كلمة قي ولادة الإمام الحسين (ع) ـ وكانت كلمة رائعة جدّاً ـ وقد كتبها بنفسه وكان لها وقع في نفوس الحاضرين. يقال إنّ خاله الشيخ راضي آل ياسين) الذي كان ضمن الحاضرين في الحفل لم يتمالك نفسه فنهض وقال مخاطباً السيّد الصبي: «أحسنت يا رافعيّ العراق».

11 ـ يقال: إنّه أوّل ما ألقى كلمة كان صغيراً ولم يكن طوله يساعد على أن يراه الجميع فوضعوا شيئاً تحته مثل كرسي أو ما شابه ذلك حتّى يتسنّى للجميع رؤيته.

12 ـ خرج السيّد الشهيد مع بعض أرحامه للتنزّه في ضواحي بغداد وكان معهم السيّد محمّد الصدر ـ وهو في ذلك الوقت رئيس الوزراء ـ وقد عرض عليه الاتّجاه إلى الدراسات الأكاديميّة وإلى مزايا الوظيفة الرسميّة في الدولة، وأنّه سوف يمدّ له يد العون حتّى ينال ما يتحقّق، لكنّ السيّد رفض هذا العرض وقال: «إنّ خطّي هو خطّ آبائي وأجدادي». ويكمل السيّد قائلاً: «كان الفضل لوالدتي أنّها كانت وباستمرار تشجّعني على المضيّ في هذا الاتّجاه الحوزوي رغم المصاعب».

13 ـ كان خاله الشيخ مرتضى آل ياسين! يحبّه جدّاً ويعتني به. ونقلاً عن والدة السيّد أنّه قال لها وقد شكت له خوفها وقلقها على السيّد لأنّه متميّز والأنظار كلّها عليه، فطمأنها وقال: «لا تخافي عليه، أتوقّع له خيراً كثيراً، ولقد رأيته في المنام وهو في الوسط والقرآن على جانبه والكعبة على جانبه الآخر».

14 ـ وينقل السيّد محمود الخطيب أنّه عندما مرض (الشيخ مرتضى آل ياسين) وهو في أيّامه الأخيرة سمعت إحدى بناته تسأله: «لمن نرجع بعدك؟»، فقال: «عليكم بحجّة الله السيّد محمّد باقر الصدر فهو حجّة الله عليكم».

15 ـ كان يطيل صلاته والخضوع والتأثّر في أثناء الصلاة واضحان عليه، وكان يعقّب بعد الصلاة ويؤدّي أكثر المستحبّات كلّما سنحت له فرصة أو كان لديه وقت، وهذا ما ينقله أهله عنه.

16 ـ ونقلاً عن السيّد محمود الخطيب وأهل السيّد أنّه! كان مواظباً على زيارة سيّد الشهداء الإمام الحسين (ع) في ليالي الجمع والزيارات المخصوصة مثلاً الشعبانيّة والرجبيّة وصوم العاشر من محرّم الحرام وليلة القدر ويوم عرفة.

17 ـ ويقول أيضاً السيّد الخطيب: إنّ السيّد استمرّ على هذه الزيارات حوالي عشر سنوات بدون انقطاع إلاّ إذا كان هناك مانعٌ مرضي، وكان يبدأ بزيارة أبي الفضل العبّاس (ع) ثمّ يتوجّه لزيارة الحسين (ع)، وكان يبدأ بزيارة عاشوراء وعند الشروع بالزيارة ينهار بالبكاء والدمع يتساقط على لحيته الشريفة بحيث يلفت انتباه الزوّار.

وفي إحدى زيارات السيّد الشهيد مع السيّد محمود الخطيب صحبهم الشيخ محمّد جواد مغنية)، وعند دخولهم إلى حرم الإمام الحسين (ع) جلس الشيخ أمام الساعة وهو ينظر إلى السيّد الشهيد وهو في حالة بكاء بصوت يسمعه الجميع، وكان الزوار يقفوا خلفه ويبكون معه، فقال السيّد الخطيب للشيخ): «شيخنا ما يصنع السيّد؟!»، فقال الشيخ: «إنّه يعرف من يخاطب ويعرف معنى الزيارة ومضامينها»، وقد كان مواظباً على زيارة عاشوراء كلّ يوم.

