بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
نلتقي مع سماحة محي الدين آموزكار الفقيه المازندراني يوم السبت بتاريخ 3/2/ 1362 هـ .شمسي.
س: سماحة الشيخ كيف كانت بدايات معرفتكم بالسيد الشهيد الصدر؟
بسم الله الر حمن الرحيم.. تعرفت على سيدي الأستاذ الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه قبل ثلاث عشرة سنة تقريباً، وكانت معرفتي بالسيد الشهيد عن طريق بعض الأخوة وأصدقائي الذين عشت معهم حياة الطفولة وحياة المراهقة وأيضاً عن طريق تعرّفي على مواقف السيد الشهيد البطولية والجهادية التي كان يبرز من خلالها السيد الشهيد قدس سره إلى الساحة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ثم تعمقت هذه الصلة بيني وبين السيد من خلال ممارسة التردد إلى السيد الشهيد وحضور أبحاثه وحضور مجالسه التي كانت تُعقد في مناسبة وفيات الأئمة ومواليدهم سلام الله عليهم، ومن خلال أبحاث أخلاقية كان يلقيها على تلامذته فتعمقت هذه الصلة بيني وبينه.
س: سماحة الشيخ ماذا تعرفون عن طفولة السيد الشهيد الصدر؟ أعني هل حدثكم هو بشيء؟ وهل سمعتم من أصحابه عنه شيئاً؟ وهل وقفتم على شيء من ذلك من خلال معاشرتكم مع الشهيد الصدر؟
السيد الشهيد لم يحدثني عن طفولته ولكني كنت أبحث يوم كنت عنده في مجموعة أوراق أو كُتب كانت متروكة وخلال بحثي عن أوراق أو كتب مبعثرة عثرت على (كارت امتحان) للسيد الشهيد في مدرسة الكاظمية، وأتخطر كان مثلاً في الصف السادس أو الخامس، أتخطّر أني رأيت الكارت بلون وردي ومكتوب عليه (ناجح) و(جيد جداً) فعرضته على السيد وقال: أنها كانت ورقة امتحان أيام طفولتي وعثرت على ورقة أخرى كانت بخط السيد الخوئي بحيث كانت إجازة اجتهاد ومضمون الإجازة على ما أتخطّر أنه بلغ مرتبة الاجتهاد ويحرم عليه التقليد ولكن بلا تاريخ فعرضت على السيد رحمة الله عليه وسألته عن تاريخ هذه الورقة، فبادرني وقال أني لم أطلب من السيد الخوئي حفظه الله تعالى أن يعطيني ورقة اجتهاد ولكنه هو بادر بكتابة هذه الإجازة لي وقال لي: أني أحب أن أمنحك هذه الورقة بالرغم من أني أستصعب في إعطاء ومنح إجازات اجتهاد للعلماء ولكني أحب أن أعطيك هذه الإجازة فأخذتها منه، وتُركت وكانت ضائعة إلى أن حصلت أنت عليها في هذه المدة، فسألته عن تاريخ هذه الإجازة حيث لم يكن لها تاريخ، فذكر أنها قد صدرت تقريباً قبل 15 سنة والآن حسب ما أتخطّر تصوّري أن هذه الإجازة كانت صادرة لسماحة السيد الشهيد رحمة الله عليه من السيد الخوئي وكان عمره الشريف حينذاك حوالي (مثلاً) 21 أو 22 سنة!
س: متى عثرتم هذه الورقة وقبل كم سنة من الآن؟
مضى عليها الآن حوالي ست سنوات أو سبع سنوات مثلاً وحينذاك أنا أذكر حين سألت السيد قال أنها قبل 16 سنة مثلاً أنا أتصور كان عمر السيد الشهيد رحمة الله عليه في ذلك الوقت 21، 22 إلى هذه الحدود، هذا ما عثرت عليه خلال حياتي مع السيد.
س: وعدا ذلك عن طفولته ماذا تعرفون؟
المعروف أن السيد رحمة الله عليه كان عند نبوغه، كان نابغة منذ طفولته منذ أن نشا بشكل متميز بين الأطفال وفيه كثير من النبوغ بحيث كان متميزاً بين العائلة، وهذا الشيء معروف لا يخفى على أحد والذين كانوا يدرسون معه في أبحاث السيد الخوئي وغيرهم يعرفون أن السيد كان يملك نبوغاً خاصاً، وذكر لي أحد الأخوة وهو الشيخ (علي الكاتبي الهرندي) الذي كان من تلامذة السيد الخوئي ذكر لي في يوم من الأيام: (أني تعرّفت على السيد الشهيد من خلال حضوري لأبحاث السيد الخوئي، وكنت قد رأيت سيداً شاباً يجلس إلى جنب السيد الخوئي في (برّانيه) والسيد الخوئي يعتني به كثيراً ـ هذا الحديث للشيخ علي الكاتبي الهرندي ـ يقول: كنت أرى السيد الخوئي يعتني بهذا السيد الشاب كثيراً، وهذا السيد الشاب العربي كان يجلس إلى جنب السيد الخوئي ويُعلّق إما على (العروة) وإما على (الوسيلة)، مثلاً وسيلة السيد أبي الحسن الأصفهاني، وعرفت أن هذا السيد مُطّلع على آراء السيد الخوئي بحيث أن السيد الخوئي منحه الكتاب وعلى الكتاب طبقاً فتوى السيد الخوئي فسالت عن هذا الرجل فقيل أن هذا (السيد محمد باق الصدر)، يقول: من تلك اللحظة صرت أحب هذا السيد واعتني به وأتردد إليه، فهذا الشيء وهو نبوغ السيد، شيء معروف ولا يحتاج إلى دليل، وأتخطّر بالمناسبة قول السيد الشهيد قدس سره حدثني: (اني لم أقلّد منذ أن بلغت، لم أقلد إلا عاماً واحداً وبعد ذلك بدأت أعمل طبق فتواي وطبق رأيي، فقد قلّدت خالي المرحوم الشيخ محمد رضا آل ياسين سنة كاملة فقط، وبعد ذلك تركت التقليد وعملت بفتواي.
