مقابلة مع السيد کاظم الحائري

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله المؤتمنين بمناسبة أسبوع المرجع السيد الصدر رضوان الله عليه، يقوم قسم الإعلام في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بمحاورة مجموعة من تلامذة ومعارف الشهيد الصدر ليبينوا للجماهير المسلمة الدور الجهادي والعلمي والسياسي الذي تصدى له السيد الشهيد لإنضاج الحركة الإسلامية في العراق والعالم وتهيئتها لمجابهة المخططات المعادية للإسلام والمسلمين، ويسرّ قسم الإعلام أن يلتقي سماحة العلامة السيد كاظم الحائري، ليجيبنا عن الأسئلة الآتية:

س1: ما هي طبيعة النشاطات التي قام بها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه على المستوى الفكري؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. أستاذنا المرجع الكبير وقائد المسيرة الإسلامية في العراق الإمام السيد الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه أثّر على الجانب الفكري الإسلامي أثراً بارزاً في شتى الحقول وبشتى الأساليب، فأولاً له تأثير كبير في تصعيد مستوى الفكر الإسلامي العام وإعطاء المفاهيم الإسلامية الصحيحة وبشكل شامل لكل جوانب الحياة.

ومن أبرز ما ظهر منه بصدد إعطاء مفاهيم إسلامية كاملة عامة في الإسلام كتبه القيّمة فلسفتنا واقتصادنا وكتاب الأسس المنطقية للاستقراء، ففي كتاب فلسفتنا حاول أن يبني الصرح الإسلامي على مستوى العقائد، وفي كتاب اقتصادنا حاول أن يوضّح أيضاً الصرح الإسلامي على مستوى الاقتصاد، وفي كتاب الأسس المنطقية حاول مرة أخرى بناء الصرح الإسلامي على مستوى العقائد لكنه في ثوب جديد وبأساس آخر غير ما قام به في فلسفتنا ذلك بأن منحاه في فلسفتنا هو منحى فلسفي عقلي، ومنحاه في كتاب الأسس المنطقية هو منحى علمي، وبيان وإثبات العقائد الإسلامية عن طريق النكات التي تُعرف بالتجربة والعلم، طبعاً أيضاً كتاب فلسفتنا لا يخلو من هذا الجانب إلا أنّ هذا الجانب فيه قليل، والجانب العقلي والفلسفي أبرز في كتاب فلسفتنا وكذلك المفاهيم الأخرى التي أعطاها أستاذنا الشهيد رضوان الله عليه في كتبه وفي محاضراته القيمة هي أعطت شمولية واضحة للمفاهيم الإسلامية التي كانت مغمورة لدى الناس قبل السيد رضوان الله عليه، فهذا أحد آثاره في الجانب الفكري.

والأثر الآخر له رضوان الله عليه في الجانب الفكري هو مدى العمق والدقة الذي أعطاه لقسم الفقه والأصول في دراساته القيمة وفي كتبه القيمة، وبالنسبة لعلم الأصول بالذات أثّر تأثيرين: الدقة والعمق، بشكل لم يُسبق له نظير، وأثّر تأثيراً آخر في تغيير برمجة الأبحاث الأصولية فبرمجها ببرمجة جيدة حديثة لم يُسبق لها نظير، وهذه البرمجة منعكسة إلى حد ما في كتابين، طُبٍعاً كتقرير لبحثه رضوان الله عليه من قبل السيد الهاشمي حفظه الله.

والعمل الآخر الذي قام به لخدمة الفكر الإسلامي هو تربية طلاب وتلاميذ فيهم من النوابغ وفيهم من الناس الجيدين حمّلهم أفكاره وجعلهم أمينين على إيصال الفكر الإسلامي إلى العالم.

س2: ما هي طبيعة النشاطات التي قام بها السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه على المستوى السياسي؟

قام السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه على المستوى السياسي بنشاطين:

أولاً: أسّس السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه حركة باسم حزب الدعوة الإسلامية ونفث في هذا الحزب روحه وفكره الطاهرين، وكان له الأثر الكبير في تغيير المجرى السياسي الذي كان وقتئذ.