18 ـ كان قد ألزم نفسه بزيارة أمير المؤمنين (ع) بشكل يومي حيث كان يحفظ الزيارة عن ظهر قلب. بحيث ينقل الطيّبين من سدنة الحرم أنّهم حتّى بعد شهادته كانوا يرونه في الساعة المعهودة يأتي ويزور.

19 ـ كان يقيم في كلّ مساء أربعاء ـ ليلة الخميس ـ مجلس عزاء عن أهل البيت (ع).

20 ـ كان السيّد الشهيد! في يوم عاشوراء يتأثّر كثيراً ويحاول بقدر استطاعته أن يزور سيّد الشهداء في كربلاء، وكان يزور زيارة عاشوراء ويبكي إلى أن تتبلّل لحيته، وكانت عادة الأسرة ومعها السيّد الشهيد! الإمساك يوم عاشوراء إلى بعد الظهر، وكانوا يأكلون في ذلك اليوم (تمّن ماش) وهو أبسط أنواع الطبخ.

وكذلك يوم استشهاد الإمام أمير المؤمنين(ع) وكان لا يستقبل أحداً في ذلك اليوم.

21 ـ تنقل إحدى بناته أنّها كانت صغيرة وكان الجوّ في النجف الأشرف حارّاً جدّاً، وكانت الأسرة عادة تنام على السطح ليلاً، فكانت تستيقظ في بعض الليالي وتراه واقفاً على سجّادته يصلّي بخشوع وخضوع صلاة الليل وإن لم تكن هناك ساعة، ولكنّ الوقت كان بالتأكيد قبل أذان الفجر لأنّ البيت كان قريباً جدّاً من الحرم الحيدري الشريف، وكنّا نرى القبة الذهبيّة المشرّفة ويُسمع الأذان في أوقات الصلاة بوضوح.

22 ـ يوم الغدير هو عيد السيّد الأكبر وكان يوزّع في (البرّاني) قارورات عطر طيّب الرائحة وصغيرة إلى الزوّار والمهنّئين.

23 ـ وكان يشجّع على زيارة الأربعين والذهاب إلى الحرم الحسيني المطهّر مشياً على الأقدام وكان هو يتمنّى ذلك ولكنّ الظروف المحيطة به لم تسمح له أبداً بذلك.

24 ـ وضع السيد برنامج للـ(پياده) والذهاب إلى كربلاء مشياً على الأقدام لأنّهم كانوا في السابق يخرجون من النجف الأشرف وتستمرّ رحلتهم حوالي ثلاثة أيّام، فأراد السيّد الشهيد! أن لا يؤثّر ذلك على وضعهم الأمني أو الصحّي، فسمح لهم بأن يذهبوا مشياً إلى قريب الغروب ويرجعوا إلى بيوتهم ليلاً، وفي اليوم التالي يذهبون بالسيارة إلى المكان الذي وصلوا إليه في اليوم السابق، وهكذا بهدف التسهيل عليهم ولكي يتمكّنوا من إنجاز المسير.

25 ـ وحتّى زيارة عاشوراء كان يفتي بجواز اختصار اللعن والسلام وهي اختصار أي يقرأ فقط اللعن (اللهمّ العنهم جميعاً) مئة مرة، وكذا في السلام فيقرأ فقط (السلام على الحسين وعلى علي بن الحسن وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين) مئة مرّة فقط.

26 ـ ونقلاً عن أمّه وزوجته أن السيّد لم يتزوّج إلاّ بعد أن حصل على مقدار معيّن من المال وذلك من وراء بيعه كتاب (فلسفتنا) و(اقتصادنا) فتزوّج من هذا المبلغ.

27 ـ وعن زوجته أنّه وفي أوّل زواجه ـ أي في شهر العسل كما يقال ـ كان يكتب المواضيع الرئيسيّة لكتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء)، وعندما قالت له زوجته: «حتّى في هذه الأيّام تكتب؟!»، أجابها والابتسامة على شفتيه: «إنّني لا أستطيع ترك الكتابة في كلّ الأوقات السعيدة منها والحزينة».