س: سماحة الشيخ ماذا تعرفون عن أسرة الشهيد الصدر يعني عن والدة الشهيد وزوجة الشهيد وأسرته الخاصة؟
أسرة عريقة في العلم والمعرفة والتقوى والإسلام، بيتهم بيت فضلاء وعلماء معروفين.
س: شيخنا أنتم قد حظيتم بصحبة السيد الصدر وكنتم من المقربين لديه، كيف حصلت هذه الخطوة؟ وكيف حصل هذا القرب إلى السيد الصدر؟
أنا أتخطّر حكاية للسيد الصدر رحمة الله عليه بعد اتصالي به ومعرفتي به، من بعد تلك الأحداث التي حدثت بالنسبة لتلامذة السيد وأصحابه واعتقالات أصحاب السيد وإعدام المرحوم السيد عز الدين القبانجي والسيد عماد واحتجاز سماحة السيد محمود الهاشمي وأمثال هؤلاء الصفوة من الأصحاب. فالسيد كان يقول لي وكان يلقبني بزهير ابن القين رحمة الله عليه يقول: أنت مثل زهير ابن القين بالنسبة للحسين سلام الله عليه، أي وتعمقت الصلة بيني وبينه رحمة الله عليه ومن خلال الحوادث المؤلمة والمحن التي دارت به خلال عشرتنا مع السيد ومصاحبته معه وأتخطّر المرة الأولى عندما أعتقل السيد رحمة الله عليه كنت أنا والمرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي أحد تلامذة السيد الشهيد في مستشفى النجف فأحاط بنا جلاوزة البعثيين ورجال المباحث والأمن سيطروا على المستشفى وبقنا تلك الليلة الرهيبة أنا والسيد عبد الغني رحمة الله عليه والسيد الشهيد إلى الصباح في المستشفى، وكان الشهيد في حالة غير جيدة صحياً وهو لا يعلم بأن رجال الأمن قد أحاطوا به وكانت العلوية زوجته والعلوية أخته موجودتين هناك وكنت أنا والسيد إلى الصباح حيث عرف السيد في صبيحة تلك الليلة أنه مُعتَقل ومُحتَجز وأخذ إلى مستشفى الكوفة في سيارة إسعاف والجلاوزة محيطون به وذهبت أنا والسيد عبد الغني إلى الكوفة وجرى ما جرى على السيد رحمة الله عليه، فمن خلال هذه المحن توشجت الأواصر في ما بيننا.
س: أقول هناك إشاعة أنه عندما أخذ السيد من مستشفى النجف إلى الكوفة في السيارة كان وحده دون أن تكونا معه؟
في السيارة، الجلاوزة كانوا يحاولون منعنا عن اصطحاب السيد ولكن السيد عبد الغني رحمة الله عليه أصرّ بأنه لا يفارق السيد مهما كلّف الأمر، فذهب هو مع السيد رحمة الله عليه، وكلفني السيد رحمة الله عليه أن أخبر بقية الأخوة فذهبت في وقت الفجر تقريباً، خرجت من المستشفى إلى دار السيد محمود الهاشمي والسيد كاظم الحائري وأمثال هؤلاء وأخبرتهم بالواقعة وعند طلوع الشمس رجعنا مع الأخوة والسيد عبد الهادي الشاهرودي وأمثال هؤلاء رجعنا إلى مستشفى الكوفة والناس عرفوا بذلك طبعاً، وآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين خال السيد رحمة الله عليه جاء إلى مستشفى الكوفة وصار ما صار.
وبقي السيد هناك في المستشفى محجوزاً حتى أن الجلاوزة كانوا قد وضعوا السلاسل في يديه، ثم رجع السيد مخفوراً إلى مستشفى النجف بعد 48 ساعة، أفرج عنه ورجع إلى داره.