ثانياً: أسس بعد ذلك ما يسمى بالمرجعية الصالحة، طبعاً المرجعية الصالحة كانت موجودة قبله ومتمثلة في علماء آخرين؛ لكن السيد رضوان الله عليه وضع معالم المرجعية الصالحة بنحو لم يسبق له مثيل، وبدأ يعين ويضع الأسس الأولية الجذرية بهذه المرجعية، وأراد للمرجعية الصالحة أن تكون هي القيّمة على الحركة الإسلامية حزب الدعوة وغيرها من الحركات الإسلامية الأخرى وسائر القطاعات المسلمة، يعني أنّه رضوان الله عليه كان يعتقد أن المرجعية الصالحة هي التي تكون قيّمة على العمل الإسلامي بشكل عام، ويجب على كافة الحركات أن تسير في فلك هذه المرجعية وتسترشد في هدى هذه المرجعية، وكذلك القطاعات الإسلامية الأخرى غير الحركات أيضاً وظيفتهم الوظيفة نفسها، فكأن  المرجعية الصالحة هي القيادة، وتسير في ظل هذه القيادة كافة قطاعات الأمّة بما فيهم من الحركات وغير الحركات، وعن هذا الطريق تتولد وحدة ويتكون توحيد الصف ورص الصفوف بين شتّى القطاعات، فأبناء الأمّة الإسلامية يعملون لهدف واحد إلى أن يطيحوا بالاستكبار العالمي وينشروا لواء الحق ولواء الإسلام في شتى ربوع العالم.

س3: ما هي أهم مؤلفات الشهيد.. وهل ترك آثاراً غير مطبوعة؟

أهم مؤلفات الشهيد رضوان الله عليه كتاب (فلسفتنا) وكتاب (اقتصادنا) وكتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) و(البنك اللاربوي) وكُتب في الفقه معروفة باسم (بحوث في الفقه) وكُتب في الأصول معروفة ب(الحلقات الثلاث) وهناك كُتب أيضاً لم تكن بقلمه رحمه الله؛ ولكن بقلم طلابه كتقرير لأبحاثه القيمة الموجودة عند طلابه وقد طُبِع مجلدان من هذه التقريرات على يد السيد الهاشمي حفظه الله وتوجد لديه كتب أخرى لكن أهم الكتب هي هذه التي تذكّرتها، وأمّا الأثر غير المطبوع فإن كل شيء في بيته رضوان الله عليه قد وقع تحت رحمة البعثيين لعنة الله عليهم بعد وفاته واستشهاده.

س4: ما هو دور السيد الشهيد رضي الله تعالى عنه في تحريك الأمّة؟

هذا جواب تبيّن من بعض الأسئلة السابقة، السيد الشهيد رضوان الله تبارك وتعالى عليه حرّك الأمة بعدة أساليب:

أولاً: بأسلوب تأسيس حركي باسم حزب الدعوة الإسلامي.

وثانياً: بأسلوب جعل المرجعية الرشيدة هي المحرك للأمّة والمؤثر في الأمّة بشكل لم يسبق له نظير.

ثالثاً: نشر وإعطاء مفاهيم محرّكة للأمّة من قبيل مفهوم أن الإسلام نظام كامل شامل للحياة حينما يسري في وسط الأمّة يحرك الأمّة ويوجد اليقظة والانتباه في نفوس الأمّة ويجعلهم يسيرون في طريق الخير والرشاد كما نرى اليوم آثار هذه الأعمال التي قام بها أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه.

س5: هل لكم ذكريات خاصة مع السيد الشهيد رضوان الله عليه … تفضلوا بذكر بعض جوانب علاقتكم مع الشهيد؟