28 ـ ونقلاً عن زوجته أيضاً أنّها بعد زواجها منه وجدت أنّه لا يمتلك إلاّ قاطاً واحداً فقط (أي صاية وحيدة) فسألته: «أين ملابسك الأخرى؟!»، فضحكت أمّه وقالت له: «ألم أقل لك إنّ زوجتك سوف تتعجّب من قلّة ما تملكه من ملابس؟!».

29 ـ ونقلاً عن زوجته أيضاً وباقي أهله أنّه! كان يعيش في زهد تام ويقول: «لا بدّ أن تكون حياة وعيشة المرجع مثل عيشة أحد طلاّب الحوزة»، فهو ـ بحسب نقل زوجته ـ لم يضف أو يشترِ شيئاً جديداً بعد ظهور مرجعيّته وتقليد أكثر الناس له وبقي البيت على ما هو عليه من قبل.

30 ـ وأيضاً عنها أنّه نادراً ما كان يخيط ملابسه أو يشتري، وكان يكتفي بأقلّ شيء ويقول: «عجباً! كم جسداً لي حتّى أخيط وأشتري ملابس متعدّدة».

31 ـ وبعد ما حصلت زوجته على مبلغ من المال من الهدايا التي قدّمت لها بمناسبة زواجها اشترت ثلاّجة ومبرّدة هواء وبوفيه لأنّ هذه الأشياء لم تكن موجودة في بيت السيّد.

32 ـ كان يعطي بناته في أوقات المدرسة يوميّاً 50 فلساً (درهماً واحداً) حتّى يشترين ما يردنه هناك. وفي موسم الموز أخذت المدرسة تبيعه بسعر 60 فلساً للموزة الواحدة، فطبيت بناته منه أن يزيد لهنّ اليوميّة 10 فلوس ليتسنّى لهنّ شراء موزة واحدة، فأجابهنّ: «ليس عندي مانع أن أعطيكم، ولكن أسألكم: هل كلّ البنات في المدرسة يشترين الموز؟!»، فأجبن: «لا، ليس كلّ البنات يستطعن ذلك، وأمّا من يشتري الموز فهنّ الأقلّ»، فقال السيّد: «إذاً كنّ مثل أكثر البنات العاديّات لا مثل أقليّة البنات».

33 ـ وعن زوجته أن أحد محبّيه (من بيت عطية) أهدى إليه سيّارة، لكنّه لم يركبها ولا لمرّة واحدة، وأمر ببيعها وتوزيع مالها بين الطلبة ولم يأخذ من مالها لنفسه أو لعائلته إلاّ جزءاً بسيطاً فقط.

34 ـ وتنقل زوجته أيضاً عن زهده وإعراضه عن الدنيا ومغرياتها أنّه عُرض بيت قريب لبيت السيّد للبيع فسمع بذلك أحد محبّي السيّد الشهيد، فقدم إليه وقال له: «إنّي أريد أن أشتري هذا البيت لكم لأنّ بيتكم بيت إيجار وهو قديم»، فلم يقبل السيّد وقال له: «إنّي لست بحاجة إلى بيت ملك ولكنّ الطلبة بحاجة إلى ذلك»، فصحبه السيّد إلى شارع الإمام زين العابدين(ع) ـ أي بجوار الحرم الشريف ـ واشتروا هناك قطعة أرض خصّصها السيّد إلى الطلبة وكان يريد أن يبنيها شققاً لطلاّب الحوزة ولكنّ الوقت لم يساعده واستشهد, قبل أن يحقّق فكرته.

35 ـ وعندما كان يهديه البعض ملابس أو أشياء خاصّة له كان يتقبّلها ويشكرهم ثمّ يعطيها إلى طلبته المحتاجين ولم يكن يستفيد من الهدايا لا تكبّراً ولا عزةً بنفسه ولكن زهداً وإعراضاً عن الدنيا.

36 ـ كان أكله في أكثر الأحيان بسيطاً وعاديّاً، أوّلاً لزهده، وثانياً ليكون مساوياً لعامّة الناس في مستوى ونوع أكله. أمّا في آخر عمره الشريف فقد كان يتبع حمية غذائيّة لأجل ارتفاع ضغط دمه وقد ضعف كثيراً قبل استشهاده.