س: هل تذكرون بعض اللطائف أو النكات التي كانت تصادف السيد الشهيد الصدر خلال عمله اليومي؟
أما اللطائف فلا (أعني النكات العلمية أو ما شابه ذلك) ، السيد رحمة الله عليه كان بعيداً عن هذه القضايا وكان جدياً في عمله وجهاده وتربيته لأولاده وأصحابه، كان بعيداً جداً عن الهزل وعن اللطائف وأمثال ذلك، لكن أتخطّر بعض الحوادث التي كانت تشدّ الإنسان شداً وثيقاً إلى هذا العالم الجليل الذي فقدناه وبفقده ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء، أنه في يوم من الأيام جاء إلى البراني رجل أخبر عن نفسه أنه طبيب في البيطرة وهو بغدادي ولا أتخطر اسمه الآن وألحّ علي أن أحصل على فرصة يجتمع مع السيد قدس سره، وكان في بيته في الكوفة وكان الوقت عصراً حيث كان قد ذهب إلى الكوفة للاستجمام والراحة، فألحّ.. فقلت له ارجع غداً صباحاً عند السيد وسل عن مسائلك الشرعية وأصرّ بقوله أني سوف أسافر إلى لندن وعندي مسائل شرعية لابد أن أسأل السيد عنها، فاتصلت هاتفياً ببيت السيد في الكوفة وعرضت المسألة على أحد الأخوة الذي كان هناك وبدوره سأل السيد عن هذا الأمر، السيد رحمة الله عليه قال لي أني تعبان قل لهذا الشخص أن يسجل عنوانه ويسأل عن مسائله ونحن نرسل له الجواب بريدياً إلى لندن، ولكن هذا الأخ الطبيب لم يقتنع، قال أني مسافر إلى لندن وعندي مسائل شرعية وليس عندي عنوان فعلاً واضح، وألحّ علي أن أخرج معه إلى الكوفة ويجتمع بالسيد لمدة خمس دقائق، والنتيجة من ناحية أنا تأثرت طبيعياً بالرغم من أن السيد كان في حالة استراحة واستجمام، أخذت هذا الأخ بسيارة خصوصية استأجرناها وذهبت إلى الكوفة واشترطت عليه أن لا يُعطّل السيد أكثر من عشرة دقائق مثلاً،فذهبنا معاً إلى الكوفة وكان الوقت عند الغروب تقريباً ولما وصلت فتح لي أحد الأخوة وأخبرني أن السيد الآن لتوّه قد دخل للدخلاني للراحة وهو تعبان لا يقدر على الجواب، ومن الطبيعي أنا كنت أ]عد أحد أولاد السيد وأرى نفسي أن أروح أنا أستأذن من السيد، فدخلت إلى بوابة الدخلاني تقريباً وناديت: سيدنا .. سيدنا .. خرج السيد رحمة الله عليه وكان بلا عمامة في ثوبه العربي، قلت له رجل من مقلديكم طبيب يسأل مسائل، ألحّ علي أتيت به إلى هنا يريد خمس دقائق فرصة يتكلم معكم، فالسيد كان متعباً جداً فبدت آثار الغضب عليه تقريباً (وهذه الحالة باعتبار أبوّته لنا ونحن أولاده فالشيء كان طبيعياً)، السيد غضب تقريباً، قال لي نص هذا الكلام: (إذا أنتم مترحموني من يحمني أنا تعبان من الصبح لحد الآن، أمارس أعمالي وأنا تعبان أريد أن أستريح أنت ايش هجي أسوي) بادرني بكلمات حادة وبدا عليه آثار الغضب مقداراً ما، يعني نفس الكلام (إذا أنتم أولادي ما ترحموني .. من يرحمني أنا تعبان، أستوني أريد أن اروح أستريح أنت أجيت)، ولكن فوراً سكن غضبه وقال لي:( ميخالف) أنا سأخرج انتظرني، طبعاً خرج بكل رحابة صدر وأجاب على مسائله ، والمسالة انتهت.
في اليوم الثاني كنت في في البراني ـ أريد أن أقول أن من أخلاقية هذا السيد العظيم ـ السيد بعد ما رجع من دراسته وتدريسه لطلابه حاء إلى البراني فبادرني بالسلام وبدأ يعتذر مني وقال شيخ محي أبو محمد علي أعمل ما كنت تعمله، وفاتني أن أذكر لك أني قلت للسيد: سيدنا أنا بمبادرة دينية في الواقع جئت بهذا الرجل أن هذا الإنسان كانت عنده مسائل أنا أحسست أن هذا الرجل يحتاج إى أن يسأل مسائل ما كان يمكن أن أتركه، السيد أخذ يعتذر مني وقال: أنا بالأمس غضبت وتكلمت بعض الكلمات، أنا أرجو من عندك أن تبقى على حالتك الأولية وأن تكون دائماً على هذه الحالة وأنا اشتبهت إذ أنا بادرتك وبدأ يعتذر من عندي.
(هذه أخلاقه الكريمة رضوان الله عليه).
س: سماحة الشيخ كيف كانت علاقة الشهيد الصدر مع تلاميذه؟
بشكل عام كان السيد أباً رؤوفاً رحيماً بالنسبة لكل الأمّة الإسلامية وبشكل خاص بالنسبة لتلامذته وأولاده وكان يعاملهم معاملة الولد ويحنو عليهم حنو الأب وهذه الظاهرة كانت من خصائص السيد.