أمّا علاقتي مع الشهيد فكان رضوان الله عليه لي أباً رحيماً عطوفاً ودوداً، يربيني ويغذيني بالعلم وبالآداب ليل نهار. وأمّا بعض الذكريات فأذكر قصتين ..أحدهما، أنّ أستاذي الشهيد رضوان الله عليه في أوائل قصة التسفير ـ تسفير الإيرانيين ـ بعث علي فتشرفت بخدمته، وقال لي أنا مصمم على عمل انتحاري في سبيل الإسلام حيث أرى أنّه لا طريق لنصرة الإسلام اليوم إلا التضحية بالنفس ولي تخطيط بهذا الصدد، وكان تخطيطه الذي ذكره هو أنّه بعد أن يسفر طلاب العلوم الدينية الإيرانيون، قال: أنا مصمم أن أجمع ثلّة من الطلبة غير الإيرانيين الذين يبقون في النجف الأشرف ثلة من وجهائهم ومؤمنيهم وأذهب بهم إلى الصحن الشريف ونحلف جميعاً أنا وهم نتحالف على أن لا نخرج من الصحن الشريف أحياء، فأنا أخطب علناً في الصحن الشريف ضد السلطة القائمة وأشرح الفضائح والجرائم للبعث العميل، وهؤلاء الطلاب الذين آخذهم معي إلى الصحن الشريف أجعلهم يدافعون عني يتكلمون في نفس المنحى وندخل جميعاً مسلحين ونعمل هكذا ونكون متحالفين على أن لا نخرج عن الصحن الشريف أحياء إلى أن نرى حزب البعث العميل وهو شيء طبيعي حينما يرون من عندنا موقفاً من هذا القبيل فسيقتلوننا أو يأسروننا ويعذبوننا إلى أن نستشهد ولا نبقى أحياء، وهذا سيولّد بعد هذا الاستشهاد تياراً حركياً في الأمّة، يحرّك الأمّة وينبه ضمير الأمّة.

كان يقول رضوان الله تعالى عليه كان يقول أن وضع الأمّة اليوم سنخ وضع الأمّة في زمان الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام، الأمّة في زمان الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام كانت مبتلاة بمرض فقدان الإرادة وعدم القدرة الروحية على التحرك وكان علاج ذلك هو التضحية والايثار، فالإمام الحسين عليه الصلاة والسلام قام بهذه التضحية ضحّى بنفسه وبذويه وبأهله وبأصحابه في سبيل أن يوقظ ضمير الأمّة ويقوّي إرادة الأمّة، وبالفعل حصل على ما أراد، ولم تمض إلّا مدّة قصيرة وقد تقوض حكم بني أمية لعنة الله عليهم.

فاليوم أيضاً أنا أحسّ ـ هو كان يقول رضوان الله عليه ـ أحسّ أن زماننا هذا كزمان الإمام الحسين عليه السلام نحن بحاجة إلى تضحية من هذا القبيل وإلى عمل من هذا القبيل لتحريك الأمّة ولخلق روح الإرادة في نفوسهم شريطة أن نهيئ مقدمات من الآن لتحريك الأمّة فيما بعد ولجعلها تطلب بالثأر وتعمل في سبيل تقويض الحكم، فذكر هو رضوان الله عليه بعض الشرائط ومن أهمها كان هو قبول مرجعية واعية بعملنا هذا وتصديقه على صحة عملنا، أما لو عملنا عملاً، وأحد المراجع لم يوقع على صحة عملنا فسيذهب عملنا هباء.

وبهذه المناسبة تشرّف هو رضوان الله عليه في ذلك الوقت بخدمة السيد الإمام الخميني دام ظله الذي آنذاك كان في النجف الأشرف وعرض عليه الفكرة واستجازه في هذا العمل وكان مصمماً على أن يعمل لو أن السيد الإمام حفظه الله أجازه، إلا أن الإمام دام ظله ذاك الوقت لم ير من المصلحة أن يجيز إجازة صريحة وواضحة فاكتفى في الجواب بكلمة (لا أعرف إن هذا العمل سينتج أو لا ينتج) والسيد الشهيد رضوان الله عليه حينما رأى من الإمام دام ظله هذا الموقف انصرف عن عمله ولم يعمل، لا لشيء إلا أن مرجع الوقت الواعي لم يرَ من المصلحة أن يعمل عملاً من هذا القبيل وهذه القصة فيها إشارة إلى مدى إيمان الشهيد الصدر رضوان الله عليه بأن المرجعية الواعية المخلصة للإسلام من ذلك الوقت هي مرجعية في ذلك التاريخ في وقت مبكر هي مرجعية الإمام الخميني دام ظله؛ ولهذا ربط عمله بموافقة الإمام، وحينما رأى أن الإمام دام ظله غير موافق موافقة واضحة لم يقدم على هذا العمل، هذه قصة.