37 ـ ونقلاً عن أهله أيضاً أنّه! كان في البيت في غاية الرحمة ومنتهى العطف، فقد كان مع أمّه الولدَ البار ومع أخته الأخ الصديق ومع زوجته الزوج المحبّ ومع أولاده الأب الرحوم.

وقد كان مع أمّه مصداقاً للولد البار المطيع لها إلى آخر يوم من حياته الشريفة، وكان يسألها إذا عزم على أمر معيّن هل تقبل أن ينجزه أو لا تقبل؟! ومهما كان جوابها كان يطيعه. وكان يجالس أخته ويراجع معها ما تكتبه ويجيبها ويعينها على كلّ ما تحتاج إليه ويعطي من وقته ساعات لها، فكان بحق الأخ الرفيق والشفيق والمعين في الوقت نفسه.

وكذلك مع زوجته، فقد كان يقدّرها ويحترمها ويراعي مشاعرها وكان يقول لها: «أرجو منك أن تقدّري ظروفي وكثرة مشاغلي وأن تسامحيني إذا قصّرت بأمر معيّن».

وتقول العلوية زوجته: إنّها ومن أوّل زواجها أحسّت بأنّ السيّد زوجٌ غير عادي، فقد كانت تقدّسه وتكنّ له كلّ مشاعر الإجلال والتقدير.

وأمّا عن أولاده، فقد كان شديد التعلّق بهم وحريصاً عليهم ومتعاطفاً معهم:

فعندما يمرض أحدهم كان السيّد الشهيد عند دخوله المنزل وقبل أن يغيّر ملابسه يذهب إلى قربه ويسأل عن حاله ويطمئن عن صحّته ويضع يده الشريفة على رأس المريض ويقرأ سورة الفاتحة بنيّة الشفاء.

وكان يعاملهم مثل الكبار ويتفاهم معهم ولا يجبرهم على أمر ويتكلّم معهم كلّما سنح أو سمح له الوقت.

وكان يقول لزوجته: إنّي أرى أولادي أقلّ ممّا ترينهم، إنّني ولأجل ذلك لا أريد أن تذكري لي إذا ارتكبوا خطأً معيّناً حتّى أؤنّبهم، لا أحبّ أن يذكر أولادي أنّي أنّبتهم أو عاقبتهم، أريد أن أتحدّث معهم وألاطفهم ولا يعكّر ذلك شيءٌ حتّى لا يذكروا منّي إلاّ كلّ ما يحبّونه ويعتزّوا به، ومسؤولية تربية الأطفال على عاتقي.

38 ـ إحدى بناته كانت ضعيفة في مادّة الرياضيات فأخذ السيدّ مع كلّ مشاغله ومسؤوليّاته يدرّسها ويراجع معها ذلك حتّى تيقّن أنّها استوعبت المادّة جيّداً.

39 ـ وكان أبناؤه يفرحون ويشعرون براحة كبيرة كلّما رجع السيّد الشهيد إلى المنزل وكأنّهم كانوا يشعرون بصعوبة الظروف وأنّ كلّ يوم يرجع فيه السيّد بسلامة فهو غنيمة ونعمة عظيمة.

وعندما كان يكتب في غرفة (الجلوس) التي تجتمع فيها الأسرة حتّى يكون بين أهله وأبنائه، فلو أرادت زوجته أن تسكت الأطفال أو تطلب منهم ترك الغرفة يقول لها: «دعيهم، إنّ أصواتهم لا تزعجني ولا تؤثّر على كتابتي».

40 ـ ولم يكن! مستبدّاً في الرأي أو متعجرفاً، بل بخلاف ذلك تماماً فقد كان يأخذ آراء الجميع في أمور المنزل ويستمع إلى وجهات نظر الجميع، وعندما يقع حادثٌ أو يأتي مسؤول من الدولة أو تمرّ على العائلة مشكلة كان السيّد! يجمع الأسرة كلّها من الكبار إلى الصغار وينقل لهم ولو بشكل مبسّط ما جرى ويوضح لهم الحال لكي يكونوا على علم بما يجري.