كان يسألني بعض إخواني الإيرانيين أنه أنتم أصحاب تمتازون عن بقية أصحاب العلماء ما السبب في انشدادكم الوثيق بهذا لسيد؟ وكان جوابي عليه أن إحضر أبحاثه وعاشر السيد لتعرف السبب. الحاصل أن السبب في ذلك هو شدة ارتباطنا بهذا السيد الجليل، إن السيد رحمة الله عليه كان يحنو علينا حنو الأب وكان يحب أصحابه مثل ما يحب جعفر ابنه، هذا طبيعي قد يكون بعض الأصحاب شدة وضعفاً يختلفون أنا أتخطر يوم من الأيام بعد اعتقال السيد محمود الهاشمي حفظه الله تعالى في المرة الأولى، السيد كان بالكوفة جالساً في بيته وأنا إلى جنبه والشيخ غلام رضا عرفانيان وبعض الأخوة الآخرين، كنا جلوساً عنده وكان قد مرّ على اعتقال سماحة السيد الهاشمي نحو أسبوع تقريباً والسيد كان كثيراً متأثراً وكان يقول مثل هذا الكلام.. طال اعتقال السيد محمود.. طال اعتقاله صار أسبوع الآن صار أسبوع مما يدل على أن السيد كان لا يتوقع أن السيد محمود يُعتقل لمدة أسبوع كامل بينما طال اعتقاله أكثر من أربعين يوماً، كان يدلّ هذا الأمر وحركات السيد وكلماته على أنه يحب السيد الهاشمي حباً كثيراً وهذه الخصيصة طبعاً ربما لأن السيد الهاشمي حفظه الله باعتبار فضيلته وعلمه كان مقرباً أكثر عند السيد رحمة الله عليه، على أن هذه الحالة كانت للسيد مع كل أصحابه وأولاده معروفة وهذه العلّة طبعاً وأحد الأسباب التي كانت تشدّ أولاده وأصحابه به بالإضافة إلى أسباب أخرى دينية واجتماعية.
س: كان النظام الحاكم في بغداد يريد أن يكوّن صلة مع الشهيد الصدر، وكان يتردد بعض القياديين إلى النجف وخصوصاً على سماحة السيد الشهيد الصدر، ماذا كان يدور في تلك المباحثات وفي تلك اللقاءات؟
الحكومة العراقية أو البعثيون وجلاوزتهم المجرمون كانوا يحاولون إقناع السيد بأن يمارس عمله الجهادي ضد السلطة الظالمة وفي الوقت نفسه كانوا يتجنبون التطاول على السيد الشهيد رحمة الله عليه باعتبار أنه مرجع معروف وكاتب ومؤلف وعالم كبير معروف في الأوساط السُنية والشيعية في العالم الإسلامي وغيره، كانوا يتجنبون في الظاهر التطاول على السيد فكانوا يحاولون بشتى الوسائل أن يقنعوا السيد رحمة الله عليه بأن يمارس عمله الجهادي ضدهم، فكانوا يرسلون أحياناً ممثليهم، وأتخطّر بالذات (زيد حيدر) عضو القيادة القومية في الحزب الحاكم ـ حزب البعث ـ في العراق كان يأتي ويجتمع مع السيد ويتحدّث معه، يطلب أشياء من لسيد، وفي إحدى المرات كنت عند السيد جالساً بعد الحملة التسفيريةالأولى بالنسبة لرجال الدين في النجف وتصفية الحوزة، جاء زيد حيدر واجتمع مع السيد وأتصور أنه كان لجسّ النبض ويرى صدى المرجعية وأتخطّر أن السيد تكلم معه حوالي ساعة أو أكثر وذكر بشكل تفصيلي جهاد النجف ومواقف النجف وعلماء النجف على مر التاريخ كيف بارزوا وكيف قاتلوا الانكليز والاستعمار والظلم والإرهاب وذكر تاريخ علماء النجف وجماعة العلماء ونضالهم ضد التيار الشيوعي وأقنعه بشكل عام، أقنعه بأن عمل السلطة عمل صبياني غير صحيح فيه ردّ فعل شديد باعتبار أنهم يصفون الحوزة العلمية في النجف وهذا يضرّكم ، يضرّ المسلمين والرجل بشكل ظاهر اقتنع ولكن في الواقع هؤلاء لا يفيدهم المنطق والعقل، صار معلوماً للعالم أن هؤلاء يحتاجون إلى منطق القوة ولا يرتدعون وليس هناك أي رادع يردعهم على أي حال.
بشكل عام السيد في عدة جلسات كان ينصحهم ويبيّن لهم مساوئ أعمالهم وردود الفعل التي تترتب على أعمالهم من تهجير الإيرانيين وتسفير طلاب العلوم الدينية سواء كانوا إيرانيين أو باكستانيين أجانب، كل هذه الأشياء ذكرها له، الرجل اقتنع ولكنهم عادوا بعد فترة لأعمالهم الأولى.
س: حول ماذا كان يتكلم زيد حيدر هل تذكرون شيئاً؟
بشكل عام أنا أشعر أنه كان يجيء ليجسّ النبض.
س: في هذه الجلسة التي كنتم حاضرين فيها، من كان حاضراً معكم عند السيد الشهيد الصدر؟
عدة من تلامذته وأصحابه كانوا حاضرين بالضبط لا أذكر منهم، أتصور السيد محمود الهاشمي كان موجوداً، قطعاً كان موجوداً وجماعة من الأخوة، السيد عبد الهادي الشاهرودي أيضاً كان موجوداً، بقية الأخوة كانوا موجودين، الآن بالضبط لا أدري، عدة مرات جاء إلى النجف بالإضافة إلى مسؤولين آخرين في القيادة القطرية والقومية بالإضافة إلى مدير الأمن العام ، كان يحاولون أن يسكتوا السيد حتى لا يمارس عمله الجهادي ضدهم ولكن السيد كان كالجبل أمامهم صامداً أمامهم.