وقصة أخرى أيضاً من الذكريات، قصة الرؤيا التي ذكرها رضوان الله عليه بشأنه، هو كان يقول أنني حينما كنت طالباً أدرس، كنت متعوداً على أن أذهب كل يوم إلى الحرم الشريف حرم الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ساعة من الزمن وأفكّر في دروسي في الحرم الشريف وأستلهم من روحانية الحرم ومعنوية الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، ثم تركت هذه العادة، عدة أيام لم أتشرف بخدمة الإمام عليه الصلاة والسلام ولم يكن أحد مطلعاً على عملي هذا وإذا بإحدى أرحامي ـ وما أذكرها أنا الآن هل قال والدته أو أخته المرحومة ـ إذ بإحدى أرحامي رأت في المنام وهي غير مطلعة على وضعي وعلى عملي هذا، رأت في المنام الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال لها : قولي للباقر هذا التلميذ الباقر لأي شيء لا يجيء يدرس عندنا كما يجيء يدرس بشكل مستمر، لماذا قطع الدراسة… هذا أيضاً يُعدّ ذكرى من ذكرياتي.

س6: ما هي في رأيكم معالم مدرسة الشهيد الصدر رضوان الله عليه الفكرية؟

يمكن أن نلخص معالم مدرسة السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه في عدة جوانب:

أولاً: الشهيد الصدر كما أشرنا ضمن الجواب عن بعض الأسئلة السابقة أعطى هذا المفهوم أن الإسلام نظام كامل شامل للحياة، وهذا معلم من معالم المدرسة، قليلاً ما يُذكر شيء من هذا القبيل في المدارس التي سبقت مدرسة الشهيد الصدر رضوان الله عليه، طبعاً نحن نعلم أن هذا المفهوم قد أعطاه الأئمة عليهم السلام في تعاليمهم إلا أنّ هذا المفهوم كان قد مات في التدريج نتيجة أوضاع تاريخية لسنا بصدد ذكرها والسيد الشهيد رضوان الله عليه قد أحيا هذا المفهوم ووضّحه وأعطاه للأمّة.

ثانياً: لم يكتفِ بإعطاء هذا المفهوم كمفهوم، بل جسّد هذا المفهوم في الأنظمة التي شرحها ونفحها من أنظمة الإسلام والتي أشرنا إلى بعض كتبه التي ضمنها هذه الأنظمة أبرزها طبعاً اقتصادنا، وفلسفتنا، أثبت أن قولنا الإسلام نظام شامل للحياة، ليس هذا مجرد ادعاء بل ادعاء مع دليل ودليله يكمن في مطالعة النظم الواردة في كتاب الله وفي روايات العترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم، والسيد الشهيد رضوان الله عليه قد وضّح قسماً كبيراً من النظم والقوانين الشاملة للحياة في كتبه وفي محاضراته القيمة، هذا جانب ثان.

والجانب الثالث: من معالم المدرسة الفكرية للشهيد رضوان الله عليه هو جانب العمق والدقة فهو يمتلك عمقاً ودقّة في أفكاره وفي كتبه لم أرَ له نظيراً في من قبله.

والجانب الرابع: هو أن هذه الأفكار الدقيقة والرائعة والتي لم يسبق لها نظير استطاع أن يبرزها ويبينها بثوب جديد من البيان الحديث في عالمنا هذا.

س7: لقد كان للسيد الشهيد قدس سره تأثير واضح ودور بارز في المرجعية، تفضلوا بتوضيح نوع ذلك التأثير وملامح ذلك الدور؟

السيد الشهيد رضوان الله عليه كان له هدفان في تغيير وتهذيب وضع المرجعية، استطاع أن يحقق أحد الهدفين وأما الهدف الآخر فحيل بين السيد الشهيد وبينه، حالت بينه رضوان الله عليه وبين هدفه الشهادة.

أما الهدف الذي حقّقه فقد أخرج المرجعية من صورتها الباهتة التي تعوّد عليها الشيعة في السنين الأخيرة إلى وضعها الحيوي إلى وضع الإشراف على المسيرة الإسلامية ككل، وإلى وضع المقارعة والمصارعة مع طاغوت الزمان، طبعاً هذا هو الوضع الأول للمرجعية ومن أول زمن غيبة الإمام صاحب الزمان (عج) إلا أن هذا الوضع كان قد نسي بالتدريج ضمن عوامل وأسباب لسنا بصدد ذكرها، فالسيد الشهيد رضوان الله عليه أرجع إلى المرجعية هذه الحالة حالة الإشراف على أوضاع المسلمين بكل جوانبها والإرشاد للمسلمين من كل الجوانب وتحريكهم ضد الطاغوت، وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً.