41 ـ وكان! من كثرة كتابته تتورّم أصابعه وخاصّةً أصابع يده اليسرى ـ لأنّه كان يسراويّاً ـ فتعمل زوجته عجينة وتلفّها على أصابعه، ولكن هذا لا يؤثّر عليه ولا على استمرار كتابته.

42 ـ أمّا علاقته مع أخيه، فلم تكن علاقة عادية ولم تكن تجمعهما علاقة الأخوّة فقط، بل كانت أخويّة وروحيّة وعاطفيّة وعلميّة، فقد كان السيّد الشهيد يحبّ أخاه كثيراً وكان ينظر إليه نظرة الأخ الصغير إلى أخيه الكبير والولد إلى والده والتلميذ إلى أستاذه.

وكان يقول عن أخيه: «رافقته أكثر من ثلاثين سنة كما يرافق الابن أباه والتلميذ أستاذه والأخ أخاه في النسب وأخاه في الآمال والآلام في العلم والسلوك فلم أزدد إلاّ إيماناً بنفسه الكبيرة وقلبه العظيم الذي وسع الناس بحبّه ولكنّه لم يستطع أن يسع الهموم الكبيرة التي كان يعيشها من أجل دينه وعقيدته ورسالته، فأسكتت هذا القلب الكبير في وقت مبكّر».

وكذلك مع أولاد أخيه فكان يحنو عليهم ويهتم بامورهم ويسعى إلى مساعدتهم ومشاركته معهم في شؤون حياتهم.

43 ـ كان السيّد الشهيد مثابراً على دروسه وعلى كتابته ومباحثاته دائماً، وتنقل زوجته أنّه في وقتٍ كان يذهب ليلاً إلى بيت السيّد الخوئي للمباحثة هناك. وفي إحدى الليالي كان الجوّ بارداً والسيّد مريضاَ فطلبت منه زوجته عدم الذهاب إلى المباحثة لأنّ حالته لا تسمح له بذلك وسوف يشتدّ مرضه إذا ذهب، فقال لها: «أعطني القرآن لأستخير فناولته القرآن فخرجت الآية: ﴿إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ (طه: 10)، فقال لها السيّد: «أذهب الآن أو لا أذهب؟!»، فأجابته: «اذهب في أمان الله وحفظه».

44 ـ كان الشهيد الصدر على اتّفاق أهله وأصحابه وطلبته وكلّ من رآه فريداً في أخلاقه وتواضعه وتعامله مع جميع الناس وفريداً أيضاً في طريقة تربيته للأمّة.

فكان يملك صفات وخصائص ومميّزات قلّ نظيرها ولا تجدها إلاّ عند الأنبياء والأئمّة (ع).

ويقول السيّد محمود الخطيب ـ وهو ـ أحد طلبته المقرّبين ـ : «ما رأيت شخصاً التقاه أو تقرّب منه للسلام عليه أو السؤال منه حتّى كان يستمع إليه ويتحاور معه بكلّ رحابة صدر وارتياح بل وأكثر من هذا حتّى لو كان هذا السائل صغيراً أو كبيراً أو كاسباً، وهذا ما نجده فقط عند الأنبياء والأئمّة(ع) والقائد الحقيقي».

45 ـ كان يهتمّ بالجيل الناشئ وبالشباب المثقّف ويتبادل الأحاديث الدينيّة والاجتماعيّة معهم.

أتذكّر ـ والكلام للسيّد الخطيب ـ في يوم من الأيّام دخل صبيٌّ مع والده واسمه ميثم (ابن الشهيد جواد الزبيدي) فقال والده: «سيّدنا! ابني ميثم عنده سؤال»، فقال السيّد: «إليّ بميثم» وكان عمر ميثم على ما أتذكّر بين 6 إلى 7 سنوات وأجلسه إلى جانبه وقال له: «ما هو سؤالك؟!»، فقال ميثم بهدوء: «سؤالي لماذا الله وافق على قتل الحسين(ع)؟!»، فقال له السيّد: «سؤالك جدّاً جميل ومعناه كبير وسوف أجيبك عنه».