س: سماحة الشيخ عندما أعتقل السيد الشهيد في عام 1399 هـ بُعيْد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبالضبط نحن في رجب وكنتم أنتم آنذاك في النجف الأشرف عندما رجع السيد من بغداد وأفرج عنه وأعتقل لمدة ساعات، دار حديث بينه وبين مدير الأمن العام المجرم فاضل البراك، هل حدثكم الشهيد الصدر عما دار في بغداد بينه وبين السلطة؟
السيد الشهيد قدس سره قبل أن يعتقل كان يتنبأ أن الجماعة سوف يعتقلونه ودليل هذا الأمر أنه كانت متفقاً معي ومع أخته الشهيدة ومع زوجته على عدة قضايا منها كان قد أعطاني أرقام تلفونات معينة في طهران وأمرني بأوامر أنه في ساعة الصفر وساعة الاعتقال أن أقوم ببعض الاتصالات وكان قد أمرني بأنّي لا أشارك المظاهرات التي سوف تخرج استنكاراً على السلطة الظالمة بعد اعتقاله الاحتمالي بحيث كنت موظفاً من قبله أن أقوم بعدة أعمال.
س: هل يمكن أن نعرف هذه الأعمال؟
سأشرحها، ونهاني عن المشاركة في المظاهرات باعتبار أني أعتَقل ولا يمكن أن تنفذ أوامره فأنا كنت في البيت ـ طبعاً بيت السيد محمود كنت مستأجراً هناك بعد سفر السيد هاشم إلى فرنسا ، أنا كنت في بيته ـ نعم، جاءت السيد الشهيدة بنت الهدى إلى داري وأخبرتني بأنّ السيد قد أعتقل وجاء المجرم أبو سعد مدير أمن النجف مع جلاوزته وأحاطوا بالدار من كل جانب واقتحموا الدار ودخلوا البيت وأخذوا السيد معهم إلى بغداد، وقالت لي: خابر طهران كما أمرك السيد من قبل، فأنا بدأت أعمالي واتصلت هاتفياً بطهران وطلبت بيت السيد أحمد الخميني أو السيد صادق الطباطبائي ابن أخت زوجة السيد، وأخبرتهم بالواقعة واتصلت هاتفياً بالكويت والإمارات وبغداد والبصرة والناصرية.
س: أكل الأرقام هذه كان السيد قد أعطاك إياها؟
نعم، أخبرتهم بالحادث حتى يقوموا بأعمال إعلامية ضد السلطة ويقوموا بواجبهم وبعد هذا انتقلت إلى دار السيد محمد باقر المهري حيث كان قد سافر إلى الكويت وبدأت أتصل ببعض العواصم وبعض البلدان.
س: وعلام من بيت السيد المهري؟
غيّرت مكاني باعتبار أن تلفون دار السيد الهاشمي كان مراقباً، فغيّرت مكاني وبدأت أعمالي بالاتصال، وكانت تقتصر على هذا الأمر لا أكثر، لا أستطيع أكثر من هذا، اتصلت ببعض الشخصيات ودعوتهم إلى الخروج إلى المظاهرات ضد السلطة، بقيت إلى الظهر وكنت أشاهد مداهمة الجلاوزة للمؤمنين، حيث خرجت المظاهرة في نفس صبيحة ذاك اليوم ضد السلطة مستنكرين اعتقال السيد الشهيد رحمة الله عليه، وكنت أشاهد مداهمة السلطة لهم وضربهم بالعصي وتهديدهم بالسلاح وسحبهم واعتقالهم وبقيت في تلك الدار إلى الساعة الثانية بعد الظهر.
ونسيت أن أقول أن السيدة الشهيدة بنت الهدى حدثتني أنها خرجت من الدار بعد اعتقال السيد، خرجت تصيح: (الظليمة الظليمة.. أعتقل زعيمكم وقائدكم ومرجعكم السيد الصدر)، قالت: خرجت إلى الصحن الشريف وناديت بأعلى صوتي وقلت: (أيها المسلمون أعتقل إمامكم ومرجعكم)، ثم خرجتُ إلى الصحن وإلى السوق الكبير أعلم الناس بهذا، ثم بعد ذلك أتيت إلى دارك ـ يعني إلى بيتي ـ ثم راحت إلى بيتها. نعم، الساعة الثانية بعد الظهر، جاءت زوجة السيد رحمة الله عليه وأخبرتني بأن السيد رجع إلى النجف وهو يطلبك الآن، فخرجت إلى السيد.
س: قبل ذلك أنتم عندما اتصلتم بالعالَم هاتفياً هل تذكرون بعض الأسماء التي اتصلتم بها في الكويت أو في الخليج؟
والله اتصلت بالشيخ (محمد مهدي الأصفي) بالكويت، والشيخ (الكوراني) ظاهراً، والشيخ (محمد باقر الخويبراوي) في الناصرية والسيد (حسين الصدر) في الكاظمية، والشيخ (حسن فرج الله ) وبعض العلماء الآخرين في البصرة، الآن لا أتخطر أسماءهم في البصرة وعدة بلدان أخرى في الخليج، الآن نسيت أسماءهم، جماعة كانوا من وكلاء السيد اتصلت بهم وأخبرتهم عن أن السيد أعتقل واتصلت بطهران بدار السيد أحمد الخميني والسيد صادق الطباطبائي وأمثال هؤلاء، وبأصفهان كذلك.