وكان يهدف إلى تطوير آخر للمرجعية لم يُوفق لتحقيقه باعتبار أنه استشهد رضوان الله عليه قبل أن يحقق ذلك، وكان هذا التطوير الآخر هو تطوير لمرجعية من كونها مرجعية فردية إلى ما كان يسميه (بالمرجعية الموضوعية) يعني يفترض أن المرجعية هي موضوع غير متحقق بشخص معين بحيث إذا مات أو استشهد هذا الشخص انتهت المرجعية بل يصبح كموضوع ويتلبس به ثُلّة من العلماء والفقهاء وعلى رأسهم طبعاً المرجع، هو على رأس الجماعة وهذه الثلة؛ لكن حينما يموت هذا المرجع أو يستشهد فالمرجعية لا تنتهي.. المرجعية تبقى كموضوع ويبرز مرة أخرى من ضمن هذه المجموعة شخص آخر كمرجع ويعمل في نفس المسيرة بلا حاجة أن يبتدئ من الصفر بعد وفاة المرجع الأول، طبعاً لهذا الكلام بحث مفصل ومكتوب بخطه رضوان الله عليه وموجود عند بعض الأسرة وطُبع أيضاً، حسب ما أذكر، وطُبع أيضاً في بعض المطبوعات، والأطروحة التي عنده بصدد بيان كيفية المرجعية الموضوعية مطبوعة وموجودة، وأستاذنا الشهيد رضوان الله عليه كان يهدف إلى تطوير من هذا القبيل في المرجعية إلا أنه لم يُوفّق باعتبار أن استشهاده حال دونه ودون هذا العمل.

س8: هل أحدث السيد الشهيد رضوان الله عليه تطوراً في الحوزة العلمية؟

نعم، أحدث السيد الشهيد عدة تطورات على الحوزة العلمية، وهي:

أولاً: أحدث تطوراً في المستوى الفكري من ناحية العمق، العمق الفكري والدقة الفكرية كما أشرنا إليها في ما مضى، ومن ناحية سعة وشمول الفكر الحوزوي حيث أنه تعود الفكر الحوزوي في فترة من الزمن على الاقتصار على أمثال الفقه والأصول، فالسيد الشهيد رضوان الله عليه عوّدهم على ترك هذا الاقتصار، وعلى أن يعملوا على أضواء الأفكار الإسلامية بشتى جوانبها، ومنها الفقه والأصول، فأعطى للحوزة عمقاً ودقة لم يكنّا من قبل وأعطى لها أيضاً أي للأفكار الحوزوية شمولاً وسعة لم تكونا لهما من قبل، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عمل على توسيع أهداف ودوافع العمل الحوزوي، في حين كان العمل الحوزوي في فترة من الزمن عملاً فقط بدافع التوصل إلى الأحكام الشرعية وإيصالها إلى الناس، فأصبح ببركة عمل أستاذنا المفدى الغالي رضوان الله عليه أصبح الدافع الحقيقي للحوزة العلمية هو تحكيم كلمة الله على وجه الأرض وإعلاء كلمة (لا إله إلا الله) على وجه الأرض، وأيضاً التأثير الآخر الذي خلّف في الحوزة هو تعويد الحوزة على مدارس منظمة من قبيل ما كان يُسمى بمدرسة السيد الحكيم رضوان الله عليه؛ وكانت تحت إشراف ورعاية السيد الحكيم رضوان الله عليه؛ ولكن في واقعها كانت تحت إشراف ورعاية طلاب وتلامذة السيد الشهيد الصدر نفسه، وبعد استشهاد السيد الشهيد رضوان الله عليه هذه المدرسة في النجف الأشرف تلاشت في واقعها وانتقلت من النجف إلى قم متمثلة الآن في مدرستين مدرسة باسم مدرسة الشهيد الصدر ومدرسة باسم مدرسة الهادي.