46 ـ وينقل عنه أحد الشيوخ (مهدي الحيدري) أنّه عندما كان صغيراً كان معه مجموعة من الأولاد وهم مجتمعون بالقرب من حرم أمير المؤمنين (ع) للمذاكرة لقرب موعد الامتحانات، وعندما قدم السيّد الشهيد إلى الحرم العلوي الطاهر لأجل صلاة الفجر طلب منه أن يجيبه عن مسألة معيّنة فاعتذر السيّد بلطف وقال: «إنّ وقت الصلاة في آخره ولا أستطيع البقاء معكم والإجابة عن سؤالكم»، ولكنّه في اليوم التالي أتى مبكّراً وقال لنا: «أتيتُ مبكّراً لأجيب عن أسئلتكم» وفرشنا له وجلس معنا.

47 ـ وينقل عن أحد الفقهاء أنّه عندما كان عمره 11 سنة كتب كتاباً مختصراً في تعليم الصلاة يتكوّن من 15 ورقة فقط، وفكّر في نفسه أنّ أفضل من يصحّح له الكتاب هو السيّد الصدر. وفعلاً ذهب إلى السيّد في الجامع الذي يعطي فيه درس الخارج فاستقبله السيّد بكلّ حفاوة وأخذ منه الكتاب بكلّ رحابة صدر. وبعد عدّة أيّام أرجع له الكتاب وقد صحّحه وعلّق عليه وقال له: «إذا لم يطبع له أبوه الكتاب فهو يطبعه على نفقته».

48 ـ ونجد أنّه مع ما وصل إليه من مقام ومنزلة متواضعاً ولا يقبل أن يمدحه أو يطري عليه أحد، فكان لا يقبل أن تضاف قبل اسمه ألقاب أو صفات وكان يقول لطلبته وحتّى أولاده إذا أرادوا أن يكتبوا اسمهم: «فقط اكتبوا السيّد محمّد باقر الصدر بدون إضافات».

49 ـ وفي إحدى المناسبات وبطلب من زوجته دعى (الشيخ الأيراواني) إلى قراءة مجلس عزاء في البيت فجاء الرجل وقرأ المجلس. وفي اليوم الثاني قدم الشيخ وقد نظم أبيات شعر في مدح السيّد الشهيد، فكلّما أراد قراءتها في المجلس طلب منه السيّد أن لا يقرأها، وهكذا لعدّة مرّات إلى أن سكت الشيخ ولم يقرأها.

50 ـ وقد عثر أحدُ أصحابه على حديثٍ عن النبي- يصف آخر الزمان وصعوبته وأحوال الناس فيه ومنه أنّه يخرج من ولد النبي- رجلٌ يبقر العلم بقراً وأنّ أصحابه سوف يرون من الظلم والاضطهاد الشيء الكثير ويصفهم مثل الغيوم المتفرّقة في فصل الخريف فلم يكن يرغب بنشر هذه الرواية أو التحقّق فيها تواضعاً منه[1].

51 ـ كان الحاج عبّاس (أبو قحطان) ـ وهو من المحبّين والملتزمين بخدمة السيّد الشهيد! ـ يتحدّث مع جماعات أتوا إلى رؤية السيّد الشهيد! يقول لهم: «إنّ هذا السيّد هو علي بن أبي طالب بصفاته وبصبره وإيمانه وشجاعته، أنا عاشرته وعرفته جيّداً»، فاذا سمع السيّد الشهيد الكلام يقول له: «لا تقل هذا يا حجّي أنا لا أقبل، كم مرّة قلت لك إنّني لا أرضى أن تقول هذا القول».

52 ـ كان يعامل طلاّبه وطلبته مثل الأب الرحيم المتعاطف معهم بكلّ شعوره وكيانه بإجماع كلّ طلبته وجماعته، فكان في كتابته وخطابه مع تلاميذه يوقّع في آخر الرسالة (أبوكم).

وكان يقول: «أحبّ أن يكون أولادي وأبنائي راضين عن أبيهم وعمّا قدّم هذا الأب من أجلهم».

53 ـ وينقل السيّد محمود الخطيب أنّ لغة التخاطب بينه وبين تلاميذه كان لها بالفعل وقعٌ خاصٌّ وطابعٌ على قلوب طلاّبه. رأيته يودّع أحد تلاميذه أيّام التسفير وهو يبكي بكاءً شديداً ويقول: «يعزّ عليّ فراقكم».