س:الاتصالات كانت من بيت السيد الهاشمي؟
نعم، الاتصالات كان بعضها من بيت السيد الهاشمي وبعضها من بيت السيد محمد باقر المهري.
س: شيخنا قبل ذلك أنتم قلتم أن السيد كلفني بعدة أمور، يعني غير الاتصال الهاتفي، هل كلفكم بأشياء أخرى؟
لا إنما كان واجبي أن أتصل بالعواصم في العالم ،أخبر جماعة من الناس حتى يقوموا بواجباتهم، ما كان يمكنني أكثر من هذا.
س:أين كان السيد الهاشمي آنذاك؟
السيد الهاشمي أتصوّر كان في فرنسا.
س:هل اتصلتم به؟
اتصلت به، كان إما في لندن وإما في فرنسا، اتصلت به وأخبرته عن الحادث وطلبت منهم أن يقوموا بواجباتهم ضد السلطة الظالمة في بغداد وأن يُخبروا العالم، وطبيعي أنّ راديو طهران أذاع النبأ في الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت طهران بحيث حدثني بعد ذاك بعض الأخوة أنهم سمعوا من راديو طهران نبأ اعتقال السيد وجاءوا إلى مصافي الدورة ورأوا سيارة السيد لما تصل إلى مدخل بغداد، بحيث أن إذاعة طهران أخبرت بالخبر والسيد بعْد لم يصل إلى بغداد.
والحاصل أنه ذهبت إلى دار السيد في الساعة الثانية بعد الظهر، رأيت السيد الشهيد جالساً في غرفته بالمكتبة وعنده أحد الأخوة، السيد (عبد العزيز الحكيم) بالذات ولما رآني استبشر وجلست عنده وسألته عما دار بينه وبين الجلاوزة في بغداد ، قال رحمه الله تعالى:
لما أعتقلت من النجف خرجت آيساً لأني كنت أعلم أنهم سوف يقتلوني أو يسجنوني لمدة طويلة ولذا ودّعت والدتي، وخرجت ـ وقال رحمه الله ـ أحسست بأني مرتاح ولا أشعر بالمسؤولية على عاتقي تجاه الإسلام والمسلمين لأن مصيري قد تحتم إما الموت وإما السجن فخرجت. لكن السيد رحمة الله عليه كان كما قد تنبأت أنهم إما أن يقتلوني وإما أن يسجنوني، ولكن الموقف قد تغير بعدة ساعات، لا أدري كيف تغيّر وأطلقوا سراحي.
والحديث الذي دار بينه وبين فاضل البراك قسم منه حدثني السيد عنه قال: بشكل عام كان يقول لي أنه أنت الذي تحرّك ضد السلطة في الخارج، وأنت الذي تبعث الأموال وتعطي الأموال للأحزاب الإسلامية يعملون ضد السلطة في الخارج ولا يخفى هذا الشيء علينا ـ وأضاف السيد ـ أنه أعطاني أرقام معينة على ادعائه بحيث كان لا يمكن الإنكار، من جملة هذه الأرقام أنه ذكر رقم (1) بأني قد أعطيت مائة دينار لبعض الأخوة من المجاهدين على أن يعملوا ضد السلطة وكان الرجل مؤمناً قد ألقي القبض عليه والمائة دينار كان محتفظاً بها، أعطاني هذا الرقم قال أنك قد أعطيت مائة دينار الرجل كذا اسمه يعمل ضدنا، وأنت أرسلت السيد محمود الهاشمي إلى باريس وأنت الذي تصطنع البرقيات والاتصالات الهاتفية مع الخميني في إيران، وكل هذه البرقيات التي تتردد بينك وبين الخميني هي مصطنعة من قبلك والسيد الخميني يبعث لك بأن تبقى في النجف لا تخرج وأنت تبعث إليه برقية أخرى، هذه كلها برقيات مصطنعة وكان بقول أني ما رأيت القيادة تتردد في قتل أحد كما رأيتها تترد في قتلك وهذا الشيء ينبغي ألا أخبرك به ولكن أنا أخبرك لأني أنا أعتز بك واعتز بأني جالس أمام رجل علّامة مثلك وأنا في الوقت ذاته أطالع كُتبك وأنا عندي مكتبة وفيها جملة من كتبك، كتاب اقتصادنا وفلسفتنا وأنا أعتز إنك رجل عالم ولكن في الوقت نفسه أنا أقتلك وأبكي عليك، وما رأيت القيادة تتردد في قتل أحد كما رأيتها تتردد في قتلك، ولكن اعلم إنّا قد صفينا كل المعارضين والمناهضين للبعثيين وبقيت أنت وحدك في الساحة العراقية وتصفيتك أسهل شيء عندنا ولا يمكن أن تجعل من نفسك حكومة مستقلة ودولة مستقلة في حكومتنا، تبعث برقيات إلى أفغانستان وتبعث برقيات إلى أنور السادات ـ يشير بذلك إلى برقيتي استنكار السيد على ببرك كارمل في أفغانستان وعلى أنور السادات لقضية كامب ديفيد وأمثال هذه ـ وتبعث برقيات ولا بدّ أن تبعث برقية تؤيد الحزب والحكومة العراقية أيضاً حتى نُرفع اليد عنك ـ يقول السيد رحمة الله عليه ـ لما وصل الحديث إلى هنا قُلت له: لا تتكلم بهذا ـ الكلام حرفياً كلا السيد رحمة الله عليه ـ قلت له لا تتكلم بهذا الكلام، افتح لي غرفة من هذه الغرف في مديرية الأمن وأدخلني فيها وأرح نفسك واسترح مني، ولما رأى هذا الكلام مني سكت.