س9: لقد كان للشهيد مواقف رسالية من الثورة الإسلامية في إيران، ما هو أثر تلك المواقف على توعية الجماهير وفتح أذهانها على تلك الثورة المباركة المظفرة، وما هي أبعاد كلمته الخالدة (ذوبوا في الإمام الخميني)؟

لقد دفع السيد الشهيد رضوان الله عليه الأمّة العراقية بالذات باتجاه الثورة الإسلامية في إيران علماً منه من أن هذا سيكلفه نفسه وبالفعل كلّفه نفسه واستشهد في سبيل الله، بل دفع الشعب العربي بشكل عام، بل المسلمين بشكل عام في شتى أقطار العالم نحو الثورة الإسلامية، وأرسل رسالة لي كان يخاطب فيها تلاميذه الساكنين في قم جاءت فيه هذه العبارة المعروفة (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام) وهذه العبارة تدل على موضوعية وواقعية أستاذنا الشهيد رضوان الله عليه ونكران الذات عنده حيث يرى أن المرجع القائم المخلص أيا كان يجب أن نعمل جميعاً في ظله، وبما أن المرجعية المخلصة القائمة تمثلت في الإمام الخميني.

والسيد الشهيد رضوان الله عليه استعدّ أن يكون هو وكل تلامذته بخدمة الإمام، وله رسالة أخرى في وقته أرسلها إلى إيران أو إلى باريس حينما كان الإمام في باريس أرسلها إلى الإمام الخميني ونصّ ما فيها على استعداد أن يكون هو وكل ما يملك من قوى بخدمة الإمام الخميني بصفته مرجعاً قائداً للأمّة الإسلامية.

س10: ما هو دور الشهيد الصدر قدس سره في إنضاج الحركة الإسلامية في العراق؟

هذا تبيّن جوابه في بعض الأجوبة عن الأسئلة السابقة، فالسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه أسس كما قلنا في أوائل أمره حركة الدعوة الإسلامية وعن هذا الطريق استطاع أن ينشر الوعي ضمن صفوف الأمّة الإسلامية، وبعد ذلك أصبح بصدد إيجاد مرجعية واعية بمستوى أن تقود الأمة، وكان هو رضوان الله عليه على رأس هذه المرجعية، وعن طريق إيجاد المرجعية الواعية في الحقيقة وسّع نطاق الحركة الإسلامية، حيث أننا نعلم أن الحركة الإسلامية لا تقتصر على الأحزاب، والتكتلات لها دورها الكبير في العمل على توعية الأمّة وعلى تجنيد الطاقات إلا أنها مهما بلغت سوف لا تكون شاملة لكل قطاعات الأمّة، فعمل رضوان الله عليه على تأسيس إطار آخر أوسع وأشمل وكان ذاك الإطار هو الذي كان يسمّيه بالمرجعية الصالحة ويسمّي الوضع النموذجي من المرجعية الصالحة بالمرجعية الموضوعية، فكان رضوان الله عليه يعمل في سبيل تأسيس مرجعية بالشكل الذي يكون بمستوى المسؤولية في عالمنا هذا ، وبالفعل نجح في ذلك إلا أن عمره رضوان الله عليه أصبح قصيراً وفجعنا باستشهاده على يد السلطة الغاشمة في العراق.

س11: ما هو مستوى التأثير الذي تركه الشهيد الصدر رضوان الله عليه على الحركة الإسلامية العالمية؟

تأثيره رضوان الله عليه على الحركة الإسلامية تأثير لم يسبق له مثيل من زمن غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وإلى يومنا هذا، فإنه أثّر بشكل خاص على الحركة في العراق وبشكل عام امتد تأثيره إلى شتى البلاد العربية الإسلامية، بل إلى شتى البلاد بما فيها إيران، فإن كتبه القيمة في وقت مبكر جاءت إلى إيران وأصبحت مورداً للاستفادة هنا، وفكره الوقّاد أثر في نفوس الأمّة الإسلامية وأوجد حركة قوية عارمة ضد الكفر والطاغوت.

وفي آخر لقائنا نشكر سماحة العلامة آية الله السيد كاظم الحائري على تفضّله بالإجابة عمّا سألناه خدمة للإسلام والمسلمين وندعو الله تعالى أن يوفّقه كما يحب ويرضى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.