54 ـ وتنقل زوجته أنّه عندما كان يسمع عن أحد أصحابه أو طلبته خبراً سيّئاً أو أنّه استشهد أو مات كان يتأثّر تأثّراً شديداً ويبقى في هذه الحالة أيّاماً معدودة بحيث يقلّ أكله ونومه خلالها.

وفي بعض الأحيان يكون تأثّره مؤثّراً على صحّته فيصاب بارتفاع ضغط الدم أو الصداع المستمرّ وحتّى وصل الأمر إلى شبه شلل نصفي.

وكان دائماً يدعو لهم ويتفقّد أحوالهم ويحثّهم على ترك الدنيا والزهد فيها والسعي والمثابرة على كسب العلوم وتحصيلها.

55 ـ في أيّام الحجز الذي دام حوالي تسعة أشهر أو أقلّ ومع شدّة الظروف والخوف والقلق النفسي إلاّ أنّ السيّد الشهيد كان قويّ الإيمان ثابت العزيمة شديد التوكّل والتسليم لله عزّ وجلّ. كان يجالس أهله ويلاطفهم ويخفّف عمّا فيهم ويتكلّم معهم وكأنْ ليس هناك شيء.

وكان يقول لهم وفي أوقات متفرّقة: «اذهبوا واتركوني، إنّهم ـ أي صدّام وجماعته ـ فقط يريدونني وليس لهم علاقة بكم»، ولكنّ هذا الكلام كان لا يزيد أهله إلاّ حبّاً له وتعلّقاً به. ومع خطورة الوضع وحرجه بدأ السيّد الشهيد بكتابة المواضيع الرئيسيّة لكتاب (اجتماعنا) وكان يسعى في كتابته سعياً حثيثاً، إضافة إلى كتب أخرى.

وكان مشغولاً بحفظ سور من القرآن وكان عازماً على حفظ المزيد من السور ولكن لم يسنح له الوقت.

وكان أهله مع كلّ هذه الضغوط النفسيّة يشعرون بنعمة وجود السيّد في ما بينهم، وكلّ يوم يمرّ والسيّد بينهم كان بالنسبة لهم مكسباً ومغنماً كبيراً.

أمّا هو فقد كان يتأثّر ويحدّث ويحزن على وضع حال أهله وهم تحت ضغط الحجز، ولكنّه سلّم أمره وأمر أهله إلى الله عزّ وجل، وقد ضعف في ذلك الوقت لوضعه الصحّي وكذلك النفسي فقد كان ضغطه مرتفعاً في أكثر الأحيان.

56 ـ وطرحت فكرة على السيّد الشهيد في أحلك الظروف وأعسرها، وهي أن يخلّصوا السيّد وأهله من الحجز، وذلك عن طريق البيت المجاور لبيت السيّد، ولكنّه لم يوافق أوّلاً لسبب خاص وثانياً برّاً بوالدته لأنّها كبيرة السنّ ولا تستطيع أن تعبر الحائط.

57 ـ عندما أتى جلاوزة صدّام لاعتقال السيّد في المرّة الرابعة ـ وهي المرّة التي استشهد فيها ـ وأخذه إلى بغداد، أخذ السيّد يتحدّث مع أهله ويهوّن عليهم الخطب الجلل، فقال: «إنّ كلّ إنسان يموت، وللموت أسباب عدّة، فيمكن أن يموت الإنسان بسبب مرض أو فجأة على فراشه أو غير ذلك، ولكنّ الموت في سبيل الله أفضل بكثير وأشرف، ولو أنّني لم أقتل بيد صدّام وجماعته فقد أموت بمرض أو بسبب آخر..»، وقال أيضاً: «لو كان موتي فيه مصلحة أو فائدة للدّين وللتشيّع حتّى ولو بعد عشرين سنة فهذا يكفيني لأن أعزم على الشهادة»، ثمّ اغتسل غسل الشهادة وبدّل ملابسه وكانت لحظات رهيبة ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

58 ـ وينقل أنّه ذات يوم كان السيّد الشهيد بجوار الضريح العلوي ـ أي في حرم أمير المؤمنين (ع) ـ ودخل رجل وتوجّه إلى (شبّاك الضريح) بكلّ لهفة وعيناه مليئة بالدموع ووقف بقرب الضريح المطهّر وبدأ يدعو بإخلاص وحرارة، فرآه السيّد الشهيد فدعا الله ـ وهو في مكانه ـ أن يستجيب دعاءه.