نعم هذا بعض حديث السيد مع فاضل البراك مدير الأمن العام وطبيعي أن هناك أحاديث طويلة السيد لم يتعرض لها ولكن بشكل عام قال:
إنهم كانوا يقولون هذه الأشياء وأني أنا معارض لهم وأن تصفيتي سهلة عليهم إلى آخر الكلمات.
سويعات تغير الجو وإذا بمدير الأمن العام قال إنا أطلقنا سراحك الآن، ارجع إلى النجف، وكان بناؤهم يرجعونني في سيارة المباحث (سيارة الأمن) ـ يقول السيد رحمة الله عليه ـ طلبت منه أن يأتي بي إلى الكراج العام ـ يقول ـ استجابوا لطلبي وأتوا بي إلى ساحة المتحف ولما ُأطلق سراحي قلت له: لا بد أن تطلق سراح الشيخ طالب الشطري الذي جاء معي إلى بغداد وأعتقل هنا وأني لا أخرج من هنا إلا أن يأتي الشيخ طالب الشطري معي ويرجع معي، ولما رأى موقفي ذاك استجاب وأمر بإطلاق سراح الشيخ طالب الشطري ورجعنا معاً مع السيد محمود النعماني إلى النجف بسيارة استأجرناها ـ هذا حديث السيد رحمة الله عليه ـ.
طبعاً طلب مني ومن السيد عبد العزيز الحكيم ألا نتردد إلى بيته باعتبار إنّا سوف نعتقل من قبل السلطة ولكنا أبينا عن ذاك وبقينا نتردد إلى دار السيد.
وأنا أتخطّر أن اعتقال السيد كان يوم الاثنين 17 رجب تقريباً وأطلق سراح السيد الساعة الثانية بعد الظهر رجع إلى النجف ،ويوم الثلاثاء بدأت السلطة تعتقل كل الشباب المؤمنين الذين يترددون إلى دار السيد عندما يخرجون من دار السيد يعتقلونهم، من جملة الأشخاص الأخ مصطفى الهاشمي أخو السيد محمود الهاشمي بعد ما خرج من دار السيد أعتقل عند بوابة السيد، ويوم الأربعاء بدأوا يعتقلون المعممين أيضاً وأنا أتخطر أني حضرت ليلة خميس، مجلس تعزية في براني السيد وكان السيد جالساً في البراني وكان الحضور قليلين من المؤمنين ومن العلماء في النجف من جملتهم الشيخ حرز الدين والشيخ هادي القرشي وأمثال هؤلاء وأنا كنت جالساً وبعض الأخوة الإيرانيين والمجلس كان مجلساً خاصاً، تلك الليلة أو مجلس بعد الإفراج عن السيد وبعد تلك الحوادث الرهيبة والاعتقالات والضرب والسجن وكان رجال الأمن أيضاً جالسين في المجلس.
س: كان يبدو هذا أول مجلس بعد الاعتقال وآخر مجلس؟
أول مجلس وآخر مجلس كان ليلة الخميس وأتخطر الشيخ (شاكر محمد القرشي) قرأ تعزية، والسيد خرج من البراني قبل الوقت وكانت آخر ليلة نلتقي السيد ويوم الخميس صدر أمر باعتقال كل الإيرانيين من أصحاب السيد، وكنت أنا بالطبع واحداً منهم وفي رأس القائمة، كان أمر باعتقالنا وتسفيرنا وتهجيرنا مع عوائلنا من مديرية الإقامة العامة، وكان هناك أمر من مديرية الأمن باعتقالي أنا شخصياً ولكن الله نجاني منهم بشكل أعجوبة بحيث بقيت (11) يوماً في سجنهم هم يبحثون عني والحمد لله خرجت بسلام من أيدي البعثيين الجلاوزة المجرمين.
س: طوال هذه الأيام عندما كنت تتردد أنت والسيد عبد العزيز هل كان أحد غيركم يتردد إلى البيت؟
نعم، كان السيد (محمد علي الحائري) حفظه الله تعالى من أصحاب السيد وكان الشيخ (محمد رضا زادة الأصفهاني)، أنا أذكر إخواني الإيرانيين وأما أخواني العرب فقليل وما كانوا يأتون لأنهم يخافون إا بدأت حملة الاعتقالات.
وكان يأتي مثلاً السيد محمد حسين الحائري وأمثال هؤلاء وقليل جداً، أي بعدد الأصابع كان يترددون، وبدأت حملة التسفير والتهجير والاعتقالات الواسعة في يوم الثلاثاء والأربعاء للعراقيين والإيرانيين وأنا أتخطّر أن رجال الأمن كان في أيديهم العصي يترددون في الشوارع ويعتقلون الأشخاص ويعذبونهم بالعصي ويسحبونهم إلى الأمن.