فرأى هذا الرجل في الليل رؤيا أنّ الزهراء& جاءت إليه وقالت له: «إنّ حاجتك سوف تتحقّق لأنّ ابني محمّد باقر الصدر دعا لك»، وفي الصباح توجّه هذا الرجل إلى السيّد ونقل له الرؤيا فتبسّم وقال: «نعم لقد دعوت لك عندما رأيتك في تلك الحالة».

59 ـ وينقل السيّد كمال الحيدري في أحد دروسه عن أحد الطلبة الذين عاصروا السيّد الشهيد ـ وكان معه في دروس السيّد الخوئي ـ أنّ السيّد الشهيد كان في الدرس الواحد يستوعب ويتقدّم بمقدار ما نتقدمه نحن في شهر كامل.

60 ـ ونقل أحد الثقات لنا أنّه رأى السيّد وهو يقف في الصحن الشريف العلوي وينظر إلى القبة الشريفة وهو في راحة وانقطاع عن العالم الخارجي والابتسامة على شفتيه، واستمرّ هذا الوضع لمدّة من الزمن (الحجي) بقلق على السيّد فذهب بقرب السيّد وسلّم عليه وكان في عالم آخر وردّ السيّد عليه السلام ثمّ قال له: «لماذا يا حجّي قطعت عليّ ما كنت فيه ولو رأيت ما كنت أرى ما فعلت ذلك».

61 ـ وكان يمتلك ذكاءً ونبوغاً غير عادي في كلّ مجال حيث كانت تترجم كتب اللغة الإنجليزيّة إلى اللغة العربيّة بطلب منه وهي من الكتب المعمّقة وموضوعاتها صعبة مثل الفلسفة والمنطق وغير ذلك، فكان السيّد يميّز بين الترجمة الصحيحة وبين الخاطئة ويقول مثلاً يجب أن تكون الكلمة هكذا أو بهذا الشكل وكثيراً من هذا… وعندما كانوا يرجعون إلى الكتاب الأصلي ويترجمونه بشكل أدقّ كانوا يجدون أنّ كلام السيّد صحيح وأنّ تعبيره كان أدقّ.

62 ـ كانت له طريقة في حلّ جدول الضرب قريبة بشكل أو آخر إلى الطريقة الصينيّة، لكن تحلّ على الأصابع لا في العدّاد.

63 ـ كان السيّد, لا يميّز أحداً على آخر أو قوميّة على أخرى ولا ينتقد ويعيب أحداً إطلاقاً.

* * *

[1] أغلبُ الظنّ أنّ المراد هو الحديث التالي: محمّد بن همام عن حميد بن زياد عن محمّد بن علي بن غالب عن يحيى بن عليم عن أبي جميلة عن جابر قال: حدّثني من رأى المسيّب بن نجبة قال: جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين(ع) ومعه رجل يقال له ابن السوداء فقال له: «يا أمير المؤمنين! إنّ هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك»، فقال أمير المؤمنين: «لقد أعرض وأطول، يقول ماذا؟!»، قال: «يذكر جيش الغضب»، فقال: «خلّ سبيل الرجل، أولئك قومٌ يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف الرجل والرجلان والثلاثة في كلّ قبيلة حتّى يبلغ تسعة، أما والله إنّي لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم»، ثمّ نهض وهو يقول: «باقراً باقراً باقراً»، ثمّ قال: «ذلك رجلٌ من ذرّيتي يبقر الحديث بقراً» (غيبة النعماني: 324 ؛ بحار الأنوار 52: 247 ـ 248).

أقول: بضميمة الروايات الواردة في الباب نفسه من غيبة النعماني حول (جيش الغضب) يظهر أنّ المراد من الباقر هو شخص الإمام المنتظِر(عج)، وربّما فسّر ذلك رفض السيّد الصدر) الحديث حول انطباق الوصف عليه.