س: سماحة الشيخ، السيد رجع إلى النجف في يوم الاثنين وأنتم أخذتم تترددون الثلاثاء والأربعاء والخميس وكنتم تلتقون السيد الشهيد، ماذا كان يتحدث في تلك الأيام أي بعد الاعتقال، وفي اليوم الثالث والرابع؟
في الواقع لم يدر حديث، لأن السيد رحمة الله عليه بعد رجوعه من بغداد ترك البراني، في الواقع وترك البراني يوم الثلاثاء والأربعاء ولم يحضر البراني حتى يتحدّث مع الناس، ولكن كان لقاؤنا معه لقاء خاصاً في غرفته الخاصة، كنا نجلس معه أنا والسيد عبد العزيز الحكيم والسيد محمد علي الحائري وأمثال هؤلاء من الصفوة من الإخوان كنا نجلس عند السيد وفي مجلس خاص ولم يدر حديث.
س: اعني ماذا كان يجري من كلام؟
لا أدري، ما دار شيء سوى وضع السلطة وأنهم محيطون بالبيت وإنه كيف يفعلون وأن السيد يتخذ مواقف خاصة مثلاً ضده، وكان الحديث استشاري حول القضايا ولكن البعثيين سبقونا يعني سبقوا لحوادث.
س: ما هي؟
بالضبط ما حدّثنا بشيء ولكن وكان يقول مثلاً: أنا سوف اتخذ مواقف أخرى، سوف أكتب إلى بغداد كذا وكذا، أحاديث عامة بشكل عام ما أبرَزَ لنا موقفاً خاصاً ولكن كان يستشيرنا قبل ما يتخذ موقفاً خاصاً، والبعثيون داهموا الناس واعتقلوهم وبدأوا بحملة الاعتقالات.
س: قصدي هل كان يتطلع إلى شيء من الشعب العراقي وإلى شيء من إيران؟ وما كان يجري في هذه الجلسات من حديث في هذا الشأن؟
ما أتخطر شيئاً فعلاً.
س: سماحة الشيخ هل كان السيد الشهيد يُفكّر بالخروج من العراق وترك الساحة العراقية؟
بشكل عام السيد رحمة الله عليه كان يسألنا أحياناً ويستشيرنا، يستشر أصحابه في الخروج من العراق وترك الساحة الجهادية في العراق، حتى أنه في يوم من الأيام سألني (أبو محمد علي) : ماذا تقول أنا أحمل جواز عراقي الآن ما عندي إجازة خروج طبيعي، هذه إجازة كانت بعد سفره إلى الحج في سفرة العمرة كان يحمل جوازاً ـ كان يقول ماذا ترى أخرج من العراق ، كنت أقول للسيد: أنه لا بأس تخرجون من العراق وكذلك بعض الأخوة كانوا يحثونه بالخروج واستمراره في العمل الجهادي في خارج العراق باعتبارنا كنا نقول للسيد: أن البعثيين خطرون جداً وما عندهم مانع أن يصفوك جسدياً، وهذه خسارة للإسلام والمسلمين ، والسيد كان يقبل هذا الكلام مبدئياً وحيث أنه في يوم من الأيام حدثّت بكيفية خروجه من طريق الرطبة إلى سوريا مثلاً ولكنه مجرد استشارة، كان يبدو أن السيد ما كان مقتنعاً بالخروج من العراق حتى أن يوماً من الأيام صريحاً قال لي: ( إني لا أترك الساحة العراقية هنا ) هذا نص كلامه :
أنتم في حل من بيعتي، من كان منكم أجنبياً إيرانياً، لبنانياً ، أفغانياً، أنتم في حل من بيعتي اخرجوا إلى بلدانكم كي تسلموا من أيدي البعثيين ولكني لا أخرج من العراق، هذا وضعي، هذا موقفي إما أن أستشهد وإما أن أبقى في النجف لأن خروجي من النجف سوف يبرّد الأخوة المجاهدين في العراق على الساحة العراقية باعتبار أن زعيمهم وقائدهم ومرجعهم إذا خرج سوف يبردون في عملهم الجهادي ـ صريحاً قال: أنتم في حلّ من بيعتي حتى أنه في يوم من الأيام طلب منّا بشكل جدي أن نخرج من العراق، قال: أنتم تملكون جوازات إيرانية، باكستانية، هندية، أفغانية ، لبنانية أنتم في حلّ من بيعتي، وبشكل جدّي طلب منا بحيث أنا صدّقت كلامه وتكلمت مع السيد عبد الغني الأردبيلي رحمة الله عليه أن السيد يأمرنا بالخروج ولكن السيد عبد الغني رحمة الله عليه قال: لا ، لا يأمرنا، السيد يريد أن يمتحننا.
على أي حال ، فبقينا صامدين معه إلى آخر لحظة، السيد صريحاً قال لي: لا اخرج من العراق، هذا موقفي، أبقى في النجف إما أن استشهد وإما أن أبقى في النجف لأن خروجي من النجف معناه تبريد المجاهدين في العراق، سوف لا يمارسون أعمالهم الجهادية، يتوقفون إذا رأوا أن قائدهم قد خرج من النجف.
فالسيد بقيَ عالماً بأن مصيره إما أن يكون استشهاداً وإما السجن وأمثال ذلك رحمة الله واسعة وسلام عليه في الخالدين…